رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثالث
الفصل الثالث
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الثالث:
طالعه الرجل بنظرة شاملة، شملت أخمص القدم حتى قمة الرأس، مجيبًا على سؤاله بأسلوب سوقي عنيف ساخر من طريقته بالحديث:
-وأنت مال أهلك ؟؟ خليك في حالك يا عم المدبلج.
ابتسم “أحمد” بسمة لم تصل لعينيه، مستمرًا في تقدمه منهم، حتى وقف أمامه مباشرة وبجوار الفتاة الذي كان يضايقها هذا الرجل، قائلًا:
-طب ليه الغلط طب؟؟؟ انا جبت سيرة أهلك ؟؟؟ طب جبت سيرة الوالد أو الوالدة اللي واضح جدًا أنهم كانوا مشغولين بحاجة تانية غير ربايتك؟؟؟ وبعدين إيه مدبلج دي انا مش مسلسل ولا كرتون عشان ابقى مدبلج، أنا بكل فخر يا جاهل تحدثت فصحى.
تقدم الرجل خطوة متحدث بغضب على وشك التحرر من داخله:
-غور يالا ومتدخلش في اللي ملكش فيه، غـــــور.
-يا عم مش هغور، غور أنت وسيب بنات الناس في حالهم، بتعاكسهم ليه؟؟؟
هنا وخرج صوت الفتاة غاضباً ساخطًا مستنكرة أفعال أشباه الرجال، ومن لا يستحقون حمل هذا اللقب.
-أساله، وحط فوق ده أنه المفروض من منطقتي يعني المفروض يحميني ويحمي بنات الحتة من أي حد يتعرضلهم، بس الدنيا مبقاش فيها خير بجد، وانا هقول لبابا عشان واضح مفيش فايدة فيك.
هنا والتفت أحمد بوجهه نحوها، يبصرها بعينيه، فكانت عينيها مثبتة على الرجل وينطلق منها شر أعمى لائمها كثيرًا.
أبعد أحمد عينيه عنها، يغض بصره عنها، متمتم:
-صح لازم تقولي لوالدك، ويلا جاوبني يالا، وقولي بتعمل كدة ليه؟؟ مش عيب على شنبك ده لما تبقى شحط كدة وتعاكس في بنات الناس، أنت متعرفش أنك بكدة هتخلي أهل بيتك يحصل فيهم كدة سواء بقى مراتك، أو اختك، أو حتى بنتك، الدنيا دي دوارة واللي بتعمله هيتردلك، ومش لازم تعرف أنه اتردلك لان ممكن يحصل من وراك واللي اتعرضت من أهل بيتك للموقف مش هتيجي تقولك، عشان ده موقف لا يحسد عليه أحد.
ارتفع حاجبي الرجل ولاح على وجه عدم اقتناعه بأي شيء مما يتفوه به أحمد، بل كانت بالنسبة له ثرثرة لا جدوى منها، فقط يراه شاب ثري يملك سيارة باهظة، يحاول أن يكون بطلًا أمام الفتاة.
التوى ثغره وعقب على أحاديثه وأفعاله بذات طريقته السابقة:
-أنت هتديني درس في الأخلاق، بقولك إيه ياض أنا فاهم أنت بتعمل إيه، أنت عايز تطلع الواد البطل الشبح زي نجوم السيما وبعد ما اخلع أنا تقوم أنت واخد رقمها.
اتسعت عين أحمد وصاح معترضًا:
-اخرس يا قليل الأدب، بقى أنا أحمد على سنح ورمح يتقالي الكلام ده !!!
ومن مين ؟؟ متحرش زيك ؟؟؟؟
بس ماشي أنت اللي جبته لنفسك قابل بقى يا نجم..
هنا وطالع الفتاة، يخبرها بنبرة هادئة:
-اتفضلي أنتِ لو سمحتي.
ابتلعت ريقها بقلق وتوتر لما قد يحدث الآن، فالتقط ما يحدث معها وما تشعر به مما يليح على قسماتها.
فجاء صوته مؤكد لها:
-يلا يا آنسه على بيتك، ولا شوفي رايحة فين.
كادت تلبي حديثه لولا هذا الوقح الذي امسك بيديها مُصرًا على عدم تركها:
-تمشي تروح فين مش هتشمي قبل ما اتكلم معاها، انا بحبها، أنا بحبك يا روضة.
وبحركة مباغتة أزال أحمد يد الرجل عنها دافعًا إياه بصدره بقوة لا تليق على هيئته وجسده النحيل.
مصوبًا حديثه للفتاة:
-امشي أنتِ يلا.
لم تجد الفتاة حلًا سوى الذهاب بالفعل مسرعة من خطواتها.
بعد ذهابها اقترب الرجل من أحمد ممسكًا به هو تلك المرة، صارخًا عليه بصوت جهوري لايهمه زمان أو مكان:
-حلو أنت كدة وانقذتها مني مش كدة ؟؟؟
وقبل أن يجيب أحمد الذي انكشمت قسماته، تابع الرجل بغضب مضاعف:
-خد بقى جزائك عشان تتعلم متعملش فيها بطل تاني ومتفكرش أنك ساعدتها، وهتعرضلها تاني وتالت ومليون لحد ما تيجي وتلين دماغها.
أنهى حديثه وهو يسدد لكمة عنيفة قوية في وجه الاخر، والذي ترنح ولم ينجح في تفادي اللكمة..
لم يكتفي الرجل بل قرر صب كاف غضبه به، ممسكًا به من جديد منهالًا عليه بلكمتين في مفترق وجهه، جعلته يتراجع مبصرًا إياه بنظرات ساخطة، قائلًا:
-اقسم بالله ما هسكت وهوريك، استناني راجعلك تاني.
ضحك الرجل بطريقة ساخرة يستهزئ به، فلم يستطع مقاومته والدفاع عن ذاته والآن يبدأ بتهديده.
مغمغم بتحدي:
-تصدق خوفت وركبي بتخبط في بعض، على العموم مستنيك، و وريني اخرك يالا، وخد كمان عنواني، وتعالى اسأل عليا في المنطقة ألف مين يدلك عليا، “طه الروش “.
وبالفعل القى على مسامعه عنوان عمله واسم متجره، فقال أحمد:
-وأنا جايلك بس مش دلوقتي، بعد ما اربي عضلاتي عشان اوريك إزاي تفتري على خلق الله.
على الطرف الآخر، دخلت “رياض” المطعم بجسد يتلفت بتوتر وخوف بعد أن فشلت في ايجاد شخص ما يأتي معها ويساعد هذا الشاب، وبأعين تجوب بحثًا عن شقيقاتها، التقطت عينيها محمد وهو يضع إحدى الطلبات على طاولة ما فاقتربت منه، واقفة أمامه قائلة بقلق واضح:
-الحقني يا محمد.
-خير يا ست البنات كفى الله الشر؟؟
-طه الروش اتعرضلي وانا راجعة من المدرسة، و قعد يرازي فيا ومش عايز يسبني امشي غير لما ياخد رقمي، لولا واد ابن حلال وقف وساعدني و دلوقتي هو معاه، وأنت عارف طه مؤذي وشراني، تعالى الله يباركلك ساعده…
دنت منها “إسلام” تستفسر منها عن سبب عودتها، فأسرعت الأخرى بالرد عليها:
-مش وقته يا إسلام يلا يا محمد الله يخليك.
وبالفعل سارع محمد في ترك المطعم والتحرك معها، حتى وصلا إلى المكان المنشود والتي تركت به طه رفقة الشاب، ولكن لم يتواجد به أحد وكان فارغًا، خاليًا من تواجدهم.
عقدت حاجبيها، متسائلة بصوت مسموع وصل إلى مسامع محمد:
-الله !!! راحوا فين كانوا هنا؟؟ يارب طه ميكونش عمل فيه حاجة، حرام ميستحقش يحصل فيه كدة.
رد عليها محمد بجواب قنوع:
-طب بينا نشوف الزفت ده في المحل بتاعه ولا لا، لو هناك يبقى الحوار اتفض.
****************
ولج “محمد” المتجر العائد لـ المدعو طه، والذي يكون مخصص لبيع المستلزمات المنزلية، بحث بعينيه عنه، ومن خلفه “رياض” تبحث هي الأخرى حتى وقعا بصرهم معًا عليه..
لم يتمهل محمد وسارع بترك مكانه ملتهمًا المسافة التي تفصله عن ذلك الغليظ، الوقح، الذي لا يكف أو يتوقف عن مضايقة تلك الفتاة، والتي تصغره بكثير..
مسك به من ملابسه وهو يصرخ بوجهه بصوت جهوري لفت أنظار جميع من بالمتجر:
-أنت مش ناوي تجيبها لبر بقى ولا إيه يا روش؟؟؟ مش هترتاح غير لما أعلم عليك في المنطقة، وتبقى لبانة في بُق الكل.
ضحك “طه” باستفزاز، دافعًا محمد في صدره، معقبًا بأسلوب أكثر استفزازًا من ضحكته:
-لا مش ناوي، وبعدين مين اللي هيعلم عليا وهيخليني لبانة أنت !!!
هتف الأخيرة وهو يقلل منه ومن شأنه، وقبل أن يتهور محمد ويندفع اكثر، كانت رياض تلحق به قائلة:
-متردش يا محمد ومتعبرهوش، لو رديت عليه يبقى بتديه قيمة، وهو أصلا ميسواش حاجة.
-الله الله الله وليه الغلط بس، ولا أنا عشان بحبك !!!
-يا شيخ حبك برص، أنا مبحبكش ومش هحبك.
-لا هتحبيني، غصب عنك هتحبيني، أنا مفيش واحدة تقولي لا، ولو حصل مبسبهاش غير لما تغير رأيها.
هنا وصدح صوت عالي من خلفهم، أجبر جميع المشاهدين على هذا الشجار على التحديق بصاحبته والتي لم تكن سوى “جهاد”
-جرا ايه يا روش أنت صدقت نفسك وهتعملي فيها روش بجد؟؟؟ وبعدين لو أنت روش فـ أنا اروش، وممكن افرج عليك أمه لا إله إلا الله لو مبعدش عن أختي يا عرة الرجالة، يا اللي المفروض يتكتبلك في البطاقة دكر بط مش راجل.
اكفهر وجهه وحاول تمالك أعصابه أمام تلك سليطة اللسان والتي دائمًا ما تلقي عليه مثل تلك الكلمات والسبابات دون جدوى فهو لا يبتعد أو يحل عن رأس شقيقتها.
فشل في التزام الصمت خاصة مع هذا الكم من الشاهدين على ما يحدث، فخرج صوته متهكمًا وهو يرمقها بنظرات ساخرة:
-لا يختي راجل غصب عنك وعن أهلك كلهم، وبعدين ده انتوا تحمدوا ربنا اني بصتلها أصلا، هو في حد عاقل يحب واحدة اسمها رياض؟؟؟ انا ليا الجنة، وتبوس أيدها وش وظهر عشان بقولها روضة زيكم.
لا يدري ما فعله بقلب تلك الفتاة، فكيف يسخر منها ومن إسمها أمام الجميع، فمن المفترض أنه يعشقها إذن اي حب هذا يتحدث عنه وهو الذي يسخر منها ويقلل منها، أهذا هو الحب في منظوره !!!!
كادت جهاد أن تجيب عليه وتقلل أكثر وأكثر منه، لولا مجئ إسلام هي الأخرى تاركة برق داخل المطعم.
منهيه ما يحدث ساحبة شقيقاتها معها خارج متجره، تاركة إياه يتبادل النظرات المستحقرة مع محمد الذي بادله باخرى متوعدة.
******************
-أنت ساكت ليه يا جابر ما تقول حاجة ؟؟؟ بقولك أنا و زهر حبين نعمل الفرح آخر الشهر ده.
ألقى “وسام” كلماته على مسامع والد زوجته، والذي صر على أسنانه معقبًا على طريقة حديثه معه:
-أنا اسكت براحتي، ثم إيه جابر دي؟؟؟ هو أنا بلعب معاك ؟؟ ولا أنا من سنك !! أنا أبو مراتك يا بغل، يعني حماك يعني تحترمني؟ عشان لو معملتش ده تاريخك القذر كله معايا وممكن أقولها عليه، ولا نسيت صاحبتك في الفصل اللي قولتلها الكل فيك إلا أنتِ كب كيك، لو نسيت انا منستش وممكن أقولها.
اتسعت عين وسام استنكارًا، متبادلًا النظرات المرحة مع زوجته، قائلًا:
-تقولها ايه ارحمني وارحم اللي خلفني، أنت أصلا قولتلها كل حاجة ، بت يا زهر مش أنتِ عارفة عني كل حاجة ؟؟؟
هزت رأسها تأكيدًا، متمتمة بمشاغبة:
-ايوة، بابا قالي كل حاجة، وتقريبا كل يومين يقولي نفس القصص والحكايات لدرجة اني حفظتهم وممكن اسمعهم، تحبوا أسمع؟
ظهر التهكم على قسمات والدها من سخريتها الواضحة، مما جعله يصرخ عليها بأسلوب فكاهي، مرح لا يليق إلا بسواه:
-ايه ده؟؟ أنتِ إيه اللي مقعدك مع الرجالة يا بت، معندناش حريم تقعد مع رجالة ، اتفضلي على اوضتك.
رد وسام معترضًا مانعًا إياها من النهوض:
-الله !! هي قاعدة مع رجالة غريبة يعني ؟؟ ما أنت أبوها وانا جوزها، اقعدي يا بت.
انصاعت زهر لكلمات وسام وظلت جالسة مكانها مما أثار حفيظة جابر والذي نهض متابعاً صراخه المرح:
-انا قولت على فوق يبقى على فوق، أنتِ هتسمعي كلامه هو وانا طز في كلامي يعني ولا ايه..
ولجت “دلال” والدة جابر الصالون، على أصواتهم، قائلة بحاجب معقود:
-في إيه يا واد يا جابر صوتك عالي ليه يا ولا، أبوك نايم لم نفسك.
-لو سمحتي ياما ملكيش دعوة، دي بنتي وده جوز بنتي وازعق معاهم براحة راحتي.
وقبل أن تضيف أي كلمات اخرى، كان صبر وسام قد نفذ، فنهض من جلسته بجسده الذي يفوق جابر طولًا وعرضًا، واضعًا يديه أعلى خصره، متمتم بأعين قد ضاقت ونبرة مترقبة جعلت الآخر يرتعد ويتراجع عما يفعل:
-بتقول حاجة يا حمايا؟؟
ابتلع جابر ريقه و بهدوء شديد كان يرفع يديه ويربت على عضلات صدره، يعدل على حديثه:
-ايه حمايا دي ياض ده أنا جابر صاحبك منذ الصغر، و وعدتك اني لما اخلف أجوزك بنتي وها قد وفيت بوعدي، كنت بتقول بقى حابب الفرح يبقى امتى.
وبوجه جامد يخفي خلفه ضحكات ترغب بالتحرر رد عليه:
-اخر الشهر قولت.
رد جابر وهو يربت من جديد على صدره:
-وليه اخر الشهر ممكن بكرة لو تحب، ألا قولي ياض يا وسام، نفخ ده ياض ولا طبيعي !
لو نفخ انا كمان عايز انفخ ولو طبيعي خدني الجيم عندك ادرب واهو اربي عضلات.
ردت عليه والدته والتي جلست وكانت تتابع ما يحدث بينه وبين زوج ابنته:
-تربي مين اتنيل مش كنت ربيت عيالك الأول، ولا حتى ربيت نفسك.
من جديد صر على أسنانه وقال من بينهم:
-أمي ارجوكي، توقفي عما تفعلين بي أمام العامة.
***************
بعد عودة كل من محمد و إسلام وجهاد إلى المطعم دخلت”رياض” البناية التي تقطن بها، قاصدة منزلهم، مخرجة المفتاح من حقيبتها، ثم فتحت الباب و دخلت المنزل مغلقة الباب خلفها بملامح وجه تعكس ما يحدث معها وما تصارعه بالداخل بسبب والدها.
الذي اختار لها هذا الإسم والذي تراه لا يصلح للإناث بتاتًا، ولا يليق إلا بالذكور.
قابلته بوجهها فسألها بنبرة جامدة:
-ايه اللي رجعك يا بت؟ مش قولتي رايحة المدرسة وهتطلعي على الدرس بتاعك من هناك، وبعدين فين ضياء ؟
تجاهلت كل حديثه، وبنبرة باردة تشابه نظراتها نحوه قالت:
-اللي اسمه طه اتعرضلي تاني انهاردة، فياريت تشوفلك صرفة معاه عشان شكلي هرتكب جناية فيه، عشان أنا تعبت من القرف اللي بشوفه منه.
فارقت مكانها متجهه صوب غرفتها التي تتشارك بها مع توأمتها، وقبل أن تفتح الباب تسمرت مكانها وهي تسمع كلمات والدها الجهورية القاسية:
-ما أنتِ لو بتمشي عدل مكنش حد بصلك ولا ضايقك، وبعدين اعمل ايه اكتر من اني مسميكي رياض؟؟؟ اقتلك وارتاح من همك وقرفك، اهو ده اللي بناخده من خلفة البنات، الواحد مبيشوفش غير قرف وهم، مش لو كنت خلفت رجالة بشنبات كان زمانهم وقفوا معايا وبقوا حيطة اتسند عليها، ومشوفتش القرف اللي شايفة معاكم.
لم تستطع الصمود أكثر من هذا، والتفتت إليه برأسها مجيبة عليه بنبرة قوية لا تهاب أو تخشى شيء، قائلة:
-الرجالة اللي بشنبات اللي حضرتك بتكلم عليهم دول، طه واحد منهم، وخلفه البنات اللي مش عجباك ٣ منهم بيقفوا مكانك في المطعم، والستات هما اللي بيولدوا الرجالة اللي بشنبات، يعني ستي اللي ولدت حضرتك كانت بنت زينا، مسمعناش عن راجل خلف قبل كدة، ومش هيحصل، عشان وجود الست مهم زي الراجل بضبط، ومن غيرها مش هيبقى في خلفة، وبالتالي البشر هينقرضوا.
انتهت مندفعة إلى غرفتها، موصدة الباب من خلفها، مغلقة عينيها بقوة مستمعة إلى صراخه وصياحه وسبابه عليها لردها الفظ عليه والوقوف أمامه بهذا الشكل.
ثواني وكانت تتحرك مرتمية بجسدها أعلى الفراش مقررة أخذ قسط من النوم والهروب من هذا الألم التي تشعر به وتعيش بداخله حتى ميعاد درسها.
****************
_رياض، رياض، يلا قومي هنتأخر على ميعاد الدرس، وبعدين كل ده نوم؟؟ أنتِ منمتيش امبارح ولا إيه!
كان هذا صوت “ضياء” التي عادت منذ ساعات ومنذ هذا الوقت تعبث بهاتفها، تصم أذنيها عن الشجارات التي تحدث بالخارج بين باقي شقيقاتها “إحسان، عصمت، رضا”
عبس وجه رياض ما أن فتحت عينيها وسقط بصرها على أختها، فقامت بنهرها والتحدث معها بأسلوب جاف بعد ما حدث اليوم وبدر منها:
-خليكي في حالك، وقولتلك مليون مرة متقوليش رياض دي، مش عشان سكتلك انهاردة لما حبيتي تعملي شو قدام صحباتك تسوقي فيها، وبعدين روحي أنتِ مش رايحة معاكي في حتة ولا أقولك خليهم يعدوا عليكي و تروحوا سوا، ما اصل هما اللي اخواتك مش أنا.
تأففت “ضياء” عاقدة ساعديها أمام صدرها، متمتمة بزهق واضح على محياها ونبرة عالية:
-وبعدين بقى في النكد ده هو أنتِ نكدية كدة ليه يا بنتي مش كدة حرام عليكي، وبعدين ما أنتِ كمان قولتيلي ضياء
ومقولتيش
دودي ولا هو حلو ليكي و وحش ليا.
انفرج الباب دون استئذان من المقتحم، فارتكز بصر كل من ضياء ورياض على صاحبة هذا الهجوم والتي كانت إحسان تستفسر منهم عن سبب هذا الصوت العالي:
-في إيه بتتخانقوا ولا ايه ؟؟؟
تخصرت ضياء قائلة بتهكم:
-خليكي في حالك، وبعدين ما أنتِ كلتي دماغي أنتِ وعصمت ورضا خناق ومتكلمتش ولا سالت فيه إيه.
هنا وجاء من خلف إحسان فتاة صغيرة تبلغ من العُمر عشر سنوات فقط، مرت من جوارها مقتحمة الغرفة قائلة بأسلوب طفولي مشاغب:
-أنا سامعة حد جاب سيرتي وقولتلوا رضا، مالي بقى عملت إيه انا؟؟؟
ضاقت عين إحسان وقالت بنفاذ صبر:
-اطلعي برة يا بت، مش ناقصين صداع.
-مش طالعة دي مش اوضك، دي اوضة روضة وضياء لما تبقى اوضك ابقى اتكلمي.
أنهت مخرجة لسانها لأختها، فلاحقتها ضياء بالحديث وهي تشير لها كي تخرج من الغرفة:
-بت يا رضا يلا اطلعي برة عشان تقولي ضياء تاني حلو أوي، وبعدين إحنا مش فاضيين للعب العيال ده.
اغتاظت تلك الصغيرة من ردها عليها بل وطردها من الحجرة التي لا تراها تخصها بمفردها بل
تتشاركها
معها روضة التي تعشقها كثيرًا.
فارتمت داخل أحضانها وهي تحدق بـ ضياء قائلة بنبرة ذات مغزى لا تليق بعُمرها الصغير:
-اومال فاضية لـ ايه ها، للموبايل.
اتسعت عين ضياء من وقاحتها وقبل أن تقترب منها كانت الأخرى تحتمي
بـ
روضة التي خبأتها داخل أحضانها واحتوتها صارخة على توأمتها:
-أنتِ عبيطة يا بت، قدك دي عشان تمدي ايدك عليها؟؟؟
-وانتِ مش شايفة طولة لسانها.
تحدثت “رضا” تلك المرة بأسلوب برئ لا يناسب نظرات عينيها العابثة:
-انا لساني مش طويل أنتِ اللي ايدك طويلة، حتى بصي يا روضة لساني مش طويل اهو.
قالتها وهي تخرج لسانها لرياض، فضحكت إحسان قائلة:
-يخربيت البراءة، اللي يشوفك يقول البت ملاك، وأنتِ في الحقيقة شيطان صغير.
تهكم وجه الصغيرة وخرجت من أحضان رياض صارخة على إحسان:
-أنتِ اللي شيطان، انا مش شيطانة، أنا رضا.
هنا و جاءت “عصمت” البالغة من العُمر ثلاثة عشر عامًا:
-انا مش عارفة اعمل الواجب بس بقى، بطلوا خناق.
وبالفعل انفض هذا التجمع وعادت عصمت لعمل واجبها المدرسي، و خرجت رضا هي الأخرى ولكن لكي تلعب وتلهو فهي لا تحبذ الاستذكار وتعشق اللهو والمرح.
أما ضياء و رياض فبدأ الاثنان بتبديل ملابسهم كي يلحقون بموعد الدرس، ورفضت رياض الخروج معها وتحركت كل منهما بمفردها.
**************
أوقف “آسر” السيارة بانفعال وتشنج واضح، متمتم بنبرة باردة لم تعتاد عليها “يارا” :
-يلا اتفضلو عشان متتاخروش.
تبادلت الفتيات الجالسات بالخلف النظرات وسرعان ما ادعت يارا عدم انتباهها لغضبه، واستنكاره لفعلتها واستعجالها له لإيصالهم.
هبطت من السيارة من جانب ومن الجانب الآخر ترجلت همسة هي الاخرى، فهبط “قصي” كي يودع فتاته، والتي لم تُلح مثل الأخرى.
فهمست له:
-آسر شكله زعل من يارا.
-سيبك منهم وقوليلي هنتقابل تاني امتى.
على الطرف الآخر، وقفت يارا جوار نافذته المفتوحة وتطلعت به متحدثة معه بابتسامة:
-بعد ما نخلص هكلمك واعمل حسابك مش هنتكلم بليل عشان هقعد اذاكر.
رد عليها دون أن ينظر إليها وبذات النبرة الجامدة الخالية من اي مشاعر:
-وماله.
لم تعقب أو تضيف أكثر وتحركت رفقة همسة والتي ما أن ابتعدوا عنهم حتى همست لها:
-ايه الزن ده، كل شوية تقوليله هنتاخر على الدرس هنتاخر على الدرس، على أساس مقطعة الدنيا مذاكرة بقى وكدة وبتفهمي صح.
-لا مش صح وافهمي يا غبية لازم يفكر أني خايفة على مستقبلي ودراستي وحياتي، آسر فرصة مش عايزة اضيعها والراجل عموما بيحب اللي قدامه تبقى خايفة على مستقبلها ميحسش انها تافهه، ولعلمك أنتِ كمان لازم تخافي أن قصي يضيع من ايدك، الاتنين فرصة وهيطلعونا من الفقر ولازم نحافظ عليهم زي عنينا، ولو على زعله ده فـ بشوية دلع هصالحه.
ارتفع حاجبي همسة بإعجاب واضح، قائلة:
-يا بت اللعيبة، لا بجد دماغ.
في ذات الوقت استقل قصي السيارة مرة أخرى، وعلى الفور صدحت ضحكاته متمتم:
-البت يارا دي تنفع تبقى ممثلة، اتقنت الدور واقنعتني انا شخصيا أنها بتحب المذاكرة وخايفة على مستقبلها، لعلمك البنات دي مش سهلة.
التوى ثغر “آسر” بابتسامة ساخرة، معلق بايماءه من رأسه:
-لازم يشغلوا دماغهم إحنا مش أي حد يا بني، بس على مين وحياتك أول ما ازهق هشوطها بجد، وتقريبا قربت اعملها.
أنهى حديثه مشغلًا السيارة وقبل أن يتحرك بها كانت عينيه تقع على تلك الفتاة الذي رآها اليوم بصحبة يارا وهمسة والتي اخبروه عن إسمها وقتها
“ضياء”
أوقف السيارة مرة أخرى مما أثار دهشة قصي وتساءل:
-بطلت العربية ليه ؟؟؟
اجاب عليه وهو يترجل من السيارة وعينيه لا تفارقها:
-ثواني.
قصد مكانها و وقف أمامها يعيق استمرار تقدمها، متمتم بابتسامة واسعة جذابة زادته وسامة:
-بقولك إيه ما تيجي نشرب قهوة واقولك ازاي خطفتيني على سهوة.
قطبت حاجبيها وصُدمت من ظهور هذا الشاب أمامها والتي تعرف هويته جيدًا وتدرك بأنه صديقًا لرفيقتها.
تلجلجت قليلًا وعلى الفور طرحت سؤالها:
-نعم !! حضرتك بتكلمني أنا ؟
نظر آسر من حوله بأسلوب مرح، وعلى الفور عاد ينظر إليها مجيبًا اياها بذات الطريقة:
-أكيد مفيش غيرك واقف قدامي، أنتِ ضياء مش كدة، اسمك حلو جدًا على فكرة شبه عيونك.
ارتخت قسماتها وشعرت بشعور غريب، تمر به للمرة الأولى، وبدون أن تمنحه جوابًا كانت تتحرك من أمامه، ترفض الوقوف معه وتبادل أطراف الأحاديث.
نظر في أثرها واختفت بسمته عن وجهه تدريجيًا، و رغب في اللحاق بها ولكنه تراجع.
واكتفى بهز رأسه متوعدًا بلقائها مرة أخرى بل والحديث معها، مبديًا عن تلك الرغبة بنبرة عالية وصلت إليها:
-تمام مترديش بس لينا لقاء آخر، وعلى فكرة اسمك فعلا جميل وأول مرة يقابلني وعجبني.
لم تلتفت إليه أو تجيب عليه، وذهب هو نحو سيارته فهتف قصي وهو يحك مؤخرة عنقه:
-هي ايه الحكاية، البت عجبتك من أول نظرة ولا إيه ؟
لم يمنحه رد وأدار السيارة وانطلق بها.
مط قصي شفتاه وأدرك عدم رغبته بالحديث، فقال يحذره:
-طيب بما أنها عجباك، خلي بالك من يارا لو عرفت أن عينك من صاحبتها مش هتسكت.
وعلى الفور هتف بانفعال:
-تاكل زفت ملهاش حاجة عندي، لا خطيبتي، ولا مراتي ولا أمي دي يدوب واحدة ماشي معاها يعني شمال ومستبعدش تكون بتكلم غيري.
*************
يقبع “أحمد” داخل سيارته المصفوفة، يحدق بالمرآة الأمامية يتفحص تلك الكدمة التي حصل عليها في منتصف وجهه وأخذت لونًا وباتت واضحة للعيان.
متمتم بحسرة:
-يا بن الكلب البونية علمت، روح حسبي الله ونعمة الوكيل فيك، ربنا يوقعك في ثور يبقى زي وسام ولا صابر ويديك العلقة التمام.
قال الأخيرة متفحصًا عينيه مرة أخرى، مطلقًا زفيرًا طويلًا وهو يقرر الهبوط وتفادي مقابلة أي فرد من عائلته.
وبالفعل هبط وبدأ بالالتفات يمينًا ويسارًا منحنيًا بنصف جسده العلوي قليلًا يدعو الله بسره ألا يراه أحد.
وصل قباله الباب وأخرج المفتاح من جيبه و وضعه بمكانه وقبل أن يحركه كان يلتفت بذات الطريقة، وما أن تأكد بعدم تواجد أحدهم بالخارج أو وصول أحد فتح الباب ودخل برأسه فقط يتأكد من خلو الطريق أمامه.
وما أن حدث وتأكد حتى ولج واغلق الباب بهدوء شديد، ثم بدأ يخطو خطوات حذرة لا تخلو من الالتفات يمينًا ويسارًا.
وقبل أن يصعد درجات السلم وعلى حين غرة وجد من يقبض عليه من الخلف ويمسك به من ملابسه.
متسببًا في فزعه وصدمته في عدم النجاح في الصعود لغرفته خلسة رغم محاولاته المستمرة.
مستمعًا لتلك الكلمات وهذا الصوت الذي يدرك صاحبه:
-مسكتك يا حرامي الغفلة.
التفت أحمد ببطء نحو جده “مروان” متمتم من بين أسنانه:
-انت طلعت منين بس؟؟ وبعدين أنا مش حرامي أنا أحمد ابن جابر جوز بنتك ثراء اللي اتجوزها زمان غصب عنك، قولي أنت إيه اللي جابك عندنا يادي النيلة ؟؟
هزه مروان وهو يردف بصوت عالي:
-عندك مين ياض يا حرامي يا بن الحرامي، قولي مين مخرشملك وشك كدة.
التقط أحمد يديه يتوسل إليه:
-ابوس إيدك اخفض صوتك فسوف تحدث جلبة وتفضح امري، استر عليا وصدقني هردهالك واستر عليك في مرة.
-تستر على مين يالا أنت عبيط.
انكمش وجه أحمد وتعمد تصنع البلاهة مؤكدًا له:
-اه عبيط واهبل كمان حتى شوف، اوعى بقى الله يخليك.
هنا وجاء صوت عابد شقيق جابر، متسائلًا:
-في ايه ؟؟
استنجد به أحمد وهو يحاول إخفاء وجهه:
-الحقني يا عمي جدي قافش فيا وفاكرني حرامي، وبعدين أنا عايز افهم اشمعنا انا وصابر اللي علطول يقفش فينا وفاكرنا حرامية دونًا عن كل رجالة العيلة، كدة انا بدأت اتوغوش.
هز عابد رأسه بتفهم وحل بينهم دون أن ينتبه لوجه أحمد والذي ما أن فعلها عمه حتى التهم الدرجات وقصد غرفته دون أن ينظر خلفه.
دخل غرفته واغلق الباب مستندًا بظهره على الباب يتنهد براحة، ثم بارح مكانه واقترب من خزانته وأخرج له ملابس مخصصة للنوم (بيجامة رجالي)
وما أن اخذها حتى ولج دورة المياه وابدل ملابسه وخرج ممدًا على الفراش راغبًا في أخذ قسط من النوم بعد ما حدث معه اليوم.
وبعد دقائق حاول كثيرًا حتى يأس من الذهاب بالنوم، نهض متاففًا قائلًا:
-وبعدين بقى؟؟
لم يستسلم وقرر المحاولة مجددًا ولكنه من جديد فشل، وتملكه تلك المرة شعور بالجوع.
حسم أمره وقرر الخروج فلن يظل هكذا مختبئًا وعاجلًا ام اجلًا سوف يرون ما بوجهه.
خرج من الغرفة وخطى خطوتين وبتلك الأثناء قابل بوجهه أخيه صابر الذي جاء للتو والذي كان يتحرك صوب غرفته هو الأخر.
سرق صابر نظرة باردة نحو أخيه أحمد، مما جعله يتوقف ويقترب منه مجبرًا إياه على الوقوف هو الاخر، متسائلًا بذات البرود وعينيه تمعن النظر بتلك الكدمة:
-ايه اللي في وشك ده ؟! مين اللي ضربك!
ابتلع احمد ريقه وقال كاذبًا:
-ضربني ايه بس صلي على النبي في قلبك، ده انا اللي ضربته وطحنته مشوفتش أنت وشه بقى عامل ازاي.
لم يصدقه أو تخيل عليه تلك الكذبة الذي يدرك عدم صحتها، فعاد سؤاله مرة أخرى بنبرة أكثر جمودًا وبرودًا:
-لاخر مرة هسالك مين اللي ضربك ؟
مجددًا، ابتلع لعابه، فتلك النظرات الذي يقابلها من أخيه وتلك النبرة المخيفة جعلته دون أن يشعر يعترف بما حدث معه:
-بصراحة بقى أنا اضربت، اضربت بسبب اني دافعت عن بنت كانت ماشية في أمان الله، قام واحد معندوش لا نخوة ولا دم اتعرضلها، وقال ايه بيحبها، حبه برص البعيد، بس أنا مسكتش ومشيتها، وعشان كدة راح ضربني، بس قولتله أني راجعله وفعلا هرجعله بس بعد ما اربي عضلات، وكدة كدة اسمه ومكانه معايا، يعني هعرف اجيبه.
عقب انتهائه من تلك الثرثرة، وجده يمسك به ويجذبه معه عنوة هابطًا الدرجات.
ذعر أحمد وسأله:
-وخدني على فين يخربيتك، وبعدين شاددني كدة ليه، لو سمحت متحسسنيش أنك الكبير واحترم الخمس دقايق اللي بينا عيب كدة مينفعش.
قابلهم عمهم الأكبر “أشرف” فتساءل وهو يرى ما يحدث وكيف يجر صابر أحمد بملابس النوم تجاه الباب:
-في إيه يا صابر و جارر أخوك كدة ليه ؟؟؟
-عمي أشرف أنقذني، ساعدني أرجوك.
وقبل أن يجيب عمه عليه، كان الاثنان قد فارقا وخرجا من باب المنزل.
بالخارج، فتح صابر باب السيارة لـ أخيه متمتم:
-اركب.
-هنروح فين بالبيجاما اللي أنا لابسها دي اتقي الله.
-هنروح للي ضربك، انا محدش يمد أيده على اخويا واسكت اللي يمد أيده عليك أو على أي حد من عيلتي أكله بسناني.
-اقسم بالله مقدر شهامتك وحبك الكبير ده، بس سبني اغير وهاخدك مكان ما أنت عايز.
-لا، كدة كدة أنت مش هتنزل من العربية يلا.
لم ينتظر صعوده ودار حول السيارة متجه لمقعده المخصص، فلم يردد احمد إلا تلك الكلمات:
-أحـــــــية الواد هيموت انهاردة ولا إيه.
******************
وصل “صابر” الحارة، واوقف سيارته أمام متجر “طه” بعدما وجدوه بسهولة، فابتلع أحمد ريقه متمتم بتردد وعينيه ترتكز على المتجر:
-خلي بالك يسطا بدل ما تضرب حد بالغلط، ولا يطلع الواد كداب وده مش محله، انا مش واثق فيه.
وقبل أن يهبط صابر سأله بترقب:
-قولتلي اسمه ايه ؟
-كان قالي اسمه طه الروش، بس برضو مش دليل يمكن مش اسمه وسرقه، اصل ده واحد معندوش نخوه وبيعاكس في بنات الناس، وممكن يكدب في اسمه عادي، بس هقولك هتلاقيه لابس بنطلون بني على قميص برتقاني.
لم ينتظر صابر سماع أكثر من هذا وترجل على الفور و ولج المتجر.
بحث بعينيه عن هذا الرجل وسرعان ما وجده، فالتهم المسافة التي تفصله عنه حتى بات أمامه.
قطب طه حاجبيه دهشة من وقفته ونظراته تلك متمتم :
-في إيه يا جدع أنت أنا أول مرة أشوفك
تجاهل صابر سؤاله، متمتم بنبرة باردة وجسد متأهب للهجوم عليه لتطاوله على شقيقه:
-أنت طه الروش ؟؟؟
رفع يديه مهندمًا ياقه قميصه مجيبًا بفخر:
-آه انا طه الـ
وقبل أن يتابع تفاجئ بهجومه الشرس العنيف عليه، كما تفاجئ من بالمتجر، وانطلقت بعض الصرخات الخافتة من النساء المتواجدات داخل المتجر واندفعوا هاربين عن تلك الحرب الذي أعلنها الشاب الغريب عن منطقتهم.
بعد رؤية من بالخارج هرولة النساء، و وقوف واحدة منهم تقص ما حدث بالداخل، تجمعوا حول المتجر كي يشاهدون ما يحدث.
أما صابر فلم يكتفي بما يفعله ولم يستطع أحد فصله عنه، ساحبًا إياه من ملابسه للخارج وهو يصرخ عليه ويردد فقط تلك الكلمات:
-اللي يدوس لـ أخويا على طرف ادوس عليه كله مش بس طرف، بالك أنت بقى مديت ايدك عليه.
اتسعت عين أحمد القابع داخل السيارة وهو يرى بالفعل شقيقه يجر هذا الرجل من ملابسه والآخر لا يملك من القدرة شيء كي يدافع عن نفسه:
-يا ويلي ده هيموت بجد.
في ذات الوقت وقفت جهاد على باب المطعم ومن خلفها كل من برق، ومحمد بعد أن تناهى إليهم بعض الأصوات التي تدل على نشوب عراك.
فطرحت سؤالها دهشة مما يحدث:
-هو ايه اللي بيحصل ؟؟؟
لم يعطيها أحد جواب فاستغلت مرور أحدهم من أمامهم فاوقفته تتساءل:
-هو في إيه، الخناقة بين مين ومين؟؟؟
-ده راجل غريب عن المنطقة هجم على الروش في محله وجره من هدومه لبرة ونازل ضرب فيه، ومحدش عايز يحوش عنه من القرف اللي بيشوفوه منه.
وبشماتة واضحة ابتسمت جهاد وقالت:
-يا حلاوة يا ولاد، دي اخرة المرازية في خلق الله، انا هروح اتفرج.
وافقتها برق بحماس وقالت:
-وانا كمان.
وبالفعل ذهبوا باتجاه الشجار و وقف محمد محله، لا ينتبه لسيارة صابر الواقفة بعد، فاخر شيء قد يتوقع حدوثه هو مجئيه إلى تلك الحارة وأن يكون هو من افتعل ما يحدث.
جاءت إسلام هي الأخرى وهتفت:
-في إيه يا محمد، البت جهاد وبرق راحوا فين؟؟
-يتفرجوا على الخناقة، الروش بيضرب.
زفرت وظهر الضيق على محياها:
-طب وهما مالهم، إن شاء الله يتولع فيه، الله يخليك خليك عقبال ما اروح اناديهم.
وقبل أن تتحرك رفض هذا وقال حاسمًا أمر ذهابه بدلًا عنها:
-لا خليكي أنتِ وأنا هروح.
اماءت له و ظلت واقفة تراقب تلك المشاجرة، وأثناء سير محمد وبحثه عن الفتيات رأى السيارة أخيرًا وعلى الفور عرفها، وعندما نظر بداخلها بحذر لم يجد سوى أحمد.
فاتسعت عينيه واقترب أكثر حتى بات أمام النافذة:
-انتوا بتعملوا ايه هنا وصابر ايه اللي جابه هنا.
رد عليه أحمد بقسمات وجه قلقة:
-مش وقت أسئلة، اجري بسرعة، واستخبى متخليهوش يشوفك لو شافك مش هيحلك وهيعمل فيك زي ما بيعمل في الروش.
-انت تعرف الروش؟؟
أشار أحمد نحو وجهه وخاصة تلك الكدمة متمتم:
-مش باين على وشي اني اعرفه يعني، اومال صابر بيضربه ليه، وامشي بقى يلا بطل رغي هتتقفش وابوك واعمامك وجدك هيعرفوا.
-يخربيتك أنت وصابر.
قالها محمد قبل أن يعود بأدراجه قبل أن يراه صابر وينفضح امره، فامتعض أحمد من كلماته، فأخرج رأسه من النافذة مردد بصوت عالي:
-طب وليه الغلط طب فكرك معرفش اشتمك يا مهزق يا قليل الادب والرباية، والله لهقول لوالدتك الست المحترمة ولابوك الراجل الكبارة.
ومع انتهائه من الحديث، سقط بصره على الفتاة التي حدث كل هذا بسببها اليوم، تقترب من مكان المشاجرة، وسقط بصرها عليه بفضل صوته العالي
وبدون أن يعي هبط من السيارة متناسيًا أمر ملابسه الذي لم يبدلها، قائلًا ببسمة بسيطة:
-ازيك ؟
طاف بصرها على ملابسه وبصعوبة كتمت بسمتها التي كادت ترتسم رغم عنها:
-الحمدلله، هو في إيه ؟ م
وقبل أن تسترسل انتبهت لوجهه وما حدث معه بسببها:
-ايه اللي في وشك ده، طه مش كدة، انا بجد آسفة.
-اسفة على إيه بس وأنتِ ذنبك ايه، المهم كنتي بتسألي في ايه فأسمحيلي اجوبك واقولك دي خناقة بسيطة مع الروش اللي اتروشن عليكي انهاردة فـ بنروش عليه شوية أنا واخويا، مشوفتنيش وانا بروشن عليه من حبه، ولما تعبت قولت اريح في العربية شوية، بس خلاص ريحت عن اذنك بقى اجيب اخويا ونمشي كفاية كدة.
تركها ودخل وسط الحشود الواقفة الشامتة في هذا الرجل البغيض مدركين بأنه يستحق ما يحدث معه.
اقترب من صابر الذي يعتلي هذا “الروش” هامسًا له:
-صابر صابر كفاية خلاص يلا نمشي.
لم يجيب صابر واستمع لهمهمات طه التي خرجت بصعوبة ومتقطعة مصوبة لـ أخيه:
-و ربنا ما هحلك، جايبلي بلطجي يتشطر عليا.
اكفهر وجهه أحمد واجاب عليه بصوت عالي:
-لا يا اخويا ده مش بلطجي ده أخويا صابر على سنح و رمح.
بينما مسك به صابر من تلابيبه متحدث من بين أسنانه:
-انا بلطجي ها، بلطجي، طب انا هوريك البلطجة على أصولها.
هنا وصدح صوت أنثوي جذب أنظار صابر إليه لتأيدها وموافقتها لما يريد فعله به:
-ايوة، وريله البلطجة على أصولها، ده غلط فيك وقال بلطجي ابن الصرمة، بيجيب اللي فيه في ولاد الناس المحترمة، وانا لو منك مسكتش.
يتبع.
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.