رواية مغرم بك الفصل الحادي والثلاثون 31 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل الحادي والثلاثون

الفصل الحادي والثلاثون

الفصل الحادي والثلاثون

الفصـل الحادي والثلاثـــــون

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجلت من سيارتها التي صفتها أمام مخفر الشرطة هي ووالدها وذلك حين أبلغ أحد الأفراد بداخله السيد رؤوف بأنه ثم العثور على المكان المتواجد به الخاطف، هرولت سالي للداخل وهي تتلفت هنا وهناك باحثة عن غرفة التحقيق غير منتظرة والدها وتركت مهمة معاونته للحرس في السيارة الأخرى، حين وصلت إليها سمح لها الحارس بالدخول حين أخبرته بهويتها، ولجت عليهم مرددة بلهفة شديدة:

-لقيتوا بنتي؟

تعالت أنفاسها اللاهثة والخائفة فنهض ماجد الذي تفاجأ بحضورها ليقابلها، خاطبها بتريث:

-اتفضلي اقعدي يا مدام وارتاحي، مكنش ليه لزوم حضورك

تحركت لتجلس متعبة وتخفف من سرعة أنفاسها، ردت معترضة بحنق:

-المخطوفة دي بنتي، يعني تهمني لوحدي ومحدش هيتحرق قلبه عليها غيري

لم يعقب ماجد على حديثها ثم عاود ليجلس أمامها، تدخل المحقق ليشرح بعملية:

-وصلنا خبر بمكانه وإن شاء الله الليلة هيكون مقبوض عليه

انتبهت سالي لبروده أثناء الحديث فتجهمت، هتفت بعبوس:

-وحضراتكم قاعدين كده ليه مش المفروض تكونوا بتهجموا على المكان الموجود فيه

نظر المحقق لماجد مزعوج قليلاً من غلاظتها فنظر له ماجد بمعنى الإعتذار، تفهم المحقق وضعها ليرد بتوضيح أشد:

-البنت مش في القاهرة علشان نتحرك هنا ونتصرف

دب الرعب في جسدها واقشعرت، استفهمت بتخوف:

-اومال فين؟

خشيت سالي أن يكون قد سافر بها للخارج، لكن رد المحقق ليمحي ذلك الشك:

-متقلقيش هي لسه في مصر، واكتشفنا إنها في سوهاج ومن هناك هتسافر لبرة

شهقت بفرع قائلة:

-يعني هتلحقوهم قبل ما يسافروا بيها

ولج السيد رؤوف عليهم ثم تحرك للداخل بمعاونة حارسه، ألقى عليهم السلام ثم جلس في صمت ليفهم ما حدث، رد عليها المحقق بدراية:

-المكان متراقب هناك علشان الوكر ده فيه ناس مسلحة وموجود عندهم حماية، أي اندفاع مننا ممكن یعرّض الأطفال اللي معاهم للخطر مش بس بنتك اللي يمكن تكون في وسطهم

اتضحت الأمور أمام السيد رؤوف ليكترب، بينما بكت سالي بألم لتجد نفسها فاقدة للأمل فمثل تلك العصابات صعب القبض عليها، حزن ماجد على وضعها قائلاً:

-متعمليش في نفسك كده، معتز طمني إن الأمن هناك جاهز لأي حاجة وكمان وقفوا السفر ومراقبين المداخل!!

تأملت سالي خيرًا فليس لديها شيء سوى الدعاء الآن، ربت والدها على كتفها لتهدأ لكن لا فائدة ما زالت تبكي، تابع ماجد بمعنى:

-اطمني أنا بنفسي هسافر علشان أكون معاهم

وجهت بصرها ناحيته شغوفة في أخذ تلك الخطوة حين قالت بتصميم شديد:

-وأنا كمان لازم أكون هناك……………!!

____________________________________

اعتلى ملامحه دهشة عجيبة وهو يرى ابنته قادمة هي وأطفالها الثلاثة فقط دون وجود زوجها، ناهيك عن بكائها المتواصل، وقف السيد كارم معها بالأسفل متسائلاً بغرابة:

-جيسي فيه أيه، وعمرو فين؟!

جعلته يحمل ابنها الصغير فحمله ثم ردت ببكاء:

-عمرو سافر وسابني، قالي رايح اتجوز واحدة، ومش كده بس دا خد مازن الخاين اللي تجوز على مراته هو كمان علشان يكون شاهد على جوازته

هتف كارم باستنكار:

-أيه التخاريف دي، طيب قولي كلام تاني علشان أصدق، إنما عمرو يتجوز دي مش داخلة دماغي

ردت بضيق وهي تمسح دموعها:

-هو قالي بلسانه وبجد سافر، صدقني يا بابا!!

وقف كارم متحيرًا غير متفهم كيف ذلك؟، هبطت مايا الدرج بخفة قاصدة إياهما لكن حضورها ليس للترحيب بأختها، وهي تركض ناحيتهم هتفت بنهجٍ:

-إلحق يا بابا شوف المصيبة اللي حصلت

زاد قلق كارم وهو يتطلع على ابنته الصغيرة، أعطي جيسي ابنها لتكمل مايا بحزن:

-زين و”لما” اتطلقوا، ومش كده بس دا بيقولوا الليلة جوازته من بنت خالته

هتف بصدمة جمة:

-أيه الكلام ده جبتيه منين؟

ردت بابتئاس:

-مش دا المهم يا بابا، طنط إيمان فوق بتلبس هدومها وهتروح عندهم، لأن المفروض “لما” ترجع البيت لو كان ده حصل، بس هي مرجعتش

انتبه السيد كارم لتلك النقطة قائلاً:

-فعلاً المفروض تكون هنا، هتكون راحت فين؟

ثم لاحظ هبوط إيمان الدرج بحشمتها ورقيها المعتاد رغم هيئتها الباكية، تحرك نحوها على الفور ليسألها بتكهن:

-رايحة فين يا ايمان؟

نظرت له بأعين محتقنة لترد بأسى:

-رايحة اسأله عن بنتي وداها فين بعد ما طلقها وبكل بجاحة رايح يتجوز عليها، ليكون حابسها ولا بيهينها

اغتم كارم قائلاً:

-معقول زين اللي وعدني يخلي باله منها يعمل كده، أخص عليه كنت فاكره راجل!

أيضًا وقفت مايا مذهولة من تقلُب الوضع بهذا الشكل لتقول في نفسها بحيرة:

-يا ترى حصل بينهم أيه؟

تدخلت جيسي لتقول بسخرية:

-مستغرب ليه يا بابا، عمرو نفسه بعد العِشرة بينا هيتجوز هو كمان عليا

نظرت لها مايا باندهاش فالأوضاع الآن لا تتحمل المزيد من المصائب، تحركت إيمان لتغادر فخاطبها كارم بتعقل:

-استني يا ايمان أنا جاي معاكي مش هينفع تروحي لواحدك، لازم أكلمه راجل لراجل وافهم منه إزاي يعمل كده في بنات الناس

-طيب يلا دلوقت قلبي واجعني على بنتي

قالتها بحزن جارف فرد بعزيمة:

-أيوة يلا خلينا نطمن عليها أهم……….!!

___________________________________

حين أنهت طعامها التي تناولت منه القليل فقط وجدت أيهم يلج الغرفة عليها حيث عاد أيهم بعدما تأكد من والده عودة عمتها للفيلا لتطمنئن على الأولاد، نظرت بقسمات كامدة متعبة تريده أن يشفق عليها فنفخ بخفوت وهو يلعن من بين شفتيه، تدرج ناحيتها وعينيها لم تبعدهن لحظة، جلس على الفراش في مواجهتها مستفهمًا بهدوء غامض:

-عاملة أيه دلوقت؟

لم ترد على سؤاله بل لامته بحزن:

-مشيت وسبتني، قد كده شُغلك أهم مني!

رد بقسوة لكنها حملت محبته لها:

-إنتي عارفة إن مافيش حاجة عندي أهم منك، بس أنا اتخنقت من كلام عمتك ليا، كل حاجة أنا السبب، شيطان أنا ومش عارف

نكست رأسها لتستسلم للبكاء، شغر بوخزة في قلبه ليقلص المسافة بينهما كي يأخذها في أحضانه، غمرها بمحبته قائلاً:

-بس يا رسيل علشان مش بستحمل أشوفك بتعيطي

هي الأخرى لفت ذراعيها حول خصره لا تريده أن يتركها، ابتسم أيهم لكن تلاشت تلك البسمة حين أكملت:

-الدكتور بيقول إني مش هخلف تاني

تنهد بضيق قائلاً:

-كله بسببك يا رسيل، مش بتحمدي ربنا على اللي إنتي فيه، كل شوية عايزة أجيب بنت زي ما تكوني مخلفتيش قبل كده ومحرومة

زادت من نحيبها وهناك ما جعله يتشفى فيها لكنه بالفعل حزين من أجلها، ردت بشجب:

-خلاص هترتاح من كلامي، مع إني عارفة ربنا كويس وقريبة منه وعلى طول باشكره، أنا بس نفسي في بنت ومكنتش قادرة استنى علشان دايمًا تقولي بلاش مش عاوز فعاندتك!!

أبعدها عنه بهدوء فقال ناظرًا إليها بضيق دفين:

-طيب يا رسيل أنا عاوز ولاد تاني ونفسي في بنت، هتقدري تجيبيها

أطرقت رأسها بألم ثم حركت رأسها للجانبين قائلة بيأس:

-مش هاقدر دلوقت

ثم نظرت له متابعة باطلاع:

-أنا لسه مش عارفة عندي أيه، بس مافيش حاجة بقت مستحيلة

صمت أيهم لفترة ينظر فيها لها فلا فائدة منها، قالت بوجع:

-كان نفسي المرة دي اكمل حملي، عملت كل حاجة وراح خلاص

-ومنها إنك خبيتي عني!

قالها بسخط فزكت تصرفها الغير مقبول هذا قائلة:

-كنت خايفة تزعل وبعدين نبعد تاني عن بعض، ووقتها ممكن حد ياخدك مني

هنا انتبه لما يوحيه حديثها ثم قال قاطب الجبين:

-اللي هي “لما”

شعرت بالإحراج منه فاستأنف بانفعال:

-البنت اللي مفكراها ممكن تضحك عليا، عيل أنا قدامك علشان حد يعمل كده معايا، قد كده مافيش ثقة فيا، دا أنا تعبت من كتر اللي باعمله علشانك ومافيش فايدة في غِيرتك يا رسيل

ثم نهض من مكانه فنظرت له بخوف خشية أن يتركها كما قال قبل مرة، هتفت بتذلل:

-اوعى تسيبني يا أيهم، مش كفاية اللي أنا فيه

رد بغلظة متجاهلاً حالتها:

-اللي إنتي فيه ده بسببك، أنا معملتش حاجة وقدامك، كله من أوهامك وغِيرتك اللي ملهاش أساس، ومن مين؟، حتة عيلة لسه متجوزة، والله أعلم حصل معاها أيه علشان ترجع معانا بالشكل ده

لم تتجرأ رسيل على إخباره بزيارتها لفيلتها كي لا تزيد الأمر تعقيدًا بینهما، لذا ردت بحرس:

-خلاص مش هاعمل كده تاني، المهم خليك جنبي محتاجاك معايا، لو سبتني هتعب جامد

تلك فرصته كي يجعلها لا تعيد الأمر مرة أخرى ثم ربط على قلبه وهو يقولها رغمًا عنه:

-للأسف يا رسيل مش هينفع

نظرت له بتوسل وأجهشت بالبكاء، تابع بمفهوم:

-أنا هسيب الفيلا ليكي وللولاد وهاقعد في الفيلا اللي باعملها، هي خلاص جهزت، وجودنا مع بعض بالشكل ده مستحيل، أنا خلاص مبقتش قادر استحمل!

هتفت باحتجاج:

-لا مش ممكن كده تبعد عني، هطلقني يعني

رد بصريمة:

-مبطلقش حد، هتفضلي مراتي وتحت طوعي، إنما حياة بينا مافيش، خلي أوهامك تنفعك

اغتاظت من سطوته المفروضة عليها هادرة فيه بانفعال:

-لو عملتها يا أيهم مش هكلمك طول عُمري، حتى الولاد مش هخليك تشوفهم

بدت حمقاء في حديثها ليستخف بها فهي لن تقدر على منعه من شيء، رد ببرود:

-رسيل خلي بالك من نفسك ومن الولاد

ثم تحرك ليغادر فصرخت بهياج متناسية تعبها:

-أيهم استنى، صدقني لو عملتها هتنهي كل اللي بينا

لثقته الشديدة في نفسه تجاهلها وأكمل طريقه فتلك الرعناء يجوز معها ذاك العقاب، كزت رسيل على أسنانها لتهتاج بشدة، هتفت بتشنج:

-طيب هطلق منك………….!!

___________________________________

تيقّظ من نومه على صوت مزعج جعله يتمتم بضيق، فتح آيان عينيه لينتبه لها واقفة أمامه تحمل في يدها المنبه الذي يهتز بصوت مستفز وتقربه منه، نزعه من يدها ليغلقه هاتفًا بعبوس:

-زينة ينفع كده مش عارف أنام، هزارك بايخ

ثم وضع المنبه على الكومود متأففًا ليعاود النوم، هتفت باستياء:

-إنت هترجع تنام، قوم شوف الكارثة اللي هتحصل يا عديم الدم

اعتدل في نومته مرددًا بتضايق:

-كارثة أيه اللي لازم أفوقلها دي

ردت مغتاظة منه:

-زين النهاردة هيتجوز، طلق “لما” امبارح ومش همه، يا ترى هي عاملة أيه دلوقت أكيد زعلانة!!

زفر بتجهم من فعلة زين المفاجئة تلك، قال باستغراب:

-هو أيه اللي حصل، يطلق امبارح يتجوز النهاردة، ما كان متجوز ولا هو وجع قلب لما ينكد علينا إحنا كمان

هزته في كتفه مرددة بحنق:

-قوم يلا علشان نقف جنبها أكيد محتاجانا معاها

تذكر آيان حديث والدته ليلة أمس ليقول بتردد:

-بس ماما امبارح قالت كلنا هنروح علشان جوازه من نور، ماما ممكن تتضايق، علشان نور بنت أختها!!

رمقته زينة باستشاطة ثم قالت بحزم:

-طيب روح إجري ورا أمك، بس لوحدك علشان أنا مش هسيب “لما”

ثم استدارت لتجهز نفسها فنهض سريعًا لكن بحذر فجرحه لم يشفى بعد، لحق بها وهو يردد بعدم رضى:

-زينة استني مينفعش كده

فتحت الخزانة لتنتقي ثيابًا وهي ترد بامتعاض:

-دا بدل ما تسأله سابها ليه وإزاي يعمل كده ويكسرها، تاني يوم يروح يتجوز ومحدش بيحس على دمه

وقف بجانبها قائلاً بجهل:

-أنا معاكي معرفش حصل أيه، بس معنى اللي بيحصل ده إن الموضوع كبير قوي وأنا مقدرش أعمل حاجة

نظرت له زينة لتجده بالفعل صغير ليتدخل في تلك الأمور، لكن بالنسبة لها وقوفها فقط بجانبها في محنتها يكفي فهي صديقتها بل أختها، أكملت البحث عن ما سترتديه قائلة بتصميم:

-برضو هروح عند “لما” وهشوفها، مش ممكن مقفش جنبها

توجس آيان من ردة فعل والدته فهي لن تمرر الأمر، قال بنبرة مستفزة بدت بلهاء:

-خلاص عندي فكرة، إحنا نروح عند زين شوية نفرحله، وبعدين نروح عند “لما” نعيط معاها………..!!

___________________________________

عادت للأسكندرية حيث عقد قرانها الذي سيتم دون أن تتجهز له، تم كل شيء بسهولة لتجد نفسها ما بين الأمس واليوم تتحق رغبتها، تركتها والدتها بمفردها بداخل جناحها بالفندق الخاص بخالها والذي سيتم فيه زواجها، نظرت نور لإنعكاس صورتها في المرآة وهي ترتدي ثوبها الأبيض بشرود، ترددت كثيرًا في القبول رغم أنها كانت تتمنى!!، خاطبت نفسها بعدم اقتناع:

-معقول اللي بيحصل معايا ده، امبارح كان مع واحدة تانية والنهاردة عاوز يتجوزني، هنعيش إزاي هو هيكون لحق ينساها!!

شعرت بأن الجميع تعجل في تلك الخطوة فحتى لم ينتظروا فترة لكن استغربت ردود فعلهم، سألت بتحير:

-هيكون سابها ليه، حصل أيه علشان تاني يوم يتجوزني ويسيبها، اللي فهمته إنه كان عاوزها

حاولت استنباط لما فعل ذلك حتى تذكرت خطة لين معه، قالت مظلمة عينيها بتفهم:

-تلاقيه كان بينتقم منها علشان أخته، مافيش حاجة تانية غير كده!

فور انهائها تلك الكلمات ولجت عليها والدتها ومن خلفها لين التي ترقص فرحًا من أجل تلك المناسبة، هتفت سلمى بسعادة بالغة وهي تدنو منها:

-الكل تحت مستني القمر علشان ينور الحفلة

ابتسمت نور بصعوبة فرددت لين بتهلل:

-مبروك يا عروسة، زين من الأول ليكي إنتي وخلاص رجعلك

لم تعرف نور ماذا تقول؟ لتسأل باهتمام:

-هو سابها ليه؟

ردت سلمى بعدم اكتراث:

-ملناش دعوة، المهم لازم تفرحي أنا مش عاوزة أشوفك زعلانة

أيضًا قالت لين بتأكيد:

-خليكي في حياتك وبس، تلاقيه كشفها على حقيقتها، والحمد لله جات من عند ربنا، عقبال آيان ما يطلق التانية!

ظلت نور واجمة فتلك الخطوة متوجسة منها لا تعرف لما تشعر بعدم الراحة، مسدت سلمى على ظهرها قائلة بلطف لتنظر لها نور بتوهان:

-سيبك من كل حاجة وفكري في حياتك اللي هتبتدي من الليلة مع زين اللي طول عمرك بتحبيه……….!!

____________________________________

وهو واقف بالأسفل وسط أهله وبعض المدعوين من الأقارب لرغبته في ذلك، كونه لا يريد ضجة وتحدث البعض عن سبب انفصاله المباغت ومن بعدها زواجه، لم يعلق زين مع أحد وساعده على ذلك عدم نية البعض في معرفة ما حدث، أثناء وقوفه الخامل انتبه لحضور والدة زوجته السيدة إيمان ومن خلفها السيد كارم، لم يفطن سبب حضورهما فربما جاءوا معترضين على الانفصال، لم يكون هذا السبب حين هتفت السيدة إيمان بنبرة حادة مرتفعة جعلت جميع الحضور يلتفت لها:

-وديت بنتي فين يا حيوان إنت؟

تجاهل إهانتها له ليتعجب من سؤالها، وقفت أمامه فجاءت مريم منكتلة نحوهم ومعها زوجها أيضًا، هتفت السيدة إيمان بصوتٍ عالٍ هائج:

-وديت بنتي فين وعاملي حفلة ورايح تتجوز، مفكر هخليها على ذمتك بعد كده

اندهش زين من عدم عودتها لوالدتها فأين ذهبت إذن؟، رد بمعارضة:

-أنا معرفش هي فين، كل اللي أعرفه إنها سابت الفيلا

التموا حولهم ثم نظرت لها مريم باقتطاب لقلة ذوقها، لكن هي أم وقلبها موجوع ولم تشعر بها، صرخت السيدة ايمان بهيستيرية وبدت نظراتها عدائية:

-بنتي من وقت ما اتجوزتها مشوفتهاش، راحت فين وعملت فيها منك لله، ربنا ينتقم منك

انكسر زين من دعائها عليه ولم يرد احترامًا لها، لكن ردت مريم عليها باحتقار:

-إنتي جاية تدعى على ابني، وبنتك الله أعلم فيها أيه علشان يطلقها وتأتي يوم يتجوز عليها ست ستها

بكت السيدة إيمان وأصبحت ضائعة لعدم وجود ابنتها الوحيدة معها، حزن عليها السيد كارم ليوجه بصره نحو زين قائلاً بنظرات استهجان:

-فعلاً مش راجل، هي دي البنت اللي من يومين كنت بتقول في عنيا ومتخافش عليها، حسبي الله فيك على اللي عملته

صمت زين ولم يرد فقد بات صغيرًا في أعينهم، أخذ السيد كارم زوجته كي تغادر معه وهو يخاطبها بمواساة:

-أكيد راحت عند حد نعرفه متقلقيش، أحمدي ربنا إنه كشفه في الأول

كلماته معها أشعرت زين بحقارته كونه تلاعب بها، لا بل بالجميع، تجاهل الواقفين من حوله وحتى والدته التي تتحدث معه ليتحرك خارج الفندق ليبقى بمفرده، وقف في الحديقة وسط الشجيرات يلعن نفسه ويسب الظروف، قلق بالفعل عليها وهو يسأل نفسه بجهل:

-روحتي فين بس يا “لما”، أنا خايف تعملي في نفسك حاجة!!

توجس بشأنها وقلبه تألم في تلك اللحظة كأنها بالفعل فارقته، اقشعر من ذلك لينفض تلك الأفكار من رأسه، صدح هاتفه وهو واقف ولبعض الوقت قرر الرد حين أخرجه، ظهر رقم غير مدون لديه فأجاب بلا مبالاة:

-مين؟

-مبروك

من نبرتها دق قلبه ليتعارف على صوتها المألوف له، سألها بتلهف:

-إنتي فين يا “لما”؟

ردت بنبرة هادئة حزينة:

-يهمك؟، ما خلاص بقى

انزعج من برودها فهو خائف عليها، هتف بنبرة عصبية:

-بقولك إنتي فين، متنسيش إني لسه جوزك

ابتسمت بسخرية ممزوجة بألم، ردت ببؤس:

-خلاص هترتاح مني، هسيبلك البلد كلها علشان ترتاح خالص، بس مش هانسى اللي عملته معايا وظلمك ليا

تعالت أنفاسه المضطربة وهو يقول:

-مش هينفع تسافري لأي مكان من غير موافقتي

فكرة بُعدها ستقتله ليظل يحارب لبقائها بكل الطرق أمامه، ردت بشجن:

-إنت طلقتني يا زين

-رجعتك، قولي بقى إنتي فين؟

فطنت أنه يريد متابعة إذلالها برده لها، ردت بمعنى:

-أنا أصلاً جهزت ورق مزيف مش باسمي علشان مسافرة دلوقت

اختلج قلبه بشدة ثم وصل لأذنيه من ناحيتها أصوات يعرفها جيدًا، أجل هي بصالة سفر، هتف بصريخ:

-إنتي فين يا “لما” متروحيش لأي مكان

ردت باقتضاب خاتمة للحديث:

-كلمتك علشان كنت عاوزة اسمع صوتك بس، ودا ما يمنعش إني كرهتك ومش عايزة أشوفك تاني

ثم أغلقت الهاتف وهي تبكي وتنتحب بحرقة، جاء والدها ليأخذها من يدها كي تنهض معه قائلاً:

-لا تبكي بنتي، راح يندموا على اللي سوه فيكي، انسيهم يا “لما” ما بيستاهلوا دمعة واحدة منك

ردت بحسرة وهي تجفف دموعها التي تنثال:

-أنا زعلانة علشان هسيب ماما، هتوحشني قوي………..!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

عاود الاتصال بالرقم ولم يجد رد فقد أغلقته، صرخ زين بعنف وهو واقف ثائرًا فكل ذلك بفضله، هتفت بهياج:

-سافرتي ومنتقمتش منك، بتجوز ليه أنا دلوقتي

ثم بكى دون إرادة منه وقد أخفض رأسه نادمًا، جاء آيان من خلفه برفقة زينة ثم همس لها بنزق:

-باين كده هنعيط عند الاتنين

نظرت له زينة شزرًا من تفاهته، تقدموا نحو زين وهو بحالته تلك ليسأله آيان بحذر:

-زين مالك؟

انتبه زين لحضورهما ثم نظر لهما بضياع، رد مبتسمًا بتهكم أصدمهما:

-“لما” سافرت وسابت البلد كلها…………………….!!

____________________________

___________________

____________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق