رواية مغرم بك الفصل الثامن والعشرون 28 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل الثامن والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الفصـل الثامن والعشــرون

مُغـرَم بـكِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الطاولة جلست حاملة ابنها على فخذها ثم وضعت الطبق جانبًا بعدما أفرغه بالكامل لتسعد بذلك قائلة بتعطف:

-بالهنا والشفا يا حبيب ماما

ثم قبّلته خلود بحرارة من وجنته ليخاطبها بعدها الصغير قائلاً بطفولية:

-ممكن ألعب في الجنينة يا مامي مع الولاد

رحبت بذلك وهي تقول له بتوضيح:

-اسمهم ولاد خالي، يلا روح إلعب معاهم

هز رأسه بطاعة لتنزله بهدوء ثم ركض نحو الخارج أمام أعينها الحانية؛ جاءت خلود لتنهض هي الأخرى لتبحث عن ما يشغل يومها لكن صدح هاتفها بداخل جيب بلوزتها، أخرجته وهي تتحرك لتصعد الدرج لتضطرب بعدها من هوية المتصل رغم أنه ليس أمامها، وقفت متيبسة مكانها ثم نظرت لشاشته لبعض الوقت وهي تهيئ نفسها للرد عليه وشريط ما حدث لها يمر سريعًا في عقلها، تنهدت لترد بثبات مفتعل:

-بتتصل ليه؟

تماسك مازن في حديثه معها قائلاً:

-متفكريش إنك بكده ممكن تحرميني من ابني، أنا لو عايزوه محدش هيمنعني عنه

ابتسمت بحنق ثم ردت باستفزاز:

-ولا تقدر، إنت عارف أنا مين وأخويا أيه، ولا نسيت نفسك؟!!

تضايق من تحاميها في أخيها هادرًا:

-أنا على أخرى ولو حطيت الموضوع في دماغي مش هتعرفي هاعمل أيه!!

هتفت باستياء:

-أيوة مش فاضيلنا، فاضي بس للست اللي نسيتني وروحت اتجوزتها عليا وفي الآخر طلقتني، خليها تجيبلك عيال يملوا عينك، خلاص إنساني أنا مستحيل أفكر فيك من النهاردة

رد من بين أسنانه كابحًا لانفعاله:

-متنسيش إني ممكن أرجعك لو عايز

رددت ضاحكة بتشفٍ:

-أنا بحمد ربنا إنك طلقتني علشان كرهتك، ولو عملت أيه مش هرجعلكُ أنا خلاص معایا ابني ومش هطوله مني، إنت بعتني بالرخيص واتهمتني، وعلشان كده في ستين داهية

ثم أغلقت الهاتف دون أن تكمل معه الحديث فكل ما فعله معها وذُلها له جعلها تبغض حتى سماع صوته، أكملت صعودها للأعلى وهي تتمتم بنفور حانق:

-خلاص مبقتش عاوزاك، بقيت بندم على كل اللي كان بينا……!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ضغط بقبضته على هاتفه يريد تحطيمه وإفراغ ما به من غضب نتيجة ما قالته له، كانت حافصة واقفة عند مقدمة الباب تتنصت بلؤم عليه وهو جالس بغرفتهما يهاتفها، اتسعت بسمتها وهي تراه عابس الوجه لتتيقن أن علاقتهما قد فُسدت، هنا ولجت عليه ثم أوصدت الباب ليأتي دورها في كسب تودده لها، انتبه مازن لها تتقدم منه فنفخ بخفوت متجهمًا، تجاهلت ذلك لتجلس بجانبه قائلة بتوسل وهي تضع يدها على كتفه:

-أنا كنت معدية بالصدفة وسمعتك بتكلمها، سيبك منها يا مازن وخليك معايا أنا، دي واحدة مهملة موتت ابنك ومن إهمالها كانت هتضيع التاني

نظر لها مازن بنظرات غير مفسّرة فتابعت بمغزى:

-ولو عاوز الولد ممكن أساعدك، أبويا مش شوية وممكن تاخده منها بسهولة

تاه في حديثها لتكمل بشيطانية:

-ممكن نسوء سمعتها وتبقى غير أمينة على تربيته

انتفض موضعه ليرفض بقطع وهو ينبه عليها:

-مش ممكن اعمل كده، وكمان مش عاوز والدك يعرف حاجة ومتقوليلوش

ارتابت في أمره كونه لم يرغب في أذيتها، لم تماطل في نفس الحديث لتبدل ملامحها للعشق قائلة وهي تدنو لتحتضنه:

-طيب بلاش، خلينا مع بعض أنا بس عاوزاك ترضى عني وتقرّب مني زي أي اتنين متجوزين

ثم وضعت رأسها على صدره تنتظر بتلهف أن يعلن موافقته، فاجأها مازن حين قال بإذعان:

-موافق نكون مع بعض

سريعًا ابتعدت عنه لتنظر لعينيه مرددة بعدم تصديق:

-صحيح يا مازن رضيت عني؟

أومأ برأسه لتنفرج شفتاها بفرحة جنونية، لشدة انتظارها لتلك اللحظة لم تبخل في إغداقه من دلالها الأنثوي حين مالت عليه راغبة في قبلة منه، طاوعها مازن ليبادلها إياها لكن عند نقطة فارقة ابتعدا مرتبكين لوجود من يدق الباب عليهما مما أدى لانزعاج حافصة، هتفت الخادمة من الخارج:

-الحاج عبد الحميد وصل تحت يا مازن بيه وعاوزك…………!!

__________________________________

جلست بداخل غرفتها على تختها تبكي بألم يفطر القلوب وهي تتخيل أن ابنتها قد فارقت الحياة بتلك الطريقة البشعة التي كانت فقط تقرأ عنها ولم تشعر بأن الموضوع بهذه الفظاعة، بعدما رفضت تناول حتى الماء جاء والدها ليرى ما بها عله يخفف عنها، تحرك نحوها ممسكا بعكازه وعينيه تشفق عليها والحزن عرف طريقه ليغطي كامل وجهه، دنا ليجلس بجانبها بحرس ثم خاطبها بإطراق مزيف:

-ليه عاملة في نفسك كده، الجماعة قبل ما يمشوا طمنوكي إنهم هيعملوا المستحيل علشان ترجع، المفروض بقى تشدي حيلك علشان لما بنتك ترجعلك تلاقيكي مستنياها

لم تكف عن البكاء لتستمر كما هي تندب حظها، تنهد والدها بضيق من عنادها قائلاً:

-متعمليش في نفسك كده قومي معاهم واعرفي هيوصلوا لأيه، هتقعدي كده مش هنستفيد حاجة

ردت ببكاء خف عن السابق:

-تفتكر يا بابا بنتي ممكن ترجعلي، الناس اللي بيخطفوا الولاد دول معندهمش رحمة ومش بيحسوا بالأهل وفرصة أرجعها ضعيفة قوي

لف ذراعه حول كتفيها ليضمها إليه قائلاً بعقلانية:

-الأهل لازم ياخدوا بالهم من ولادهم كويس، ممنوع الإهمال في أي حاجة ونرجع نندم، كنتي فين وقتها بس؟

سألها بعدم فهم فتذكرت وقت شرودها لتتركها تلعب دون مراقبة منها، عاودت لبكاءها قائلة بأسى:

-كنت سرحانة في وضعي الزفت وحياتي اللي بتتقلب وبتخرب

تألم من أجلها ليحزن عليها، رد بتأمل:

-طيب قومي يا بنتي وشيدي حيلك، ادعي ربنا يرجعهالك واشكريه دا في ناس حالتهم أسوأ منك، إحنا بس اللي طماعين

دفعتها حماسة داخلية لتشدد في البحث عن صغيرتها فمكوثها هكذا لن يجدي نفعًا، ابتعدت عنه لتقول بعزيمة:

-حاضر يا بابا هقوم!!

ابتسم من قوتها وإصرارها مرددا:

-أيوة خليكي كده، وكمان ماجد بيه ساب رقمه علشان كان عاوز يكلمك………!!

____________________________________

وصل السائق الخاص بها إلى فيلتها المقصودة فنظرت لها رسيل وهي بالداخل بقسمات متوعدة، حانقة، متبرمة ثم أخذت قرارها بالترجل لمواجهة زوجها بعد أن فكرت طويلاً في تلك الخطوة لكن ماذا عساها أن تفعل؟، تحركت رسيل لتقرع جرس الباب ثم انتظرت وأعصابها مشدودة وعقلها تدور بداخله عدة أمور متضاربة وبعضها خال لها بأن المصائب ستتوالي والتي ستطال زوجها وسمعته هو الآخر، لكن غِيرتها كامرأة عليه جعلت الغمامة على عينيها لتدرك أن ذلك الصواب…..

لعدم وجود خدم بالفيلا قررت “لما” أن تفتح بنفسها لذا نهضت من جلستها الخاملة لتجيب، لكن أثناء سيرها نحو الباب رددت بحنق:

-أكيد معاه مفتاح، بيخبط ليه ده؟!

من حديثها اتضح عدم وجود زين بالفيلا وهذا من حظها الجيد، فتحت “لما” لتتفاجأ بحضور رسيل ثم ابتسمت فقد ظنتها جاءت لتبارك لها كما العادات، لكن المفاجأة الأكبر كانت لرسيل التي اندهشت من وجودها هنا فمن المفترض أن تكون الآن مع أيهم، لذا اندفعت كعادتها الحمقاء لتزيحها عن طريقها مرددة بنزق وهي تمرق للداخل:

-فين أيهم؟، أكيد جوه معاكي، وجوزك تلاقيه مش هنا!!

لاحت صدمة هستيرية على قسمات “لما” مما تدعيه ثم حملقت فيها بإنكار، تحركت خلفها لتعيب عليها بامتعاض:

-أيه الكلام اللي بتقوليه ده يا رسيل؟، عيب عليكي

توقفت رسيل لتستدير لها قائلة بعدائية:

-مستغربة ليه من كلامي، ياما كنتي بتجري وراه وهتموتي عليه، ولا نسيتي؟!

لم تعي “لما” لم تُجدد هذا الكلام فهو منذ زمن وتحيرت بالأخص حين أرسل إليها أيهم الورود المرفقة بمكتوب منه، ردت عليها بتأنٍ لتتحدث معها بهوادة:

-إهدي يا رسيل أيهم مش هنا، وقُربي منه دا كان زمان لما كنت عيلة

لم تقتنع رسیل بذلك لتتابع “لما” بمعنى:

-أنا بقالي كام سنة في اسكندرية بس بكلم أيهم وقليل لو شوفته في مناسبة وكانت أخرها الحفلة اللي عملهالك، ليه ترجعي وتقولي كده ما أنا بقالي كتير قدامك، جاية تفضحيني لما اتجوزت وتقولي كده، كنتي جاية لزين أنا عارفة، تقصدي تنتقمي مني ولا أيه؟

نظرت لها رسيل باستشاطة لتوضح لها:

-أنا مش بتهمك من عندي، جاني جواب بيقولي فيه إنك بتجري ورا أيهم وعاوزة تاخديه مني ومش مكفيكي جوزك

تنفست بصعوبة وهي تستمع لذلك فمن سيفعل هذا معها فليس لها أي أعداء؟، هتفت لتدافع عن نفسها:

-مش صح يا رسيل، فيه حد عاوز يوقعنا في بعض، معقول تصدقي إن أيهم يخونك دا بيحبك إنتي بس

ردت لتصحح حديثها بغرور:

-أيهم مش ممكن يخوني دا مش بيشوف غيري، إنتي اللي بتجري وراه وممكن تلعبي عليه علشان تاخديه مني

ردت “لما” ببسمة متهكمة:

-كلامك معناه إنك مش واثقة في نفسك يا رسيل، وسهل لأي واحدة تاخد أيهم منك، روحي شوفي مين عاوز يخليكي تشكي فيا، أكيد حد له مصلحة

حديثها جعلها تصدق وبالأخص حين تابعت “لما” بجدية:

-أنا دلوقتي متجوزة، كان فيه سنين قبل كده علشان أعمل اللي بتقولي عليه ده، أنا بأحب زين ومش بافكر غير فيه

وقفت رسيل تحدق بها بتحير فهناك من كلامها ما هو المقنع فهي بما تفعله تقلل من نفسها وتشك بزوجها، بينما عاتبتها “لما” بقسماتها فهي تفتعل ما لا يحمد عقباه، رغم كل ذلك قالت رسيل كلمتها الأخيرة معها والتي حملت التحذير وهي تهم بالمغادرة:

-أنا همشي وهنسى كل ده، بس لو عرفت يا “لما” إنك بتحاولي تقربي من أيهم وعاوزة تاخديه مني زي زمان مش هيحصلك كويس أبدًا، ووقتها هقلبها علی الکل وهاسکت بس علشان جوزي

ثم أغذت رسيل في السير نحو الخارج بعصبية فتوجست “لما” بشدة ليشغلها الموضوع، لم تجد من يقف بجانبها سوى زينة لذا توجهت للأعلى لتشرح لها فهي قريبة رسيل وبالطبع ستجعلها تتراجع عن فكراها المستقبح هذا الذي سیسبب لها المشاکل بالإضافة لما هي علیه…….

أثناء خروج رسيل من باب الفيلا شهقت بفزع حين وجدت زين واقف أمامها ولم تعرف من هيئته المبهمة هل استمع لما دار بينهما من حوار أم لا؟، ارتبكت رسيل ثم ابتلعت ريقها لتجد صعوبة في التحدث معه، أخذت قرارها بالرحيل ومتابعة طريقها دون التفوه بكلمة معه بعكس ما جاءت من أجله، ظل زين موضعه حينما اخترقت جملة رسيل الأخيرة معها آذانه، حيث جاء حين انتهى الحوار بينهما، ببطء تحرك ليلج وهو محطم فهذا يعني صدق ما ظنه بها، ردد ببؤس:

-البنت الوحيدة اللي حبيتها يطلع منها كل ده

وجد أنها لا تستحق شخص مثله لم يفعل الخطأ يوما وتبدل للغضب وقد انتوى إنهاء تلك العلاقة الغير موفقة من الأساس لكن بطريقته حتى يشفي غليله منها ثم صعد للأعلى لتنفيذه وقد أضحى عدوانيًا……!!

____________________________________

بعد تناول العشاء جلست على الأرضية مع عُمر الصغير تلعب معه بأشيائه الخاصة وتتلاطف في حديثها مع أخته رحمة التي توددت إلى زينة منذ اللحظة الأولى، جلس آيان مع والديه وهما يتناولا القهوة في الصالون منتصف الردهة ولم يقصي نظراته التواقة من عليها وهي جالسة أمامه مع إخوته ثم ذاب وهو يتأمل رقتها في التعامل، ناهيك عن شعورها بالألفة بينهم لتأخذ راحتها حتى في لبسها حين تركت شعرها دون حجاب وترتدي ثياب منزلية لائقة، لم يتخيل أن تكون معه الآن وعلاقته معها كما تمنى، همس له زين في أذنه عندما لاحظ ذلك:

-مبروك، شايف علاقتكم أتحسنت

وجه آيان بصره نحوه هامسًا براحة:

-الحمد لله، أصل بحبها قوي يا بابا ومينفعش تسيبني

ابتسم له زين وبداخله فرح لرؤيته سعيد، كانت تستمع نور لحديثهما وهي واجمة فقط ترتشف قهوتها لتتمنى له الخير أيضًا فما يسُر قلبها وجود راحة أبنائها، انتبهت لابنتها رحمة تهتف بمعنى مخاطبة والدها:

-بابي حضرتك وعدتني بعد السنة دي هتخليني أسافر، ولا حضرتك رجعت في كلامك، زينة بتقول هي وآيان هيسافروا

ضحك الجميع عليها فرد زين مؤكدًا:

-زين ومراته يسافروا براحتهم والمكان اللي يشوفوه، إنما هاخدك إنتي وعُمر ومامي الحلوة للمكان اللي يعجبك، بس تنجحي الأول وتشرفيني

صفقت بكفيها مادحة والدها بشغف:

-الله عليك يا بابي، وأنا مستنية، والنجاح مضمون علشان زينة وعدتني هتذاكرلي، نفسي أبقى زيها بجد جميلة

ابتسمت زينة بخجل وامتنت لها، لكن تأففت نور ولم تظهر ضيقها، بينما تردد آيان في مخاطبة أخته بشيء ربما لم تتقبله لكنه أعتزم التحدث معها بشأنه، ظهر ما يضمره حين قال بحذر:

-فعلاً نفسي تكوني زي زينة في كل حاجة، أكتر حاجة باحبها فيها إنها ملتزمة حتى في لبسها

لمّح آيان للحجاب بصورة غير مباشرة لم تعيها رحمة وحديثه فرحت به زينة لتبتسم له بحب، لكن انزعجت نور ونظرت له بعدم رضى فمن المفترض أن يتمناها مثل أمه التي يحبها، تأمل زين نور التي تضايقت، نظرت له نور هي الأخرى لتشكو له ما يفعله آيان فابتسم لها كي لا تحزن، نُطق ابنها الصغير لتلك الجملة جعلها تشعر بالغِيرة منها حين قال:

-أنا كمان حبيت زينة وعاوزها معايا على طول……..!!

____________________________________

ملأ الشك قلبها ناحيته حين ولجت عليه مكتبه ووجدته يهاتف أحدهم ثم أغلق الهاتف حين رآها، تحركت جيسي نحوه ولاحظت ارتباكه ولم ترتاح لذلك، سألها عمرو بتوتر:

-خير يا جاسمين عاوزة حاجة؟

أسندت كفيها على مقدمة مكتبه لتسأله بظلمة:

-كنت بتكلم مين؟

رد بتوتر وهو يُشغل نفسه بالأوراق أمامه:

-شغل ملكيش فيه!!

هتفت بحنق:

-مكنش شغل، إنت كنت بتكلم واحدة

نظر لها بضيق وهو يوبخها بنفاذ صبر:

-واحدة أيه اللي بتتكلمي عنها مش ناوية تخلصينا من الموضوع ده، من إمتى وأنا بأحب الستات علشان اتكلم معاهم، دا أنا مستحملك بالعافية

شهقت لتتألم من غلاظته معها، تجمعت العبرات في عينيها وهي تعاتبه:

-أنا عارفة إنك مش بتحبني، علشان كده بشك فيك، مکنش العشم واللي کان بینا

حدق بها عمرو دون كلام فقد ضاق من شكها هذا فبينهم أطفال ولم يفعلها سابقًا لكن عقل المرأة صغير، بعد فترة صمت وهو يراها حزينة قال بابهام:

-أنا ممكن أمحيلك الشك ده يا جاسمين علشان ارتاح

نظرت له لتسأله بجهل واضح:

-وهتعمل أيه؟

-هتجوز وأخلص من كل ده

رد عليها بنظرات تشفي جعلتها تنصدم، هتفت بتوعد:

-هتطربق الدنيا لو عملتها، أنا مجنونة وممكن ارتكب جريمة، فكر بس تعملها، فاكرني هابقى زي خلود وهسكت

نهض فجأة لتتوجس ظانة إياه بأنه سيعنفها، خالف توقعاتها حين قال بعناد:

-طيب يا جيسي هتجوز ووريني هتعملي أيه، سلام

ثم تحرك ليغادر فأسرعت بضمه من الخلف مرددة باستجداء:

-مش هتعملها إنت بس بتخوفني علشان أبطل أغِير عليك

فك ذراعيها من حوله ليستدير لها قائلاً بمكر أفزعها:

-لا جيسي مش بخوفك، فعلاً كنت بكلم واحدة عجباني وبكرة مسافر علشان اتجوزها………….!!

____________________________________

قبل أن تشرع في مهاتفة زينة كان قد دخل الغرفة عليها لترتبك من حضوره، نظرت له بقلق فهدوئه هذا يزعزع أوصالها، دنا منها بخطوات جعلتها تخشاه لا تعرف لماذا؟، حين توجه ناحيتها سألها بقتامة:

-مش اللي كانت هنا دي مرات أيهم اللي بعتلك الورد

ارتعدت “لما” من رؤيته لها قبل مغادرتها وتعثرت في الرد عليه، وقف زين أمامها وعينيه الغير مفسرة نظراتها عليها، تابع بتهكم:

-أنا سمعت يا “لما” قالتلك أيه، كانت عاوزاكي تبعدي عن جوزها لتضحكي عليه زي ما بتعملي مع الكل

تلعثمت في إخراج كلماتها وهي تنفي:

-الموضوع مش زي ما إنت فاهم، زين أنا مش ممكن أعمل كده أنا……

ثم صرخت برعب حين هوى على وجهها الرقيق بصفعة جعلتها تدور برأسها لبعض الوقت، نظرت له بصدمة ليوليها بالثانية وهو يردد بغضب:

-هي مقالتش جديد لأن كل دا عارفة من الأول عنك!!

سألت الدماء من فمها ولم تشعر بالألم كون صدمتها أشد فيما تمر به، ردت بتقطع:

-مش.. صحيح، ليه بتقولوا عني كده؟

سحبها من شعرها بعنف فبكت بحسرة وهي تذعن لكل ذلك، جعلها تنظر له ثم قال باحتقار:

-طالما إنتي رخيصة كده ليه أخليكي تشيلي اسم واحد زيي متستاهليهوش، أخرك ليلة مع أي واحد

تناست أنها تحت سيطرته وقبضته تتملكها لتصبح خاضعة له ثم هدرت فيه بغضب:

-إخرس قطع لسانك، أنا أشرف منك ومن عيلتك كلها!!

بظهر يده المتحررة من امساكها صفعها بقوة لتنثال الدماء من أنفها، انهمرت عبراتها ثم قالت بكره:

-وليه اتجوزت واحدة زيي، طلقني ومش عاوزة أشوفك تاني

لم يعقب على كلمتها التي حذرها قبل مرة بعدم التفوه بها، رد بوقاحة:

-هطلقك متقلقيش، بس مش قبل ما أمتع نفسي بجمالك شوية، وبالمرة يبقى بالحلال!!

جف حلقها وهي تخمن ماذا يريد منها؟، صدق حدسها حين شرع في فك أزرار فستانها من الأمام فاقشعر جسدها، خاطبته باستنكار وهي تمنع نفسها عنه:

-زين مش معقول، إنت طلبت تتجوزني علشان قولت بتحبني صحيح

بدت من نبرتها تتوسل له ألا يفعل ذلك معها، لكنه بالفعل أراد ذلك، ربما ليشبع تمنيه الذي نبت نتيجة حبه لها، غلبه ذلك الشوق ليستسلم لإرادته قائلاً من وراء قلبه:

-إشمعنا انا، أنا خلاص عاوزك ولا حرام على جوزك وحلال على الباقي

ثم بقساوة نزع مقدمة الفستان فهتفت بجزع معارضة ظنه السيئ فيها:

-إنت مش وحش يا زين علشان تفكر فيا بالشكل ده، مستحيل أخليك تلمسني بالطريقة دي، هكره نفسي لو عملتها

كأنه أصبح أصما في تلك اللحظة لينحني عليها طابعا عدة قبلات متفرقة على وجهها جعلتها تدرك أن لا مفر لها اليوم، وضع لمساته عليها وسط رفضها وتذمرها لكن هيهات فقد تملك منها وقد باتت ضعيفة ليكمل ما بدأه ليرضي شهوته حين دفعها على التخت من خلفها مرددا برغبة جلیة وهو يعتليها:

-اكرهيني بس أنا عاوزك……..!!

____________________________________

-أنا عاوزة امشي من هنا حالاً

رددت رسيل تلك العبارة على مسامع أيهم بمجرد عودته للفيلا، احتج قائلاً:

-رسيل عندي شغل وقولت يومين ويخلص

هتفت بتصميم حانق:

-قولت يلا نرجع يا أيهم، مش طايقة اقعد هنا ولو قولتلي ارجعي لواحدك وهابقى أحصّلك هترجع مش هتلاقيني

اندهش أيهم من إصرارها ليسألها بعدم فهم:

-ليه كل ده، فيه حد ضايقك هنا؟

هتفت بعصبية وقد تعالت أنفاسها:

-كنت فين يا أيهم؟، بس متقوليش مع زين بيه علشان مش صحيح

هنا تيقن سبب تأزقها ليرد بهدوء مصطنع:

-مكنتش معاه، أنا بس كنت جايبلك هدية كلمت واحد جواهرجي معروف هنا يعملهالك على ذوقي

ثم أخرجها من جيب سترته الداخلي فنظرت رسيل ليده وهي تظهر ممسكة بعلبة من القطيفة الأنيقة، لامت نفسها على تسرعها ثم فتحها أيهم ليظهر منها خاتم راق ألماس ذي فص براق أعلاه من الدر، أمسك به ليجعلها ترتديه وهو يردد بتودد:

-دا ليكي يا حبيبتي، أنا مين هيشغل بالي أكتر منك

ابتسمت بشدة وهي تراه يزين اصبعها الأوسط، نظرت له رسيل لتسارع في احتضانه قائلة بتتيم:

-عارفة إنك بتحبني وواثقة فيك، بس خايفة حد ياخدك مني بأي شكل، حبني على طول يا أيهم

حاوط خصرها بذراعيه ليكتنفها كلها في أحضانه مرددًا بعشق:

-خبيت عليكي علشان أفاجئك يا عُمري، علشان تتأكدي من حبي، حسيتك خايفة فعملت كده

رغم حبه هذا إلا أنها ما زالت تبغض المكوث هنا أكثر، تريد الابتعاد عن ما يرهبها، قالت بنفس تصميمها:

-عاوزة ارجع معاك القاهرة دلوقتي، بجد عاوزة أمشي من هنا، لو بتحبني بجد وافق

لم يجد أيهم حل سوى أن يرضخ لرغبتها فهو يعرفها جيدًا، ربما رفضه سيجعل المشاكل تتفشى بينهما، قال بموافقة رغمًا عنه:

-طيب يا رسيل زي ما تحبي، الصبح بدري هنرجع القاهرة………!!

____________________________________

ألقت المجلة أمامها على المنضدة مكفهرة من يومها الفارغ، نهضت لين من مقعدها بداخل شرفة غرفتها لتستند على الحاجز الحديدي ثم نظرت أمامها بضياع قائلة:

-هفضل ساكتة مش باعمل حاجة لحد إمتى بس، طول عمري خايبة مش باعرف اتصرف، الزفتة دي خدت مني آيان ومعرفتش اعملها حاجة تسود عيشتها معاه وكله بينقلب عليا

تنهدت بغيظ لتكمل بحقد:

-والتانية مع أخويا تلاقيها عايشة ومبسوطة وهي عايزة الحرق، لازم زين يعرف بعلاقتها بأيهم ده علشان يكرهها، بس إزاي أعمل كده أنا مخي مقفل ومش لاقية اللي يساعدني

تذكرت نور فعاتبتها بامتعاض:

-نور اتخلت عني ومكنش فيه غيرها، هي بتحبه معقول تسيبه يضيع منها كده، أنا مش مصدقة إن الواحدة تستسلم بسهولة كده، دا هي اللي كانت بتعرفني أعمل أيه

بالفعل تحيرت لين في أمرها، فهي مثلها ولم يخلو فكرها من الانتقام، لم تتشجع لين في إيجاد الطرق المناسبة وهي بمفردها فكمية دهائها محدودة، نفخت بيأس وهي تكمل:

-أعمل أيه بس، أسيب زين كده من غير ما يعرف، لازم أقوله بنفسي دا برضوه أخويا وحاجة سمعتها مش هاخترعها

أخذت لين القرار المناسب لترضي ما بداخلها ثم قالت بتشفٍ:

-ومنها أبقى انتقمت، وعقبال آيان ما يسيب التانية لما يعرف حقيقة الزفتة “لما”……………………….!!

___________________________

____________________

_____________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق