رواية مغرم بك – الفصل التاسع والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصـل التاسع والعشــرون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قامت من الفراش تجر قدميها للمرحاض كي تغتسل بعدما غادر وتركها بمفردها، تحركت “لما” وهي تبكي ومازال عقلها لا يعي كل ما وضِعت فيه، شعرت بدونيتها في لمساته وأن ما فعله مجرد تحقير لها لا أكثر، رقدت بكامل جسدها في المغطس لتختلط عبراتها مع الماء وعينيها تحدق بالأعلى بضياع، كان للشيطان دور فيما هي عليه لجعلها تفكر في الإنتحار، كل ذرة بها لا تريد العيش فالموت أهون عليها مما قاسته في الفترة الغابرة وعلى يد من؟، من أحبته بصدق ورسمت في مخيلتها أحلامًا يشع منها التبهج والسرور لتكرس حياتها القادمة على البقاء معه هو فقط، خذلها في تصديق ما هو غير موجود ليعاملها بتلك الطريقة التي لا تقبلها امرأة، ليبقى السؤال المُحير والذي لم تعرف إجابته إلى الآن:
-“لماذا تزوج بها إذا كان يراها بهذا الفجور والتدني؟”…..
نهضت بتخاذل لترتدي شيء يستر جسدها ثم دلفت وهي توزع أنظارها بالغرفة متوترة من عودته ومن ثمَ إهانتها، لم تجده فتوجهت للخزانة لتنتقي ما سترتديه من ثيابها الجديدة ثم تأملها وهي مصفوفة بحسرة، ابتسمت بألم ثم سحبت المطلوب، بتقاعس شرعت في ارتداء ذلك الفستان الطويل ذي الأكمام الفضفاضة لتجد أنه الأفضل بعدما شعرت بتعريها قبل قليل…
بعد انتهائها لم تحمل بداخل حقيبة يدها سوى بعض المال وأوراقها التي جلبتها معها، أشيائها الهامة فقط!، هدجت “لما” لخارج الغرفة وهي منتوية تركه فقد ألقى عليها يمين الطلاق بعد أن أخذ مراده منها، تجلدت قليلاً ثم لاح الغضب عليها تريد الانتقام منه لكن محبتها له رفضت عنفها، وجدت أن الراحة الأبدية لوضعها هذا هو إلقاء ما أحزنها خلف ظهرها ولا تعاود حتى النظر إليه، تحركت لخارج الفيلا لتستقل إحدى سيارات الأجرة، وقفت واحدة فسارت نحوها وقبل أن تركبها التفتت برأسها نحو الفيلا التي شهدت مأساتها وما تخليته من أحلام وردية ليلمع الحزن في عينيها، همست بخيبة أمل:
-يا خسارة يا زين!!
ثم بغيظ دلفت للسيارة لتتجاهل كل ما فات معتزمة تناسبه بالكامل فهي باتت هنا فاقدة للحياة والشعور براحة بالها…….!!
___________________________________
دُهشت حين وجدته يلج الشقة في هذا الوقت المبكر من الصباح، رغم ذلك اتسعت بسمتها لتقابله بترحاب حار فهو ابنها الوحيد، هتفت مريم بتشوق:
-حمد الله على السلامة يا زين
ثم فتحت ذراعيها لتأخذه في أحضانها، نكس زين رأسه وقد لمعت عيناه بحزن، أحست مريم بما هو غير مريح في هيئته لتبتعد عنه متأملة ملامحه الكئيبة، قلقت عليه وهي تسأله:
-مين زعلك يا زين، المفروض إنت عريس جديد؟
ثم لامست وجنته ليظهر حنانها نحوه وهي مترقبة أن ينطق، بصعوبة قالها زين دون تعليل:
-طلقتها!!
ردت عليه باستنكار:
-إزاي طلقتها، حصل أيه دا إنت كنت متمسك بيها وقولت عاوزها هي؟!
لم يتعمق في الموضوع ولم يتكلم عنه، بل قال بتردد:
-أنا اكتشفت إن نور هي اللي تستاهل أعيش معاها
حديثه جعل شفتيها تنفرج بفرحة ظاهرة، لم تعلق أكثر على أمر انفصاله لتمدح خطوته تلك بـ:
-عين العقل يا حبيبي، صدقني نور بنت رقيقة ومافيش في أدبها ولا تربيتها، كفاية إنها بتحبك، وجوازك كسر قلبها
لم يؤثر هذا الكلام مطلقًا فيه فهو يفعل ما يجعله ينسى ولن يكون سوى بالزواج، رد لينهي الحديث كي يريح جسده:
-أنا هدخل ارتاح في أوضتي، وحضرتك لو عايزة تكلمي خالتي في الموضوع معنديش مانع
تهللت مريم ومن فرحتها قبلت وجنتيه معجبة بذلك، تحرك زين غير مبالي بشيء نحو غرفته فرددت مريم ببسمة واسعة:
-سلمى هتفرح قوي، أما ألحق أبشرها
ثم هرولت ناحية هاتفها في الوقت الذي دلفت فيه لين من غرفتها بعدما أفاقت من نومها وهي تتثائب، لمحتها مريم فخاطبتها بمسرة:
-تعالي يا لين شوفي اللي حصل
عقدت لين حاجبيها بغرابة وهي تتقدم منها فوضحت مريم وهي تضغط أرقام أختها لتنصدم لين:
-أخوكي طلق مراته وعاوز يتجوز نور……….!!
___________________________________
حمل الخدم الحقائب الخاصة بهم ليضعوها في السيارة من الخلف، تحركت رسيل نحو السيارة برفقة ابنائها الخمسة لتعاونهم في الركوب، دلفوا جميعهم ثم ابتسمت حين اطمأنت على جلوسهم بوضع مريح، وجهت نظراتها نحو أيهم الذي انتبهت لانزعاجه لكن لم تهتم فرحيلها من هنا الأهم، دنا أيهم منها متسائلاً:
-الولاد ركبوا؟
-أيوة ركبوا، يلا إحنا كمان
أومأ برأسه ليتوجه معها ناحية سيارته كي تستقلها معه وذلك حين ألقت رسيل نظرة متفحصة لأولادها فسوف يركبون سيارة بمفردهم مع السائق وأحد الحرس!!…
بعدما جلس الاثنان بالداخل نظرت له رسيل الجالسة بجانبه ثم قالت مبتسمة بود:
-حبيبي لسه زعلان ولا أيه؟
نظر أيهم لها قائلاً بنفيٍ مزيف:
-لا حبيبتي مش زعلان، أنا بس مبحبش أزعلك علشان بحب نبقى حلوين مع بعض على طول
ردت بمناشدة عكست أمنيتها الداخلية:
-هتبقى حلوين ومافيش حاجة هتخلينا نزعل إن شاء الله
تنهد بقوة ليشغل سيارته متأهبًا هو وبقية السيارات من خلفه للرحيل، عند فقط بضع مترات تحركها أيهم وهو في الأمام ولجت سيارة الأجرة التي بها “لما”، تنبها لها أيهم ورسيل التي استفهمت بتأفف:
-أيه التاكسي ده اللي دخل الفيلا؟
جهل أيهم معرفة سبب حضوره ومن فضوله أوقف سيارته ليعرف، ترجلت “لما” سريعًا لتلحق بهم فقد أتت مستنجدة به هو كي يقف بجانبها، بدا العبوس على رسيل والحنق الشديد حين رأتها تأتي إليهم بنفسها، بينما استغرب أيهم حضورها فترجل ليقابلها وهي تأتي نحوهما شبه راكضة، هتفت “لما” وهي تقترب منه بتكليف:
-استنى يا أيهم متمشيش
لاحظ أيهم من هيئتها أنها كانت تبكي فسألها بضيق:
-مالك يا “لما”، فيه حد عملك حاجة؟
رغمًا عنها بكت وانفلتت بعض العبرات مما جعل رسيل تترجل هي الأخرى وتقف عند باب السيارة تتابع باهتمام، ردت “لما” بحذر:
-خدني بس معاك القاهرة وأنا هابقى أحكيلك، لو سمحت يا أيهم مش قادرة أقف
من نبرتها قلق أيهم عليها، لم يجد الآن سوى أن يبقى بجانبها قائلاً:
-تعالي اركبي معانا يلا
ثم فتح لها الباب الخلفي فلمحت “لما” تضايق رسيل وهي تنظر لها بنفور، ترددت “لما” في الركوب معهما لعدة أسباب منها بغض رسيل لها، وأيضًا فهي السبب فيما وصلت إليه ولا تعرف تلومها أم لا؟، لكن احتياجها لأيهم جعلها لا ترى غيره فهو فرصتها، قالت “لما” بطلب مُهذب:
-ممكن أركب مع الولاد أحسن، عاوزة كده معلش
لم يخالف أيهم رغبتها ليقول بامتثال:
-براحتك، تعالي اقعدي في العربية التانية وهجيب ولدين يركبوا معانا، وبعدين أعرف منك حصل أيه
هزت رأسها مؤيدة ذلك لتتحرك معه متحاشية النظر لرسيل فهي ستؤكد لها لاحقًا بأنها بريئة من اتهاماتها، تتبعتها رسيل بنظرات نافرة وهي تغمغم:
-هو أنا أسيب هنا علشانها تيجي هي ورانا، يا ترى حصل أيه علشان تسيب جوزها؟، أنا مش مطمنة……….!!
____________________________________
اتصلت بوالدتها من هاتف صديقتها كما أخبرتها سابقًا، انتظرت نور أن ترد والدتها عليها فجاوبت الأخيرة باقتطاب:
-مين؟
-أنا نور يا ماما
ردت نور علیها بنبرة حملت البؤس، هتفت سلمى بتلهف:
-يومين يا نور ما اسمعش فيهم صوتك، عاملة أيه يا حبيبتي؟
ردت بنبرة مختنقة:
-أنا هقطع الرحلة وارجع، مش قادرة انبسط معاهم
هتفت سلمى بتعطف:
-ارجعي يا حبيبتي طالما مش مبسوطة عندك، وكمان هنا عندي خبر هيفرحك ويخليكي تنسي الزعل خالص
حركت نور رأسها لتستنكر أن يوجد ما يمحي حزنها، سألت بنبرة غير مهتمة:
-هيكون أيه يعني؟
لم تستطع سلمى الصموت عن إخبارها كثيرًا حتى أذاعت الخبر بسرور:
-زين ندم على جوازته وعاوز يطلب إيدك
صدمت نور بالكامل ثم استفهمت بتكهن:
-طيب ومراته؟، دا اتجوزها علشان بيحبها!!
هتفت سلمى بلا مبالاة:
-ملناش دعوة، هو مش عاوزها وطلقها، وبعدين طلب إيدك ودا الأهم، هو إحنا كنا غصبناه، ارجعي علشان هيجوا عندنا يتقدمولك
صمتت سلمى لتكمل بأسى من أجلها:
-فكري في نفسك يا حبيبتي لحد إمتى هتستسلمي لحزنك وتكبتي في نفسك
لامست كلمات والدتها احاسيسها التي أخمدها الحزن، برقتها المعهودة وجدت نور أن ذلك الأصح فتلك الفتاة لطفة القلب ترتضي بالقليل، تدريجيًا بدأ الأمل يغزوها فقد رحم الله وجع قلبها وأشفق عليها ليغدقها بفضله بمن تمنته، قالت نور في نفسها بعدم تصديق:
-معقول زين هيتجوزني، أنا كنت فقدت الأمل……….!!
____________________________________
في إحدى الملاهي الليلية، ضرب كأسه المملوء بالخمر بكأس رفيقه الملازم له في جميع ضغائنه نحو الآخرين وهو يقهقه بانتشاء على طاولة ما، هتف عيسي بثقة:
-أنا أفكاري متخرش المية، الواد قالي دا سابتله البيت وهو راح عند أمه
ضحك غريب بتشفٍ في هذا أيهم مرددًا:
-يا ترى عامل مع مراته أيه دلوقت؟
رد عيسى بضحك وباتت هيئته حاقدة:
-أول ما وصلني خبر إن زين السمري هيناسب قريبة مرات أيهم علم الدين متعرفش أيه البركان اللي حصل جوايا، معرفتش اتصرف، بس كفاية انتقمت من زين ابن أخته هو اللي كان بينخور ورايا
رد غريب بغلٍ:
-بس دا مش هيأثر في أيهم، البنت اتطلقت وهيطلع منها مع مراته من غير مشاكل
هتف عيسي بدهائه الملازم له:
-كله متخطط ليه مظبوط، العيار اللي ميصبش يدوش، من مراقبتي ليهم في الفترة اللي فاتت الواد اللي بيراقبهم وضحلي إن مراته باين مش بتحب بنت عمته وبتغِير منها، يعني زمانه في مشاكل دلوقت
تنهد غريب بعُمق ونظراته تتشفى فيه فهو السبب في قتل ابنه، اعتزم هو الآخر حرق قلبه بقتله لأحد أبنائه مقابل ابنه لكنه أخفى التحدث مع أحد في ذلك، عاد غريب لواقعه قائلاً بمكر:
-وقريب بقى أيهم نفسه هيروح مع الوبا لما نخلص بس من الصفقة دي، محضرله مفاجأة بعدها وهنكون إحنا برة البلد وخليه يشيل الليلة لواحده
ردد عيسى ببسمة سوداء:
-هيحصل كل اللي بتتمناه، أنا معنديش أعز منك، وطالما أيهم ناسب زين يبقى ميلزمنيش بعد كده……..!!
__________________________________
مر اليوم بهدوء مقلق حيث ظلت رسيل بعد وصولهما بساعات جالسة في الردهة تفكر في وجود تلك الفتاة التي تتوجس فقط منها، باتت تشعر بالخوف وهي معها في نفس المكان، تخيلتها زوجته وهن معًا يتسابقن للتودد له، فاقت لترفض كل ذلك فهو لها بمفردها ولن تسمح لهذه اللعينة بأن تأخذه منها، همست رسيل لنفسها بقلق:
-وجودها هنا غلط، كده هيبقوا قريبين من بعض، وكمان مقالتش حصل أيه مع جوزها، قلبي حاسس إنه سابها وكانت بتكدب عليا في كل كلمة قالتها لما كنت عندها، مكنش باين مبسوطين مع بعض!!
نهضت رسيل من مكانها لتتخذ موقف جاد في تلك المسألة الحساسة، تابعت بإصرار:
-لازم تمشي، إحنا مالنا بيها، عندها أمها مرحتش عندها ليه، أكيد رجوعها معانا بيأكد شكى فيها، أنا على حق!!
ثم تحركت لتتحدث معها قبل رجوع أيهم بخصوص رحيلها لكن وجدتها تهبط الدرج، توقفت رسيل موضعها وهي تحدق فيها بجهامة، سارت “لما” ناحيتها بهيئة هادئة حملت معها الحزن، تجاهلت رسيل ذلك لتراها مخادعة، خاطبتها “لما” بهدوء شديد:
-رسيل عاوز اتكلم معاكي
هتفت رسيل بقسوة:
-مش عاوزة اتكلم معاكي، خدي بعضك وامشي، جيتي هنا ليه مش قولتي بأحب جوزي، سيبتيه ليه بقى؟!
أدركت “لما” أنها بالفعل نافرة من وجودها، نظرت لها بلمعة ألم وهي ترد:
-أنا هامشي يا رسيل متخافيش، قولتلك قبل كده أيهم مافيش بيني وبينه حاجة، كنت عيلة ودلوقت اتغيّرت وليا تفكيري
بنفس شراستها وبغضها هتفت رسيل بتصميم:
-يبقى دلوقت تمشي ومش عاوزة أشوفك هنا
هزت “لما” رأسها بطاعة فهي لا تريد أن يكون هناك من يعاني بسببها لتوافق على رغبتها، قبل أن ترد عليها وجدت أيهم يهتف بغضب وهو يتحرك نحوهن:
-رسيل!
إلتفتت له رسيل وارتبكت من حضوره باكرًا، تابع بانفعال حين وصل عندهن:
-اتجننتي في مخك، مين دي اللي بتكلميها كده؟، دي بنت عمتي يعني دا بيتها
ردت رسيل بتلعثم:
-مش عاوزاه هنا، عندها أم تروحلها
هتفت بعصبية مدروسة وهو یحد إلیها النظر:
-ملكيش دعوة بيها، ليه بتكلميها كده ومش عاوزاها هنا؟، دا بيتها وتقعد فيه براحتها
اغتاظت رسيل من وقوفه معها لتلعب الشياطين دورها كالمعتاد في الوسوسة لها، انتبهت “لما” لرسيل المزعوجة وقررت التدخل قبل تأزم الوضع بسببها فليكفي ما حدث لها، هتفت بتريث:
-يا جماعة إهدوا، أنا كنت هامشي من غير كل ده
نظر لها أيهم مرددًا بتحدٍ:
-مش هتمشي لأي مكان غير لما أقول أنا، هنا كلمتي وبس اللي هتمشي
انزعجت رسيل منه وصكت أسنانها ببعضها من شدة هياجها، تحركت لتصعد لغرفتها وهي تتوعد له فغضبها غير محمود لكنه تصلب وتجاهلها ليستعد لما سيحدث فقد زودتها كثيرًا، لم تُرد “لما” كل ذلك لتبتئس تريد التخلص من نفسها فما هي فيه لا تتحمله امرأة، خاطبته بعدم رضى:
–أيهم لو سمحت سيبني أ….
قاطعها أيهم بنبرة لا تحمل النقاش:
-اطلعي فوق ومافيش خروج من هنا
كان حازمًا في جملته لذا لم تدخل “لما” في مشادة معه فهي ستفعل ما يريح الجميع برحيلها دون عودة، قالت بطاعة متعقلة:
-حاضر
ثم استدارت لتصعد للأعلى فتنفس أيهم بغضب، وجه بصره للأعلى ليقرر الصعود إليها ومواجهتها……….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لم يحتمل تهورها واندفاعها في تصديق أوهامها حتى خرج عن صمته فـ إلى متى؟، ولج أيهم الغرفة من خلفها فوجدها في المنتصف تحدجه بنظراتٍ غاضبة كأنها كانت تنتظر مجيئه، دنا منها وهو يتحكم في عصبيته، هدر بانفعالٍ مكبوت:
– أيه اللي قولتيه تحت ده؟!
صرخت بنبرةٍ مهتاجة ثائرة:
– اللي سمعته، أنا مش عاوزاها هنا!
ازعجته رسيل بردها فتحرك ليقف أمامها مباشرةً قائلاً بتحدٍ:
– مش هيحصل يا رسيل، هي هتفضل هنا!
اشتعلت الغِيرة بداخلها وهي تنظر لهيئته وهو يدافع عنها، هتفت بجمود رغم ثورة انفعالها الداخلية:
– يبقى يا أنا يا هي، إختار؟
انفجر أيهم ليعلن انفعاله هاتفًا:
– مجنونة يا رسيل، أیه اللي بتقوليه ده؟!
ردت بغضبٍ مدروس:
– اللي سمعته، البنت الحيوانة دي مش عاوزة أشوفها هنا
وصل لقمته معها من سبّها العلني لابنة عمته، بغتةً فاجأها حين قبض على شعرها بقوة فشهقت بصدمة، ظلت النظرات متبادلة بينهما للحظاتٍ قليلة، قالت رسيل باستياء:
– شكلك دا أنا حفظاه يا أيهم، عاوز تضربني!!
شدد من قبضه على شعرها فتألمت فهو يريد بالفعل معاودة عنفه السابق لها لكنه تماسك حتى لا يندم، قرر تأديبها بطريقته وهو يقول بغموض:
-إنتي مينفعش معاكي غير حاجة واحدة يا رسيل
ثم فك شعرها ليأخذ الفضول مجراه في معرفة مقصده وهي تحملق فيه بترقب، رد بعزيمة:
-مافيش بينا حياة خلاص، وجودك معايا هنا هيبقى علشان الولاد وبس
فغرت فاهها بصدمة ثم دنت منه لتتعلق بثيابه رافضة:
-بتهزر صح، عاوز تبعد عني، معقول أيهم يقول كده، أنا مش مصدقة إنت بتموت فيا ومتقدرش على بُعدي لحظة
ابتسم بسخرية من نبرتها الواثقة فعشقه المكشوف أمامها هو السبب ليتحمل فوق كل ذلك نزقها وحماقتها التي لم تتخلى عنها، رد هو ليمحي ثقتها تلك:
-لا مش بهزر، ودلوقتي اللي بينا الولاد وبس يا رسيل، عيشي بقى في أوهامك لوحدك
ثم تحرك ليرحل فأسرعت في التشبث بقميصه من الخلف وهي تهتف بهياج:
-مش هتمشي وتسيبني، خليك معايا
بسهولة كان نافضًا يديها من عليه ليكمل طريقه دون تراجع فانصدمت وذُهلت مما يفعله، دلف أيهم للخارج بخطوات سريعة لكنها كانت من خلفه تركض وهي تردد بهيستيرية ليتعالى صوتها:
-أيهم استنى، هاعمل اللي إنت عاوزوه ارجع
ثم هبطت الدرج بخفة لتلحق به، لكنه كان قد دلف خارج الفيلا، تعقبته لتحتج على ذلك وبداخلها ندمت وعرفت الدموع طريقها لتبكي، في الحديقة بحثت عنه فوجدت يدير سيارته فركضت ناحيتها، تحرك بها وقد تحكم في إنفعالاته، وقفت هي أمامها قائلة باستماتة:
-على جثتي لو خرجت من هنا
اضطر لإيقاف السيارة وهو يرد عليها بصوت حازم:
-ابعدي متفكريش باللي بتعمليه ده هتمنعيني
لم تستمع له لتظل كما هي، ردت بصريخ:
-مش هابعد، موتني وأخرج
فرك أيهم قبضته بغيظ ثم ضربها بالمقود، ترجل من السيارة متحركًا نحوها ليبعدها عن طريقه رغمًا عنها، أمسك بذراعها بقوة فلم تبالي لتنظر له بنظرات توسل قائلة:
-متبعدش عني!!
-إنسي يا رسيل أنا مليت من عمايلك
رد بغلظة ثم سحبها لتبعد عن طريق مرور السيارة حين دفعها ولم يأخذ في اعتباره ضعف جسدها، تراجعت للجانب بضع خطوات ثم تعثرت في وقفتها ليرتطم ظهرها بعنف بالرصيف الرخامي حين سقطت فأطلقت صرخة عنيفة جعلت أيهم وهو يفتح باب السيارة يدير رأسه لها مصدومًا، اعتلى الخوف سائر هيئته ثم ركض نحوها، جثا على ركبتيه ليطمئن عليها حين رفع جزأها العلوي لصدره، هتف بتوجس:
-رسيل حصلك أيه؟
كانت عيناها مجفلة توحي بالدخول في غيبوبة، انتبهت وهي كذلك بألم عرفت بهويته كونها طبيبة، همست بضعف قبل أن يغمى عليها:
-بنتي!!
جحظ عينيه ليفطن بأن هناك مكروه أصابها، وجه نظراته لبطنها وتلقائيًا لاحظ الدماء من تحتها، ارتعش جسده بهلع حقيقي عليها فهي فقدت جنينها للتو بسببه، قال بألم:
-كنتي حامل يا رسيل……………………………………!!
___________________________
_____________________
_____________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.