رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثاني والخمسون 52 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثاني والخمسون

الفصل الثاني والخمسون

الفصل الثاني والخمسون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثاني والخمسون:

قام “خليل” بإيقاظ أبيه..فنهض واستجاب معه جالسًا على طرف الفراش..وبعيناه الناعسة تابع وقوفه وعدم مغادرته..والتقط رغبته بالحديث معه…

خرج صوته متسائلًا عما يحدث وما يريد:

-خير يا ابني في حاجة؟ وقفتك دي اكيد وراها كلام وحكايات..

هز رأسه يؤكد له متمتم بحنق طفيف:

-ده حقيقي يا بابا..في حاجات كتير بتحصل مش عجباني..ومترضيش حد ولا ترضي ربنا..

عقد حاجبيه وتساءل بفضول:

-حاجات ايه دي؟

زفر خليل قبل أن يبدا حديثه وجلس بجواره، متحدثًا بهدوء:

-قبل أي حاجة أنا مش قاصد اني اوقع بين حضرتك وبين ماما..بس الموضوع زاد أوي عن حده يا بابا…

لانت تعابير سلطان وقال بنفاذ صبر متسائلًا بينه وبين نفسه عما فعلته زوجته و اثار حنق خليل الهادئ الى تلك الدرجة:

-عارف انك مش بتوقع ومدام جاي تكلم معايا فيه يبقى الموضوع كبير..قولي ايه اللي حصل.

-دلوقتي احنا عارفين أن جابر حساس..واي كلمة بتوجعه وانه مبيبينش ده…وماما مش رحماه..كل شوية تفكره…و تعايره..وبصراحة مش لقيلها مسمى ..المفروض أنها متكلمش في القديم وتشجعه على اللي هو فيه..بس إزاي لازم كل ما تشوفه تسم بدنه..اه هو مش مبين..ومش بيرد..بس انا حاسس أنه بيبقى من جواه بيغلي…لانه اكيد ندمان على اللي كان بيعمله وهي بتفكره بـ ده وكدة مينفعش..

انتهى ملتقطًا أنفاسه…ثم أضاف يرجوه:

-ارجوك يا بابا اتكلم معاها..ماما مبتسمعش غير منك..ولو هي مش واخدة بالها ده دورنا أننا نوعيها للي بتقوله وكل حرف بتخرجه قدامه…

ظهرت بسمة فخورة على وجه سلطان…محتضن وجه ابنه بين راحة يديه، قائلًا:

-رغم انك اصغر واحد..إلا أنك اعقل واحد..ربنا يكملك بعقلك يا بني…ويقربك منه كمان وكمان…وبخصوص أمك فـ أنا هتكلم معاها متشغلش نفسك..

قبل خليل يديه بامتنان ثم تحدث ببسمة ارتسمت على محياه:

-حبيبي يا بابا..بس عشان خاطري براحة عليها..انت عارف ماما..

أكد له هذا ولم يتوقف خليل عند هذا الحد بل تابع وسرد عليه ما يضايقه أيضًا:

-تاني حاجة بقى مضيقاني هو عابد يا بابا…وشغله انا مش عارف إزاي حابب اللي هو بيعمله ده..ده بيغضب ربنا..ده حرام !! والمصيبة أنه عارف واحنا حذرناه كتير…وطلاقه من وئام خلاه يسوء فيها اكتر.

ظهر الأسى على قسمات أبيه، وعقب بسأم:

-اعمل معاه ايه يا خليل انا غُلبت وتعبت كلام معاه..وعلى يدك ويد اخواتك وامك في الأول خالص لما قالي أنه عايز يشتغل الشغلانة دي..انا عملت معاه ايه ونصحته قد إيه..بس الكلام كان بيدخل من ودن ويخرج من التانية..حتى لما بقى معانا فلوس مفكرش يسيبها ويشوف حاجة تانية…وهو مش صغير.. وكبير و واعي كفاية…فـ اكيد مش هجيبه وامده على رجله واقوله اعمل كذا ومتعملش كذا..مش هينفع..وهيعند اكتر..لازم رفضه للشغل يجي منه عشان ميرجعلوش تاني..

ضم شفتاه بتفكير عله يصل لحل ويبعد أخيه عن هذا العمل…وبعد لحظات قليلة كان يقترح على والده:

-طيب إيه رأي حضرتك تقوله يجي يشتغل معانا في المطعم وانك هتفتح فرع تاني..ومحتاجة معانا..ولو على الصالون يمسكه لاي حد…

تنهد سلطان ورد وهو ينهض عن الفراش:

-هكلمه ويارب يوافق…

ردد خليل من خلفه:

-يارب.

***************

-لا..انا مش هينفع احضر من غيركم انا بعتبركم عيلتي التانية يا جابر متهزرش..

أبدى “خالد” اعتراضه واحتجاجه على رفضهم الحضور غدا…فقال جابر الجالس على طاولة الطعام وهو يحدق بأخيه عابد الجالس أمامه مباشرة:

-مش بهزر يا خالد والله..وعلى عيني وعينهم..بس من بعد طلاق عابد و وئام.. وأحنا بنحاول على قدر ما نقدر اننا منحتكش بيهم..الجو هيبقى مشحون جامد..اه بيعاملونا حلو..بس برضو..فأعذرنا بقى..

حضر سلطان وخليل واستمعوا إلى حديثه الأخير..فتساءل أبيه وهو يجلس محله على الطاولة:

-مين اللي يعذرك؟ بتكلم مين!

-ده خالد يا بابا مصمم نحضر بكرة معاه وانا بقوله مش هينفع..

زفر سلطان وعقب بهدوء:

-قوله عشان خاطرك انت بس يا وش السعد هنيجي وهنحضر…

رفع عابد نظره عن هاتفه الذي كان يدعي انشغاله به..رغم تركيزه الشديد معهم، معلقًا:

-أنا لا هروح ولا هاجي..عايزين تروحوا انتوا اتفضلوا حقكم ومش هقولكم حاجة دول مهما كان نسايبكم برضو..

التوى ثغر نضال للجانب وسخر منه ومن حاله:

-وكانوا نسايبك انت كمان..بس معلش ملكش نصيب انك تكمل مع واحدة زي وئام..انت تستاهل اللي انت بتكلم معاهم دلوقتي..هما دول اللي شبهك…

اما جابر فكان يتابع ما يحدث من مشادة كلامية على وشك الحدوث بين اشقائه مخبرًا خالد بموافقتهم وحضورهم غدا معه…مغلقًا معه مستمعًا لرد عابد على نضال:

-والله اللي اعرفه انك مدام مش فاهم ولا عارف حاجة يبقى تخرس وتحط جزمة في بُقك..ومتسمعنيش حسك…

انفعل نضال وهب يزمجر به:

-الجزمة دي انت اللي تحطها في بُقك مش أنا..او اقولك اضرب بيها نفسك احسن..عشان مش أنا اللي طلقت مراتي..أنا الحمدلله لسة معاها ومش ناوي اسيبها واستغنى عنها…

هب عابد هو الآخر تزامنًا مع قدوم دلال من المطبخ حاملة الأواني، صارخًا عليه بصوت هز الإرجاء:

-اتلم يا نضال عشان مش عايز امد ايدي عليك..

هنا وتدخل ابيهم معقبًا بغضب مكتوم وهو يبدل نظراته بين الاثنان:

-لا مدها..وانت يا نضال مدها..ولا كأني موجود..

رد نضال بنبرة حاول إخراجها هادئه:

-انت مش شايف يا بابا اللي بقى بيهببه دلوقتي..وازاي طلق البت ومفكرش في شكلنا…انت يا أستاذ يا محترم يا اناني خليت شكلي انا واخوك أشرف وحش قدام العيلة..نبص ازاي في وشهم وانت مطلق البت من غير ما تقول أي اسباب أو مبرر لعملتلك المهببة…حتى اخوك خليل كان المفروض هيتقدم لفجر ولحد دلوقتي واقف محلك سر بسببك وبسبب هطلك…

نهض خليل يدافع عن أخيه عابد متمتم بكلمات كاذبة أراد بها إلا تسيء حالة أخيه:

-لا يا نضال أنا مش واقف محلك سر بسبب عابد..او بسبب اللي حصل..انا فكرت ولقيت نفسي مش جاهز للخطوة دي على الأقل دلوقتي…

قطبت دلال حاجبيها وصاحت وهي تترك الأواني على الطاولة:

-يا مصيبتي يعني إيه مش جاهز للخطوة دي؟؟ هتستنى ايه!! لما البت تضيع منك ؟

يا خيبتك يا دلال ويا خيبة عيالك يا دلال…

كادت تكمل لولا صراخ سلطان عليها:

-اسكتي يا دلال….وانتوا اقعدوا ومش عايز اسمع ولا حس…وانت محدش ضربك على إيدك وقالك هتحضر مش عايز انت حر..اقعدي يا دلال يلا…

وبالفعل جلست وهي تشعر بالتذمر الشديد سواء كان من أبنائها أو زوجها..

وبعد وقت انتهوا فيه واتجه كلا منهما إلى غرفته…

والآن داخل حجرتها هي و زوجها نجد ذلك الشجار القائم بين الأثنان:

-أنا عايز افهم امتى هتبطلي تقولي اي حاجة تيجي في دماغك…يا ولية اتقي الله الواد اتغير ده بدل ما تشجعيه بتفكريه باللي كان بيعمله…انا مش فاهم أنتِ بتفكري ازاي ومنين بصراحة…

-ايه بفكر منين دي بفكر من دماغي..وبعدين أنا مقولتش حاجة..هو الكلام بيخرج كدة يا سلطان..وهو عارف أن أنا كدة ومش بيزعل مني..

هز رأسه ينفي هذا متمتم:

-لا بيزعل يا دلال..بس مش بيبين..زي بضبط ما كان بيزعل زمان وبرضو مش بيبين..اتقي الله ومتجبيش سيرة الموضوع ده تاني قدامه..والا والله هيكون ليا تصرف مش هيعجبك..وأنتِ حرة بقى..ابقى اعرف انك ضايقتيه بكلامك.

هدأت ملامحها ورفعت سبابتها تشير نحو نفسها بحزن واضح:

-انت بتحلف عليا انا يا سلطان..و بتهددني..ماشي..تصبح على الخير..

قالتها وهي تتحرك نحو باب الغرفة تنوي المغادرة.. كما انتظرت منه أن يستفسر منها إلى اين ستذهب؟؟ لكنه لم يتحدث ولم ينطق بحرف واحد…مما جعلها تغتاظ وتشتعل مغلقة الباب بقوة مقررة النوم بغرفة اخرى…

******************

في اليوم التالي..

كانت “وعد” تتحدث مع أشرف الذي قام بمهاتفتها بهذا الصباح واخبرها بالآتي:

-بأذن الله هنيجي انهاردة مع خالد.. علشان كلمنا امبارح وبابا اداله الاوكى..و طبعا عابد مرضيش وقال مش جاي..

قفزت مكانها فرحة وتساءلت بحماقة عالية متجاهلة هذا الجزء الذي يخص أخيه:

-بجد..ولا بتهزر..طب وانت جاي معاهم؟؟

كز على اسنانه مما تردف به فـ للتو أخبرها بمجيئهم والآن تستفسر منه عما إذا كان سيأتي أم لا:

-لا مش هاجي..وهقعد في البيت اغسل المواعين لأمي..

-الله بتعرف تغسلهم..طب حلو عشان تبقى تغسلهم عشان أنا مليش خلق ليهم بصراحة..

-نعم يختي !! هو أنا اللي هغسلك المواعين؟

-اه اومال انا متجوزاك ليه انا مبحبش اغسل المواعين..

رد على الفور بكلمات وقحة جعلت لسانها ينعقد تمامًا ويعجز عن الرد:

-ولا أنا بعرف..بس اعرف حاجات تانية كويس اوي..

لاحظ سكونها وانطلقت ضحكاته يعلق على هذا الصمت:

-روحتي فين؟؟ القط كل لسانك ولا إيه؟

-لا موجود..انا هقفل عشان احط دراي لميشو و انزل افطر سلام..واه ياريت متجيش فعلا..

أجاب مستعينًا بكلماتها التي سبق طرحها عليه:

-من ورا قلبك يا ام عيالي مستقبلًا انتِ..يلا سلام.

اغلقت معه ومسحت على وجهها..ثم وضعت الطعام للقط..وهبطت للأسفل..فوجدت كلا من وئام و أبرار وداليدا وثراء يتناولون الإفطار.. أما البقية فقد انهوا فطارهم والبعض الآخر لم يستيقظ بعد..

نظرت لـ أبرار التي تلتهم الطعام مرددة ببسمة ومزاح:

-اهدي على نفسك عشان الفستان يدخل فيكي بليل ها..

ردت عليها وهي تبتلع تلك اللقمة القابعة بين يدها:

-هيدخل متخافيش كدة كدة ما بتخنش…

اختفت البسمة ونظرت لجسدها متذكرة كلمات أشرف حول وزنها وكيف ازدادت فعادت تنظر إليها مرددة بترقب:

-أنتِ قصدك اني تخنت؟؟

تبادلوا النظرات وأجابت ثراء عليها:

-هي نطقت يا بنتي..أنتِ عايزة تتشاكلي مع حد صح ؟؟ اعترفي وقولي الصراحة..

-يا ستي ولا جاية اتشاكل ولا بتاع انا جاية اقولكم أن أشرف كلمني وقالي أنهم هيجوا بليل مع خالد..

انتهت مطالعة وئام، قائلة بلامبالاة:

-ما عدا عابد..مش جاي..وعلى فكرة محدش من عنده يعرف حاجة غير أشرف أنا حكيتله اللي حصل و

انتفضت وئام عن الطاولة بأعين قد ضاقت غضبًا وقسمات محتقنة:

-حكيتي إيه يا متخلفة انتِ؟؟؟

حدقت بالفتيات وببصرهم الذي بات موجهًا نحوها، مجيبة بحنق:

-لمي لسانك وبعدين هكون حكيت ايه يعني..حكيت اللي حصل طبعا وليه اطلقتوا…

صرخت بها وئام بعصبية:

-أنتِ غبية بجد ولا بتستعبطي وعملة نفسك عبيطة ! بتحكيله على اي اساس أنتِ وأنتِ مالك اصلا بتدخلي ليه…

دخلت فجر التي باتت مستعدة للذهاب رفقة وئام وثراء:

-في ايه بتزعقوا ليه؟؟

أشارت وئام نحو وعد وهي تتحدث بسخرية:

-تعالي شوفي الهانم..رايحة تحكي كل حاجة لاشرف ده بأي حق ده؟؟ انا غلطانة اصلا اني بحكي لعيلة زيك مبتحافظش على السر..كتك القرف..

قالت الأخيرة وهي تنطلق للخارج.. ابتلعت وعد ريقها ورغم شعورها بأنها قد ارتكتب خطأ كبير إلا أنها لم تتحمل الصمت عن إهانتها وعقبت على تطاولها:

-كتك القرف أنتِ وبعدين ايه يعني لما احكيله..

طالعت الفتيات مرة اخرى فوجدتهم يحدقونها بنظرات معاتبة…

نهضت داليدا عن الطاولة وهي تخبرها قبل أن تغادر هي الأخرى  :

-برافو يا وعد عرفتي تضايقيها..ده انا محكتش لـ نضال رايحة أنتِ تحكي لاخوه..لا حقيقي برافو.

اما عن ثراء وفجر فلحقوا بـ وئام ولم يتبقى سوى ابرار معها والتي تذكرت ما فعلته هي الأخرى وكيف فضحت أمر داليدا وجابر لـ ثراء..

جلست وعد أمامها وبنظرات متهربة سألتها:

-هو انا مكنش ينفع احكي صح؟

هزت رأسها لها متمتمة بخفوت وندم على ما فعلته هي الأخرى:

-صح..و وئام معاها حق تزعل بصراحة..

*************

وصلت فجر رفقة ثراء و وئام التي أصرت على ارتداء حجاب طويل على ملابسها وأبت الخروج بخصلاتها.. إلى إحدى المتاجر المخصصة للفساتين الخاصة بالمناسبات…وانتقت بمساعدة فجر و ثراء فستان أزرق اللون محتشم لا يظهر أي شيء من مفاتنها لإتساعه وعدم التصاقه على جسدها..كما جلبت له طرحة تناسبه.

ثم ذهبوا قاصدين محل آخر للملابس الحريمي وبدءوا بشراء ما يناسبها ويساعد على إخفاء وستر جسدها عن الأعين…وأثناء قياسها لإحدى القطع..دنت فجر من ثراء بعد أن التقطت لها قطعة ملابس علوية محتشمة داكنة اللون يغزوها ورود بسيطة:

-ايه رأيك في دي عليكي هتبقى حلوة أوي..

اخذتها ثراء من يدها وصاحت ببسمة:

-هدخل اقيسها..

وبعد وقت كانوا بمحل متخصص للحجاب وأثناء أنهماكهم بالاختيار..

تحدثت ثراء ببسمة سعيدة وهي تنظر للاثنان:

-بقولكم ايه انا كمان عايزة اتحجب..

لمعت عين وئام واستفسرت منها:

-متأكدة؟

هزت لها رأسها فعضت فجر على شفتيها تخبرها بحماس:

-انتوا مش متخيلين فرحتي بيكم قد إيه..خلونا نخلص هنا وبعدين نرجع على محل السوارية نجبلك فستان أنتِ كمان..كدة كدة لسة معانا وقت كتير يلا…

بعد وقت ليس بقليل كانوا بسيارة وئام..فأخبرتها فجر قبل أن تدير السيارة:

-وصليني بقى في سكتك لـ ايمان و روحوا انتوا وأنا مش هتاخر معاها وهاجي علطول.

قطبت ثراء الجالسة بالخلف حاجبيها ورددت بدهشة:

-وتروحي لـ إيمان ليه انهاردة؟ هو ده وقته !!

-هي عايزاني وصوتها مكنش طبيعي..

اقترحت وئام هي الأخرى:

-طيب ما كانت تيجي هي بليل وخلاص مدام مُصرة اوي كدة..

ردت فجر بهدوء وهي تنظر بالطريق أمامها:

-بتقولي عايزانا نكلم لوحدنا..حتى أكدت عليا اجي لوحدي..

تبادلت وئام وثراء النظرات بالمرآة بعدم ارتياح..فصاحت ثراء ببسمة:

-خلاص احنا هنطلع معاكي عشان نروح مع بعض مدام كدة كدة مش مطولين..

التفتت لها فجر قائلة بمرح:

-يا بت بقولك قالتلي لوحدك..يعني على بلاطة كدة مجبش حد معايا..

هنا وارتفع رنين هاتف فجر يعلن عن اتصال منها..

ردت عليها وأجابت على استفسارتها تخبرها بأنها بالطريق…غافلة عن القلق الذي نشب بقلوب التوأمتان..وشعروا بوجود شيء ما..فهما لا يحبان تلك الفتاة بالمرة..ويدركان بأنها تبادلهم هذا الشعور رغم ما تحاول إظهاره من حب نحوهم.

اغلقت فجر معها ولم تكمل دقائق حتى وجدتها تتصل من جديد وتستفسر عن مكانها لا تدري بأن اتصالاتها تلك لا تزيد الاثنان الا قلق وخوف على فجر…محاولات التخمين فيما تخطط إليه..

صفت “وئام” السيارة أسفل البناية..مستمعة لكلمات فجر الممتنة:

-حياتي حياتي..تسلمي يارب..يلا روحوا بقى وانا مش هتاخر..

وقبل أن تترجل كانت وئام تمسك بيدها تخبرها ببسمة تحاول إخفاء أي شكوك:

-احنا مش هنمشي وهنطلع معاكي..وبعدين مدام كدة كدة مش مطولة يبقى نستناكي ونروح كلنا بالمرة ولا ايه يا ثراء.

-أيوة..

بدلت فجر بصرها بين الاثنان وقالت بقلة حيلة:

-بس أنا قولتلكم قالتلي عايزاني لوحدي الموضوع خاص؟؟

-يا ستي خاص ولا عام..احنا هنطلعك ونسلم عليها عشان عيب وبعدين ننزل نستناكي هنا يلا بينا..

وبالفعل ترجلوا الثلاث من السيارة و دخلوا البناية و وصلوا للطابق المنشود…

بداخل المنزل كان يقف بابتسامته الشيطانية أمام المرآة ينثر على ملابسه من عطره الرجولي..يدندن بسعادة مستعدًا لما عليه فعله بعد قليل…فتلك الحسناء..ذو الأخلاق العالية..سيسلبها اعز ما تملك دون يرف له جفن ودون أن يضطر إلى الزواج منها…

قرع جرس الباب مما جعله يترك زجاجة العطر وتزيد ابتسامته عبثًا وخبثًا..متوجهًا لفتحه..

وقبل أن يفعلها كان يخفي بسمته ويُحضر كلماته..وترحيبه ويخبرها بأن شقيقته بالداخل وبالطبع ستصدقه وستلج وسينغلق عليهم بابًا واحدًا…

لكن كانت صدمته قوية وهو يراها أمامه لكن ليست بمفردها بل معها إثنان من أقاربها الذي سبق له رؤيتهم بكتب الكتاب…

ابتلع ريقه وبدأت كلماته بالضياع…

رمقته وئام بنظرة شاملة من اعلاه لاسفله و رائحة عطره تصل إلى أنفها…متسائلة بجمود:

-اومال فين إيمان مش المفروض عارفة انك جاية؟

هزت فجر كتفيها بعدم معرفة وألقت السلام عليه:

-السلام عليكم..ازيك يا استاذ انس..

وبتلعثم واضح كان يجيب:

-كويس..اتفضلوا..

ضاقت عين ثراء ولاحظت تلعثمة وتوتره فسألته بشك واضح:

-ممكن تنادي إيمان علشان نسلم عليها ؟

التفتت فجر للاثنان من عدوانيتهم الواضحة تجاهه.

لم يهتموا لها ولاحظوا سكونه وتلك الحُبيبات من المياه التي بدأت بالتجمع أعلى جبينه..

ارتفع حاجبي وئام واردفت بسخرية واضحة وعيناها تجوب داخل المنزل:

-هو أنت ساكت ليه..وفين أختك؟!

بلل شفتيه واجابها:

-نزلت تجيب حاجة وطالعة علطول اتفضلوا..

وقبل أن ترفض فجر المندهشة من هبوط صديقتها رغم معرفتها بمجيئها…كانت تسبقها ثراء:

-لا شكرا احنا هنمشي وهنبقى نيجي وقت تاني يلا يا بنات..

ازدرد ريقه وانتظر تحركهم حتى اغلق الباب يتنهد براحة لخروجه من هذا المأزق…

وقبل أن يخطوا اي خطوة أخرى هتفت وئام بنبرة سريعة:

-طلعي تليفونك واتصلي بصاحبتك بسرعة وافتحي الاسبيكر…وقوليلها انك لسة في السكة وشوفيها هتقولك ايه بس بسرعة يا فجر…

و رغم عدم فهم الأخرى لسبب هذا إلا انها فعلت واجابتها إيمان التي كانت تقف بعيدًا عن منزلها تنتظر سيارة أجرة كي تذهب لأحد أقاربها:

-ايه يا فجر بقيتي فين يا بنتي انا مستنياكي.. اتاخرتي ليه كدة.

وبشك تمكن من فجر سألتها:

-هو أنتِ في البيت يا إيمان؟

-أيوة ومستنياكي كل ده يا بنتي وقربت اخلل من القعدة….

لانت تعابير فجر ولم تستطع بالبداية استيعاب ما يحدث حتى انتشلت وئام الهاتف من يدها واغلقته قائلة لها بغيظ:

-ولاد الكلب كانوا ناويين على نية سودة..وربنا لوريه…

انتهت عائدة أمام باب المنزل قاطعة عبثه بالهاتف كي يهاتف شقيقته ويخبرها بما حدث…ضاربة عليه بقوة براحة يدها وثراء من خلفها

فتح الباب وتفاجئ بعودتهم وعلى الفور انتشلته من ملابسه وبدأت بالصراخ بالبناية:

-اه يا ولاد الكلب..كنتوا متفقين على ايه ها..بقى اختك تقولها تعالي بكرة لوحدك ودلوقتي انت تقول نزلت تجيب حاجة..وهي تقول في البيت..واحنا هُبل بقى مش كدة..مختومين على قفانا صح….ده انا هوديك في داهية يا معفن…انت واختك الاعفن…يا ****

قالت الأخيرة وهي تستجيب لمحاولته بالتملص ضاربة إياه اسفل جوفه بقوة جعلت وجهه احمر اللون…وينحني جالسًا على الأرض يصدر انينًا متألمًا….

جذبتها ثراء بعد أن لاحظت جلوس فجر أعلى الدرج في حالة سكون تامة..مخمنة بأن دموعها تهبط الان خلف نقابها.

وكان تخمينها صحيحًا فهي لا تصدق ولا تستوعب ما كانت ستفعله بها..من المفترض أنها صديقتها إذًا كيف كانت ستفعل بها هذا…..

فمن المؤكد بأنها لا تجلبها كي تجلس وتتحدث مع أخيها بمفردهم بالمنزل… وأنه كان ينوي تدميرها بمساعدة شقيقته….

أغمضت جفونها بألم فتلك الحوادث عن الخيانة والطعن بالظهر بواسطة الرفيقة لم تقرأ عنها سوى بالأخبار ولم تراها على أرض الواقع….وفي الواقع أنها الان تتألم..وتشعر بأن هناك خنجر يرتكز بقلبها..فكيف ستثق بالبشر من بعد خيانة الصديقة…حقًا لا يجب أن ننخدع بالوجوه فالله أعلم بما في القلوب….

****************

فتحت “هدير” باب المنزل الذي يقرع جرسه..فوجدت أمامها طليقة أخيها..

وبدون أن تتبدل معالم وجهها كانت تتساءل عن سبب وجودها:

-خير جاية ليه؟ لو عشان ابنك فهو في المدرسة..

هزت راسها يمينًا ويسارًا وهي تقول:

-لا مش عشان وسام…وعارفة أنه في المدرسة زي ما عرفت انكم رجعتوا..انا عايزة اتكلم معاكي ومع ناهد هانم…

عقدت هدير ساعديها وشارفت على الرفض لولا مجئ والدتها وسؤالها عن الطارق:

-مين يا هدير اللي واقفة بتكلمي معاه د

قطعت جملتها وهي ترى نيفين..وحدث معها ما حدث مع ابنتها حيث حافظت على جمود وجهها و راقبت اقتحام نيفين المنزل وقولها بنبرة باكية:

-ناهد هانم عايزة اتكلم معاكي.. عارفة انك مبتحبنيش بس واثقة انك بتحبي وسام وخالد…زي ما أنا بحبهم وعرفت قيمتهم بعد ما خسرتهم..واكيد اللي خالد عايز يتجوزها دي مش هتحبهم قدي..

هنا ولانت قسمات ناهد و وافقتها على هذا:

-فعلا وايه كمان…

تملكها الأمل من تجاوبها وتابعت راغبة في مساعدتها لها كي تتخلص من تلك الفتاة..وتعود المياه لمجاريها مع خالد:

-أنا واثقة أن حضرتك هتساعديني لما تسمعيني..انا مبقتش نيفين القديمة..انا اتغيرت…

هنا ورسمت الاسى على وجهها وعقبت على كلماتها الأخيرة:

-والله يا نيفين الشويتين دول تعمليهم على اي حد الا انا..وبعدين قوليلي هو ديل الكلب بقى بيتعدل ولا إيه؟؟

تلاشى املها وكل أحلامها فقد علمت بأن استماعها وموافقتها على كلماتها بالبداية لم تكن سوى سخرية منها…

حاولت الحديث فقاطعتها هي بقوة:

-اسمعي يا حلوة..انا معنديش في الدنيا دي اعز من تلاته..هما هدير وخالد و وسام..غير كدة معنديش..وميهمنيش غير سعادتهم..وسعادتهم دي لاقوها مع اللي حبتهم فعلا اكتر منك..ودليل ده انهم كمان بيحبوها..ما اصل انا مش هحب حد مبيحبنيش..وهي اكيد تستاهل ده..وأنتِ صفحة واتقطعت واترمت..الحسنة الوحيدة اللي عملتيها انك خلفتي وسام اللي الحمدلله مطلعش شبهك وطلع شبه ابني الخالق الناطق…

ابتلعت ريقها وبخوف من تلك المرأة ذو النفوذ والشخصية القوية الصارمة أمام الجميع:

-يعني إيه يا طنط..

ردت عليها هدير من خلفها بسخرية:

-يعني شيلي فكرة انك ترجعي لخالد دي عشان ده مش هيحصل…وهيتجوز اللي تستاهله ولو على ابنك هتشوفيه مش هنحرمك منه…ولو فكرتي تعكنني على اخويا او مراته أو حتى تقومي ابنك هتندمي ندم عُمرك…

ابتسمت ناهد لابنتها ثم أضافت على حديثها:

-الزيارة خلصت وكان نفسي اقولك نورتينا..بس مع الأسف مبعرفش اكدب..

****************

بعد غلقها مع “فجر” اوقفت إحدى سيارات الأجرة واستقلت بالمقعد الخلفي والقت عليه العنوان التي ترغب بالذهاب اليه..ثم نظرت من زجاج النافذة بجوارها..تغفل عن نظرات هذا السائق المختلسة إليها عبر المرآة…وكيف قام بتحريك المرآة ومر بعيناه على ما يظهر له من جسدها خلالها…

ابتلع ريقه..وعبث بهاتفه قليلًا يراسل أحد اصدقائه..وبعد وقت قليل توقف واستقل شخص ما بالمقعد الأمامي…

قطبت “إيمان” حاجبيها ونظرت إليهم بنظرات لا تفهم شيء مما يحدث ومن هذا ولما صعد معه..

ابتلعت ريقها و رات هذا الشخص الذي صعد للتو كيف يلتفت إليها ويناظرها بنظرات جعلتها تشعر بالاشمئزاز..

قائلة بصوت خرج بصعوبة:

-على جمب لو سمحت…

وكأنه لا ينصت إليها ولم يتوقف سالكًا طريقًا آخر…مستمعة لكلمات الآخر:

-ما تهدي يا حلوة مالك..خايفة كدة ليه؟ متخافيش ده احنا هنبسطك..

تسارعت دقاتها بخوف وبدأت بالصراخ عليهم:

-بقولك نزلني انت وهو..عايزة انزل نـ

ابتلعت كلماتها بجوفها وهي ترى الشخص الجالس جوار السائق يخرج آله حادة (مطوة) ويصوبها نحوها يهددها بنبرة مخيفة:

-اخرسي بدل ما اشقك نصين يا بت…

هبطت دموعها دون أن تشعر وهي تنظر حولها بضياع فها هي يحدث معها ما كان ينوي أخيها فعله وكانت على علم به…حقًا كما تدين تدان…

يتبع.

فاطمة محمد.

وطبعا مش محتاجة اقولكم اننا داخلين على فصول عنب هتحبوها اوي وفيه بنوتة قمر اسمها هايز من

متابعيني

ومحبين الرواية عيد ميلادها انهاردة حبيت انفذ رغبتها و اقولها مع الفصل كل سنة وأنتِ طيبة وسنة سعيدة عليكي يا قمر😂❤️❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق