رواية مغرم بك – الفصل السادس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصـل السادس والثلاثـــون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف الاثنان أمام نافذة غرفة العناية المشددة يتابعا من خلف الزجاج ابنتهما بنظرات حانية، تأملت سميرة ابنتها بتعطفٍ كبير وهي تردد بامتنان:
-الحمد لله يا رب، بیقولوا حالتها بقت مستقرة
تابع بعدها مروان بجزع:
-أنا كنت خايف عليها قوي، طول الطريق بادعي ربنا ما يحرمني منها، والحمد لله استجاب مني
نظرت له سميرة مبتسمة بمحبة وهي تتأبط ذراعه، قالت بخوف ظهر في نبرتها:
-أنا سعيدة قوية إن ربنا محرمنيش منها، كنت هموت بجد لو كان حصلها حاجة، ما إنت عارف إني مستحيل أجيب غيرها
تذكر ذاك الكابوس المرعب الذي أتاه أثناء الطريق وهي تقول نفس الحديث، ربت على كفها قائلاً بقناعة:
-الحمد لله أنا راضي بأي حاجة، كفاية عليا إنك معايا، هعوز أيه أكتر من كده، ست محترمة زيك تفضل جنبي
لم تخجل حين أسندت رأسها على كتفه قائلة بود:
-باحبك يا مروان، وجودك في حياتي عوضني عن حاجات كتير قوي، منها الأمان اللي عيشاه دلوقت
تلك الكلمة التي قالتها جعلته يعارض بشدة حدوثها الآن، تعرض زوجة ابنه والصغار جعله يحتج عن وجود الأمان هنا، انتبه لذلك ليستفهم باهتمام:
-بس إحنا معرفناش مين اللي ممكن يعمل كده فيهم………..!!!
___________________________________
بكت كثيرًا وهي جالسة على الأريكة الصلبة الخاصة بالمشفى، ابتأست حنان من وضعها فقد تركها والدها ولن تره مرة أخرى سوى بزيارات متقطعة، وخُتم الأمر بأختها الوحيدة وما حدث معها، لم تصدق أذنيها وهم يخبرونها عبر الهاتف بأنه تم العثور عليها في مكان إلقاء القمائم، لم تستغرب فهذا من فعل زوجها لتنال عقابها كونها على معرفة بما اقترفته، لم تتجرأ علی ذکر اسمه حتی لا تتدخل الشرطة، رددت ببؤس:
-أروح فين دلوقت؟أنا معرفش حد هنا، وكمان لو رجعت البلد محدش هناك بيحبنا وأكيد كلهم هيتبروا مننا بعد حبس أبويا
شعرت بالوحدة وهي تنظر للفراغ أمامها، شهقت باضطراب حين خبط أحدهم على كتفها، وجهت حنان بصرها نحو الشخص فهتفت بشيء من الأمل لاح عليها:
-عم غريب
ابتسم غريب لها ثم جلس بجانبها قائلاً بتودد مزيف ردًا على حديثها العفوي مع نفسها:
-أنا روحت فين بقى علشان تقولي كده، لا زعلتيني يا حنان
نظرت له لبعض الوقت مرددة بقلة حيلة:
-أنا بقيت لوحدي، خايفة حافصة تسيبني هي كمان
ثم أفلتت العبرات التي تجمعت في مقلتيها باكية على حالها وحال أقرب ما لها، بخبث نوايا ضمها إليه من كتفها قائلاً ويديه تتمرر عليها بغرض تهدئتها:
-متقوليش كده يا بنتي، عمك غريب مش هيسيبك خالص وهيفضل معاكي، معقول هتخلى عنك وإنتي بنت الغالي!!
لم تعي حنان غرضه الدنيء معها ويديه تجوب على جسدها باستباحة وقحة، فبذائة الشخص المتدني لن تترکه حتى مع أقرب رفاقه فلا أمل من أمثاله، سألت بحزن:
-عملت أيه مع اللي أذوا بابا؟
رد لاويًا فمه بتضايق:
-للأسف لحقوا مراته وعياله، حتى قبضوا على الرجالة، بس متقلقيش مش هيقولوا على أي حاجة علشان مش أنا اللي متفق معاهم
ثم ابتسم بتشفٍ وقد ظهرت أسنانه الصفراء، استفهمت بحيرة:
-طيب وهنعمل أيه، هنسيب بابا كده؟!
رد بلؤم لم تره على وجهه الصلد من المشاعر:
-لا طبعًا مش هنسيبه، أنا بس علشان أعرف شغلي على المزبوط لازم تجيبيلي كل أوراق ملكية بابا والختم بتاعه
هنا ابتعدت عن حضنه لتسأله قاطبة الجبين:
-عاوزهم ليه؟
أخفى ارتباكه وهو يرد بشرحٍ مختلق:
-علشان أول حاجة هيعملها التحقيق إنهم هيتحفظوا على أمواله، فأنا عاوز أحافظ عليهم ليكي ولأختك لما تفوق إن شاء الله
من شدة دهائه بالفعل اقتنعت حنان بكلامه، هزت رأسها مجيبة بطاعة:
-حاضر يا عم غريب، هجيبلك كل حاجة تخص بابا
اتسعت بسمته الماكرة ثم سحبها لصدره ليكمل قذارته وهو يردد باعجاب:
-حبيبتي يا حنان يا بنتي!
ثم حدق أمامه لينقشع الطمع من نظراته المتعطشة للحرام والسهل الحصول عليه لكن عواقبه سيئة وهو لم يهتم، قال في نفسه بعزيمة والحقد على قسماته:
-كده كل حاجة بقت بتاعتي لوحدي وهاخدها وهسافر، بس قبلها أنفذ اللي كنت عاوزوه من البداية، وهو موتك يا أيهم بجد……!!
___________________________________
وجد الدفء فظل فيه ببراءته متشوقًا لحضن أمه ولم يتركها منذ دخل ليراها، لم تخفي رسيل فرحتها وهي تجده بكامل صحته معافى من إصابته بأي مكروه وبداخلها حمدت الله كثيرًا، خاطب أيهم ابنه بلطف:
-مروان يا حبيبي يلا علشان تروح لأخواتك وتسيب ماما ترتاح شوية
شدد الصغير من التمسك بحضن أمه قائلاً برفض قاطع:
-عاوز مامي
نظرت رسيل لابنها قائلة بضعف:
-مروان لازم ترجع وسط إخواتك، أنا مش عاوزاك في المكان ده، هناك أحسن وهنا بهدلة
بحثت رسيل عن راحة ابنها لتجده ابتعد عنها متسائلاً بحب طفولي:
-حاضر يا مامي هامشي، بس هتغيبي هنا؟
ردت ببسمة ودودة وهي تمسح على خده:
-بإذن الله لأ يا حبيبي، روح مع طنط رانيا وأنكل مصطفى وهما هيودوك عند إخواتك
أومأ برأسه ليطيعها ثم اقترب منها ليُقبل وجهها فقبّلته هي الأخرى لتودعه، نزل مروان من على التخت متجهًا لوالده الذي حمله ليضمه إليه قائلاً:
-حبيبي يا مروان
ثم قبّل وجنتبه متابعًا:
-إخواتك راحوا عند فيلة أنكل مصطفى، هتخليك معاهم وتحافظ عليهم
رد مروان بشجاعة:
-أنا هحافظ عليهم ومش هخاف من حد تاني
ابتسم أيهم ليعيد تقبيله فنظرت رسيل لابنها بمعنى فهو يأخذ من أبيه الكثير بالإضافة للملامح، أعطى أيهم الولد لمصطفى فحمله الأخير، قال أيهم بتنهيدة:
-خدوا يا مصطفى يلا وسط ولادك على ما أفوق من اللي أنا فيه
رد مصطفى بحصافة:
-متخافيش عليهم عندي، خليك جنب رسيل وهما عندي وقت ما تعوز تاخدهم
ربت أيهم على كتفه ممتنًا فهو صديقه من سنوات، دنت رانيا من رسيل قائلة وهي تقبل جبهتها لتودعها:
-الولاد مش هسيبهم لحظة، قوميلنا إنتي بالسلامة بس واهتمي بنفسك
ردت رسيل بألفة:
-شكرا ليكي يا رانيا، أنا مطمنة علشان معاكي…
تحركت بعدها رانيا لتغادر برفقة مصطفى الذي يحمل مروان ثم دلفوا للخارج، اقترب أيهم من رسيل قائلاً بتعطف:
-حاسة بحاجة، محتاجة ترتاحي شوية؟
حركت رأسها لتنفي:
-لا أنا كويسة، خليك جنبي بس علشان بحس بالأمان
ابتسم ليقبل جبهتها ثم ابتعد قليلاً ليقول بمعنى جاد:
-زين برة ومش عاوز يمشي لأي مكان، مستني يتكلم معاكي
ردت بقبول وقد تهيأت لذاك اللقاء:
-دخله
-متأكدة؟
-دخله أنا هقوله كل حاجة علشان أريح ضميري
امتثل أيهم لرغبتها ثم تحرك للخارج ليناديه، انتظرت رسيل دخوله وهي تحاول أن تظبط هيئتها وتسحب الغطاء عليها بإحكام، ولج زين مع أيهم ناظرًا لرسيل بحرج شديد، نظرت له رسيل وهو يدنو منها فقال هو بذوق:
-حمد الله على السلامة
-الله يسلمك
أشار له أيهم أن يجلس على المقعد المجاور له فجلس زين، دون أن تماطل رسيل في الحديث قالت بجدية:
-أنا هقولك على كل حاجة علشان ترتاح
أنصت لها لتكمل هي سردها بداية من رؤيتها لـ “لما” حين جاءت صغيرة فقط تخطت الثلاثة عشر أعوام بقليل وهذا سن مراهقة، قصت له ما كانت تفعله حينها لكن بسلاسة متعمدة الابتسام أثناء حديثها على ما كانت تفعله الأخيرة من عناد، وصلت لنقطة مقابلتها لها لتتابع بمفهوم:
-وجودي عندكم علشان أشوفك إنت، الجواب اللي جاني خلاني مفكرش بعقل وأرجع الذكريات كلها، أنا بأحب أيهم ومش بغِير عليه من أي حد غير “لما”، علشان قريبته ولما كبرت بقت حلوة قوي، غِيرت منها مش بإيدي، بس أنا مشوفتش منها حاجة دي بقالها كتير في اسكندرية
باتت الأمور الغامضة تتضج أمام الجميع، تدخل أيهم ليلومه:
-لو بتحبها لازم متشكش فيها، هي يعني هتتجوزك ليه هو فيه حد هيجبرها عليك
حدق به زين مفكرًا في ذلك ليجده مُحق، تابع أيهم بنبرة شبه منفعلة:
-والمفروض متحسبهاش غير من وقت ما بقت مراتك، افرض كانت مخطوبة قبلك وكان فيه صور ليها مع خطيبها وكتير بتحصل كنت وقتها هتعمل أيه؟، هتشك فيها وهتكرهها وتقولها بتفكري فيه، هتدخل جوه مخها يعني، ستات كتير متجوزة بيعجبوا بمطربين وممثلين، بس الست المحافظة هي اللي متشغلش فكرها غير ببيتها وجوزها وبس
كان حديث أيهم عاقلاً واعيًا ليستقبله زين بصدر رحب، قال هازًا رأسه بندمٍ شديد:
-حاجات كتير خلاتني أوصل لكده، مش بإيدي صدقني
لم يذكر زين اسم أخته وما كانت تدسه بداخل عقله من مفاهيم حفاظًا على سرية أهل بيته، قالت رسيل بنصح:
-رجعها هي بنت كويسة، لو وحشة مكنتش بعدت بعد اتهامك ليها وكانت كملت لو كانت مش كويسة ومهمهاش حاجة، فيه حد كان عاوز يوقع بينا، أكيد الحد ده بيكره أيهم وعاوز يدخله في مشاكل مع عيلتكم وبعنيك شوفت اللي حصلنا
شعر زين بأنه تعجل في الحكم عليها، انقشعت الغمامة الآن ثم نهض من جلسته قائلاً بشكيمة:
-أنا هروح اتأسف لوالدتها، وهحاول أعرف “لما” سافرت فين وهرجعها…………..!!
___________________________________
تجولن بجوار بعضهن في حديقة الجامعة لانتظار المحاضرة الأولى، حكت جنى كيف قضت سنوات حياتها بالخارج مرورًا بدخولها الجامعة حتى تركتها عدة مرات، هتفت لين باندهاش وهن يقف أمام الكافتيريا:
-معقولة يا جنى بدلتي تلت مرات كلية شكل، ليه يا بنتي مكنتيش مخططة عاوزة أيه من البداية؟
ردت بلا مبالاة:
-دخلت أجرب، وكنت زهقت لحد ما دخلت تجارة، قولت كويسة
قالت لين بتفهم:
-ضيعتي عُمرك على الفاضي، كان زمانك خلصتي وارتاحتي
زفرت لترد بعقليتها هي:
-اديني بتعلم، ومش معنى كده إني مكنتش باستفيد، التجارب كويسة دا فيه علماء بيضيعوا سنين عُمرهم بالبحث، بس لازم يكون فيه فايدة مش كلام وخلاص
سألت بتخمين:
-يعني هتدخلي لسه تجارة هنا؟
ردت بتوضيح:
-لا أكيد، أنا في تانية
ردت لين متأففة بعبوس:
-كنت عاوزاكي معايا علشان نبقى سوا
لم تمانع جنى لتقول بانفتاح:
-عادي ممكن أسقط السنة دي ونكمل سوا
ضحكت لين على حديثها لتضحك جنى هي الأخرى، رددت لين باستنكار:
-مجنونة قوي ومش هتتغيّري باين
ردت جنى بتنهيدة عميقة:
-أهلي معاهم فلوس ومش بيمانعوا وزي ما قولتلك باشغل وقتي بالتعليم أحسن
ردت لين بتهكم:
-هما اللي اتخرجوا هنا راحوا فين يعني، أغلبهم بيتجوز واللي مش لاقي شغل
بالفعل يوجد من ذلك الكثير لنجهل اللوم على من؟، هتفت لين بمحبة:
-خليكي هنا على طول، وكمان يمكن تلاقي عريسك هنا
لمّحت لين على زين فابتسمت جنى باستحياء، تابعت لين بمغزى:
-مش كنتي تحسدي نور عليه
ردت معارضة:
-دا كان زمان، دلوقتي عادي أنا مش في دماغي صدقيني
-زين دلوقت مش مرتبط، يعني مافيش غيرك علشان يتجوزها
سألت بتردد:
-هو مش هيرجع لمراته، سمعت إنه ندمان؟
ردت بعدم اهتمام:
-خلاص مش راجعين لبعض دي سافرت، موضوع كده هابقى احكيه معاكي على رواقة
زمت جنى شفتيها متفهمة، أثناء حديثهن لمحت لين آيان برفقة السمجة زوجته فسلطت نظراتها عليهما وكشّرت، انتبهت جنى لها فسألتها:
-فيه حاجة ضايقتك؟
أشارت لها بوجهها عليهما قائلة بضيق طفيف:
-دا آيان ومراته قاعدين
إلتفتت جنى لتراهما فهتفت بتهلل:
-تعالي نسلم عليهم، آيان واحشني قوي مشفتوش من زمان
لم ترتضي لين أن تتحدث معهما لكن تذكرت سفر أخيها زين للقاهرة وما عرفته الصباح قبل الحضور للجامعة، ابتسمت بخبث ثم قالت بموافقة:
-يلا نروح نسلم، وبالمرة عندي خبر حلو يخص مراته……..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تأففت من مزحه الجريء معها وسط من يجلس حولهما، وبخته زينة بخفوت:
-آيان الناس حولينا عيب كده شيل إيدك من عليا وبطل بصاتك دي
غمز لها ليقول بنبرة اربكتها وهو يبعد يده:
-لينا بيت يلمنا
ابتسمت بخجل ولم تنكر فرحتها، استفهم بدهشة:
-من امبارح وأنا شايفك مبسوطة، مالك بقى؟
ردت براحة شديدة:
-أصل مامتك خلاص رضت عني وكلمتني كويس ومش زعلانة مني!!
عقد جبينه قائلاً:
-يعني ممكن تعامليني وحش علشان بقيتوا حلوين وتطنشيني
بسبابتها التي حركتها للجانبين نفت:
-بالعكس دا كان شرطها إني أموت فيك ومزعلكش خالص
اتسعت بسمته ثم قال بنظرات مظلمة:
-يا حبيبتي يا ماما، ربنا يطولي في عُمرك يا رب
نظرت له زينة شزرًا فسوف يستغل ذلك، قالت بتحذير:
-اوعى يا آيان تشتكي مني لو عايزنا مع بعض
فرح من حديثها فهذا يعني أنها تريد البقاء معه إلى الأبد، رد بطاعة عمياء:
-مستحيل، كل اللي عاوزوه إنك تحبيني، علشان أنا باحبك ومش هزعلك أبدًا
ثم مسح على وجنتها بأنامله لتعود هي إلى الوراء بفكرها وقت كان يتقرب منها وملاحظتها سابقًا لنظراته نحوها حين تعرفت عليه والتي كانت توترتها ولم تتفهمها سوى بما مر عليهما لتصبح بالأخير زوجته ويعلن أمامها عشقه، رددت بتتيم:
-باحبك
لحرمة المكان كان قد أخذها بقوة ليعتصرها بين ضلوعه، قال بنظرات تفهمتها:
-ما تيجي نروّح بلا جامعة بلا كلام فاضي!!
شهقت محتجة من استهتاره:
-آيان خليك عاقل
كبح فرط شوقه إليها بداخله فضحكت عليه، جاءت لين وجنى لتقطع حديثهما الهامس قائلة:
-مساء الخير
وجه آيان بصره نحوها ثم ارتبك لينظر لزينة التي لم يصدر منها أي تضايق، هي بالفعل لم تكِن أي بُغض تجاه هذه الفتاة، رد آيان معاودًا النظر إليها:
-مساء النور
ظهرت جنى التي اختبأت خلفها هاتفة بمرح:
-آيان وحشتني
تذكرها آيان على الفور لينهض مرحبًا بها، ضمها عفويًا بدافع القرابة ليس إلا فتضايقت زينة من ذلك، هتف أيان وهو يبتعد عنها:
-حمد الله على السلامة
ابتسمت له ثم نظرت لزينة قائلة بحرج خفيف:
-مش هتعرّفني على مراتك الحلوة؟
تأففت لين في حين نهضت زينة لترحب بها، قال آيان بمعنى:
-دي جنى أخت إياد ابن أنكل وليد، اللي شوفتيه في فرحنا
تذكرته زينة ثم احتضنت الأخيرة، بعدها دنت من آيان هامسة بتنبيه:
-لو شوفتك بتحضن واحدة تاني مش هيحصل كويس
همس لها بفرح:
-بتغِيري؟
-حرام!!
كلمة واحدة قالتها جعلته ينتبه بعد ذلك لما يصدر منه ثم هز رأسه لها متفهمًا، انزعجت لين من همساتهم فخاطبت زينة كابحة امتعاضها:
-معقول شكلك فرحانة كده ومش هامك اللي حصل مع قريبتك؟
لم تتفهم زينة مقصدها وحتى آيان، تابعت بشفقة مُخادعة:
-الله يكون في عون قريبتك اللي في القاهرة، ناس طلعوا عليها وضربوا نار وهي دلوقتي في المستشفى مع عيالها
ارتعبت زينة وظهر ذلك عليها وكذلك آيان الذي استنكر فلم يصله الخبر ثم نظر لزينة، بينما الكلمة الأخيرة جعلتها تستنبط من هي، نظرت لآيان قائلة بفزع:
-دي أكيد رسيل، يلا نروحلها…………..!!
___________________________________
أخذ الضابط أقوالها ثم غادر بعدما قالت له رسيل كل ما تعرفه، كان مروان حاضرًا هو الآخر ليتابع التحقيق، خاطب ابنه باستغراب:
-معقول يا أيهم متعرفش حد ممكن يأذي مراتك وعيالك بالشكل المتوحش ده، دا قتل عمد!!
وضع أيهم يديه على رأسه محاولاً تذكر أي شيء لكن لا فائدة، هو بالفعل لم يكن لديه أعداء، كان مروان هو الآخر يفكر معه لينتبه لما حدث مؤخرا ثم قال بمفهوم:
-ما يمكن الراجل شريكك اللي بلّغت عنه بينتقم منك
رفع نظراته نحو والده فلما لا ما يقوله، رد بتأييد:
-وليه لأ، أكيد عنده حد برة مخليه ينتقم مني، إزاي مجاش على بالي حاجة زي كده
هتف مروان بتجهم:
-لازم تقول عليه طالما كده، ممكن يكرر الموضوع، لازم يعملوا عليه حراسة إنه ميشوفش حد من برة
قال أيهم بامتثال:
-حاضر يا بابا هيحصل، وكمان هبلغ زين بيه يمكن هيعمله حاجة هو كمان، كفاية اللي حصل معانا
ثم وجه بصره لزوجته رسيل فوجدها قد غفت متعبة، تأمل كتفها المربوط بالشاش وحزن عليها، لرحمة الرب أنقذها هذه المرة، أقسم في نفسه بأن لا يتهاون في الحفاظ على أسرته ويتحمل من أجل بقائها فما حدث لزوجته كان بمثابة درس عليه أن يتعلم منه، قال مروان بتذكر:
-صحيح يا أيهم سميرة قالت على اللي عملته مع رسيل الصغيرة، أنا متشكر قوي
هتف أيهم باندهاش:
-يا بابا دي أختي معقول بتشكرني
رد مروان بتلجلج:
-أصل سميرة فاكرة إنك مش بتحب وجود البنت
قال أيهم بتحيّر:
-يعني أعمل أيه يعني على طول فكراني وحش مع إنها مشافتش مني حاجة
انشرح مروان وهو يرد بمغزى:
-اللي حصل ده بيّن لها إنك بتحب البنت، تصدق بقالها ساعة بتقولي إنها ظلماك وطلبت مني أقولك تسامحها ومتزعلش منها
تنهد أيهم قائلاً بامتعاض مصطنع:
-خليها بس تحنن قلب اللي نايمة دي عليا وأنا أحبها، مش كل ما نزعل تقلبها عليا
كانت رسيل متيقظة لكن مغمضة عينيها، ردت عليه هي موضحة:
-أنا محدش يقدر يقلبني، أنا بجد بغِير عليك
ثم فتحت عينيها لتنظر له فابتسم أيهم لها، قال بهدوء:
-إنتي مش نايمة؟
اكتفت بهز رأسها فتابع بمحبة:
-أنا عُمري ما كرهت حد من ريحتك، وعُمري ما حبيت حد إلا إنتي
قالت بثقة:
-ما أنا عارفة
نهض مروان تاركًا إياهما على راحتهما، بينما لم أیهم يندم على ذكره ذاك الغرام المضطرم بداخله نحوها، قالت رسيل برضى:
-أنا كمان مش هاعمل اللي يزعلك، لو كان ربنا حرمني من الخلفة مش هكشف ولا أعالج نفسي، أنا راضية بولادي وباللي عندي
ابتسم أيهم من عقلانيتها الآن ليقول بجدية:
-عندي ليكي مفاجئة
نظرت له بترقب فتابع غامزًا بمكر:
-إنتي سليمة وممكن تخلفي، أنا اللي خليت الدكتور يقولك كده…….!!
___________________________________
على مائدة الطعام جلس مع والده يتناول الطعام ورغم وجود والده وانشغاله شعر بفراغٍ كبير لعدم رؤيته للصغار منه حوله؛ وذلك بفضل غباء زوجته ونزقها، نظر فريد له قائلاً بعدم رضى:
-إنت مش ناوي ترجع مراتك والعيال ولا ناوي تسيبهم هناك؟
رد عمرو بانتباه:
-هو أنا زعلتها يا بابا، هي اللي سابت البيت علشان حاجات خايبة بتفكر فيها
هتف فريد باعتراض:
-مراتك مش حاسة معاك بحب، دايمًا ناشف معاها ودا لوحده يخليها تشك إنك مش بتحبها وممكن تكون شايف غيرها، أي واحدة هتحس كده
رد عمرو بضيق:
-اعملها أيه يعني ما هي عارفة طبعي، وبعد السنين والعيال اللي بينا هتفكر إني ممكن اتجوز عليها
ضجر فريد من كثرة الحديث ليخبره بعقلانية وخبرة:
-مراتك لازم تبين لها حُبك واهتمامك بيها، جيسي على طول بتهتم بطلباتك وبتحاول ترضيك، حتى أشكرها على اللي بتعمله، حسيسها إنها غالية عندك، وقتها هتحس بالفرق وإنها مبقتش تفكر في غِيرة ولا أي كلام فاضي
بعدما استمع له عمرو سأل باطراق:
-يعني هو دا السبب؟
رد بتأكيد:
-الست هتعوز أي غير كده!!
اعتزم عمرو أن يذهب لإحضارها فهي تظل زوجته وأم أبنائه ومن واجبه أن يتحملها، ترك تكملة الطعام ثم نهض قائلاً بانتواء:
-خلاص أنا جاهز أهو وهروح أرجعهم النهاردة
ابتسم له فريد فتحرك عمرو ليدلف للخارج، تتبعه فريد بظلمة ثم أمسك هاتفه ليتصل بزوجة ابنه، أتى صوتها فهتف بخبث جعلها تتهلل فرحًا:
-جهزي نفسك عمرو جاي يرجّعك دلوقتي، ومتقلقيش ظبطهولك على الآخر……………!!
استقل عمرو سيارته ثم انطلق بها فبالفعل استوحشته زوجته، لم يفترقا مطلقًا ليحس بذلك حين غابت عنه، عاتب نفسه ليدرك خطئه وجفائه معها، قال بسخط:
-قد كده كنت بارد معاها ومش عارف، دي عمرها ما زعلتني
ثم تنهد بعُمق ليقرر تغيير طبعه هذا، حين وصل للطريق العام بعد تركه للقرية صدح هاتفه، أخرجه عمرو من سترته ليجدها أخته، قبل أن يرحب بها رددت بصوتٍ باكٍ:
-إلحق يا عمرو رسيل في المستشفى بتموت
فور سماعه بتلك الكلمات طلب منها توضيح لكنها كانت تجهل ما حدث لتقول بنحيب:
-أنا في طريقي للقاهرة دلوقت
هتف عمرو بقلق:
-أنا كمان مسافة الطريق وهتلاقيني عندها………..!!
___________________________________
فور وصوله للأسكندرية لم يتوجه لمنزله بل كان على علم أين سيذهب؟، بلغ زين فيلا السيد كارم ثم دخل بسيارته عبر البوابة الخارجية، تأهب لهذه الخطوة جيدًا كونه مدرك أن وجوده سيكون غير مرحب به بعد ما فعله، ترجل من سيارته ثم تحرك ليستأذن بالدخول عليهم……
في بهو الفيلا جلس الجميع ولم يصدق أحد تبدُل وضع السيدة إيمان من الحزن إلى اللا شيء ناهيك عن ضحكاتها ومزحها مع الصغار ولعبها معهم، مالت جيسي على والدها مستفهمة باستغراب:
-هي طنط مالها كده، مش كانت زعلانة على بنتها؟
رد كارم بنفس الدهشة وهو ينظر لزوجته:
-مش عارف مالها، أنا خايف تكون اتجننت
ثم انتبهوا لمن يقرع فتحفزت حواسهم لمعرفة من، فتحت الخادمة فطلب زين منها رؤية السيدة، سمحت له بالدخول فولج عليهم وحين لاحظته السيدة إيمان تركت الأطفال ثم نهضت منكتلة نحوه بخطوات باتت مهرولة، توقف زين موضعه ثم تقدم الآخرين منه، هتف السيدة باهتياج:
-أيه اللي جابك هنا؟، ليك عين تورينا وشك بعد اللي عملته في بنتي
وقف السيد كارم بجانبها قائلاً بتريث:
-استني بس يا ايمان نشوفه جاي ليه، مش يمكن عرف “لما” فين
ابتسمت بغيظ وهي تعلق على حديثه:
-لا مش هيعرف هي فين ولا هيعرف طول عُمره
رد زين بقسمات نادمة:
-أنا جاي اعتذر على اللي عملته، أنا بجد هموت واعرف “لما” فين علشان اتأسفلها وأرجعها
رمقته بنظرة كارهه لترد عليه بعدائية:
-أنا بقى عارفة مكانها وكلمتني وطمنتني عنها، مكنتش ناوية أقول لحد بس هاعرفك علشان أسيبك تندم ويتحرق قلبك زيها
هنا تفهم السيد كارم والبقية سبب تبدُل حالها، هتف السيد بتأنيب:
-ليه كده يا إيمان، لو عارفة خليها ترجع معانا تاني وجوزها عاوز ير……..
قاطعته باغتياط:
-متقولش جوزها، خلاص طلقها وعمرها ما هترجعله، كلمتها تشوف حياتك وتتجاوز اللي يحبها
ثار زين من حديثها المثير للحنق ليهتف برفض:
-دي يومها إسود لو اتجوزت
رددت بنبرة مستفزة:
-وإنت مين علشان تمنعها ولا هتشوفها فين؟
هنا أخرج ما بداخله ليعلنها صراحةً وهو ينتوي للأخيرة:
-متنسيش بقى تعرفي بنتك إنها لسه على ذمتي، يعني لو اتجوزت غيري هوديها في داهية…………….!!
________________________
________________
________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.