رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثالث والخمسون 53 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثالث والخمسون

الفصل الثالث والخمسون

الفصل الثالث والخمسون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثالث والخمسون:

يركض بالرواق الخاص بقسم الإستقبال داخل إحدى المستشفيات… بأعين متلهفة..وقلب يرتعد خوفًا بعد أن حادثه ذلك الشخص المجهول وأخبره بتعرض شقيقته لحادث ما وتواجدهم بالمستشفى الآن..

التقطتها عينيه وهي تجلس على مقعد ما يتواجد بجوار إحدى الغرف وبجوارها شخص يجهل هويته مخمنًا بأنه من قام بمحادثته..

اندفع نحوها وتسمرت قدماه وهو يرى تلك الجروح الطفيفة المبعثرة والمتفرقة على وجهها..

جثى على ركبتيه حتى بات بمستواها يستفسر منها بصوت يشوبه القلق:

-إيمان أنتِ كويسة؟ ايه اللي حصل ! حادثة ايه دي اللي عملتيها وازاي…

ارتجف فمها وطالعته بنظرات جعلته يشعر بوجزات بمنتصف قلبه…مستشعرًا بأنها قد تعرضت لشيء خطير…

بدأ وجهها بالانكماش تدريجيًا وبدون أن تجيب عليه أجهشت بالبكاء واندفعت لاحضانه…متشبثة به بقوة..لا تصدق بأنه معها الآن.. وأنها بأمان ولم يحدث لها شيء…

تقابلت عيناه مع هذا القابع جوارها والذي أخبره بأسى يشرح له وضعها وما تعرضت إليه:

-انا معرفش ايه اللي حصل بضبط بس تخميني أنها ركبت مع سواق تاكسي مش نظيف..و معاه واحد اكيد صاحبه..بس معرفش ركب بعد ما هي ركبت ولا قبل..المهم اني كنت ماشي بالعربية من جمبهم وشوفته وهو مثبتها بالمطوة…والحمدلله قعدت ازنق عليهم علشان يخافوا..وفعلا خافوا و عرفوا يسبقوني و بعدين وقفوا وراحوا زقنها برة العربية وقعوها على وشها..ومع الأسف نسيت خالص ابص على رقم العربية…

بردت أطرافه ودمعت عيناه..وكل ما يفكر به وهي داخل أحضانه..بأن ما كان يوشك على فعله بـ فجر..كان يحدث بذات الوقت مع شقيقته..ولولا ستر الله…لكان تم الأعتداء عليها.

ضم شفتاه بقوة يكبح دموعه داخل مقلتيه…مربتًا على ظهرها بحنو مستمعًا لصوتها المرتجف وشعورها بالذنب لمساعدته على إيذاء رفيقتها:

-أنا كنت هضيع يا أنس..كانوا هيغتصبوني..والله أعلم كانوا هيعملوا فيا إيه بعدها.. أنا عُمري ما هنسى اليوم ده..انا روحي كانت هتطلع مني…انا خايفة أوي لحد دلوقتي..احضني عشان خاطري وقولي انك جمبي يا أنس.. وأنهم مش هيأذوني.

وبصوت مبحوح أثر دموعه، فهو لا يرى مذنبًا سواه:

-أنا جمبك يا حبيبتي..وأنتِ كويسة مفيش حاجة حصلت..ومحدش هيعرف يأذيكي..اهدي.

_______________

اقتحمت “وعد” حجرة المكتب بعدما أدركت بجلوس مروان بداخلها بمفرده من علياء التي طلبت منها الدخول له وتحاول أن تثير أعصابه وتجعله يخرج من تلك الحالة…

فـ بعد طلاق ابنته و عودتهم إلى المنزل بات شخصًا اخر..لا يمزح..ولا يبتسم الا قليلًا..كما أصبح قليل التحدث ولا يتشاجر مع أي منهم إلا إذا استدعى الأمر..

رفع رأسه الذي كان يسندها على حافة المكتب يناظر هذا المقتحم.. فوجدها هي مرددة ببسمة وهي تغلق الباب خلفها:

-ميرو بدور عليك يا جدع..انت فين.

رد بهدوء و برود:

-في المكتب اهو..عايزة ايه يا وعد انجزي؟

دنت منه مداعبة وجنتيه بيدها قائلة بمزاح:

-يالهوي عليك وأنت عاقل و رزين و تقيل كدة..يعني بجد لا تطاق..فين ميرو اللي حسه مالي البيت وبيغطي على هوهوه شيكو..

نجحت في إغضابه نوعًا ما وأدركت ذلك من عيناه التي ضاقت قليلًا وثبتت عليها..ويده التي رُفعت ودفعت يديها بعيدًا عن وجهه:

-طب بطلي هوهوه واطلعي برة يا بنت أيهم.

-شوفت مش بقولك لا تطاق..طب عليا الطلاج حسودك….

انتهت متمعنة النظر بخصلاته وبعبث شديد كانت تخبره:

-ايه ده عندنا مناسبة انهاردة ولسة مصبغتش شعرك الابيض..ليه كدة؟ انطي عليا هتبان أصغر على فكرة وممكن تتشقط منك..قوم خلينا نصبغلك يلا..انا مش هسمح حد يقول انك كبرت وعجزت بدري بدري يلا قوم.

زفر وهو يرى محاولاتها في جذبه من مجلسه وجعله يخرج معها… وعندما لم تنجح صاحت بأنفاس زيفت تسارعها:

-يالهوي ده ياريتها تيجي على الشعر الأبيض بس..ده أنت تقيل كمان يا جدع..انت لازم تبدأ دايت.. اقولك تعالى نبدأ انا وأنت وهشجعك..عليا الطلاج هشجعك واخلي البنات تحفي وراك..

-أنتِ فاضية صح؟؟ الفراغ قتلك شكلك..غوري يا وعد..غوري..

قطبت حاجبيها وصاحت وهي تضع يدها أعلى خصرها:

-لا ده انت اتحسدت بجد..ده انت لو كنت مروان القديم كان زماني خارجة من مكتبك بتنطط ولا اجدعها قرد بيتنطط على شجرة..انت لازم تتبخر..استنى هجيب المبخرة وابخرك ..

انطلقت من حجرة المكتب تاركة إياه يضرب كفًا بالآخر..غابت قليلًا ثم جاءت وهي تحمل تلك المبخرة..وتقترب منه…

فصاح مستنكرًا متابعًا تقدمها منه:

-ده أنتِ هتبخري بجد مش هزار؟؟

-اومال انا كنت بهزر معاك…

قالتها وهي تقف خلفه وتدور فوق رأسه بشكل دائري بتلك المبخرة التي تخرج الكثير من الدخان..

حاول النهوض فلحقت به بيدها الأخرى مجبرة إياه على الجلوس متمتمة:

-رايح فين هو دخول الحمام زي خروجه..انا مش هخرج من هنا غير لما ابخرك وترجع مروان القديم…فـ ارجو منك أنك تبقى مؤدب وتسمع الكلام بدل ما استعمل معاك العنف..

سعل من تلك الرائحة التي تسللت صدره..وذلك الدخان الذي على وشك خنقه متمتم بصعوبة:

-أنا كدة مش هرجع مروان القديم..ده كدة مش هيبقى في مروان خالص..لا قديم ولا جديد..الله يخربيتك هتخنق..أنتِ حد مسلطك عليا..

-لا..واقعد مش هيحصلك حاجة انشف كدة..ده انا ببخرك الحق عليا ده بدل ما تقولي شكرا يا وعد يا قمر..

-قمر ايه و زفت إيه على دماغك ودماغ اللي خلفوكي..

رددها وهو ينهض رغمًا عنها مفارقًا حجرة المكتب فلم تتركه وظلت تلحق به وهي تحاول السير على أطراف قدميها وتدير المبخرة بحركات دائرية معقبة:

-اهو شوفت مفعولة بدا يشتغل وقلة الأدب هتحل خلاص..ادي نفسك خمس دقايق وهتلاقي نفسك بتطلع على الكنب و بتشتم وبتجري ورايا ولا اجدعها كلب بوليسي..

عض على شفتاه وهو يصرخ بها:

-يا بنتي بقى متخلنيش أخرج عن شعور وأقل ادبي على أهلك..

-ما هو ده المطلوب..اققولك وبخني..بموت في الشتيمة..بعشقها ..عارف لو متهزقتش أو اتشتمت اقعد اهرش كدة زي المدمنين..وابقى عايزة الجرعة..

هدأ روعة واقترب منهم سليم وبسام المشرفين على تزيين البيت من أجل مناسبة المساء..وتساءل سليم:

-في إيه؟؟

لم يهتم مروان بسؤاله وبلل شفتيه قبل أن يوجهه سؤاله إلى وعد:

-بتحبي الشتيمة ها..وعايزة الجرعة..

هزت رأسها بتأكيد مسرعة نحو بسام مانحة إياه المبخرة عائدة إلى مكانها قبالة مروان وبدات بحك جلدها أمامهم:

-اه حتى شوف..اهو بهرش اهو..

وعلى الفور سارع بخلع حذائه..فصاحت مهللة وهي تقفز:

-ايه..هيعملها ولا ايه..والله شكله هيعملها…هيعملها….هيعملها..هيعملها…ميرو هيعملها.

قالت الأخيرة وهي تهرول بسرعة البرق وهو من خلفها يلحق بها يرغب بتصويب حذائه بها…

صارخًا بها فقد أثارت أعصابه و قامت بإيصاله إلى ذروة غضبه:

-بتجري ليه يا ست المدمنة..تعالي اديكي الجرعة..خدي يا بت…

_______________

في المساء..

هبطت دلال من الأعلى مرتدية ذلك الفستان التي قامت بحياكته خصيصًا لتلك المناسبة وقد كان أسود اللون..واسع قليلًا لا يلتصق بها..وحجاب فضي جعلته قصير للغاية..واضعة ذلك الوشاح الخفيف عليها…

أطلق “جابر”صفيرًا عاليًا يبدي إعجابه بهيئتها، قائلًا بتصفيق مرح:

-الله أكبر..بطة بلدي يا أخواتي.. أيوة.. أيوة هز يا بط…بط يا هز..ايه يا دلال الحلاوة دي..

تبادلوا النظرات لتحدثه بتلك اللهجة المرحة والتي تكون بعيدة كل البُعد عن شخصيتة الجديدة…وتذكرهم بما مضى..

رفعت دلال رأسها بغرور مصطنع تتجاهل تمامًا زوجها الجالس والذي كانت عينه لها بالمرصاد..

قائلة بنعومة:

-ميرسي يا ولا..

ضحك نضال وعلق:

-يا خرابي ميرسي ويا ولا في نفس الجملة؟؟ وأنت ايه اللي بطة بلدي وهز يا وز وهز يا بط..فين جابر العاقل اللي كان قارفنا من كام يوم أراه تبخر..

حمحم بخفوت قبل أن يعقب بهدوء:

-لا متبخرش موجود الحمدالله بس دي أمي..يعني الجنة تحت أقدامها..وحتى لو مش أمي..دي الكلمة الطيبة صدقة..وبعدين هو انا لازم ابقى مبوظ طول الوقت عشان تصدقوا اني اتغيرت..يعني لو هزرت شوية هبقى وحش؟

نهض سلطان وتدخل بهدوء وعينه لا تفارق تلك الغاضبة من كلمات جابر:

-لا مش وحش..الواحد مش لازم يبقى قفل ودبش ومبيكلمش عشان يعجب..ممكن يهزر ويضحك ويعمل كل حاجة بس بشرط تكون مبتغضبش ربنا..ما هو انا مش عشان انبسط شوية..اشيل نفسي سيئات..ولا إيه..

تبسم وجه جابر بسعادة وقال:

-حبيبي يا بابا قوله..

أما أشرف فصاح وهو ينظر لاخيه عابد يسأله من جديد:

-متأكد أنك مش هتحضر؟

-اه..

ردت دلال عليه بغضب وهو تقترب منه:

-كك اوه..ده بدل ما تيجي وتصلح اللي بوظته..

-ملكيش دعوة يا دلال..هو حر..ومش صغير..

ردد سلطان فالتفتت دلال نحو أشرف قائلة:

-قوله إني مش بكلمه يا أشرف ولسانه ميخطبش لساني..وده ابني وانا حرة فيه.

قطب جابر حاجبيه وعلق هامسًا لنضال:

-نضال هي حرة فيه ولا حرة معاه؟

-يا عم اي نيلة المهم أن فيها حرية..وبعدين استني امك و ابوك شكلهم متخانقين والحوار هيسخن دلوقتي وامك هتندب احلى ندب..

شارف أشرف على التدخل والتعقيب على كلمات والدته.. لكن سبقه سلطان، متمتم بسخرية:

-يا سلام انا اللي ميت في دباديبك مش كدة؟؟ واد يا أشرف قولها إن انا اللي مش عايز اتكلم معاها..ولسانها ميخطبش لساني..وتبطل حشرية انا اصلا كنت بكلم عابد..

سخرت دلال منه وقالت:

-ليه هو عابد اسمه التاني دلال واحنا منعرفش ولا إيه..أشرف قوله يلم الدور بدل والله اطلع اغير وما هروح في حتة..

وللمرة الثانية يرد عليها زوجها غير سامحًا لابنه بالحديث:

-يا سلام تاني..طب ما تقعدي هو حد حايشك..ولا حد ماسك فيكي أصلا…

كزت على أسنانها ودفعت الوشاح الموضوع على كتفيها، قائلة بعنف وحسم وهي تجاور عابد جلسته على الأريكة:

-بقى كدة..طب مش رايحة في حتة.. روحوا انتوا وانبسطوا ها.. اصلي طلعت تقيلة على قلبك وعلى قلب عيالك..

هز نضال رأسه ودافع عن نفسه:

-والمصحف ما فتحت بُقي.

عقب سلطان بلامبالاه:

-براحتك ده شيء يرجعلك انتِ كمان مش صغيرة..مش عايزة تيجي عنك ما جيتي..

طالعته بحزن سرعان ما تلاشى وبات سخرية:

-علمهم قلة الأدب كمان وكمان وازاي يردوا ويقللوا من مراتتهم..اقولك تعالى اضربني على وشي..ولا هات الخرطوم ومدني على رجلي…

انتفض أشرف وتحدث بنفاذ صبر:

-ما تصلوا على النبي يا جماعة في ايه مش كدة..اخش اجبلكم جاز وعود كبريت ونخلص طيب..

التوى فمها للجانب وقالت بخيبة أمل:

-حتى انت يا أشرف جاي على امك معاهم..

انكمش وجه نضال حنقًا واقترب منها مقبلًا أعلى رأسها ثم حدق بها يرجوها:

-لا ارجوكي يا ملكة الدراما والحوارات مش وقته..استهدي بالله وقومي حبي على دماغ جوزك..

-ده انا هفتح دماغك غور من وشي..قولت مش رايحة في حتة..

زفر عابد بصوت عالي مما يحدث من مبالغة فنظرت له..تزامنًا مع ضرب نضال على وجهه مدركًا بأن عابد سينال حصته هو الآخر:

-بتنفخ..طبعا ليك حق..ربنا ياخدني عشان ترتاحوا..

هنا وسقط بصر جابر على تلك القلادة التي ترتديها..ضيق عيناه وصاح:

-ايه ده أنتِ لبسه خرزة زرقا !

انشغلت معه ومسكت القلادة، هاتفة:

-اه عشان تحميني من العين..انا مش ناقصة.

ضحك نضال وصدحت ضحكاته بالاركان، وقال بمرح:

-الله اكبر خايفة من العين مرة واحدة..انا كـ نضال شايف انك تقلعيها ملهاش لازمة..

علق خليل على ما أردفت به:

-الحامي هو الله يا أمي العزيزة.

زفر سلطان واستمع لقرع الجرس..كاد أشرف أن يفتحه لولا يده التي أشارت له كي يجلس مكانه..

فتح الباب وظهر خالد و ابنه الحامل لباقة الزهور و والدته وشقيقته..

قائلًا:

-حبيت تشوفني بالبدلة وتقولولي رأيكم فيا وانا عريس..وبالمرة اعرفكم على ماما وأختي الكبيرة..

احتضنه سلطان وهو يبارك له ويمدح بهيئته:

-الف مبروك يا بني..ربنا يسعدك يارب..وطبعا انت شيك و ذوقك حلو مش محتاجة كلام..

كان يتحدث يغفل عن نظرات ناهد نحوه..لكن ابنتها انتبهت لهذا وكظمت ضحكتها هامسة لها:

-عينك يا ماما..هتأكلي الراجل ..

-لا وهو يتأكل بصراحة..ايه ده..وايه الصوت ده ؟ حساه قالب على رشدي أباظة..

قاطعهم صوت خالد وهو يشير نحوهم:

-ماما ناهد…واختي هدير..وده وسام غني عن التعريف..

منحهم سلطان بسمة و قال مرحبًا بهم:

-اهلا بيكم..ونورتوا مصر…

ردت عليه ناهد بإعجاب طفيف:

-والله مصر منورة بأهلها..

ثواني وكان ينادي على ابنائه كي يرافقون خالد وأهله إلى منزل الحلواني.. ومثلما توقع حضرت دلال أيضًا وكأنها لم تفعل شيء..

مباركة لخالد و ناهد و هدير..وكذلك عابد قام بالمباركة لهم ثم عاد للداخل.

وبأعين متسعة تحدثت ناهد وهي توجه كلماتها إلى سلطان المبتسم:

-ماشاء الله دول ولادك أنت..ده أنا لو مكنتش عرفت كنت قولت انك اخوهم الصغير..شكلك مش ابوهم خالص..

وعلى الفور باغتتها دلال وباغتت الجميع بشهقة عالية، قائلة (بردح):

-هو مين ده اللي اخوهم الصغير..وبعدين يعني انا اللي باين عليا اني أمهم.. إيه هو انا مش عجباكي مفيش شكلك صغيرة يا دلال هانم..

كتم أبنائها ضحكتهم بينما ضحكت ناهد و قالت تبرر غير مبالية بطريقتها معها بل عجبتها للغاية:

-بس كدة شكلك صغيرة يا دلال هانم..بس بجد يا سلطان بيه أنت أبوهم؟

-لا جدهم…يلا يا خالد يا بني..يلا خلينا نفرح بدل حرقة الدم اللي الواحد فيها دي…

______________

استعدت عائلة الحلواني واصبحوا جاهزين لاستقبال عائلة خالد..وأقاربهم المقربين فقط..فقد قرروا أن تكون بين العائلتين والمقربين فقط..

ولأول مرة يرى مروان وعلياء بناتهم يرتدون الحجاب..وفساتين واسعة تبشر بالخير القادم..

دمعت عيني مروان ولم يتحمل رؤية بناته بتلك الهيئة المحتشمة وابتعد لإحدى الزوايا يبكي بها من شدة فرحه..متلقي هو و زوجته

و

بناته التهاني والمباركات على تلك الخطوة من باقي أفراد العائلة.

أما عن فجر التي قررت عدم قص أي شيء مما حدث اليوم هي و وئام وثراء وحفظ هذا السر بينهم والا يخرج لأحد فلو علم أهلها لن يتركون إياه وستزداد الأمور سوءًا…فيكفي صدمتها بتلك الصديقة والاخت سابقًا ..واللاشيء حاليًا..

فكانت ترتدي فستاناً واسعًا يماثل الخاص بـ وئام وثراء..ولكن الفرق الوحيد بينهم هو نقابها الذي يغطي وجهها…وتحاول الابتسام من أسفله رغم تلك الآلام المتواجدة بها..محاولة الانشغال مع وعد التي ارتدت فستانًا طويلًا وكعب للمرة الثانية وارتدت داليدا واحدًا مثله اختلف فقط بالألوان..فالخاص بوعد كان أسود اللون.. أما داليدا فكان بلون الزرع والأشجار..

وبالذهاب تجاهه العروس نجدها ترتدي فستانًا طويل ضيقًا من الاعلى ويتسع بداية من خصرها..و ذو أكمام ومغلق باكمله لا يظهر أي شيء منها وكان من الستان ذو لون بنفسجي..

وصلت عائلة خالد وسلطان واستقبلهم رجال الحلواني..ورحبوا بهم ببسمة ولم يشعروا سلطان أو ابنائه بأنهم غاضبين منهم بل كانوا طبيعين وتلقائين كأن شيء لم يحدث..حتى أنهم تخطوا غياب عابد ولم يسأل عنه أحد..

هبطت العروس وتسارعت دقات خالد..سعيدًا بهذا الخجل الواضح..و وجها الهادئ والتي لم تزينة إلى تلك الدرجة المنفرة..بل برزت ملامحها فقط..

دنت منها هدير وناهد وقبلوها من وجنتيها مبدين إعجابهم بجمالها وعن ذوق خالد بالاختيار…

مما سعد ابرار فلم تتوقع أن يكونوا بذلك الود والعفوية…فقد رسمت بذهنها بأنهم سيكونون أكثر غرورًا وعجرفة وانها لن تنال حبهم.

مالت “هدير” على أذن والدتها تهمس لها وعيناها تجوب على رجال عائلة الحلواني:

-ماما هما ميعرفوش أن انا نقطة ضعفي الراجل المصري الأربعيني القمر..وهنا مش راجل أربعيني واحد..دول كتير اوي..اكراش انا دلوقتي على مين ولا مين..

نفت ناهد بمرح مغمغمة:

-لا معجبونيش.. سلطان وعياله أحلى..

تابعت هدير همسها مبدية اعتراضها:

-احلى ايه دول شكلهم متسول..

-اه ما أنا أصلي بحب المتسولين..دول حلوين وشيك بزيادة وانا النوع ده شوفته كتير..عشان كدة بحب الحوادق….

أما عائلة سلطان فدهشوا من هذا التبدل الحادث لـ وئام وثراء وكيف ارتدوا الحجاب….

اقتربت دلال من وئام وربتت على ظهرها قائلة بحنو:

-بسم الله ماشاءالله..ايه المفاجأة الحلوة دي؟

ابتسمت لها وردت بهدوء:

-أنتِ اللي حلوة.. تسلمي.

قطعوا حديثهم وجلس كل زوج جوار بعضهم وبدأ حديثهم والاتفاق على موعد الزفاف.

وبتلك الأثناء طالت داليدا النظر بـ نضال الذي يتجاهلها، متحدثة بخفوت حتى لا ينتبه إليهم أحد:

-أنا كلمتك كتير انهاردة ومردتش عليا حتى شوفت رسايل الواتس ومردتش…هو انت زعلان؟ ده كان مقلب والله وكنت بهزر معاك.

رد بذات الخفوت:

-هزار بايخ..وأبعد من انه يكون هزار مدام بيحرق الدم وبيعصب..

ابتلعت ريقها واعتذرت منه:

-طب خلاص حقك عليا مش هعمل فيك مقالب تاني..

-لا يا شيخة بالسهولة دي؟؟

تساءلت بحيرة:

-طيب اعمل ايه وتكلم معايا وتضحك وتهزر؟

-والله عايزة تصالحيني بوسيني..اه أنا مش هتصالح غير بيها..وادفعي تمن المقلب وحرقة دمي..

وببسمة كافحت كي لا تظهر ولكنها فشلت:

-لا خليك زعلان..الخصام اوفر يا متحرش انت..

نظر إليها باستنكار مغمغم من بين أسنانه:

-متحرش مين يا عنيا هو أنا بضربك على ايدك ولا بضربك على إيدك..ما هو كله بمزاجك..

-ايه ده ايه ده انت بتردحلي…طب متحرش يا نضال وبتغصبني…عشان أنا اللي بصحى الاقيك ناططلي في الاوضة وبتتحرش..مش أنا.

هنا وابتسم بسمة جذابة خطفت لُبها:

-بصراحة ده انا اللي بعمل كدة فعلا أنتِ مش بتكدبي..بس مش بيبقى تحرش اوي يعني..بقولك إيه ما تجيبي بوسة..

-طب اقسم بالله مجنون..انت اهبل ولا اعمى..بوسة إزاي وكل دول موجودين عايز تفضحنا..

-اه يعني أنتِ مشكلتك في المكان مش في البوسة طب حلو..

راقب بعيناه ما يحدث بين خالد وعائلتها والذين قرروا اقامة حفل الزفاف ما أن ينتهي خالد من توضيب منزله..وتغيير أثاثه…ثم قرأوا الفاتحة..

وبعد انتهائهم ونهوضهم وانشغالهم اوشكت على النهوض هي الأخرى وسط هذا الحشد لولا جذبه لها بحركة مباغتة وطبعه قبلة أعلى وجنتيها بطريقة سريعة مبتسمًا بظفر..

-وخدتها.. خدتها.

غافلًا عن أعين مروان التي التقطته وهو يقبلها بجراءة مستغلًا انشغالهم عنهم..

ابتلع باقي كلماته بحلقه وهو يرى ابتعاد الجميع ونظرات مروان وتقدمه منهم..فقام بدفع داليدا برفق مغمغم:

-بطلوا تحرش بخلق الله بقى.. خلاص التحرش بقى عيني عينك..والله اعملك محضر واخدك على القسم..

ربت مروان على كتفيه مردفًا بهدوء:

-امشي قدامي بدل ما اعملك انا محضر..يلا أنتِ وهو..

وبخجل تقدمتهم ونضال من خلفها ومروان يبتسم بخفوت عليهم…

_________________

انتبه “أشرف” لهدوء “وعد” واقتطافها من حين لآخر النظرات نحو وئام..

استشعر وجود شيء ما..فتلك ليست وعد الذي اعتاد عليها..

انحنى لمستواها وسألها برفق وهدوء:

-مالك فيكي حاجة مش طبيعية انهاردة؟ !

تحسست وجهها وسألت بحنق بسيط:

-هو باين عليا اوي كدة؟

-بصراحة باين..تعالي معايا.

قال الأخيرة وهو يجذبها معه للحديقة..خرجوا من المنزل وساروا قليلًا وهو يعانق يديها بيده..

وبمكان هادئ لن يقاطعهم أحد به استفسر منها:

-في ايه بقى؟ مالك مش مضبوطة ليه.

طأطأت رأسها للأسفل وبدموع لمعت بمقلتيها..اندفعت لاحضانه مطوقة خصره..واضعة رأسها على صدره..محررة دموعها، ملقية عليه ما يزعجها ويعكر صفوها:

-وئام زعلانة مني..واتخانقت معايا الصبح وشتمتني يا أشرف..

اتسعت عين أشرف وعلق على الاخيرة:

-يا مصيبتي شتمتك مرة واحدة..لا مش مصدق.. أنا ممكن اصدق أنها زعلانة..تتخانق معاكي ممكن..لكن شتمتك مستحيل..

رفعت رأسها عن صدره وطالعته مثل الطفلة الصغيرة، تؤكد له:

-والله شتمتني قالتلي يا متخلفة..ويا غبية..ويا عبيطة..وختمتها بكتك القرف..

اتسعت عيناه صدمة وصاح بأستنكار:

-يالهوي قالتلك كتك القرف !!!

-ويا متخلفة ويا عبيطة ويا غبية..

حرك رأسه بعدم آعجاب وغضب متمتم:

-لا ملهاش حق ايه الشتايم المحترمة دي…هي ملقتطش اي شتيمة من عابد خالص كدة؟؟

انكمش وجهها بكاءًا وقالت بحزن شديد:

-انت بتتريق عليا..بقولك شتمتني..والبنات كمان زعلوا مني..

-طب ليه كل ده ؟ اكيد مش من نفسها..هببتي ايه اعترفي!؟

-مهببتش والله انا بس قولتلهم انكم جايين انهاردة وان عابد مش جاي وان محدش يعرف عندكم حاجة..غيرك واني عرفتك..وليه وليه اني قولت كدة..قامت وقعدت تصرخ في وشي..وشتمتني والبنات بدل ما يقفوا معايا وقفوا معاها..وغلطوني يا أشرف..

هتفت الأخيرة وهي تزداد بكاءًا فصاح يرجوها بضيق من بكائها:

-وحياة أشرف عندك ما تعيطي واهدي…وبعدين لو عايزة الحق فهما معاهم حق يزعلوا..وهي حقها تزعل..انا بس لولا خوفي على عابد مكنتش خليتك تحكي عشان مدخلش في امورهم..بس انا عارف أن نيتك كانت خير..وانا كمان كانت خير.. وعندي خطة عشان نرجع عابد و وئام لبعض ونعلمهم الأدب هما الاتنين..

مسحت دموعها وهي تقول بفرحة:

-بجد ايه هي؟

داعب انفها بأنفه وهو يرفض الحديث:

-مش هقولك قبل ما تقوليلي ايه الحلاوه دي يا بت؟؟ لا جامدة جامدة بصراحة.. الأسود هياكل منك حتة ولا كأنك بتحضري عزا..

اختفت بسمتها وتركت خصره وبدون أن تتحدث كانت على وشك المغادرة لولا يده التي انتشلتها وعاقت هذا..فصاحت به:

-اوعى انا غلطانة أني بكلم معاك اصلا..اوعى.

-مش بمزاجك يا ام عيون حلوة..وبعدين مش عايزة تعرفي هعمل ايه علشان عابد و وئام..

ورغم فضولها نفت هذا، متمتمة:

-لا مش عايزة…و أوعى بقـ

قاطعها طابعًا قبلة شغوفة على وجنتيها جعلتها تبتلع حديثها…ابتلعت ريقها وراقبت ابتعاده عن وجنتيها وتسلط بصره على شفتيها وقبل أن يفعلها وتنال حصتها هي الأخرى كانت تهرب وتتركه عائدة للداخل.

________________

حان الوقت كي ترتدي أبرار شبكتها..جاءت بها والدتها ومع صوت تلك الأغنية المناسبة لتلك الاجواء اخذ خالد المبتسم  تلك الدبلة ومدت هي يدها اليمنى..مسك بها وبدأ بإدخال الدبلة إصبعها…

وتدريجيًا ومع متابعة الجميع بسعادة كانت بسمتها تتبخر فـ الدبلة لا تدخل بإصبعها..

شعرت بالحرج وتبادلت النظرات مع خالد المتوتر قليلًا وكأنه يخطب للمرة الأولى…

حاول مرة أخرى لكن دون جدوى..

خرج صوت وعد محاولة المزاح وتخفيف

الحرج

:

-الدبلة كشت من القعدة في العلبة ولا ايه؟؟

ابتسمت أبرار وقالت لـ خالد:

-طيب ممكن انا أجرب..

وبالفعل اخذتها وحاولت ارتدائها وأثناء محاولتها نجحت بهذا قائلة له مدركة توتره وعدم تمكنه من وضعه بأصبعها :

-اديها دخلت..

ابتسم لها وتابع ما توقف عنده وما أن انتهى حتى صدحت صوت الزغاريد عاليًا…وارتفع صوت الأغاني.

حمل جابر وسام وبدأ يراقصه بأسلوب مرح سعيدًا لـ ثراء التي أخذت تلك الخطوة الهامة..محاولًا شغل نفسه عنها كي لا يختلس النظرات إليها ويجعلها تلاحظ وتختنق منه..

قام وسام برفع يده وجذبه بقوة من لحيته، متمتم جوار أذنيه وبصوت عالي كي يتمكن من استماعه:

-دقنك وحشة يا جابر..وبتشوك..

رد عليه بمرح ولا يزال يتراقص معه:

-لا حلوة هبقى اشيل الشوك منها عشان تبقى حلوة زيك كدة.

على الجانب تتابعه ثراء بغضب مكتوم..فقد خططت للإيقاع به والاستمرار على طريقتها معه كي يتعلق بها اكثر ولا يجد طريقة سوى التقدم لها..وعندما يفعلها كانت تنوي رفضه وإذلاله أمام أهله……لكنه خرب كل هذا ولم يعد يمنحها ذاك الاهتمام والإعجاب السابق وذهب وارتبط بأخرى.

وبجوارها كانت تقف فجر الشاردة والمتواجدة بعالم آخر…ومن حين لاخر و رغمًا عن معشوقها السري كان ينظر إليها مستشعرًا حزنها من سكونها وثباتها مكانها.

بعد وقت انتهت الحفل وعرض خالد الخروج رفقة أبرار وجميع الشباب والفتيات كي يتناولون الطعام بالخارج…

وعند موافقة أهلهم اقترح عليهم سلطان بالذهاب إلى مطعمه واستحسنوا تلك الفكرة عدا فجر التي اعتذرت وصعدت لغرفتها..وكذلك اعتذر خليل وعاد إلى المنزل رفقة والده و والدته…

________________

استقبلهم “عابد” الذي تأكله الغيظ والغضب.. والعديد من المشاعر المستاءة…

جاب بعيناه بحثًا عن أشقائه.. وبعد صعود دلال و سلطان كل منهما إلى غرفة مختلفة طرح سؤاله:

-اومال فين أخواتك؟

رد عليه خليل بهدوء:

-راحوا على مطعمنا هيتعشوا كلهم هناك..

قطب حاجبيه واستفسر بلامبالاه مزيفة:

-مين كلهم؟

حرك خليل كتفيه يخبره:

-كلهم يا عابد اخواتك وخالد وأمه وأخته وعروسته..وبنات الحلواني..

-اها..وانت مروحتش ليه؟

-عادي مش عايز.

قالها وهو يتجه نحو غرفته تاركًا عابد وشيطانه يعبث برأسه ويحاول إقناعه بالذهاب إليهم و رؤية تلك الخائنة..

بعد لحظات كان يبتسم مستحسنًا تلك الفكرة..فعليها أن ترى بأنه لم يعد يبالي لها..كما انه لم يعد عابد الذي عرفته وكان عاشقًا لها…

صعد غرفته وابدل ملابسه ونثر عطره ثم خرج من المنزل واستقل سيارته وشق طريقه نحو مطعم أبيه……………

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم. 💜💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق