رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الخمسون
الفصل الخمسون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الخمسون:
دفعها “عابد” بعيدًا عنه عقب انتهائه من كلماته وطلاقه لها….تركها ولم ينظر خلفه…منطلقًا كالسهم…
تفاقمت دموعها ونادت عليه بعدم تصديق يغلفه الندم محاولة اللحاق به….
-عابد…..عابد…يا عابد أنا آسفة…..استنى عشان خاطري…
تعثرت في خطواتها وسقطت على الأرض…وتلقائيًا كانت دموعها تتسابق على وجهها..مصدرة شهقات عالية وحروف اسمه تخرج من فمها…..
لحق بها “مروان” بخطوات متعجلة وقلب مذعور على ابنته…
دنا منها وجلس جوارها على الأرض محاولًا معرفة ما بها…وإيقافها عن البكاء وتلك الحالة الممزقة لفؤاده:
-في ايه يا حبيبتي…مالك..عملك إيه؟!!
نظرت إليه بعيناها الباكية..و وجهها المنكمش بكاءًا…مرتمية لاحضانه متشبثة به ترجوه بمحادثته وجعله يعفو عنها هذا الخطأ:
-أنا اللي عملت مش هو.. خليه يرجع يا بابا انا بحبه..مكنش قصدي..انا صدتيه…مكنتش عايزة اكلمه…بس هو.. هو اللي كان بيعاملني وحش..كنت عايزة اضايقه….
ضاقت قسماته بعدم فهم وتأثرًا ببكائها…فقام بإخراجها من احضانه بعد انتهائها محاوطًا وجهها يستفسر منها بقلق:
-أنا مش فاهم حاجة..براحة وبطلي عياط عشان افهم..ايه اللي حصل بينك وبين عابد؟
ارتجفت شفتاها واغلقت جفونها بقوة مخبرة إياه:
-عابد طلقني يا بابا….طلقني ومشي…
تبدلت تعابيره من القلق إلى الصدمة…محولًا بصره تجاه بوابة الشاليه ينظر بأثر رحيله… فكيف له أن يفعل هذا وهو من كان يرغب بها…و التقط عشقه نحوها من عيناه ونبرته….كل ما فعله يثبت له عشقه…
إذًا ما الذي حدث كي يفعل هذا دون الرجوع إليه؟؟؟؟؟
ظلت تلك التساؤلات تدور بخلده…ولم يجد لها جوابًا فصاح يتساءل بانفعال:
-طلقك ليه؟؟ ما انتوا كنتوا كويسين…ايه اللي حصل اتكلمي..
ازدردت ريقها واخبرته بضعف شديد:
-عرف أني بكلم فادي..وفاكر اني بخونه معاه……
للمرة الثانية تتبدل تعابير وجهه… باتت أكثر صدمة….ظل يناظرها لوقت ليس بقليل مبتعدًا عنها كي يتمكن من مطالعتها جيدًا…
نظرات كادت تقتلها..لم تتحملها وصاحت ببكاء ونبرة متقطعة:
-بابا اتكلم متسكتش…ومتبصليش كدة…نظراتك بتقتلني…انا عارفة أني غلطانة من ساسي لرأسي بس هو كمان غلطان…كان لازم يسمعني…يسمعني ويعرف انا عملت كدة ليه…..
صك على أسنانه وبأعين تنظر لها بخيبة أمل كان يعلق بصراخ بعد ان صفعها على وجهها بقوة:
-يسمع إيه ويعرف إيه؟؟ أنتِ مفيش فايدة فيكي…مبتتعلميش…مبتتغيريش..طب مبتحسيش..عارفة لو كنتي قولتيلي انه هو اللي غلطان..كنت حطيت صوابعي العشرة في عينه..وجبتلك حقك منه…بس انا دلوقتي ابص في وشه ازاي وبنتي كلمت عليه راجل تاني….لا و زعلانة أنه طلقك..وبتبرري…
طأطأت رأسها وبكائها يعلو بالأرجاء..قائلة بصعوبة متخطية ألم الصفعة التي تلقتها:
-مخنتهوش….فادي كلمني…وكنت كل مرة بهزقة…كنت برد عليه عشان أحس اني بعمل حاجة هضايق عابد وتحرق دمه…لانه مكنش بيكلمني…اسلوبه اتغير…معرفش ده زهق ولا ملل…بس بقى في تجاهل..تجاهل حصل بسرعة البرق….وامبارح وانا بكلم فادي عرفت أن اللي بعمله ده غلط… وأن دي مش أنا…والموضوع مش هيبقى حرقة دم…لا هيبقى اكبر من كدة..عشان كدة بلكته….
ابتسم أبيها ساخرًا من فعلتها التي تأخرت كثيرًا:
-بعد إيه؟؟؟ بلكتيه بعد إيه؟ لو كنتي محترمة وانا ربيتك صح مكنتيش عملتي كدة…اول مرة بعت ناس ضربته وكسرت عضمه…المرة دي اعمل ايه؟؟؟ اعمل ايه وانا بنتي هي اللي معندهاش دم ومتربتش….وفتحتله باب كان ممكن يتقفل من الاول……
نهض من مكانه يتحامل على قدميه متحدثًا بقوة زائفة:
-اللي حصل من عابد أنا مش هلومه عليه لأن ده رد فعل طبيعية من اي راجل شرقي عنده ذرة دم وكرامة..لان مفيش راجل هيعرف أن مراته كلمت عليه غيره وهيسكت حتى ولو كانت بتصده زي ما بتقولي…….ولو اني اشك.. اصل مفيش حاجة اسمها بتصديه وأنتِ سيباله الباب موارب….كأنك بتقوليله انا بهزقك بس عايزاك تكلمني وتلح في ده….يا خسارة يا وئام… خسارة بجد….
تقدم “سليم” منهم متحدث بدهشة مما يليح من غضب وخيبة أمل على وجهه مروان وجلوس وئام على الأرض باكية…
-في ايه يا مروان؟؟
ابتسم مروان له بسمة لم تصل لعيناه، مغمغم:
-مفيش…بنتي اطلقت بس بسبب غبائها وقلة أدبها وانا فرحان بيها….
وقبل أن يتحرك ويلج إلى الداخل هتف ببرود:
-أنا هرجع القاهرة شوفوا هترجعوا معانا ولا لا…..
قالها مفارقًا مكانه لا ينتظر رد منه…بينما ارتفع بكاء وئام مرة أخرى ضاممة قدميها إلى صدرها…قلق سليم عليها وجثى جالسًا جوارها ضاممًا إياها يربت عليها بحنو دون أن يدري سبب طلاقها……..متمتم:
-بس أهدي يا حبيبتي.. أهدي.
******************
-اطمن وحط في بطنك بطيخة صيفي زينة ليك يعني ليك…
تهلل وجه “حسن” وهو ينصت لحديث والدتها وطمأنتها له بأنها ستكون له وليس لرجل آخر…قائلًا بسعادة لم يكافح لاخفائها:
-بجد يا خالتي ؟؟ يعني هي موافقة عليا مش كدة؟
ابتسمت عفاف من هذا اللقب الذي دائمًا يردده على مسامعها رغم إنعدام صلة القرابة بينهم، مجيبة:
-ولو مش موافقة هتوافق…وعلى رأى المثل الزن على الودان أمر من السحر…وانا هفضل وراها لحد ما تسلم وترفع الراية البيضا..وانا متأكدة وابصملك بالعشرة على كلامي أنها هتحبك لما تعاشرك وتعرفك اكتر….بنتي وانا عرفاها..وانت ابن اصول وشاريها وهتصبر عليها…
-ده انا اصبر واصبر واصبر المهم أنول الرضا…
ردد الأخيرة وهو يلاحظ أعين عفاف التي ارتكزت خلفه…قائلة ببسمة واسعة:
-طيب يا حسن انا هطلع بقى…تصبح على خير…
التفت ورائه كي يطالعها فوجدها متجهمة الملامح منزعجة من وقوف والدتها معه بهذا المساء على أعتاب متجره….
ابتسم رغمًا عنه وقال مصوبًا حديثه إليها:
-مساء الخير يا دكتورة…
عقبت والدتها بعده على الفور:
-تعالي يا زينة سلمي على..
بترت كلماتها بعدما مرت ابنتها من امامهم وتجاهلتهم كأنها لا تراهم…فـ سلامه لم تجيب عليه…ولم تنصت إلى والدتها وترضخ لطلبها…..
لاح الحزن على وجه حسن فصاحت عفاف بحرج:
-مضايقش نفسك…واصبر عليها…وربنا يوفقكم وتبقوا من نصيب بعض..قول آمين…
-امين يا خالتي عفاف.. امين….
بالاعلى…
دفعت “زينة” حقيبتها فوق الأريكة واقفة أمام والدها متمتمة بتشنج:
-ماما واقفة تحت مع حسن بتعمل إيه؟؟؟ انا مبحبش الحركات دي…
برر “أسامة” موقف زوجته وقال:
-أمك نازلة تجيب حاجات لازمة البيت من عنده.. وأكيد كان بيسألها لو كنتي وافقتي ولا لا..مفيهاش حاجة لما يستفسر ومن شايف لازمة لعصبيتك دي كلها…
-لا يا بابا ليها لازمة…واكيد لو كنت وصلت لقرار كان هيعرف منك..ملهاش لازمة الحركات دي…
ضيق عيناه وقال بصدق وهو يريح ظهره للخلف:
-في ايه يا زينة..ايه سبب عصبيتك دي؟؟ ومش بطيقي حسن ليه؟؟ الشاب محترم وابن بلد وأهم من ده كله شاريكي!! انا مستغربك بصراحة..
-معرفش..مش طيقاه..ومش عايزاه..انا مش موافقة يا بابا….ومش حبه ارتبط دلوقتي….ولا اتجوز..
دخل والدتها بتلك اللحظة مستمعة للكلمات الأخيرة فصاحت بها بأسلوب صارم حاد:
-عايزة تعنسي يعني وتبقي لبانة في بُق اللي يسوى واللي ميسواش…
-والله طز فيهم كلهم انا مش هربط نفسي بواحد انا مش عايزاه ولا نزلي من زور لمجرد انك خايفة اني احمل لقب عانس….وبعدين عانس دي بقت قديمة أوي….بطلوا تعاقيد وتخلف بقى..وياريت كل واحد يبقى في حاله وملوش دعوة باللي يتجوز واللي ميتجوزش…..وحسن ده انا مش موافقة عليه ياريت تبلغه يا بابا…..
*****************
وصل إلى المنزل…صافعًا الباب بقوة فزعت أبدان كلا من دلال وسلطان وجعلتهم يهرولون تجاهه كي يرون من الذي أغلق الباب بتلك الطريقة….
قطبت حاجبيها وهي ترى عابد أمامها متحركًا بخطوات سريعة نحو الدرج..قائلة بدهشة:
-أنت إيه اللي رجعك ؟؟ ده انت لسة مسافر امبارح !! وأخواتك فين مجوش معاك ليه؟؟؟ تكونش اتخانقت مع مراتك !!
كاد “سلطان” أيضًا أن يتحدث لولا ما حدث وبدر من عابد من اهتياج وصراخ بوجوههم :
-محدش يجيب سيرتها قدامي…انا طلقتها ومش عايزها…خلاص انتهت من حياتي وخرجت ومش هترجع…
صُعق أبيه من طلاقة لها..بينما ضربت دلال على صدرها، متمتمة بصدمة لم تقل شيء عن زوجها:
-يا مصيبتي طلقت البت!!!!! انت مجنون يا واد…..
لم يعري لها أو لكلماتها أي اهتمام واسترسل طريقه نحو غرفته…
لم تتركه وقررت الصعود خلفه….و زوجها يتحرك معها راغبًا في معرفة ما يحدث وما أوصلهم إلى تلك المرحلة…..
دخل الغرفة وأغلق الباب بأحكام من الداخل كي يمنع اقتحام أي منهما وحدته وانفراده بغضبه وندمه على عشق من لا تستحق….
مسح على خصلاته بقوة حتى كاد يقتلعهم من مكانهم….وهو يدور بالغرفة بطريقة ثائرة ترغب في تحطيم كل ما تطوله يداه…
تناهى إليه الطرقات المُلحة على الباب والذي صاحبها صوت دلال المتسائل بعدما فشلت في فتح الباب:
-افتح يا واد نكلم…وقولنا ايه اللي حصل…وطلقت البت ليه؟
زمجر بهم بشراسة مغمغم:
-قولت مش عايز اتكلم..سبوني لوحدي….مش عايز اتكلم…
انتهى متنقلًا بالحجرة يحقق رغبته في تحطيم كل شيء…من مَرَايا…ونافذة زجاجية…وقنينة عطر…وساعات باهظة الثمن…..وطاولة زجاجية موضوعة بإحدى زوايا الغرفة.
وصل إليها صوت التهشيم والتحطيم بالداخل..فصاحت دلال بصوت عالي وهي تتبادل النظرات مع زوجها:
-نهار اسود طب الاوضة ذنبها إيه؟؟؟؟ والحاجات اللي بتكسرها دي يا بن المفترية والله هدفعك تمنهم…
لاح الغضب على وجه زوجها والذي همس لها:
-أنتِ بتقولي إيه هو ده وقته؟؟ أنتِ بتهديه ولا بتعصبيه!!
ردت بذات الهمس توضح له وجهها نظرها:
-واعصبه ليه هو أنا بقول حاجة غلط لسمح الله؟!! هو في حد طبيعي يكسر في أوضته كدة! طب ده حتى النعمة تزول من وشه..وبعدين مدام متنيل وبيحبها كان بيطلقها ليه؟؟؟
-ابنك مش مجنون يا دلال وانا وأنتِ وكلهم عارفين بيحب البت ازاي وكان ملهوف عشان يتجوزها ازاي؟ و كلامك ده استفزاز بصراحة…يعني ميبقاش الواحد حالته بالشكل ده وأنتِ كل اللي همك الحاجة اللي بيكسرها..
صكت على أسنانها متمتمة:
-أنا مش هممني الحاجة يا سلطان.. هو اللي هممني بس كمان دي نعمة من ربنا حرام نعمل فيها كدة مش عشان ربنا ادانا نفتري…..
قالت الاخيرة وهي تطرق على الباب براحة يدها فقد بات السكون هو المسيطر على الإرجاء قائلة:
-يا واد افتح متوجعش قلبي…وقولي ايه اللي حصل…
جلس “عابد” على طرف الفراش وبدأ بالدخول في نوبة بكاء مما حدث وكيف قامت بخيانته وسمحت لذاتها بالحديث مع رجل آخر..في ذات الوقت التي كانت تتجاهله وتتشاجر معه…
*********************
مر شهر بأكمله حدث به الكثير والكثير من الأحداث والتغييرات….شهر كفيل لتغيير وتبدل البعض…وتحويلهم إلى أشخاص أخرى…..
شهر عادت به الفتيات إلى دراستهم…وتم خطبة جابر وأروى…كذلك تم خلاله إفتتاح المطعم الخاص بـ سلطان وابنائه….وافتتاح صالون التجميل الخاص بـ عابد…والذي بذل جهده وشغل ذاته به حتى انتهى منه….والآن بات يعمل بشكل فوق الجيد…فمن تأتي إليه تعود مرة أخرى…
اقتحمت “دلال” غرفة جابر ظنًا منها بأنه لا يزال يغط في نوم عميق…
شارفت على مناداته لكن توقفت عندما وجدته يقبع على سجادة الصلاة وعلى وشك إنهاء صلاته….
حرك رأسه للجانب الأيمن ثم الأيسر متمتم بهدوء وصوت يكاد يُسمع:
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…السلام عليكم ورحمة الله…
نهض عن السجادة مطالعًا إياها بعدما قام بلملمتها ومسد على لحيته التي طالت قليلًا خلال الأيام الاخيرة…
-خير يا أمي في حاجة؟
لم تندهش من تبدل طريقة حديثة، فقد اعتادت منذ أيام، قائلة:
-كان نفسي اقولك مفيش بس مع الاسف فيه…وكويس انك صاحي..انت هتروح المطعم انهاردة؟
رد بهدوء شديد:
-بأذن الله تعالى…هعدي على اروى الاول وهاخدها على هناك نتغدا..
-طيب اسمع بقى تخلص غدا مع الحيزبونة دي وتطلع على أخوك عابد..متسبهوش…عايزاك تلزقله وتبقى زي ظله.. أخوك هينحرف يا جابر..ده انا ما صدقت ربنا هداك…وملحقتش افرح بيك..عشان حال اخوك يميل…
زم شفتاه شاعرًا بالأسف على حال أخيه وما بات عليه عقب انفصاله عن “وئام”:
-والله يا أمي انا عايز اقولك انه خلاص انحرف مش لسة هينحرف….انا حاسس اني لو لمسته وهزيته هيوقع حريم من كل حتة…
ضربت على صدرها مرددة بحسرة:
-بس متقولش في وشي كدة بدل ما اقع من طولي واروح فيها…منك لله يا وئام يا بنت علياء..إلهي ما تفرحي لا دنيا ولا اخرة…على اللي عملتيه في ابني…منك لله..إلهي ما تكسبي يا بعيدة…الـ
قاطعها جابر وهو على أتم استعداد للخروج من المنزل والمرور على أروى:
-بس يا أمي بس.. حرام تدعي على حد…
-حُرمت عليك عيشتك انت كمان..انت هتعملي فيها محترم ده انت ماضيك كله في حجري يا واد…..ولا أنت.. انا كنت عايزاك تبطل تكلم بنات بس مش للدرجة دي..وايه امي دي…قولي ياما…وحشتني منك يخربيتك..
هز راسه بنفاذ صبر متمتم:
-بعد أذنك انا ماشي لا إله إلا الله.
ردت عليه بصوت عالي:
-سيدنا محمد رسول الله…ومتنساش اللي قولتلك عليه..ومتنساش كمان بكرة شبكة خالد……
***************
قُطع الطريق عليها من أحدهم مانعًا وصولها إلى بوابة الجامعة…
رفعت “ثراء” بصرها كي ترى صاحب هذا الجسد وذلك العطر النفاذ فوجدته ذلك الشخص الذي تعرض لها بكتب الكتاب و تسلل خلفها إلى المطبخ…
-أنت !
ابتسم لها بسمة جذابة معرفًا ذاته:
-زاهر..اسمي زاهر منتصر…وأنتِ ثراء مروان الحلواني…
تحاشت النظر إليه وابتعدت عنه محاولة الرحيل وعدم الحديث معه…لولا إلحاقه لها واقفًا من جديد قبالتها متمتم بمرح:
-لا بلاش كدة…ده انا اتمرمطت ودوخت السبع دوخات عشان اعرف اوصلك وادخل الجامعة واتكلم معاكي..
وبجمود شديد وملامح باردة كانت تعقب:
-وتوصلي ليه وبتاع إيه؟؟ هو أنا أعرفك يا حضرت؟؟!!
-ما قولت زاهر…ايه اسمي صعب ولا إيه؟
مرة أخرى يتحدث معها بمرح يثير و يدب الرعب بداخلها..ابتلعت ريقها وتحدثت بقوة زائفه كي تنهي هذا اللقاء الغير مستحب بالمرة:
-لا مش صعب ممكن اعرف عايز ايه؟ وجايلي الجامعة ليه !
-قبل اي حاجة حابب اعتذرلك واقولك اني آسف واني مكنش ينفع اعمل اللي عملته في اول مرة شوفتك فيها..بس اعمل إيه..أنتِ حلوة زيادة وغصب عني قومت وراكي ومقدرتش امسك نفسي قدام الجمال ده كله…
كانت على مشارف الحديث ونهره وتعنيفه لولا مقاطعته لها مغمغم:
-أنا طبعا مش بعاكس..اوعي تفهميني غلط..انا بس بعبر عن مدى اعجابي بيكي اول مرة..وحقيقي لما قعدت مع نفسي وفكرت في اللي حصل اكتشفت اني كنت قليل الأدب…ومدام كنت قليل الأدب يبقى لازم اعتذرلك…آسف مرة تانية….
انتهى متحركًا من أمامها لا يبالي بدهشتها وتعجبها من فعلته ومغادرته عقب انتهائه حتى أنه لم يكلف وسعه للاستماع إلى جوابها….
تحركت خطوتين بذهن مشغول..وما هي إلا لحظات حتى صدح رنين هاتفها… أخرجته واجابت عليه بتلك الكلمات المقتضبة:
-اسبقوني على المحل وانا جاية وراكم مش هتأخر.
******************
يجلس معها على طاولة بمطعمهم قد خصصها لها..واختار إياها بعناية كي تكون بعيدة عن الأنظار وتستطع عقب انتهائهم من تناول الغداء سويًا من استذكار دروسها ويبعدها عن منزلها فقد علم منها مضايقات شقيقها لها والتي تصل احيانًا إلى تطاول بالأيدي مما جعله يخبر والدها برغبته في اخذها إلى المطعم من حين لآخر كي يحسن مزاجها وبالطبع لم يرفض له طلبًا ورضخ له……
والآن انتهوا وأبدت إعجابها بالطعام…مخرجة كُتبها وقلم مستمعة لسؤاله أثناء فعلها هذا:
-ايه رأيك في التربيزة…بعيدة عن أي دوشة وهتعرفي تذاكري..تحبي تشربي إيه اخليهم يعملوه في المطبخ..
ابتسمت له بامتنان، مغمغمة بفرحة لمعت بعيناها فهو يفعل ما كانت تتمنى أن يصدر عن أبيها وأخيها:
-ممكن شاي أخضر…
أومأ لها بموافقة وعندما كان على مشارف المغادرة اوقفته متمتمة:
-جابر…ممكن متسبنيش وتيجي تقعد جمبي وانا بذاكر؟
وافق قائلًا:
-حاضر..هقولهم في المطبخ..وجاي علطول.
غاب عنها قليلًا ثم حضر ومعه كوب الشاي..وضعه أمامها و وجدها قد بدأت…
جلس أمامها وأخرج هاتفه و وضع سماعة الأذن وبدلا من محادثة الفتيات مثلما كان يفعل… جاء بفيديوهات تعود إلى داعية إسلامية قد شكر به خليل أمامه…وبدأ بالإنصات إليه جيدًا……
أما هي فبدأت ما جاءت لأجله وبدأت استذكارها…
بعد وقت شعرت خلاله بالإرهاق قالت:
-أنا تعبت ممكن اريح شوية…
لم ينصت إليها بفضل تلك السماعة..فقامت بتحريك يدها أمام وجهه جاذبة انظاره…
خلع سماعة الأذن وقال :
-ايوة عايزة حاجة…
ابتسمت له مرددة بمرح:
-ايه بتكلم واحدة ولا إيه..
نفى هذا، مغمغم:
-لا خلاص الحمدلله توبنا إلى الله..أنتِ خلصتي ولا إيه؟
-لا بس تعبت شوية..
-ماهو التعب ده هيجي بفايدة في الاخر وهيخليكي تدخلي الكلية اللي أنتِ عايزاها…عارفة لو ذاكرتي حلو ليكي عندي هدية محترمة هتعجبك أوي..
تأملته قليلًا…ربُما مندهشة ولا تصدق بأن هذا هو ذات الشخص الفظ التي كانت تعشق وقاحته معها…
فمن يجلس أمامها الآن مختلف كليًا ولا يشبه بشيء…وبدون تردد كانت تخبره بامتنان لما يفعله معها:
-كنت عايزة اقولك شكرا على كل حاجة بتعملها معايا…كمان عايزة اقولك خليك كدة علطول يا جابر..انت كدة احسن كتير…
*****************
فى إحدى المتاجر المخصصة للملابس الحريمي والتي تشمل قسمًا خاص بالحجاب والنقاب..
تواجدت كلا من داليدا…فجر…وعد….و وئام التي اكتفت بالجلوس ومساعدتهم على اقتناء ما هو الافضل عليهم…
وأثناء جلوسها وانتهاء فجر من شراء الملابس الخاصة بها وبنقابها جلست جوار وئام…
لم تفلح بالبداية بفتح أحاديث لكنها باغتتها برفع يدها والأشارة نحو طرحة اجتمع بها اللون الأزرق والأسود متمتمة:
-الله حلوة اوي الوان الطرحة دي..تيجي نشوفها…
لم تنتظر جوابها ونهضت جاذبة إياها رغمًا عنها..وقفت جوارها أمام هذا القسم من المتجر…
اخذت وئام نفسًا عميقًا متمتمة بهدوء:
-جميلة لو عايزة تأخذيها خديها..
-هي جميلة فعلاً وهتبقى احلى واحلى لو جربتيها…
عقدت حاجبيها وأشارت نحو نفسها:
-أنا !!!
أكدت فجر، قائلة وهي تجذبها نحو المرآة:
-اه أنتِ تعالي…
وبالفعل جذبتها معها..وجعلتها تقف أمامها ترى انعكاسها واضعة الحجاب على وجهها بطريقة صحيحة خافية خصلاتها مغمغمة بإعجاب:
-جميل يا وئام عليكي…تحبي تأخديه..
كانت تتأمل انعكاسها وكيف اخفى الحجاب خصلاتها ونصف جسدها العلوي…خافيًا مفاتنها…
ابتلعت ريقها وبهدوء شديد وعيناها لا تنزاح عن انعكاسها كانت تجيبها:
-بس أنا مش محجبة..
-وايه المشكلة…اشتريه وخليه عندك مش هتخسري حاجة…
تعمدت فجر فعل هذا مذكرة ذاتها بـ قول الله تعالى “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين” صدق الله العظيم.
ابتسمت مع تذكرها لتلك الآية القرآنية داعية خالقها بسرها أن يهديها ويهدي جميع الفتيات ويرشدهم إلى الصواب…
وصلت ثراء بعدما بحثت عنهم ورأت أختها بذلك الحجاب..ابتسمت بعفوية واقتربت منها متحدثة بصدق شديد:
-الله يا وئام الحجاب عليكي حلو أوي…
هزت فجر رأسها تؤيد هذا متمتمة:
-ده حقيقي …وأنتِ كمان هيبقى جميل عليكي..تحبي تجربي…
ابتلعت ريقها وبطفولية وحماس كانت توافق.
ابتعدت وئام وخلعت الحجاب عن رأسها وصورتها به لا تغيب عن ذهنها….
فعلت فجر المثل مع ثراء..التي أبدت إعجابها مستمعة لهمس فجر لها وهي تراقب رد فعلها السعيد:
-الحجاب مش بس حلو..الحجاب كمان بيخبي مفاتن الست…بيحافظ عليها من أي عين…وده لو اتلبس بالطريقة الصح طبعا….يعني مفيش أي شعر يطلع منه لأنه حرام وميعتبرش ساعتها حجاب….ولا كمان يبقى قصير من قدام..لازم تخبي الجزء العلوي…مع مراعاة اللبس الواسع….
حضرت وعد و داليدا أيضًا واندهشوا من ثراء فصاحت وعد ببسمة:
-ايه ده قررتي تتحجبي ولا ايه؟
وبعفوية شديدة كانت تخبرهم:
-وليه لا….
*****************
عادوا الفتيات إلى المنزل فأستقبلهم أحمد محاولًا انتشال الحقائب من يدهم….فصرخت عليه وعد قائلة:
-ابعد ياض بدل ما اشوطك زي الكورة ابعد…وبعدين بتشد ايه يا منيل ده هدوم حريمي هتلبس هدوم حريمي؟
رد عليها بمشاكسة:
-يا ستي هتفرج هي الفرجة حرام !!
-لا يا اخويا مش حرام..غور ياض بدل ما اعمل الدنيئة معاك…
رمقها بأشمئزاز، متمتم:
-ما بلاش أنتِ بدل ما اصورك صوت وصورة بجعورتك دي وابعتها لحبيب القلب….
اخرجت له لسانها متمتمة بغيظ:
-مبتهددش ابعت…هو عارف عني كل قذرواتي…
هنا ودوى رنين هاتفها…أخرجت الهاتف مع تحرك الفتيات واستمعهم لحديث احمد:
-اطلعي يا حلوة منك ليها صحوا المحروسة اللي نايمة فوق ولا كأنها هتلبس شبكتها بكرة والمفروض تقوم تعمل ماسكات وحركات البنات بتاعتكم دي..….
ابتسمت وعد وهي ترى هوية المتصل..وضعت الهاتف على أذنيها وردت عليه بنبرة ناعمة:
-الو…
-أنتِ فين يا وعد؟
-لسة جاية من برة…حبينا نخرج وئام تغير جو…قولي هتيجوا بكرة مع خالد واهله مش كدة؟
أردف ينفي هذا:
-لا طبعا مش هنحضر…بصراحة محدش ليه وش يقابل حد من عندك..ولا كأننا عملين عملة..
حاولت عدولة عن هذا القرار بعدم الحضور قائلة:
-ليه يعني وانتوا ذنبكم ايه..احنا ملناش دعوة باللي حصل بينهم…
-طيب سيبك دلوقتي من الحوار ده..انا عشر دقايق وابقى عند البيت..اخرجيلي وقابليني في المكان بتاعنا عشان عايز أشوفك…
زحفت الحمرة إلى وجهها فكلماته البسيطة تفعل بها الافاعيل، وبخجل طفيف كانت تهتف:
-مش سامعة يا أشرف بتقول إيه؟؟
-بقولك قابليني في المكان بتاعنا يلا….
اختفت بسمتها وتبخر خجلها مغمغمة:
-والله !! يعني انت مقولتش قابليني في المكان بتاعنا علشان عايز أشوفك…
-طب ما أنتِ حلوة وسمعتي اهو اومال في ايه بقى؟؟؟
رددها بمرح..فقالت بغيظ:
-ماشي يا اشف يا ابن ام اشف..اقفل…انا جاية…
بعد وقت وصل إلى المكان المنشود…فلم يجدها مستمعًا إلى صوتها القادم من أعلى الشجرة:
-أنا هنا…فوق…
رفع رأسه وحدق بها وبجلستها أعلى الشجرة..ضرب كفًا بآخر متمتم:
-استغفر الله العظيم يارب…هو أنا متجوز قردة يا بنتي..صارحيني؟؟ أنا متجوز قردة !
-لا متجوز وعد..اطلعلي يلا..القعدة فوق حلوة…
-حلوة مين وبعدين أنتِ مبتحرميش مش وقعتي من عليها قبل كدة..مش هترتاحي يعني غير لما تكسري…
تأففت قائلة بتذمر:
-بعد الشر عليا..إن شاء الله اللي يكرهني…يلا اطلع…علشان انا مش هينفع انزل أنا طلعت بالعافية…يلا..
زفر بصوت مسموع وحاول تسلق الشجرة…ولكن بعد لحظات من الفشل وعدم تمكنه من فعلها صاحت به:
-يا خيبتك القوية مش عارف تطلع شجرة؟؟؟؟
رد عليها وهو يحاول من جديد و بأنفاس عالية لاهثة:
-معلش اصلي مش قرد زي جنابك…
-اه داري بقى على كسفتك وخيبتك..
ومع قولها لهذا رغب بتحديها وتمكن أخيرًا من تسلقها والوصول إليها جالسًا قبالتها…فصاحت:
-كل ده عشان تطلع يا اشف..
اخذ نفسًا عميقًا وهو ينظر إليها بعمق..وبنبرة جدية ونظرات ثابتة امسك يدها بين يديه وقال:
-عارفة يا وعد..
هزت راسها تنفي معرفتها:
-لا وربنا ما اعرف..في إيه؟
-أنا ابن كلب عشان قولتلك عايز أشوفك…انا غلطان اني سايب أخواتي والمطعم وجاي اشوفك…
رغب بالنزول وتركها لولا تشبثها بملابسه مرددة بنعومة ودلال:
-ايه ده رايح فين ده انا بهزر وبدلع عليك..
-يا نهار مش فايت..هو كدة وبتدلعي..اومال لو بتنكدي هتعملي في أمي إيه؟؟؟
-خلاص بقى يا أشرف..قولي عابد عامل إيه؟
-زفت على دماغه… أبويا ساكت عليه لحد دلوقتي..وهو مبيكلمش…كنا بنقول الحمدلله جابر اتعدل..قام عابد اتعوج…
ضيقت عيناها وقالت بتفكير عميق:
-الله عليك…بتقول شعر اقسم بالله…كنا بنقول الحمدلله جابر اتعدل قام عابد اتعوج….لا الله بجد…هايل يا فنان.
كز على أسنانه ومسح على وجهه مردد من بين أسنانه وبنبرة افزعتها:
-يارب صبرني يارب على ما بليتني….
هنا وابتلعت ريقها وحاولت تغير مجرى الحديث مغمغمة:
-طيب خلاص احنا بقالنا كتير مش بنقعد مع بعض ولا بنكلم عشان الجو المتوتر والمشحون ده..خلينا نقعد حبه حلوين على الشجرة الحلوة دي…
رمقها بشك….ثم زفر..ملقيًا عليها سؤاله فـ ربما تكون قد علمت شيء عن سبب انفصال أخيهم الذي لا يدري أحد منهم سببه حتى الآن:
-قوليلي وئام قالت حاجة؟؟ يعني ليه حصل ده كله معأنهم كانوا كويسين….
-هو أنت لسة متعرفش؟؟؟!
-هو أنتِ تعرفي؟
أكدت تهز رأسها بتردد فقد اخفت عنه منذ أن ادركت ولكن الآن لم تعد تتحمل الصمت قائلة:
-اه لسه عارفة..وهقولك… كل اللي هما فيه ده عشان أخوك عرف انها رجعت تكلم فادي…بس أخوك غبي…هو اه معذور وكل حاجة بس غبي البت بتحبه…واللي بيحب بيسامح…بس هو معملش ده واتجنن أول ما عرف أنها
قاطعها مغمغم بعدم فهم:
-لا.. لا براحة و واحدة واحدة عليا علشان أفهم…
تنهدت متمتمة:
-طيب انا هحكيلك كل حاجة من طأطأ لسلام عليكم…….
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم. 💜💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.