رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل التاسع والخمسون
الفصل التاسع والخمسون(ذكريات لم تبهت)
اذكروا الله…
صلوا على رسول الله…
ماتنسوش الدعاء لإخوتنا في الدول العربية.
نبدأ بسم الله…
________
–
أَنا لَستُ لي، أَنا لَكِ… كُلّي لَكِ.
”
محمود درويش
”
___________
تقدمت ميرنا بخطوات متأنية نحو سيارتها، وضعت حقيبتها على المقعد برفق، ثم مدّت يدها لتفتح الباب وتجلس على المقعد الآخر، لكن فجأة توقف كل شيء، إذ جاء صوت سيارة متوقفه بالقرب منها، رافقه ارتجاج الهواء حولها وكأنه إعلان عن حضور غير متوقع.
التفتت بعفوية، معتقدة أنه والدها، لكنها توقفت فور أن التقت عيناها بوجه من ترجل أو ترجلت من السيارة، لحظة قصيرة تجمدت فيها ملامحها، ممزوجة بالدهشة والانزعاج
،
كأنها واجهت ظلًّا تعرفه جيدًا لكنها لم تكن مستعدة لرؤيته في هذا الوقت.
فها هي أمامها الآن، تلك التي لا ترى فيها سوى مصدر توترها الدائم، عدوتها الأولى في البيت؛ أو لعل العدواة لم تولد من قلب ميرنا بقدر ما كانت نارًا تشعلها الأخرى بوعي مقصود.
تقدمت نحوها بخطوات رشيقة، يعلو محياها بسمة تحمل من التصنّع أكثر مما تحمل من المودة، بسمة أثارت في ميرنا نفورًا داخليًا لا تخطئه النفس.
توقفت أمامها، وصوتها الناعم انساب مثل خيط حرير مغطى بالسم، فيه خبث دفين لا يخفى:
“ميرو… وحشتيني.”
قالتها وهي تنقضّ عليها بعناق بدا كما لو كان استعراضًا أكثر من كونه دفئًا، بينما جسد ميرنا ظل جامدًا كالصخر، لم يبادل ولم ينوِ أن يبادل.
تركت الأخرى ذراعيها تنفلت أخيرًا، وكأنها قد أدت دورها أمام جمهور خفي، ثم أتبعت بابتسامة عريضة وصوتها ما زال ينضح بتلك النغمة المبطنة:
“أخبارك إيه يا ميرو… سمعت إنك خطبتي؟”
مدّت بصرها بعدها نحو يدها، حيث الخاتم يلمع بخفة تحت ضوء النهار، رفيعًا، رقيقًا، يحتضن إصبعها كما لو كان يخشى عليه من الانفلات.. وفي منتصفه ماسة بيضاء صغيرة، لكن ببهاءها الهادئ، بدت أنيقة، تحمل من البساطة ما يفضح في ذات الوقت عمق قيمتها.
رفعت عينها نحو ميرنا ببطء محسوب، كأنها تتلذذ بتأجيل السؤال، ثم أطلقته بنبرة تقطر خبثًا ودهاءً، نبرة تتمازج مع بريق نظراتها التي لا تقل مكرًا:
“عندي فضول أعرف هو مين… وحالته الاجتماعية إيه؟”
كانت كلماتها أشبه بخنجر مغروس في قماش ناعم، تلمع ببرود لكنها تستهدف بعمق.
ازدادت ملامح ميرنا انقباضًا، ارتسم الضيق على وجهها بوضوح، ارتجفت في داخلها رغبة حادة في الرد، في كسر ذلك الصلف بنظرة أو كلمة حاسمة، لكنها كظمت غيضها.
لم تنبس ببنت شفة، فقط التفتت بجسدها بكامل حزم نحو سيارتها، كأن صمتها اختيار مقصود ليكون الجواب الأبلغ.
لكن الأخرى لم ترضَ بهذا الانسحاب الهادئ، تحركت بخفة وكأنها كانت تتوقعه، لتقف أمام ميرنا بخطوة سريعة، تقطع عليها الطريق، وبسمة ماكرة ترتسم من جديد على شفتيها.
رفعت يدها قليلًا كإشارة اعتراض، وقالت بصوت متصنع الرقة لكنه مشبع بلهجة آمرة:
“استني بس… رايحة فين؟ مش هتجاوبيني الأول يا ميرو؟”
وكأنها تتلذذ باستفزازها، تستمد قوتها من لحظة الإحراج، بينما ميرنا ظلت واقفة، يحاصرها السؤال والوقوف المفروض عليها، لكن في أعماقها كانت عاصفة تشتعل
،
تبحث عن منفذ لها.
ولحسن الحظ، أتى من سينتشلها من براثن ذلك الموقف الخانق؛ إذ لم تكد الأخيرة تُنهي كلماتها الاستفزازية حتى توقفت سيارة أخرى بجوارهم، وخرج منها توفيق بملامحه المبهجة، وصوته يحمل دفئًا خاصًا لا يُخطئه قلب ميرنا.
ترجل بخطوات سريعة، وجهه يغمره السرور والدهشة وهو يهتف بصدق لم يُخفِ شوقه:
“ريناد!”
نعم، ريناد ابنة شقيقه الوحيدة، تلك التي عاشت بعيدًا في الخارج مع والدتها بعد رحيل والدها، لا تراهم إلا في مواسم متقطعة حين تمنحها الإجازات فرصة العودة.. وها هي الآن أمامهم، بنفس ملامحها الممشوقة ونظراتها المليئة بالدهاء الذي يُزيّنه قناع البراءة.
وما إن وقع بصرها على عمها حتى تبدّل كل شيء في لحظة: وقفتها استقامت أكثر، ملامحها انقلبت من حدّةٍ ماكرة إلى رقّةٍ مصطنعة، ابتسامة واسعة أشرقت على وجهها كأنها لم تكن قبل لحظة تُغرِق ميرنا في الاستفزاز.
ركضت بخفة نحوه، عيناها تلمعان بدموع مُختلَقة أو ربما بمكر مموّه، وذراعاها امتدتا لتسبق خطواتها.
فتح هو ذراعيه بدوره، يضمها بحنان المشتاق، يضغط على كتفيها بقوة الألفة، فيما هي بين ذراعيه تتصنع الرجفة والدفء، وتردد بصوت تغمره نغمة شوق:
“وحشتني يا أونكل…”
ردّ عليها توفيق بابتسامة دافئة تليق بأشهر من الشوق والحرمان:
“وأنتِ كمان وحشتيني يا روحي… بس إزاي ما تقوليلش إنك جاية؟”
ضحكت ريناد بخفة وهي تبتعد خطوة للخلف، تضم ذراعيها إلى صدرها كمن يُخفي خلف ذلك الوضع براءتها المزيّفة، وأجابته بلهجة تفيض دلالًا:
“حبيت أعملهالك surprise… عجبتك؟”
انفرجت ملامحه أكثر، وكأن قلبه عثر فجأة على قطعة مفقودة:
“عجبتني أوي، هو في أحلى من شوفتك قدامي يا روحي؟”
ابتسمت ريناد بخفة، بعينيها ذلك البريق الذي يعرف كيف يسرق اللحظة لنفسه، بينما قاطعها توفيق بحزم لطيف:
“تعالي نتكلم جوه أحسن.”
ثم التفت صوب ميرنا، يشير إليها بيده وقد ارتسم على وجهه شيء من الرجاء الأبوي:
“تعالي يلا يا ميرنا.”
اكتفت ميرنا بإيماءة صغيرة من رأسها، هادئة أكثر مما ينبغي، تخفي خلفها غابة من المشاعر المكبوتة، وهمست بصوت منخفض:
“لا، أنا رايحة الشغل.”
ارتفع صوت والدها بمحاولة حنونة يكسوها شيء من الرجاء:
“طب مابلاش النهاردة… علشان نقعد مع بعض، أنا ساعة وماشي تاني علشان عندي
meeting
مهم.”
أجابت بنبرة ثابتة، وإن كان ثباتها يوشك أن ينكسر:
“لا يا بابا… مرة تانية، أنا لازم أمشي، عن إذنك.”
أنهت كلماتها بإيماءة خفيفة، كأنها تعتذر منه، ثم التفتت بخطوات متسارعة وصعدت سيارتها، بينما كان والدها يتابعها بعينين تفيض بالحنان والحيرة معًا، قبل أن يبتسم رغم كل شيء، ولوّح لها بيده مودعًا.
أما ريناد، فقد وقفت بجانبه تراقب المشهد بعينين تلمعان بدهاء، وشفتاها ترتسمان بابتسامة جانبية صغيرة، ابتسامة لم تخلُ من السخرية والخبث، كأنها تستمتع بمشهد انسحاب ميرنا أكثر مما تهتم بوجود عمها إلى جوارها.
وميرنا من جهتها لم تمنح تلك الابتسامة وزنًا، تجاهلتها كلها، تجاهلت وجودها وكأنها ظلّ لا قيمة له، واكتفت بأن تلقي نظرة دافئة أخيرة نحو والدها، يرافقها توديع هادئ، قبل أن تدير محرك سيارتها وتنطلق خارج المنزل، تاركة وراءها مزيجًا من الدفء والبرود، من الحنان الصادق والعداء الصامت.
_________________
مع مرور الوقت…
كانت تجلس خلف المكتب، متكئة برأسها على باطن كفها، تنظر إليه بتركيز هادئ، كأن عينيها تلتقطان كل حركة يقوم بها داخل الصيدلية.
يتنقل بخفة بين الأرفف، يبحث عن الدواء، يفتحه بمهارة ويعيد إغلاقه، ثم يقدمه للسيدة بابتسامة مطمئنة. كان يعود بين الحين والآخر إليها ليسأل عن مكان دواء أو بديله، فيكتفي بنظرة قصيرة أو إشارة من يده، قبل أن يعود ليكمل عمله.. وهي بدورها لم تتحرك، لم تبذل جهداً، فقط جلست تراقبه، كما… أمرها.
وحين انتهى من توديع السيدة وإعطائها طلبها، التفت نحوها، وعلى وجهه ابتسامة خفيفة تحمل شيئاً من الفخر الطفولي، ثم قال بصوته الرخيم:
“أدائي كويس؟”
ضحكت بعفوية، وقالت بدفأ صادق:
“ممتاز… لا، فوق الممتاز.”
ابتسم أكثر، واقترب منها يسحب مقعدًا وجلس في مواجهتها، مستنداً للأمام وكأنه يريد أن يقترب أكثر من عينيها، ثم قال بمزاح خفيف:
“يعني أنفع دكتور صيدلي؟”
رفعت حاجبيها بخفة وهي تجيبه بجدية ممزوجة بالدفء:
“تنفع أوي… بس بصراحة، كونك طيار أحلى وأجمد… ولايق عليك أكتر.. عارف ليه؟”
اعتدل في جلسته قليلًا، يرفع رأسه نحوها وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة فضولية، وصوته يخرج أكثر دفئًا وهو يسأل:
“ليه؟”
لم تجبه مباشرة بالكلمات، بل مالت برأسها نحوه بخفة، حتى أصبحت قريبة بما يكفي ليلمس أنفاسها وجنتيه، ثم مدّت يديها برفق نحو ياقة قميصه، وعدّلتها ببطء متعمد، كأنها تمنحه اهتمامًا شخصيًا لا يُمنح إلا لمن يحتل مكانة خاصة.
وبينما أناملها تتحرك، ارتسمت على ملامحها ابتسامة مطمئنة، وهمست بصوت ناعم يقطر حنانًا ومشاكسة في الوقت نفسه:
“علشان كاريزماتك… فيك كاريزما ما تنفعش تكون غير لطيّار، حلو وعسل وسُكر كده زيك.”
ضحك بخفة، لكن ضحكته هذه المرة لم تكن مجرد ردة فعل، بل كانت ضحكة مفعمة بحب حقيقي وامتنان عميق لوجودها في حياته، ثم رفع يده وأمسك أصابعها برفق، كأنه يريد أن يحتفظ بلمستها أطول وقت ممكن، ثم قال بصدق ممزوج بمرح:
“دي شهادة أعتز بيها أوي.”
أطرقت برأسها لحظة وهو تضحك، وكأنها تخفي خجلًا طفوليًا، بينما ظلّت ابتسامته تلاحقها، وفي عينيه ذلك البريق الذي لا يخدع، بريق رجل أدرك أن وجودها حوله هو أثمن شئ يمكن أن يحصل عليها.
لكن، كما كل اللحظات الجميلة التي تبدو وكأنها على وشك أن تُحفر في القلب إلى الأبد، لم يُكتب لهذه اللحظة أن تكتمل… فقط جلجل صوت مألوف في أركان الصيدلية بفظاظة:
“ما عندكوش بيت للمحن بتاعكم ده؟”
تجمد الهواء في صدر طارق، وملامحه التي كانت منذ ثوانٍ مشرقة بالضحك والسكينة انقلبت إلى عبوس متجهم. .
أغمض عينيه ببطء، وكأنه يحاول أن يكبت انفعالًا انفجر داخله بمجرد أن تعرّف على صاحب الصوت.. أما دلال، فكان رد فعلها مختلفًا تمامًا؛ رفعت رأسها بسرعة، والابتسامة ترتسم على شفتيها، تزداد اتساعًا مع كل خطوة يخطوها القادم إليهما.
اقترب موسى بخطوات واثقة، متعمدة الإزعاج، حتى توقف قريبًا منهما، وعندها لم يتمالك طارق نفسه، فالتفت إليه بحدة، وصوته مشحون بالحنق:
“وصل مفسد اللحظات أهو… إيه اللي جابك؟”
لم يكترث موسى لغضبه، بل على العكس، استند على المقعد وكأنه في بيته، وسحب مقعدًا آخر وجلس خلف الطاولة الزجاجية الكبيرة المقابلة لهما، حرك يديه ببطء، ثم رفع حاجبه ببرود متعمد وقال:
“جيت أطّمن على عمتي… يا جوز عمتي.”
ضحكت دلال بخفة، لكن ضحكتها كانت كمن صبّ الزيت على النار، فقد التفت إليها طارق مذهولًا، حاجباه معقودان، وصوته خرج ممتزجًا بين الدهشة والغيظ:
“إنتِ بتضحكي؟! ده ما يضحكش على كلامه!”
ثم عاد بنظره إلى موسى، والشرر يكاد يتطاير من عينيه، وأضاف بصوت منخفض لكن يحمل من التهديد ما يكفي:
“ده عايز رصاصتين… واحدة في دماغه، والتانية في لسانه.”
قهقه موسى عاليًا، ضحكة صاخبة مفعمة بالاستفزاز، ثم مال إلى الخلف على مقعده وقال باستهزاء:
“دمك عسل يا خالو…”
لم يكتفِ بذلك، بل أدار رأسه نحو دلال، ملامحه غلب عليها البرود، وصوته اكتسب شيئًا من السخرية المبطنة:
“إنتِ مستحملاه إزاي؟”
انتفضت دلال فجأة، كأن شرارة أشعلت بداخلها دفاعًا لا يمكن كبته، وأمسكت بذراع طارق بإحكام، نبرتها حادة لكن يكسوها حنان لا تخطئه الأذن:
“لا، لحد هنا stop… ما اسمحلكش تغلط في جوزي… حبيبي دمه خفيف وزي العسل.”
خرجت الكلمات منها بثقة، كدرع رفعته في وجه موسى؛ فتجمد الأخير لوهلة، قبل أن يميل برأسه قليلًا، ويفتح فمه بابتسامة ساخرة، حاجبه المرفوع يشي بما يدور في داخله من استهزاء، ثم أشار بيده إلى طارق كأنه يطرده من حضنها:
“طب ابعدي عنه… ما تِلزَقيش فيه كده.”
لم يُمهله طارق لحظة، بل حاوطها بذراعيه بقوةٍ تشي بالملكية والغيرة، وعيناه لا تفارقانه، كأن كلماته موجهة له أكثر من كونها لها:
“لا، مش هتبعد… هي ماسكة في حد غريب؟ ده أنا جوزها، ولا بتكون… بتغير عليها؟”
تجمدت ملامح موسى فجأة، كأن وقع السؤال اخترق حصن سخريته، بينما اتسعت عينا دلال، ورفعت رأسها بسرعة نحوه، كمن التقطت خيطًا لم تكن تتوقع ظهوره، قبل أن يتدارك نفسه سريعًا بصوت متوتر يخفي رجفة:
“أغير؟! ومنك يا خالو؟ وأغير ليه يعني؟”
ابتسامة باهتة، أشبه بتحدٍ مكسور، ارتسمت على وجه طارق وهو يرد ببطء، كمن يُلقي قنبلة ويترك صداها يتردد:
“علشان أخدتها منك… مثلًا.”
وقعت الجملة ثقيلة، كسهم مزّق ستار الإنكار….
سكت موسى للحظة أطول مما ينبغي، نظراته تهرب، ملامحه مشدودة، كأنها المرة الأولى التي يُكشف فيها سر دفين حاول جاهدًا دفنه تحت طبقات من السخرية والبرود.
لكنه لم يسمح للشرخ أن يتمدد داخله طويلاً، أسرع يلملم بقايا ارتباكه، يعيد لنبرته جمودًا مصطنعًا وهو يقول ببرودٍ مقصود:
“إيه الكلام الفارغ ده؟ أغير ليه يعني؟ ما أنت أخدتها… كنت وقتها مسكت فيك وقلتلك: ما تاخدهاش.”
خرجت الجملة متماسكة، لكن خلفها ارتجاف خفيّ لم ينجُ من عين طارق ولا من حسّ دلال.
تبادلا نظرات قصيرة، نظرات ممتلئة بوعيٍ صامت وكأن كليهما أدرك أكثر مما قيل.. ثم فجأة انفجرا بالضحك، ضحكًا عفويًا صافياً، كأنه إعلان انتصار خفيف على ثقل اللحظة.
جلس موسى يراقبهما، عينيه ضيقتين، حاجبه مرفوع بسخرية باردة، ابتسامة جانبية ترتسم دون أن تصل لعينيه.. ثم، وبحركة حاسمة، نهض من مكانه، وصوته يقطر تهكماً وهو يقول:
“أنا همشي أحسن… قبل ما أتشَل أو عيوني تتبَل من التأثر.”
لكن طارق لم يتركه يتحرك خطوة، فبسرعة نهض من مكانه، يمد يده بقوة ليمسك بذراع موسى قبل أن يبتعد، وصوته مشوب بنبرة حزم ممزوجة بالود:
“استنى يا بني… إحنا بنهزر، اقعد.”
توقف موسى للحظة.. ثم، بحركة خفيفة، حرّك كتفيه ببساطة، وارتسمت ابتسامة صغيرة متعمدة على شفتيه وهو يقول باستهزاء واضح:
“ما كنتش ماشي أصلاً… حبيت أقومك من جنبها.”
جلس بعدها بتراخٍ مقصود، ألقى بجسده على الكرسي كأنه جالس في عرشه، وابتسامة جانبية ترتسم على وجهه، كأن الموقف كله لم يكن سوى انتصار صغير له.
بقيت يد طارق معلقة للحظة في الهواء، قبل أن يسحبها ببطء ويضعها جانباً، عيناه تتجهان نحو دلال، التي كانت جامدة النظرات، تحدّق في موسى بحدة لا تخلو من الصدمة، بينما كان هو يزداد ابتسامًا، وكأنه يتغذى على صمتها واستفزازها.
وللحظة خيّم الصمت على الأجواء.. ثم، فجأة، انفجر طارق ضاحكًا بلا حيلة، تبعته دلال بعد ثوانٍ قليلة، ضحكت هي الأخرى، فالتقيا في ضحكة يائسة من الأخير وأفعاله.
أما موسى، فظل يراقبهما بعينين باردتين، ابتسامته تلاشت تدريجيًا، وملامحه تجمدت في حياد مصطنع، وكأنه قد قرر أن يطوي المشهد تمامًا.
أدار رأسه ببطء، وأسند ذقنه إلى كفه، ثم غيّر مسار الحديث بجملة ألقاها ببرود:
“قولولي صحيح… روحتوا للدكتورة؟”
سعل طارق قليلًا، سعلته كانت أشبه بمحاولة لاستعادة توازنه، ثم زفر طويلًا وكأنه يطرد ما تبقى من ضحك متكلف عالق في صدره، ثم قال بصوت بدا أهدأ، أقرب للرصانة:
“لا… لسه، بكره إن شاء الله.”
ارتفعت حاجبا موسى، وفي عينيه بريق فضول مشوب بلا مبالاة، قبل أن يميل بجسده قليلًا للأمام ويسأل:
“يعني هتعرفوا جنس المولود؟”
مالت دلال برأسها نحوه وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، تلك التي تحمل في طياتها شيئًا من السخرية اللاذعة أكثر مما تحتمل المزحة:
“يا بني هو أنت ماتعرفش أي حاجة عن الحمل خالص؟… أنا لسه في الأسبوع السادس، هنعرفه إزاي؟”
رد موسى ببرود ساخر، رافعًا كتفيه كمن يعلن براءته:
“وأنا أعرف منين؟ هو أنا كنت حملت قبل كده.”
طالعت دلال موسى لحظةً طويلة، كأنها تفتش في ملامحه عن جدوى لن تصل إليها، ثم هزت رأسها بيأس متهكم وهي تقول بنبرة خفيفة لكن مشبعة باليأس:
“مفيش فايدة فيك.”
لم يُمهلها طارق أكثر من ثانية حتى ألقى تعليقًا ساخرًا، نبرته ممزوجة بابتسامة باهتة تخفي خلفها جديته:
“قلنا هيتجوز وهيعقل… أتارينا كنا غلطانين، ده داء فيه.”
تغيرت ملامح موسى قليلًا، حدقت عيناه فيهما ببرود، وحاجبه مرفوع بضيق وسخرية، لكن دلال قطعت الصمت سريعًا وهي تتابع، بضحكة قصيرة محمّلة بالتحدي:
“ده مستحيل يعقل… لا واليومين دول بقى مش لاقي حاجة يعملها، تلاقيه كل شوية ناطط في مكان.”
تحركت عيناه ببطء نحو طارق، الذي استقبله طارق بإيماءة طفيفة وهو يرد بجدية هذه المرة:
“ماتروح الشغل يابني زي الناس، واملى وقت فراغك.”
أرخى موسى ظهره للخلف، وكأنه يريد أن يبرهن أنه لم يعد ذاك العاطل الذي يتخيلونه، ورد بصوت متماسك أقرب إلى التبرير:
“أنا لسه جاي أصلا من الشركة… قابلت عميل وخلصت شوية حاجات ورجعت.”
ارتسمت على ملامح دلال نظرة مختلفة، خليط من الفضول والاهتمام الذي ظهر في نبرتها:
“روحت إزاي؟؟”
ابتسم موسى ابتسامة جانبية خفيفة، نصف ساخرة نصف مريرة، وهو يرفع ذراعه المصاب قليلًا قبل أن يتركه يعود إلى مكانه:
“بالتاكسي… هو أنا هعرف أسوق بدراعي ده.”
سأله طارق بنبرة يغلفها الاهتمام:
“الدكتور قالك هتفك الجبس امتى؟”
أجاب موسى بلا مبالاة ظاهرية:
“لسه قدامي أسبوعين كده.”
هزّ طارق رأسه بإيجاب، ثم قال بهدوء مشوب بالحرص:
“على خير إن شاء الله، خد بالك من نفسك بقى.”
ابتسم موسى نصف ابتسامة تحمل شيئًا من التهكم وهو يرد:
“حاضر يا خالو.. أي طلبات تانية؟”
لم يمنحه طارق سوى نظرة حادة قبل أن يقول ببرود مقصود:
“تطلع برّه.”
انفلت ضحك دلال المكتوم كنسمة خفيفة تحاول التخفيف من حدة اللحظة، لكن الصمت الذي تلاها كان أثقل مما يُحتمل.
حيث تبادل موسى وطارق نظرات متوترة، خليط بين جدٍّ لا يريد أن يُكسر، ومزاحٍ يكاد أن ينقلب إلى تحدٍّ معلن.
عينان ثابتتان تتصارعان دون كلام، حتى قطع هذا التوتر صوت رنين هاتف موسى المفاجئ…
مدّ يده إلى جيبه ببطء متعمَّد، ساحبًا الهاتف وعيناه لا تزالان مغروستين في عيني طارق، وكأنه يرفض أن يكون أول من ينكسر… ثم أخيرًا حرّك بصره نحو الشاشة ببطء، وما إن قرأ اسم المتصل حتى تغيّرت ملامحه دفعة واحدة؛ ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه، وارتفع كتفاه مع زفرة قصيرة أشبه بالانتصار.
انتفض جسده عن المقعد بخفة وقال بصوتٍ عالٍ وهو يلوّح بيده كمن يغلق حوارًا لصالحه:
“كملوا محن بقا، أنا ماشي.”
لم يمنحهم فرصة للتعليق، بل استدار بخطوات سريعة، وخرج من الصيدلية تاركًا وراءه ذيول صمت وذهول.
لحظة ثقيلة مرت قبل أن يلتفت طارق إلى دلال، يسألها بدهشة لم يستطع أن يخفيها:
“إيه ده؟”
ضحكت دلال وهي تهز رأسها، وكأنها اعتادت تلك الأفعال من موسى، ثم قالت بخفة ساخرة:
“تلاقي فيروز اللي بتتصل.”
ابتسم طارق وهو يومئ موافقًا، ثم سرح لحظة ببصره نحو الباب الذي خرج منه موسى، زفرة قصيرة انطلقت منه مع جملةٍ غلبها الدعاء:
“ربنا يهديه.”
عاد ببصره إلى دلال، يتأمل ملامحها بجدية مصحوبة بابتسامة دافئة، ثم قال وكأنه يختبر رد فعلها:
“تخيلي ابننا يطلع شبهه.”
شهقت دلال بحدة ممزوجة بالرفض، وهزت رأسها بسرعة وهي تردّد بنبرة نصف جادة ونصف ساخرة:
“لا لا، ماتقولش كده! ده كابوس والله… العالم ما يستحملش نسختين من موسى.”
ارتفعت ضحكة طارق عالية هذه المرة، ثم اقترب منها بخطوة أدفأ، عيونه تلمع ببريق الحنان والمرح معًا، وهو يردّد بنبرة خافتة:
“معاكِ حق.”
_________________
وفي الخارج….
كان موسى يسير بخطوات سريعة، كأن الأرض من تحته صارت خفيفة لا تثقله، رفع الهاتف إلى أذنه، وما إن استقر الصوت في الطرف الآخر حتى تبدلت ملامحه تمامًا؛ قسوته العابثة ذابت، وتجهمه المستتر انفرج عن وجهٍ غمره دفء لايوصف.
ثم خرج صوته ناعماً، ممتلئاً بالحب:
“حبيبة قلب جوزها… وأغلى ما ليه، أخبارها إيه؟”
في الجهة الأخرى، كانت فيروز قد أغلقت باب غرفتها خلفها، واستندت للحظة إلى الحائط كأنها تستجمع شوقها، ثم رفعت سماعتها قريبة من شفتيها، ونبرتها جاءت لينة، مبللة بنفس الحنين الذي ملأ صوته:
“بقيت أحلى بعد ما سمعت صوتك.”
توقف موسى عن السير، رفع رأسه إلى السماء كمن يتنفس حياة جديدة، وابتسم ابتسامة امتدت حتى عينيه:
“قلبي يا ناس… بدوب كده، بدوب.”
ضحكت هي بخفة، ضحكة قصيرة لكنها مشبعة بالعاطفة، فمال برأسه جانبًا، كأنها تسكبه سحرًا خفيًا لا يملك له دفعًا، ثم ردّ بابتسامة مشعة:
“وحشاني أوي على فكرة.”
لم تتردد في الرد، صوتها هذه المرة جاء أدفأ، مليئًا بعفوية الاشتياق:
“إنت كمان واحشني أوي… نفسي أشوفك دلوقتي، أجري عليك وأترمي في حضنك.”
وبخفةٍ مشبوبة بالمرح، أجابها موسى:
“ياريتني أقدر أطير دلوقتي وأجيلِك… أكيد حاسّة بالوَحدة صح؟… خصوصًا بعد ما سامي رجع.”
سكت للحظة، ينتظر نبرتها، فأتاه صوتها أكثر هدوءًا، مبللًا بصدقها الذي يعرفه جيدًا:
“يعني شوية… بابا ما بقاش زي زمان، بقى يقعد معايا ونتكلم في حاجات غير الشغل والدراسة، ودي حاجة مفرحاني جدًا… بس غيابكم مأثر فيا رغم كل ده.. أنا اتعودت على الزحمة خلاص.”
أغمض موسى عينيه وهو يسير، كأن كلماتها اخترقت داخله، فابتسم ابتسامة فيها مزيج من فخر وحنين، وقال بنبرةٍ دافئة، أقرب للهمس:
“أنا هنا علشان أملالك الفراغ ده… حتى لو صوتي بس.. وإوعى تفكري إنك وحيدة يا فيروز، طول ما أنا موجود، قلبك عمره ما هيبقى فاضي.”
سكت للحظة ثم أضاف بضحكة خفيفة:
“وبعدين إنتي نسيتي إيه؟ أنا الزحمة كلها لوحدي.”
خرجت ضحكة صافية منها كأنها نسمة في مساء خانق، فارتخت على شفتي موسى ابتسامة واسعة ما لبث أن تحولت إلى دفء غامر في نبرته وهو يقول بمشاكسة مرحة، يخفي خلفها صدقًا لا يُخفى:
“هو ده المطلوب… بحب ضحكتك وبحب أسمعها.”
صمتت لبرهة، كأنها تلتقط أنفاس قلبها الذي ارتبك، ثم جاء صوتها خفيضًا لكنه ممتلئ باليقين:
“وأنا بحبك.”
كأن الكلمات اخترقت صدره مباشرة، فارتجف قلبه لحظة، ثم أجاب من غير تفكير، بصوت محمّل بالاندفاع والعمق:
“وأنا بموت فيكِ.”
تدفق بينهما صمت قصير لم يكن برودًا، بل امتلاءً… صمت يشبه العناق، يملؤه كل ما لم يُقال.
شعرت هي أن الجدران من حولها اتسعت فجأة، وأن وحدتها لم تعد ثقيلة كما كانت قبل قليل.. بينما هو، وسط ضجيج الشارع من حوله، وجد نفسه يسير أخف وزنًا، كأن خطواته لم تعد تلمس الأرض أصلًا.
_________________
في جهة أخرى…
كانت تجلس إلى مكتبها، تحاول أن توهم نفسها بالانشغال بما يملأ الشاشة أمامها، أوراق وجداول ورسائل متتابعة، غير أن الحقيقة لم تكن في الأرقام ولا في الحروف، بل في ذلك الشرود الثقيل الذي سحب بصرها إلى مكانٍ أبعد بكثير.
عيناها ثابتتان على الضوء البارد للشاشة، لكن ذهنها كان غارقًا في صورة عابرة، لحظة قصيرة لم تبرح مخيلتها منذ أن وقعت عليها عيناها: وجه قريبتها…
كان الحزن يلوح على ملامحها بوضوح، كظلٍ لم تستطع أن تتخلص منه.. شفاهها مطبقة، وجبينها مشدود، وكأنها تقاوم فكرة تثقل رأسها وتضغط على قلبها في الوقت ذاته.
لم يكن هناك صوت يوقظها من شرودها، حتى الضجيج المكتوم للمكاتب من حولها لم يصل إلى وعيها.
لكنّه كان هناك… واقفًا خلف مكتبه الزجاجي، لا ينشغل بما يدور حوله بقدر ما ينشغل بها.. عيناه تابعتاها بصمتٍ طويل، يحاول أن يقرأ في ملامحها ما تخفيه، وفي سكونها ما لا يُقال.
شعر بثقلٍ في صدره وهو يراقبها، كأن حزنها انعكس داخله ووقف هناك بلا حراك.. شيء ما في ملامحها المرهقة أشعل فيه ضيقًا لا يعرف كيف يتخلص منه.
ظل يتأملها طويلًا، ثم تنهد وكأنه يفرغ شحنة عجزه، رفع يده ببطء يتحسس ذقنه بتفكير عميق، عينيه تلمعان بفكرة مباغتة أشعلت داخله شيئًا من الحيوية بعد ذلك الصمت الطويل.
أما هي، فبقيت أسيرة شرودها، غارقة في زحام الأفكار الثقيلة التي تملأ رأسها، حتى لم تنتبه لخطواته وهو يقترب… لم تستفق إلا على ظله الذي غطى سطح المكتب.
رفعت رأسها بتثاقل، لتجده واقفًا إلى جوارها، يحمل نظرة قصيرة وسريعة، ثم يمد يده ليضع شيئًا صغيرًا أمامها قبل أن يدير ظهره ويغادر بخطوات هادئة ثابتة، وإحدى يديه مدسوسة في جيب بنطاله كعادته.
انعقد حاجباها باستغراب، تابعت ظهره يبتعد قليلًا، ثم عادت بعينيها إلى سطح المكتب.
وهناك، على الورق المبعثر، استقر منديل مطوي بدقة غريبة، اتخذ شكل قطعة حلوى نحيلة.. مدت يدها بحذر، فكّت لفافته شيئًا فشيئًا، وكل حركة صغيرة تزيد فضولها، حتى انفرج غلاف المنديل ليكشف عمّا بداخله.
ارتفع حاجباها بدهشة حقيقية هذه المرة، إذ لم يكن ما وجدت شيئًا مألوفًا أو يمكن أن يخطر على بالها في تلك اللحظة… لقد كان
سيجارًا
!
أمسكته بأصابع مرتجفة من الدهشة، أدارتها ببطء بين يديها تتأمله، حتى وقعت عيناها على خط صغير، غير منتظم لكنه مألوف تمامًا لها… كان قد دوّن عليه بخط يده كلمة واحدة فقط:
“اضحكي.”
كلمة بسيطة، قصيرة، لكنها اخترقت أسوار حزنها الثقيلة…
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة أول الأمر، ابتسامة مرتجفة كمن يتذكر أنه قادر على الضحك رغم كل شيء، ثم ما لبثت أن ازدادت عمقًا وصدقًا، حتى بدا وكأن ملامحها استعادت بعضًا من نورها المفقود.
رفعت بصرها تبحث عنه، لتجده واقفًا عند باب مكتبه الزجاجي، يسند كتفه إليه كأنه ينتظر رد فعلها.
كانت عيناه تتابعانها بتركيز، فلما التقت نظراتهما رفع يده بخفة، وحرك إصبعيه في إشارة طفولية ساخرة كأنه يأمرها أن تضحك أكثر.
ابتسمت من قلبها هذه المرة، ضحكة صافية بعيدة عن التكلف، خرجت منها كتنفّس بعد غرق طويل… وعندها، ضحك هو أيضًا، ضحكة قصيرة لكنها محمّلة براحة لم يخفها، ثم غمز لها بعبثه المعتاد، ذلك العبث الذي يخفف عن كاهلها دائمًا، قبل أن يلتفت عائدًا إلى الداخل.
ومع خطواته التي ابتعد بها، بدا وكأن صدى وقع قدميه يترك أثرًا أعمق في قلبها مما يتركه على الأرض.
وكان قد حسم أمره في صمتٍ داخلي، صمتٍ مفعم باليقين: لن يتركها تتيه بين همومها، لكنه أيضًا لن يقتحم جدارها الهش قبل أوانه… سيصبر حتى تنضج اللحظة، حتى تأتي هي إليه بكامل رضاها واستعدادها، وحين تكون حلاله، سيكون أول من يربّت على كتفيها برفق، وأول من يمد يده ليمسح عنها ما يؤرقها ويُثقل صدرها.
أما هي، فقد بقيت واقفة تراقب خطواته المتباعدة، نظراتها تتبعه حتى ابتلعته أروقة المكان وغاب عن مجال رؤيتها… لحظة صمت خفيفة سيطرت عليها قبل أن تستعيد نفسها وتخفض رأسها نحو يديها.. هناك، حيث لا يزال السيجار مستقرًا بين أصابعها كأثرٍ ملموس لوجوده، وكأنه يصرّ أن يترك بصمة صغيرة ترافقها.
ابتسمت ببطء، ثم انفجرت ضحكة حقيقية، ضحكة خرجت نقية، مدهوشة من بساطة الفكرة وعمق أثرها في آنٍ واحد.
وقد أدركت حينها أن ضحكتها لم تكن استجابة عابرة لمجرد مزحة، بل كانت ردًّا على حضور مختلف… حضور يعرف كيف يصل إليها حتى دون أن يقتحمها.
________________
_
مع مرور الوقت….
حين بدأت السماء تكتسي بزرقة داكنة بعد غروب الشمس، كان صوت المؤذن لصلاة المغرب قد تلاشى مخلفًا وراءه هدوءًا خفيفًا امتزج بضجيج المدينة المعتاد.
اجتمع الخمسة في “القهوة” القديمة، تلك التي ظلّت الملاذ الأثير لهم رغم أنّ “السايبر” لم يفتح أبوابه بعد وما زال غارقًا في ترميمه.
جلسوا جميعًا حول الطاولة المربعة التي اعتادت أن تحتضنهم في ليالٍ طويلة مضت، وقد جلس يزيد نصف جلوسٍ على قدم سامي، يحتسي من عبوة عصيره كأنها أكثر ما يعنيه في اللحظة.
وسامي، على النقيض، بدت ملامحه مشدودة، كأن شيئًا داخليًا يضغط عليه.. كان صامتًا لبرهة، يراقب الحضور بملامح متحفزة حتى انفرج عن الكلام أخيرًا، وصوته يحمل في طياته قدرًا من العتاب:
“لا اعيد كده تاني… معلش.”
سقطت الجملة على الطاولة مثل حجر في ماء راكد، جعلت العيون تتجه إليه كارم بتوجس، ذلك الذي أجاب بصوت حاسم، دون مواربة أو تردّد:
“بقولك… قررت أكتب الكتاب أنا وميرنا.”
أخرج
سامي أنفاسه ببطء، وكأن صدره لا يتسع لكل ما يختلج داخله من انفعال مكتوم.
نظر أولاً إلى يزيد الذي كان منشغلاً مع مشروبه، ثم حوّل بصره نحو موسى بحدة فيها غضب أكثر مما فيها عتاب، وقال بصوت منخفض لكنه محمَّل بالثقل:
“أنتَ خلتني أجيب يزيد معايا… علشان ماعملش رد فعل وحش، صح؟”
ايتسم موسى ابتسامة خفيفة ساذجة، وهو يردّ دون تفكير:
“بعمل خير.”
كأنّ ردّه هذا صبّ الملح على جرح سامي، فأغمض عينيه بقوة لثوانٍ، ثم رفع يده يمسح وجهه المتعب.
فتح عينيه من جديد، وترك نظراته تتنقّل بين موسى وكارم، وفي صوته هذه المرة شيء من الانفجار المكتوم:
“هو كل واحد مش عارف يتلم… يروح كاتب الكتاب؟!”
ساد صمت ثقيل للحظة، قبل أن يسارع موسى بالدفاع عن نفسه:
“طب أنا مالي ياغالي؟! أنا خلصت… اتجوزت وفي عشّ الزوجية.”
ارتسمت على ملامح سامي جدية ثقيلة، وضاق صدره أكثر وهو يعضّ على طرف شفتيه، قبل أن يثبت نظره على كارم ويسأله بنبرة لم تخلُ من غضب مكتوم:
“أنت دلوقتي واخد القرار، صح؟”
أومأ كارم برأسه ببطء، وفي صوته ثبات واضح حين قال:
“مظبوط.”
لم يتردد سامي لحظة، بل مال بجسده للأمام قليلًا، كأنه يريد أن يغرس كلماته في قلب صديقه:
“طب فكرت… لو حصل بعد كده مشكلة بينكم، ونفترض إنها مشكلة كبيرة، هيحصل إيه؟”
رفع كارم كتفيه بثقة، وصوته لا يزال يحمل إصرارًا:
“مش هيحصل حاجة.”
ابتسم سامي ابتسامة قصيرة، أقرب ما تكون للسخرية الموجوعة، وهز رأسه قبل أن يردّ:
“بقولك نفترض، محدش ضامن حاجة… وبعدين هي فترة الخطوبة دي أهميتها إيه؟ مش علشان التعارف؟ مش علشان نعرف هنتوافق ولا لأ، هنستحمل بعض ولا لأ؟… دي أهميتها.”
تنفس بعمق، ثم أشار بيده كأنه يخطّ خطًا فاصلاً بين الحالتين:
“علشان لو ماعرفناش نكمل، يبقى كل واحد يروح لحاله… ولا كأن حاجة حصلت. بس لما تكتبوا الكتاب على طول، وتيجي أي مشكلة، محدش فيكم هيروح لحاله ببساطة.”
ارتفع صوته قليلًا عند الجملة الأخيرة، ثم خفّضه من جديد، وهو يضيف بنبرة مشوبة بالتحذير:
“وعلى فكرة، أوعى تفتكر إني بقول الكلام ده ليك بس.. أنا قلت لموسى كمان لما فاتحني، وكنت رافض نكتب الكتاب بسرعة… بس حصل موقف وغير رأيي.”
التفت سريعًا ناحية موسى، ثم أعاد نظره لكارم، مضيفًا بصرامة واضحة:
“بس أرجع وأقول… موسى وفيروز غيرك إنت وميرنا.. دول عارفين بعض من قبل ما يوعوا على الدنيا، لكن إنت وهي… لسه، يدوب متعرفين من كام شهر.”
انخفض صوته فجأة، وكأنه أراد أن يلين وقع كلماته الأخيرة:
“إنت فاكر إنك ماسك زمام الأمور… بس في الحقيقة، إنت ماشي على طرف خيط رفيع جدًا، لو اتقطع… مش هتلاقي نفسك واقع لوحدك بس.”
أطلق كارم أنفاسه كأنه يضع ثقله كله في تلك اللحظة، قبل أن ينطق بنبرة رتيبة يكسوها ثباتٌ داخلي:
“مقدر قلقك يا سامي، ومعاك حق في كل كلمة قلتها، بس… أنا بحب ميرنا وهي بتحبني. يمكن نكون مختلفين، شخصيتي مش زي شخصيتها، لكن في الآخر… فهمنا بعض، كل واحد بقى عارف خبايا التاني، هي شافتني من جوّه وأنا كمان بحاول أعرفها أكتر كل يوم.. وبقالنا شهور متعرفين، مش يوم ولا اتنين… وعشان كده، أنا واثق إن قراري صح.. فمش عايزك تقلق، ولا تخاف عليّا.”
ظل سامي يرمقه بصمت، كأنما يفتش عن ذرة تردد في ملامحه، لكن لم يجد إلا إصرارًا وطمأنينة لا تهتز… عندها فقط، تنفس بعمق، كمن يسلّم أمره لحقيقة لا سبيل لتغييرها، ثم قال بهدوءٍ متثاقل، ونبرة تخفي وراءها قلقًا دفينًا:
“ماشي… مش هاقلق يا سيدي. بس خليك فاكر… أنا مش بخاف من قراركم قد ما بخاف من الوجع اللي ممكن ييجي بعده.. أوقات القرار اللي بناخده بقلبنا، لو طلع غلط… بيوجعنا ضعف وجع أي قرار تاني، وبيوجع معانا ناس تانية.. وأنا كل خوفي إن ده يحصل.”
رفع كارم يده في حركة أخوية، مال قليلًا إلى الأمام وربت على كتف سامي، وهو يبتسم ابتسامة ماكرة:
“ماتقلقش ياسامي… ماتقلقش يا بابا.”
قالها بنبرة ساخرة مقصودة، فارتفع حاجب سامي تلقائيًا، تتسلل إلى ملامحه غمامة ضيق، بينما انفجر البقية في ضحك جماعي مفاجئ.. حتى يزيد، الذي لم يدرك فحوى المزحة ولا سبب الضحك، وجد نفسه يشاركهم بابتسامة خفيفة وضحكة خجولة.
مال سامي ببطء نحوه، عيناه تضيقان في شبه تهكم وهو يميل بجسده عليه ويقول:
“إنت كمان بتضحك؟… طب دول شوية كلاب، مافيهمش غير حسن.”
ثم صمت فجأة، كأن وقع الاسم سحب الهواء من حولهم، ليرفع رأسه قليلًا وهو يكرر بتساؤل جاد، خفّ ضحك الآخرين معه تدريجيًا:
“مظبوط… فين حسن؟”
_________________
وحسن، في تلك اللحظة كان واقفًا أمام المرآة في غرفته، يراجع تفاصيل هيئته بتركيز صامت، يغلق أزرار قميصه الأبيض واحدًا تلو الآخر بعناية هادئة.
لم يقطع سكونه إلا صوت الباب وهو يُفتح بخفة، ووالدته تدخل وعلى وجهها بسمة دافئة، تحمل في يدها قطعة ملابس مكوّاة حديثًا.
تقدمت نحوه وهي تقول بنبرة ممتزجة بالحنان والاهتمام:
“وأدي الجاليه “الصدرية” اتكوى… أي خدمة.”
استدار إليها حسن، ومد يده يتسلمها منها بابتسامة شاكرة، وعيناه تلتمعان بامتنان صادق وهو يردد:
“تسلمي ياأمي… ربنا ما يحرمنيش منك.”
أضاءت الابتسامة وجهها أكثر، ثم أومأت له بحنان، قائلة كأم تُصر على تفاصيل صغيرة لا يراها سواها:
“طب تعالى… ألبسهولك أنا.”
لم يمانع، مد لها الصدرية، ووقف صامتًا يراقبها وهي تنشغل بإغلاق الأزرار، أصابعها تتحرك ببطء، بحذر يشبه طقسًا مقدسًا.
رفعت بصرها إليه فجأة، وعينيها تلمعان بدمعة محبوسة ونبرة خافتة محملة بالدعاء والأمل:
“طالع زي القمر… عقبال ما ألبسك بدلة فرحك يا حسن.”
ابتسم حسن ابتسامة دافئة رقيقة في وجهها، كأنما يبادلها ذاك الحنان الذي لا يعرف غير قلبها مصدرًا، فانعكس الدفء على محياها هي الأخرى، وارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، قبل أن تسأل بخفة ممزوجة بالفضول الأمومي:
“ليه ما أخدتش إخواتك معاك صحيح؟”
أجابها وهو يرفع حاجبيه قليلًا كمن يستعيد الموقف أمامه:
“طلبت منهم، بس حسين رفض وقالي إن المخدة أولى بيه، ومحسن في الأول وافق، بس لما عرف إنه فرح إسلامي غير رأيه وامتنع.”
أطلقت تنهيدة قصيرة تبعها تعليقها الساخر:
“والله إخواتك دول مجانين… ما كان يروحوا يروقوا شوية، يمكن واحد فيهم يجيب عروسته وهو راجع.”
لم يستطع حسن أن يمنع نفسه من الضحك، ضحكة خرجت منه طبيعية، فأشاعت في الغرفة خفة لا تشبه إلا لحظات الأم والابن.
نظرت هي إليه عندها بعينين مليئتين بالعاطفة، ومدّت يدها برفق لتستقر على كتفه، تمر بأناملها بخفة كأنها تطمئنه وتباركه في آن واحد، ثم قالت بصوت يقطر دعابة وصدقًا:
“بقولك إيه… لو شُفت بنت حلوة كده ولا كده وعجبتك، اسأل عليها وجيب عنوانها، ونروح نطلبها ليك، ولو مش عايزاها ليك… نجوزها لواحد من إخواتك.”
دخلت كلماتها أعماقه كما يدخل النسيم العليل روحًا أنهكها حرّ النهار؛ أحسّ معها بمزيج غريب من الدعابة الحانية والرجاء المكتوم، ذلك الرجاء الذي لا ينطقه قلب أم إلا وهي تتمنى أن ترى أولادها في مأمن من الوحدة، وفي دفء بيتهم الجديد.
ظلّ واقفًا لحظة، كأن الصمت أصدق ردّ يمكن أن يقدمه، ثم تنفّس ببطء وأرخى كتفيه وقال بصوت هادئ خفيض:
“الجواز ده نصيب يا أمي… لما ييجي الوقت المناسب هنلاقيه في طريقنا من غير ما ندور ولا نرفع عينينا على بنات الناس.. وبعدين ليه مستعجلة؟ شايفانا كبيرنا يعني، وهيفوتنا القطر؟”
ابتسمت ابتسامة مزيج بين الحزم والدفأ، وقالت وهي تهز رأسها برفق:
“مش حكاية كبرتوا يا حبيبي، بس أنتم بقَيتوا في سن الجواز.. مش كملتوا الخمسة وعشرين من شهر؟”
سكتت ثم تابعت وكأنها تحصي المميزات واحدة تلو الأخرى:
“غير إنكم جاهزين له… خلصتوا جيش، وبتشتغلوا، فاضل بس الشقة ودي مقدور عليها.. كده ناقص العروسة، ودي اللي عايزين نلاقيها، لو مش عايز تدور بنفسك… سيبني أنا أدور.”
ابتسم حسن وهو يتابع والدته، تلك الابتسامة التي تحمل مزيجًا من الودّ والتقدير لصراحتها، وهي تضيف بجديةٍ محمّلة باليقين:
“وحاسة إننا مش هندوَّر كتير، المنطقة مليانة بنات زي العسل، متربين وولاد ناس، وأهم حاجة عارفين أخلاقهم.. عندك مثلًا سلسبيل بنت خالتك دهب، ونيّرة بنت خالتك سعاد، وفيه كمان ضحى بنت خالتك فاطمة، الفرق بينكم أربع سنين حلو… وفيه لينا وأختها تينا بنات سهير.”
تبدّد دفء ابتسامته لحظة سماعه الاسم الأخير، وانطفأت ضحكته في صمتٍ عميق. رمش بعينيه ببطء، وكأن شيئًا انكسر داخله، أو بالأحرى… انكشف.
“لينا”
لم يكن اسمًا عابرًا بالنسبة له، بل كصوتٍ طرق قلبه بلا استئذان.. تلمّع بريق عينيه فجأة، وارتبك إيقاع أنفاسه، وشعر بضربات قلبه تتسارع كأنها تريد أن تذكّره بشيءٍ لم يفهمه بعد.
بينما كانت والدته تواصل سرد الأسماء باهتمام، ظلّ هو صامتًا، كأنه فُصل عن العالم بلحظة خاطفة.. لم يسمع بقية اقتراحاتها، ولم يتابع كلماتها التي تسردها بحماسة، لأن ذهنه كله انشغل بذلك الاسم وحده.
غاب عن الواقع وشرد بها، بـ”لينا”، تلك التي لم يحتفظ من ملامحها إلا بشذرات ضبابية، نظرة عابرة لم تطل أكثر من ثوانٍ، لكن أثرها امتدّ في داخله كما لو أنه نقْشٌ خفيّ لم يمّحه الزمن.
لم يعرف لماذا طغت صورتها فجأة على كل ما حوله، ولماذا انحاز قلبه إليها وحدها من بين كل الأسماء… كأنها وحدها كانت “مميزة”.
أغمض عينيه لوهلة، يتنفس ببطء وكأنّه يحاول أن يطرد من داخله ذلك الشرود الذي اجتاحه قبل قليل.. وحين فتحهما من جديد، بدا وكأنه أكثر وعيًا بمكانه، وأكثر حاجة إلى أن يخفي اضطرابه عن والدته.
رفع كفّيه بهدوء ليحتضن وجهها، يطوّق ملامحها المليئة بالحنان، ثم مال بخفة ليطبع قبلة دافئة على جبينها وهو يقول بصوتٍ منخفض، ممتنّ لكنه متحفظ:
“متشكر على كل اقتراحاتك… نبقى نتناقش فيها بعدين، علشان ما أتأخرش… عن إذنك.”
أنهى كلماته وهو ينحني ليطبع قبلة أخرى على يدها، قبلة احترام عميقة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة محمّلة بالامتنان أكثر مما بالكلمات.
ابتسمت له بدورها، عينيها تلتمعان برضاٍ وقلقٍ خفيّ، وقالت برفقٍ أمومي:
“مع السلامة… وخد بالك من نفسك.”
“حاضر.”
أجابها بلمحة قصيرة، قبل أن يستدير بخطوات محسوبة.. غادر المنزل، يهبط درجات السلم بخفة متسارعة، والهواء اللطيف في الشارع ضرب وجهه لحظة خروجه من مدخل البيت، فأحس بانفراجٍ طفيف.
خطا بخطوات ثابتة في الطريق، متجهاً نحو نهايتها حيث يمكنه أن يستوقف سيارة أجرة تقلّه إلى الزفاف.
ظل يسير بخطواته المتزنة حتى أوقفه شيء خفي عند زاوية الطريق؛ كأن قدميه اتفقتا على التوقف دون استئذان عقله.
رفع رأسه فإذا به يقف أمام بيتها، ذاك البيت الذي لا يبعد عن منزله سوى دقائق ثلاث سيرًا على الأقدام… لم يكن يقصد التوقف هنا، لكنه الآن واقف، يحدّق في الواجهة الصامتة وكأنها تنبض بما يشده إليها.
تأمل الشرفة المطلة على الشارع، مضاءة بضوءٍ أصفر وديع، ينساب كأنفاس هادئة وسط الليل.
علق بصره بها، نظرة طالت أكثر مما ينبغي، كأنه يبحث عن أثرٍ لها، أو ينتظر ظهورًا مفاجئًا يبعثر توازنه.
ابتسمت عينيه بحنين غامض ثم زفر ببطء، متماسكًا، ودفع نفسه ليتابع طريقه مبتعدًا، وهو لا يدري أن تلك الشرفة لم تكن مجرد ضوءٍ أو صدفة عابرة… بل كانت شرفة غرفتها هي.
في تلك اللحظة بالذات، كانت تجلس على فراشها في الداخل، بين يديها “المصحف” الصغير، وعيناها تخفضان إلى صفحاته المقدسة، تتلو آيات الله بخشوعٍ ساكن.
ولم يكن يدري أن قلبه المعلّق باسمها قد تلاقى مع روحها في تلك اللحظة، من بعيد… هو يرفع بصره إلى نورها، وهي تغمر روحها بتلاوة آيات تُسكّن قلبها.
________________
_
في جهةٍ أخرى…
جلسا متقاربين على الأريكة، هو يحاوطها بذراعيه كما لو كان يحميها من بردٍ لا وجود له، بينما تراقص ضوء الشاشة على ملامحهما في الغرفة المغمورة بوهجٍ خافت، يزيد اللحظة دفئًا وطمأنينة.
كان صوت الفيلم يتردد بخفوت، لكن صمتهما كان أعمق من أي حوار، كأنهما يعيشان في فقاعة خاصة بهما، لا يشاركهما فيها أحد.
مالت برأسها على كتفه في حركة عفوية رقيقة، فأدار نظره إليها لحظة، وابتسم بتلك الابتسامة التي تحمل حبًا لا يحتاج إلى كلمات، ثم عاد بعينيه نحو الشاشة.
لكن فجأة، اخترق سكون اللحظة صوتها الهادئ، أقرب إلى نسمة دافئة تمس القلب:
“طارق.”
نظر إليها بعينين اتسع فيهما بريق لم تستطع أن تخطئه، ثم ابتسم بخفة، ومال قليلًا ليقترب أكثر، وصوته خرج هادئًا لكنه مشبع بالصدق:
“كل ما ليه.”
ارتسمت ابتسامتها فورًا، ابتسامة لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت امتنانًا عميقًا لتلك الكلمة التي اخترقت قلبها وأشعلت فيه دفئًا لا يوصف.
ثم تابعت بصوت خافت، رقيق:
“عايزة أسألك سؤال.”
أومأ برفق، عيناه لا تفارق عينيها، وقال بنبرة مطمئنة:
“كلي أذان صاغية.”
تنفست ببطء، ثم أطلقت ما كان يشغل تفكيرها منذ زمن:
“هو أنت حبتني امتى؟”
ابتسم وكأن السؤال أعاده إلى ذكريات لم ينسها، ذكريات لم تبهت رغم مرور السنوات، بل بقيت محفورة في قلبه كما لو أنها حدثت بالأمس.
#يتبع….
_________________
كتابة/أمل عبد الرحمن.
ورغم انعدام الشغف وبعض التعب، إلا أنني الحمد لله قدرت أخلص الفصل، فأتمنى يكون عجبكم، ولا تبخلوا عليا بنجمة وتعليق برأيكم وتوقعاتكم.
دمتم بخير… سلام.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.