رواية مغرم بك – الفصل السابع والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصـل السابع والعشــرون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غلبها فضولها في معرفة ما الذي يقوله فقد أهذر في كلامه وهو يتهمها علنًا، نهضت “لما” لتتوجه نحوه وترى بنفسها وبداخلها حنق شديد، حين اقتربت منه سحبت الورقة من يده لتقرأ ما دون فيها، دُهشت من عبارات الشعر فيها وذُهلت أكثر حين لمحت التوقيع أسفله، رددت في نفسها باستنكار:
-مش معقول، أيهم!!
حدجها زين بنظرات قاتلة وهو ينتظر أن توضح له وتخمد هياجه فذلك يأجج من ظنونه نحوها، نظرت له “لما” بارتباك ولسانٍ فشل في التحدث فما زالت تحت تأثير الصدمة، حين صرخ بها انتفضت لتحاول الرد عليه:
-يلا فهميني أيه ده؟
ردت بتلعثمٍ شديد:
-د. دا أيهم ابن خالي.. تلاقيه.. بيباركلي
تذكره زين فهو على معرفة سابقة به، لكنه لم يتخلى عنه شكوكه نحوها فهتف بنبرة متهكمة:
-وابن خالك هيقولك الكلام ده وعارف إنك متجوزة؟!!
ابتلعت ريقها في توتر وهي تعلل:
-دا ابن خالي وبيعتبرني أخته الصغيرة، وهو متجوز على فكرة وعنده ولاد ومراته بنت عم زينة، ما إنت عارفه وأكيد تعرف هو مين، معقول هتتهمني إن بيني وبينه حاجة!
كلحت تعابيره يريد أن يفرغ غضبه بصفعها وحتى بتكسير عظامها فلم يشعر أحد بما في داخله، لمحت “لما” انزعاجه فدنت أكثر منه قائلة بحب:
-زين أنا حبيتك قوي، اوعى تشك فيا
ثم لفت ذراعيها حوله ورأسها بات على صدره لتجعله يُغيّر من معاملته التي فشلت في معرفة سببها، تعالت صوت أنفاسه وخفق قلبه يريد ضمها لكنه لن يقبل أن يكون لعبة في يدها، أبعدها عنه بقسوة قائلاً:
-قولتلك مش بتاع جواز، ويا ريت متقربيش مني تاني
نظرت له بعدم تصديق وحزن، صدمها حين أكمل باحتقار:
-ولازم تعرفي إن مافيش حاجة ممكن تأثر فيا، وإني مش زي اللي قبلي وحاولتي معاهم
هتفت باحتجاج:
-زين قصدك أيه بكلامك ده؟، إنت تعرف عني أيه علشان تقولي كده؟!!
لحفظ الباقي من كرامته لم يرد عليها واحتفظ بذلك لنفسه فحتى زواجه منها وهو يعلم بشخصها سيقلل منه بالتأكيد، تحرك ليتركها واقفة بمفردها غير مستوعبة اتهاماته، إلتفتت لتتعقبه بنظراتها المشدوهة حتى صعد للأعلى، تحيرت في سبب بغضه لها قائلة:
-لازم أفهم ليه بيقول عني كده، وليه إتجوزني طالما مش طايقني ومش عاوزني………!!
____________________________________
فتح المياة لتنهمر على رأسه وجسده معتزمًا الإغتسال، وضع آيان شيء يحمي جرحه الذي لم يشفى بالكامل حتى لا تطوله المياه ثم مسح على رأسه ليزيح بعض منها، ابتسم عفويًا وهو يعاود استرجاع كيف اقترب منها وكيف كانت مقابلته الأولى لها، تنهد بعُمق وأنفاسه هادئة فقد حظي بها بعد معاناة منه، وما أسعده عدم رفضها له، حمد الله في نفسه فما أحبها صارت ملکه، خاطب نفسه بعزيمة:
-مش ممكن اخليها تزعل مني تاني، لازم أعيش معاها سعيد طول العُمر ومتسبنيش
ثم أغلق المياة لتتوقف فقد اكتفى بهذا القدر حتى لا يتأثر حرجه، سحب المنشفة المعلقة على يمينه ليلفها حول خصره بحذر بعدما أقصى الحامي، تحرك قليلاً ليسحب أخرى ويجفف شعره بها، نفخ بقوة ليتهيأ للخروج ومعاودة رؤيتها مجددًا ويعلو ثغره بسمة عابثة……
دثرت نفسها بالغطاء جيدًا فهي ما زالت غير واعية كيف حدث ذلك بينهما، لم تجحف زينة بأن الموضوع ليس بتلك الرهبة التي استشعرت بها، كذلك وجود ما بداخلها من راحة وهدوء عن السابق فهذا يعني استقرار وضعهما؛ وقبولها لتلك الحياة ستجعل الجميع يحبها، وبالأخص والدته نور، حدقت زينة بباب المرحاض مترقبة خروجه لكنه لم يفعل وظنت أنه يغتسل وهذا يعني مكوثه لبعض الوقت، ازاحت الغطاء عنها لتقرر ارتداء ما يستر جسدها فهي ما زالت بثوب نومها لتتحاشى أن يقترب منها ثانيةً فهي محرجة خجلة إلى الآن….
حين نهضت متجهة بخطوات سريعة لخزانة ملابسها دلف من المرحاض لتشهق بتزعزع وارتبكت لتقف محلها، سلط آيان نظراته المظلمة عليها ثم شرع في التحرك نحوها ومع كل خطوة يتسعر ارتباكها، حاولت زينة ألا تنظر إليه لكنه لفت نظرها ناحيته وهو يرتدي المنشفة فبدا عليها استحياء سافر، حين اقتربت المسافة تراجعت متوترة، قال باندهاش:
-لسه هنبعد ولا أيه!!
لم تعقب عليه فاقترب منها سريعًا ليحاوطها فاقشعر بدنها ويديها وضعت عليه تلقائيًا، ردد بوقاحة:
-رايحة فين ما خلاص كنا من شوية مع بعض؟!
ردت بأنفاس متذبذبة نافية فهمه:
-أنا كنت عاوزة أغيًر هدومي بس
ابتسم من خجلها ليضمها إليه بقوة قائلاً:
-متخافيش مني أنا باحبك، سامحيني يا زينة أنا آسف
لثوانٍ اغمضت عينيها محاولة السيطرة على حدة رهبتها، ردت بشيء من الهدوء:
-خلاص متفكرنيش
ابتعد عنها لينظر لعينيها فعاد ارتباكها، قال بنبرة موحية جعلت أعصابها مشدودة:
-لسه ما شبعتش منك………..!!
___________________________________
وصلت لفيلا أخيها ولكنها لم تجده لوجوده بالأسكندية، قابلتها ملك بترحاب شديد ومعانقات حارة، لمعرفة ملك السابقة بوضعها لم تتعمق خلود كثيرًا في سرد شيء، لكن ما قالته هو هروبها بابنها والذي حملته عنها ثم داعبته بمسرة، خاطبتها بتنبيه شديد وهي تؤشر باصبعها:
-هتقعدي هنا واوعي ماجد يعرف حاجة، قوليله إنك جاية تزورينا وبلاش تعرفيه
اعترضت خلود على ذلك لعدم وجود ما يقنعها قائلة:
-دا لازم يعرف، اومال مين اللي هيجبلي حقي منه، دا اتجوز عليا وكان عاوز يحرمني ما ابني، لو مش سيرين كان زماني مش شيفاه
هتفت بتريث:
-استني شوية نعرف هيعمل أيه، مش عاوزين ندخل معاه في مشاكل، هو نفسه هيخاف يقف قصاد ماجد وهيسيبلك الولد، مش اتجوز خلاص، خليها بقى تجيبله الولد
تجمعت الدموع في عين خلود من إفساد حياتها، قالت بتحسر:
-حد كان يصدق كل اللي بيحصلي، مازن يطلقني ويتجوز عليا، كنا بنحب بعض قوي، أنا لحد دلوقتي باحبه، معقول نسى كل اللي بينا
ثم دخلت في نوبة بكاء جعلت ملك تشفق عليها قائلة وهي تربت على ظهرها:
-متزعليش نفسك يا خلود، هو هيفوق من اللي هو فيه ده قريب إنه ظلمك، وإنك ملكيش ذنب في موت ابنكم، ولا حتى كسر التاني، إنتي أمه ومستحيل تعملي كده!!
نظرت لها خلود قائلة برضى:
-حياتي باظت خلاص، بس الحمد لله إن ابني معايا، مستحيل أسمح ياخده مني
ردت ملك باعجاب:
-أيوة خليكي مع ابنك لحد ما يخف ويشد حيله، بلاش ماجد يعرف بأي حاجة غير لما يبدأ مازن الأول ونشوف عاوز أيه، بعد كده ماجد يتصرف معاه
رغم أن حديثها لم يجعلها تقتنع أو حتى ترتاح داخليًا تماشت خلود مع رغبة ملك كونها تعرف عنها، قالت بامتثال:
-خلاص اللي تشوفيه، مش هاقول لماجد حاجة………!!
___________________________________
حين علمت بمجيئه بنفسه إليها هرعت من غرفتها لتهبط الدرج بسرعة كبيرة تكاد تكون ملهوفة في قوله ما يريح قلبها أو یعطیها ابنتها لکن هذا لن یحدث وتعلم ذلك، سارت سالي للصالون في منتصف بهو الفيلا فنهض ماجد لاستقبالها بحرج، لمحت بجواره قريبه الشرطي فرمقتهما باستهجان، رددت سالي بفظاظة:
-فين بنتي يا حرامي، ولا جايب المرتشي دا كمان علشان يدافع عنك ويخبي عليك جريمتك
انزعج معتز من قلة ذوقها ولكنه لم يرد عليها بالإضافة لوالدها، بعكسهما ماجد الذي تفهم حالتها وظهر ذلك في رده الهادئ:
-اتفضلي يا مدام اقعدي علشان نفهم حضرتك الموضوع لأنه مش زي ما إنتي فاهمة!!
رددت بنزق:
-جاي تساومني تاني على بنتي، عاوز تفهمني إنك مش خاطفها عاوز تشتريها، أما صحيح معندكش دم
هنا تدخل السيد رؤوف مخاطبًا إياها بحزم:
-سالي اقعدي واسمعي سيادة المقدم هيقولك أيه، بنتك مخطوفة بجد من عصابة ولازم تفهمي كده
انفزعت سالي ودب الرعب في قلبها، ارتمت على المقعد لشعورها بدوار نتيجة صدمتها، جلس ماجد هو الآخر شاعرًا بما تمر به، قال بمفهوم:
-كاميرات المراقبة في ملاهي الأطفال بينت إن فيه شخص خطف البنت ومش أول مرة ليه، دا معروف بالخطف
نظرت له سالي وعينيها تشرع بالبكاء لتفطن من ذلك أن ابنتها لن تراها بعد الآن، تابع معتز حديث ماجد قائلاً:
-بس لحظ حضرتك إن المكان كان أول مرة يدخله وقرر يخطف فيه، له جرايم كتير في السجلات عندنا، وبيشتغل مع ناس أ…..
لكزه ماجد كي يصمت فذلك سيازم وضع سالي التي حملقت فيه مترقبة تكملته التي تخوفت منها قبل نطقها، رأف والدها بوضعها فقد تألم حين علم بذلك، حين توقف معتز عن الحديث حدثته بحدة:
-كمل بيشتغل مع مين؟
نظر معتز لماجد فلامه الأخير بنظراته، اضطر معتز للتكملة قائلاً:
-للأسف بيشتغل مع تجار أعضاء بشرية
تجمدت قسمات سالي وامتقعت، تيقنت في تلك اللحظة بأن العواقب تتوالى عليها ولم يُرد الله لها الخير، هل ستتحمل أم ماذا؟، استسلمت لحالة فقدان الوعي موضعها حين اغمضت عينيها وتوقف جسدها عن الحركة، فورًا نهض الجميع ليتفحصوها فهتف ماجد بقلق وهو يضرب خدها:
-مدام سالي……….!!
__________________________________
نهضت من مكانها بالصالون العلوي ممتعضة حين وصلها مظروف صغير مكتوب بداخله بأن زوجها على علاقة آثمة بابنة عمته، لم تصدقها رسيل لمعرفة أن أيهم يحبها، فركتها بقبضتها منتوية لتلك السمجة قائلة:
-هي أكيد اللي بتبعتلي الكلام ده، عاوزاني أشك في أيهم قليلة الأدب اللي مش مكفيها إنها اتجوزت واحد خسارة فيها
ثم صمتت رسيل لتتابع بتوعد مدروس:
-لازم جوزها يعرف إنها خاينة ومش كويسة، ومش لازم أسيبها تاخد جوزي مني وتضحك عليه
جذم حديثها مع نفسها تقدم أيهم منها مرتديًا حلته، نظرت له رسيل بتوتر ثم أخفت المظروف في جيب منامتها، حدثته بتعجب:
-رايح فين كده، مش قولت هنرجع القاهرة بليل ولا غيرت رأيك؟
تنحنح أيهم ليرد بمعنى وهو يقف أمامها:
-رسيل مش هنسافر النهاردة، خليها بعد بكره علشان فيه شغل هنا لازم أخلصه
هتفت بعبوس محتجة:
-والشغل دا ظهر فجأة، وبعدين ليك أيه هنا علشان نفضل، شغلك في القاهرة، ولا فيه حاجة مخبيها عني؟
توتر أيهم قليلاً مما جعلها تشك في أمره، رد باحتراز:
-دا شغل كلمني فيه زين بيه، قولت ليه لأ أما اعمل معاه حاجات استفيد منها
هناك ما جعل رسيل تخشى كذبه عليها فوصول المظروف إليها جعلها بالفعل تتوجس من نجاح تلك الغليظة في كسبه إليها، شهقت في نفسها رافضة ذلك لتتشبث بسترته قائلة بترجٍ محبب:
-خليك معايا أنا عاوزاك، مش بتقولي الشغل مش أهم مني
ابتسم أيهم ليقبل جبهتها قائلاً:
-إنتي أهم طبعًا، بس كفاية دلع خليني أروح أشوفه علشان أخلص بقى
تجهمت رسيل لتهتف بتبرم:
-يعني هتمشي وتسيبني
ثم طوقت عنقه لتستجديه بدلالٍ مزيف:
-بقولك عاوزاك
رد أيهم باعتراض وهو يفك ذراعيها التي تلتف حول عنقه:
-زين بيه مستنيني، معقول هسيبه علشان اقعد جنبك، رسيل لما ارجع بجد عندي شغل
نظرت له بتضايق فطبع قبلة سريعة على ثغرها، ليجعلها تفك تلك التكشيرة تابع بغزل:
-مش هتأخر عليكي، بس عاوزك تبهريني لما ارجع
زيفت رسيل ابتسامة خفيفة فداعب ذقنها ليتحرك مغادرًا، نظرت له رسيل ولم ينضوي عليها أنه ذاهبًا للآخر، قالت بتحير:
-اعرف إزاي إنه مش بيكدب عليا ومش هيروح يقابل البنت دي……….!!
___________________________________
طرقت باب غرفته مستأذنة للدخول، لم يُجيب عليها فهو يعرف أنها هي لعدم وجود سواهما بالفيلا، تجاهله لها جعل “لما” تلج عليه مستاءة من معاملته، انزعجت من جلوسه البارد على المقعد الهزاز غير مهتم بأحد لكن هذا الظاهر لها فداخلیًا یعاني، حيث جلس زين عليه وارجع رأسه للخلف وهو مغمض العينين تقتله غیِرته وغیظه منها، تحركت نحوه ثم هتفت أمامه بنبرة متشنجة:
-زين عاوزة اتكلم معاك
لم يتأثر حتى ليظل كما هو، زاد تبرمها وهي تعاود التحدث معه بضيق:
-زين رد عليا، ليه بتعاملني كده، اتجوزتني ليه لما إنت مش عاوزني، عملتلك أيه علشان تعمل معايا كل ده؟!
تعالت أنفاسه المضطربة ولمعت عيناها ببكاء وشيك، فتح زين عينيه لتقع على هيئتها المزعوجة، رد بهدوء مستفز:
-هو أنا غصبتك، كله برضاكي، زي عادتك لما تشوفي واحد تجري وراه
لم تعي ما يقوله للحظات وهي تنظر له بعدم فهم، تذكرت آيان فهو من كانت تربطها به علاقة، في تلك النقطة اتضحت الأمور أمامها لتقول بعفوية:
-إنت كنت متضايق لما كنت أنا وآيان مع بعض؟
رمقها بنظرة غاضبة تؤكد بأن ذلك السبب، تابعت بتوضيح:
-صحيح أنا وآيان كنا أصحاب قوي، علشان أول حد اتعرفت عليه هنا في اسكندرية واتعلقت بيه و…
-إخرسي
صرخ بها وهو يقف فتوقفت عن الحديث مجبرة، دنا منها هاتفًا بقساوة:
-علشان واحدة رخيصة، لما عرفتي إنه بيحب زينة وافقتي تتجوزيني، علشان تحفظي شكلك بس، إنما هتقوليلي باحبك فإنتي كدابة
انقشعت الحقيقة الآن أمامها لتدرك السبب، سألته بحنق:
-طالما عارف إني وحشة قوي كده اتجوزتني ليه، يلا طلقني أنا كمان مش طايقة أعيش معاك
رد عليها بصفعة جعلتها تنصدم، ليس ذلك فقط فقبض على شعرها بقوة وهو يحد إليها النظر، هتف بتحذير:
-مش عاوز اسمعها تاني
نظرت له وعينيها تذرف الدموع بغزارة، خاطبته بابتئاس:
-بتضربني، اللي حبيته هو اللي بيمد إيده عليا، أنا أموت أحسن من كل ده
ظل غليظًا معها فابتسمت بألم لعدم اكتراثه بها، تابعت بكمد:
-أصلاً معنديش حاجة أزعل عليها، طول عُمري مع أهل سيبيني لوحدي وبيتخانقوا بس عليا، لكن هما انانين ومش بيفكروا غير في نفسهم، بابا اتجوز وماما اتجوزت لما شافت اللي يعجبها، مكنش عندي اعتراض أشوفها مبسوطة، بس ليه مفكروش فيا زي ما عملت، وجاي إنت تحاسبني وإنت مالك، عرفت إني مع غيرك ليه تتجوزني!!
لم يتجرأ على البوح بغرامه المضطرم بداخله واكتفى بالصمت ليتأثر بحديثها، جعلته “لما” يفك قبضته حين أبعدت يده عنها، استطردت بجهل:
-اللي عاوزة أعرفه لحد إمتى هنفضل كده؟، طبعًا حياتنا مع بعض مستحيلة بعد اللي بتقوله عليا، وكمان اتهامك ليا اللي مش صحيح بإني على علاقة بأيهم!!
لوجود العشق بداخله لن يوافق أن يستغني عنها فكل ذرةٍ به تريدها، لعدم تيقنه بأنها تحبه أو العدم أصبح جافًا معها، رد بنفس بروده المثير للحنق:
-قولت لما يجيلي مزاج………!!
___________________________________
أغلقت باب السيارة بعد أن ترجلت منها، حيث قصدت لين النادي لتقضي فيه يوم عطلتها، ارتدت نظارتها الشمسية ثم تعمقت للداخل، أثناء سيرها جاءت نور على ذهنها فقررت الإطمئنان عليها ومعرفة ما إذا كانت ستعاونها أو من العدم فهي ما زالت مزعوجة من خداع تلك الفتاتين لها، أخرجت هاتفها ثم باشرت بالإتصال، وجدته مغلقًا فمطت شفتيها مستغربة، هاتفت والدتها السيدة سلمى لتسألها عنها وهي تلج لمبنى الألعاب الرياضية، جاء صوت الأخيرة فرحبت بها ثم سألتها باهتمام:
-هي نور فين وليه تليفونها مقفول؟!
ردت سلمى شارحة:
-أصلها كانت متضايقة شوية وعرفت منها إن فيه رحلة استجمامية للجامعة بتاعتها لمرسى مطروح فقولت تخرج وكده، مع إن شرم أحلى، وللأسف نسيت تليفونها بس هي قالت لما كلمتني في الطريق هتطمني عليها بتليفون واحدة زميلتها!!
تضايقت لين من نور لعدم إخبارها فهذا يعني تخليها عنها ثم وقفت مكانها تلومها في سرها، قالت خاتمة الحديث مع سلمى بلطافة مصطنعة:
-طيب يا طنط متشكرة، لما تكلمك قوليلها تتصل بيا
ثم أنهت لين الحديث لتردد بعدها باكفهرار:
-اتخليتي عني يا نور، وأنا اللي باعمل كده علشاني و علشانك
ثم تنهدت بضيق لتنتبه لمن ينادي عليها وهي بين الأجهزة الرياضية، إلتفتت حيث الصوت فكان إياد يخاطبها بمرح:
-أيه يا بنتي بقالي كتير بناديلك
ابتسمت لين له ثم توجهت نحوه، ردت بتردد:
-معلش كنت بتكلم في التليفون، عامل أيه؟
صافحها بألفة وهو يرد:
-أنا كويس، قولت آجي ألعب شوية رياضية طالما لوحدي، زين عامل أيه؟
تأففت لين بخفوت ثم جاوبت بلا مبالاة:
-معرفش، قولي هتسافر تاني لأهلك ولا هتقعد؟
رد بعزيمة:
-أنا قولت لبابي إني هافضل هنا، فمامي قالت يمكن ينزلوا كلهم علشان اسكندرية وحشتها
هتف لين بتهليل:
-واو، طنط ميرا هترجع دا أنا مشوفتهاش من سنين، دي كانت حلوة قوي
-ولسه حلوة!!
رد إياد غامزًا فضحكت لين، قالت بتشوق:
-وكمان جنى عاوزة أعرف أخبارها، دي كانت وهي صغيرة بتغِير على زين من نور
ضحك إياد بشدة ثم قال بثقة:
-جنى دلوقتي ممكن تقولي أجمل بنت هتشوفيها…….!!
___________________________________
اعتدل الطبيب بعد أن قام بفحصه ثم ابتسم ببشاشة قائلاً:
-الحمد لله فاضل بيه صحته كل مدى ما بتتحسن
اتسعت بسمة زين وكذلك نور التي هتفت بانشراح:
-الحمد لله، كان قلبي حاسس علشان بنفسي باهتم بيه
نظر لها فاضل مبتسمًا بود لتصافح محبته أصالتها فهي ظلت كظله فترة مرضه، حدثها بامتنان:
-ربنا ما يحرمني منك يا نور، على طول جنبي وأنا كويس باهتمامك بيا
انحنت نور عليها لتقبل يده باكتهاء وتودد قائلة:
-ربنا يطولنا في عمرك، كفاية اللي عملته معايا من حتى وبابا عايش
تأملهما زين بمحبة ليدرك أنك ستحصد الخير إذا زرعته بجهدك من لطفك مع من حولك، كما هما الآن!!، استأذن الطبيب بالرحيل ليركهم وما هي سوى لحظات وولجت الخادمة تقول لنور خافضة رأسها:
-تليفون حضرتك يا فندم رن أكتر من مرة
إلتفتت لها نور لتأخذ منه لتعرف من ثم غادرت الخادمة، عاود الرن مجددًا فاستأذنت لتدلف لشرفة الغرفة لتتحدث دون إزعاج، جاوبت وبداخلها استغراب شديد:
-أهلاً مدام رسيل، أول مرة تكلميني من وقت ما أخدنا أرقام بعض
توترت رسيل ثم تأهبت للرد بحذر:
-أنا قولت أكلمت قبل ما أسافر، خلاص بقينا نسايب وزينة هتفضل معاكوا
كبحت نور ذاك الضيق الذي طرأ عليها فور نطقها لاسم هذه الفتاة، ردت متنهدة بمعنى:
-متقلقيش عليها أنا ابني بيحبها، اللي نخاف عليه ابننا
تهكمت رسيل في نفسها ثم لوت فمها، لم يكن ذلك سبب مهاتفتها لذا لم تخض في هذا الحديث أكثر، قالت بتردد:
-كنت عاوزة أشكر زين بيه على الفيلا الجميلة دي، يا ترى هو موجود ولا عنده شغل؟
ردت نور بتفهم:
-أيوة موجود
شهقت رسيل مصدومة فتابعت نور لتجعل الشك يأخذ مجراه في عقلها:
-النهاردة يوم أجازته وطلبنا الدكتور يكشف على عمي، ثواني وهخليكي تكلميه
ثم توجهت نور لتعطي الهاتف لزين وتركتها على الناحية الأخرى بحالة يرثى لها تائهة، همست له نور بذلك فأخذ زين الهاتف ليتحدث معها وهو يتحرك مثلها للشرفة….
قبل أن تتحدث نور مع عمها ولج آيان بطلعته المرحة قائلاً:
-أنا جيت
استدار نور نحوه ولم تصدق عينيها، هتفت بفرحة بالغة وهي تفرد ذراعيها ترحيبًا به:
-حبيبي آيان
هرول ناحيتها ليأخذها هو في أحضانه ويغمرها كلها مرددًا:
-وحشتيني يا أمي يا ست الكل
قهقت نور بسعادة ثم قبلت وجهه كله بقبلات متلهفة حنونة، لمحت تلك الفتاة من خلفه فكلحت لترمقها بحنق، أطرقت زينة رأسها بحرج منها فابتعد آيان عن أمه ليأتي بزينة وجعلها تتقدم من جده، توجه بها ناحيته قائلاً باشراق:
-مجتلكش لوحدي، جبت زينة معايا
ثم دنا من جده ليقبل جبهته وكفى يديه بحرارة فابتسم فاضل قائلاً:
-عامل أيه يا حبيبي
-بخير يا جدي وحلو قوي، دي زينة مراتي
ثم قرّب زينة منه والتي ابتسمت له بخجل، أحبها فاضل من النظرة الأولى ثم قال:
-حبيتها يا آيان، حلوة قوي
انحرجت زينة ثم توترت من نظرات نور نحوها والتي تفحصتها من رأسها لأخمص قدميها بغموض فهي من سلبت ابنها قلبه، لم تكن من ثيابها ملفتة ولكن هناك ما يجذب أي أحد إليها، لتلك اللحظة لم تتناسى نور مقارنة ابنها بها، شعرت باختناق طفيف جعلها لم ترتاح داخليًا ولم تعرف ما هو ذاك الشعور إلى الآن وهذه الفتاة أمامها….
دلف زين من الشرفة ليتفاجأ بهما قائلاً:
-مش معقول إنتوا عندنا!!
وجه آيان بصره ناحيته ليقول بشكيمة وهو يمسك بيد زينة:
-ومش كده بس، هنقعد معاكوا كام يوم كمان……..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مسحت بكفيها دموعها التي تساقطت دون إرادة منها بعدما تأكدت شكوكها نحوه، جلست رسيل حزينة تردد بعتاب:
-كده يا أيهم، معقول البنت دي تخليك تنساني، دي اتجوزت، إزاي لسه بتقرب منك وعاوزاك، تکدب علیا علشان تروحلها
ثم صمتت متحيرة فكيف ذلك؟، لم تجد رسيل من يرد عليها وينفي وساوسها فلقد زاد الموضوع عن الحد، تابعت باستنباط:
-تلاقي جوزها مش مالي عينها، مع إنه خسارة فيها، هي من زمان بتفكر في أيهم، ما هي مش هتلاقي أحسن منه
عضت رسيل على قبضتها تريد الفتك بتلك اللعينة وقتلها أيضًا لتتخلص منها، قالت باغتياظ:
-أيهم بيحبني ومش ممكن يضعف قدامها، هي اللي لازم تتربى علشان تحرم تقرّب منه
جاءت الفكرة في ذهن رسيل لتردد بانتواء ممتزج بالتوعد:
-يبقى ما فيش غير إن جوزها يعرف ويفضحها، لما تتفضح هابقى خدت حقي منها……………………………..!!
_________________________
_____________________
______________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.