رواية كارثة الحي الشعبي الفصل التاسع والأربعون 49 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل التاسع والأربعون

الفصل التاسع والأربعون

الفصل التاسع والأربعون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل التاسع والأربعون:

-ايه ده يا نضال !!!!!

رددتها “داليدا” بصدمة وأعين متسعة ونبرة عالية جذبت أنظار المتواجدين والذين كانوا يرحبون بالشباب بهذا الصباح بعد أن حادثهم “بسام” واخبرهم بالمجئ كي يفطرون سويًا..

دُهش نضال واعترته الحيرة وهو يتساءل:

-في إيه ؟

انخفض بصرها بأتجاه يديه اليسرى ملتقطة إياها ثم رفعتها أمام حدقتاه مغمغمة بشراسة لا تعبئ بالجميع..

-دبلتك فين يا استاذ؟!

ضرب بيده اليمنى على جبينه قائلًة بصدق:

-ده انا قلعتها قبل ما انام ونسيت البسها…

علقت وعد الواقفة جوار “أشرف” بطريقة ساخرة:

-نسيت..لا الف سلامة.

لكزها أشرف كي تلزم الصمت وبالفعل فعلت هذا كي تتمكن من متابعة ما سيحدث ..

خرج صوت داليدا مستنكرًا لحديثه، متمتمة بحنق وسخط:

-قلعتها قبل ما تنام !!! ده انا بنام بيها يا استاذ ومش بقلعها..

تحدث “جابر” يغمغم بأسلوب مرح:

-شوفي انتِ بقى قلعها ليه يمكن بيعلق واحدة تانية ولا حاجة…

رمقه أخيه بنظرات مشتعلة متمتم بغيظ وتوعد:

-اخرس أنت خالص…

انتهى محملقًا بـ زوجته يوضح لها بهدوء:

-حبيبتي والله بقلعها بس قبل ما انام ولما صحيت معرفش ازاي نسيتها..حقك عليا انا هروح البسها واج

قاطعته بصياحها العالي والغاضب:

-لا تروح ولا تيجي..و زي ما انت نسيت وملبستهاش انا كمان مش هلبسها..او تقدر تعتبرني نسيت زيك..

انتهت خالعة إياها من أصبعها..واضعة إياها بيديه…

بدأ الغضب يتسلله تدريجيًا مما تفعله…فصاحت روفان محاولة تهدئه ابنتها:

-ما خلاص يا داليدا قالك قلعها قبل ما ينام يعني كان لابسها طول اليوم ومقلعهاش غير على النوم وده الصح اصلا..متكبريش الموضوع…

ردت وعد تبرر غضب داليدا :

-وهو يقلعها ليه اصلا؟

مسح نضال على وجهه ونظر إليها قائلًا:

-بعد إذنك يا مرات اخويا متدخليش…ما تشوف مراتك يا أشرف بدل ما تهديها بتولعها…

شارف أشرف على التدخل والحديث وإيقاف وعد لولا جابر الذي صاح يؤيد وعد وداليدا:

-هي والعة لوحدها اصلا…بتنسى دبلتك..دبلتك يا نضال…اخص…لا حقيقي أخص كمان مرة.

قال الأخيرة وهو ينظر لـ داليدا يتابع ما توقف عنده:

-انهاردة نسيها بكرة يضيعها…والله اعلم نسي فعلا ولا بيشتغلنا.

كبح “عابد” ضحكته وأضاف هو الآخر:

-يمكن شايفله شوفه ولا حاجة…مش بعيد عنه…قال نسي قال..ده انا انسى اي حاجة الا الدبلة قولولي ليه..قولي ليه يا عمو سليم؟

تساءل سليم المبتسم من هذا الشجار المرح متيقنًا ما يفعله الشباب مع شقيقهم:

-ليه يا روح عمو؟

-عشان كل ما وئام توحشني ابص على الدبلة…

فلما ابص على الدبلة بشوفها قدامي…واقوم مكلمها علطول….بس لو نسيتها ومخدتش بالي اني نسيتها اصلا ده معناه ايه؟؟

عقب جابر بذات المرح:

-أنها مش فارقة معاه اصلا ولا مهمة لدرجة أنه مخدش باله انه نسيها…

أضافت وعد بسخرية:

-لا وهي اللي خدت بالها..يعني الغلط راكبه من ساسه لرأسه….

صك على اسنانه وغمغم من بين أسنانه وهو يطالع الثلاث “وعد، جابر ، وعابد”:

-اخرسوا الله يخربيتكم…هتخربوا بيتي من قبل ما يتبني…اخرسوا..

انتهى مطالعًا داليدا يوضح لها ويعتذر بـ آن واحد:

-حبيبتي متسمعيش منهم دول بيولعوها..وبيهزروا..متفرحيهمش فينا…

-شوفوا البجاحة هي اللي متفرحناش…والله انت اللي فرحتنا مش هي..انت اللي نسيت مش هي يا أستاذ.

اوصد جفونه من كلمات وعد…وما هي إلا ثواني الا وكان يتحرك مفارقا مكانه واقفًا قبالة وعد وأشرف الكابح لضحكته مثلما يفعل الجميع:

-انتِ عارفة لو مسكتيش هخلي اخويا ده هيطلقك..اخرسي يا بت شوية…

-بت لما تبتك…انا مش بت يا اخويا… أنا.

توقفت نتيجة لمقاطعة أشرف وتدخله متمتم بغيظ من الإثنان:

-لا مينفعش كدة…اضربوا بعض يلا..مستنين ايه؟؟ ما يلا.

لوح نضال بذراعيه وعاد يقف أمام داليدا يحاول إمساك يدها وإدخال الدبلة بإصبعها مرة أخرى لكنها ابت وسحبت يدها:

-مش هلبسها يا نضال…

-حقك بصراحة..

قالها جابر مؤيدًا لموقفها فصاحت به ثراء أمامهم ناقمة مما يفعله:

-ممكن تسكت ومتدخلش..عشان اللي بتعمله ده مش لطيف خالص..خليك محضر خير…ولو مش هتعرف فأسكت احسن..

ارتفع حاجبه ورد عليها باستهجان:

-يا سلام هو أنا بس اللي بكلم مش سامعة يعني وعد ولا جوز أختك وهو بيولعها هو كمان ولا كلمتي انا اللي بتقف في الزور ومن بتتبلع…

والآن بات الشجار بين ثراء و جابر من ناحية وبين نضال وداليدا من الناحية الأخرى….

اتسعت بسمة وعد وهي تردد بسعادة:

-الله بقوا خناقتين..حد يخش يعملنا فشار عشان نقعد نتفرج ونتمزج كدة…

نفخ زوجها وعقب:

-طب إيه تحبي يبقوا تلاته؟؟؟

رمقته بجانب عيناها موضحة له:

-ليه شايفني عقلي صغير زي ثراء وداليدا..انا عقلي كبير مش بتخانق اي خناقة انا…لازم تكون تستاهل حاجة مهمة يعني..بس اللي بيعملوه ده هبل وهطل وعته كمان..اتفرج اتفرج..

في ذات الوقت تفاقم الحديث حدة بين جابر وثراء والذي صاح يعقب على أفعالها معه بحنق زائف وسعادة بسطية لتمكنه من الحديث معها حتى لو كان شجار:

-يعني أنا عايز افهم اشمعنا انا دونًا عن وعد وعابد مسكتي في كلمتي أنا….هو جر شكل وخلاص..وبعدين انا بكلم اخويا انا حر…

-ودي كمان بنت عمي وانا حرة…

صفقت رحمة بيديها كي تنهي ما يحدث مطلقة صفيرًا عاليًا من فمها:

-ســـــكـــــوت… ويلا البنات على المطبخ عشان نحضر الفطار..وأنتِ يا داليدا عدي اليوم الواد معملش حاجة متبقيش اوفر زي مروان.. خليكي فريش..

-لا أنا مش اوفر..انا معايا حق..بس ملحوقة ومش هلبس الدبلة يعني مش هلبسها خليها بقى معاه….

وبأعين متحدية وافقها جابر وهو يبعد أنظاره عن ثراء:

-صح كدة…أنتِ كدة عشرة عليكي مش خمسة بس..

عضت ثراء على شفتيها وعقبت بغيظ:

-يا بني متدخلش بقى متعصبنيش…

-استغفر الله العظيم يارب..لا بقولك ايه أنتِ الشيطان اللي وزك عليا سوحك…وفاكرة أن جو العصبية والتشنج ده هياكل معايا..بس في الحقيقة هو بيأكل عادي….

حبست بسمتها وفعلت ما بوسعها كي لا تظهر ونجحت بهذا…

حضر مروان بتلك اللحظة بعيناه الناعسة وخصلاته الغير مهندمة متسائلًا بصوت متحشرج مترقب وملامح عابسة فقد استيقظ على أصواتهم وخرج مثلما هو حتى أنه لم يغسل وجهه بعد:

-في إيه؟؟

دنت منه علياء توضح له:

-داليدا ونضال بيتخانقوا..

-اه ما أنا واخد بالي…ورحمة صَفرت…عارف انا الصُفارة بتاعتها..بس في ايه بقى..ايه سبب الخناقة العظيم اللي أنا صحيت بسببه…

اوضحت له وئام الواقفة جوار عابد:

-أبدًا يا بابي نضال نسي يلبس الدبلة..وداليدا زعلانة منه…

صرخت وعد عليها متمتمة:

-غلط….بتسردي اللي حصل غلط..المفروض تسردي صح..

علقت بصرها بمروان ثم قصت عليه:

-بص يا مروان انا هحكيلك..وعد هضحي وهتحكي وانت احكم يا عاقل أنت… دلوقتي نضال قلع الدبلة قبل ما ينام ونسي يلبسها الصبح والبت داليدا اتجننت واتخانقت معاه وقامت قالعة الدبلة هي كمان ومش عايزة تلبسها وهو حاليا بيحاول يقنعها تلبسها…قوم بقى وهما بيتخانقوا..بنتك الدلوعة ثراء تتخانق مع جابر عشان بيولعها…بس كدة…

عقب جابر عليها، متمتم بتذمر:

-بس متقوليش عليا بولع يا بوتجاز عشرة شعلة أنتِ..

جاء إياس من الخارج رفقة خالد بعد أن وافق على طلبه مسببًا في مضاعفة سعادته… مقتربًا من إبنه الجالس أعلى مقعد ما يتابع ما يحدث ببسمة وبلاهة طفولية..

نظر إليهم مروان..ثم طالع كل واحدًا من المتواجدين…وبحركة مباغتة كان ينحني لمستوى خفه الذي يرتديه وخلعه من قدميه وركض خلف الشباب والفتيات الذين فروا هربًا منه:

-يلا يا ولاد الكلب من هنا….بقي بتصحوني عشان دبلة متلبستش ياخي عنها ما اتلبست أنا ذنب امي ايه اصحى على خناق ويجيلي صداع يا ولاد الكلب…إيـــــه بقى…. فاكرني هسكت….لا والف لا…..بقى أنا اصحى عشان دبلة اتنست تتلبس…ما إن شاء الله عنها ما اتلبست يا ولاد الصرمة…..

*******************

بعد تناولهم لطعام الأفطار سويًا..استطاع عابد أخذ وئام متسللًا خلسة مستغلًا تواجد البعض داخل المطبخ والبعض الآخر من الرجال متفرقون فمنهم يتواجد بغرفته يحضر شيء ما… وآخرين  ينهمكون بالحديث…..

خرج معها بخطوات حذرة سريعة من الشاليه يد بيد، متجهًا للشاليه الاخر غافلين عن تلك العيون التي رأتهم…

فتح الباب ودخل معها مستمعًا لسؤالها:

-انت جايبني هنا ليه؟؟؟

اوصد الباب ملصقًا إياها بظهر الباب يجيب على سؤالها بطريقة مرحة واعين متيمة بها:

-جايبك تطبخيلي ايه الغباوة دي..واحد مش عارف يتلم على مراته وجايبها شاليه فاضي يبقى جايبها ليه؟

خرجت ضحكة خافضة محاولة نفي تلك الافكار التي اقتحمت عقلها:

-اكيد مش عشان اللي في بالي صح..قول صح..

-أنتِ قوليلي ايه اللي في بالك وانا هقول صح ولا غلط..يمكن تصيبي وتطلعي بتفكري صح..

نطق كلماته التي باتت هامسة وهو يقرب وجهه منها ويحتضن جسدها بتملك وعشق ليس له نهاية أو حدود…

ارتبكت من لمساته وهمساته، مما جعل صوتها يخرج ضعيفًا…متقطعًا محاولة التملص من حصاره:

-ما أنت لو بعدت شوية هعرف اتكلم واقولك بس

-بس أنتِ بقى…وخلي كلامك لنفسك..عشان ده مش وقت كلام خالص……

هتف الأخيرة ملتهمًا المسافة المتبقية بينهم والتي تفصله عنها مقبلًا إياها بشغف شديد…..محكمًا يديه على خصلاتها المتحررة المحاوطة لوجهها….

مربتًا على قلبه الذي كان يتألم مما كان يحدث بينهم من بُعاد كان على مشارف قتله….ويطمأنه…ويخبره بأنها معه…ولن تتركه…وانها بقربه الآن.

فقد تخطى مراحل العشق….بات مهوسًا بها…يتمنى قُربها دائمًا…فـ البعاد حقًا يقتله ولم يعد لديه القدرة على تحمله…كما يهاب أن ترتكب شيء احمق..او تتفوه بكلمات متعجرفة قد تثير غضبه وحنقه ويخرج لسانه واعصابه عن لجام السيطرة..ويقم بما لا يحمد عقباه وينفصل عنها…..

ابتعد عنها ولا يزال يده تغوص داخل خصلاتها الناعمة، قائلًا بصوت يتأجج بنيران العشق والهوى:

-انهاردة هكلم مع ابوكي… أنا مش عايز استنى..

او مش هقدر استنى واصبر اكتر من كدة…هكلمه وهنعمل الفرح ونتجوز علطول…انا عايزك جمبي يا وئام….

ابتسمت له وباندفاع كانت تحتضنه تخبره بموافقتها مشددة من عناقه وتقريبه إليها:

-وانا عايزاك جمبي…كلمه..انا موافقة يا عابد….

******************

-الله !! اومال فين وئام ؟

تساءلت فجر في حضور الجميع فلحقت بها ثراء التي رأتها تخرج رفقة عابد دون أن يراهم أحد…منقذة إياهم:

-فوق بتكلم في الموبايل..

قالتها متنهدة براحة فقد لاح التصديق على وجوههم..جاهلة عن أعين جابر التي كانت تتابعها وهي تلقي كذبتها وابتسم على ما أردفت به…

فقد رأهم هو الآخر وهم يرحلان يد بيد..

جابت عين “مروان” وتساءل عن عابد بشيء من الشك والسخرية:

-الله بقى !!!! اومال عابد فين هو كمان؟ بيكلم في التليفون برضو؟!

سارع جابر بالإيجاب عليه:

-صح يا اونكل…بيكلم في التليفون..مش كنت قايلكم عنده مشاكل في الصالون…اهم كلموه وبيتخانق معاهم..تقريبًا كدة بوظوا حاجة في الشغل.. ادعيله بقى…

ناظره بشك ثم طالع ثراء محاولًا تكذيب شكوكه مقنعًا ذاته بأن ما يفكر به غير صحيح بتلك الكلمات لنفسه وبسره:

-لا بنتي ثراء مش كدابة…ومدام قالت اختها بتكلم في التليفون يبقى بتكلم….

بعد دقائق معدودة..انتبه جابر لنهوضها فنهض هو الآخر…واوقفها وهو يسرق نظرة نحو مروان فوجده يتشاجر مع اخيه بسام…فابتسم وانتهز هذا، قائلًا بمزاح:

-خلاص الكدب بقى عيني عينك..قال ايه اختك بتكلم في الموبايل اومال مين اللي خرجت مع عابد وشوفتهم بعيني اللي هيأكلهم الدود دول خيالها ولا ايه.

-أنا برضو اللي كدابة يا محوراتي انت..ده انا صدقتك..يا كداب أنت…وبعدين انت جاي تقولي انا ما تقول لنفسك..اللي يسمعك يقول الواد مكدبش..

ابتسم لها وقال بذات النبرة:

-دي حقيقة انا مكدبتش… أنا بس حورت زي ما بتقولي بساعدهم يعني..مش احسن ما اسيبهم يتعكوا…وابوكي المجنون ده يعمل مشكلة.

-احترم نفسك بابي مش مجنون…

مط شفتاه وعدل على حديثه متمتم:

-طب بلاش مجنون عشان زعلتلك..نخليها احمق…

آتاه صوت مروان الذي رآه يقف مع ابنته ويتساير معها..فنهض قاطعًا حديثهم مغمغم:

-واقف كدة ليه ياض أنت؟؟

-حبيب قلبي لسة كنت بقولها اونكل مروان ده حبيبي حبيبي….

رد مروان ببغض واضح:

-يا شيخ حبك برص..

علق جابر بعفوية وتلقائية شديدة:

-ما أنت موجود يا حبيب قلبي هحتاج البرص ليه..انت تكفي و توفي.

استوعب مروان ما قاله بينما وضعت ثراء يدها على فمها تكتم ضحكتها على تعابير وجه ابيها…

ابتلع جابر ريقه و برر له:

-لا مش قصدي..اوعى تفهمني غلط..

نفى وهو يهز راسه بتوعد:

-لا متخافش انا فاهمك كويس اوي…

كاد يتابع لولا صياح جابر وهو يشير خلفه فاضحًا أمر عابد و وئام:

-اهي بنتك وعابد ظهروا…تعالي يا مرات اخويا شوفي اونكل مروان كان عايزك…

انتهى مفارقًا مكانه تاركًا ثراء تسبه بسرها..بينما دنا ابيها من وئام و قبض على ذراعها وتساءل بغيرة وحنق:

-كنتوا فين؟؟؟؟

انقذها عابد مجيب بدلا عنها:

-كنا بنتمشى برة في حاجة ولا إيه…

-بتتمشوا يعني مكنتوش بتكلموا في التليفون….يعني انا شكي كان في محله…

انتهى محولًا أنظاره نحو ثراء فلم يجدها فقد اختفت وكأن الأرض ابتلعتها…

********************

مضى الوقت وهم يمرحون ويمزحون معًا…وقت كان كفيل كي يلتقط جابر نظرات خليل المقتطفة التي تحدث رغم عنه من حين لآخر تجاه فجر….

بارح مكانه و وقف خلفه منحني لمستواه مطوقًا عنقه يهمس له فقد قص عليهم خليل طلبه لها أثناء مجيئهم:

-هتفضل محلك سر لحد امتى…دي هتبقى مراتك دي..قوم اتكلم معاها..افتح معاها أي حوار..اعمل حاجة يا خليل..

زفر خليل معقب على حديثه بخفوت:

-لا طبعا مينفعش..

انفعل جابر وعقب بغيظ:

-وايه اللي منفعوش..هو حد قالك انك هتتحرش بيها؟؟ ده انت هتكلم معاها..اتعلم من خالد يا بأف انت..ما هو متقدم زيك للبت..وامبارح فضل لزقلها مش زيك روحت نمت..وسبت البت…حتى ملعبتوش معانا…

وبنفاذ صبر تساءل خليل:

-أنت عايز ايه يا جابر..

-عايزك تتلحلح كدة..وتكلم معاها..اعمل اي حركة..وريها انك عايزها عشان توافق عليك..بدل يعني ما ترزعك واحدة لا تجيب اجلك..انا عايز مصلحتك اسمع مني..

أصر خليل على موقفه والا يتحدث معها متمتم:

-لا مش هتكلم معاها ولا هعمل اي حاجة دلوقتي….انا هستنى..وهسعى وهدعي أنها تبقى ليا…وكل حاجة حلوة سواء فعل أو قول هتطلع بس وهي حلالي…

-خليل تعالى نلعب دومينو تاني يلا..عايز اكسبك تاني…

أردف بسام وهو يطلق ضحكات عالية..فأقترح عليه جابر:

-وانا يا اونكل..

رفض بسام بمرح مشيرًا نحو خليل:

-لا انت لا..انا عايز خليل هو اللي يلعب معايا..العب انت مع العيال التوتو دي.

نهض خليل وتحرك مع بسام كي يلعبون سويًا لعبة الدومينو..بينما راقبهم جابر يفكر في شيء ما…وعلى الفور صاح جاذبًا انظار الشباب والفتيات…مصفقًا بيداه:

-انتباه يا جدع انت وهو وهي…

حدقوا به فتابع يقترح عليهم:

-بما أن اونكل بسام هيلعب مع خليل..فـ يلا بينا احنا كمان نلعب…

تساءلت وعد بحماس:

-هنلعب إيه؟؟

رد عليها بهدوء:

-هنلعب صراحة ولا تحدي..هاتولنا بس ازازة نلعب بيها ويلا بينا…

استحسنوا تلك اللعبة واحضرت إحدى الفتيات الزجاجة…

بدأوا بالجلوس ورغب نضال بالجلوس جوار داليدا فصاحت به ترفض هذا:

-لا انت لا يا بتاع نسيت…تعالي يا أبرار جمبي..

-ابرار ده إيه…وايه بتاع نسيت دي..أنتِ كدة بتغلطي فيا على فكرة…عشان أنا بتاع داليدا بس.. مين نسيت دي؟ معرفهاش..

ابتسمت له بسخافة ولبت أبرار لها رغبتها وجلست جوارها فسارع نضال وخالد الذي يجذب ابنه معه بالجلوس أمامهم كي تسنح لهم الفرصة باللعب معهم..وطرح الأسئلة عليهم وتحديهم.

جلسوا جميعًا وقام أشرف بتحريك الزجاجة التي ظلت تدور حتى وقفت عند كلا من جابر و وعد…

فصاحت وعد متذمرة :

-يادي النيلة..انت تاني..هو انت طالعلي في البخت ياض انت…

رد جابر عليها:

-هو أنتِ مبتعرفيش تلعبي وأنتِ ساكتة؟؟ يلا اختاري صراحة ولا تحدي؟

وبدون تفكير أجابت:

-صراحة طبعا…

هز رأسه بموافقة وبدأ يفكر في سؤاله الذي سيطرحه عليها..بعد ثواني كان يلقيه مغمغم:

-عُمرك حبيبتي قبل كدة؟؟ ولو حبيتي هل كان متبادل أم كان من طرف واحد؟

اوشكت على الرد والإيجاب على سؤاله ليوقفها أشرف الجالس جوارها تمامًا مغمغم بسخط:

-انتِ هتقولي ايه أنتِ؟؟  ده ايه اللعبة المنيلة بستين نيلة دي…

قالها يحول انظاره نحو أخيه يتابع بذات السخط والغضب:

-وانت ايه مش شايفني.. قرني أنا قاعد جمبها ايه اللي حبيتي قبل كدة ومعرفش ايه..انت اهبل يالا…

علقت وعد كابحة بسمتها وسعادتها من غيرته عليها:

-ايه يا أشرف في ايه..ده سؤال عادي…

-اه عادي…قوليله.

رددها جابر بمرح …كز أشرف على اسنانه وهتف بأعين مظلمة:

-متستفزنيش أنتِ وهو بدل وربنا بالازازة دي وعلى نفوخك أنتِ وهو…

أردف كلماته الثائرة متابعًا..ملوحًا بذراعيه:

-يلا خش في اللي بُعده..

-اللي بعده ايه انا عايزة اجاوب…يووه؟!!

-مش هتتسألي يا وعد…ومدام عايزة تتسألي وتصارحي هبقى أسالك أنا..ولمي ليلتك عشان مخليهوش يوم أسود على دماغك..

نفخ جابر وقام بتدوير الزجاجة….ولسوء حظ ابرار وقعت مع خالد دونًا عن الجميع…

ما لبث أن يتحدث بابتسامته الواسعة ويطرح عليها سؤاله (صراحة أم تحدي) حتى وجدها تنهض مقررة إنهاء اللعبة بالنسبة لها:

-أنا مش هكمل ولا هتسأل ولا هعمل حاجة..أنا برة اللعبة مش عايزة اكمل…

تبخرت بسمة خالد وتابع خروجها من المنزل….

رفع الصغير بصره وتساءل:

-بابي.. مالها أبرار مش عايزة تلعب معانا ليه؟

نفى معرفته أو ادراكه تاركًا الصغير جوار نضال..وخرج يلحق بها كي يتحدث معها…

جلست أمام حمام السباحة واضعة قدميها أسفل فخذيها…عاضضة على شفتيها من الداخل….فحتى الآن لا تزال غاضبة مما حدث أمس..

جاء خالد وجلس جوارها…قائلًا:

-ينفع كدة المرمطة دي…يعني ساحل وجبتيني وراكي..تخرجي تقعدي على البسين تجريني برضو وراكي..ايه بقى.. الرحمة بقى..

حدقت به بأستنكار، متحدثة بانفعال واضح:

-والله مش أنا اللي قولتلك تعالى انت اللي جاي بمزاجك..ثم انت جاي ورايا ليه؟؟

مط شفتاه وتصنع التفكير…ثم رد عليها:

-عشان اقولك اني حتى لو مش غلطان فـ أنا ملزوم اني اعتذرلك….عشان زعلتك من غير ما اقصد..بس صدقيني لو كنت اعرف أنك بتغيري اوي كدة كنت رديت عليها قدامك..

ازدردت ريقها وقالت بهدوء يناقض غضبها منذ ثواني:

-مين قالك اني بغير؟؟ انا مش بغير على فكرة..دي أوهام في دماغك..

-مش لازم تقولي.. الغيرة مش بتتقال..الغيرة بتبان..سواء في نظراتك أو حركاتك..أو حتى نبرتك…كل دول بيقولوا انك غيرانة…لسانك مش لازم ينطقها عشان اعرف ده…

تحدث بطريقة أصابتها في مقتل…جعلتها تتحاشى النظر إليه وتنظر أمامها في اللاشيء…

ابتسم بسمة جانبية على خجلها وقال قبل أن ينهض ويعود للداخل:

-على فكرة لما ترجعوا هننزل ننقي الشبكة عشان هلبسهالك مع قرايه الفاتحة..والفرح هيبقى قريب اوي..وهتكملي السنة دي في بيتي…

اولاها ظهره تاركًا إياها على صدمتها…لكنه تراجع وعاد يحدق بها مغمغم:

-اه صحيح..البوسة اللي مخدهاش امبارح هاخدها يعني هاخدها…الصبر حلو برضو..

********************

عادت “أروى” من الخارج..و وطأت قدميها داخل المنزل…وما أن أغلقت الباب و كادت تتحرك قاصدة غرفتها حتى وجدت من ينقض عليها ويحكم قبضته على خصلاتها يهزها بعنف يصرخ بها بصوت هز الأركان لا يهتم بصراخها العالي واستنجادها بوالدتها:

-هو انا يا بنت الكلب مش قولت مفيش نزول… إيه كلامي مبقاش يتسمع ولا إيه….

جاءت والدتها من الداخل مندفعة نحوهم دافعة إياه بقوة تخبره:

-ايه بتمد ايدك عليها ليه؟؟

-البت دي انا مش قايل ملهاش خروج..ايه في ايه…انا عايزة اعرف انا راجل في البيت ده ولا رجل كنبة…..

نطقت اروى المتألمة وبعيناها اللامعة بدموعها كانت تخبره بنبرة متحدية:

-بابا عارف واذنلي…وقالي ملكيش دعوة بأخوكي…وانه جابر مدام عايز كدة يبقى هنزل وهعمل كدة…ممكن حضرتك تكلم مع بابا..انا مليش دعوة ..

أكدت والدتها ما تقوله متمتمة:

-ايوة يا زاهر.. أبوك قالي أن خطيبها كلمه وعايزها تنزل الدروس…..لما ابوك يجي ابقى اتكلم واتفاهم معاه..بس متمدش ايدك على بنتي..يلا يا أروى..

تحركوا معا للأعلى تاركين إياه يكرر اسم جابر وهو يضم قبضته بتوعد وغل:

-جابر….يا انا يا انت يا بن سلطان..

*****************

بعد حلول المساء…أعدت رحمة و مريم الذرة (فشار) و قسمتها على صحون عدة….جالسين جميعًا يتابعون إحدى الأفلام مثلما حدث أمس…

وأثناء انهماك الجميع و وضع تركيزهم مع هذا الفيلم..كان “عابد” يرغب بأخبارها بأنه سيتحدث مع مروان عقب انتهاء الفيلم ويخبره برغبته في تقديم موعد الزفاف…لكنه لاحظ ما يحدث معها من حظرها لإحدى الأرقام الغير مسجلة و التي ألحت واتصلت مرتين مخمنة هوية صاحبها فمن المؤكد بأنه فادي ويهاتفها من رقم آخر بعدما حظرته من السابق…

اعتراه الشكوك خاصة من وجهها الذي شحب ونظراتها الزائغة…كل هذا جعل الشك يتملك منه وأن هناك شيء ما يحدث معها…

مال عليها يتساءل بأعين قد ضافت بترقب وتفحص شامل لما سيحدث لها عقب سؤاله:

-مين اللي بيتصل عليكي؟؟

لزمت الصمت ثوانِ تعصر ذهنها كي تجد إجابة مناسبة لا تضعها في موضع الشكوك…ابتسمت عنوة بسمة لم تصل لعيناها وأجابت:

-معرفش…

ارتفع حاجبيه..وتفاقمت شكوكه..باتت ملامحه باردة معلق بسخرية:

-ولما أنتِ متعرفيش بتبلكي الرقم ليه؟؟

لم يمهلها وقت للرد متمتم بحدة ولهجة آمرة:

-هاتي تليفونك…

غمرها الخوف وتحدثت بتقطع واضح:

-فـ في إيه يا عابد أنا..

-بقولك هاتي تليفونك…

زادت خفقات قلبها ومنحته هاتفها بعدما قامت بفتحه ببصمة إصبعها…

اخذه وخرج للخارج كي يدري ما يحدث من خلف ظهره….

مسحت على وجهها وأوشكت على البكاء مما سيحدث ويكتشفه من حماقة وسذاجة ليس لها مثيل….

نظرت للجميع بخوف واضح..وبدون أن تنطق بحرف واحد كانت تنهض هي الأخرى وتلحق به…

بحثت عنه و رأته يقف بالحديقة بالخارج…ابتلعت ريقها واستجمعت شتاتها وخرجت له..

غافلة عن مروان الذي انتبه لهم ونهض من خلفهم مستشعرًا حدوث شيء معهم….وقف خلف النافذة الزجاجية متابعًا ما يحدث من تقليب عابد بالهاتف..واقتراب ابنته منه بخطوات مترددة..

-عابد…

لا يوجد استجابة لندائها..تابعت تقدمها حتى وقفت أمامه.. وجدته في حالة يرثى لها…

نظر لها ومن بين أسنانه وبغضب اعمى كان يسألها بعدما علم من سجل المكالمات الخاص بها بأنها لاتزال تتحدث مع فادي وبأنها قد وضعته على قائمة الحظر.. متيقنًا بأن من قامت بحظره منذ دقائق لم يكن إلا هو أيضًا:

-فادي ها…لسة بتكلمي فادي…..

ومع تلفظه الاخيرة كان يقذف الهاتف أرضًا….يطالعها بعدم تصديق لما تصر على فعله به…متمتم بصراخ وغضب جحيمي:

-أنا مش مصدق…انتِ بتخونيني !!!!

طب ازاي…منين بيودي على فين…ده أنتِ لسة امبارح معترفة انك بتحبيني….معقولة بتحبيني وبتعملي فيا كدة ؟؟؟؟؟ انا عملتلك ايه؟؟؟؟ ردي عليا أنا عملت فيكي ايه وحش عشان تعملي فيا كدة؟؟ ما تردي ساكتة ليه!!!!!!!

اعتصرت جفونها وهبطت دموعها بغزارة وكأنها أمطار…رغبت في التبرير والدفاع عن ذاتها لكنه لم يسمح لها متابعًا بعتاب وندم على عشقه الذي لم يكن في محله بتاتًا:

-انا طلعت مغفل.. مراتي مقرطساني ولسة بتكلم صاحبها…اعمل فيكي ايه دلوقتي ها…اقتلك؟!!!

لم ينتظر جوابها واجاب بدلاً عنها ينفي هذا:

-خسارة اني اضيع نفسي عشانك… أنا ندمان على كل لحظة حبيتك فيها و وجعت قلبي عشانك….أنتِ اكبر غلط في حياتي..وأكبر فشل..

-عابد اسمعني…والله..والله.. وحياتك عندي ما بحبه ولا خونتك..انا عارفة أني غلطانة لما اتكلمت معاه وأنه ده مكنش ينفع يحصل..بس والله كان غصب عني..اول مرة صدتيه..بس بعد كدة كنت مضايقة منك..كنت عايزة اضايقك…بس لما استوعبت اللي بعمله بلكته وقطعت كلام معاه..انا بحبك يا عابد…سامحني عشان خاطري…والله ما هكلمه تاني..انا مش خاينة.. انا بحبك..

انتهت مندفعة لاحضانه تطمع في مسامحته وتخطيه لهذا الخطأ كأن لم يكن…

خرج مروان بقسمات مندهشة متعجبة مما يحدث بينهم…من صراخ وعتاب واندفاع ابنته لاحضانه باكية..

ظل عابد محافظًا على سكونه…وبعروق بارزة ونبرة جاء بها من اعماق الجحيم كان يهمس لها:

-الست اللي تكلم راجل تاني وهي على ذمة غيره متستاهلش تقعد يوم كمان على ذمته…ويبقى سهل عليها تعمل اي حاجة…أنتِ طالق يا وئام……………………

يتبع.

فاطمة محمد.

توقعاتكم ويا ترى ايه اللي هيحصل وشايفين مين اللي غلطان عابد و لا وئام ولا الاتنين..

واتفاعلوا

حلو عشان التفاعل مش عجبني واعملوا فوت كتير😂😂🤦🏻‍♀️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق