رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل العشرون
الفصل العشرون(يَعرِفُها جيداً)
-إنّي لأنظر في الوجودِ بأَسرهِ
أرى الوجوهَ،فلا أرى إلّاكِ
قالوا ويخلقُ أربعينَ مُشابها
من أربعينك لاأريدُ سِواك.
“جميل بن معمر”
_____________________
مرت الأيام خفاف وآتى اليوم الموعود،يوم الخميس الذي تم تحديده ليُقام به حفل خطوبة صاحب القلب العاشق على من اشتاقت عينه لها ومن طالبت أنفاسه بها.
انتشرت أصوات الفرحة بمختلف أشكالها في المنطقة بأكملها من زغاريط النساء ومن أصوات الأغاني الشعبية وغيرها،انتشرت في الحي بأكمله لتعلن عن فرحة عائلة عُمران وعائلة الشافعي
،الذين تجمعوا جميعاً من أكبرهم لأصغرهم في الطابق الأول في بيت يحيى الخاص بالمناسبات والضيافة،ونظراً لكثرة عددهم كان هذا المكان الأمثل ليتجمعون به.
أُطلقت زغروطة مرتفعة من قِبل عبير التي وقفت بجوار ابنها الشارد بالأخري،تزامناً مع قدوم دلال حاملة في يدها صينية وُضع عليها عبوة باللون الأسود في داخلها “الدبلتين”،تقدمت بهما نحو كل من موسى وفيروز اللذان جلسا على أريكة في المنتصف مع ترك مسافة بينهما.
قدمت العبوة لموسى ببسمة واسعة شقت وجهها وعبرت عن مدا سعادتها في هذه اللحظة،والتي لاتقل عن فرحة البقية وخاصة العروسين بالطبع.
التقط هو العبوة منها وأمسك بالخاتم الخاص به ثم قدم العبوة لها فتناولت الخاتم الخاص بها ثم قام كل منهما بوضع الخاتم الذي معه في إصبعه بمشاعر مختلطة بين السعادة والخجل والفرحة.
أُطلقت الزغاريط من قبل النساء وتحديداً دلال وعبير ونادية وبنات عمومة الأخير،بينما تبادل البقية المباركات،أما هما فقد كان كل منهما ينظر للخاتم في اصبعه والذي كُتب عليه اسم الأخر بشكل مُزخرف.
ظل كل منهما ينظر للإسم المنقوش علي خاتمه ببسمة هادئة وأعين لامعة ظهرت به سعادتهما الكبيرة بهذه اللحظة الذي حلم بها كلاهما لوقت طويل،والذي انتظراها للسنواتٍ عدة.
لاحظت دلال أولاً شرودهم هذا فاقتربت منهم وحمحمت بصوت مسموع ونجحت بتلك الحركة أن تجذب انتباههما لها،فنظرا كلاهما نحوها فنبست بمرح:
“هتفضلوا تبصوا للخواتم كتير مش ناويين تصدقوا إنكم اتخطبتوا ولا ايه!!”
ضحكت فيروز بخجل علي حديث الأخيرة،بينما ابتسم موسى بخفة ثم نبس بنبرة هادئة جادة:
“أظن إني محتاج فترة علشان أصدق إن اللي أنا فيه ده مش حلم،وإنه واقع بعيشه مع أغلي الناس عليا”
أنهى جملته ثم نظر نحو فيروز الذي كانت تطالعه كذلك،وشرد كل منهما في ملامح الأخير وتبادل النظرات الهائمة والعاشقة تحت نظرات دلال الأكثر فرحاً بهذا الوضع.
خرج موسى أولاً من شروده ثم دسّ يده في جيب بنطاله الأسود مردداً ببسمة هادئة:
“عايز اديكي حاجة مهمة علشان الخطوبة تكمل”
انتبهت له وترقبت ماسيفعله كما فعل بقية الموجودين كذلك،حيث سكتوا جميعاً وأصبحت جميع حواسهم منتبهة له،فوجوده ينهض من مجلسه ثم أخرج من جيب بنطاله عبوة باللون الأزرق،سرعان ماقام بفتحها وتناول منها شيئاً مُبهم لم يستطع أحد منهم ملاحظته،حيث التقطته سريعاً من العبوة وخبأه في كف يده ثم ألقى العبوة علي مقعده،ونظر صوب فيروز من الأعلى والتقط نفساً عميقاً ثم قال بنبرة جاهد لتخرج طبيعية محاولاً الحفاظ علي ثباته والتغلب علي توتره:
“أنا كنت دايماً بقولهم إني هعيّش مراتي في وسطهم ملكة،دايماً كنت بقولهم إنهم بكره يشوفوا أنا هعاملها إزاي وهتبقى بالنسبة لي ايه..،وطبعاً أنا كنت محدد مراتي دي هتبقى مين من زمان،واللي هي طبعاً أنتِ يافيروز..،المهم بما إن النهاردة خطوبتنا وتعتبر أول خطوة في حياتنا مع بعض،أنا حبيت إني كمان أخد أول خطوة في إثبات كلامي للكل،أثبتلهم إني لما قلت إني هخليكِ ملكة ماكنتش بقول أي كلام وخلاص،وإني كنت بتكلم جد أوي”
وزع نظراته علي الجميع وهو يستأنف حديثه بقوله:
“وبما إن الكل متجمع في ده الوقت الأنسب علشان أثبت كلامي ده”
عاد إليها من جديد عقب كلماته تلك ثم ركع علي إحدي أقدامه أمامها وفتح كفه الأيمن لها،ليظهر للجميع ماكان يخبأه فيه والذي كان خاتم مصنوع من الذهب الأبيض بتصميم أنيق،يتوسطه حجر كريم لامع من الألماس المستدير الشفاف.
اتسعت أعين الجميع بصدمة ومنهم من فتح فمه ببلاهة لعدم تصديقه الموقف وكانت هذه المجموعة أصدقائه بالتحديد،ومنهم من ضحك بصوت مرتفع وكانت هذا جده محمد.
أما هي فكانت الأكثر صدمة بين الجميع حيث انقبضت ملامحها ونظرت للخاتم في يده بأعين متسعة لاتكاد تصدق ماتراه عينها فهذه اللحظة،لاحظ هو صدمتها تلك فابتسم بخفة ثم نبس بمراوغة:
“الغالي للغالي،رغم إن مفيش أغلى مِنّك ياغالي”
ابتلعها الخجل في هذه اللحظة بعد كلماته تلك،وبعد نظراته الهائمة لها،وهو تري كل العيون أضحت نحوها هي فقط.
رفرفرت بأهدابها عدة مرات وهي تطالعه بوجه احمّر لونه من الخجل،فضحك هو مجدداً ثم أردف بمشاكسة:
“شكلك بقا أحلى وأنتِ مكسوفة”
إزداد خجلها أكثر وأبعدت نظرها عنه سريعاً،فضحك هو مجدداً عليها ولكن فجأة شعر بضربة خفيفة علي كتفه وتبعها مباشرة صوت والدته تقول:
“كفاية بقا البنت هاتروح مننا”
“لا هو كده ابنك اللي هيروح مننا ياخالتي،علشان احنا مانعين هنا واحد عنه بالعافية”
التفت الجميع نحو كارم الذي نبس تلك الكلمات،فوجوده ينظر صوب سامي الذي كان يمسك به محسن من ذراعه ويمنعه من الإقتراب من موسى،فمن الواضح أن غيرته علي شقيقته كانت أقوى من صداقته مع الأخير،الذي عاد لفيروز من جديد وأردف بخوف مزيف:
“طب أنا بقول إن من الأفضل تاخدي الخاتم دلوقتي علشان كمان دقيقتين مش هتلاقيه ولا هتلاقيني”
ضحك الأغلبية علي حديثه بينما هو حثها بنظراته علي أخذ الخاتم من يده وإرتدائه بنفسها نظراً لعدم قدرته علي فعل ذلك بنفسه.
امتثلت هي لطلبه وتناولت الخاتم من يده ثم وضعته في إصبعها وأخذت تطالعه للحظات ثم عادت للأخير من جديد وقالت بخجلٍ:
“مش لاقية كلام أقولهولك بصراحة”
“وأنا مش مستني أسمع منك حاجة كفاية بس إنه عجبك”
ابتسمت له بحبٍ لكلماته اللطيفة تلك،ابتسامة جعلت قلبه يذوب بها أكثر،جعلت عينه تتأملها أكثر وأكثر،والقلب يهمس في الخفاء:
“هاقد حصلت علي ما أردت،وعلى ماتمنيت،ومن بين الجموع بها اكتفيت”
_____________________
ولجت لغرفة فرعية برفقته بعدما استغلت انشغال الجميع في الإحتفال بالخارج،اتجهت نحو منضدة صغيرة وضعت في إحدي زوايا الغرفة،بينما هو وقف بجوار الباب يترقب قدومها إليه،بعد أن ترك الباب مفتوح ليكونا تحت مرمى بصر من في الخارج.
عادت إليه من جديد وهي تحمل في يدها كتاب لم يكن غريب عليه ومع ذلك عقد بين حاجبيه بإستغراب وسألها مستفسراً:
“ايه ده يافيروز؟!”
ضمت شفتيها ثم أجابته وهو تنظر للكتاب بيدها:
“ده السبب اللي خلاني أحبك،واللي عرفني إنك كمان بتحبني”
اتسعت عينه بصدمة وأردف بعدم فهم:
“مش فاهم”
“أفهمك..،أنت مش كنت عايز تعرف أنا عرفت ازاي إنك بتحبني؟؟”
أومأ لها سريعاً بالإيجاب فتابعت حديثها بنفس النبرة الهادئة:
“الكتاب ده بقا هو اللي عرفني إنك بتحبني”
قلبت الكتاب علي الجهة الأخري فظهر شكله بشكل أوضح واسمه والذي كتب علي غلافه وكان “مغامرات في أعماق البحار”.
ألقت نظرة سريعة عليه ثم تابعت حديثها وهي تنظر للكتاب:
“فاكر القصة دي؟؟،أنت إديتهولي يوم ماسافرت أول مرة،لما جيت علشان أسلم علي جده محمد قبل مامشي،وساعتها أنت نزلت بسرعة من شقتكم وناديت عليا وروحت إتديهولي،وقلتلي وقتها إني أعتبره ذكرى منك،وأخليه معايا دايماً علشان ماتروحش عن بالي وأفضل فاكراك”
رفعت عينها وطالعته ثم أضافت:
“وأنا احتفظت بي وحافظت عليه لحد النهاردة،جبتوا معايا من دبي مخصوص على أمل إني أقدر أوريهولك،احتفظت بيه في شنطتي طول الوقت علشان محدش يقدر يشوفه،والنهاردة خبيته هنا علشان محدش غيرك يشوفه”
نظرت للكتاب مجدداً ثم قامت بفتح أول صفحاته ونظرت لغلافه من الداخل فظهر رسماً عليه وكان قلب خرج منه سهمان متعاكسان كل منهما في جهة،كُتب علي طرف إحداهما حرف “M” وعلي طرف الأخر حرف “F”.
اتسعت عينه أكثر،وفتح فمه بصدمة،بينما هي تابعت حديثها:
“بسبب القصة ده أو بالأصح بسبب الرسمة دي أنا عرفت إنك بتحبني..،بعد ماسافرت بفترة لما جيت أشوف الحاجات اللي جبتها معايا كانت هي منهم،طلعته وقعدت أقلب فيه وأقرا القصة كمان،وفجأة جات عيني على الرسمة دي فعرفت وقتها اللي فيها،وإنها ماكنتش مجرد قصة هدية كذكرى،ده كان اعتراف من شاب مراهق بحبه لصديقة طفولته”
الأن فقط أدرك كل شئ..
تنفس بصوت مرتفع وابتلع ريقه ثم أخذ منها القصة وطالع الرسم للحظات،ثم رفع عينه ونظر إليها ونبس بنبرة جاهد لتخرج طبيعية:
“يعنى أنتِ عرفتِ إني بحبك بسبب الرسمة دي”
أومأت له بالإيجاب مع قولها:
“آه،وحبيتك بسببها كمان..،الأول ماكنتش فاهمه الموضوع علشان كنت صغيرة،بس كل ماكنت بكبر كانت فكرة إنك بتحبني بتكبر معايا،كنت دايماً بقول لنفسي إني لما أرجع هتكون مستنيني،هيكون أكتر صديق مقرب مني مستنيني،وأكتر واحد بثق فيه كمان،من غير ماحس اتعلقت بيك وبقيت عايزة أرجع بسرعة علشان أشوفك..،من غير ماحس حبيتك ياموسى”
“موسى هيغمى عليه دلوقتي”
“ليه بس؟؟”
مسح وجهه بيده ثم أجابها بصوت متقطع:
“علــ..علشان أنا مش مصدق لحد دلوقتي إن بسبب الرسمة دي أنتِ معايا دلوقتي،بسبب رسمة كانت ناسي إني راسمها أصلا”
انقبضت ملامحها وسألته بإستنكار:
“ناسي إزاي؟!”
“والله كنت ناسي،أصل أنا كنت بذاكر وقتها وسرحت فيكي وقعدت أشخبط في الكراسة وكده وارسم حاجات زي دي،وبعديت لما الورقة خلصت روحت راسم علي الغلاف،ومع الوقت نسيت إني كنت راسمها،وحتى لما اديتهالك ماكنتش قاصد إنها تبقى إعتراف مني،كنت مديهالك علشان تبقى ذكرى زي ماقلتلك”
حكَّ رقبته بتوترٍ عقب انتهائه من حديثه هذا،بينما هي كانت تطالعه بأعين متسعة غير مصدقة ماوقع علي مسامعها منه منذ قليل،حيث أسقط بكلماته تلك توقعاتها من الهاوية،فبعد ماكانت تُظن أنه قد اعترف لها بطريقة غير مباشرة منذ زمن،أدركت الأن أنه لم يكن يتعمد ذلك،والأمر حدث بغير قصد.
لاحظ هو صدمتها تلك علي الفور فأسرع معتذراً:
“أسف والله،حقك عليا..،أكيد خيبت ظنك صح؟؟”
حركت رأسها بالنفي سريعاً ثم قالت:
“لأ،أنا اللي فهمت غلط،يعني اللي جه في بالي إنك كنت قاصد بس طلع العكس،وطلعت غلطة منك”
“وأحلى غلطة في حياتي والله،يعني تخيلي لو ماكنتش رسمتها ماكنتيش هتبقى قدامي دلوقتي،كنت سافرتي وسبتيني من غير ماتعرفي إني بحبك،يعني لولا الغلطة دي ماكنتيش هتبقي في حياتي دلوقتي يافيروز،ماكنتش هعرف أعيش من غيرك والله،صحيح ماكنتش قاصد أعمل كده بس اللي وصلك هو اللي المقصود،أنا بحبك،وبحبك من زمان،وحالياً مستني اللحظة اللي تبقى فيها حلالي علشان أقدر أمسك ايديك وأهرب بيكِ بعيد،زي ماكنت بعمل وقت ماكنا بنلعب واحنا صغيرين”
كلمات نبسها بشاعرية نجحت في أن ترسم الإبتسامة علي وجهها،ونجحت بأن تشق طريقها إلي قلبها وتسعده بإمتياز،كالعادة كان كلماته العفوية جديرة بأن تعبر عن مدا حبه لها،وعن صدق مشاعره تجاهها.
طالعته بأعين مُحبة لكلماته ولمشاعره وله بذاته،ثم ضمت شفتيها وقالت:
“لما هتمسك ايدي مش هتسيبها صح؟؟”
“عمري،عمري ماهسيبها يافيروز،أول ماايدي تمسك إيدك هتكوني ليا،وساعتها مستحيل أسيبك ولا أبعد عنك،علشان الإنسان مايقدرش يبعد عن روحه ياروحي..،واثقة فيا؟؟”
أومأت له سريعاً بالإيجاب بملامح وأعين لامعة تأثرت بحديثه تزامناً مع قولها:
“واثقة فيك وأكتر من نفسي حتى..ياMF”
ضحك بخفة علي حديثها المرح ثم قال:
“سامي اللي قالك إني MF؟؟”
“لأ،أنا كنت عارفة أصلا من زمان”
تشنجت ملامحه للحظات
ثم هتف بغير تصديق:
“لا ده كده كتير بقا،هو أنتِ مخاوية؟؟،إزاي عارفة كل حاجة كده”
“لا مش مخاوية،أنا عرفت أول مابدأت تنشهر واسمك يتعرف،لما سمعت عن MF ماجاش في بالي غيرك أنت علشان الحروف اللي في الرسمةM وF،موسى وفيروز،كان مجرد تخمين وإحساس،اتأكدت منه لما جده محمد قال قدامنا إنك هاكر،فعرفت إني إحساسي كان صح”
“الله!،ده طلع إحساسك عالي أوي،علي كده بقا ماتتوقع لنا فرحنا هيبقى امتي علشان أنا مش قادر أصبر بصراحة”
ضحكت بصوت عالي حديثه هذا،وشاركها هو الضحك كذلك ثم توقف ووضع يده علي موضع قلبه ونبس بهيام:
“آه ياقلبي آه،مش قادر يستني والله،عايز يكتب الكتاب ويحقق الأحلام،عايزك يابنت الحلال تكوني معاه في الحلال”
ضحكت وضحكَ،غرقت وغرقَ..
غرقت في عشق كلماته وعشقه،كما هو غرق في عينيها وبها،غرق في محيط حبه لها رافضٍ النجاة من الغرق ومُعلناً استسلامه لها.
نظرات متبادلة من كليهما في صمت الأفواه وكل منهم يسمع دقاق قلبه الذي يكاد يخرج من مكانه في هذه اللحظة،مع ابتسامات هادئة رسمت علي فم كل منهما.
ظلا هكذا للحظات ليست بالطويلة إلا إن اقتحمت دلال هذا المشهد ووزعت نظراتها عليهما ثم قالت:
“مساء الخير،أنتوا معانا ولا ايه؟؟”
انتبه كلاهما لها وتحدث موسى سريعاً:
“نعم،في ايه اللي حصل؟؟”
“مفيش ياحبيبي،الموضوع بس إن حضراتكم سايبين المولد اللي بره وقاعدين هنا لوحدكم بقالكم ساعة،ونص اللي بره عيونهم عليكم وأنا كنت منهم،وكان نفسي أسمع حاجة بس للأسف ماعرفتش”
أشارت فيروز نحو موسى بإصبعها مرددة بتوتر:
“خليه هو يقولك كنا بنقول ايه
،عن اذنكم
”
أنهت جملتها ثم خرجت من الغرفة سريعاً بمعني أخر هربت من الوضع الحرج الذي وضع بهما كليهما،تاركة موسى في محكمة دلال بمفرده.
طالع هو أثرها بالضحك حتى انتبه لدلال الذي قالت:
“سابتك لوحدك ياعيني”
“للأسف،بس معلش بكره تبقى معايا ومش هسيبها تبعد مهما حصل”
أومأت له بالايجاب بتفهمٍ ثم قالت بنبرة هادئة:
“أوكى،يلا تعالا بره معانا”
أنهت جملتها وهي تلتفت للخروج ولكن أمسكها هو من ذراعها ومنعها مع قوله:
“استني رايحة فين؟؟،مش عايزة تعرفي كنا بنقول ايه؟؟”
حركت رأسها له بالنفي وهي تبعد يده عنها مرددة ببرود:
“لأ،معنديش فضول اعرف بصراحة”
“غريبة مش من عادتك يعني،دايماً بتبقى عايزة تعرفي الحاجات اللي زي دي”
“بطلت،بطلت يبقى عندي فضول ياموسى”
عقد بين حاحبيه بإستغراب لطريقة حديثها وبرودها معه فأردف مستفسراً:
“أنت زعلانة مني ولا حاجة؟؟،أصل بقالك كام يوم بتتجاهلني أنا ملاحظ كده”
“كويس إنك ملاحظ،اعرف بقا السبب لوحدك”
“يعني أنا صح،أنت فعلا متضايقة مني؟؟”
اومأت له بالإيجاب مع قولها:
“آه متضايقة،بس مش هقولك السبب،احتار شوية علي ماتعرفه بنفسك”
“ايه شغل النكد ده بقا،المفروض علي جوزك مش عليا أنا”
زفرت بضيق من حديثه ثم همّت للخروج ولكن أمسك بها هو ومنعها مجدداً تزامناً مع قوله:
“خلاص خلاص،أنا أسف أي كان أنا عملت ايه بس ماتمشيش،عايز أديكي حاجة”
ردت علي بعدم اهتمام:
“حاجة ايه؟؟”
“ثانية”
دس يده في جيب بنطاله من الخلف ثم أخرج عبوة باللون الأسود وقام بفتحها وأخرج منها سوار من الذهب يبدأ طرفه بهلال زُيّن بنقوش دقيقة.
عقدت بين حاجبيه وهي تراه يرفعه أمامها حتى أردف:
“قلت بما إني فتحت الحصالة،لازم ولابد أصرف منها علي أغلى الناس عليا الأول،وبما إني جبت لفيروز فكان لازم وحتماً أجبلك”
نظر للسوار في يده ثم أضاف:
“دي حاجة بسيطة مني،أتمني تعجبك”
ضيقت عيونها ونبست بغير تصديق:
“أنت بتتكلم بجد،أنتِ اللي جايبلي دي”
“أومال خيالي يعني،آه أنا اللي جايبهولك يادلال،طارق نفسه ماجبلكيش زيها”
انزعجت من حديثه وشرعت في الخروج مجدداً،فمنعها هو من جديد وهو يقول بنفاذ صبر:
“خلاص بقا،هو أنا كل ماقولك كلمتين هتسبيني وتمشي”
“ماأنت اللي كلامك مستفز ويعصب الواحد،قال طارق ماحبليش قال،أومال السلسلة اللي في رقبتي دي ايه؟؟،والدبلة والخواتم دي ايه؟؟،والخويشة دي ايه؟؟،دهب صيني؟!”
“لا حقيقي ياأختي،ماأنا كنت معاكم لما كنتوا بتشتروهم”
تنهد بعنق ليستعيد هدوءه وثباته وقد نجح في ذلك واستأنف حديثه بنبرة أهدأ من سابقتها:
“المهم،خليني ألبسهالك ممكن؟؟”
“ممكن،اتفضل”
مدت يدها له في نهاية جملتها،فابتسم هو رغماً عنه ثم أعطاها العبوة وأخذ بوضعه لها وعندما انتهى تحدث بمشاكسة:
“تحفة،تحفة بجد”
“طبعاً هتقول كده علشان أنت اللي جايبه”
“أنت المفروض تتباهي بيه وسط الكل،وسط مصر كلها،أنت متخيلة إني موسى عمران اللى عمره ماجاب لواحد بجنيه لبنان جابلك انسيال دهب طلبه مخصوص علشانك”
ابتسمت هذه المرة علي حديثه فتحدث هو بمرح:
“أيوه كده اضحكي،افرحي أكتر،دي مش هدية عادية،دي هدية من موسى عمران بقولك”
ردت عليه بنفاذ صبر:
“أنت هتذلنّي في ايه بقا خلاص!!”
أنهت جملتها وخرجت من الغرفة تاركة إياه ينظر لأثرها بإستنكار ثم وضع يده في جيب بنطاله وضحك بخفة وهو يتحدث مع نفسه:
“كده حياتي اتظبطت،بيكم حياتي اكتملت بجد”
ابتسم بهدوء عقب كلماته تلك ثم تنفس الصعداء وتقدم للخارج ليلتقى مع أفراد عائلته ومع باقي المدعوين،ليلتقي مع أقرب الناس إليه والذين تجمعوا الليلة ليتشاركوا هذه الفرحة معه،فرحة حلم بها لسنوات مضت وهاقدت أتت اللحظة ليعيشها،ومازلت الفرحة القادمة أجمل بكثير،فقط عليه إنتظارها.
_________________
____
انتهت الليلة وانتهى الإحتفال،وعاد كل منهم لمنزله ليحظى بنوم عميق بعد هذا الليلة الدافئة والرائعة لأكثرهم.
انتهت وأشرقت شمس
يوم جديد…
جلس برفقة والده في غرفة المعيشة،يحتسيان بعض الشاي الساخن الذي قام هو بنفسه بإعداده.
وضع داود كوب الشاي علي المنضدة أمامه وهو يستمع لحديث الوالده الرتيب:
“كان ليلة حلوة والله،شوفت ابنك كان فرحان ازاي امبارح”
“عمرى ماشوفته فرحان بالشكل ده قبل كده ياحج،والحق يتقال أنا لما شوفته فرحان كده فرحتله أوي،الضحكة مافرقتش وشي طول ماكنا قاعدين،فجأة اكتشفت إنه غالي عليا أوي،وإني ضحكته كمان غالية عليا”
نبس داود كلماته الأخيرة بنبرة هادئة ظهر في ثنايها الحزن والندم،ولاحظ محمد ذلك فأردف برتابة:
“طول عمره الضنا غالي ياداود،ابنك لو فيه عيوب الدنيا هيفضل غالي عليك،ولو عقلك قالك إنه مش عايزه،قلبك هيفضل يقول إنه عايزه”
سكت داود قليلا ينظر في اللاشيئ أمامه ثم عاد لوالده من جديد وقال:
“أنا ندمان أوي ياحج،ندمان علي كل لحظة وجعته فيها،علي كل مرة كسرته قدام نفسه وهزيته،وزعلان أوي من نفسي،ومش متخيل إني أذيته أوي كده،أذيته لدرجة إنه يخبي عننا حاجات ماينفعش تستخبى”
“احمد ربك ياداود،احمد ربك مليون مرة إن ابنك خاد الطريق الصح،قرر إنه يحقق ذاته ويتجاهل إحباطك ليه،قرر إنه ينجح علشان نفسه وعلشان بنت الحلال اللي كان بيحلم بيها،ده أحسن بكتير من إنه كان ياخد الطريق الغلط ويودي نفسه في داهية..،ابنك في كتير زيه بس مش كلهم عرفوا يختاروا الطريق الصح،في منهم اختار إنه يخسر نفسه وأخد طريق مفيش مرجع منه،وأظن إنك فاهم قصدي كويس فاحمد ربك بدل المرة مليون صدقني،احمده إنه حافظلك علي ابنك وخلاه يختار صح،بدل ماكان يختار غلط وكان يخسر نفسه وتخسره أنتَ كمان للأبد”
أومأ داود لوالده بتفهمٍ ثم تنهد وقال:
“معاك حق ياحج،الحمد لله فعلا إني ابني اختار صح،إني ابني حافظ علي نفسه وماخسرهاش،واللي كان شعور الذنب هيموتني دلوقتي”
“اللي عليك دلوقتي يادواد إنك تقرب من ابنك،قرب منه وصاحبه وعوض السنين اللي فاتت،خدها نصيحة مني وتوكل علي الله”
“ونعم بالله ياحج،ونعم بالله”
رفع محمد يده وربت علي قدم ابنه الذي نظر في اللاشئ أمامه ثم أخذ يحرك رأسه بالإيجاب وقد اقتنع بحديث والده وقرر بدأ صفحة جديد مع ابنه،صفحة يملأها بأحرف وكلمات لطيفة تتنافى مع ماكان يفعله في الماضي.
ساد الصمت للحظات في المكان إلى أن سمع كلاهما صوت خطوات مسموعة،فنظر كل منهما نحو الباب المفتوح فوجوده يتقدم نحوهما ويسحب خلفه حقيبة سفر كبيرة الحجم.
عقد كل منهما بين حاجبيه ونظرا له بإستغراب،وأردف محمد سريعاً:
“شنطة مين دي ياموسى؟؟”
توقف موسى عما يفعله ونظر صوب جده وأجابه:
“دي شنطة عمي مصطفى،قلت أخدها أنا طالما هو قرر إنه مايسافرش ويفضل بقا معانا”
“طب ورايح بيها علي فين؟؟”
“ماهو أنا حاطط فيها هدومي،أصل أنا ناويت أعيش هنا لحد ماربنا يكرمني وأتجوز وأروح علي عش الزوجية بتاعي”
تفاجأ داود من حديثه فأسرع مردداً بقلقٍ:
“هتعيش هنا ليه؟؟،هو أنت لست زعلان مني؟؟”
حرك رأسه بالنفي سريعاً وهو يقول:
“لا خالص،أنا وأنت بقينا زي السمنة علي العسل خلاص ياحج،وقررنا نفتح صفحة جديدة نضيفة جميلة كده”
“أومال عايز تعيش مع جدك ليه؟؟”
“علشان بيوحشني،جدي بيوحشني دايماً فقلت أعيش معاه الفترة دي بقا”
فهم محمد غرضه الأساس خلف ذلك فضحك بخفة ثم أردف بخبثٍ:
“أنا اللي بوحشك برده ولا حبيبة القلب ياخبيث”
اتسعت ابتسامة موسى ثم هتف بمرح:
“طول عمرك مابتلقطها وهي طايرة ياجدي،الله عليه ياحج محمد”
ضحك داود بصوت مرتفع بعد إداركه الأمر أيضا ثم قال:
“يعني خلاص هتسكن هنا من النهاردة علشان تبقى قريب منها أكتر”
“آه،خلاص هاأعيش في أوضتك أنت وعمي مصطفى علشان هي أقرب لها برضه”
ضحك كل منهما علي حديثه ثم توقف محمد عن الضحك وأشار له نحو الغرفة مردداً:
“طب روح حط حاجاتك في الأوضة يالا”
“تمام ياجدو،عن اذنكم”
اتجه نحو الغرفة وهو يحمل الحقيبة بيده،تحت نظرات جده ووالده اللذان ظلا يضحكان عليه وعلي أفعاله التي كانت بالنسبة لهم طفولية ومُراهقة
،ولكن في الوقت ذاته مرحة.
_____________________
بعد عدة دقائق…
كان يجلس في شرفة شقة جده بعدما وضع كل أغراضه في الخزانة الخاصة به من اليوم،جلس يستند علي سور الشرفة في انتظار خروجها له بعدما هاتفها وأكدت له ذلك.
وقد نفذّت حديثها وخرجت بالفعل بعدما هندمت حجابها،فوقف سريعاً وهو يبتسم لها ورحب بها مردداً بمشاكسة:
“صباحو عسل علي حب قلبي اللي وصل”
ضحكت بخفة علي حديثه ثم قالت:
“واضح إني هسمع من الكلام ده كتير”
“أنتِ لسه شوفتي حاجة،ده حاجة بسيطة بس،أنا خلاص نقلت هنا وناوي أسكن هنا في الشقة علشان أكون قريب منك،فكوني مستعدة إنك تسمعي من الكلام ده وأكتر كل يوم،لا كل ساعة،أو كل دقيقة علي حسب ظروفي يعني”
“تمام،أنا مستعدة أسمع الكلام الحلو ده كل ثانية لو تحب،علشان بحب اهتمامك عالعموم”
“وأنا بحبك أنتَ ياجميل،ده أنا فضلت سهران طول الليل ببص للدبلة في ايدي وأفتكر الليلة اللي عيشناها امبارح،وافتكر القمر اللي سرق قلبي للمرة اللي معرفش عددها،وفضلت مانع نفسي إني أكلمك علشان لايجوز وكده يعني،بس ربنا يسهل ونكتب الكتاب وساعتها يجوز”
ضحكت مجددا علي حديثه المرح واللطيف هذا،فهتف هو بمشاكسة:
“الله علي الضحكة اللي بترد روحي دي،ضحكة مدوباني فيكِ أقسم بالله”
“أقسم بالله أنتَ ماتربيت..”
تشجنت ملامحهم واتسعت أعينهم بصدمة لتعرفهم علي صاحب الصوت،والذي لم يكن سوا سامي الذي خرج بمحو الصدفة إلي شرفة شقته ورأي الأخير وهو يغازل شقيقته.
رفع موسى عينه ببطئ وطالع الأخير كما فعلت هي ذلك أيضاً،فوزع هو نظراته عليهما ثم نظر لشقيقته بتحذير مردداً بنبرة جادة:
“ادخلي حالاً!”
امتثلت لطلبه دون الإعتراض بحرف ودلفت للداخل سريعاً،تاركة موسى فريسة للاخير الذي نظر له ثم هتف بنفس الوتيرة:
“ضحكتك مدوباني فيكِ!!”
ابتسم موسى ببلاهة وهو يقول:
“هو أنت سمعت دي”
“سمعت،سمعت للأسف،واكتشفت إني كنت مصاحب ٣ صيع مش اتنين بس”
“ليه بس كده ياصاحبي؟؟،بتحطني في فئة كارم ومحسن ليه بس كده؟؟”
“من اللي سمعته وشوفته ياغالي،اللي سمعته من شوية هو اللي خلاني أدرك ده”
هرب موسى بنظراته منه ورفع يده واخذ بحكّ رقبته،فهتف الأخر بإنفعال:
“بصلي هنا!”
امتثل موسى لطلبه ونظر له فوجده يقول:
“أنا لحد دلوقتي لسه بعمالك كصاحبي،ماتخلنيش أقلب عليك بقا،اتلم وقصر المسافات لحد ماتكتب الكتاب علي الأقل”
“مش قادر بصراحة،اللي بتطلبه صعب أوي”
عض سامي شفتيه بغيظ ثم أردف بجدية:
“ماتعصبنيش ياموسى،أنا مش عارف أستوعب اللي بيحصل لحد دلوقتي”
“معلش،بكره حبة حبة هتستوعب وهتتعود كمان”
زفر سامى بضيق،ثم تنهد بعمق ونجح في استعادة ثابته فنبس بنبرة هادئة رتيبة:
“أنا هاهدا علشان ماغلطش في حقك وعلشان صحتي كمان،يلا ادخل غيّر هدومك علشان ننزل نفطر،خمس دقايق وألاقيك تحت”
“طب خليهم عشرة”
طالعه سامي بوعيدٍ،فأدرك الأخير خطورة الأمر فأومأ بالإيجاب مرددا:
“خلاص هدخل،أشوفك تحت”
انهى جملته ثم دلف للداخل وظل الأخر يطالع أثره حتى تأكد من عدم خروجه مجددا،فولج هو الأخر لشقته بعدما تنفس الصعداء ليستعيد هدوئه وثباته.
اتجه نحو غرفة المعيشة حيث جلست زوجته برفقة يزيد،فتقدم نحوها قليلا ثم حمحم ليجذب انتباها،وقد نجح في ذلك ونظرت إليه فتحدث بنبرة هادئة رتيبة تتنافى علي ماكان عليه من لحظات:
“أنا هنزل أفطر مع الشباب،وهرجع قبل الصلاة إن شاء الله”
أومأت له بالإيجاب مرددة بنبرة هادئة:
“ماشي”
“تمام… في حاجة كمان،أنا كنت عايز أطلب منك طلب”
“أكيد،اتفضل”
ابتلع ريقه وألقى نظرة سريعة علي يزيد الذي انشغل مع ألعابه ثم عاد إليها من جديد وقال:
“أنا كنت عايز أخد يزيد معايا صلاة الجمعة النهاردة،وأوعدك إني هاخد بالي منه كويس ومش هخليه يغيب عن عيني لحظة”
“ماشي”
تفاجأ من إجابتها السريعة والتي لم تفكر طويلاً لتعيطيه إياه،وتفاجأ أكثر عندما تابعت حديثها:
“أنا معنديش مانع خالص إنك تاخد يزيد معاك لأي مكان،أنا واثقة إنك هتحافظ عليه،غير كده هو بيفرح لما بينزل معاك ومع صحابك”
ابتسم تلقائياً فور سماعه لحديثها هذا ونبس بسعادة:
“وأنا كمان بفرح لما ببقى معاه،وشكراً علي ثقتك فيا”
أومأت له بالإيجاب مع بسمة هادئة خجولة،فابتسم بخفة ثم قال:
“أنا هنزل بقا،عايزة حاجة أجبهالك معايا”
“لا شكرا”
“تمام،عن اذنك”
أومأ لها بالإيجاب ثم اتجه نحو الباب وخرج من الشقة بعدما ألقى نظرة مطولة عليها،نظرة حنونة وعاشقة.
_____________________
تجمع الستة عند “عربة الفول” ليتناولوا الفطور عليها علي حساب موسى هذه المرة،بعدما اتفقوا بأن يكون هو الضحية وأن يدفع لهم ثمن إفطارهم هذا اليوم.
قدم الحج صاحب العربة لهم صينية كبيرة إلي حد ما وضعت عليها الشطائر (سندوشات) الخاص بهم،وعمل موسى بنفسه علي توزيعها عليهم،فبدأ بسامي ثم كارم وأعطى لكل منهما اثنان،ثم التفت للتوأم وأعطى لثلاثتهم ٤ شطائر،فعقد كل منهم بين حاجبيه ونظروا صوب الشطائر بإستنكار وهتف محسن بضجر:
“ناقص اتنين هنا ياعم صبحي”
تدخل موسى في الحديث وأجابه بقوله البارد:
“لا مش ناقص،كده مظبوط”
“مظبوك إزاي!!،مش المفروض لكل واحد فينا اتنين،كده ناقص اتنين”
أشار موسى علي نفسه هو وسامي وكارم،ثم نحوهم علي الترتيب مردداً:
“كل واحد مننا ليه اتنين،أما انتوا التلاتة ليكم أربعة،علشان أنتوا توأم”
هتف حسين بضجر وانفعال:
“ده اللي هو ازاي بقا إن شاء الله معلش،ده أنا نفسي لو كلت الأربعة دول مش هشبع”
“أنت لو كلتني شخصياً ياحسين مش هتشبع”
تقدم محسن مردداً من خلف شقيقه حسن والذي كان محافظاً علي هدوء كعادته:
“وسعلي كده ياحسن معلش..،أنت عايز تفهمني ياموسى إنك مستخسر تجيب سندوتشين زيادة”
رد عليه موسى ببرود:
“آه بصراحة مستخسر يامحسن”
“يعني مستخسر تجيب سندوتشين زيادة،وأنت لسه امبارح مطلع من جيبك خاتم ألماس بالشيئ الفولاني لفيروز”
رد عليه موسى ببساطة:
“ده كان حتة خاتم ألماس،أومال دول سندوتشين طعمية”
تشنجت ملامح كل من محسن وحسين وصدموا من حديث الاخير،بينما ضحك كارم بصوت مرتفع وهو يتناول الشطائر ويستمتع بهذا العرض الممتع في آنٍ واحد.
ابتلع محسن ريقه ثم هتف بإستنكار:
“أنت طلعت سوسه أقسم بالله يالا،يعني خاتم الألماس عادي بالنسبة لك،والسندوتشين هما اللي حاجة كبيرة،ليه اقتصاد دولة يعني ولا ايه؟؟”
“حاجة زي كده ياصاحبي”
مسح محسن وجهه بعنف بعدما نجح الأخير في إثارة غيظه وإستفزازه بهتف بنفاذ صبر:
“يخربيت برودك ياشيخ،أنا عايز ياأفطر يابني،هتجبلي فطار ولا لأ؟؟”
“جيب لنفسك أحسن يامحسن”
“ده بعينك،العزومة المرة عليك،مش كفاية إن أنا كنت متوقع تعزمنا علي شاورما ولا فراخ مشوية ولا حتى كشري،الأخير ألاقى نفسي معزوم علي فول وطعمية”
“احمد ربك وهو حد لاقى”
أنهى موسى جملته وهو يتناول من الشطائر الخاص به مما أثار استفزاز محسن أكثر وهتف بحدة:
“اموته يعني دلوقتي ولا أعمل ايه؟؟”
تدخل سامي في الحديث مرددا برتابة:
“خلاص يامحسن اهدا،أنا هجبلكم سندوتشات..”
نظر صوب صاحب العربة وأضاف عمي:
“عمي صبحي زودلنا ٤ طعمية و٤ فول كمان الله يرضي عليك”
نظر موسى صوب سامي وابتلع مابفمه سريعاً ثم قال:
“وأنا كمان عايز”
ارتفعت ضحكات كارم أكثر وبدا عليه الإستمتاع بالأمر،بينما طالع سامي الاخير بصدمة للحظات ثم عاد للعم صبحي وقال:
“خليهم ٦ و٦ ياعم صبحي”
“من عينيا ياباشا”
“وزود المخلل والبصل ياعمي صبحي”
اتجهت أنظار الجميع صوب حسين الذي نبس تلك الكلمات والطعام في فمه،فضحك الخمسة عليه رغماً عنهم،بينما رد عليه صبحي:
“حاضر ياسحس”
وضع سامي يده علي كتف حسين وأردف بمرح:
“كل ياحسين،كل ياحبيبي كل”
نظر صوب البقية وأضاف:
“وانتوا ياشباب كملوا أكل يلا”
أضاف موسى علي حديث الأخير:
“ايوه استمتعوا بعزومتي ليكم علشان هتبقى أول وأخر مرة،مش هتتكرر تاني خلاص”
رد عليه كارم بسخرية:
“علي رأيك،ده عزومة كنا بنحلم بيها وقت العصرية”
ارتفعت ضحكاتهم عقب حديث الأخير،صوت ضحكات تبث البهجة في نفوس من يسمعها،فمن يراهم وهم يقفون علي هذه العربية صف واحد،سيبتسم تلقائياً عندما يرى هذه الصداقة القوية،صداقة بين ستة شباب ازدادت قوة ومتانة مع الأيام لتصبح ماهي عليها اليوم.
___________________
__
مع مرور الوقت
…
كان يسير في طريقه إلي متجر البقالة ليحضر بعض الأشياء لوالدته بعدما انتهى من صلاة المغرب وتلاوة بعض الأيات من القراءن الكريم برفقة والده.
سار بخطوات هادئة ورتيبة وأعين كان تطالع الارض طيلة الطريق ليتجنب النظر علي النساء والفتيات المارين بجواره،ظل هكذا حتى وصل إلي وجهته،والذي كان محل البقالة الخاص بأحمد عم صديقه موسى.
رفع حسن عينه وشرع في إلقاء التحية الإسلامية ولكن فجأة توقف لسانه عن التحدث عندما وقعت عينه علي فتاة تقف عند إحدي الرفوف،رأها وهي تضع شيئا ما في جيب سترتها في الخفاء،رأها وهي تلتفت يمينا ويساراً خشية بأن يراها أحد وهي تفعل لك.
عقد بين حاجبيه ولكن سرعان ماأدرك أنها كانت تسرق بالفعل،ولكن كان المفاجأة الكبري عندما التفتت الفتاة ورآي وجهها،عندما أدرك أنه يعرفها،ويعرفها جيداً أيضاً،فهي نفسها “لينا” ابنة عمة صديقه.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.