رواية الحب كما ينبغي – الفصل الرابع
الفصل الرابع
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الرابع:
لم
يمنحها
اهتمامًا، ولاح الانزعاج على وجهه من صوتها الصاخب وعاد مسترسلًا ما كان يفعله لكن بغضب أكبر لنعته إياه بـ “البلطجي”.
لم تصمت “جهاد” وتابعت هي الأخرى كلماتها الشامتة به:
-جه اللي يربيك يا كلب تلاقيك عملت مصيبة، بس يلا احسن عشان تعرف أن الله حق يا عرة، شوف شوف من عمايلك محدش بيحوش عنك إزاي ؟؟؟ شايف، اقسم بالله المفروض يتكتبلك في البطاقة دكر بط مش راجل.
من جديد تلقي تلك الجملة عليه، فرد عليها أحمد يوضح لها ويتحدث معها:
-عذرًا أختاه، في البطاقة بيبقى مكتوب ذكر وليس رجل وبالتالي كان عليكي قول دكر بط مش دكر وليس رجل، أي استبدال رجل بـ دكر.
-يا أخويا أنت هتلخبطني ليه أنا ناقصة ثم هي دكر دي مقصود بيها إيه مش يعني راجل، وأنثى يعني ست، وبالتالي أنا مروحتش بعيد المقصد هو هو.
-صح وجهه نظر تُحترم بصراحة، يلا بقى يا صابر سيبه خلاص انا سامحته يا سيدي.
ابتسمت “جهاد” وهي تمتم بصوت خافض استمعت إليه برق الواقفة جوارها:
“الله، هو أنت اسمك صابر، ده أنا طول عُمري بحلم اتجوز واحد اسمه صابر عشان يصبر عليا”
اتسعت عين برق وقالت بصدمة:
-أنتِ بتقولي ايه يخربيتك.
-خليكي في حالك بس واتفرجي، ايه ده روضة جت اهي وبتتفرج هي كمان، احسن خلي غليلها يشفى.
أنهت جهاد حديثها عائدة بأنظارها إلى “صابر” و “أحمد” منتبهه تلك المرة إلى ملابس أحمد فقالت بصوت عالي لا تبالي لأحد:
-معلش يا أخويا لو مش هزعجك بس أنت نازل بالبيجاما ليه؟؟ ولا دي الموضة؟ ولا اختصارًا للوقت والمجهود وأول ما تخش البيت تنام علطول.
طالع أحمد هيئته الذي تناسى أمرها تمامًا متمتم بحنق بسيط:
-اه موضة، أصلي محب ليها، بالك ميهدليش بال غير وأنا نازل بالبيجاما.
هنا ونهض صابر مكتفي بما فعله، متحركًا بخطوات سريعة جاذبًا أحمد معه فقد اكتفى بثرثرة الاثنان التي لا تليق بالمرة وتسببت في إزعاج بعض سكان المنطقة.
لكنه توقف عندما استمع لكلمات طه والذي ضغط على نفسه وهتف يتوعد لـ أحمد:
-و رب الكون ما هسكت عليك يا جبان ياللي معرفتش تدافع عن نفسك وروحت جايبلي أخوك، وصدقني هعلم عليك يا ****
اتسعت عين أحمد وأدرك ما سيحدث وكيف سيعود أخيه لينال منه، وقبل أن يفعلها صابر كان أحمد يمسك به، مغمغم:
-بالله عليك ما ترجع، عيل وغلط، خلاص، وبعدين الشتيمة مش بتلزق، وهتلف تلف وترجعله، و أكتر من كدة صدقني هيموت في ايدك، وبعدين ممكن البوليس يجي وتروح في داهية بسببي وهحس أنا بالذنب وضميري هيأنبني.
في هذا الوقت ارتفع حاجبي جهاد من قدرته على الحديث والتهديد بعد ما حدث له، وقالت بصوت مسموع:
-يخربيتك لسة فيك حيل تهدد، شكلك مشبعتش ضرب وعايز تضرب تاني.
-اخرسي يا بت، وانتوا غوروا من وشي يا منطقة زبالة.
شهقت برق وشاركت جهاد في الرد عليه:
-ولما هي منطقة زبالة قاعد فيها ليه يا سبع البرمبة، وبترازي في بناتها في الرايحة والجاية ليه، ما تغور وتريحنا.
اغتاظ طه وبدلًا من محاولة أخذ حقه من صابر، اقترب من الفتيات كي يصب غضبه وغيظه عليهم فانطلقت صرخة من فوه روضة خوفًا عليهم واقتربت هي الأخرى منهم.
وقبل أن يفعلها كان صابر يعود إليه من جديد تزامنًا مع صوت أحمد الذي خرج غاضبًا وترك أخيه كي ينقض عليه من جديد:
–اه يا حيوان عايز تتشطر على بنات حتتك، يا لك من سَفِيه.
بينما انهال عليه صابر مجددًا دون رحمة أو شفقة على حاله، متمتم بغضب اعمى ونبرة مخيفة دبت الرعب في قلوب الكثيرين:
-اخويا مش خط أحمر، أخويا مليون خط أحمر.
تسارعت دقات قلب “جهاد” فنبرته المخيفة وصوته الغليظ لم يدبان الرعب بها مثل البقية بينما فعلت شيء آخر.
هامسة لشقيقتها:
-بت يا برق الحقيني، قلبي بيتسرق مني يا بت.
على الجانب الآخر، يقف “محمد” بجوار “إسلام” بعدما عاد وحيدًا مخبرًا إياها برفض شقيقاتها العودة معه إلى المطعم، يشاهدان معًا ما يحدث.
فاستغل وقوفهم هذا، قائلًا ما جاء بخاطره راغبًا في فتح حديث معها:
-هتلاقيه هبب حاجة كبيرة عشان كدة بيضرب، ما هو مش راحم حد ولا راحم نفسه.
هزت رأسها تؤيد هذا الحديث دون أن تبعد عينيها عما يحدث به:
-الظاهر كدة، يمكن ضا
قطعت حديثها وهي ترى ما حاول الأخير فعله من تطاول على شقيقاتها وانطلاق صرخة مدوية من فوه روضة.
جحظت عينيها وتركت مكانها راكضة نحوهم.
تردد محمد باللحاق بها، لكن لم يطول هذا التردد وسرعان ما تبخر وركض من خلفها، فلم يعد يهمه إذا رأه صابر.
كل ما يهمه هي ولا أحد سواها.
وصلت إليهم والجة ذلك الحشد واقفة جوارهم، صارخة على طه الذي يتلقى من الضربات العديد والعديد:
-عايز تمد إيدك على أخواتي يا زبالة، يا عرة الرجالة، وانتوا واقفين تتفرجوا!!!
قالت الأخيرة مصوبة إياها إلى أهالي منطقتها من رجال، رامقة الجميع بنظرات مشمئزة مستنكرة ردود أفعالهم، متابعة صياحها عليهم:
-واقفين بتتفرجوا على إيه، مش مكسوفين لما راجل غريب هو اللي يتحرك ويلحقه.
هز أحمد رأسه بأسف مردد بتأثر من حديثها وكلماتها:
-أحسنتِ، وصدقتِ، كلماتك لامست قلبي وادمعت عيني.
وقع بصره مع قوله الأخير على “محمد” الذي جاء و بات واقفًا جوار الفتيات.
برقت عينيه وتلاقت مع عين محمد فسارع بالاشارة إليه بيديه كي يرحل، هامسًا:
-هش..هش.
لم يجيب محمد عليه وظل معهم رافضًا ترك إسلام.
كاد أحمد يضرب على وجهه، وجذب صابر عنوة عنه.
أو هكذا ظن، فلو كان لا يريد صابر ترك طه لم يكن سيستطع أحد تحريكه.
ممسكًا برأسه يصوبها نحوه كي لا يرى محمد.
صر صابر على أسنانه، وحرر رأسه من قبضته لتقع بتلك اللحظة على ابن عمه الواقف جوار الفتيات ويرتدي زي عمله.
تقابلت عين محمد معه، وتبادل النظرات المشتته مع أحمد.
وللصدمة لم يفعل صابر أي شيء، بل تابع سيرة نحو سيارته كأنه لم يراه.
تنهد محمد براحة واوصد جفونه لوهلة يحمد ربه في سره…
بينما تحرك أحمد خلفه بعدما أودع “روضة” بعينيه والتي بادلته السلام والوداع بتلك الطريقة شاعرة بالامتنان نحوه، كما بدأ التجمع الحادث بالتفرق، وشقت إسلام، برق، رياض، ومحمد طريقهم إلى المطعم.
أما جهاد فظلت واقفة مكانها تتردد باللحاق به والحديث معه، فهناك شيء بداخلها يخبرها بأن تفعل هذا وتحظى بفرصة الحديث معه.
انصاعت لرغبتها وتحلت بالجراءة ولحقت به فكان قد صعد بالسيارة خلف المقود و صعد أحمد بالمقعد المجاور.
وقفت قبالة النافذة المفتوحة، قائلة:
-على فين يا جدع أنت؟؟؟
نظر إليها الاثنان، فكانت نظرات صابر إليها باردة لا تظهر استياءه الداخلي، أما عن أخيه فكان كالعادة نظراته مرحة، مجيبًا على سؤالها الموجه لأخيه:
-سنرحل يا أختاه؟ هل يوجد لديك ما يمنع رحيلنا.
ابتلعت ريقها تبحث عن أي شيء تقوله حتى لا تكون في موضع البلهاء، فقالت متابعة حديثها مع صابر:
-أنت إزاي تخش منطقتنا وتمد ايدك على واحد منها ها؟؟ مش عيب.
ضاقت أعين صابر، بينما صاح أحمد صدمة من تبدلها تمامًا:
-الله !!!! هل أنتِ ملبوسة يا أختاه أم لديك انفصام في الشخصية، فمنذ ثواني فقط كنتِ تقومين بتشجيعه والآن تلومينه !!!
أمرك عجيب وغريب يا إمراة بل ومريب أيضًا.
ضاقت عينيها وسألت أحمد تلك المرة:
-أنت بتتكلم كدة ليه ؟؟ أنت مدرس عربي ولا إيه؟؟
ابتسم لها وتذكر تلك الأمنية التي كان يتمناها دائمًا وهو أن يصبح معلمًا، فقال كاذبًا وابتسامته تتسع أكثر:
-أجل.
-يا حلاوة يا ولاد، طب عنوانك فين، البت أختي عايزنلها مُدرس عربي ، ينفع تديها درس؟؟
وقبل أن يجيب عليها أحمد الذي سعد بهذا العرض كان صبر صابر قد نفذ والذي دفعه لتشغيل السيارة والانطلاق بها قاطعًا حديثهم.
عقب رحيله لوت شفتيها يمينًا ويسارًا، متحدثة مع نفسها:
-يختي ماله ده معندوش صبر ليه ؟؟؟ اومال لو مكنش اسمه صابر كان عمل فينا إيه، يلا مش مهم كته القرف وهو حلو كدة والحلوين اللي زيه قليلين.
أما عن أحمد فصاح مبديًا حنقه من مغادرته:
-ليه يا صابر ليه يا أخي تقطع برزق أخوك بالشكل ده، كنت سبني ارد وبعدين امشي، حرام عليك يا أخي م
رمقه صابر بنظرة واحدة من نظراته المريبة جعلت الآخر يبتلع حديثه بجوفه ويصمت تمامًا.
**************
غابت الشمس، وحل المساء، وأدركت عائلة أحمد ما حدث معه وكيف تصرف صابر ورد له حقه.
والآن يجلس التوأمان جوار بعضهم البعض على طرف الفراش داخل غرفة صابر و والدهم أمامهم، لا يكف عن السير ذهابًا وايابًا ملقي تلك الكلمات على مسامعهم:
-تربيتي ليكم راحت هدر خلاص، بقيتوا بلطجية وبتروح تتهجموا على الناس، ما تحطوا موس تحت بُقكم بالمرة، اصل ده اللي ناقص..
لاحقه احمد بالرد متحدث بأدب واحترام شديد:
-عذرًا أبي ولكن دعني أوضح لك أكثر.
-هتوضح ايه يا اخويا هتوضح ايه، ما أنا سمعت وعرفت كل حاجة خلاص.
-طب خلاص يبقى انا مغلطش، الواد هو اللي قليل الأدب، لا ده مش قليل ده مشافش رباية اصلا، وصابر جبلي حقي منه، فيها ايه بقى ها؟
-عشان فاكر نفسه بلطجي.
رفع صابر رأسه يطالع أبيه والذي كان ينظر إليه ويوجه كلماته إليه ويقصده هو، وعلى الفور بدل جابر حديثه مشيرًا بسبابته نحو أحمد:
-اخوك أحمد ده بلطجي، لازم اربيه من أول وجديد.
لاح الاعتراض على وجه أحمد وصاح:
-الله !!! وانا مالي هو أنا اللي ضربته ولا هو ما تقوله هو.
-وهو يا اخويا عمل كدة بسبب مين ها؟؟ مش بسببك، يعني أنت سبب كل ده.
ارتسم الاقتناع على وجه أحمد، بينما نهض صابر قائلًا:
-بعد إذنك لو خلصت ممكن تخرجوا ؟؟؟ عايز اغير هدومي.
ابتسم له جابر وربت على ذراعيه العريض، موافقًا:
-طبعا يا حبيبي خد راحتك، يلا ياض يا أحمد قدامي.
تحرك أحمد مع جابر وتركوا صابر كي يبدل ملابسه.
واثناء خروجهم قابلوا محمد الذي عاد من المطعم للتو، فتحدث معه جابر:
-كنت فين كل ده ياض يا محمد.
رد عليه محمد بابتسامه محبة:
-في المطعم يا عمي هكون فين يعني.
ارتفع حاجبي أحمد وهو يراقب رد فعل جابر والذي تمتم:
-والله يا بني أنت أكتر واحد سالك في البيت ده طالع لابوك، ولعلمك خليل ده أكتر واحد قريب لقلبي لو فتحته كدة هتلاقي ابوك قاعد ومربع، مش عمك عابد لا.
تبسم وجه محمد، بينما ضحك أحمد وقال مازحًا:
-معاك حق يا ابويا ليك نظرة أنت برضو محمد فعلا سالك أوي ومش بيكدب خالص، ولا مخبي حاجة خالـــــص.
أكد جابر بفخر:
-طبعا يا ابني طول عُمري ليا نظرة وافهمها وهي طايرة.
بتلك اللحظة تناهى إليهم صوت ضحكات تأتي من غرفة ابنته “زهر”.
فتبادل الابن والاب النظرات الحانقة، وتحركوا نحو الغرفة دون التفوه بحرف زائد.
فتنهد محمد و ولج غرفته مقررًا النوم باكرًا والهروب من صابر الذي رآه اليوم وأحمد الذي ينتظر سرد ما يفعله وما يخفيه، موصدًا الباب بأحكام من خلفه.
وقف الاثنان على أعتاب باب غرفتها، فاستفسر جابر:
-أنت سمعت الضحكة اللي أنا سمعتها ؟؟
-سمعتها اه، حضرتك مخلف رقاصة، أنا لو منك ادخل الطشلها.
لكزه جابر في صدره:
-ده أنا هلطشلك أنت، ده أنا تتقطع ايدي دي قبل ما أمدها على اختك يا جحش.
خرج صابر من غرفته بعدما أبدل ملابسه فوجد والده وأخيه يقفان على أعتاب باب غرفة شقيقته.
اقترب منهما واقفًا بالمنتصف بينهم يستفسر منهم:
-واقفين كدة ليه ؟؟؟
انتبه جابر لوقوفه وقبل أن يجيب قرر الطرق على الباب يطلب الأذن بالولوج فأذنت له.
و ولج الثلاث الغرفة فسألتهم وهي تنزع الهاتف عن أذنيها وبسمة على وجهها:
-في إيه ؟؟ ايه الدخلة المريبة دي؟؟
رد عليها أحمد وهو يتخصر يشعر بالغيرة عليها:
-ضحكتك يا هانم واصلة لبرة ؟؟ ومين اللي بيكلمك وبيضحكك اوي كدة ؟
ردت ببساطة:
-ده وسام، صحيح مش قدمنا ميعاد الفرح وهيبقى آخر الشهر.
رد أحمد بسعادة:
-ايه ده بجد مبروك، ويلا بينا بقى يا شباب مدام وسام عادي تضحك براحتها يلا.
علق جابر من بين أسنانه:
-بس ياض يا مهزق أنت، بس.
ارتفع حاجبي صابر وهتف مباركًا لها هو الآخر:
-مبروك واتمنى ميتأجلش زي كل مرة.
وصلت كلماته إلى وسام فقال:
-قولي لـ اخوكي بلاش نبر وقر و ربنا ما يجيب تأجيل.
-لا قوله أنت بقى.
فتحت مكبر الصوت فخرج منه صوت وسام:
-ياض يا صابر بلاش نبر وقر، وقول لاخوك أحمد البومة برضو مينبرش أنا ما صدقت.
رد عليه جابر متهكمًا:
-انا ولادي مش نابرين يا أخويا أنت اللي بطل نبر، واقفل ومتتصلش على بنتي تاني، لما تبقى مراتك ابقى كلمها.
-سلامة الذاكرة يا جابر يا حمايا ما هي مراتي فعلا.
انزعج جابر قليلًا فقال:
-طب يلا اقفل بقى عشان هننزل نتعشا.
***************
بعد اربع ساعات تقريبًا، كان “فريد” يجلس داخل غرفته، تحديدًا فراشه، مستندًا بظهره على ظهر الفراش وعلى يمينه ويساره الكثير من التسالي الذي يعشقها.
هاتفه بين يديه منهمك به ويتضح عليه السعادة لتبادله أطراف الأحاديث مع أحدهم.
ورويدًا رويدًا بدأت تلك السعادة بالتبخر وحل مكانها عبوس، و وجزه بالقلب ليست بالجديدة عليه.
مثبتًا عينيه على تلك الرسالة التي أُرسلت له مكررًا قرأتها عدة مرات فكان محتواها كالاتي:
“وبعدين يا فريد انا نفسي أشوفك، واحفظ ملامحك، طلبتها منك أكتر من مرة، ولحد دلوقتي مش عايز تبعتلي صورة واحدة بس!!! أنا كدة بدأت أخاف وافكر أنك بتلعب بيا عشان كدة مش عايز تبعتلي صورة ليك، وأني بالنسبالك مجرد تسلاية و تضيع لوقتك، ولما تزهق هتسبني ”
انتهى من قرأتها عدة مرات، ثم ترك الهاتف بيأس، وبدأ بالتحرك تاركًا مكانه متجهًا نحو الشرفة راغبًا في استنشاق بعض الهواء والتفكير مع ذاته فيما عليه فعله معها !!
هل يصارحها ويخبرها بأنها ليست الأولى وكل من سبقوها تركوه بعدما رأوه بسبب وزنه الزائد!
اعليه اخبارها بأنه يهاب ويرتعد أن يتكرر معه، ويتألم من جديد.
هنا وابتسم ساخرًا من ذاته يتمتم مع نفسه:
“غبي، أنت اللي بتعمل في نفسك كدة وكل مرة توجع قلبك، و زيها زي اللي قبلها لو شافتك هتسيبك؛ عشان أنت مش وسيم، ومش رياضي، زي ما يكون الشخص المليان ده معندوش قلب ولا بيحب ويتوجع، كأنه مش بني آدم ومن حقه يحب ويتحب ”
سحب نفسًا عميقًا واغلق جفونه، يفكر مجددًا، عقله لا يتوقف عن التفكير.
فالطعام يمثل له الكثير والكثير، يعشقه ويتلذذ بتناوله والتهامه، وكلما حاول التوقف وأتباع حمية غذائية والحصول على جسد أفضل كان يفشل دائمًا ويعود لما كان عليه.
فتح عينيه بعدما حضر قراره برأسه مقررًا الابتعاد عن من تعلق بها، كي لا يتسبب لنفسه بجراح لم يعد له مكان ولن يشفى بسهولة.
عاد إلى الغرفة والتقط هاتفه وعلى الفور وبدون تردد قام بإغلاقه وشعور بالألم يتجدد ولا ينتهي.
قاذفًا الهاتف من يده على الفراش، مفارقًا الحجرة هابطًا للأسفل.
************
أصوات عالية يتحدث أصحابها في ذات الوقت، أصوات عرف “فريد” هويتهم وأدرك استيقاظهم حتى هذا الوقت.
غير مساره وعوضًا عن الخروج إلى الحديقة، قصد غرفة الصالون واقفًا على أعاتبها مطالعًا أبيه وأعمامه الأربعة والذي يتضح بأنهم يتشاجران معًا.
ومع متابعته لهم وعدم انتباههم إليه، أدرك هو بأن هذا الشجار ليس بين الجميع بل بين أثنان فقط، وهما والده “نضال” و عمه “جابر” أما البقية فـ يحاولان فض ما يحدث قبل أن يستيقظ أبيهم على أصواتهم وينهرهم وهما في هذا العُمر.
-اقسم بالله يا جابر لو ما سكت وحطيت لسانك ده جوه بُقك لكون مسكك ومحدش هيعرف يخلصك من أيدي.
لم يصمت جابر وهلل له:
-ده عندها يا حبيبي، انا عندي عيال أسود ممكن اسيبهم عليك وعلى اللي يتشددلك، وبعدين أنت ازاي تكلم معايا كدة ها، كيف لك أن تحدثني بهذا الشكل أيها البغيض، الغليظ، ناكر الجميل ، أنسيت ما كنت افعله لأجلك.
لوح نضال بذراعيه، وهو يجيبه بذات التهليل:
-لا يا اخويا منستش، بس هل نسيت أنت، أنك كنت بتاخد صوري وتبعتها للبنات على أساس أنه أنت يا واطي.
صرخ أشرف بهم يوقفهم عما يفعلوه ولا يليق بعمرهم:
-بس بقى أنت وهو، احترموا سنكم واكبروا بقى، شكلكم هيبقى ايه لو عيالكم شافوكم وانتوا بتتخانقوا ولا اكنكم عيال في حضانة.
ابتسم عابد بعدما سقط بصره على “فريد” ملتزم الصمت قائلًا:
-لا هو اوريدي فريد شاف أبوه خلاص، ناقص أحمد وصابر و زهر.
تحولت كافة الأنظار نحو فريد، والذي تساءل بهدوء وهو يقترب منهم:
-في إيه يا بابا في ايه يا عمي بتتخانقوا ليه؟
رد عليه جابر بلامبالاه محاولًا تحسين صورتهم أمامه:
-لا عادي متشغلش دماغك خناقة عادية بسيطة قد تحدث في جميع البيوت والمنازل.
عقب نضال متهكمًا:
-طب ما كفاية تقول البيوت ما هي هي المنازل، ولا هو اي كلام وخلاص.
وباسلوب مثير للضحك، هتف جابر بغيظ:
-وأنت مالك، ما اقول اللي اقوله، هو أنت اللي بتقول ولا أنا، لما يبقى أنت ابقى قول اللي أنت عايزة لكن مدام أنا يبقى خليك في حالك يا سمج.
قال الأخيرة زافرًا بصوت عالي، قائلًا:
-انا طالع أنام أحسن، تصبحوا على خير جميعًا عدا هذا الحشري.
واثناء مغادرته انكمش وجه نضال سخرية منه، وسرعان ما لاحق الجميع جابر عدا الأب وأبنه.
جالسين جوار بعضهم يتبادلون أطراف الحديث في أمور عدة، ولكن في هذا الوقت كان لا يغيب عن ذهن فريد ما استمع إليه، وشعر بالفضول ينهش به كي يعرف اكثر عنه:
“لا يا اخويا منستش، بس هل نسيت أنت، أنك كنت بتاخد صوري وتبعتها للبنات على أساس أنه أنت يا واطي”
نفض تلك الكلمات عن رأسه وقرر إنهاء تلك الحيرة مستفسرًا من والده باسلوب هادئ:
-صحيح يا بابا لما كنت بنتخانق مع عمي قولت حاجة غريبة أول مرة اسمعكم بتكلموا عنها!
قطب نضال حاجبيه وسأله:
-حاجة ايه انا قولت حاجات كتير أوي.
حاول فريد إخفاء فضوله ورد:
-قولت أنه كان بياخد صورك ويبعتها للبنات على أساس أنه هو.
هز نضال رأسه بتفهم، وعلى الفور بدأ يوضح له ويسرد عليه ما فعله أخيه معه بشبابهم:
-ده موضوع قديم، بس هحكيهولك، الواد جابر زمان، لا مش زمان لحد دلوقتي أقل واحد فينا وسامة، وأنت زي ما أنت شايف انا أوسم واحد فيهم، فهو بقى زمان برضو كان بتاع بنات قبل ما ربنا يهديه ويقابل ثراء ويحبها ويتجوزها، فلما كان يكلم الواحدة من دول بهدف التسلية وعشان تكمل معاه، ويوقعها بسهولة كان بيبعتلها صوري أنا.
هنا وبات أصم عن بقية حديثه، وهناك سؤال واحد فقط يدور برأسه وهو
“لما لا ؟”
لمعت عينيه، واغواه شيطانه و زين له تلك الفكرة أكثر وأكثر متسائلًا مرة أخرى
“لما لا يفعلها هو الآخر ويرسل إلى الفتاة صور لا تخصه بل تخص أحد أبناء اعمامه، وبتلك الطريقة سيحافظ ويضمن استمرارها معه”
وعلى حين غره قاطع والده وهو ينهض بحماس وثقل مغمغم:
-معلش يا بابا النوم كبس عليا فجأة تصبح على خير.
تابعه نضال مجيب عليه بخفوت:
-وأنت من أهله.
عاد “فريد” مرة أخرى إلى غرفته، مقتربًا من فراشه، مجلبًا هاتفه من أعلى الفراش، وفتحه مرة أخرى..
لحظات وكان يوصد عينيه يفكر في أي منهما عليه اختياره
فعليه اختيار الأوسم والذي قد تقع في حبه أي فتاة.
وبعد تفكير فتح عينيه التي اتسعت وعلى الفور جاء بصورة تعود للشخص الذي اختاره وأرسلها إلى الفتاة وذلك الشخص لم يكن إلا
“آسر عابد سلطان”.
******************
يجلس “آسر” بالجانب الأيمن من الفراش، مغلق الأضواء، عدا نور بسيط للغاية تركه مضيئًا، ممسكًا في يده اليسرى هاتفه، أما عن اليمنى فكان يمسك بها “السيجارة” الذي يدخنها ويطلق دخانها بالهواء.
متجاهلًا صديقته يارا والتي حاولت الإتصال عليه مرتين ولكنه تجاهلها.
وعقب هذا التجاهل انشغل بالدخول إلى صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)
يبحث عن تلك المسماه بـ “ضياء”.
وهذا البحث لم يستمر طويلًا، فسرعان ما وجد حسابها، وبحركة جريئة أرسل إليها طلب صداقة.
لايهاب أو يشغل باله أن تخبر يارا صديقتها، فقط كل ما يشغله هو أن تقبله و وقتها يبدأ وقتها معه، وينهي مع الأخرى بعدما مل منها.
نفث الدخان من فمه، عقب إرساله لطلب الصداقة، واضعًا الهاتف جواره على الكومود، ثم آتى بحاسبه المحمول وقام بتشغيل إحدى الأفلام.
في ذات الوقت داخل غرفة ضياء ورياض، وأثناء نوم رياض و انشغال ضياء بهاتفها وصل إليها إشعارًا برغبة صديق صديقتها بأن يصبح صديقًا لها.
ومرة أخرى تتملكها الدهشة، فلا تدري حقيقة ما يريده منها ولكن ما يفعله لا يبشر بالخير إطلاقًا.
ابتلعت ريقها ورفضت طلبه و وضعته على قائمة الحظر، ثم انشغلت مع هاتفها مرة أخرى.
بعد مرور ساعتين وبعد إنتهاء الفيلم مسك هاتفه كي يرى ما إذا كانت قد وافقت أم لا.
لكن سرعان ما أصبح وجهه مخيفًا، مدركًا ما فعلته وكيف قامت بحظره !!!!!!!
فكيف لها أن تفعل هذا وهو الذي تتلهف الفتيات لمحادثته.
كز على أسنانه حادقًا في اللاشيء، متمتم في سره:
-يا بنت الـ
توقف عن متابعة سبها، ملتقطًا نفسًا طويلًا، متمتم بتوعد :
-وماله اتقلي، التقل صنعة برضو، ويا أنا يا أنتِ يا ضياء.
هنا وابتسم على اسمها متابعًا بتهكم:
-يالهوي، بتعمل كدة واسمها ضياء اومال لو كان إسمها عدل شوية كانت عملت إيه؟!
*****************
انتبهت “وعد” والدة يوسف لتلك الاضاءة القادمة من أسفل باب حجرة ابنها؛ دلالة على استيقاظ ابنها حتى هذا الوقت المتأخر.
دنت من الباب ودقت على الباب بخفة، ثم فتحته فانتفض يوسف من جلسته على الفراش وأخفى هاتفه خلف ظهره..
أغلقت الباب ولم يغيب عنها ما حدث معه وكيف فُزع من دخولها ومجيئها الغير متوقع.
وقفت أمامه وسألته بأسلوب جامد:
-أنت إيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟؟ الوقت أتاخر أنت متعرفش أن السهر وحش ومضر؟؟ هو مفيش سمعان كلام ؟؟؟ ولا تكونش كبرت على سمعان الكلام.
رد عليها بخوف بسيط مدافعًا عن نفسه:
-والله أبدًا يا ماما انا بس مش عارف أنام فقولت اقلب في التليفون شوية لحد ما يجيلي نوم.
-وهو النوم هيجيلك إزاي وأنت ماسك الزفت ده في إيدك، هات التليفون واتفضل نام يلا.
رغب بالاعتراض وأخبارها بأنه لم يعد صغيرًا بل بات رجلًا !! رغب بقول الكثير والكثير..لكن لا توجد لديه شجاعة فقط الاستسلام لرغبتها.
مخرجًا الهاتف من خلف ظهره ومد يده به فقالت وهو تنتشله منه:
-الصبح هبقى اديهولك، ونام ومتفكرش تكررها تاني مفهوم يا يوسف؟؟
رد بنبرة ضعيفة كشخصيته تمامًا:
-مفهوم يا ماما، تصبحي على خير.
****************
في اليوم التالي، فارق محمد المنزل هربًا من أحمد وصابر، وأدرك أحمد هذا بعد بحثه عنه داخل غرفته والمنزل بأكمله، قائلًا بعبث:
-بتهرب، بس لحد امتى هتفضل بتهرب.
لحظات وكان يفارق المنزل هو الآخر بسيارته، قاصدًا الحارة الذي يقبع بها المطعم.
ولكن ليس للقاء ابن عمه..
فـ بجميع الأحوال سيتحدث معه، عاجلًا أم اجلا سيحدث هذا.
ولكن ذهابه هذا كان لسبب آخر.
وصل الحارة وصف السيارة قبالة المطعم، ثم دخله فكانت عين جهاد أول من رأته فابتسم لها فقد كان على معرفة بتواجدها وعملها بالمطعم، قائلًا:
-صباح الخير.
-صباح النور، المطعم نور والله.
-ده بنور حضرتك والله، امبارح مقدرناش نكمل كلامنا بسبب خُلق أخويا اللي يدوبك قد كدة، المهم العرض لسة ساري ؟؟؟؟
ورغم إدراكها لمقصده زيفت عدم فهمها قائلة:
-عرض ايه لمؤاخذة ؟؟
-ابقى مُدرس لـ أخت حضرتك ؟؟؟
هي في سنة كام صحيح ؟؟
ردت تؤكد له:
-ياريت والله هتبقى مشكور، هي في رابعة ابتدائي.
جاء محمد بتلك اللحظة فارتفع حاجبي أحمد وقال وهو يتجه نحوه ويحتضنه:
-أبو حميد حبيب قلبي، بقى كدة يا راجل تنزل الصبح من غير ما نكلم زي ما وعدتني والله عيب عليك؟؟؟؟
يتبع.
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.