رواية مغرم بك – الفصل الخامس والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصـل الخامس والثلاثـــون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ وصولها وهي جالسة بغرفتها داخل فيلا والدها تفكر في أمر والدتها، لتدرك أنها بالفعل حزينة لفراقها المفاجئ، وبالطبع تلومها على ذلك!، شعرت “لما” بأنها خانت محبتها لها بذهابها مع والدها فكم قسا الأخير عليها لتأخذها في النهاية منه وتهرب، حين غابت كثيرًا على هذه الحالة قلق والدها عليها ثم قرر أن يتحدث معها، ولج الغرفة ليجدها تحدق في نقطة ما شاردة، تقدم منها قائلاً بنبرة هادئة:
-شو بك حبيبتي “لما”؟
انتبهت له “لما” ثم اعتدلت في جلستها، جلس والدها بجانبها متابعًا بمعنى:
-من وقت وصلنا وإنتي على هالحالة؟
ابتلعت ريقها وهي ترد بتلجلج:
-مافيش يا بابا، أنا بس أكتر حاجة مزعلاني ماما، تلاقيها دلوقتي هتتجنن عليا لما عرفت إني سبتها
هز رأسه متفهمًا سبب سفرها وبُعدها عنها قائلاً:
-خطوة جيدة منك فكرة السفر، هالشخص أهانك وهي لازم تقدر حالتك واللي سواه معك هالواطي
تجمعت الدموع في عينيها وهي توضح:
-بس ماما متعرفش كل ده، محدش يعرف حصل أيه علشان يرضوا بردة فعلي
زم شفتيه ثم سألها بجدية:
-بدك تحكي معها وتطمنيها عنك؟
لم تخفي سعادتها من ذلك وانفرجت شفتيها، لکن تبدلت فرحتها للعبوس وهي تقول بتوجس:
-بس كده هيعرفوا مكاني، وأنا مش عاوزة أشوف حد ولا أرجع لحياتي دي، كرهتها خلاص
ثم بدأت في البكاء حزينة بشدة، ربت الأخير على ظهرها قائلاً:
-مافي حدا راح يجبرك على الرجوع، احكي معها وخبريها بكل شي، وهي لو بتحبك هتقدر ده، واوعديها إنك هتكلميها دايمًا
اقتنعت بذلك مرددة:
-موافقة اتكلم معاها
أخرج هاتفه لها ثم ناولها لها لتهاتفها قائلاً وهو ينهض:
-راح اتركك على راحتك معها
ابتسمت له بامتنان ثم تتبعت خروجه، جهلت شخصيته الحديثة تلك لتجده ونِعم الأب، أدركت الآن بأن زواجه بغير والدتها هو من سبّب الفجوة بينهما لتجعلها والدتها تبغضه هي الأخرى، نفضت تلك الأفکار ثم تنهدت لتتسع بسمتها وهي تضغط أرقام والدتها بشغف كبير….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
انقطعت عن تناول الطعام ثم أغلقت فمها والسيد كارم يمد يده بالملعقة لتأكل، كشر بقسماته ليردد بعدم رضى:
-اسمه أيه دا يا ايمان؟، حتى من إيدي مش عاوزة تاكلي!!
لم ترد لتنظر أمامها بحزن، حمل السيد كارم الصينية الموضوعة على التخت ليضعها بعيدًا ثم قال وهو يعاود الجلوس:
-“لما” مش صغيرة، يعني لما قررت تسافر كانت عارفة هي عاوزة أيه، ويمكن الخطوة دي شافتها صح، إحنا لسه مش عارفين أيه اللي حصل بينها وبين جوزها
نظرت له بأعين لامعة وهي تقول:
-أنا أمها، المفروض تقولي مالها، متوجعش قلبي عليها كده، أنا زعلانة منها
أمسك بكف يدها ليحاوطه بقبضتيه قائلاً برزانة:
-أكيد السبب كبير، المفروض تحسي بيها، واحدة اتجوزت وتاني يوم اتطلقت، تلاقيها خافت من نظرات الناس اللي مبترحمش ليها
تنبهت حواسها لما يقوله فلما لم تلاحظ ذلك، فتاة بموقفها كانت لتتخلص من حياتها وربما تصيبها حالة من الإنغلاق عن ما حولها، ردت باستياء:
-عندك حق، بس مش المفروض أعرف هي فين؟
ابتسم بلطف ليقول بثقة:
-إن شاء الله هي هطمنك عليها، “لما” بتحبك ومتعلقة بيكي
اكتفت السيدة إيمان بتنهيدة عميقة، قال بحصافة:
-مش هتاكلي بقى؟
ردت بتعابير منكسرة:
-عاوزة ارتاح شوية
أومأ برأسه لينهض تاركًا إياها على راحتها، استلقت هي لتريج جسدها، فور خروجه من الغرفة صدح هاتفها المسنود على الكومود فنظرت له لبعض الوقت ثم سحبته لتجيب، كان رقمًا يدل بأنه خارج البلاد فاعتدلت على السريع وقد تلهفت لتجيب:
-مين؟
سألت رغم تأكدها من هويتها فردت “لما” باشتياق:
-أنا “لما” يا مامي وحشتيني…………….!!
____________________________________
هرول لداخل المشفى ومن خلفه مصطفى الذي يلحق به مضطربًا هو الآخر، اكتست هيئة أيهم هلع مدروس حين بلغ المشفى وحرسه يخبره بكل ما تعرضت له زوجته والصغار، فور وصوله لمكان تجمع غرف العمليات تسارعت أنفاسه اللاهثة، حين وجد ابنه أمامه بات كمن عادت الروح له، فتح ذراعيه وهو يردد بلهفة:
-مروان!
نزل الصغير من على قدم الرجل الذي يحمله ثم ركض ناحية والده بسرعة كبيرة مرددًا:
-دادي، دادي
طوقه أيهم بذراعيه ثم رفعه ليضمه بقوة لصدره، هتف وهو يوزع قبلاته الشغوفة والمحببة على وجنته ورأسه:
-الحمد لله يا حبيبي إنك بخير، الحمد لله
رد مروان بحزن طفولي:
-بس مامي مش كويسة، وكمان رسيل
تذكر أيهم أمرهن واغتم بالكامل، رد بتماسك:
-إن شاء الله هيبقوا كويسين
هتف مصطفى بتعطف:
-الحمد لله إن الولد بخير ربنا حماه
هز أيهم رأسه ثم تحرك حاملاً ابنه ليستفسر عن وضع زوجته والصغيرة، وقف متصلبًا موضعه متفاجئًا بوجوده، ردد أيهم بغرابة:
-زين!
كان زين قد وقف مكانه فهو من التقف الصبي حين دفعته رسيل من السيارة……….
عودة لما حدث قبل وقت……..
جهلت هويته في بادئ الأمر لكن عرّفها بنفسه، حيث جاء زين لفيلا أيهم لمقابلة رسيل وفهم ما قالته لـ “لما” أثناء حضورها عندهما لفهم كل شيء كي لا يكون ظالمًا للأخيرة، قالت سميرة بمعنى:
-رسيل لو عايزها ضروري هي راحت النادي
نهض زين قائلاً بحماس:
-أيوة عاوز اتكلم معاها دلوقتي، قوليلي عنوان النادي وأنا هروحلها هناك
لم تمانع سميرة لتعطيه العنوان، لم ينتظر زين كثيرًا حين علم به ليتوجه لهذا النادي متلهفًا في فهم الموضوع من رسيل نفسها….
حين وصل للنادي وجدها قد غادرت قبل لحظات من مجيئه، أعطاه حارس النادي مواصفات السيارة بعد طلب زين لها، استقل سيارته ليلحق بها وبالفعل كان خلفها ولم يبعدهما سوى بعض المترات، صُدم حين شاهد بعينيه ذلك الموقف الدامي، زاد من سرعة سيارته لكن لاحظ سيارة كانت مجاورة له تطلق أعيرة نارية على السيارة مجهولة الهوية، فطن أنها سيارة حماية لرسيل لذا استغل انشغالهم ليتفحص السيارة التي بها، أسرع بسيارته ليلحق بالسيارة وهو متوجسًا فكانت السيارة تسير بعدم اتزان، أحس بأن هناك أمر مريب سيحدث وبالفعل شهق بفزع حين وجدها ترمي بالصغير من السيارة، تعرُّج السيارة هنا وهناك جعله يلحق بها في غضون ثوانٍ معدودة، قبل أن يسقط الطفل كان قد أمسك به من نافذة سيارته، صرخ الطفل بين يديه فخاطبه زين بهدوء مزيف وهو يسحبه من النافذة للداخل:
-متخافش يا حبيبي مش هيحصلك حاجة
من رعب الصغير ردد بارتعاش:
-مامي، عاوز مامي
انتبه زين ثم وضع الطفل ليجلسه بجواره، أدار رأسه للسيارة فوجدها تنزلق من على المنحدر فأوقف سيارته، ترجل على الفور منها آمرًا الصغير بتحذير:
-خليك مكانك متتحركش
أومأ الصغير برأسه عدة مرات مطيعًا إياه، ركض زين ناحية المنحدر لكنه وصل متأخرًا ليشاهد هذا الموقف المفجع يحدث أمامه حين انفجرت السيارة واشتعلت بها النيران….
وضع يده على فمه مذهولاً مما حدث، أخرجه من تلك الصدمة التي استحوذت عليه صوت ضعيف يصدر أنينًا متألمًا:
-آآه
بحث بنظراته في كل مكان وهو يركض في جميع الاتجاهات، وجد رسيل مستلقية على ظهرها تنازع وقد غطتها الدماء، هرع ناحيتها ثم انخفض لمستواها قائلاً:
-متخافيش أنا موجود
لم تتعرف عليه فأعينها مجفلة ومن خوفها على الصغار ظلت تحارب لتفيق، حدثته بضعف شديد:
-البنت… الصغيرة….، شوفها
جهل زين عن ماذا تتحدث؟، استنبط من ذلك أن هناك فتاة صغيرة كانت معها فنهض متوجسًا ليلتفت حوله باحثًا عنها، وجدها ملقية عند جزع شجرة فركض صوبها، حملها زين بين ذراعيه ومن هيئتها اتضح أنها فارقت الحياة، زاد رعبه ليتمنى أن يكون داخل حلم ليتيقظ منه فكم كان الموقف قاسيا. ..
لم يعرف كيف يتصرف فهو لا يعلم شيء بالقاهرة، تصرف بنفسه حين ركض بالصغيرة ناحية سيارته ليضعها في الخلف، رآها مروان فانكمش ليبكي بخوف وعينيه تحدق في الصغيرة التي شحبت ملامحها والدماء تلطخ وجهها، لحظات قليلة وكان زين قادمًا يحمل رسيل فنظر لها مروان بخوف وزين يضعها بجانب الصغيرة، رغم صغر سنه فطن بذكائه المحدود أن والدته كانت تحميه ثم بكي، جاء أحد الحراس متأخرًا ثم نظر لرسيل وما حدث لها والصغيرة بصدمة، أمره زين بحزم:
-كلم أيهم بيه بسرعة ويلا اركب علشان تعرّفني مستشفى قريبة
رد بعجالة وهو يتحرك ليركب:
-في مستشفى كويسة وقريبة كمان
ثم ركب الحارس في الأمام ليحمل مروان على فخذه، أدار زين السيارة لينطلق بها بسرعة جنونية والحارس يضع الهاتف على أذنه ليخبر أیهم………
عودة للوقت الحالي……..
وقفت سميرة التي أحضرها السائق حين علمت خلف أيهم تستمع لما يقصه زين مرتعبة من إصابة ابنتها بمکروه، قال زين بعدما إنتهى من شرحه المقتضب:
-هما الاتنين جوه دلوقتي وحالتهم وحشة قوي!!
صكت بيدها على صدرها وهي تصرخ:
-بنتي
استدار لها أيهم ليجدها بحالة سيئة، هتف مهدئًا إياها:
-إهدي إن شاء الله هتيجي سليمة
لم تقوى سميرة على الوقوف وبدا ذلك ظاهرًا عليها، أسرع كل من مصطفى وزين لإمساكها، عاونوها على الجلوس فبكت وهي تشعر بأنها ليس لها قيمة وهي تتخيل أن تتركها ابنتها، سألها أيهم بوجه مغتم:
-بابا فين؟
ردت خافضة رأسها بنحيب شديد:
-في شرم، كلمته وهيجي
ثم أكملت بكائها وهي تكمل ناظرة لأيهم:
-اسأل عليهم، الاتنين بناتي ولو واحدة فيهم حصلها حاجة هموت
نظر أيهم لمصطفى بحزن ثم جعل ابنه يجلس بجانبها، انتبهت له سميرة فأخذته في أحضانها وهي تبكي، تحرك أيهم ليقف على مقربة من باب غرفة العمليات فخلّفه مصطفى وزين، شعر أيهم بالندم وهو يتذكر وقت جاءت إليه لتغويه بالرجوع، ردد بأسى:
-يا رتني كنت رجعت وخدتك في حضني، لو كنت أعرف مكنتش سيبتك لحظة واحدة، إنتي حتة مني
أخرج تنهيدة أعربت عن مدى حزنه، رآه مصطفى هكذا فربت على كتفه قائلاً بمواساة:
-ادعيلهم، هو دا اللي محتاجينه دلوقت!
ردد أيهم كلمة واحدة تعني الكثير:
-يا رب
لكن لم يخلو وقوفه وهو يؤنب نفسه على قراره بشأن تصرفاتها الطفولية، بعض وقت من إنتظارهم جاء سؤال على ذهن أيهم ثم نظر لزين، لاحظ زين نظراته تلك فسأله أيهم بفضول:
-زين إنت كنت جاي عاوز رسيل في أيه؟!………
__________________________________
حين غادر الطبيب بعد تفحصها بداخل الفندق دلف للخارج ليجري مكالمة هامة ليتركها تغفو كما قال الطبيب، لم يعد ماجد قادر على ذلك فكل شيء يؤدي إلى لا فائدة، يخرج من أزمة يدخل في الأشد منها، رأى بعينيه كم عانت سالي بفقدانها ابنتها، ابتسم بتهكم فقد كان يريد أن يأخذها منه، كم كان أنانيًا في تلك النقطة المستقبحة ليحرم أم من ابنتها، حقًا الأمر صعب!، تخيل نفسه موضعها وجد أنه سيقتلع عنق من يلمس فقط ابنته فالله بعونها …..
حين رد الآخر هتف بنبرة منفعلة:
-لحد إمتى يا معتز هنفضل كده؟، الراجل واتمسك، مش هنعرف مين أخدت البنت منه
بنبرة متفهمة وضح معتز باطلاع:
-إحنا مش ساكتين يا ماجد صدقني، أنا كلمت الرائد اللي مسؤول عن التحقيق وقالي هيمشوا ورا أي دليل يوصلوا ليه، أولهم إن المتهم قال على اسم واحد يعرفها، لما نوصلّه بإذن الله هنرجع البنت من الست اللي اشتراتها
ابتسم ماجد بحزن وهو يقول بتطير:
-وعلى ما نوصله هتكون البنت سافرت وحلني على ما نعرف هي بيها فين
رد معتز بمفهوم:
-ليه التشاؤم بس، المفروض تدعى ربنا هو أحسن من أي حاجة دلوقتي، تفائلوا بالخير تجدوه
-كتير ولادهم اتخطفوا ومرجعوش
-إحنا بنعمل اللي علينا، قول يا رب
لم يجد ماجد كلمات يقولها ليجد أن ينتظر ماذا سيفعل الرب في تلك المسألة؟ الذي فقد الكثير فيها الأمل، قال ناظرًا للأعلى بنبرة منخفضة متعشمة:
-يا رب………!!
__________________________________
انتفض من وقفته المتكهنة فور دلوف الطبيب الجراح من غرفة العمليات التي بها زوجته، ركض نحوه أيهم مرددًا بنبرة متلهفة:
-مراتي عاملة أيه؟
نزع الطبيب الكمامة من على فمه قائلاً بعملية:
-المدام بخير وشيلنا الرصاصة من كتفها، بس عندها شوية ردود جامدة في جسمها نتيجة الوقعة
تنهد أيهم براحة وكذلك سميرة من الخلف التي رددت بامتنان:
-الحمد لله
تذكر هنا أمر الصغيرة فسأل الطبيب بقلق:
-والبنت الصغيرة؟
-عرفت إن الدكاترة لسه معاها بيحولوا يوقفوا النزيف
تفهم أيهم ثم غادر الطبيب فبكت سميرة بصوت أصبح عاليًا وهي تردد:
-يا رب بنتي
أشفق أيهم عليها فلأول مرة يراها هكذا، خبط مصطفى على كتفه كي ينتبه بأن رسيل تخرج على السرير النقال، التفت لها ثم هرع لينضم للممرضين وعينيه عليها وهي ما زالت تحت تأثير المخدر، نظرت لها سميرة بتحنن وهي تدعى في نفسها لها فهي ابنتها أيضًا، بينما تأملها أيهم بشجن وهو يقول أثناء سيرهم للغرفة:
-سامحيني يا حبيبتي
ثم تحرك معهم للغرفة التي ستوضع بها، تعقبتهم سميرة بنظراتها لتجد بأن أيهم بالفعل مهتم بأمرها، لذا لم تذهب خلفهم فهو يكفي، فقط وقفت مع البقية منتظرة أن يخرج الطبيب ويطمئنها على صغيرتها الوحيدة، لم تتوقف عن البكاء لتجد زين قد جلب بعض المشروبات الباردة لها وللصغير، ناولها لها قائلاً بتهذيب:
-اتفضلي حضرتك اشربي وإهدي، بإذن الله هتكون كويسة
شعرت بأنها لا تحتاج لشيء يدخل جوفها لتفقد اللذة من متاع الحياة، قالت بنحيب:
-اطمن على بنتي الأول
لم يضغط زين عليها ثم أخذ الصغير مروان معه كي يطعمه هو، من المبهج في الأمر أن مروان يذهب معه وقد تعود عليه، ابتسم له زين بألفة وهو يعطيه العصير والشطيرة، أخذهما مروان ثم شرع في تناولهما، جاء مصطفى نحوهما ثم قال باعجاب:
-إنت كويس قوي يا زين، بجد شهم في كل اللي عملته مع إنك مش من القاهرة
رد زين بسماحة:
-عادي دي طبيعتي…..
دلف المسعفون بالسرير النقال وعليه الصغيرة مغطاة حتى الرأس، فطنت سميرة بأنها فارقت الحياة فصرخت بصوت رن صداه بالمشفى وأخذت تبكي وتولول، في تلك اللحظة المرعبة كان قد وصل مروان ليشاهد هذا الموقف المفطر للقلوب، أغذ في السير ليصل لهما وهو محدق في ابنته المسجية أمامه، دنا منها ليأخذها في أحضانه وهو يشدد من قبضتيه عليها، هتف برفض وهو يضمها بشدة:
-محدش هياخدها، مش ممكن تسيبني
حاول أحدهم نزعها من بين ذراعيه القابضة عليها وهو يردد بنفاذ صبر:
-لو سمحت سيبنا نشوف شغلنا، إكرام الميت دفنه، بنتك ماتت ودا قضاء ربنا
رفض مروان التصديق ليهتف باحتجاج:
-مش ممكن، أنا عاوز بنتي، ليه يا رب
ردت عليه سميرة ببؤس وشقاء وهي تستدمع:
-رسيل ماتت يا مروان، أنا انحرمت طول عمري من خلفة الولاد، خلاص راحت بنتي!!
هتف غير مصدق هرائها:
-اسكتي بنتي عايشة، رسيل بنتي ماماتتش
سحبها المسعفون عنوة من بين يديه فصرح فيهم بحسم:
-سيبوها، سيبوا بنتي
حين ردد تلك الكلمات أوقف السائق الخاص به السيارة ثم ترجل منها ليطمئن عليه، فتح الباب المقابل له قائلاً بقلق:
-مروان بيه، مروان بيه إصحى
فتح مروان عينيه وهو يتصبب عرقًا، نظر حوله هاتفًا:
-أنا فين؟
-إحنا لسه في العربية يا سعادة البيه وقُدمنا أربع ساعات ونوصل
انتبه مروان بأنه في طريقه للمشفى بعدما تعثر عليه أن يجد مكان شاغرًا على متن إحدى الطائرات، تيقن بأنه كان داخل كابوس مفجع ليردد بحمد:
-أحمدك يا رب مكنش حقيقة
تنفس بهدوء لينظر للسائق قائلاً بأمر:
-يلا إركب وزود السرعة شوية
توجه السائق ليجلس خلف عجلة القيادة ليتابع التحرك، وضع مروان يده على قلبه ثم قرر أن يهاتف زوجته كي يطمئن على الأحوال عندها………….!!
__________________________________
ظل بجانبها حتى أفاقت من المخدر حيث سمح له الطبيب برؤيتها، حين فتحت رسيل عينيها ابتسم أيهم فاللعينة لن تتركه، اطمأن عليها الطبيب ببعض الأسئلة التي جاوبت عليها بهزات خفيفة من رأسها وأنين يخرج منها مرفق ببعض الکلمات، دلف للخارج ثم تركه معها لبعض الوقت، دنا أيهم منها قائلاً بحنوٍ:
-حمد الله على السلامة يا روحي
نظرت له بأعين فتحتهن بالكاد، أنحنى ليقبل كفها الموصول بالأبرة مرددًا بعشق:
-وحياتك عندي ما كنت هعيش لحظة لو سيبتيني
ابتسمت بضعف فهذا الوقح دائمًا ما ينسيها ضيقها منه ببعض الكلمات، ردت بوهنٍ جم:
-ما إنت كنت سايبني، وقولت مش عاوزك خلاص
اقترب منها ليقبل جبهتها هاتفًا بندم:
-حمار أنا، غبي اللي يسيب مراته وهو بيموت فيها علشان أي حاجة
لم تعرف رسيل تسعد أم ماذا؟، لقد واجهت الموت قبل وقت، مر شريط ما حدث من صراخ صدر منها واستغاثات لتضطرب أنفاسها متذكرة وقت ألقت ابنها، كذلك رسيل الصغيرة، تشنج جسدها فجأة فهتف أيهم بتوجس:
-رسيل حصلك أيه ما كنتي كويسة من شوية؟
ردت باضطرابات نفسية:
-رسيل عاملة أيه؟، أنا نطيت بيها وحسيت إنها مش كويسة!
رد أيهم بحذر:
-كويسة يا حبيبتي متقلقيش، هي بس لسه في أوضة العمليات
بدت حالة رسيل تتبدل للحزن ثم استفمت بتلهفٍ بائن:
-ومروان؟، فيه حد أخده مني
-مروان كويس يا حبيبتي متقلقيش
قالها وهو يربت على كف يدها، سألت متذكرة:
-طيب مين اللي كان موجود؟، أنا حسيت بحد بيكلمني وقتها
رد أيهم بنظرات غامضة:
-دا زين يا رسيل، جوز “لما”
قطبت جبينها مستفهمة بتعجب:
-هو كان هنا بيعمل أيه، معقول صدفة يكون جاي ورايا؟!
زفر أيهم بقوة قائلاً محاولاً ألا ينزعج:
-كان عاوز يسألك ليه روحتي عند “لما” وقولتيلها تبعد عني
ازدردت رسيل ريقها في توتر وهي تنظر له فقد خشيت معرفته بذلك، ردت بدفاع:
-مش بإيدي، وصلني جواب بيقول إنك على علاقة بيها، روحت قولتلها تبعد عنك وبس كده
زاغ أيهم في حديثها ليربط ما قاله زين بحديثها للتو، أدرك بأن هناك من يكيد له، توضحت الأمور الآن وانكشفت، خاطبها أيهم بجدية:
-لما تتحسني إن شاء الله تقوليله الكلام ده، علشان زين طلق “لما” بسبب شكه فيها، مش بس مني، من الأول وهو يشك
رددت بأسف:
-يعني مش أنا السبب؟
حرك رأسه لينفي:
-هو كان بيشك وكلامك ليها أكد له، باين فيه حد حاول يخلق مشاكل، علشان بيقول إني بعتلها ورد وهو محصلش
ارتاحت رسيل داخليًا ثم نظرت له بأسى، قالت بعبوس:
-شوفت لما بِعدت عني حصلي أيه؟
قبّل راحة يدها وهو يقول بمحبة:
-مش هابعد عنك مهما حصل، وحياتك عندي اللي عمل معاكي كده ما هخليه عايش
ابتسمت رسیل ثم ولجت رانيا عليهما دون استئذان قائلة:
-أيهم أخرج الدكتور برة عاوزك، أنا هخليني معاها
التفت لها أيهم ثم نهض، سألت رسيل بقلق:
-رسيل مالها؟
نظرت لها رانيا مجيبة:
-مش عارفة لسه، بس برة عاوزين أيهم
خاطبت رسيل أيهم باستجداء:
-روح يا أيهم شوفها
لم يلبث أيهم بل تحرك مسرعًا نحو الخارج، دنت رانيا من رسيل قائلة بعطفٍ وهي تجلس على المقعد بجوارها:
-عاملة أيه دلوقت؟……..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
انضم أيهم للطبيب الواقف برفقة مصطفى وزين والسيدة سميرة ليستمع لما يقوله، هتف الطبيب بمعنى:
-للأسف زي ما قولتلكم فصيلة الدم بتاعتها مش متوفرة هنا، اتصلنا حتى ببنك الدم برضوه مش متوفرة، المطلوب بس دم للبنت وكل حاجة هتبقى كويسة
هتف أيهم مستفهمًا بتكشير:
-طيب والحل أيه؟، نسيبها كده!!
رد الطبيب متفهمًا:
-لأ طبعًا، مافيش قدامنا غير نشوف حد نفس فصيلة دمها، والأغلب هتكون مع والدها
ردت سميرة بحزن:
-باباها هيتأخر على ما يوصل
لاحظ أيهم شيء ما في الموضوع ثم قال بانتباه:
-على فكرة فصيلة دم بابا هي نفسها فصيلة دمي، يعني هي كمان لازم تكون نفس فصيلتي
سأل الطبيب بتأمل:
-حضرتك أخوها
-أيوة
هتف الطبيب بتلهف:
-يلا مستني أيه البنت محتاجة دم ضروري وبإذن الله هتكون بخير
تحرك أيهم من خلفه فأوقفته سميرة ممتنة:
-متشكرة يا أيهم قوي
استغرب أيهم لبعض الوقت ليتيقن بأنها تظن كرهه للصغيرة، قال بحزم ليمحي تلك الظنون من رأسها:
-مافيش داعي تشكريني، دي أختي ودمنا واحد………………..!!
__________________________
__________________
___________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.