رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الرابع والخمسون 54 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع والخمسون

الفصل الرابع والخمسون

الفصل الرابع والخمسون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الرابع والخمسون:

تجلس “دلال” على طرف الفراش…بملامح تعكس ما يحدث داخلها من انفجارات على وشك الفتك بها متذكرة تغزل تلك المرأة الوقحة بزوجها وعيناها التي كادت تلتهمه….مراقبة الباب تتوقع دخوله في أي لحظة ومصالحته لها…لكن هذا لم يحدث..وانتظرت كثيرًا حتى تفاقمت حالتها سوءًا ولم تعد ترى أمامها….

هبت من جلستها و انطلقت من الغرفة متجهة نحو غرفتها الذي يمكث بها وينعم بفراشها بمفرده الآن…

قبضت على المقبض وفتحته دون استئذان تنوي الصراخ بوجهه لتركه تلك المرأة تتحدث معه بهذا الشكل بحضورها..لكنها تفاجأت من نومه….

انكمش وجهها حنقًا وقالت مع ذاتها:

-اه يا خاين بقى أنا دمي محروق وانت نايم ومتهني..طب ماشي يا سلطان ماشي أنا هوريك انت وعيالك اللي سايبني وبينبسطوا…..

فارقت الغرفة وأغلقت الباب خلفها عازمة على تنفيذ شيء ما كي تحظى باهتمامهم مرة أخرى….

هب “سلطان” من نومه على صوت صراخها الذي يأتي من الخارج ويدوي بالمنزل…

لم يفكر أكثر ونهض سريعًا متجهًا نحو الصوت…تزامنًا مع خروج خليل و رؤيتهم لها ساقطة أسفل الدرج وتصرخ تألمًا وهي تمسك بقدميها اليمنى ويدها اليمنى وتتصنع بكائها الذي ظهر حقيقيًا خادعًا إياهم…

هرول خليل وسلطان نحوها ملتهمين الدرج…مستمعة لسؤال زوجها:

-ايه اللي حصلك ؟ انتِ كويسة..

تجاهلته وارتفع بكائها…فكرر سؤاله عليها:

-يا ولية مالك انطقي؟؟

مرة ثانية لم تجيب فتدخل خليل وسألها هو:

-مالك يا امي؟؟

رفعت يديها السليمة مشيرة نحو الدرج تجيب على ابنها:

-كنت نازلة على السلم وجيت على اخر عشر سلالم ادحرجت..وايدي ورجلي مش حاسة بيهم يا خليل..امك بتموت يا خليل…

تحدث خليل وسلطان معًا:

-بعد الشر عليكي.

سارعت بالأيجاب على الاخير بتهكم وحنق وسط بكائها:

-ملكش دعوة بيا..انت في حالك وأنا في حالي..

تجاهلها واقترب منها واضعًا يده خلف ظهرها والأخرى أسفل قدميها ينوي حملها واخذها إلى المستشفى… فصاحت به وهي تدفعه بعيدا عنها:

-ما قولتلك ملكش دعوة بيا…وبعدين هتشلني ولا إيه..لا محدش يشلني غير ابني…شيلني يا خليل..

تأفف سلطان ونفذ خليل على الفور:

-شيلها يا بني خلينا نخلص من ام الليلة دي..يلا…

وأثناء حمله لها نظرت لزوجها وتابعت تلك المسرحية:

-للدرجة مش طايقني يا شيخ حسبي الله ونعم الوكيل…طلعني يابني اوضتي…

لم يفعل خليل هذا وتحدث مع والده وهو يسير بها و يضعها على الأريكة:

-لا طبعا احنا لازم نطمن عليكي..بابا اطلع هات العباية بتاعتها واي طرحة بسرعة…

توقفت لوهلة عن البكاء فلم تفكر بأمر المستشفى…ومن الواضح بأنها قد بالغت في إظهار الألم…عادت للبكاء وهي تخبرة بقلق من رؤيتها لـ سلطان يسرع للاعلى كي يحضر لها ملابسها…

-لا مستشفى ايه مش بحبها.. طلعني اوضتي…

-لا طبعا لازم نطمن..

هبط سلطان وهو يأتي بأغراضها متسائلا عن عابد:

-اومال اخوك عابد فين ؟ نايم على ودانه !!

اخبره سريعًا بما رأه:

-لا ده خرج شوفته وهو خارج بالعربية…المهم يلا دلوقتي..

تحدثت دلال مرة آخرى وهو يعود لحملها محاولة ردعهم عن أخذها إلى المستشفى لكنه لم يصغى لها وأخذها إلى المستشفى…

_________________

داخل مطعم “سلطان” قام العاملين به بترتيب جلستهم واضعين العديد من الطاولات جوار بعضهم البعض كي تكفي هذا الكم من الأفراد..

وبالفعل جلسوا جميعًا…وطلب كل منهما طعامه المفضل…

وأثناء انتظارهم مال نضال يهمس لـ خالد بفكاهة:

-منور يا برنس يا اللي مكنتش عارف تلبس البت الدبلة..

رد عليه بهمس محافظًا على بسمته:

-مين قالك اني مكنتش عارف؟؟

-مين قالي ايه؟؟ ما كل الموجودين هنا شافوك..يعني فضيحتك بجلاجل..انا هسميك ابو دبلة..وهسجلك بالاسم ده…

ومن بين اسنانه عقب خالد:

-يا عديم المفهومية أنا كنت خايف اتغابى واعورها..يعني كنت خايف عليها..

مصمص شفتيه، قائلًا ببسمة واسعة:

-يا سلام عليك يا رومانسي ياريت الحاجة كانت جابت منك عشرة..عارف كان إيه اللي هيحصل ؟

تنهد ورد بنفاذ صبر:

-ايه؟؟

-مكنوش هيعرفوا يلبسوا الدبل.. وبدل ما يبقى واحد إسمه ابو دبلة هيبقو عشرة….

انتهى مطلقًا ضحكة كبحها سريعًا..

عقب خالد وهو يشير برأسه نحو داليدا الجالسة جوار نضال من الجانب الآخر:

-طب ركز مع مراتك وفكك مني..

-ما انا هركز يا اخويا مركزش ليه…ركز انت كمان..

في ذات الوقت كانت أبرار تتبادل الضحكات الخافتة مع وعد تخبرها بما شعرت به اليوم:

-اسكتي انا لما لقيت الدبلة مش عايزة تدخل افتكرت كلامك الصبح واني هتخن..بس بعدين قولت لا كان الأولى الفستان ميدخلش فيا..وبعدين فهمت أنه خالد متوتر شوية ومش عايز يتعافى على صباعي…

أكدت وعد مغمغمة:

-أنا برضو افتكرت كدة..بس يلا حصل خير العيب مش فيكي..بنتنا زي الفل..المشكلة عنده هو..

خرج صوت “ناهد” مصوبة حديثها إلى “جابر” قائلة بمرح:

-تصدق لسة واخدة بالي ؟

وبأحترام جلي عقب:

-من إيه حضرتك؟

-انك احلى واحد في اخواتك..وفيك لمحة من والدك.

وبحرج تملك منه ولم يدري بما يجاوب على تلك المرأة التي تتغزل بوالده:

-جزاكي الله خيرًا وبارك فيكي يا طنط…

ضحكت على حديثه واعترفت له:

-يخربيت عقلك ده انت مش شبه أبوك بس لا ده انت دمك خفيف كمان…

ظهرت بوادر الذهول على وجهه ثراء وهمست لـ وئام:

-اكيد الست دي عامية..ما هي يا عامية يا متخلفة.

بينما أكد نضال لها:

-اه جابر فاكهة العيلة حضرتك مبتكدبيش..

هنا وتساءل وسام الجالس جوار ناهد و هدير:

-جابر فاكهه؟ يعني جابر بيتاكل عادي !

نفت هدير هذا مداعبة وجنتيه:

-لا مش بيتأكل.. فاكهه يعني الحاجة الحلوة بتاعة البيت..ولو عايز تعرف مين اللي المفروض يتأكل فـ ده انت يلهوي ابن أخويا عسل يا ناس..

وبعد وقت جاء الطعام وشرعوا بتناوله..وبتلك الأثناء طرحت ابرار حديثها على وسام:

-وسام حبيبي كُل محشي وكُل من حتة البطة اللي قدامك دي أنت مش بتاكل وأنا شيفاك..

ارتفع حاجبي ناهد اعجابًا بتلك الفتاة…وتهلل قلب خالد لاهتمامها بابنه..والذي ظهر للجميع…

هز وسام راسه لها يخبرها مقلدًا كلمات جابر التي نالت إعجابه:

-باكل..بارك الله فيكي وجزاكي خيرًا.

دوت ضحكاتهم وبعث جابر له قبلة بالهواء مدركًا حب الصغير نحوه..وتقليده له كلما فعل شيء.

قلبت ثراء عيناها وسؤالًا واحدًا فقط تكرره على ذاتها..ما الذي يحبب هذا الصغير بذلك الشيطان…زير النساء!!

بتلك اللحظة وصل عابد و توقف جابر عن ابتلاع الطعام وكذلك أشرف…بعدما سقط بصرهم على أخيهم الذي حضر دون دعوة….

ازدرد جابر ريقه وهمس بصوت خافض متابعًا اقتراب أخيه:

-احيييييييه….

ابتسم عابد وهو على وشك التقدم منهم و الوقوف امامهم..جابت عيناه بحثًا عنها…وقبل أن يفعلها ويصل لرأس الطاولة..كان يقف مكانه بعد أن رأها بهيئتها الجديدة كليًا…مصدومًا…حدقتاه تمسح فوقها ولا تتركها…بسمته قد اختفت وحل محلها عدم التصديق الممزوج بدهشة عارمة…

وللحق فقد توقع أن يجد هيئة سيئة.. مغرية…مثيرة إلى حد الاستفزاز..

لكن هذا لم يحدث..و رآها بثوبها الجديد الذي لم يتخيله يومًا….قاسمًا مع ذاته بأنها إذا كان يراها جميلة بالسابق…فـ الآن يراها فاتنة…قاتلة…قتلته بجمالها ونعومتها واحتشامها الذي تمنى دائمًا أن تتحلى به….

ذهب غضبه وبات يتأملها فقط…يتمنى أن يطيل ويبقى هكذا…….رفعت عيناها منتبهه لحضوره مما جعل عيناهم تتقابل في لقاء طويل….

فاق لذاته بعدما تحاشته وارتبكت و تاهت عيناها..مستمعًا لنداء خالد عليه…

اقترب وصاح مباركًا له ولـ أبرار..ثم القي السلام على البقية…

-ازيكم يا جماعة..

ثم سحب مقعدًا فارغًا آتى به من طاولة اخرى وجلس أعلاه وهو يلاحظ ثراء التي ارتدت الحجاب هي الأخرى..

ابتسم وبارك لها متعمدًا تجاهل الاخرى تمامًا:

-مبروك يا ثراء على الحجاب.

وعلى عكس المتوقع حدقته بنظرة سريعة ثم عادت تسترسل طعامها متجاهلة مباركته…

كبح جابر ضحكته وهمس لـ أشرف:

-واخد بالك ولا مش واخد بالك؟؟

-لا واخد يا أخويا..

-اخوك دلوقتي تلاقيه بيقول يا أرض اتشقي وابلعيني..شكله زفت أوي..وبعدين إيه اللي جابه..دلوقتي هيحن..عابد ده بُق..بيفضل يقول مبحبهاش مبزفتهاش وهو ميت فيها…انا بعد كدة مش هقولوا غير يا بُقوا..عشان لما يجي ويروح اقول بُقوا راح بُقوا جه.

على الطرف الآخر كانت وئام تحاول قدر الإمكان ألا ترفع بصرها وتتفاداه تمامًا…حتى أنها فكرت بالاستئذان والذهاب…ولكنها تحملت وتابعت ما تفعله من تفادي لقاء الأعين..

مالت ثراء نحوها قائلة لها:

-تحبي نقوم ونروح إحنا؟

نفت هذا معقبة:

-لا مش عايزة اخربلهم القعدة..انا كويسة متقلقيش.

بذات الوقت ولجت إمراتين المطعم و تلاقت عين واحدة منهم مع أعين نضال..وابتسمت له فقام على الفور بإبعاد عينه والنظر بصحنه.. ولكن لم تغفل داليدا عما حدث..

فصاحت مسببة فزعه وتحديقه بها بصدمة:

-ما تقوم تقعد معاها..وخد رقمها يلا..

ابتلع ريقه وتساءل بعدم فهم زائف:

-هي مين دي؟ وبعدين أنا مش نسوانجي..النسوانجي اهو وبيكلم بنات بعدد شعر رأسه..ولا يا عابد قوم خد رقمها ياض.

قال الأخيرة وهو يشير نحو عابد فاضحًا أمره..متسببًا في تطلع وئام به..فوجدته يثبت نظره عليها مبتسمًا بغلاظة.

صاحت داليدا به بغيظ وغيرة تنهش بأحشائها:

-انت بتهزر؟؟؟

-بصراحة آه..

-تصدق انك معندكش دم..

قالت الأخيرة وهي تنهض فمسك بذراعيها يستفسر منها يجبرها على الجلوس مرة اخرى:

-رايحة فين يا مجنونة؟

نفضت يديه عنها معقبة بسخرية:

-رايحة اجبلك رقم السنيورة يا عنيا..

انكمش وجهه اشمئزازًا متمتم بمرح:

-يالهوي عليكي يا داليدا بيئة اوي أنتِ وبعدين دي زبونة عيب كدة..هتقطعي رجل الزباين وابويا هينفخني..متبقيش قطاعة ارزاق بقى..

وبصدمة كانت تقول وهي تشير نحو نفسها:

-يعني انت همك المطعم والزبونة وانا اتحرق..اولع !!!

-لا طبعا بعد الشر..انا بس بحاول افهمك..

كانت جميع العيون تتابعهم… بعض منهم يبتسمون وبعض آخر مثل ناهد تقوم بتصوير ما يحدث بين الاثنان مستمتعة بهذا الشجار..

أما عن أشرف المتابع أيضًا..قاطعته وعد وهي تحرك رأسه نحوها تجذب انظاره نحوها هي متمتمة بمرح:

-متبصش عليهم وسيبك منهم..دي بت نكد..واوفر خليك معايا…وافتح بُقك..

رددتها وهي تلتقط إصبع من المحشي وتضعه بفمه فتساءل بذهول وهو يمضغ ما وضعت بفمه:

-انتِ بتعملي إيه ؟؟

-بدلعك وبالمرة اوريهم وعد وهي بدلع وداليدا وهي بتنكد..يلا اكلني انت كمان ودلعني يلا..

فتحت فمها مع هتافها الاخيرة فالتقطتهم عين جابر الذي صفق لـ داليدا ونضال جابرًا إياهم على التوقف عن الشجار مشيرًا نحو وعد وأشرف:

-شايفين..انتوا في وادي وهما في وادي اتعلموا يا بهايم..

ارتخت قسمات نضال وتبدلت الأعين صوب أشرف و وعد كذلك صوبت ناهد هاتفها نحوهم…فكان وعد واشرف ينظران لبعض ويلتقطان الطعام ويدسونه بفم الآخر..

قائلة بمرح:

-صباع الكوسة ده رايح على بُق مين…

لم يتحمل نضال ما يحدث ونهض ضاربًا على الطاولة بقوة مزمجرًا بهم بطريقة مرحة:

-انتوا بتهببوا ايه…الله يحرقكم..

وضع أشرف يده على فمه الممتلئ واخبره:

-هباب على دماغك مالك بينا يا نكدي..واحد فرفوش ومراته فرفوشة وبياكلوا بعض انت مالك يا بارد يا حشري..

بينما عقبت وعد بحنق من تدخله بهم:

-خضتني يا اسمك ايه أنت !!

رد عليها بغيظ:

-اسمعي نضال يختي..

-وانا مالي باسمك..هشش سبني اكل وادلع جوزي يا نكدي انت ومراتك اتعلموا بقى..

وافقها جابر متمتم:

-والله لسة قايلهم..عاش اوي ليكم كملوا..

مسح خالد على وجهه وهمس لـ أبرار:

-أنا ايه اللي خلاني انسحب من لساني واجيبهم..ما كنا جينا لوحدنا وبقى عشا رومانسي..انا مش عارف اقول كلمتين على بعض…

أما وئام فلم يعد بإمكانها التحمل مما جعلها تقاطع ما يحدث مع الجميع وتنهض مستأذنة:

-أنا همشي يا جماعة.. تصبحوا على خير…

أسرعت للخارج دون أن تسمع جواب أحد منهم…وعلى الفور لحقت بها ثراء….

كز عابد على أسنانه واشتعل من نهوضها وتركه..وبدون حسبان لأي شيء أو حديث كان يلحق بها…اتسعت عين جابر ونهض خلفهم…..

عقب ذهابهم حاولت وعد النهوض خلفهم فمنعها أشرف…

وعاد الشجار بين داليدا ونضال…وصدحت ضحكات ناهد وهدير على ما يحدث واستمرت في التصوير….. فتساءل :

-أنتِ بتعملي ايه يا ماما؟؟

-بصور يا حبيبي علشان لما اسافر وابقى قاعدة مخنوقة اتفرج عليهم واضحك….

غضب من ردها وصاح بهم جميعًا بندم:

-انتوا ايه اللي جابكم قوموا روحوا….بوظتوا الليلة الله ياخدكم….

ردت ناهد بضحكات لا تتوقف:

-اكيد الكلام ده مش ليا…

___________________

-للدرجة دي الهانم مش طيقاني ولا حبة تقعد معايا على تربيزة واحدة ؟؟

ردد “عابد” تلك الكلمات على أذن وئام التي توقفت قبل أن تصل إلى سيارتها و ثراء من خلفها….تهمس لها:

-مترديش عليه خلينا نمشي..

خطت خطوة واحدة مقررة عدم الرد مستجيبة لحديث اختها والاكتفاء بالرحيل لكن هذا لم ينل إعجابه وعاد يصرخ ساخرًا مسببًا في توقفها ثانية:

-ولا تكونش الهانم بقى عندها دم وبتحس وشوفتي بتفكرها باللي عملته؟ ايه بقيتي بتحسي؟؟ ردي..وريني أنك لسة حلوفة زي ما انتِ.

حدق به جابر وهمس له:

-زوتها ها..

التفتت إليه ثراء ودنت منهم وتحدثت من بين أسنانها بشراسة:

-والله ما في حلوف غيرك انت وهو..انت عايز ايه وقايم وراها ليه…

لم يأتيها جواب منه فقد كان منشغلًا بتلك التي التفتت إليه وباتت تبادله النظرات بعينيها التي لمعت بالدموع..

بينما ارتفع حاجب جابر ورد على تطاولها ودافع عن ذاته:

-طب هو حلوف مغلطتيش انا ذنبي إيه؟؟ انا اتشتم ليه ؟؟؟ ما هذا الافتراء والظلم يا فتاة !!!

-والله انتوا الاتنين عينة واحدة..

اعترض جابر ورفع سبابته يخبرها:

-لا لو سمحتي أنا الحمدلله اتغيرت وتوبت إلى الله…فأرجو منك انك متحطنيش في مقارنة معاه لأنه يتحدث مع حريم بعدد شعر رأسه أما أنا فـ لا اتحدث…

لم يعري عابد لحديثهم أي اهتمام وبارح مكانه مقتربًا من تلك المتجمدة مكانها…

كادت ثراء أن تقترب منهم وتصرخ عليه مجددًا كي يبعد عن شقيقتها فمنعها جابر الذي كاد يمسك بها لكنه تراجع مقررًا عدم لمسها والوقوف أمامها فقط متمتم بنبرة مترجية:

-سبيهم يكلموا ارجوكي… وخلينا احنا كمان نتكلم..

-مفيش كلام بيني وبينك..لاني باختصار فقدت اي ثقة أو مصداقية في كلامك..وصعب اصدقك أو اسمعك..فـ وفر على نفسك وخلي كلامك ده برضو لـ نفسك.

تحركت عين عابد عليها….خافيًا شوقه واشتياقه الجارف..الهالك لروحه ولوجدانه…متحدث بغل ينوي أن يجعلها تتألم مثلما فعلت به:

-ما بتكلميش ليه؟؟ وليه الدموع قوليلي ؟ إيه بتحبيني ولا إيه؟

هبطت دموعها متحدثة بألم تؤكد له:

-مع الأسف..ولو عندك حل وعلاج لوجعي قولي عليه.

تفاجأ من ردها ولانت قسماته نوعًا ما، مستمعًا لبقية حديثها:

-اوعى تفتكر اني مبسوطة ببُعادك أو باللي حصل بينا عمومًا…أنا حبيتك واعترفتلك بـ ده…وغلطت وندمانة ..استنيتك تسمعني..استنيتك تحتويني وتفهمني زي ما كنت في الأول…بس مع الاسف ده محصلش وزهقت مني بدري بدري……..طيب انت مفكرتش ازاي هكون بخونك وبعترفلك اني بحبك في نفس الوقت؟؟؟ الاتنين مش راكبين مع بعض يا عابد….

تسارعت أنفاسه وهو يقبض على ذراعيها، متمتم بقوة وعشق ارهقه:

-عايزة توصلي لـ ايه ها؟؟ عايزة توصلي اني ظلمتك مش كدة..عايزة تطلعي نفسك ملاك بجناحين وانا الشيطان صح؟

-لا أنا مش عايزة حاجة يا عابد..كل اللي أنا عايزاه انك تعرف أني لما قولتلك اني بحبك كانت خارجة فعلًا من قلبي..واني لو مكنتش حسة بيها مكنتش قولتها…مفيش حاجة تجبرني اني اقولهالك…واسفة على الحالة اللي وصلتك ليها…بس صدقني كلامك ومعرفتك بالبنات مش هتأذيني انا لوحدي هتأذيك انت كمان معايا.

قالت الأخيرة وهي تستقل سيارتها وثراء تلحق بها تاركة جابر يتابع رد فعل أخيه على كلمات وئام..مدركًا بأن سبب الانفصال أن أخيه يظنها قد خانته رغم إبعاده لهذا الاحتمال………

____________________

ولج “أسامة” غرفة زينة بعدما دق على الباب وسمحت له بالدخول…فكانت على وشك النوم لولا دقه هذا.

طل من الباب واغلقه خلفه مستمعًا لسؤالها:

-في حاجة يا بابا؟

أكد لها قائلًا وهو يجلس قبالتها على الفراش:

-عايز اتكلم معاكي بعيد عن امك.

قلقت وتساءلت بفضول:

-اتفضل سمعاك.

أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث بما يرغب، متمتم بهدوء وحب:

-قبل ما اتكلم عايزك تعرفي اني مش بضغط عليكي..انا بس عايز مصلحتك وسعادتك.

-لا كدة حضرتك قلقتني.

نفى و طمأنها، قائلًا:

-لا متقلقيش..انا حابب بس اقولك أن بعد ما بلغت حسن ردك..جه كلمني كذا مرة بعدها..مصمم عليكي وشاريكي وبيحبك بجد..وانا صعبان عليا أن حد بيحبك ومتمسك بيكي للدرجة دي يضيع منك…

-بس أنا مش عايزة اتجوز يا بابا..وبعدين هو معندوش دم ما قولت لا و

قاطعها أبيها يدافع عنه:

-ما انا لسة قايلك أنه بيحبك..فـ لكي أن تتخيلي درجة حبه اللي تخليه مصمم عليكي ويفضل مُصر حتى بعد ما اترفض واتقاله لا.

هدأت تعابيرها التي انفعلت واستغل أسامة هذا مضيفًا محاولًا اقناعها:

-لو مش عايزة مش هغصبك ولا هجبرك وأنتِ عارفة ده…حتى أمك مش هتجبرك وهيحصل اللي أنتِ عايزاه..بس بجد صعبان عليا انك تسبيه وتضيعيه..لاني واثق انك لو وافقتي واتجوزتيه هتحبيه من حبه فيكي..

صمتت وشردت تفكر…ثم بللت شفتيها وقالت بهدوء:

-طيب ممكن أصلي صلاة استخارة الأول…

ابتسم أسامة و وافق متمتم:

-ممكن جدا يا حبيبتي..يلا تصبحي على خير.

__________________

عاد سلطان وخليل الذي يحمل أمه المُصرة على أنها لا تستطع تحريك يدها أو الضغط على قدميها رغم حديث الطبيب عن عدم تواجد شيء بهم وبأنها سليمة….ليدركوا على الفور بكذبها وأصرت هي على التمسك بتلك الكذبة..

وضعها خليل على الاريكة يتنهد بأنفاس عالية فصاحت به:

-بتنهج كدة ليه يا ولا كنت شايل شوال بطاطس..

-ياريته بطاطس يا امي يا ريته بطاطس انا ظهري اتقطم..

جلس سلطان على المقعد المجاور للأريكة يعقب بسخرية:

-ما انا قولتلك متشلهاش دي زي القردة دي مفيهاش حاجة…والدكتور قال مفيهاش حاجة وايدها ورجلها زي الفل..

لم تتحمل وردت عليه بقوة:

-يعني ايه هتكدبوني انا وتصدقوا الدكتور؟؟؟ اروح فين يا عالم اروح فين يا خلق وهما مش مصدقني وبيكدبوني في عز كسرتي و تعبي…واد يا خليل اطلع اوضتي وافتح الدولاب هتلاقي في ارضيته علبة إسعافات أولية هاتهالي عشان تدهن رجلي وايدي والفهم برباط ضغط..

التوى ثغر زوجها وقال كابحًا ضحكته:

-وهتدهني وتلفي رباط الضغظ ازاي وأنتِ مش قادرة ها..

ردت بغيظ:

-ملكش فيه اطلع يا خليل وتعالى يا حبيبى عشان هتساعد امك وتخدمها…

بعد وقت حضر باقي ابنائها فكانت لا تزال تجلس ذات الجلسة وخليل ينتهي من أحكام الرباط حول قدميها..وابيه على حاله…

اتسعت عين أشرف وصاح مندفعًا نحو والدته:

-ايه ده مالك ياما؟؟؟

بينما صاح نضال:

-انتِ ايه اللي عمل فيكي كدة؟؟

عقب جابر و قال بهدوء وهو يتحرك ويجلس جوار قدميها:

-اكيد بدفيهم بس مدفتيش رجلك الشمال وايدك الشمال معاكي ليه بالمرة يا أمي؟ وبعدين هو أنتِ سقعانة؟

-بدفيهم ايه يا بن الحمارة..

حدقها سلطان بنظرات نارية لتطاولها عليه فحاولت تصحيح خطئها فصاحت:

-قصدي يا بن الحلوة…دول اكسروا..امكم ادحرجت و وقعت من على السلم..وروحنا المستشفى وقال إيه الدكتور بعد ده كله يقولهم مفيهاش حاجة وقال ايه برضو هما صدقوا…على أساس هو اللي حاسس مش أنا.

هز خليل رأسه بيأس من والدته واستأذن كي يصعد للاعلى وينام:

-تصبحي على خير يا امي.

نهض سلطان من خلفه وقال بزهق وضجر:

-خدني معاك يا خليل يابني…

وبعد صعودهم أشارت دلال نحو الاثنان:

-شايفين بيعاملوني ازاي وانا تعبانة والله ما عندهم ريحة الدم….

ثم نظرت لـ نضال وقالت:

-واد يا نضال ادخل المطبخ اعملي كوباية شاي وافتح التلاجة هتلاقي طبق جنبة بيضا اسطنبولي وطلع معاك طمطماية..وخيارة واغسلهم وهاتهم في طبق عشان امك مهبطة..وانت يا أشرف تعالى اخبطني على ظهري فكهولي وانت يا جابر اعملي مساج في رجلي السليمة..وانت يا عابد تعالى احكيلي عملت ايه وشوفت البت وئام أحلوت ازاي بعد ما لبست الحجاب و وشها نور وبقى زي البدر..

توقعت أن يستجيب كلا منهما إلى طلبها لكن ما حدث جعلها تفتح فمها دهشة وتتابع تهرب نضال…ثم أشرف..ثم عابد……

فصاحت بهم وعيناها تتابعهم:

-يا حزنك يا دلال..ده بدل ما تشلوني من على الأرض شيل وانا في عز تعبي…تعالوا ودوني أو ارموني دار مسنين أحسن واهو بالمرة ابوكم يجوز الولية المنحنحة ام خالد….

لم يتبقى سوى جابر الجالس جوار قدميها…

وقبل أن ينهض هو الآخر كانت تميل وتمسك به بيدها متمتمة:

-رايح فين ها..اقعد ياض واحكيلي اخوك عمل ايه لما شاف البت وئام…

وبهدوء كان يجيبها:

-معرفش…

-يعني ايه متعرفش ما تنطق ياض متوجعش قلبي الله يخليك وطمني على اخوك.

وبذات الهدوء تمتم:

-صدقيني معرفش..وبعدين جابر الفتان بتاع زمان خلاص مات….انتهى…بح..دلوقتي فيه جابر جديد..

ومع هتافه الاخير باغتها بسحب يداه والنهوض والركض لاعلى مختبئًا في غرفته……..

__________________

تتأفف “داليدا” المُمدة على الفراش دافعة الهاتف جوارها فقد ايقظها من نومها التي غطت به على الفور مكالمات نضال …

وعندما فشلت بالعودة إلى النوم..نهضت عن الفراش وخرجت من الغرفة قاصدة غرفة أبرار كي ترى إذا كانت مستيقظة أم لا…فلو كانت ستجلس معها وستظل تتسامر معها حتى يغلبها النعاس..

وصلت أمام الغرفة وقبل أن تطرق على الباب استمعت لحديثها مع ثراء:

“اسكتي انا قلبي وقع والله لما وئام اختك هبت في وعد بسبب أنها قالت كل حاجة لـ أشرف وقعدت افكر في رد فعل داليدا لو عرفت اني حكتلك على حوارها مع جابر.”

يتبع.

رأيكم وتوقعاتكم. 💜

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق