رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر(اعتقال)
اتفاعلوا حلو بقا زي الفصل اللي فات..
وماتنسوش الكومنت…
صلوا على رسول الله…
_____________________
-تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في انفِرادي
وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَة
فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه
“الإمام الشافعي”
_____________________
انطفأت شُعلة بهجته،تحطمَ..وتبددت سعادته،وشق الحزن طريقه إلي قلبه بعد زوال روحه وفقدانها،ليُصبح هشّاً وضعيفاً كالريشة تُسقطه نسمة هواء،بعدما كان يتصدى للعواصف الهوجاء،والقلب يصرخ من الأن..آه من من ألم الفراق.
اختفى صوت شهقاته تدريجياً،ولكن استمرت دموعه في السقوط علي كفيّه الذي دفن وجهه فيهما،يستمع لصوت كسر قلبه بعدما غادرت روحه،ولصوت أنفاسه المتقطعة والتي جاهد للفظها.
ولكن فجأة شعر بيدٍ تربت علي كتفه وصوت يهمس بحنان ودفأ:
“مالك يابني؟؟”
مسح دموعه بيده وفرك عينيه بأصابعه ثم نظر إليها فوجدها امرأة مُسنّة ظهرت التجاعيد علي كفيها وعلي وجهها؛ابتلع ريقه بغصة ومسح وجهه مجددا بكفيه فضمت هي شفيها بأسي عليه ثم قالت:
“مفارق حبيب،صح؟؟”
تفاجأ من معرفتها للأمر بسهولة،ثم اومأ لها بالإيجاب دون نطق حرف واحد،بينما هي تابعت حديثها:
“كنت بتحبها أوي؟؟”
أومأ لها مجددا بالإيجاب فأضافت بنفس النبرة الهادئة الرتيبة:
“طب هي كانت بتحبك؟؟”
حرك راسه بالنفي بحركة بسيطة منه فاومأت هي بالإيجاب بإماءة بسيطة ثم قالت:
“طب كانت تعرف إنك بتحبها؟؟”
نفى مجددا برأسه ثم قال بصوت مختنق:
“لأ”
“ليه معرفّتهاش؟؟،مش كان ممكن ماتسافرش لو عرفت إنك بتحبها”
ابتلع ريقه بغصة ثم أجابها بنفس الوتيرة:
“خوفت..،خوفت أخسرها كصديقة ليا لو اعترفتلها..وأديني دلوقتي خسرتها للأبد..،ومش هاعرف أشوفها تاني،وحتي لو شفتها هيكون وضعها أتغير،أنا ممكن أستنّاها لأخر عمري..بس هي مش هتستناني”
رفع يده ومسح عينيه مجددا ثم عاد إليها وأضاف:
“ودلوقتي أنا ندمان،ندمان إني ماقلتلهاش..،ياريتني ماخوفت،ياريتني اتشجعت وقولتها وكان يحصل اللي يحصل بعدها،بدل ماأنا قاعد دلوقتي خسران روحي ونفسي..ومكسور..،مكسور كسرة العمر واللي واثق إني مش هتعافى منها”
شعرت بالأسي لأجله ثم تنهدت وقالت ببسمة هادئة:
“واضح إنك كنت بتحبها أوي؟؟،كلامك وهيئتك بتثبت إنك كنت بتعشقها؟؟”
“أنا مابحبتش حد قدها،طول عمري كانت بالنسبة لي نجمة في السما،بحاول أعلى وأنجح علشان أقدر أوصلها..،كل حاجة حلوة عملتها لحد النهاردة كانت علشانها،كانت علشان أستحقها..،اشتغلت وتعبت ونجحت علشانها بس،عملت كل ده علشان لما ترجعلي أكون لايق بيها،أكون..”
أخرق راسه قليلا ثم مسح وجهه بيدها وهو يضيف بغصة محاولاً عدم البكاء:
“أكون ليها..،بس دلوقتي..هي مشت،مشت وخدت روحي معاها،خدت أحلامي وحياتي،شغفي للحياة مابقاش موجود،هعيش غريب عن نفسي..مش بس غريب عن الناس”
“طب ليه ماتتفائلش؟؟،مش ممكن تحصل معجزة وترجعلك تاني،ويبقى عندك فرصة معاها”
رفع رأسه وطالعها ثم حرك رأسه بالنفي مرددا:
“مستحيل..مستحيل ترجع بقا..،كل حاجة انتهت وأنا كمان انتهيت،والسبب ترددي وخوفي”
وضعت يدها على كتفه وتحدثت برتابة:
“مفيش حاجة مستحيلة يابني،كل اللي عليك إنك تقول يارب وإن شاء مش هيخذلك وهايحققلك اللي ببتتمناه..،ادعي من قلبك وسيب الباقي علي الرحمن”
ربتت بحنان علي كتفه فأومأ لها بالإيجاب ببسمة هادئة ممتنة لإستماعها له،فابتسمت لها كذلك ثم نهضت وهي تستند علي عكازها حتي اقترب منها شاب أمسك بيدها،وقبل أن ترحل نظرت صوب الأخير الذي كان يطالعها هو الأخر،ثم رفعت عينها فوقه قليلاً وأومأت بإماءة بسيطة،لتلتفت بعدها وتكمل سيرها مع قريبها هذا.
بينما الأخر تابع أثرها يعينه وبمجرد أن اختفت بين الحشود اختفت ابتسامته،وأخرق رأسه ثم مسح وجهه بكفيه ونبس بصوت خافت مختنق:
“يارب..يارب”
تنفس الصعداء عقب كلماته وفجأة شعر بيد توضع علي كتفه من الخلف،فعقد بين حاجبيه والتفت برأسه ليرى صاحب هذا اليد،ولكن فجأة اتسعت عينه بصدمة ونهض من موضعه سريعاً ونبس من بين شفتيه:
“في..فيروز!”
____________________
_
سارت في طريقها إلي المنزل،بعدما تعرضت إلى تلك الصاعقة القوية،بعدما سمعت ذلك الخبر من تلك السيدة،ذلك الخبر الذي سيطر علي تفكيرها وشغل عقلها،والذي جعلها تسير كالتائهة بين الناس،وفي عقلها تتدفق ألاف الأفكار والتي ليست بالجيدة ألبتة.
توقفت أقدامها تلقائياً أمام ورشة عمل زوجها
،وعندما أبصرت مكتبه لم تجده أمامها،فعقدت بين حاجبيها في لحظة اقتراب “تامر” منها والذي قال:
“تؤمري بحاجة ياست عبير”
نظرت جهته ثم ابتلعت ريقها وقالت:
“وهو داود فين؟؟”
“المعلم داود قاعد فوق مع الحاج محمد واخواته”
أومأت له بالايجاب ثم قالت بنبرة هادئة طبيعية:
“تمام،تقدر تروح تكمل شغلك”
أومأ لها ببسمة هادئة ثم عاد لعمله من جديد،بينما هي وقف دون حراك للحظات،ثم التفت وولجت لمدخل العمارة واستمرت في الصعود حتى وصلت لشقة والد زوجها،وأبصرته وهو يجلس مع والده وأشقائه وزوجاتهم،ودلال وشقيقها طارق،وسامية وابنتيها التوأم.
أبصرتهم تباعاً حتى توقف عينها عليه،وظلت تفكر في صمت لثواني ثم نبست بصوت خافت:
“مش هينفع اقوله دلوقتي وهو قاعد معاهم..،هضطر أستني لحد مانبقى لوحدنها وبعدين أبقى أحكيله اللي عرفته،لعله يبقى عنده تفسير ليه،أو حتي يواجه ابنه باللي عرفته ده،ويعرف منه الحقيقة”
أومات رأسها بإقتناع واتخذت قرارها بعدم إخباره في الوقت الراهن نظراً لهذا التجمع العائلي،وأن تُأجل الحديث في الأمر إلي وقتٍ مناسب،ليواجهه كلاهما ابنهما علي انفراد.
_____________________
كانت تقف خلف مقعده تطالعه ببسمة صغيرة زينت وجهها،ثم أجابته بنبرة مُبهمة:
“اتأخرت أوي علي فكرة..،أنا مستنياك من بدري”
فقد القدرة علي النطق لوهلة،فوجودها أمامه الأن،وكلماتها الغريبة له،كانت كفيل بأن تدخله بصدمة،ويجعله يجهل ويفكر فيما يراه الأن،هل هو حقيقة أم خيال؟؟
رفرف بأهدابه عدة مرات ومازال ينكر مايراه،فنبس بنبرة متقطعة:
“أنتِ..أنت هنا بجد،ولا..ولا أنا بحلم؟؟”
“لا مش بتحلم ياموسى،أنا هنا بجد”
عادت روحه إلي جسده،وعادت إليه حياته وشغفه بعدما تاكد من أن مايبصره الأن حقيقة و واقع وليس مجرد خيال.
فتح فمه بصدمة ثم تنفس الصعداء،و سألها مستفسراً عن كيفية حدوث ذلك:
“بس..بس إزاي؟؟،إزاي أنتِ هنا؟؟،كان..كان المفروض تبقي علي الطيارة دلوقتي”
“حبيت أديك فرصة..،أو بالأصح أدي علاقتنا فرصة”
لم يعد يفهم أو يعي أي شيئ مما تقوله،ويرفض تصديق ماترمي إليه،فحرك رأسه بالنفي ثم قال:
“ثانية،أنا مش فاهم حاجة..،هو أنتِ تعرفي إني..”
لم تنتظره ليكمل جملته بل أومأت له بالايجاب محتفظة ببسمتها الهادئة،فرُسمت الإبتسامة علي وجوهه وهتف بلهفة:
“من امتى؟؟،تعرفي من امتى؟؟”
سكتت قليلا ثم قالت:
“من بدري أوي”
تفاجأ أكثر أكثر،
وتذكر جملتها الأولى له فاتسعت حدقتيه وكذلك بسمته وهتف بسعادة عندما فهم ماكنت تقصده وأخيراً:
“لحظة،أنتِ كُ..كُنتِ مستنياني علشان أنتِ كمان..”
أشار عليهما باصبعه تباعاً،فوجدها تومأ له بالإيحاب،فوضع يده تلقائياً علي فمه وهتف بدهشة:
“يالله!”
أبعد يده عن فمه وهو يضيف:
“أنتِ بتتكلمي بجد؟؟،مش بتهزري صح؟؟”
سألته مستنكرة حديثه:
“برأيك معقول أهزر في حاجة زي دي؟؟”
وضع يده المرتجفة علي صدره ثم قال بغير تصديق:
“يعني أنت بتتكلمي بجد؟!،يعني أنتِ رفضتِ تسافري علشان أنتِ كمان ز..زيي؟؟”
أخرقت رأسها بخجل ثم أومأت بالإيجاب،ففتح عينه بصدمة ثم وضع يده علي وجهه،وحاول استيعاب ماتفوهت به وماوصل إلي مسامعه وما تراه عينه الأن.
بينما هي رفعت عينيها وطالعته ورأت حالته المصدومة تلك فأضاف بمرح:
“أومال لو عرفت إني سمعت كل قلته من شوية؟؟”
“ايه!!”
نبسها بصوت عالي مصدوم،فضحكت هي عليه ثم أكدت حديثها بإماءة وأضافت:
“آه،سمعت كل حاجة قلتها للخالة من شوية،ومش بس كده..سمعتك في كل مرة كنت بتغني فيها في بلكونة جدك،وشوفتك وأنت بتراقب شباك أوضتي”
عادت بذكرياتها إلي تلك اللحظات،التي كانت تقف بها خلف نافذة غرفتها وتبصره في الخفاء وهو يجلس في شرفة جده علي الكرسي وتبتسم كلما كان تسمعه يغني ويدندن أغاني عبد الحليم،وفي مرات أخرى كانت تبصره وهو يجلس يراقب شرفتها،كل هذا كان علي مدار الأيام التي مضت.
أما هو فقد انقبضت ملامحه بمجرد وقوع تلك الكلمات علي مسامعه،وصُدم وشعر بالإحراج عندما أدرك أنها كانت تبصره وهو يراقبها،وسمعته وهو يغني بصوته الشنيع،عندما أدرك أنه كان مكشوف أمامها منذ البداية..،ولكن أجمل ماأدركه هو أنها كانت تراقبه مثلما كانت يراقبها.
فتجاوز إحراجه سريعاً وشقت الإبتسامة وجهه من جديد ليهتف بحماسة وعفوية:
“أنا بموت فيكي..وكنت هموت من غيرك لو فعلا كنت مشيتِ،ومش مصدق إنك كمان طلعتِ..طلعتِ بتحبيني”
ابتسمت بسعادة وخجل في آنٍ واحد،وظل هو يتأملها ببسمة واسعة عبرت عن مدى سعادته في هذه اللحظة،وفجأة تذكر شيئاً فنبس سريعاً:
“ثانية!،طالما أنتِ كنتِ عارفة من بدري وكنت كمان..زيي،ليه مالمحتش ليا إنك كده،ليه كنتٍ هتسافرب حتي من غير ماتقوليلي”
سكتت قليلا تطالعه ثم تنهدت وقالت بنبرة هادئة جادة:
“علشان ماكنتش متأكدة من حبك ليا؟؟..،ليلة ماتكلمنا وقولتلك إني مسافرة بعد أسبوع ماعملتش رد فعل ومحاولتش حتى تمنعني بكلمة،فحسيت إنك مش عايز تكمل واستسلمت،ومش عايزني عموماً،علشان كده لما بابا امبارح طلب إننا نسافر مارضتش أقولك،وقلت أسافر احسن من غير ماتعرف طالما كده كده كنت هسافر أصلا وأبعد..،بس بعدها ماقدرتش وحسيت إني عايزة أديك فرصة،وكنت طالعة علشان أرن عليك علي فكرة بس لقيت موبايلي خالص شحن مع الأسف،بس الحمد لله إنك ماخيبتش ظني وجيت”
اختفت ابتسامته ونبس بنبرة لامسها الحزن والندم:
“يعني لو ماكنتش عرفت من سامي وجيت،كنت هخسرك للأبد بسبب إني معرفتش اعبر عن رفضي لسفرك..،وعن مشاعري تجاهك”
“أنا كل يوم كنت مستنية كلمة تثبتلي إنك فعلاً عايزني،بس أنت محاولتش،غير بس لما كلمتني في الموبايل امبارح وكنت علي وشك إنك تعملها بس مالحقتش،وبعدها محاولتش تاني،فقلت أكيد اتراجع وخلاص مابقاش عايزني”
أجابها سريعاً بنبرة هادئة مستنكراً حديثها:
“أنا مابقتش عايزك..،ده أنا مفيش ثانية عدت عليا غير وأنا عايزك يافيروز،غير وأنا بتمناكِ من ربنا،غير وأنا بحبك،وربنا يشهد علي كلامي ده،ولو كنت اتأخرت في اعترافي فده بسبب خوفي إنك ترفضيني وأخسرك كصديقة مقربة ليا وتبقى غريبة عليا،وأنا كنت هتدمر لو حصل كده،وبحمد ربي وبشكره إنك ماسافرتيش وإني ماخسرتكيش”
ابتسمت تلقائياً عند إلقاءه تلك الكلمات بشاعرية وهو يطالعها بنظرات حب وهيام،بنظرات عاشق حصل علي مُبتاغاه،فوصلت مشاعره الصادقة لها وأردكت كم هو يحبها وكيف كان سينهار إذا بالفعل عاش ألم فقدانها للأبد.
تبادلوا النظرات العاشقة بإبتسامات هادئة،وتجاهلوا كل الضوضاء من حولهم وانعزلوا في عالمهم الخاص،عالم لايوجد به سواهم،عالم اجتمعت به قلوبهم وأرواحهم ليصبحوا روحاً واحدة في جسدين.
استمرت النظرات واستمر صمت الأفواه بينهما،ولكن فجأة انقبضت ملامحها وظهرت الصدمة عليها،وقبل أن يستفسر الأخير عما حدث وصله صوت من الخلف يعرفه جيداً يقول:
“موسى!..بتعمل ايه هنا؟؟”
أدرك سبب صدمتها،وصدم هو الأخر للحظات ولكن سرعان ماتجاوز الأمر واستعاد ثباته وشجاعته والتفت نحو الأخير بكل ثقة،ثم تنهد ونبس بجدية وثبات:
“أنا عايز أتجوز فيروز ياعمي”
_____________________
“يعني إيه عايز يتجوزك؟؟،هو اتجنن؟؟”
كلمات نبسها يحيى بإنفعال هو يدفع بابا شقته بعنف وخلفه كانت تسير هي،وبسبب دفعته القوية وصوته المرتفع انتفضت كل من ليلى ونادية من أماكنهم وتفاجأ من رؤيتهما أمامهما وهتفت الثانية بدهشة:
“يحيى! فيروز! انتوا بتعملوا ايه هنا؟؟ مش المفروض تبقوا علي الطيارة دلوقتي”
أزاح يحيي حقيبة السفر نحو الحائط بعنف،ثم رد علي الأخيرة وهو يشير نحو ابنته:
“كان المفروض آه،بس البركة في بنتك بسببها مالحقناش الطيارة”
“مش فاهمة ايه اللي حصل؟؟،وانت متعصب كده ليه؟؟”
“اللي حصل إن الأستاذة قبل ميعاد الرحلة بخمس دقايق قالتي أنا عايزة ادخل الحمام ومش هتأخر،دخلت وماطلعتش..ماطلعتش غير بعد ماالطيارة طلعت،عملت كده قصد علشان كانت مستنية المحروس يجيلها”
تفاجأت نادية من جملته الاخيرة وهتفت بإستنكار وغضب من أسلوبه:
“أنت بتقول ايه يايحيى؟؟،محروس مين؟؟”
“المجنون اللي اسمه موسى”
“موسى مين!!،موسى بتاعنا؟؟”
“هو فيه غيره ابن داود اللي مترباش،وقف قدامي وبكل بجاحة يقولي أنا عايز أتجوز فيروز”
انصدمت كلاهما واتجهت أنظارهم صوب فيروز الذي كانت تقف بجوار الباب تطرق رأسها بخجل،بينما الأخر استأنف حديثه بنفس النبرة المستاءة:
“أنا ماكنتش مستريح للواد من ساعة مارجعت،نظراته ليكِ ماكنتش مريحاني،بس كنت بكدب نفسي وبقول إنها نظرات إشتياق لصديقته مش أكتر،بس طلعت مغفل وطلع الأستاذ عاشق..،عاشق لدرجة إنه يروح وراها المطار علشان يلحقها”
أنهي جملته وهو يطالع نادية التي علقت عينها علي ابنتها وهي لاتكاد تستوعب ماوقع علي مسامعها للتو،وفي تلك اللحظة فتح الباب من قبله وهو يسأل بجدية:
“في دوشة ل..”
توقف عن التحدث عندما أبصر شقيقته ووالده الغاضب،وأردف سريعاً بدهشة:
“بابا!،فيروز!،هو أنتوا مش كنتوا سافرتوا،ايه اللي حصل؟؟”
التفت يحيى جهته واجابه بغضبٍ مشتعل:
“اللي حصل إنك أختك استغفلتني وأخرتنا قصد علي الطيارة،علشان الأستاذ صاحبك يلحقها قبل ماتسافر”
تفاجأ سامي من حديث والده ورمق شقيقته سريعاً ثو عاد للأخير وأردف بإستنكار:
“صاحبي مين؟؟”
“موسى،صاحبك موسى ياأخويا،طلع بيحبها وكمان عايز ييجي النهاردة ويطلبها مني”
كلمات كقذيفة المدفع أصابت سامي من قبل والده،جعلته يقف مصدوم كشخص سكب عليه دلو من المياه الباردة،جعلته غير قادر علي استيعاب ماقيل،فهمس بغير تصديق:
“موسى صاحبي..طلع بيحب أختي!”
_____________________
في الجهة الأخري…
كان يصعد بخطوات ثابتة وملامح جادة على درج العمارة خاصتهم،قاصدا شقته ليُعلم والداه بالأمر،ولكن فجأة وصلت إلى مسامعه أصوات الضجيج من شقة جده فعلم أن العائلة مجتمعة في الداخل.
وقف أعلى الدرج وعينه تطالع الباب المفتوح ثم تنفس الصعداء وخطا نحوه بعدما اتخذ القرار لمواجهة الجميع.
ولج للداخل وكان والده أول من انتبه له فهتف بحنقٍ وهو يشير برأسه نحوه:
“أهو قليل الأدب شرف”
تجاهل موسى كلام والده وتقدم نحو الداخل ووقف علي مقربة منهم في غرفة المعيشة،ليستمع بعدها لقول جده الجاد:
“إزاي تعلّي صوتك علي أبوك ياموسى،وتقوله الكلام البايخ اللي قلته ده؟!”
ابتلع موسى ريقه ثم طالع والده وقال معتذراً:
“أنا أسف ياحج،حقك عليا،أنا كنت مستعجل وماكنت حاسس بنفسي”
“كنت مستعجل ليه ياحيلتها؟؟”
رد على والده بثبات:
“سبق وقلتلك ياحج،كانت عندي حاجة مهمة،مهمة أوي”
“وأنا سبق وقلتهالك،من امتي وأنت عندك حاجات مهمة أو مشاوير مهمة؟؟ كل اللي متعلق بيك مالوش لازمة زيك بالظبط كده”
رد محمد علي ابنه بقوله الحاد:
“مالوش لزوم الكلام ده ياداود،عيب”
“مش عيب ياحج والله،دي الحقيقة،ابني زي ماقلت بالظبط،مالوش ستين لازمة”
“أنا عايز أتجوز فيروز”
جملة أطلقها بجدية ليقطع بها هذا الحديث الدائر بين جده ووالده،وليجذب بها انتباه الجميع إليه ويصدمهم فوق ذلك،ماعدا “دلال” بالطبع والتي ابتسمت تلقائياً فور سامعها تلك الجملة وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ زمن.
نظر الجميع له كما أراد بعلامات التعجب والصدمة،فأضاف بنفس الوتيرة:
“عايز أتجوزتها،وهاروح أطلب ايدها النهاردة كمان”
ألقى عليهم قذيفة أسكتتهم جميعهاً،وجعلتهم غير مدركين لما سمعوا للتو،وكان داود أول من خرج من حالة الصدمة تلك فضحك بصوت عالي ساخراً من حديث الاخير،الذي عقد بين حاجبيه ونظر له بإستغراب حتي توقف عن الضحك فوجده يهتف بإستهزاء:
“أنت ضارب حاجة ولا ايه ياض؟؟ فيروز مين اللي عايز تتجوزها؟! أنت مش شايف وضعك ولا ايه، أنت فين وهي فين؟! وهي تبصلك أو ترضي بيك ليه أصلا؟؟ دي دكتورة عايزه واحد من مستواها التعليمي مش واحد معاها دبلوم واخده بالعافية”
تحكم موسى في أعصابه وهتف بنفس الثبات:
“هي راضية بيا وبتحبني وأنا كمان بحبها،وهتجوزها ياحج”
أطلق دواد ضحكة ساخرة مجددا ثم أردف بحنقٍ:
“بتحبها؟! ماشي نفترض إنها راضية وبتحبك كمان،تفتكر أبوها هيرضى بيك؟! يحيى اللي طول عمره رافع رأسه وباصص لفوق هيرضى بيك أنتَ لابنته الدكتورة؟! أنا نفسي لو كنت مكانه عمري ماكنت أديت بنتي لواحد زيك،عاطل وفاشل ومايعرفش يعني ايه مسؤولية”
“أنا مش فاشل..”
ابتلع موسى ريقه ثم استانف حديثه بنفس الوتيرة:
“أنتوا اللي حكمتوا عليا بالفشل من صغري..حكمتوا عليا بالفشل في الحياة عامةً بسبب ضعفي في التحصيل الدراسي،بسبب درجاتي القليلة في المواد،ربطتوا الفشل بالدراسة،بقا الي مش شاطر في المدرسة فاشل ومالوش مستقبل..بقا مالوش لازمة،رغم إن دي مش الحقيقة..أنا فشلت في حاجة هقدر أنجح في غيرها ومابقاش فاشل..أبقى ناجح،ممكن أبقى ناجح أكتر من اللي كانوا متميزين في الدراسة كمان..بس مع الأسف محدش فيكم فكر بالشكل ده،كلكم عندكم النجاح والدراسة علي سطر واحد،لو خرجت عن السطر ده يبقى أنا كده..فاشل”
تنفس بصوت مرتفع ثم أضاف وهو يوزع نظراته على والديّه:
“بس أنا مش فاشل والله..ولاعمري كنت عايز أبقى فاشل لا في نظركم ولا في نظري،كنت عايزكم تفهموني،تفهموا إن مش شاطر في العلوم دي زي دلال،ولا شاطر في العربي زي عزت،ولا عايز أبقى مهندس زي فادي،ولا عايز أبقى دكتور زي دلال برضه..فضلتوا بس تحطوني في مقارنة خسرانة،فضلتوا تقارنوني بولاد عمي واحد واحد،وتقارنوني بأكتر واحدة عزيزة علي قلبي..ب دلال”
أنهى جملته هو ينظر صوب دلال التي كانت تتابعه بدهشة واستغراب،بينما هو تابع حديثه بصوت مختنق نتيجة لكبته دموعه:
“دلال اللي كانت بالنسبة ليا أختي وتوأم روحي وحياتي فيها، دلال اللي بسببكم بعدت عنها وخدت جنب منها علشان..علشان ماكرهاش”
فتحت عينها بصدمة غير مصدقة ماوقع علي مسامعها،بينما هو أومأ بالإيجاب مؤكدا لها حديثه:
“أيوه،بعدت عنك علشان خوفت أكرهك،من كتر ماكانوا بيقارنوني بيكٍ هزّوا ثقتي في نفسي وهزوني أنا شخصياً وبقيت ضايع، وبدأت أغير منك..بدأت أحس في لحظات إني مضايق منك،وإني بحسدك علي شطارتك..فخفت في يوم غيرتي دي تتحول لكره تجاهك، خفت أبصلك في يوم بحقد،خفت جامد..علشان كده قررت أبعد عنك،قررت أحط جدار فاصل بينّا،وحدود..حدود تخلينا بُعاد..قلت أبقى بعيد عنك وأفضلك بحبك وبعزّك بدل ما أكون قريب منك وحاقد عليكِ وغيران منك.”
نظر للبقية ومرر نظره عليهم ثم أشار بيده نحو دلال المصدومة والتي أوشكت علي البكاء،ثم استأنف حديثه:
“بعدت عنها بسببكم،بعدت عن توأم روحي بسببكم،بعدت عن البنت اللي من أول ماوعيت إيديا كانت ماسكه في ايدها بسببكم أنتم،بسبب كلامكم ومقارنتكم ليا بيها..فضلتوا تتكلموا وتقارنوا وماعملتوش حساب نتايج كلامكم ده علينا..والنتيجة كانت فراقنا،بقينا غربا عن بعض بسببكم”
رفع يده ومسح الدموع المحتجزة في عينه بسرعة ثم استانف حديثه بنفس الوتيرة:
“علشان كده أنا لما كبرت ووعيت مابقتش أهتم بكلامكم،بقيت أهتم بكلامي أنا أكتر،وأهتم بنفسي وأحلامي أكتر،سعيت إن أحقق اللي أنا عايزه مش اللي أنتم عايزينه،ونجحت في ده”
سكت قليلا والتقط نفساً عميقاً ثم أردف بنبرة جادة ثابتة:
“فمن الأخر أنا مش فاشل..ولا عمري كنت فاشل،انتوا اللي حكمتوا عليا بالفشل لما كنتوا بتحطوني في مقارنة دايما مع ولاد عمي..ومع دلال.”
أنهى جملته وهو يطالع دلال الذي كانت تحت تأثير الصدمة من حديثه مثل البقية،بينما هو تنهد وابتلع ريقه،ثم وزع نظراته علي الجميع وهو يستأنف حديثه بنفس الجدية والحدة:
“وأنا بحمد ربي ١٠٠ مرة إني فوقت من تأثير كلامك عليا بدري،فوقت قبل ماأضعف واتكسر وماقدرش أقوم تاني،صحيح إنه جه عليا وقعت فقدت ثقتي في نفسي وضعفت واتهزيت جامد،بس قومت تاني..قومت وأنا مقرر إن مش هقع مرة تانية ولا هتاثر بكلامكم مهما قلتوا،وهنجح..هنجح علشاني مش علشانكم.”
وقف دواد وهو يضرب المنضدة امامه بيده وتقدم نحو الاخير وهو يردف بغضب:
“وفين النجاح ده ياحيلتها؟؟ فين النجاح اللي حضرتك بتتكلم عنه ده؟؟ ليه محدش شايفه؟؟ ليه محدش شايف نجاحك وشايفين فشلك بس؟؟ فالح بس تعلّي صوتك وتعاتبنا وتقول نجحت وحققت،ومحدش فينا لمحلك حاجة عدلة.”
وقف موسى أمام والده بتحدي وثبات وأردف بنفس الوتيرة وعيناه مثبتة علي عين الاخير:
“محدش فيكم لمحلي ولا شافلي نجاح علشان أنا اللي كنت عايز كده..أنا ياحاج داود اللي خبيت نجاحي عنكم،رسمت الطريق ومشيت عليه وحققت اللي كنت نفسي فيه ومن غير ماحد فيكم يعرف أو حتى يشك فيا.”
تنهد بعمق ثم أبعد عينه عن والده ووزع نظراته علي البقية وهو يضيف:
“وبما إني النهاردة واخد حباية شجاعة،ومش عايز تأثيرها يروح قبل ماأقول كل اللي عندي..فخليني بقا أعرفكم علي نجاحي وأكشف أخر سر من أسراري..”
طالعه الجميع بجهل وترقب للقادم المجهول بالنسبة لهم جميعاً،بينما هو دسّ يده في جيب بنطاله وأخرج حافظة نقوده ثم رفع أمام أعينهم جميعاً بطاقة ائتمانية وأخذ يهتف بنفس الوتيرة:
“شايفين دي؟ كلكم عارفين هي ايه..دي بطاقة ائتمانية،فيزا يعني،دي بإسمي..موسى داود محمد عمران،خاصة بحساب ليا في البنك..تعرفوا بقا فيها كام؟؟”
وزع نظراته عليهم ورأي الذهول والترقب يعلو علي ملامحهم،فستأنف حديثه سريعاً بنبرة ثابتة جادة:
“حتة البلاستيك دي…فيها ٦مليون و٤٠٠ ألف جنيه..موجودين في حسابي في البنك”
قذيفة أخرى ألقاها عليهم،ولكن هذه المرة كانت أقوى من سابقتها بكثير،ليفقدهم النطق ويسكتهم رغماً عنهم.
اتسعت أعين الجميع بصدمة كبيرة أصابتهم جميعاً دون استثناء،فوزع نظراته عليهم تباعاً وطالعهم جميعاً،حتي توقفت عينه علي والده الذي كان يطالع بنظرات مبهمة فهم مقصدها فأجابه علي الفور بجدية:
“ماتبصليش كده ياحج،فلوس حلال والله ماتخفش،ابنك طول عمره ماشي في السليم،ومراعي ربنا في كل خطوة بيمشيها.”
هتف داود بحدة:
“أومال جبت الفلوس دي كلها إزاي؟؟”
“بتعبي،بسهري طول الليل وشغلي اللي بنيته بنفسي.”
فقد داود أعصابه مجدداً ونبس بغضب ونفاذ صبر:
“بلاش ألغاز، وانطق وقول جبت الفلوس دي منين؟؟”
أومأ له بالايجاب ببسمة جانبية،ثم أردف ببرودٍ:
“كنت هقول من غير ماتتعصب والله ياحج”
تنفس الصعداء ثم نظر نحو بنات عمته “لينا وتينا” وقال:
“فاكرين يا بنات يوم العيد لما كنتوا بتتكلموا عن الفيديو المسرب بتاع مصنع الألبان.”
تفاجؤا من سؤاله الذي ليس له علاقة بموضوعهم الأن،ولكن رغم ذلك أومأت له كلتاهما بالإيجاب وأضاف لينا:
“آه..اللي نشره MF”
“بالظبط،اللي نشره MF..اللي عنده صفحات كتير ومتابعين أكتر،وبقاله كتير شغال في الدعاية بس انشهر أكتر في أخر ٣ سنين تقريباً،كلامي صح؟؟”
أومأت له بالايجاب،فأضاف:
“أكيد بعد الشهرة دي كلها تلقيه مليونير دلوقتي؟”
ردت عليه تينا ومازالت تجهل الغاية خلف حديثه هذا:
“علي ماأظن يعني آه”
“طب ايه رأيك بقا إني بأكدلك إنه غني..وإنه واقف قدامك كمان.”
قذيفة أخرى!
ضاعفت صدمتهم فأضاف هو بنفس الوتيرة مأكداً لهم حديثه:
“آه..أنا MF”
وزع نظراته عليهم جميعاً مرة أخرى حتي توقفت عينه علي دلال والتي كانت أكثرهم اندهاشاً وصدمة امتزجت بخيبة أمل كبيرة.
فهم هو علي الفور سبب حالتها تلك فاختفت ابتسامته ثم أبعد عنه نظره عنها مقرراً الحديث معها في وقت لاحق،أما الآن في لديه حديث طويل مع البقية وخاصة والده الذي التقت له وقال:
“مصدوم صح ياحج؟؟ أكيد لسه مش مصدق اللي بقوله ده،أصل من عادتك إنك ماتصدقنيش،طول عمرك مش بتثق فيا ولا في كلامي…حتى في موقف عمري ماأنساه وعمره ماراح عن بالي يثبت كلامي ده.”
ابتلع ريقه ثم أضاف محاولاً الحفاظ علي ثباته:
“فاكر من ٩ سنين تقريباً هنا،قدام العيلة كلها حتي بالغايبين النهاردة لما هزأتني قدامهم كلهم علشان والدتي لقت في جيب الجاكت بتاعي علبة سجاير.”
Flashback
كان يجلس بين أولاد عموته بين هذا التجمع العائلي،يتبادل أطراف الحديث معهم ويضحكون علي مزاحهم،إلا ان اقترب والده منهم بهيئة غاضبة كالعاصفة العنيفة وألقى بعنفٍ في وجه عبوة سجائر وهو يهتف بإنفعال:
“ايه دي ياروح أمك؟!”
أمسك موسى بعبوة السجائر وطالعها ففهم ماحدث،ثم وقف وسارع في توضيح سوء التفاهم هذا:
“دي علبة سجاير..”
قطع داود حديثه وهو يردف بنفس الوتيرة:
“ما أنا عارف إنها علبة زفت،بتعمل ايه معاك بقا؟؟”
حرك رأسه بالنفي سريعاً مردداً:
“هي مش بتاعتي والله يابابا..ده بتاعت..”
قطع حديثه مجددا بقوله الحانق:
“ماتكدبش،وماتحاولش تلبس المصيبة لحد غيرك،وانطق قول بتعمل ايه معاك؟؟”
“والله مابكدب يابابا،دي مش بتاعتي بجد،أنا مش بشرب ولا عمري شربتها اقسم بالله.”
ضغط داود علي أسنانه ثم هتفت بنفاذ صبر:
“قولت بطل كدب،وجاوبني علي سؤالي”
“يابابا أنا بحلف بالله إنها مش بتاعتي،هاحلف بالله كدب يعني؟؟”
“تحلف عادي ياروح أمك علشان ماتربتش،لما تشرب سجاير وأنت في السن ده ومن ورانا تبقى ماتربتش ياكلب”
ظل محافظاً علي هدوئه وأدبه مع والده وأردف مدافعاً عن نفسه ضد هذا الهجوم الباطل:
“والله العظيم مابتاعتي،دي بتاعة واحد صاحبي أبوه كان معدي وهو ماسكها فراح حطها في جيبي علشان مايشفهوش ويعاقبه.”
“صاحبك مين بقا؟؟”
سكت موسى قليلا ثم قال بنفس الوتيرة:
“مش هقدر أقول اسمه علشان حضرتك عارفه،لو قلته هتروح تقول لوالده وهيتأذي وهو وعدني إنه هيبطلها.”
“يبقى بتكدب،طالما مش راضي تقول اسمه يبقى بتكدب ياحيلتها”
“أحلفلك بايه إني مش بكدب يابابا؟؟ والله مابكدب عليك”
“احلف علي قد ماتحلف،أنت اللي هتتحاسب علي حلفانك الباطل ده”
طالعه بإنكسار ثم ابتلع ريقه وقال بنبرة مختنقة:
“يعني مش مصدقني؟؟”
“لا مش مصدقك ياروح أمك علشان أنت كداب،عمال تلف وتدور ورافض تعترف إنها بتاعتك،وعايز تلبسها لواحد صاحبك”
اتسعت حدقتيه وتفاجأ من حديث والده هذا والذي حطمه تماماً،فابتسم بإنكسار ثم قال وهو يومأ راسه بالإيجاب:
“آه..”
رفع صوت وأضاف بجدية وانفعال:
“بكدب..العلبة بتاعتي فعلا يابابا،ارتحت كده”
رفع داود يده هو ينوي ضرب الأخر علي وجهه،والذي أغمض عينه واستعد لذلك،ولكن توقف داود في اللحظة الأخيرة بسبب محمد الذي ضرب بعكازه الأرض وهتفت بجدية وانفعال:
“إياك ياداود..”
نظر داود صوب والده فوجده يضيف:
“إياك تعملها،محدش في البيت ده يرفع ايده علي التاني طول ما أنا عايش.”
أنزل داود يده تلبية لأمر والده،وشدد الضغط علي قبضه وهو يطالع ابنه الذي وقف في حالة من العجز والإنكسار قد تملكت منه وهو يري كل تلك العيون تراقبه مثل أعين الصقور.
انسحب من ذلك المكان سريعاً وخرج من الشقة وترجل من علي السلم بقلبٍ مكسور وخزي وخيبة أمل كبيرة لن ينساها طيلة حياته.
Back
“حضرتك ماتعرفش أنا انكسرت ازاي وقتها،ازاي ثقتي في نفسي اتهزت،ازاي مابقتش قادر أبص في عين أي حد من العيلة بعد اللي أنت عملته فيا قدامهم..،اليوم ده مارحش عن بالي ولو للحظة،ولحد دلوقتي شايلهالك في قلبي وماظنش إني هنساها أبداً،ماظنش إني في يوم هقدر أنسى كسرة نفسي وقتها،كسرة نفسي اللي حضرتك مالاحظتهاش ولا أخدت بالك منها..،زي ماأنت كده ماأخدش بالك إني بقالي أكتر من ٥ سنين ماقولتلكش بابا”
صدمة أخري تلقاها الجميع،وكان علي رأسهم داود الذي كانت تلك الكلمات بالنسبة له خنجر طعن في قلبه،خنجر تلقاه من قطعة من روحه،تلقاه من ابنه الوحيد وفلذة كبده.
بينما الأخر تنفس الصعداء بعدما قال ماكان يحتفظ به في نفسه ثم مرر نظره علي الجميع وقال:
“وبس،أنا كده قلت كل اللي عندي وكشفت كل أوراقي ليكم،فاأنا كده خلصت..،ولسه عندي كلامي إني هروح أطلب ايد فيروز النهاردة،واللي عايز ييجي معايا أهلا وسهلا بيه..عن اذنكم”
أنهى جملته ثم التفت وخرج من الشقة بخطوات ثابتة وملامح جادة قاصداً شقته،تاركاً البقية خلفه في داومة من الصدمات قد ابتلعتهم جميعاً،وكان علي رأسهم داود الذي توقفت جميع حواسه عن العمل وأصبح إداركه لما يحدث من حوله تحت الصفر.
_____________________
ترجل من شقته بعدما بدل ملابسه لأخرى تليق بتلك المناسبة،حيث ارتدى قميص باللون الأبيض مع بنطال قماشي باللون الأسود وحذاء وقبعة وساعة يد باللون نفسه.
ولج من مدخل العمارة وهو يضبط من وضع قبعته علي رأسه،وعندما رفع عينه أبصر أربعتهم يقفون أمامه في صف واحد،وكل من التوأم يحمل شيئا في يده،حيث كان حسن يحمل باقة زهور بألوان عديدة،وحسين يحمل صندوق مزين بشريطة بيضاء،بينما كان محسن يحمل صندوق مزين بشريطة زهرية.
تفاجأ من رؤيتهم وتقدم نحوهم وهو يقول:
“بتعملوا ايه هنا؟!،وايه اللي في ايديكم ده؟؟”
رد عليه كارم ببسمة جانبية خبيثة:
“جايين نشجعك ياعريس،أما الحاجات دي في لوزم المناسبة وكده،أكيد يعني مش هتدخل عليهم وايدك فاضية؟؟،عيب حتى ياراجل”
ابتسم بسعادة علي حديثهم وكأنهم أتوا ليفرحوا قلبه بعد كل ماحدث،ثم رد عليه:
“بس علي فكره أنا كنت هروح أجيب”
“تجيب!! علينا برضه الكلام ده بس ياصاحبي!!”.
ضحك بصوت عالي علي حديثه كارم المرح،وفجأة أتته لحظة إرادك متأخر فأردف بجدية:
“ثانية! هو انتوا عرفتوا إزاي أصلا؟؟”
رد عليه حسن برتابة:
“تفتكر هنعرف منين يعني غيرك؟؟”
“سامي صح؟؟”
أومؤا له جميعاً بالإيجاب،وأضاف حسين:
“اتصل بينا واحد واحد وسألنا إذا كنا نعرف بالموضوع ده ولا لأ؟؟”
“وأنتوا قلتوله ايه؟؟”
رد عليه محسن سريعاً:
“هنكون قلناله إيه يعني!!،منعرفش زينا زيه،علشان حضرتك كنت مخبي علينا كلنا”
فهم موسى مايقصده صديقه بحديثه فأومأ بالإيجاب ثم اردف معتذراً:
“حقكم عليا ياشباب،بس كان صعب عليا أقول حاجة زي دي”
وضع كارم يده علي كتف الأخير وقال:
“عارفين إنه كان صعب عليك،الحب ده حاجة مش سهلة برضه،احنا مش زعلانين منك ماتخفش،بس أكيد هو زعلان”
أومأ له موسى بالإيجاب ثم قال بنبرة هادئة:
“عارف،وهسعي وراه لحد مايرضى عني ويسامحني،بس دلوقتي هركز فإني أنال رضي والده”
“ربنا معاك ياصاحبي،وكلنا بندعيلك إن ربنا يجبر بخاطرك”
كانت تلك كلمات حسن الذي ابتسم له موسى بإمتنان،ثم انتبه لمحسن الذي قال:
“هو أنت هتروح لوحدك ولا ايه ياموسى؟؟”
طالعه موسى لصمتٍ للحظات ثم قال:
“للأسف يامحسن،حصل سوء تفاهم كبير بيني أنا والعيلة كلها بعد ماكشفت كل حاجة قدامهم”
انصدم أربعتهم وهتفت كارم مستنكراً:
“كشفت ايه؟؟”
“كل حاجة ياكارم،كل حاجة..،وتقدروا انتوا كمان تقولوا لأهلكم كفاية أسرار بقا،وشكراً بجد لأنكم خبيتوا عنهم حاجة زي دي علشاني،كتر خيركم بجد”
رد عليه حسن بهدوء كعادته:
“ماتقولش كده ياموسى،احنا اخواتك مش بس أصحابك،ومستعدين نعمل اي حاجة علشانك والله،لو علينا كنا جينا معاك كمان بس عاملين بس علشان خاطر سامي”
“عارف ياحسن،ووالله انتوا كمان اخواتي وعلي رأسي،وممتن ليكم علي كل حاجة عملتوها علشاني لحد النهاردة،وبدعي ربنا يخليكم ليا ومايحرمنيش منكم أبداً ياأعز أصحابي”
تأثر محسن بحديثه وامتلأت عينه بالدموع فسارع في مسحها بيده ثم اردف بنبرة طفولية:
“طب ممكن حضن بقا”
ضحك موسى عليه ثم فتح ذراعيه لهم وهو يقول:
“تعالوا..كلكم”
احتضنه محسن وحسين أولا ثم كارم وحسن علي الترتيب بإبتسامات واسعة شقت وجههم،ليثبتوا مدا متانة صداقتهم.
ابتعدوا عن بعض بعد عناق طويل،ثم أعطى التوأم له مايحملانه علي الترتيب وأولهم حسن:
“الورد”
اقترب حسين وأعطاه الصندوق الذي يحمله مردداً:
“الشيكولاته،وماخدتش منها علي فكرة،فقول لسامي يسيبلي شوية”
ضحك أربعتهم عليه،بينما اقترب محسن وأعطاه مافي يده مرددا:
“وده جاتوه بالكريمة والفراولة،أي خدمة ياباشا”
ساعده كارم في وضع الصناديق علي يده،ثم تحدث بمشاكسة:
“يلا يابرنس،ربنا معاك يابطل وترجعلنا منتصر”
ضحك علي حديثه المرح،ثم وزع نظراته عليهم ببسمة هادئة ممتنة لهم علي كل مايفعلونه لأجله،ثم أومأ لهم بالإيحاب ونبس من بين شفتيه:
“شكرا..علي كل حاجة”
_____________________
جلس محافظاً علي ثابته وهدوءه منتظراً اللحظة المناسبة ليبوح بكل مافي خاطره،فقد يمرر عينه بين الحين والأخر علي يحيى ونادية الذين جلسوا برفقته في غرفة الضيافة،بينما كان يهرب بنظراته من سامي الذي كان يجلس علي يمينه تحديدا وعلي قدمه يزيد،والذي كان يلقيه بسهام حادة وليس مجرد نظرات.
كان الصمت هو السائد في المكان وكل ماكان يصدر هو صوت الأنفاس،ولم يُقطع هذا الصمت سوا بقدومها برفقة زوجة أخيها ليلى وهم يحملان صينية وضعت عليها أكواب القهوة والأخري وضعت عليها بعض الحلوي.
تقدمت كلتاهما وقدموا الضيافة للجميع منهم من أخذ كموسى ويحيي ومنهم من رفض كسامي ونادية،ثم وضعوا ما بيدهم علي المنضدة التي تتوسط الغرفة،واقتربت ليلى من زوجها وجلست بجواره،أما هي فقد انتظرت إشارة والدها والذي حثها علي الجلوس بجواره،فامتثلت لطلبه وجلست وهو تنكس رأسها بخجل من نظرات الاخير الذي كان يتابعها بهيام منذ أن قدمت له فنجان القهوة.
ظل يتابعها هكذا إلا أن حمحم يحيى ليجذب انتباهه،فعلم بتلك الإشارة أنه حان الوقت للتحدث بما أتى لأجله،فوضع الفنجان علي المنضدة أمامه ثم ابتلع ريقه وقال بنبرة هادئة ثابتة:
“بسم لله..،حضرتك عارف ياعمي أنا جاي ليه،ولزيادة تأكيد فاأنا هعيد طلبي،وأقول إني..عايز أتجوز فيروز”
أنهى جملته وهي يطالعها ببسمة هادئة،ثم عاد للأخير من جديد واستأنف حديثه بنفس الوتيرة:
“أنا طالب ايد الأنسة فيروز ياعمي،لتكون زوجتي وتحت حمايتي وتحت رعايتي”
خجلت أكثر مما نطقه باللغة العربية الفصحى،بينما يحيي تنفس بصوت مرتفع ثم تحدث بصراحة:
“بس ياموسى،أنت واد محترم ومن عيلة معروفة،غير كده أنت متربي وسطنا وفي وسط عيلتنا،وطول عمري كنت بعتبرك زي سامي بالظبط،فعارف أخلاقك كويس يابني،بس أنا مش هقدر أديك بنتي”
لم ينصدم فشيئ كهذا كان متوقع من شخص مثل يحيى يعرف طباعه ويحفظها عن ظهر قلب،فتنهد ثم رد عليه بثبات وثقة:
“توقعت كده ياعمي،وعارف السبب كمان..بس صدقني محدش هيحب فيروز قدي”
“ماقولناش حاجة يابني،احبها زي أختك،صاحبتك،أما غير كده في لأ،وبعدين الحب ده بيختفي بعد الجواز بعد ماتشيل المسؤولية وتعرف حجمها الحقيقي،الحب مش هيصرف عليكم ياموسى أظن أنت فاهمني يعني مش محتاج أوضح”
فتح فمه ليرد عليه ولكن أوقفه الأخير عندما قال:
“اسمعني لحد الأخر،أنا عارف انت هتقول ايه كويس،بس أنا يابني مش هاخاطر ببنتي وأسلمها لواحد مش ضامن مستقبله ولا حاضره،بنتي دكتورة يعني يوم ماأختارلها واحد هيبقي يادكتور زيها ياحاجة أعلي من كده..،من الأخر يابني فيروز مش من نصيبك،فاحافظ علي الصلة من العيلتين كصداقة وجيران والحمد لله علي كده”
“بس ياعمي..”
توقف عن التحدث عندما سمع صوت دق الباب،فنظر الجميع صوبه وتقدمت ليلى لفتحه بعدما أذن زوجها لها بذلك،وبمجرد أن فعلت ذلك تقدم هو للداخل بكل هيبة وشموخ وهو يلقى التحية الإسلامية بصوته الخشن:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”
انصدم الجميع من رؤيته،ماعدا موسى وفيروز اللذان ابتسما بسعادة بالغة،وخصوصاً الأول الذي كاد أن يطير من سعادته وهو يري عائلته بأكمله تولج للداخل بقيادة جده.
وقف الجميع لإسقبالهم،منهم من كان يبتسم من القلب ومنهم من كان مرغماً علي الإبتسام والمعني هنا “يحيى”.
أما ليلى فكانت مندهشة مما تراه ومن كبر هذه العائلة التي لاتنتهي،وعندما تأكدت من عدم دخول أحد آخر بعد داود الذي كان أخر الحاضرين شرعت في غلق الباب ولكن فجأة منعتها يد أحدهم،والذي أخرج رأسه وتحدث بمرح:
“لمؤاخذة يامرات ياأخويا،بس ماجتش علينا يعني”
أفسحت ليلي لكارم بالمجال،فولج هو الأخر وخلفه الثالثة الاخرون والذي كانت تعلو ابتسامة سعيدة علي وجوههم.
وقفوا أربعتهم بجوار الحائط نظراً لإزدحام الغرفة،كما وقف أغلب أفراد عائلة موسى كذلك وكانوا: دلال وطارق وسهير وابنتيها،برفقة سامي وزوجته أيضاً،أما كبار العائلة جده ووالديه وأعمامه وفيروز ووالديها فقد جلسوا برفقته هو.
حمحم محمد بصوت عالي ليجذب انتباه الجميع ويوقف تبادل تلك النظرات المصدومة،وعندما تأكد من انتباه الجميع له أردف بنبرة هادئة رتيبة:
“مساء الخير طبعاً عليكم،وأسفين علي العدد الكبير ده،بس انتوا عارفين بقا إن عيلتنا كبيرة بسم الله ماشاء الله،والموجودين دول مايجوش نصها بس إن شاء الله في الخطوبة كلهم هيبقوا موجودين من أكبرهم اللي هو أنا لاصغرهم اللي لسه منورش الدنيا..،المهم بقا ومن غير عجن ولت كتير أحنا جايين كلنا بالصلاة علي النبي نطلب ايد بنتكم القمر دي لابننا المحترم اللي مفيش زيه..موسى حفيدي”
أنهى جملته وهو يضع يده علي قدم موسى الذي كان يجلس بجواره،والذي كان ينظر له بفخر وسعادة وكأنه في هذه اللحظة يمتلك الدنيا بأكملها بعدما أدرك انه ليس وحيداً،وأن لديه عائلة تقف في ظهره كالسد المتين.
انتبه سريعاً ليحيى كما فعل البقية والذي قال:
“مجيتكم علي راسي طبعاً ياحج محمد،بس أنا قلت كل اللي عندي لحفيدك،بنتي مش من نصيبه”
رد عليه محمود بحنقٍ:
“ليه بقا إن شاء الله؟؟،ماله ابننا ناقص ايد ولا رجل؟؟”
“استني أنت بس يامحمود،اهدا يابني”
امتثل محمود لأمر والده وهدأ من أعصابه قليلا،بينما الأخير شرع بالتحدث محافظاً علي هدوء:
“بص يايحيى،أنا مقدر موقفك كويس،وعارف إنك زي أي أب عايز يأمن مستقبل بنته ويسلمها للي يستحقها،فأنا بأكدلك أهو قدام الكل إن محدش يستحق بنتك قد حفيدي الغالي،ومحدش هيحافظ عليها قده برضه،غير كده واضح اوي إنهم واقعين علي الأخر وبيحبوا بعض،في ليه بقا نفرق العشاق ونعيش بذنبهم طول العمر؟؟”
شرع يحيى في الرد عليه ولكن اوقفه محمد بقوله:
“استني،أنا لسه ماخلصتش كلامي،لو خايف علي مستقبلها وحياتها وعيشتها،فابننا قد المسؤولية وزيادة؟؟”
“ازاي بقا وهو مش بيشغل لمؤاخذة؟؟”
“ماقولتلك استني يحيى بقا”
نبسها محمد بإنفعال جعل الاخر يتراجع ثم قال:
“حقك عليا ياحج،اتفضل”
“كده كده كنت هتفضل،المهم يعني زي ماقلتلك ابننا علي قد المسؤولية وزيادة،وعلي فكرة هو بيشتغل وبيكسب حلو أوي كمان،بيشتغل…”
عجز عن تذكر الكلمة فنظر صوب موسى وسأله:
“كان اسمه ايه؟؟”
“هاكر”
“أه هو ده،اللي اسمه هاكر ده،شغله حلو وماشي كويس صح ياموسى؟؟”
اومأ له موسى بالإيجاب مع قوله:
“آه ياجدي،حتي اسألوا سامي كمان هو هيأكدلكم”
نظر الجميع صوب سامي وسأله يحيى بنظراته عن حقيقة هذا الأمر فأومأ له بالإيحاب ثم قال:
“مظبوط،الشغل ماشي عال العال وبنكسب حلو جدا،في الشهر أقل حاجة خالص ممكن نكسب نص مليون”
انصدم يحيى مما وقع علي مسامعه،بينما استأنف محمد حديثه بنفس الوتيرة:
“أهو زي ماسمعت ابنك هو اللي أكدلك الكلام أهو،ابننا معاه اللي يخليه يصرف علي بنتك ومايخلهاش محتاجة حاجة،غير كده لقدر الله لو حصل حاجة في شغله فاهيقدر يشتغل مم تاني يوم في المكان اللي يشاور عليه،مش هيكون موظف لا هيكون مدير كمان،أما بقا بخصوص الشقة فشقة عمه موجودة تتجدد وتبقى أحسن شقة عروسين،ولو العروسة عايزة تسكن في مكان تاني هي تشاور بس واحنا تحت أمرها..”
“جدي!!”
نظر محمد لموسى كما فعل الجميع فاستأنف الأخير حديثه بقوله:
“أنا عندي بيت..،البيت اللي فيه السايبر أنا شاريه من سنتين”
انصدم الجميع مما سمعوه والتفت يحيى صوب ابنه سريعاً ليتاكد منه،فاوما له الأخير بالإيجاب مؤكدا له صحة ماقيل،وقبل أن يدخل في صدمة جديدة انتبه لمحمد الذي تجاوز الأمر كأن شيئا لما يكن وقال:
“وزي ماقالك بالظبط،عنده بيت وأظن إنه دورين،في أحسن من كده بقا يايحيى؟؟،والله ماهتلاقى واحد زي حفيدي لو لفيت الدنيا كلها”
ابتلع يحيى ريقه وعجز لسانه علي التفوه بكلمة فاستغل محمد الأمر وقال:
“السكوت علامة الرضا..نقرا الفاتحة بقا”
وزع يحيى نظراته على الجميع والتي كانت تأيد حديث الأخير،وكأنه وقع تحت ضغط كبير أجبره بأن يحرك رأسه بالإيجاب دون وعي منه،فاتسعت بسمة الجميع وخاصة كل من موسى وفيروز.
فضحك محمد بصوت عالي ثم قال:
“نقرا الفاتحة يلا!”
رفع كل منهم كفيه وقرأ الفاتحة لتكن بداية مباركة لذلك الثنائي الذي عُلقت أعينهم علي بعض وهما يتابعان بعضهما بخجل وسعادة،بعدما أن حاز كل منهما علي الهدية التي تمناها طويلا وبالأخص ذلك العاشق الذائب بها.
مسح كل منهم وجهه بكفيه ونظر محمد صوب ابنته سهير وقال:
“سمعينا زغروطة ياسهير”
امتثلت سهير لطلبه وأطلقت الزغروطة بصوت عالي اخترق أذان الجميع ودبّ السعادة في نفوسهم ماعدا كل من يحيي المستاء ودواد الذي كان تحت تأثير الصدمات حتي هذه اللحظة.
وأثناء تبادل النظرات بين كل من موسى وفيروز وتبادل المباركات بين البقية،أتي إلي مسامعهم صوت طفل يهتف بإسم موسى.
وكان أول من لاحظه سامي الذي عقد بين حاجبيه وجذب انتباههم إليه بقوله:
“في حد بينادي عليك ياموسى”
انتبه موسى عليه وسأله بإستنكار:
“بينادي عليا أنا!!”
“آه،تعالا نشوف”
خرج رفقته إلي شرفة الشقة التي تطل علي الشارع بالأسفل،فرأؤا طفلاً في العاشرة من عمره يهتف بإسمه،فسأله موسى سريعاً عن السبب:
“في ايه يابني؟؟”
“في جماعة سألوا عليك واحنا قلنالهم إنك هنا”
“جماعة مين؟؟”
“باين كده بوليس”
صدم كلاهما مما وقع علي أذانهم وقبل أن يستوعب أحدهما أي مما قيل سمعوا صوت طرق الباب ومعه صوت دق الجرس فخرجوا من الشرفة فوجدوا رجل يولج للشقة من الباب المفتوح وخلفه ٣ رجال بزي الشرطة الرسمي،وهتف ذلك الرجل بنبرة خشنة ذلك:
“مين فيكم موسى عمران؟؟”
تقدم موسى نحوه وهو يقول:
“أنا”
أشار الرجل لمن معه برأسه نحو موسى وهو يردف بجدية وحزمٍ:
“خدوه!”
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.