رواية موسى (على دروب الحكايا) الفصل الواحد والعشرون 21 – بقلم امل بشر

رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الواحد والعشرون

الفصل الحادي والعشرون(إعلان خصومة)

الفصل الحادي والعشرون(إعلان خصومة)

توقفت جميع حواسه عن العمل،وتوقف الزمن أيضاً عند هذه اللحظة،وعقله فقط ينكر مايراه ويرفض تصديق الأمر،ولكن إنه واقع..واقع أبصره بعينه لتوه،فكيف لا يكون حقيقة؟؟

تنفس حسن الصعداء وابتلع ريقه ثم تقدم للداخل أكثر مرددا بنبرة جاهد لتخرج طبيعية:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”

انتبهت له ونظرت نحوه وشكت للحظات أنه قد رأى مافعلته نظراً لقرب المسافة بينهما،كما انتبه له عوض كذلك ورد عليه التحية بقوله:

“وعليكم السلام،ازيك ياحسن؟؟”

“الحمد لله،أنت عامل ايه ياعوض،أمورك تمام؟؟”

“تمام والحمد لله”

“يدوم حمدك”

أنهى حسن جملته ثم اقترب منه بعدما ألقى نظرة سريعة علي الأخيرة جعلتها تتأكد من صحة شكوكها،لذا تقدمت هي الأخرى في حالة من التوتر والقلق قد تملكت منها،وتحدثت مع عوض بقولها:

“ممكن تجيب الحاجة ياعوض”

“أكيد طبعا،ثانية”

التفت يميناً والتقط بعض الحقائب البلاستيكية التي سبق وأعدّها لها من قبل ووضع بها ما طلبته،ثم عاد إليها وقدمها لها مرددا:

“اتفضلي”

تناولت “لينا” منه الحقائب ببسمة هادئة جاهدت في رسمها ثم أومأت بالإيجاب واستأذنت للرحيل بقولها:

“تمام،عن اذنكم”

أنهت جملتها ثم التفتت وغادرت المكان تاركة إياه ينظر لأثرها،وشارداً فيما رآه،ولكن سرعان ماخرج من شروده هذا على صوت عوض الذي تحدث اليه:

“أؤمرني ياحسن”

انتبه له حسن وعاد إليه بنظراته ثم دسّ يده في جيب بنطاله القماشي وأخرج منه ورقة دوّن عليها بعض الأشياء وقدمها له بقوله:

“ممكن تجيب الحاجات اللي في الورقة دي”

تناول منها الورقة مرددا ببسمة هادئة:

“أكيد طبعاً،عايز كل اللي في الورقة؟؟”

أومأ له حسن بالإيجاب ثم أردف:

“آه”

“ماشي،دقيقة بس”

“خد راحتك”

التفت عوض ليلبّي طلبات الأخير الذي استدار مجدداً ونظر جهة الباب الذي غادرت منه وكل تفكيره في تلك اللحظة بالتحديد،تلك اللحظة الذي أُحتجز بداخلها.

_____________________

علي الجهة الأخرى…

تجمع معظم أفراد العائلة في شقة كبيرهم وكان هو من بينهم،حيث جلس بين أولاد عمومته وباقي الرجال يتناول أطراف الحديث معهم.

“ده طلع سوسه ده،إدّانا أكبر خازوق في حياتنا”

كانت هذه كلمات بلال الذي يقصد بها موسى الذي ضحك بخفة عليها،واستمع لحديث عزت الذي أيد حديث الأخير:

“وخازوق مُعتبر كمان يابلال،ده احنا طول الوقت شايلين همه وبنحاول نساعده وبننصحه إنه يشتغل ويأمن مستقبله،وفي الأخر نكتشف إنه مدورها من ورانا،ومحدش فينا حس ولا شك فيه”

رد عليه موسى بزهوٍ وفخر:

“ماهي دي شطارة بقا ياعزت،دي شطارة وذكاء منّي إن محدش فيكم شك فيا ولو للحظة حتى”

“دي شطارة منك وغباء مننا”

ارتفعت ضحكاتهم علي كلمات كريم تلك،وتوقف موسى أولاً عن الضحك ونبس بجدية:

“ولا غباء ولا حاجة ياكيمو،أنا بس ماكنتش مبين حالتي المادية الحقيقية،طول الوقت كنت قدامكم مفلس وبشحت من الكل”

“ولسه بتشحت ياحبيب جدك،أنت لسه واخد مني ٢٠٠ جنيه الصبح”

ضحك الشباب علي كلمات محمد تلك بينما نظر له موسى وعاتبه بقوله:

“لازم تفضحني كده يعني ياجدي؟؟”

“أيوه لازم،لازم كلهم يعرفوا إنك جلدة ومستخسر تصرف من فلوسك”

تدخل فادي في الحديث بقوله:

“هو أنت جلدة بس علي نفسك ولا ايه يابني؟؟،مش أنت لسه مطلع امبارح خاتم ألماس من جيبك قدامنا كلنا”

نظر موسى نحو ابن عمه ثم أجابه ببساطة:

“أيوه أنا بخيل،ومش بس على نفسي أنا بخيل على الكل،بس عندها هي وstop،مستعد أصرف كل فلوسي علشان تبقى مبسوطة،ومستعد إن أشترلها نجوم السما مش بس خاتم ألماس يافادي”

“لا يابختها بيك بقا،أنا هبدأ أحسدها كده عليك”

نظر الجميع صوب يمنى التي نبست تلك الكلمات،وضحك موسى على حديثها بينما طالعه عزت من جديد وأردف بحنق بعدما لاحظ نظرات زوجته له والتي لاتبشر بالخير:

“كده هتقوّم القيامة علينا تاني ياعم موسى،خف علينا أبوس ايديك،أنا مش حمل خناقة تانية”

عقد بين حاجبيه وطالع ابن عمه وأردف بعدم فهم:

“مش فاهم،قصدك ايه يازيزو؟؟”

أشار له عزت بعينه نحو زوجته يمنى والتى كانت يتطاير الشرر من عينيها نحوه وكأنها تتوعد له،ولاحظ موسى نظراتها تلك فضحك بصوت مرتفع ثم وزع نظراته علي أبناء عمومته مرددا بمرح:

“هو أنا سببتلكم مشاكل مع مراتتكم من غير ماقصد ولا ايه ياشباب؟؟”

أتاه الرد سريعا من عزت:

“وياريتها مشاكل عادية ياابن عمي،ده متنكد عليا بسببها لحد دلوقتي”

أشارت يمنى على نفسها بإستنكار وهي تردف بحنقٍ:

“قصدك إن أنا نكدية ياعزت؟!”

شعر بالخطر يقترب أكثر بعد كلماتها تلك فنبس سريعاً ليتفادى الجدال:

“أبدا ياروحي مين قال كده بس،أنا اللي نكدي ياقلبي مش أنتِ خالص”

“كنت بحسب”

صدحت ضحكاتهم علي هذا الموقف الطريف،بينما تنفس عزت الصعداء كأنه تفادى بركان كان علي وشك الثوران،ولاحظه بلال حينذ فوضع يده علي ظهره وربت عليه برتابة مرددا بمزاحٍ:

“اهدى ياعزت،عدت علي الخير الحمد لله”

رمقه عزت بطرف عينه ثم وضع يده علي وجهه وضحك هو الأخر،

فرمقه موسى سريعاً ثم نظر صوب يمني ونبس بخبثٍ:

“بقولك يايمنى،لو نفسك في خاتم ألماس زي بتاع فيروز أنا ممكن أقول لعزت على فكره أنا جايبه منين ويجبلك واحد”

طالعه عزت سريعاً وألقاه بنظرة ثاقبة وهو يردف بإنفعال:

“الله يخرب عقلك،أنت عايزني أفلس يابني،هو أنا مليونير زيك وأنا معرفش”

“في ايه ياعزت ماتحسسنيش إنك كحيان ياأخي،ده أنت محامي يعني علي قلبك قد كده”

“لا مش علي قلبي قد كده،أنا لسه فاتح المكتب مابقاليش كام شهر ولسه بظبط أموري،فاهدا ياحريقة شوية،ماتبقاش أنت وهي عليا”

“هي مين ياعزت؟؟”

نظر عزت ليمنى التي نبست تلك الكلمات بإستنكار فتوتر للحظات ثم نبس ببسمة سمجة:

“الدنيا ياحبيبتي..،قصدي عليه هو والدنيا ياقلبي”

“الله علي السيطرة يازيزو”

التفت عزت صوب موسى وهتف بحنقٍ:

“اتكتم بقا الله يسترك،أنا مش عايز أغلط علشان الكبار قاعدين،فاتلم بقا الله يهديك”

ابتسم له موسى بإستفزاز وكاد أنا يرد عليه ولكن أمسك به محمد من أذنه وضغط عليها قليلا مرددا بإستياء من أفعاله:

“ده مابيتهدش،عامل زي الفرقع لوز اللي ملوش مالكة،دايماً عامل دوشة علي الفاضي ومضايق اللي حوليه”

أشار موسى علي نفسه بإستنكار وهتف بإندهاش:

“أنا بضايق اللي حوليا ياجدي،لا زعلتني بجد ياحج محمد”

“اتفلق ياأخويا،واتلم بقا كفاية ولعة،خليك محضر خير علشان يتردلك بعدين”

ترك محمد أذن الأخير فور انتهائه من حديثه هذا،الذي أيده داود بقوله:

“مظبوط ياحج،بكره لما تتجوز على فكره هيعملوا فيك نفس اللي بتعملو فيهم ده خلي بالك”

وضع موسى يده على أذنه وأجاب سريعاً علي والده:

“لا ده أنا اتكتم خالص يابابا،علشان محدش يبوظلي حياتي الزوجية بعدين”

“ياسلام علي الزوج المثالي ياناس،ايه ده ياواد خايف علي حياتك الزوجية حتى قبل ماتبدأها؟؟”

رد محمود علي طارق بقوله:

“أكيد هيخاف ياطارق،الباشا واقع ومسلم كمان،مش هو قال إن كل حاجة عملها كانت علشانها،اشتغل وتعب وجمع فلوس،واشترى بيت وجابلها خاتم محصلش،وده بس اللي نعرفه لحد دلوقتي،ياعالم بقا ممكن مخبى علينا حاجة كده ولا كده؟؟”

حرك موسى رأسه بالنفى سريعاً ورد علي عمه بقوله:

“لا ياعمي ماتخفش،أنا لسه ماعملتلهاش غير دول،بس قدام إن شاء الله هعمل،الصبر بس”

“نصبر ياحبيبي،مانصبرش ليه،احنا خلاص اتعودنا منك علي المفاجآت والصدمات،بقيت أيقونة في الحاجات دي ياابن داود”

“معرفش ده مدح ولا ذم ياعمي،بس عالعموم تشكر ياعم حوده”

ضحك الجميع علي سذاجته تلك،حتى توقف بلال ونبس بجدية:

“صحيح ياموسى،هو البيت اللي أنت شاريه،هتسيبه زي ماهو ولا هتعمل عليه تعديلات؟؟”

نظر موسى صوب ابن عمه ورد عليه بنبرة هادئة رتيبةٍ:

“لا طبعاً أنا ناوي أعمل تعديلات كتير فيه،في ديكوره وتصميمه كمان من بره ومن جوه”

“بجد!،طب أنا أقدر أساعدك علي فكرة ياموسى،أنا مهندس لو ناسي يعني”

نظر موسى صوب فادي ثم أجابت بنفس الوتيرة:

“لا مش ناسي،بس مكانتش عايز أشغلك يعني،أكيد يعني أنت مضغوط في شغلك وكده”

“ولا مضغوط ولا حاجة،وحتى لو مضغوط نفضى علشان خاطرك ياسيدي،بس أنت قولي اللي في دماغك وأنا أحطلك تصميم مبدأي ونتناقش لحد مانوصل لأفضل حاجة بإذن الله”

رُسمت على وجهه ابتسامة عريضة كأنه طفل حصل علي مبتغاه وهتف بسعادة:

“أخويا والله يافيدو ياجامد”

ابتسم فادي علي حديثه ثم أردف برتابةٍ:

“بس لازم أشوف الشقة،دي حاجة ضرورية”

“ياسيدي نشوفها،نصلي العشا ونروح نشوفها كلنا،ايه رأيكم؟؟”

أعطوه الموافقة جميعاً وتحديداً الرجال،فأومأ لهم بالإيجاب ثم وزع نظره عليهم ونبس بمشاكسة:

“أنتم بقا هتعملولي ايه ياجماعة؟؟،فادي وهيظبطلي الشقة،أنتم هتعملولي ايه؟؟”

رد عليه محمد بإستنكار:

“هو أنت عامل حسابك إني فادي يعملهالك ببلاش!!”

“آه ياجدي،مش ابن عمي وزي أخويا هياخد مني فلوس يعني..”

نظر صوب فادي ثم استأنف حديثه بقوله:

“هتاخد مني فلوس يافادي؟؟”

ضحك فادي بخفة ثم حرك رأسه بالنفي مرددا:

“لا ياموسى،اعتبرها هدية مني”

“هو ده الكلام التمام،حبيب أخوك بصحيح”

ضحكوا جميعاً علي طريقته تلك،بينما هو وزع نظراته عليهم ثم أضاف:

“ايه بقا،عايز أعرف هدايكم ليا،كل واحد فيكم لازم يهديني حاجة زي فادي كده؟؟”

رد عليه بلال أولا برتابةٍ:

“إذا كان كده،ليك عندي الأجهزة الكهربية من الألف للياء،كل اللي عليك تجيب العروسة واللي هتختاره هيكون عندها في نفس اليوم”

ضم موسى شفتيه ونظر لبلال بتأثر وبراءة ثم أشار على قلبه بسبابته وقال:

“أنت هنا يابلال،أنت جوه كده،قاعد ومربع هنا”

ضحك بلال رغماً عنه على طريقته تلك،بينما هو نظر صوب عزت كصقر ونبس بحدة:

“وأنت يازيزو هتجبلي ايه؟؟”

“أنا محامي هجبلك ايه يعني قواضي؟؟،مش كفاية إني مطلعك من قضيتين لحد دلوقتي”

أومأ له موسى بالإيجاب وأجابه بإقتناع تام بحديثه:

“مظبوط كفاية عليك أنت كده”

التفت بنظراته صوب كريم وقال:

“يلا كيمو،دورك ياغالي؟؟”

فكر كريم قليلا ثم أردف بنبرة هادئة:

“ليك عندي ياسيدي المفروشات كلها بعد إذن بابا أكيد يعني”

أنهى جملته وهو ينظر صوب والده،فأومأ له محمود وأيد حديثه بقوله:

“زي ماقالك كريم،شرفنا في يوم وتعالى واختار ياحبيب عمك”

“والله أنت اللي حبيبي ياعمي ياغالي،غالي أوي وفي مقام الحاج”

ابتسم بسمة سمجة ونظر صوب والده وهو يضيف:

“وبما إننا جبنا سيرته فايه؟؟”

سأله داود بعدم فهمٍ:

“ايه؟!”

“ايه هتعملي ايه ياحج؟؟”

“هعملك ايه يعني؟؟..،اللي تطلبه طبعاً ياحبيب أبوك،جهازك كله هيبقى عليا،أنا مقرر ده من قبل ماتطلب حتى”

صدح صوته من يهتف بسعادة وهو يشير نحو والده:

“الله!،هو ده الكلام المظبوط،أعرفكم بالأب المثالي ياجماعة الحاج داود عمران أبو العبد الغلبان”

ارتفعت صوت ضحكاتهم من جديد علي حديثه المرح هذا،بينما هو نظر مباشرة صوب عمه أحمد وهزّ له حاجبيه مرددا:

“عمي أحمد؟؟”

اختفت ابتسامة أحمد فور سماعه اسمه يُلفظ من قبل الأخير ثم نظر إليه ونبس بضيق:

“خير؟؟”

رد عليه موسى سريعاً ببسمة أثارت استفزاز الأخر:

“كل الخير طبعاً ياعمي،حضرتك عارف أكيد أنا عايز ايه”

“عارف،بس مالكش حاجة عندي”

“ليه؟؟”

“كده،مش كفاية إني من ساعة مافتحت المحل وأنت واكل وشارب ببلاش،عايز مني أكتر من كده ايه؟؟”

“عايزك توفرلي طلبات البيت سنتين قدام بعد الجواز،دي أقل حاجة يعني”

تشنجت ملامح أحمد ورفع إحدي حاجبيه له،بينما ضحك البقية عليهما وتدخل محمد في بينمها بقوله:

“اتقي الله يامفتري،ده أنت جاي علي عمك بخسارة”

“وفيها ايه يعني؟!،مش ابن اخوه،يستحمل بقا”

رد عليه أحمد بنفاذ صبر:

“أستحمل ايه ياكلب؟؟،ده أنا فكرت أكتر من مرة أقفل المحل بسببك”

استنكر موسى حديثه الأخير بقوله:

“تقفل ايه ياعمي؟؟،حضرتك ليه محسسني إن الحالة ضنك،وأنت بسم الله ماشاء الله يعني فتحت فرع تاني من المحل بعد ٦ شهور بس،والتالت في الطريق”

“هيتقفلوا،كده التلاتة هيتقفلوا طالما حضرتك نبرت فيها”

ضحك موسى ساخراً من حديث عمه ثم زفر بضيق وأردف بنفاذ صبر:

“بص عمي من الأخر هتوفرلي طلبات سنتين ولا أخليك تفلس في ظرف يومين؟؟”

“وده هتعملها ازاي بقا ياابن داود؟؟”

“بسيطة،هنزل هقعد عندك في المحل وأملى كرشى من هناك بقا وأعزم صحابي الغلبانين كمان”

فتح أحمد فمه ببلاهة وطالعه الأخير بذهول ثم ضحك بصوت مرتفع وقال بقلة حيلة:

“وعلى ايه ياأخويا،خلاص ليك اللي طلبته،اتجوز أنت بس الأول”

“هتجوز ياعمي ماتقلقش،بس ادعيلوا ربنا يسهل الحال ونكتب الكتاب بسرعة علشان أنا مابقتش حمل الإنتظار بجد..،المهم كده فاضل مين؟؟”

أنهى جملته وهو ينظر صوب مصطفى الذي حرك له كتفيه تزامناً مع قوله:

“ايه؟؟،أنا كنت مدير مالي ودلوقتي استقلت وقعدلكم،ومعنديش حاجة أقدمهالك بصراحة”

“مين قال بس إن معندكش؟؟،أومال الملايين اللي في البنك دي وضعها ايه؟؟”

أنهى جملته بغمزة مشاكسة له،جعل الأخير ينظر له بصدمة ويقول:

“أنت حاطت عينيك علي فلوسي اللي تعبت فيهم سنين،وأنت أصلا معاك زيهم ويمكن أكتر”

“لاأظن بتوعك أكتر ياعمي؟؟”

ضحك مصطفى بصوت مرتفع ثم نبس بقلة حيلة:

“يعني عايز ايه من الأخر؟؟”

رد عليه موسى سريعاً وببساطة:

“عايزك تساعدني بشكل مادي في تحضيرات الفرح”

“لا ومحدد إنه بشكل مادي..،ماشي ياسيدي اللي أنت عايزه أنا عينيا ليك”

“تسلم عينيك ياعمي ياغالي،أنا قلت برضه واحد بشياكتك دي مش هيستخسر فيا كام ألف يعني”

ضحكوا مجددا عليه وكأنه أصبح الجوكر في هذا التجمع ليرسم الإبتسامة علي وجوههم جميعاً دون جهد يذكر منه،

ويزيد من أصوات ضحكاتهم في المكان.

ظل هو يوزع نظراته عليهم تباعاً إلى أن سمع صوت رنين هاتفه فستأذن منهم ثم نهض من مجلسه وقبل أن يولج للشرفة أشار نحو خاله بيده ونبس بتحذير:

“فاكرك ياخالو علي فكرة،مش ناسيك،هخلص وأجيلك،ففكر هاتهديني ايه”

طالعه طارق بإستنكار،قبل أن يتركه الأخر ويتجه إلى الشرفة؛ولج إليها وررفع الهاتف على أذنه ليصله صوت صديقه يقول:

“السلام عليكم”

“وعليكم السلام ياشيخنا،ايه الأخبار؟؟”

وصله رد صديقه الذي كان يقف أمام بيته في تلك اللحظة:

“الحمدلله..،كنت عايز أتكلم معاك في موضوع”

“أكيد،سامعك”

تحسس حسن ذقنه الحليقة ثم بلل شفته السفلي وأردف بنبرة هادئة رتيبة:

“مش هعرف أقولك علي الموبايل،يفضل نتقابل ونتكلم علي رواق”

“معنديش مشكلة،بس طمني علشان أنا بدأت أقلق بصراحة”

“لا متقلقش،خير بإذن الله..،أنا بس قلت أتكلم معاك وش لوش علشان مش هعرف أقولك اللي عايز أقولهولك علي الموبايل،فبإذن الله أقابلك بكره في السايبر بعد ماجي من الشغل ونتكلم،طبعا لو فاضي؟؟”

“فاضي طبعاً،عمرك ماهتلاقى حد فاضي قدي”

ابتسم حسن علي حديثه المرح ثم رد عليه برتابةٍ:

“تمام،أشوفك بكره بإذن الله..،مع السلامة”

“مع السلامة”

انتهت المكالمة عند هذا الحد،وأغلق موسى هاتفه ثم نبس بصوت خافت مع تنهيدة ليطمأن نفسه:

“خير بإذن الله”

ضم شفتيه بعد جملته تلك ثم توجهت أنظاره تلقائياً نحو شرفة محبوبة قلبه وروحه،وابتسم بعفوية وهيام،وعندما شرع بالإرتكاز على السور وصل إلى مسامعه صوت جده يهتف بإسمه،فالتفت جهته سريعاً وولج للداخل وهو يردد:

“جاي أهو”

بينما في الجهة الأخرى،كان رفيقه يقف في مكانه يطالع شاشة الهاتف المغلق بتيه ثم وضعه في جيب بنطاله وتنفس الصعداء ونبس بصوت خافت وقلة حيلة:

“يالله يامعين”

_____________________

في صباح اليوم التالي…

جلس في مكتبه في مقر عمله يضع الهاتف على أذنه ويتحدث مع شقيقته المستاءة:

“ماقلتلك مش هتغدى قلقاس أنا”

“وأنا مش عامله غيره النهاردة ياكارم،لو مش عجبك ماتاكلش”

“مش هاكل ياضحى،أنتِ عارفه كويس إن أنا بكره القلقاس وبرضه مصره تعمليه النهاردة”

زفرت بضيق ثم تركت السكين والخضروات من يدها وأردفت بحنقٍ:

“بص أنا خلقي ضيق النهاردة ومش طايقة نفسي،لولا إن أمك مش موجودة النهاردة ماكنتش هدخل المطبخ من أساسه،وعلشان خاطر أبوك بس اللي هيرجع من شغله تعبان أنا قاعدة بطبخ دلوقتي”

“يعنى هي ضاقت في وشك خالص لدرجة إنك تطبخي قلقاس”

استغفرت ربها في سرها ثم ردت عليه بنفاذ صبر:

“بص أنا جبت أخري،أنا مش عامله غير قلقاس سامع،لو مش هتاكل اشتري أكل من بره على حسابك واتغدى وحل عنّي بقا..سلام”

أغلقت الهاتف عقب انتهائها من حديثها دون إنتظار أي رد منه،مما زاد من غضبه واستيائه فعضّ شفتيه بغيظ وطالع شاشة هاتفه ثم نبس بضيق:

“يابنت الــ..”

تحكم في نفسه ومنع لسانه من السب ثم هدر بحنقٍ:

“ماشي ياضحى،لما أجيلك يابنت عبد الله هعرفك ازاي تقفلي الخط في وشي”

أنهى جملته وهو يضع الهاتف علي الطاولة أمامه بإستياء،ثم عاد بجسده للخلف علي مقعده وتنفس الصعداء وهو يتأفف بضجر بعدما فقد أعصابه بسبب شقيقته الصغرى التي تماثله في الطباع.

وفجأة وأثناء محاولته لإستعادة هدوئه ولجت هي إليه بعدما طرقت علي الباب الزجاجي مرددة بنبرة هادئة مماثلة لبسمتها اللطيفة:

“حضرتك فاضي؟؟”

انتبه لها ونظر إليها فابتسم تلقائياً وهدر بمشاكسة كعادته:

“فاضي،ولو مش فاضي أفاضلك ياقمر”

ضحكت ميرنا بخجل علي حديثه هذا والذي أصبح إعتيادي بالنسبة لها،ثم تقدمت نحوه وأعطته ملف مرددة:

“التقرير اللي حضرتك طلبته مني”

رفع حاحبيه بذهول وتناول منها الملف مرددا:

“بالسرعة دي جهزتيه!!،أنا لسه طالبه منك من ساعة”

“استعجلت فيه علشان حضرتك تقدر تشوفه قبل ماساعات العمل تخلص”

ألقى نظرة سريعة عليها بينما يراجع الملف في يده وقال:

“كان ممكن تخليه لبكره عادي،أنا ماكنتش هقول حاجة”

“أنا بفضّل إني أشتغل بمقولة:لاتأجل عمل اليوم إلى الغد”

رفع رأسه وطالعها ورفع إحدى حاحبيه وسألها:

“دي أول مرة تشتغلي فيها صح؟؟”

تعجبت من سؤاله ولكن أومأت له بالإيجاب وأعطته الجواب مرددة:

“آه،بس ليه بتسأل؟؟”

“علشان طاقتك الكبيرة دي،طاقة شخص بيعيش تجربته الأولي في الشغل،لسه بيسمي الله وبيقول ياهادي”

عقدت بين حاجبيها

وظهر

الجهل على تقاسيم وجهها،وخاصة لعدم فهمها كلماته الأخيرة والتي كانت غريبة عليها،لاحظ هو ذلك سريعاً فابتسم بخفة ثم أردف ببساطة:

“بقصد بكلامي إنك نشيطة،عندك طاقة واحد في البدايات”

“آه فهمت كده،بس أظن إن دي حاجة حلوة صح؟؟”

“حاجة حلو لو فضلتِ محافظة علي نفس الأداء علي طول،لو استمريتِ علي كده مش بعيد تقعدي مكاني بعد كام شهر بس”

شعرت ببعض الإحراج من حديثه،ورفعت يدها وأعادت خصلات شعرها خلف أذنها وهي تقول بخجلٍ:

“مش للدرجة دي يعني،أنا لسه beginner (مبتدئة)”

“حالياً بس،أنتِ عندك المهارة والقدرات مش ناقصلك بس غير الخبرة وده هتكتسبيها قدام شوية،وبسرعة كبيرة أنا متأكد..”

نظر إلي الملف في يده ثم عاد إليها وأضاف:

“وبمناسبة شغلك الرائع واستمرارك في إبهاري أنا حابب أعزمك علي قهوة،موافقة؟؟”

ضمت شفتيها ودارات في نظرها في الغرفة،فمال هو رأسه قليلا علي كتفه وسألها مستفسراً:

“فيه ايه،مشغولة ولا حاجة؟؟”

حركت له رأسها بالنفي مع قولها بنبرة خافتة خجولة:

“لأ مش مشغولة،بس..أنا بصراحة جعانة،طلعت من غير فطار ومأكلتش حاجة خالص طول اليوم”

ابتسم بخفة عليها ثم ترك الملف من يده وطالعها مردداً:

“جيتي في وقتك،أنا كده كده كنت ناوي أكل بره علشان الجماعة اللي في البيت عاملين أكل مش علي هوايا،تحب تاكلي معايا؟؟”

فكرت للحظات ثم أعطته الإجابة مع إماءة بسيطة تشبه بسمتها:

“أحب”

“Great,نطلع دلوقتي ولا عندك شغل لسه؟؟ ”

“لأ أنا خلصت،هجيب شنطتي بس وبعدها ممكن نطلع”

“أوكى،وأنا في انتظارك”

أومأت له بالايجاب ثم غادرت المكان لتحضر حقيبتها،بينما هو رافقها بنظراته من موضعه بنظرات مشاكسة وبسمة عابثة،وعندما وجدها تعود إليه وتقترب منه بجسدها الرشيق وخطواط ثابتة،وببسمة لطيفة أذابت قلبه نبس بمرواغة:

“لازم أشيل مخلل معايا بعد كده،علشان الحلويات الكتير ده بقت خطيرة عليا”

وصلت إليه في تلك اللحظة وسألته:

“نمشي؟؟”

نهض من مجلسه ورتب من وضع بذلته ثم التقط هاتفه واقترب منها مرددا:

“يلا بينا”

_____________________

في جهة أخرى…

“أنت بتقول ايه ياحسن الله يكرمك!!”

كانت هذه كلمات موسى الذي نبسها بجمود واستنكار،بعدما أخبره حسن بما رآه وبما يفكر فيه،ليعطيه الأخر الجواب بنبرة هادئة رتيبة:

“والله أنا متفاجأ زيك ياموسى ولحد اللحظة دي كمان،وفكرت أكتر من مرة قبل ماأكلمك علشان أقولك،كنت متردد جدا وحاولت أقنع نفسي إنه كان بيتهيألي،بس مقدرتش أتغاضى عن الموضوع،علشان لو حقيقة هيبقى ذنبها في رقبتي أنا ياصاحبي”

مسح موسى وجهه بيده ثم عاد لحسن بنظراته من جديد وتحدث بنبرة هادئة محاولاً استيعاب ماوقع علي مسامعه للتو:

“يعنى أنت متأكد إنك شفت لينا وهي..وهي بتسرق من محل عمي؟؟”

“للأسف آه،أنا كدبت عيني في الأول بس كان واضح جداً إنها بتسرق،من قلقها وحركات عينها وخوفها،كل ده أثبتلي اللي كنت بحاول أنكره،بس…”

سكت حسن وعجز عن التحدث فسأله موسى بقلقٍ:

“بس ايه؟؟”

ابتلع حسن ريقه ثم أردف برتابةٍ كعادته:

“بس أنا شاكك إنها بتعمل ده غصب عنها”

“غصب عنها ازاي؟؟،مش فاهم”

“هافهمك..،أنا شايف إنها بتعمل ده غصب عنها علشان هي مش محتاجة،يعني ظروفها ووضعها كويسين جدا،مفيش حاجة تخليها تعمل كده،غير إنها كانت واقفة في محل خالها،يعني حتى لو أخدت اللي عايزاه قدام الكل محدش هيقولها حاجة ولا هيمنعها،فأنا حاسس إنها مضطرة والموضوع خارج عن إراتها ياموسى،جايز يبقى الموضوع مشكلة..”

“نفسية”

“بالظبط،بس ده يظل مجرد تخمين..،أنا شايف إنك تتكلم معاها،وتخليها تتكلم كمان،اسمعها واسمع تبرريها،ممكن يبقى تخمينا صح”

سكت للحظات يراجع حديث صديقه في عقله،ثم تنهد وأومأ بالإيحاب بحركات رتيبة تزامناً مع قوله:

“معاك حق،أنا لازم فعلا أتكلم معاها”

نظر في اللاشئ أمامه وشرد في الأتى والذي يصعب توقعه،فمن الأن أُلقيت علي عاتقه مسئولية كبيرة يجب عليه تحملها وإيجاد حلول لها أيضاً.

_____________________

مع مرور الوقت…

جلس كل منهما حول طاولة مستديرة على جانب الطريق أمام مطعم للأسماك المالحة

.

كانت تشاهده وهو يساعد الرجل في ترتيب الأطباق علي الطاولة أمامهما،بينما تضع يدها علي فمها وأنفها وتطالع الطعام أمامها بإشمئزاز واندهاش في الوقت ذاته،وكل مايتردد في ذهنها كيف وافقت علي المجئ معه إلي هنا معه!!.

انتهى الرجل من وضع الطعام فتحدث معه كارم:

“تُشكر ياأبو جبل،بس يبقى عداك العيب لو جبتلي كمات بصلتين،أنت عارفني بحب البصل مع الرينجا موت”

أشار له الرجل علي عينيه تباعاً مرددا ببسمة هادئة:

“من عينا ياباشا”

“تسلم عينيك ياعمنا”

انصرف الرجل من أمامه ليحضر له ماطلبه،بينما هو نظر للماثلة أمامه والتي كانت في حالة ذُعر مما تراه أمامها ومن الروائح التي تتسرب إلي أنفها،والتي تصيبها بالقشعريرة.

ضحك بصوت مسموع علي نظراتها وحالتها تلك،فنظرت إليه وسألته مستفسرة عن سبب ضحكاته:

“حضرتك بتضحك ليه؟؟”

“أولا سيبك من حضرتك وأستاذ كارم والحاجات دي،احنا دلوقتي بره الشغل ناديني بكارم أو كيمو اللي تحبيه،ثانياً بقا كنت بضحك علي حالتك دي،حاسك شوية وهترجعي”

وزعت نظراتها علي الطعام أمامها ثم عادت إليه من جديد وأردفت بخجل:

“بصراحة آه،الريحة وحشة أوي”

“دي ريحة الفسيخ”

“فسيخ؟!”

أومأ له بالإيجاب ثم أشار علي إحدي الأطباق تزامناً ما قوله:

“آه الفسيخ،اللي في الطبق ده”

“وده بيتاكل بريحته دي؟؟”

“لا بنعذب نفسنا بشم ريحته بس”

صدّقت إجابته ولم تلاحظ السخرية الواضحة في جملته،فاتسعت عينه بذهول وضحك عليها ثم قال:

“أنا بهزر،احنا بناكله عادي علي فكرة”

“بتاكلوه إزاي؟؟،ده المفروض يترمي أو على الأقل تغسلوه الأول لحد ماريحته دي تروح وبعدين تاكلوه”

أومأ له بالإيجاب سريعاً وأجابها ساخراً:

“آه فعلا لازم نغسله،لازم نخليه يستحمى قبل ماناكله”

انكمش حاحبيها وسألته بسذاجة:

“أنا ليه حاسه إنك بتتريق عليا؟؟”

“طبعاً بتريق عليكي يا ميرنا،ده بيتاكل كده بريحته دي من غير مانغسله ولا حاجة،ريحته دي ميزته أصلا،أنتِ بس مش مستلطفاها علشان أول مرة وكده،بس لما تتعودي عليه هتلاقيها ريحة عادية جدا،وهتعشقي أكله”

حركت رأسها سريعاً بالنفي وهو تطالع طبق “الفسيخ” أمامها بتقزز وقالت:

“لأ،ماأعتقدتش إنني ممكن أعشقه في يوم،أبداً”

“لا هتعشقيه صدقيني،جربيه بس”

أنهى جملته وهو يلتقط قطعة من الخبز ثم وضع عليها قطعة من الفسيخ وبعدها بعض من الليمون وقطعة من البصل،جمعهم معاً ثم مد يده نحوها وقدمهم لها بقوله:

“يلا سمي الله”

وضعت يدها أمام يده وحركت رأسها بالنفي كالطفلة الصغيرة التي ترفض تناول الدواء،وقالت:

“لأ شكراً بجد،أنا مابقتش جعانة،ممكن تاكل أنت”

“لا والله ماحاصل،لازم تاكلي وتجربيه،صدقيني هتحبيه وهتدعيلي كمان علشان عرفتك عليه”

حركت يدها في الهواء برفض تام منها علي تناول هذا الطعام مع قولها:

“لأ بجد مش عايزة،بالهنا والشفا أنت”

ضم شفتيه وطالعها للحظات في صمت ثم أردف بجمود علي غير العادة:

“أنا من عادتي مابحبش أتحايل على حد،طلبي بقوله مرة بس قالي لأ،يبقى نقطة والسلام،بس أنتِ ياقمر عندك يختلف الكلام،علشان كده هطلب منك تاني فياريت بقا ماتقوليلش لأ وتكسفيني،وإلا هفضل شايلهالك طول العمر،وأنا لما بشيل بتضايق وبضايق”

انقبضت ملامحها من جدية وصارمة حديثه ونبرته الحادة التي ألقى بها تلك الكلمات دفعة واحدة،طالعته بذهول نظراً أنها تراه بهذه الحالة لأول مرة منذ أن تقابلا،والسبب بالنسبة لها بسيط لايستحق كل هذا.

بينما هو استمر في مراقبة ردات فعلها بتعابير وجه واجم،وفجأة ودون سابق انذار رُسمت علي وجهه بسمة بدأت بالإتساع تدريجياً،ثم سألها:

“مالك خفت كده ليه؟؟،أنا كنت بهزر علي فكرة،سبق وقلتلك إني أتفه من كده بكتير”

تنفس الصعداء ثم ابتسم بخفة بعد كلماته تلم ثم قالت بنبرة هادئة:

“صدقتك فعلاً،وكنت شوية وهبدأ أخاف منك”

ضحك بخفة علي حديثها ثم نبس بجدية:

“أنا أخر شخص ممكن تخافي منه،أو بالأصح اللي مفروض يخاف منّي بصحيح هو اللي غلط في حقي،غير كده أنا في العادي meek (وديع)،فاوعى تخافي مني واتعودي بقا علي هزاري حتى لو كان من وجهة نظرك ثقيل شوية”

“أوكى،هحاول اتعود،علشان لازم فعلا أتعود وأفهمك”

“لأ،تفهميني دي صعبة شوية،محدش علي الأرض يقدر يفهمني ولا يفهم دماغي،فاكتفي إنك تتعودي علي طباعي بس ياقمر”

أنهى جملته بغمزة مشاكسة لها،ورغم غرابة الحديث بالنسبة لها فقد أومأت له بالإيجاب وادعت تفهم حديثه،فأضاف هو حينئذ:

“أوكى،يلا بقا دوقي علشان خاطري،أو علشان خاطر الفسيخ الغلبان ده اللي متشوق إنك تاكليه”

ضحكت علي حديثه هذا ثم ضمت شفتيها وطالعت مافي يده للحظات،حتى اتخذت قرارها وأومأت له بالإيجاب وتناولته منه مرددة:

“نجرب وخلاص”

تناولت قطعة الخبز ومابها،وظل هو في انتظار سماع رأيها،

وكان له ماأراد عندما أومأت رأسها بالإيجاب بحركات رتيبة ثم ابتسمت وقالت:

“ماتوقعتش هقول كده بس..جميل،مش بشع زي ماكنت متخيلة”

“هاأعتبر ده مدح وإنك حبيته فعلا،سمي الله بقا بجد وابدأ ياجميل..”

بدأ بالإشارة علي الأطباخ أمامه واحد تلو الأخر مردداً:

“عندك رينجا..،فسيخ وبطاريخ”

استنكرت أخر مانطق وقال:

“ايه؟؟..بطــ..بط ايه؟؟”

“بطاريخ”

“مش كان اسمها بطاريق”

ارتفعت ضحكاته في المكان علي جملتها تلك،وطالعته هي بذهول واستغراب لردة فعله هذه،وسألته عن السبب سريعاً:

“بتضحك ليه؟؟،أنت بتقول بطاريق ولا بطاريخ مش عارفة”

توقف أن الضحك بصعوبة ثم أجابها:

“أنا قلت بطاريخ،بالخاء مش بالقاف،وأصلا هناكل بطاريق ازاي يعني؟؟،وبذمتك لو بناكلها هتبقى بالحجم الصغنن ده،ليه عندا أنيميا!!”

“ماأنا معرفش ايه بطاريخ دي؟؟”

“دي ياستي بيض السمكة،سمكة الرينجا أحلى حاجة ممكن تاكليها”

تشنجت ملامحها وابتلعت ريقها،ثم حركت عيونها المتسعة ببطء صوب الطبق الذي وضعت به “البطاريخ”،وأشارت نحوه بسبابتها وقالت بإندهاش:

“بتاكلو بيض السمك”

“أيوه بناكله عادي،زي مابناكل بيض الفراخ،فرقت يعني”

رفعت عينينها صوبه وهتفت بإنزعاج:

“بس ده حرام”

استنكر حديثها ورفع إحدي حاجبيه لها وقال:

“حرام ليه،هو احنا بنغتصبهم؟؟،احنا بناكلهم عادي،وعلى فكرة مش أنا لوحدي اللي باكلهم،أزيد من نص الشعب المصري بياكلهم”

“ليه بتاكلهم؟؟،المفروض تسيبهم يكبروا علشان يبقى عندنا سمك كتير”

طالعه في صمتٍ للحظات ثم نبس بسخرية:

“صح،أنتِ صح،لازم نسيبهم علشان يكبروا،وكمان لازم أرفع قضية وأُطالب بحقوق بيض السمك،علشان مايصحش ناكله وهو في السن ده”

“أنت بتتريق عليا صح؟؟”

أتاه الرد سريعاً منه بنبرة جامدة مرتفعة:

“طبعاً،طبعاً ياروحي بتريق عليكِ أومال بتكلم جد،ده السمك وده بيضه والإتنين بيتاكلوا وطعمهم سكر،لازم تجربي”

أنهى جملته وهو يتناول قطعة خبر أخري ووضع بها بعض من “البطاريخ” ثم وضع عليها بعض قطع البصل وقدمها لها فوضعت يده أمامه ورفضت الأمر بقولها:

“لا شكراً،مش عايزة أشارك في الجريمة”

“لا مايصحش لازم تشاركي في الجريمة،علشان ندخل السجن ونبقا احنا الاتنين سوابق،ومايبقاش حد فينا أحسن من التاني،يلا ماتكسفنيش بقا يلا”

تناولت منه قطعة الخبز ثم ابتلعت ريقها وأخذت نفساً عميقاً وقامت بتناولها،كل هذا تحت أنظاره وهو يراها توشك على البكاء في هذه اللحظة.

استمر في الضحك علي تعابير وجهها المضحكة والمشمئزة مما تأكله،حتى وجدها ابتلعت مافي فمها فقال:

“يلا كملي أكل بقا،وأحسنلك ماتسأليش علي حاجة تانية من اللي بتاكيلها واللي كده مش هتاكليها صدقيني،يلا بقا بالهنا والشفا عليا وعليكي”

شرع كل منهما في تناول الطعام،وفي هذه اللحظة اقترب صاحب المحل من كارم وقدم له البصل بقوله:

“اتفضل ياباشا البصل اللي طلبته”

تناول كارم البصل منها مرددا بتذمر:

“لسه فاكر تجيبهم ياأبو جبل،ده أنا قربت أشبع”

مال الرجل علي رأس كارم قليلاً ثم همس في أذنه:

“بيني وبينك أنا شوفتك وانت بتكلم السنيورة ومندمج معاها في الكلام،فمارضتش أزعجكم وقلت أسيبكم لحد ماتخلصوا،ماقلتليش بقا إيجار ولا ملكية؟؟”

أتاه الرد الصارم من كارم بقوله:

“صديقة،صديقة عمل ياأبو جبل”

“صديقة بس ولا في حاجة تانية؟؟”

“لأ مفيش،ويلا بقا روم شوف شغلك،طريقك أخضر”

استقام الرجل بجسده ثم أومأ له بالإيجاب بقوله:

“ماشي،بالهنا والشفا علي قلبكم،لو احتاجتوا حاجة أنا في الخدمة”

“ماشي ياعمنا،يلا بالسلامة”

انصرف من أمامهما بعد جملة كارم تلك والذي عاد لتناول الطعام من جديد،ولكن سرعان ماانتبه لها عندما قالت:

“الظاهر إنك بتيجي هنا كتير؟؟”

رفع رأسه وطالعها ثم أجابها مع بسمة هادئة:

“أه،أنا ذبون دايم هنا من زمان أوي،دايماً لما نفسي تهفني على ملوحة أخد المكنة وأجى على هنا على طول،وساعات باجى أنا والشباب صحابي برضه في أيام الأجازة وكده”

أومأت له بالإيجاب ببسمة هادئة ثم عادت لتناول الطعام ولكن سرعان ماجذب انتباهها مجددا عندما قال:

“أظن أنت بقا مالكيش في جو الأماكن دي،أعتقد ماجربتيش تاكلي من محلات زي دي قبل كده؟؟”

حركت رأسها بالنفي ما قولها الهادئ:

“لا الصراحة ماجربتش ولا مرة”

تغيرت نبرته فجأة وأصبحت أكثر جدية حين قال:

“طبيعي بنت رجل أعمال كبير زيك يبقى مالهاش في الأماكن دي”

انقبضت ملامحها وتركت الخبز من يدها ثم بللت شفتيها السفلى وأردف بتوتر:

“أنت..أنت عرفت إزا..”

لم يترك له المجال للأستفسار بل قطع حديثها بقوله الجامد:

“ميرنا توفيق الهلالي،اسمك علق معايا أوي،وبالذات اسم والده اللي حسيته مش غريب عليا،علشان كده جالي فضول أعرف هو مين،فبحثت وعرفت إني شكوكي كانت في محلها..،أنتِ بنت توفيق الهلالي واحد من أكبر رجال الأعمال والمستثمرين كمان،واللي يبقى برضه واحد من أكبر المستثمرين في الشركة اللي أنا وأنتِ شاغلين فيها،نفسها الشركة اللي رجعوني للشغل بترقية ومرتب أعلى بعد مع اعتديت علي مديري بالضرب..،تعرفي إني بقالي فترة بفكر في مين ورا رجوعي للشغل،من ساعة اللي اسمه سمير ماقالي إني اللي رجعني حد كبير أوي..،قعدت أفكر وأفكر وأقول ياواد كارم مين عايز مصلحتك؟؟،مين ساعدك؟؟،وفجأة جيتي أنتِ في بالي،ولما بحثت اتأكدت من اللي كنت بفكر فيه”

سكت وطالعها فعلمت أنه حان وقت سماع تبريرها فشرعت في التحدث بنبرة هادئة ورتيبة:

“مظبوط،أنا بنت توفيق الهلالي وأنا عرفتك علي نفسي في أول لقاء بينا لو فاكر،أنا مقصدش أخبّي عليك إني والدي مستثمر في الشركة،الموضوع بس إني مضطرة علشان مش عايزة حد يعرف نهائي بالموضوع ده،وبخصوص رجعوك..فآه أنا اللي قلت لوالدي عليك وطلبت منه يرجعك،بس الحقيقة هو رفض في البداية لأنه بيكره الواسطة والحاجات اللي زي دي،بس أنا طلبت منه إنه يشوف ملفك وبعدين يقرر،فهو وافق وفعلا طلب ملفك وبعد ماقراه غير رأيه،علشان لقاك موظف مجتهد وشاطر في شغلك وامكانياتك كويسة،فهو من نفسه راح وطلب منهم يرجعوك ويرقوك كمان علشان أنت تستحق،يعني من الأخر ياكارم أنت حصلت علي الترقية دي بسبب شطارتك،وأنا بس كنت مجرد وسيط أو مساعد،صدقني بابايا مش من النوع اللي أنت متخيله،وأكبر دليل قدامك أنا،أنا مجرد متدربة في الشركة ومحدش يعرف أنا بنت مين وقايلالهم إنه تشابه أسماء علشان ماأخدش أي امتيازات وأنجح بتعبي ومجهودي الشخصي”

أبعد نظره عنها ثم رفع يده وتحسس ذقنه وأردف بإنزعاج:

“أنت متعرفيش أنا حسيت بإيه لما عرفت،أنا حسيت إني مغفل أوي ياميرنا”

نظر إليها في نهاية جملته وظهر العتاب لها جلياً في كلماته فسارعت في التوضيح والتبرير بقولها:

“صدقني أنا ماكنش قصدي أحسسك بده،أنا بس كنت عايزة أساعد،حسيتك شخص طيب وتستاهل كل خير فحبيت أساعدك من كل قلبي”

“أنا سبت الشغل أصلا علشان كان ماشي كوسه،وأي حد كان معاه واسطة بنلاقيه عدانا وبقى فوقينا،ولما فكرت إني الوحيد اللي وصلت بمجهودي أكتشف إني زيهم ووصلت بطريقتهم”

“لأ،أنت مش زيهم صدقيني،ووالله بابايا مالوش في الأمور دي وبيكرهها كمان،وترقيتك كانت فعلا بمجهودك،أنت ليه مش مصدقني؟؟،أنا مش بكدب والله”

لاحظ الغصة في صوتها،ورأي الدموع المتجمعة في عينيها والتي أوشكت في السقوط،فاتسعت عينيه بدهشة وهو يراها علي حافة البكاء،ونبس بذهولٍ وهلع:

“أنتِ بتعيطي!!،طب خلاص أنا أسف،أنا مصدقك والله”

دسٍ يده في جيب بنطاله وأخرج المنديل القماشي الخاص به وقدمه له وحثها بعينها علي أخذه،وقد امتثلت هي لطلبه وتناولته منه ومسحت عينيها ثم قالت بصوت مختنق:

“أنت لسه مضايق مني؟؟”

“مابقاش ينفع أضايق خلاص،حرام الدموع الغالية دي تنزل كده بسببي”

“أنا بس حساسة شوية”

“أخدت بالي..،طلعت حساسة ورقيقة أوي”

أبعدت المنديل عن عينيها وسألته بصوت مختنق:

“أنت مصدقني خلاص صح؟؟”

ابتسم علي برائتها تلك والتي جعلته يشعر أنه يحادث طفلة صغيرة وليس فتاة يافعة؛تنفس الصعداء ثم أوما له بالإيجاب مع قوله الهادئ:

“مصدقك،مصدقك ياميرنا”

“يعني خلاص أنت مش زعلان مني متأكد؟؟”

“لا مش زعلان مِنك،بس ياريت نبقا صراحا مع بعض بعد كده،اتفقنا؟؟”

أومأت له سريعاً بالإيجاب وهي تقول ببراءة:

“اتفقنا”

“تمام..،يلا بقا نكمل أكل”

أومأت له بالإيجاب مجددا مع بسمة هادئة لطيفة،ثم وضعت المنديل علي طرف الطاولة وعادت لتناول الطعام من جديد،بينما هو ظل يطالعها بأعين محبة ومشاعر مختلطة،بين الإندهاش من لُطفها وبرائتها،وبين شعور الذنب الذي داهمه لأنه كان سبب في بكائها،وبين السعادة لرؤيتها تعود لطبيعتها وتأكل من جديد.

ابتسم وكأنه يشاهد طفلة صغيرة أذابت قلبه برقتها وبسمتها،ونجحت أن تُزيل الغضب الذي كان يحمله تجاهها،ابتسم بعفوية ومال برأسه علي كتفه قليلاً وكأنه يستمتع بمشاهدة لوحة فنية.

_____________________

وصل إلى وجهته ووقف أمام الباب وقام برن الجرس أكثر من مرة تباعاً،وكل ماكان يصل إليه من داخل صوت يعرفه يحثّه علي الإنتظار.

وبعد ثواني قليلة كانت طويلة عليه فُتح الباب بواسطة ابنة عمته فهدر بإنزعاج وضيق:

“سنة علشان تفتحي”

“كنت بلبس الطرحة الله،ادخل!”

عادت لمجلسها وجلست علي أريكة في غرفة المعيشة،ودلف الأخر كذلك وأغلق الباب خلفه ثم دار بعينه في المكان وسألها مستفسرا:

“أومال عمتي مش هنا ولا ايه؟؟”

ألقت تينا نظرة سريعة عليه ثم عادت للهاتف بيدها وأجابته:

“لا مش هنا،نزلت علشان تجيب طلبات للبيت”

أومأ لها بالإيجاب ثم نظر صوب غرفة محددة وقال:

“وأختك؟؟،لينا هنا ولا لأ؟؟”

“أيوه هنا،قاعدة في أوضتها بتذاكر”

“طب أنا هدخلها علشان عايزها في موضوع”

أبعدت نظرها عن الهاتف سريعاً ونظرت إليه وسألته بلهفة وفضول:

“موضوع ايه؟؟”

رد عليها بحنقٍ:

“أنتِ مالك،موضوع خاص بيني وبينها مالكيش دعوة أنتِ بقا”

“خلاص ياأخويا أهدأ ماتقولش،كده كده هعرف منها بعد تمشي”

“ابقى اعرفي ياأختي”

أنهى جملتها وانصرف من أمامها واتجه إلي غرفت المقصودة بهذه الزيارة،وطرق طرقات خفيفة علي الباب،وحينها وصله الصوت الأخير تقول:

“مين؟؟”

“أنا موسى يالينا،افتحي”

“طب دقيقة بس ألبس الطرحة ياموسى”

“خدي راحتك”

مرت ثواني ولم ينتظر طويلاً،وفتحت له الباب بعدما وضعت الحجاب بشكل غير مهندم ولكن يفي بالغرض،وقبل أن تنطق بحرف بادر هو بالحديث وقال:

“عايز أتكلم معاكِ كلمتين”

كلمات بسيطة خرجت من فمه ولكن كانت ثقيلة عليها،كانت كفيلة بأن تأكد لها شكوكها وماكان يخطر في بالها منذ الأمس،ولكن لم يكن لديها خيار سوا الموافقة والسماح له بالدخول والتحدث معها،فأشار له بذلك مرددة بنبرة جاهدت لتخرج طبيعية:

“اتفضل”

ولج للداخل ثم طالع الغرفة حتى وقعت عينه علي باب الشرفة فأشار نحوه برأسه وقال:

“خلينا نقعد في البلكونة أحسن”

أومأت له بالإيجاب دون إضافة كلمة،وتقدمت برفقته نحو الشرفة وجلست هي علي مقعد فيها وجلس هو علي مقعد أخر مقابل لها في الجهة الأخرى.

بدأ تبادل النظرات بينهما في صمت،صمت لم يدم طويلا بسببه هو عندما قرر التحدث والدخول إلي صلب الموضوع بسرعة فنبس برتابة:

“أنتِ عارفة انا جايلك ليه النهاردة؟؟”

ابتلعت ريقها بقلق،قلق ظهر جلياً في اهتزاز قدميها المستمر،وفي يديها المرتجفتان،وقد لاحظ هو ذلك منذ بداية جلوسهما.

بللت شفتها السفلي وحركت رأسها بالنفي مع قولها:

“لا معرفش”

“تمام،أنا هقولك..”

سكت للحظات ثم تنهد بثقل وأضاف:

“النهاردة قابلت حسن،وقالي علي حاجة لحد دلوقتي بحاول أستوعبها،ورغم إني عارف إن حسن أخر واحد هيفتي،بس من جوايا نفسي أسمع العكس من،أو علي الأقل تفسير مقنع”

إ

زداد توترها بمجرد ذكر اسم الأخير،ورغم ذلك ادعت الثبات والجهل وقالت:

“أنا مش فاهمه أنت بتتكلم عن ايه ياموسى؟؟”

تنهد موسى بثقل ثم أردف برتابةٍ:

“بصي يالينا أنا زي أخوكي،وياما شيلتك زمان علي دراعي،ولعبت بيك مش معاكِ،فاعايزك تثقي فيا،وتتأكدي إن عايز مصلحتك وعايز أساعدك،فياريت تفتحي قلبك ليا”

“أنا مش فاهمه أنتِ بتتكلم عن ايه بالظبط؟؟”

“حسن شافك امبارح يالينا،وحكالي النهاردة كل حاجة”

فركت يديها ببعضهما وهربت بنظراته منه،فأغمض عينه بصعوبة لإدراكه من ردة فعلها هذه أن الأمر صحيح تماماً،تنهدت مجددا ونبس بنبرة جاهد لتخرج طبيعية:

“خليكي صريحة معايا علشان خاطري..،من امتى وأنتِ كده؟؟”

ابتلعت ريقها بصعوبة وأخرقت رأسها بإحراج ثم أجابته بصوت مختنق:

“بقــ..بقالي أزيد من سنة..،بس والله بعمل كده غصب عنّي”

“ابتدا لما كنتِ في الثانوية؟؟”

أومأت له بالإيجاب ومازالت تحنى رأسها،فضمٍ شفتيه بأسى ثم قال برتابةٍ:

“بتعملي كده لما تبقى مضغوطة ومتضايقة؟؟”

أومأت له بالايجاب مجددا،فأبعد نظرها عنها ثم عاد إليها من جديد وتنهد وقال:

“ليه معرفتيش حد فينا؟؟”

رفعت رأسها وأبصرته سريعاً وحركت رأسها بالنفي مع قولها:

“مقدرتش أقول لحد،ومش عايزة حد يعرف علشان خاطري ياموسى،هيبقى شكلي ايه قدامهم لما يعرفوا إني..إني كده”

“ده مش وضع تخافي فيه على شكلك قدامهم يالينا،ده وضع محتاج علاج ياغالية،لازم تتعالجي وبأسرع وقت”

“أنا هتعالج،صدقني قدام هعرف أتحكم في نفسي وأبطل أعمل كده بس ماينفعش حد فيهم يعرف،وبالذات ماما وبابا،هيزعلوا جامد لو عرفوا”

زفر بضيق وحرك رأس بيأس ثم نبس بجدية ونفاذ صبر:

“ياحبيبتي افهمي لو حد فيهم عرف من بره زي ماأنا عرفت كده هيزعلوا أكتر،وهينكسروا جامد”

“صدقني أنا هقولهم،بس مش دلوقتي”

“أومال امتى؟؟”

“لما أتعالج،لما أبطل أعمل كده خالص”

تنفس الصعداء وهدّأ من أعصابه قليلاً ثم قال:

“أنتِ مش هتعرفي تعالجي نفسك بنفسك يالينا،الموضوع أصعب مما أنتِ متخيلة وأكبر دليل إنك بقالك أزيد من سنة علي نفس الوضع علي كلامك،أنتِ لازم تروحي لدكتور نفسي”

حركت رأسها بالنفي برفض تام منها علي اقتراحه هذا،ولكن كان رده عليها واحد وصارم:

“ماتهزليش راسك،أنتِ هتروحي للدكتور وهتتعالجي برضاكي أو غصب عنك،وإلا هتصل بعمتي فوراً وأقولها كل اللي عرفتوا،لو موافقتيش صدقيني هقولهم علي كل حاجة عرفتها،أنا مش هقولهم علشان ماجرحهمش وهاأحتفظ بالسر مقابل إنك توافقي تتعالجي،قلتِ ايه؟؟”

“بس فلوس..”

قطع حديثها بقوله الجاد:

“مالكيش دعوة بالفلوس خالص،ولا تشيلي همها،فكري بس في التعافي وأنا جنبك ماتقلقيش”

“بس أنت مش ملزوم تدفع..”

“قلت مالكيش دعوة بقا،فلوسي وأنا حر فيها،إن شاء الله أرميها في البحر محدش ليه دعوة بيا،زي ماقلتلك ركزي في التعافي وبس يالينا،وفكري بشكل إيجابي لو سمحتِ،إن شاء الله هتتعالجي وفي أسرع وقت كمان،وهترجعي زي الأول بإذن الله..،ودلوقتي بقا قوليلي،عندك جامعة بكره؟؟”

أومأت له بالإيجاب مع قولها:

“آه”

“طب هتخلصي امتى؟؟”

“على الساعة ١٢ كده”

“تمام،أنا هعدي عليكِ في الميعاد ده ونطلع علي الدكتور علي طول،هاخد عربية طارق هو كده كده سافر النهاردة وسابها،اتفقنا؟؟”

فكرت للحظات،ولم لديها خيار سوا الموافقة فأومأت له بالايجاب مرددة:

“اتفقنا”

ابتسم لها بلطفٍ ثم قال برتابةٍ:

“تمام،أنا همشي بقا علشان البومة اللي بره دي ماتشكش في حاجة،وصحيح لو حد سألك عن سبب زيارتي،قوليله إني جيت علشان أخد رأيك في هدية لفيروز علشان دلال مشغولة،وأنا برضه لو حد سألني هقوله كده،تمام”

“تمام”

نهض من مجلسه مرددا ببسمة هادئة:

“علي بركة الله،أنا هقوم بقا،عايزة حاجة؟؟”

وقفت هي الأخرى وهي تجيبه:

“سلامتك”

خرجا معاً من الغرفة واتجها للباب الرئيسي للشقة،ثم قام بفتح الباب وقبل أن يخرج نظر صوب تينا التي لم تعيرهم اهتمام واستمرت في العبث في الهاتف،وهتف بإستفزاز:

“سلام يابومة”

ردت عليه

بحنقٍ دون النظر إليه حتى:

“سلام ياسوسة”

ضحك بخفة عليها ثم نظر صوب الواقفة بجواره وغمز لها بمشاكسة مع قوله المرح:

“سلام ياعسل،ماتنسيش تضحكي”

ابتسمت على حديثه المرح،فابتسم هو الأخر ثم التفت وخرج من الشقة وأغلق الباب خلفه،ووقف قليلا أمام الدرج ونبس بصوت خافت متأمل:

“استرها معانا يارب”

تنفس الصعداء ثم ترجل من على الدرج ليغادر من هنا،وليبدأ التخطيط لما عليه فعله من أجل تلك الفتاة التي أصبحت أمانته وتحت رعايته،وأصبحت مسؤولة منه من الآن.

_____________________

انتهى ذلك اليوم العابث،يوم ثقيل علي البعض ويوم عادي للبعض الأخر.

وأشرقت شمس يوم جديد،وبدأ صباح جديد…

كانت تجلس في شقتها برفقة طفلها الصغير تلهو معه بألعابه الخاصة وتداعبه وتشاكسه،بعدما غادر زوجها إلي عمله باكراً،وبعدما انتهت من جميع أعمالها المنزلية.

استمرت ليلى في اللعب مع طفلها والمرح معه،إلى أن سمعت صوت رنين الجرس،فوضعت الألعاب في يدها علي الأرضية ثم نهضت من مجلسها واتجهت نحو الباب وقامت بفتحه،فوجدت شخص ذو هيئة غريبة وغير مألوفة إليها،فنبست سريعاً:

“أفندم؟؟”

“مدام ليلى عبدالتواب؟؟”

“أيوه أنا،اتفضل”

مد يدت وأعطاها ظرف صغير بعض الشيئ،وأشار لها نحو ورقة أخرى وقال:

“ممكن تمضيلي هنا؟؟”

امتثلت لطلبه وتناولت القلم منه ثم وقعت حيثما أشار لها،وشرعت في الاستفسار علي مافي يدها:

“ممكن أعرف ايه الظرف ده؟؟”

“ده إخطار من المحكمة حضرتك،التفاصيل مكتوبة جوه،عن اذنك”

أنهى جملته وانصرف من أمامها،تاركاً إياها في حالة لاوعي تحاول استيعاب مع قاله لتوه،وتكرر في عقلها “إخطار من المحكمة”.

كيف إخطار من المحكمة،ولماذا؟؟

خرجت من شرودها وسارعت في فتح الظرف فوجدت ورقة كبيرة كتب في بدايتها:”إعلان خصومة”.

_____________________

يتبع…

كتابة/أمل بشر.

أتمني يكون البارت عجبكم وقولولي رأيكم وتوقعاتكم للأحداث اللي جايه.

وبما إننا تخطينا البارت العشرين.

فايه أكتر شخصية حبينها لحد دلوقتي؟؟

وايه أكتر شخصية كرهينها أو مش متقبلنها؟؟

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق