رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الحادي والخمسون
الفصل الواحد والخمسون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الواحد والخمسون:
-يعني هي لما كانت بترد عليه كانت بترد تهزقه بس !
ردد “أشرف” تلك الكلمات بصدمة واضحة..
هزت وعد رأسها للاعلى وللاسفل تؤكد له، قائلة:
-آه..بس طبعا عابد لما شاف انها بتكلمه مفهمش ده..وفعل وضعية الحمار المتهور. علطول وقام مطلق البت.
حدقها بأعين نارية، مدافعًا عن أخيه باستماتة:
-لمي لسانك ها عابد معذور..وبعدين المفروض يعمل ايه وهو شايف مراته بترد على صاحبها وبتكلم معاه من وراه..ايه بيشم على ظهر ايده عشان يعرف ايه اللي كان بيحصل في المكالمة..
-لا مش بيشم بس كان يسمعها..يعرف ك
قاطعها بأستنكار مغمغم بعصبية واضحة:
-أنتِ بتقولي اي كلام على فكرة..
لأن لحظة الغضب والغيرة الواحد مبيفكرش…غضبه بيبقى عميه..ومسيطر عليه.. فأكيد مش هيركن غضبه ويقولها ايه يا حبيبتي رجعتي تكلمي صاحبك ليه…وبعدين إيه بتهزقه دي؟؟ هي متعرفش حاجة اسمها بلوك ؟!!
ردت عليه بأعين حانقة:
-طب انت بتزعقلي وبتتعصب عليا انا ليه دلوقتي؟؟ انا مالي.. هو أنا اللي قولتلها ترد وتكلمه..
-ما أنتِ بتعصبيني يا وعد…بقولك ايه انا نازل.. وهبقى اكلمك بليل سلام..
كاد يتحرك حتى ينزل عن تلك الشجرة لولا يدها التي مسكت بمرفقيه مغمغمة بلهفة:
-استنى يا أشرف عايزة اطلب منك طلب قبل ما تنزل..
انتظر وضيق عيناه بترقب، قائلًا:
-اشجيني.
ابتلعت ريقها وبنعومة شديدة كانت تخبره وهي تفرك يدها:
-هتوافق يعني على اللي هطلبه منك؟
-مش لما اعرفه الاول..ها قولي وهاتي اللي عندك..
عضت شفتيها بحماس ثم أخرجت هاتفها، مغمغمة بحماس وبسمة ارتسمت على محياها:
-عايزة نتصور سيلفي بقعدتنا على الشجرة..احنا مش كل يوم بنطلعها فلازم نستغل اللحظة دي..يلا…
-هو أنتِ ليه محسساني أننا في رحلة..يا شيخة..
كاد يطلق لفظًا قد يكون بذئيًا فجًا…
فأسرعت واضعة يدها على فمه مرددة بترجي:
-عشان خاطري يا أشرف..صورة واحدة بس..واحدة بس عشان خاطر وعد خطيبتك سابقًا ومراتك حاليًا وام عيالك مستقبلًا…
نظر بعمق داخل عينيها ومع هذا الترجي وتلك النبرة لم يعترض..بل هدأ روعه وارتخت ملامحه…
قائلًا بصوت مسموع وشبه بسمة:
-ماشي..بس واحدة بس…
تفاقمت ابتسامتها اتساعًا واقتربت منه..رافعة يدها بالهاتف…ملتقطة لهم تلك الصورة…الذي باغتها أثناء التقاطها لها..مقبلًا إياها على جبينها…
اتسعت عيناها ونظرت إليه ثم الى تلك الصورة التي التقطته وهو يقبلها، قائلة بحنق رغبت بإظهاره كي تخفي خجلها وهيامها به:
-ينفع كدة بوظت الصورة..
-اقسم بالله ما بتفهمي..دي كدة أحلى يا حمارة..
قالها وهو يغمز لها بوقاحة….ابتلعت لعابها وقالت وهي تقترب منه من جديد وترفع هاتفها كي تلتقط صورة أخرى..
وقبل أن تفعلها كان يبتسم لها متمتم:
-هي البوسة عجبتك ولا إيه..
نظرت إليه متمتمة بغيظ:
-لا…واتصور بأدب..انت مش شاقطني يا استاذ..انا مراتك…
وعلى غير المتوقع باغتها بصراخه مهللًا بصوت افزعها:
-الله اكبر…يعني معترفة انك مراتي…قولي لنفسك بقى.. وبعدين متكبريش الموضوع دي بوسة على الخد..احمدي ربنا أنها مش
بترت جملته قائلة من بين اسنانها مقررة عدم التقاط أي صور لهم…
-تصدق انا غلطانة اني عايزة اسجل اللحظة.. وعلى فكرة أنت قليل الأدب…وجدًا كمان.
قهقه عاليًا وتحرك كي يقفز ويترك تلك الشجرة..لكن قبل أن يفعلها دنا منها حتى باتت شفتيه جوار أذنيها يهمس لها:
-وانتِ بتعشقيها يا روحي وجدًا كمان..
تركها بصدمتها واقفًا بالاسفل قائلًا بضحكة:
-يلا انزلي عشان اساعدك ومتقوعيش تكسري أو تكسر رقبتك..يلا…
وبغيظ وخجل ودقات متسارعة أخبرته:
-ملكش دعوة انا هنزل لوحدي زي ما طلعت لوحدي مش عايزة حاجة منك….
-مش بمزاجك يا حلوة..
يلا انزلي..
عقدت ساعديها مبدية رفضها واحتجاجها:
-قولت لا..
مط شفتاه وزيف تفكيره، قائلًا بمرح:
-خلاص كدة مضطر اطلعلك تاني..بس صدقيني لو طلعت تاني مش هنزل غير وانا واخد بـوسة بس المرة دي
خمنت ما أوشك على قوله، فسارعت بتحركها واستعدادها للهبوط..
-خلاص..خلاص نازلة يا ساتر عليك..
وقبل أن تلامس قدميها الأرض كان يتلقفها ويحملها على ذراعيه رغمًا عنها..قائلًا لها قبل أن يحررها:
-لا تقيلة اوي يخربيتك..محتاجة تعملي رجيم..
جحظت عيناها بعد أن تركها ولامست قدميها الأرض.. مهللة:
-مين دي اللي تقيلة يا أخويا…
-أنتِ يا روحي ومتقوليش أخوكي دي بدل ما الطشلك وأسقف على وشك.
لكزته بذراعيه بغل:
-وانت متقولش روحي..وبعدين أنا مش تقيلة..انت اللي مش قادر تشيلني..فمتجبهاش فيا..قول انك أنت اللي مش قادر..
ابتسم بوقاحة مقتربًا منها محاصرًا إياها بجسده ساندًا براحة يديه على الشجرة من خلفه:
-ما تبطلي طولة لسان عشان موركيش قادر ولا مش قادر…
ومع هتافه الأخيرة وجدها تنحني بجسدها ومرت من اسفل ذراعيه متخلصة من حصاره راكضة نحو المنزل بتوتر وخجل من مغزى كلماته..ملتفتة من حين لآخر خاطفة نظرة نحوه……
**********
في المساء، داخل صالون التجميل العائد لـ عابد..نجد تلك السيدة التي تخطت الثلاثون عامًا تجلس على أحد المقاعد المريحة أمام تلك المرآة الكبيرة..والتي تراقب من خلالها إنعكاس “عابد” هذا الشاب الوسيم صاحب الصالون والذي طلبت منه هو أن يهتم بها ويعتني بخصلاتها…
وأثناء اختلاسها لتلك النظرات إليه…رآها وتقابلت عيناه معها..واستطاع التقاط إعجابها بها…
التوى ثغره وابتسم بسمة جانبية عابثة، قائلًا:
-اتمنى النتيجة تعجبك في الآخر…وابقى عند حسن ظنك..
وبكل ثقة وقوة كانت تجيبة:
-اكيد..انا موثقتش غير فيك انت..وسبتلك شعري.. ومن ناحية تعجبني فـ أنا واثقة انها هتعجبني أوي…
اقتطف نظرة نحوها ثم عاد يتابع عمله..
واستمرت هي بمراقبتها…وعندما بات على مشارف الإنتهاء ألقت سؤالها عليه:
-قولي لو عندي حفلة أو مناسبة أو حتى كسلت انزل من البيت وطلبتك تيجي تعملي شعري…هتيجي؟
-هو انا المفروض اني مبروحش في حتة بس عشان خاطرك أنتِ اجي واجي واجي…أنتِ تؤمري.
مطت
شفتيها وقالت بدلال:
-انت ذوق اوي يا عابد…
مال لمستواها ينظر لإنعكاسها ورأسه جوار رأسها تمامًا يهمس لها:
-أنا ذوق مع الذوق..وبصراحة أنا هبقى قليل الذوق اوي لو قولتلك لا…أنتِ ميتقالكيش غير حاضر وبس..
على الجانب الآخر…رأت “فاتن” التي باتت تعمل لديه منذ افتتاحه لهذا الصالون ومعرفتها منه بأنفصاله عن وئام تلك البغيضة المتعجرفة.. ما يحدث ليشعل نيران الغيرة في قلبها..
فـ لماذا لا يراها..ويرحم قلبها العاشق له…
ابعدت حدقتاها عنها وعنه منشغلة بتلك المرأة أمامها.. متمتمة مع ذاتها:
-هيكون ليكي يا فاتن..أنتِ خلاص السكة بقت قدامك فاضية وسالكة بعد ما طلق وئام.. واكيد هيحس بيا.
بعد وقت كان عاد إلى مكتبه أوصد الباب خلفه…دافعًا جسده على ذلك المقعد وتلك البسمة الذي يزيفها ويرسمها بمهارة تختفي عن وجهه تدريجيًا..ليحل محلها عبوس…وغضب مريب قد يدب الخوف بالقلوب..مخرجًا هاتفه ليأتي بصورها الذي يحتفظ بهم ويمعن النظر بهم كارهًا إياها وذاته للوقوع بعشقها هي تحديدًا دونًا عن النساء جميعًا.
وصل جابر مُلبيًا طلب والدته…بالمرور على أخيه…
مطرقًا رأسه للأسفل يتفادى وقوع بصره على اي امرأة سواء كانت زبونة..او عاملة لدى أخيه…
هرولت فاتن نحوه ترحب به بحرارة:
-اهلا يا جابر عامل ايه..وطنط دلال عاملة ايه..وعمو سلطان.. وأخواتك كلهم…
-بخير الحمدلله..
رد عليها دون أن ينظر بها…مسرعًا من خطواته نحو مكتب أخيه..
فتح الباب بعد أن دق عليه مرة واحدة..
عادت البسمة تأخذ مسارها على وجه عابد الذي دس هاتفه بجيبه..و نهض يرحب به بسعادة تُدهشه احيانًا من نفسه ومن تمكنه في اخفاء ما يعتريه…
-اهلا..جابر بنفسه عندي في الصالون…انت عارف أنك مدخلتوش من ساعة الإفتتاح..
-عارف..اصلي هاجي اعمل إيه..بقولك ايه انا هروح تيجي معايا ولا لسة قاعد شوية…
نظر عابد بساعة معصمه ثم أجابة وهو يسحب سترته السوداء:
-لا كفاية هاجي معاك..يلا بينا.
**********
دقت “وئام” على باب حجرة فجر…فآتاها صوتها وهي تأذن لها….
-اتفضل.
طلت بجسدها مغلقة الباب …متقدمة من الفراش بعد أن وجدتها تجلس أعلاه وأمامها بعض الكتب الدراسية..
دُهشت من تواجدها داخل حجرتها وقالت وهي تغلق الكتب وتفسح لها مجالًا كي تجلس قبالتها:
-تعالي اقعدي..وقوليلي في حاجة ولا إيه..
انصاعت لها وجلست أمامها… وقبل أن تنطق بأي حرف ابتلعت ريقها تستجمع شتاتها وحروفها الضائعة…
انتبهت فجر إلى حالتها..فحركت ذراعيها منتشلة يديها مربتة عليها، متحدثة بحنو شديد بث بالأخرى القوة..
-خير يا حبيبتي متقلقنيش.
نظرت داخل عيناها وقالت دفعة واحدة مخرجة ما شغل ذهنها طيلة اليوم :
-أنا عايزة اتكلم معاكي وأسألك على كام حاجة…انا من ساعة ما رجعنا وانا شكلي بالحجاب مش راضي يسبني…وقلبي بيدق جامد…حاسة أني عايزة اخد الخطوة دي…بس .
صمتت فتحدثت فجر ببسمة لم تخفيها سعيدة بما يحدث معها…فعلى ما بيدو أن دعوتها لها قد استجابت..
-بس إيه؟؟ كملي وأسالي على اللي أنتِ عايزاه وأنا هجاوبك…
بللت “وئام” حلقها الجاف قائلة بأسى:
-أنا خايفة….مش عايزة البسه وبعدين اقلعه..خايفة مبقاش قد الخطوة دي…واتخنق منه..
كادت تسترسل فأوقفتها توضح لها:
-لا يا وئام الحجاب عُمره ما كان خنقه متقوليش كدة…ده ستر…وحماية..
ربنا بيحبنا لدرجة أنه مش عايز اي حد يبص على شعرك ومفاتن جسمك… لأن دول مش من حق اي حد يشوفهم…زي بضبط لما يبقى عندك صينية بسبوسة..او اي حاجة حلوة…بتعملي فيهم ايه مش بتغطيهم وتحميهم من الدبان ولا بتسبيهم من غير الغطا والدبان يتلم عليهم؟ احنا بنغطي الحاجة عشان خايفين عليها..وبنحبها…وربنا بيحبنا…بيحبنا أوي…
دار حديثها بذهن الأخرى التي بدأت تلين ملامحها وتزداد خفقاتها أكثر وأكثر…
ابتلعت ريقها مجددًا وتساءلت:
-طيب ولو خدت الخطوة ولبسته وبعدين قلعته مش كدة غلط؟
-وانتِ ليه تفكري من دلوقتي في قلعه؟؟ ليه حطه في دماغك أنه هيخنقك وهتقلعيه…ليه متقوليش انك بعد ما تلبسيه هيبقى سبب في انك تقربي من ربنا اكتر واكتر..متحطيش في دماغك حتة انك هتقلعيه علشان لو فضلتي تفكري كدة مش هتلبسيه وحتى لو لبستيه هتقلعيه تاني…فـ أنتِ بعد ما تلبسيه وتاخدي الخطوة دي تدعي ربنا يثبتك عليه ويقربك منه…وإن شاء الله ده هيحصل… لأن مدام أنتِ عايزة كدة ربنا هيساعدك على كدة..
شردت بحديثها فقامت فجر بالمتابعة تلقي عليها تلك الكلمات كي تشجعها تجعلها تخطو تلك الخطوة..
-طيب أنتِ تعرفي اني اول ما لبست النقاب كنت فاكرة اني برضو مش هعرف اكمل لبسه واني ممكن اقلعه بعد كام يوم…لاني شوفت كتير بيخلعوه ومش بيستمروا عليه لاسباب مختلفة بترجعلهم طبعا..بس ده محصلش معايا…بالعكس كان احلى خطوة في حياتي ومندمتش عليه..
اخذت وئام نفسًا عميقًا ثم زفرته…وبعد لحظات من الصمت والتفكير من تجاهها..والترقب من تجاه فجر…
ابتسمت وئام قائلة دون تردد:
-طيب انا عايزة اتحجب… وبكرة مش عايزة احضر شبكة أبرار وخالد بشعري..
لم تستطع فجر كبح ضحكتها وصاحت بسعادة من أجلها:
-بس كدة…ليكي عندي بكرة ننزل بدري ونجيب احلى فستان محتشم وحجاب يليق بيه..بس خلي بالك مدام هتلبسيه يبقى تنسي اللبس الضيق ده خالص.. لأن لبسك المفروض يبقى واسع والطرحة هتبقى طويلة من قدام عشان تغطي المنطقة العلوية…ومعنى كدة اننا هنجبلك كام طقم ينفعوا للخروج ولبسك القديم ابقي اقعدي بيه في البيت…
اتسعت بسمة وئام ولم تعترض مرددة بموافقة:
-ماشي..
انفرج الباب و ولجت وعد فصاحت فجر بحماس وصوت عالي :
-وعد وئام قررت تتحجب…باركيلها…
اتسعت عين وعد صدمة وقالت ببلاهة وهي تنظر نحو وئام:
-أنا سمعت غلط مش كدة..اكيد وئام واحدة تانية…أنتِ مهشكة يا بت…والمفروض تبقي رقاصة زي اختك..
جاءت ثراء من خلفها، قائلة:
-سامعة حد بيكلم عني في إيه يا وعد بتجيبي في سيرتي ليه..
-تعالي شوفي اختك المهشكة هتتحجب.
تهلل وجه ثراء وصرخت بفرحة مقتربة من وئام وفجر وقفزت على الفراش:
-الله….بتكلمي جد يعني هتتحجبي..أنتِ متأكدة؟؟
هزت رأسها لها فصرخت من جديد بحماس فأضافت فجر:
-وبكره هننزل بدري نجيبلها فستان وكام طقم ينفعوا وهنحاول منطولش عشان نلحق نجهز لبليل..
عضت على شفتيها بحماس، ثم أخبرتهم:
-انزل معاكم انا كمان….ابقى صحوني وهاجي…
جاءت داليدا وابرار على أصواتهم فصاحت وعد من جديد:
-تعالوا شوفوا وئام..قررت تتحجب…
ابتسمت داليدا وابرار وباركوا لها على تلك الخطوة….ثم أغلقت وعد الباب وجلسوا جميعًا يتسامرون….
وبتلك الاثناء ذهب ذهن وئام إلى ذلك الغائب الحاضر…والتي تشتاقه…كثيرًا…وتتمنى لو بأمكانها إعادة عقارب الساعة إلى اليوم الأول الذي حادثها به فادي كي تنهيه وتخرجه وقتها من حياتها ولم تنتظر حتى انفصلت عن زوجها…
أما أبرار فصاحت بقلق يعتريها فلم يسبق لها رؤيتهم وقد ذهبت هي والفتيات و والدتها رفقة خالد لانتقاء الشبكة:
-أنا قلقانة اوي بكرة هشوف مامت خالد وأخته لأول مرة.
ردت داليدا تطمئنها:
-وتقلقي ليه..عادي انا متأكدة انهم هيحبوكي…
أكدت وعد هذا وصاحت بمرح:
-اكيد مش بيأكلوا ولا بيعضوا ويبقوا بهايم لو محبوكيش…بس اقولك الجواب باين من عنوانه والواد خالد متربي كدة واخلاق ومحترم واكيد أهله زيه..
**********
يقبع خالد أمام والدته ناهد بحجرتها الذي أعدها لها…كما اعد حجرة أخرى لشقيقته الكبرى هدير…
فقد جاءوا من السفر أمس…والآن يجلس أمامها يستمع لكافة أسئلتها عن تلك الفتاة التي خطفت لُبه…
-قولي حبيتها ولا هتجوزها لمجرد انك عايز واحدة في حياتك وفـ حياة ابنك تعوضكم إهمال نيفين….
شرد بسؤالها وباتت عيناه مرتكزة على نقطة فارغة من خلفها…
وبصدق شديد وعفوية رد عليها:
-يمكن كان الأول بسبب كدة…بس كل ما كنت بشوفها كان بيحصلي حاجة مريبة…عيني كانت بدور عليها وبتحب تشوف كسوفها…كسوفها اللي لسة موجود في وقت البجاحة هي اللي مسيطرة فيه…خطفتني..وخطفت قلبي وقلب ابني…
وببسمة حنونة كانت والدته تعقب:
-يعني بتحبها؟؟
هز رأسه يؤكد لها بصوت خافض:
-ايوة بحبها…ومش انا بس انا و وسام.
دخل في هذا الوقت وسام الذي هرول تجاه جدته هاربًا من هدير التي تركض خلفه بالخارج تلهو معه.. فقامت بمعاتبته وهي تستقبله لاحضانه وتجلسه على قدميها:
-مش عيب كدة يا وسام تدخل من غير ما تخبط..
اماء لها يؤكد هذا، قائلًا بضحكات طفولية وهو يدفن وجهه بثنايا عنقها:
-اه بس عمتو هدير عايزة تاكلني….
انشغلت والدته بالحديث معه ومع هدير التي دخلت هي الأخرى فأنتهز خالد هذا وخرج لغرفته وجاء برقمها واتصل عليها..
************
توجهت “أبرار” نحو غرفتها كي تستطع الإيجاب على خالد بأريحية دون أي إزعاج أو تطفل من الفتيات..
اغلقت الباب بإحكام وهي تجيب عليه وتتحرك نحو الفراش جالسة أعلاه..
-ألو…
وبأبتسامة واسعة كان يجيبها:
-ينفع اقول وحشتيني؟ ولا هبقى قليل الأدب…
هنا ولم يتردد في ذهنها الا شيء واحد تمنت أخباره به لكن لسانها عجز تمامًا
“يا سلام انت تقول اللي انت عايزه..وبعدين انت اللي وحشني يخربيت كدة”…
تنهدت قبل أن تجيبه بذلك الجواب الزائف الذي لم يخرج من قلبها محتفظة بجوابها الحقيقي لنفسها:
-كويس انك عارف نفسك…
ضحك عاليًا ثم استفسر منها:
-ماشي يا ستي قوليلي بتعملي ايه وجاهزة لبكرة ولا لا..
وبصراحة مطلقة إجابته:
-بصراحة لا..انا متوترة وخايفة أوي..مش عارفة مامتك واختك هيحبوني ولا لا…يعني خايفة معجبهمش…
أخبرها على الفور ينفي ذلك الشعور لديها:
-يا باشا انت تعجب الباشا..وبعدين ماما وهدير حلوين…ستات راقية..و ذوق..وناعميين فوق ما تتصوري وهيحترموا اختياري..وبعدين أنتِ شغلة دماغك بيهم ليه..هو أنا و وسام مش كفاية عليكي ولا إيه؟؟
كادت تجيبه لولا تناهي هذا الصوت العالي لديها والتي اقتحمت صاحبته الغرفة على خالد:
-خــــــــــالد..تعالى يلا عشان تكملي.. احنا وقفنا لحد انك بتحبها وابنك بيحبها.. تعالى بقى عشان تحكيلي انا واختك قصة الحب العظيمة دي نشأت ازاي..
عقدت حاجبيها مما سمعته من لسان والدته…واضعة يدها على فمها لا تصدق بأنه يحبها بل والأهم أنه لم ينكر هذا بل اعترف…
أما هو فحدق بوالدته بعيناه المتسعة بغضب من فضح عشقه…
فصاحت به بمرح:
-انت بتبرقلي يا قليل الادب؟؟؟! بتبرق لأمك..
عض على شفتيه واخبرها بهمس وصوت لم يصل إلى ابرار:
-يا ماما حرام عليكي…انا غلطان اني بحكيلك حاجة.. ابقي تفي على وشي لو كملتلك حاجة..
ابتسمت وعلقت بذات المرح:
-طب واستنى ليه ما تف دلوقتي وبرضو هتحكيلي..
نظرت للهاتف و وطريقته الهامسة فقالت وهي تعد أدراجها للخارج:
-هو انت بتكلم في الموبايل ؟ طب ما تقول من بدري..انا خارجة اقعد مع هدير و وسام لما تخلص تعالى عشان هتحكيلي يعني هتحكيلي…
**********
ارتفع رنين هاتف عابد بسيارة جابر بعد أن ترك سيارته وصعد معه…
لم يجيب أو يتحرك من مكانه فكان ينظر من النافذة ويذهب بذهنه بعيدًا…في عالم صنعه بخياله وتتواجد هي به…
سرق جابر نظرة نحوه ثم نظر بالطريق من أمامه:
-تليفونك يا عابد..
لا استجابه… فصاح يكرر بنبرة أعلى استطاعت انتشاله من خياله:
-يا عابد تليفونك بيرن…شوف مين بدل ما تكون امك وتقلق وتقلب البيت مناحة…
حدق به وأخرج الهاتف..فرسم بسمة وهو يجيب لا يعبئ بتواجد جابر ومتابعته له:
-ألو….
استمع للطرف الآخر والذي لم تكون سوى فتاة تعرف عليها من خلال (الفيس بوك)…
علق على كلماتها الذي جهلها جابر ولكنه خمنها من اجابته:
-وانتِ كمان..انا دلوقتي مش عارف أتكلم لما اروح هكلمك سلام يا قمر..
اغلق معها فصاح جابر به وهو يضرب المقود من أمامه:
-ليه كدة..ليه بتعمل في نفسك كدة..انت كدة بتغلط..وبتسلك طريق آخرته وحشة…
اكتفى عابد بمطالعته دون أي تعقيب…وبملامح جامدة للغاية…
شعر الآخر بالحنق من صمته فعاد يلقي على مسامعة تلك الكلمات عله يستيقظ وينقذ ذاته قبل أن يغرق أكثر فأكثر…
-انا عارف انت بتحاول تعمل إيه..وليه بتعمل كدة..بس ده مش حل يا عابد…وبعدين مدام بتحبها اوي كدة طلقتها ليه ها؟؟؟؟
هنا وحل مكان البرود عصبية واعين تقدح شرار، متحدث بعصبية مفرطة:
-مين دي اللي بحبها..انا مبحبش حد..ومتجبليش سيرتها..هي خلاص اترمت في الزبالة..واللي بيترمي في الزبالة مبنطلعهوش منها..ومكانه بيفضل الزبالة…
ومع هتافه الأخيرة صدح رنين هاتفه من جديد فوجد فتاة أخرى فقام باغلاق المكالمة ولم يجيب عليها وهو يردد بصوت عالي وتأفف واختناق ارتسم على ملامحه:
-مش وقتك خالص….
مسح جابر على وجهه وهو يهز رأسه بيأس ولزم الصمت وتابع طريقة نحو المنزل.
************
-جات الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح…يا خيبتك في ابنك يا دلال..يا شماته العدوين فيكي يا دلال…ده انا ما صدقت واحد انصلح حاله..يقوم التاني يحصل معاه كدة…ده كلام يا ناس…انتوا إيه عايزين تشلوني..تجلطوني..عايزني اموت…ما ترحموني بقى…
انتهت دلال من تلك الوصلة من الحسرة والشكوى…فقام “نضال” بالتصفيق لها معقبًا بمرح :
-الله عليكي يا فنانة..وصلة ندب انما ايه اورجانيك..محصلتش…ادينا بقى واحدة حسبي الله ونعم الوكيل فيكم يلا يلا..عش
لم يستطع المتابعة بفضل ذلك الخف الذي تصادم مع وجهه….وصوتها الصارخ به:
-انت بتتريق يا روح امك…ولا هات الشبشب وتعالى….
تبادل أشرف وخليل النظرات الزاهقة..وصاح أشرف يهدأ والدته:
-خلاص يا ماما الله يباركلك وبعدين سيبي عابد في حاله محدش يعرف ايه اللي فيه…وبعدين اللي هو فيه ده بيحصل..لان بعد اي انفصال بين اي اتنين كانوا بيحبوا بعض يا بيحصل أن الشخص بيكره صنف الحريم كله وميبقاش طايقه ومش عارف يخرج من العلاقة وبيفضل جوه دايرتها محبوس..
صمت مبتلعًا ريقه ثم تابع:
-يا إما بيدخل في كذا علاقة..ويتنقل من دي لـ دي..فـ أنا شايف أنه اكيد هيعقل لوحده لأن ده مش طبعه…هو بس بيحاول يتخطى وئام بغيرها..و واضح أنه لسة مش عارف…
وفور انتهائه رفعت دلال يدها تدعي الله عز وجل:
-ربنا يهدك يا وئام يا بنت علياء…اشوف فيكي يوم على اللي عملتيه في ابني…
لم يستطع نضال كبح ضحكته وصاح يدندن:
-اشوف فيك يوم على اللي انت عملته فيا لما انت غدرت بيا واللي بترضاه عليا بكرة انا هرضاه عليك…
أشارت نحوه بغيظ مغمغمة:
-شايفين…شاهدين على قلة الأدب…انا دمي محروق وهو بيغني….وبتزعلوا لما بديله بالشبشب….
حضر عابد وجابر بتلك اللحظة فرسمت بسمة واسعة ساخرة قائلة:
-اهلا بابني النسوانجي التايب..وابني النسوانجي الجديد…ياه قد ايه انتوا عيال تشرف وترفع الرأس…
تدخل خليل عله يوقفها عما تفعله:
-ماما ممكن بعد إذنك تحضري العشا وانا هطلع اصحي بابا…ممكن؟؟
نظرت إليه وتابعت سخريتها:
-الا ممكن ده ممكن اوي..خلوا ابوكم يصحى عشان أنا خلاص جبت اخري…انا لو جرالي حاجة اعرفوا أن انتوا السبب…روحوا منكوا لله…
ابتسم جابر بهدوء وعقب وهو يراقب رحيلها معلقًا على دعوتها عليهم بصوت لم يصل إليها لكنه وصل إلى أشقائه:
-والله احلى حاجة انك بتدعي علينا..والحمدلله انك مش بتدعيلنا عشان انتي مش بتدعي من قلبك لا..اكيد دعاويكي دي من ورا قلبك..
ضحك نضال و وافقه على هذا بينما صعد عابد غرفته كي يبدل ملابسه..أما خليل فتوجه نحو غرفه أبيه كي يقظه….
فلم يبقى سوى جابر وأشرف و نضال…
اقترب جابر منهم والذي راقب صعود خليل، قائلًا:
-هو خليل جوازته كدة باظت خلاص من فجر؟؟
نفى أشرف رأسه ودافع عنه:
-وتبوظ ليه خليل ملهوش دعوة باللي حصل بين عابد و وئام..لما ابوكم ينزل نكلمه عشان يكلم عمو بسام..
**********
انتهت جلسة الفتيات مع بعضهم البعض وتوجهت كلا منهما إلى حجرتها…..
وبعد دخول “داليدا” غرفتها ارتمت على الفراش ثم أخرجت هاتفها وبدأت تعبث به بعض الوقت وتقلب بمنشورات الفيس بوك..لكنها توقفت عندما قابلها هذا المنشور…والذي يحوي على صورة لإحدى الفساتين التي تكشف الكثير من الجسد ولا يصح إرتدائها خارج المنزل فقد كان أسود اللون وقصير للغاية دون أكمام.. و ذو فتحة كبيرة من الاعلى…ويحثون الفتيات على إرساله إلى زوجها أو خطيبها واخباره بأنها قامت بشراءه وسوف ترتديه في أي مناسبة قادمة…ثم تأتي بجوابه وتضعه بتعليقات المنشور…
تقوس فمها ببسمة ماكرة وهي تقرر فعل هذا مع نضال لكن دون أن تضع رد فعله بالتعليقات وتحتفظ به لذاتها..
فقامت اولًا بالاحتفاظ بتلك الصورة…ثم جاءت بإسمه على الواتس اب وارسلتها إليه ثم كتبت له:
-ايه رأيك في الفستان ده؟؟ اشتريته انهاردة وهلبسه بكرة في شبكة أبرار وخالد.
وصلت إليه الرسالة لكنه لم يفتحها بعد..عضت على شفتيها السفلى بحماس شديد وترقبت جوابه…
فلم يخيب ظنها وفتح الرسالة سريعًا….وظهر لها بأنه يكتب وعلى وشك الرد عليها…
زاد حماسها وتلهفت لمعرفة جوابه…والآن وصل إليها الجواب مكونًا من أربع كلمات فقط:
-هو فين الفستان ده؟
كتمت ضحكتها وأرسلت إليه:
-ما هو يا حبيبي الفستان الاسود حلو مش كدة؟؟ هحضر بيه بكرة الشبكة…
رآها على الفور ثم كتب لها:
-فستان ايه!! أنا مش شايف فساتين انا شايف قميص نوم…
ارسلها ولم يمهلها وقت للإيجاب مرسلًا لها من جديد:
-فهمت أنتِ شكلك كنتي بتبعتيه لحد من البنات واتلخبطي وبعتيهولي انا..ما أنتِ أكيد مش هتبعتيلي كدة..مع أن نفسي والله…
اتسعت عينيها من وقاحتة وكتبت سريعًا:
-في ايه يا نضال..انا بعتالك صورة الفستان..ومش متلخبطة أنا بعتهالك.. ليك انت..وده فستان مش قميص نوم على فكرة وشيك اوي وعجبني وهلبسه…
هنا ولم يتحمل واطلق لفظًا بذيئًا من فمه مع ذاته…وبغضب مكتوم ارسل لها:
-طب اتمسي يا حبيبتي وقولي اتمسيت..بدل ما اجي اقطعهولك ميت حتة اللي أنتِ فرحانة بيه ده..وعمالة تقولي فستان فستان وانا مش شايف فساتين اصلا..وبعدين إيه شيك دي هو فين اصلا عشان تحكمي عليه بأنه شيك.
-يوووة بقى يا نضال..انا غلطانة أني باخد رأيك اصلا..المفروض كنت أفاجئك بكرة…
وللمرة الثانية يطلق الفاظ نابية…مجيبًا عليها بعصبية لاحت على وجهه ولا تدري عنها شيء:
-يا مصيبتي..تفاجئني ايه هو اي حاجة غير أنه يبقى مفاجأة… يعني مثلا تجبيلي ساكته…ازمة..تصرعيني…امشي يا داليدا على ابو شكلك يا شيخة..انا غلطان اني برد عليكي..
وبعد بعثة الأخيرة ارسلت له تخبره بأنها تمزح معه لكنه لم يراها او يجيب عليها…فحاولت محادثته لكن أيضًا لم يجيب.
***********
ردت “فجر” على مكالمة إيمان، والتي رددت بلهفة وصوت يشوبه الحزن:
-اخبارك ايه وحشاني…
-الحمدلله بخير..وانتِ؟
-كويسة..بس كنت عايزة اشوفك…كل ما اقولك تقوليلي لا وتطلعيلي بمليون حجة.. مرة بطلاق وئام و مرة بحوار أبرار..وأنا عايزة اكلم معاكي..انا حصل معايا حاجات كتير اوي يا فجر..عايزة احكيلك عليها وتديني رأيك..انا بثق في رأيك ومتأكدة انك هتقوليلي الصح..
نبرتها القلقة الحزينة المتلعثمة أثارت ريبة فجر..وجعلتها تشعر بالقلق حيالها…وتساءلت:
-مالك يا ايمان ايه اللي حصل معاكي؟
-مش هينفع على الموبايل لو تعرفي بكرة تيجي البيت ونكلم براحتنا يكون أفضل..لأني مش هعرف احكي على الموبايل..
حاولت فجر الاعتذار عن الغد، متمتمة بصدق:
-بس بكرة مش هينفع يا إيمان أنتِ عارفة بكرة شبكة أبرار..وبالنهار هبقى مشغوله وهخرج من وئام وثراء نجيب شوية حاجات ضرورية..
قلبت عيناها وحاولت إقناعها مرددة:
-يا ستي خلصي معاهم وسبيهم يروحوا وتعالي واوعدك مش هنطول..وهتنزلي على علطول…علشان خاطري يا فجر..ارجوكي..
قالت الأخيرة وهى على وشك البكاء…لم تتحمل فجر حالتها و وافقت مجبرة:
-طيب حاضر هعدي عليكي بكرة..
وسرعان ما أكدت عليها، قائلة:
-اه بس لوحدك ها..عشان اعرف اتكلم معاكي واحكيلك…
أكدت لها هذا فهي ليست صديقه لجميع الفتيات بل لها و لوعد فقط..
-اكيد..
-ماشي يا حبيبتي باي باي..
ردت بهدوء وهي تغلق معها:
-سلام..
تبدلت تعابير “إيمان” تمامًا وهي تستمع لحديث أخيها الواقف قبالتها:
-يا بنت اللعيبة ده أنا صدقتك..
غمزت له، هاتفة بتحذير ليس حقيقي:
-عيب عليك ده انا انفع ممثلة يا بني.. المهم بكرة هتابع معاها ولما تبقى في الطريق هنزل..بس تكلم معاها بس يا أنس..اوعى تضايقها…دي مهما كان صاحبتي برضو وبحبها.
حل الضيق محياه وأكد لها كاذبًا فها هو على وشك استغلال سفر والديه:
-عيب عليكي…هكلم بس طبعا.. وبعدين أنتِ عارفة أني كنت هتقدملها لولا انتِ قولتيلي لا عشان حوار قريبتها اللي اطلقت دي..
ورغم إدراكها لنواياه الحقيقية إلا أنها زيفت تصديقها له مقررة جلب صديقتها و و إدخالها وكر هذا الشيطان..
يتبع.
فاطمة محمد.
بعتذر منكم عن التأخير بس ربنا اللي يعلم اللي انا فيه وازاي مضغوطة وبأمر الله في فصل بكرة واتمنى الفصل ده يعجبكم. ❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.