رواية الحب كما ينبغي الفصل الثاني 2 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثاني

الفصل الثاني

الفصل الثاني

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الثاني:

-ايه ياسطا نزلت؟؟

طرح “آسر” سؤاله على مسامع “قصي”عبر الهاتف وأثناء تسلله من غرفته بعد نوم الجميع، حارصًا على أن تكن نبرة صوته منخفضة.

رد عليه قصي نافيًا هذا:

-لسه، وسام صاحي وعمال يفرك ومستنيه يخش اوضته لو شافني هيقعد يحقق معايا ورايح فين ومش رايح فين وأنا مش عايز وجع دماغ.

وبذات النبرة المنخفضة هتف آسر، دون التوقف عن الحركة والهبوط إلى الاسفل متلفتًا حوله بقلق:

-ماشي، انا نازل أهو وهقعدي عليك ونكسب وقت، يلا سلام.

أغلق معه ثم دس هاتفه في جيب سرواله، وبتلك الأثناء وجد من يظهر أمامه من العدم مسببًا فزعه الذي أدى إلى فزع الآخر وعلو أصواتهم.

وما أن ادرك آسر هويته هدأ وسارع بكتم فمه، مغمغم:

-اخرس يخربيتك، ويخربيت معرفتك الهباب هتفضحني.

أصدر “يوسف” همهمات عكست محاولته للحديث وفشله بفضل يد ابن عمه.

ازال آسر يديه تدريجيًا فطرح يوسف سؤاله بدهشة:

-أنت رايح فين دلوقتي؟ مش كنت طالع تنام.

-لا منمتش وخارج مع قصي، وحذاري يا يوسف حذاري تقول لحد أنك شوفتني وإلا قسمًا بالله

قاطعه يوسف بعدما ابتلع ريقه، قائلًا:

-من غير حلفان أو تهديد أنا أصلا مشفتكش، آسر ابن عمي نايم فوق في اوضته، حضرتك مين؟؟

ابتسم آسر ورد عليه بأسلوب مشاكس:

-أنا الديب يالا.

وقبل أن يفارق محله، تراجع مقترحًا عليه:

-بقولك إيه ما تيجي معانا واهو تغير جو ، وتفك شوية بدل ما أنت قفل كدة.

على الفور هز يوسف رأسه يرفض هذا الاقتراح بشدة:

-لا طبعا، أنا مبسهرش وطالع اكمل نوم، انا أصلا مش زيك.

وبوقاحة غير متعمدة بل خرجت تلقائية رد عليه:

-متعرفش تبقى زيي، وبعدين أنا نسيت أنك مبتتحركش لمكان من غير ما تاخد إذن ماما وبابا يا نونو عشان لو عملت كدة ماما هتعاقبك.

غمز له مع قوله الأخيرة تاركًا إياه خلفه بملامح وجه تعبر عن حزنه، وما أوصلته إليه والدته من سوء معاملتها له ظنًا منها بأنها تحسن هكذا من تربيته.

بعد خروجه وتحركه نحو مكان سيارته المصفوفة، خرج أمامه “أحمد” على حين غرة متمتم بصوت عالي تلاها ضحكات عالية على رد فعله وخوفه وفزعه الشديد:

-بخ…

صرخ آسر عليه متناسيًا خروجه خلسة، وخوفه قبل قليل من أن يراه أحد ويدرك خروجه:

-هو في إيه النهاردة ، اخلص من واحد يطلعلي التاني، في ايه يالا، حد يخض حد كدة يا متخلف.

هز أحمد رأسه قائلًا بفخر:

-أجل هناك أحد يخض أحد آخر كدة والأحد ده أنا والأحد الآخر ده أنت، أما عن متخلف التي نعتني بها فسوف اتجاهلها قولي ليه بقى.

وقبل أن يجيب آسر كان أحمد يتابع بمرح:

-عشان الشتيمة بتلف تلف وترجع لصاحبها.

صر آسر على اسنانه وقال وهو يهم بالمغادرة:

-أنا مش هضيع وقتي أكتر من كدة معاك، الرد على أمثالك خسارة ومضيعة للوقت.

اوقفه أحمد متمتم:

-على فين العزم إن شاء الله؟ وايه الشياكة دي كلها ياض ، رايح فين قولي؟

-خليك في حالك يا أحمد.

كاد يتحرك آسر ليكرر الآخر فعلته ويمنعه مسترسلًا:

-خارج مع قصي مش كدة؟؟ مش بقولكم جوز شياطين، بقولك ايه من الآخر كدة مفيش خروج.

ارتفع حاجبي آسر مستنكرًا، وارتفع جانب شفتاه استهزاءًا، معلقًا:

-ومين بقى اللي هيمنعني ؟؟؟ أنت !!!

هز رأسه نافيًا مجيبًا ببساطة وبراءة لا تليق به وبكلماته:

-لا مش أنا أبوك، أو أقولك جدك سلطان، ولا اقولك بلاش كل دول اونكل خالد لو عرف اللي بتعملوه هيسيب عليكم وسام و وقتها مش بعيد يعملكم كيس ملاكمة، ويالهوي بقى لو صابر دخل معاه وكل واحد فيهم مسك واحد فيكم، بالله بعدها ما هتنفعوا، فـ ليه كل ده بقى وليه تخليني افتن عليك؟؟ أنت متعرفش أن الفتنة حرام !! وأشد من القتل ؟؟

-طب ما تقول لنفسك وتخليك في حالك وملكش دعوة إحنا بنعمل ايه.

-لا ما أنا بقولك أنت، ما أنت وهو اللي هتبقوا السبب أني ابقى فتان، وبعدين أنا عارف الأماكن اللي بترحوها، حرام ياض الأماكن دي واللي فيها مش شبهكم.

سحب آسر نفسًا عميقًا يكبح به غضبه وكلماته الذي يرغب بإخراجها والقائها بوجه أحمد الذي يتدخل بشؤنه وما لا يعنيه.

رفع أحمد يديه وربت على كتفيه يشجعه على العودة داخل المنزل:

-يلا ياض، ولو مش جايلك نوم تعالى نعمل أي حاجة، اقولك تعالى نشوفلنا فيلم كوميدي نتفرج عليه ، يلا.

-مش داخل يا أحمد ومش هتمنعنى.

ردد الأخيرة بقوة وهو يحسم أمره مقررًا الذهاب مهما حدث قاذفًا بحديث أحمد عرض الحائط.

راقبه أحمد أثناء صعوده سيارته بل وتدويره لها وقبل أن يتحرك كان يهتف بصوت عالي يشوبه قلة الحيلة:

-خلاص يبقى أنا كدة عملت اللي عليا، متزعلش من اللي هعمله دلوقتي بقى.

أولاه ظهره وبدأ يشق طريقه نحو المنزل مجددًا، فـ لاح الخوف على وجه آسر المناقض تمامًا لما كان يظهره من قوة وقرار حاسم.

تاركًا سيارته محاولًا اللحاق به متمتم بقلق:

-خلاص يالا مش رايح في حتة والله، خد ياض.

توقف أحمد وابتسامة عابثة تشق ثغره، ملتفتًا إليه متحدث بسعادة:

-حسنًا، هيا أمامي.

تحرك عدة خطوات عائدًا بادراجه داخل المنزل، وآسر من خلفه يرغب في بطحه بأي شيء لكن يكبح ذلك الشعور بصعوبة متوعدًا له.

ومن جديد توقف أحمد عن المسير يخبره بهمس:

-متنساش تكلم الشيطان التاني تقوله بح، فركش السهرة.

ومن بين أسنانه رد عليه وهو يخرج هاتفه عازمًا على الاتصال بـ قصي وأخباره بالغاء سهرتهم:

-طيب، ادخل بقى خليني أكلمه واطلع اتخمد ونخلص من أم الليلة دي.

****************

في صباح اليوم التالي، غادرت زهر منزلها باكرًا، قاصدة منزل حبيبها ومن كسرت بفؤاده بطلبها الذي يتكرر وتطرحه عليه للمرة الذي لا تدرك عددها.

وصلت قبالة المنزل وصفت السيارة ثم هبطت منها ودنت من الباب قارعة الجرس.

مترقبة فتح أحدهم لها، وكان لها هذا واستقبلتها أبرار بحفاوة بعدما فتحت لها، مشجعة إياها على الدخول.

-تعالي، أنتِ بنت حلال وجيتي في وقتك.

وعلى حين غره مالت على أذنيها تهمس لها بنبرة سريعة:

-وسام لسة مخرجش، وهيفرح أوي لما يشوفك بس مش هيبين ومش بعيد يقولك أنتِ ايه اللي جابك هنا، بس ولا تاخدي في بالك عشان ده أي كلام، والحقيقة أنه هيبقى طاير من الفرحة أنه شافك، وأنتِ اياكي تقولي كلام يعصب، خليكي دلوعة و رقيقة.

ابتسمت لها زهر قائلة بهمس مماثل:

-أنا كدة كدة رقيقة، بابا علطول يقولي أني زي بسكوت نواعم، رقيقة وناعمة.

وقبل أن تضيف أبرار أي كلمات أخرى، كان صوت وسام الذي خرج من غرفته مستعدًا للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية الخاصة به، يصل إليهم:

-أنتِ اللي جابك هنا؟؟؟؟

تبادلت أبرار و زهر النظرات وبصعوبة كانت زهر تمنع بسمتها من الارتسام على وجهها ، بينما حملقتها الأخرى بنظرات وكأنها تخبرها ألم أخبرك ؟؟؟

خرج صوت زهر، مجيبة على سؤاله بنبرة ناعمة  :

-اللي جابني أنت ، أصلك مجتش امبارح ومشوفتكش حتى مكالماتي مكنتش بترد عليها، فقولت لا كدة كتير بصراحة ومش قادرة استحمل فأول ما صحيت خدت بعضي وقولت اجي اشوفك ، ايه مفرحتش أنك شوفتني ولا ايه.

عض على شفتيه من الداخل وقبل أن يعقب كان ينتبه إلى ما ترتديه، من بنطال من الجينز ضيقًا على ساقيها، اثار غضبه، وغيرته خاصة أنها ليست بالنحيفة، بل ذات جسد ممتلئ قليلًا.

جحظت عينيه وعلى الفور سارع بقذف حقيبته الذي كان يحملها على ظهره أرضًا، منطلقًا من مكانه كي ينال منها ويمسك بذراعيها:

-نهارك مش معدي يا بنت جابر، ايه اللي لبسك البنطلون ده، أنا مش قايلك عليه متلبسيهوش.

ارتعدت واندفعت هي الأخرى مختبئة خلف أبرار معقبة بدفاع وقلق:

-هو ده اللي أنت قولتلي عليه ملبسهوش تصدق مخدتش بالي، وبعدين هو مش باين أوي، ما أنا لبسة طويل عليه اهو.

صر على أسنانه، واقفًا أمام زوجة أبيه، صارخًا عليها بغضب يطلق من عينيه:

-أنتِ بتستعبطي ولا بتستهبلي ولا عايزة تجننيني ولا ايه حكايتك بضبط ، لبس ايه اللي طويل، هو البنطلون المحزق ده يمشي مع حجابك اللى على رأسك؟؟؟ مش المفروض يا هانم أنه لبسك يبقى واسع!؟؟ أبوكي وأخواتك شافوكي وأنتِ خارجة بالمنظر ده.

تدخلت أبرار أخيرًا و ربتت على صدره تهدأ من روعه:

-يا بني اهدا الله يباركلك كدة ممكن تبلعنا، البت لبسه طويل عليه اهو ملوش لازمه اللي أنت عاملة ده، وبعدين جاية تصالحك وتحلوا مشكلتكم بدخلها ليه في مشكلة تانية مش لما تحلوا الأولى ابقوا خشوا في التانية.

في تلك اللحظة خرج قصي على أصواتهم ، قائلًا بصوت ناعس وهو يغلق باب غرفته:

-جود مورنينج يا جماعة.

لم يجيب عليه أي حد، واسترسل وسام صراخه، هاتفًا:

-ردي على سؤالي أبوكي وأخواتك شافوكي وأنتِ خارجة بالبنطلون ده ؟؟؟

عقد قصي حاجبيه بعدم فهم، مطالعًا السروال الذي يتحدث عنه أخيه فلم يجد به أي شيء يجعله يغضب لهذا الحد، فقال هو الآخر مدافعًا عنها:

-ماله البنطلون ؟؟ هو باين اصلا؟؟

سارعت زهر بالحديث متمتمة:

-قوله يا قصي.

كاد يتحدث فالتفت إليه وسام صارخًا عليه هو الآخر بنبرة جعلت الآخر يهاب:

-ما أنت لازم تسأل، بقولك ايه اخرس خالص يالا.

هز قصي رأسه مبدلًا حديثه السابق:

-طب على فكرة بقى وسام معاه حق، ايه البنطلون ده؟؟؟ حد يلبس بنطلون جينز كدة وعليه بتاع طويل كدة؟؟ يعع بجد.

هتف الأخيرة باشمئزاز وقبل أن يضيف أي كلمة أخرى كان يركض خوفًا من وسام الذي أوشك على التحرك والنيل منه بل وصب غضبه عليه، عائدًا لغرفته مغلقًا الباب خلفه، مغمغم بتلك الكلمات:

-أنا ابن كلب أني خرجت من اوضتي اصلا، صحيح من خرج من داره اتقل مقداره.

ثم ركض نحو الفراش دافعًا جسده عليه وهو يقول بمرح:

-يا حبيبي يا داري، قصدي يا سريري.

بالخارج، طفح كيل أبرار مما يحدث ومن صراخه، فقالت وهي تتخلى عن زهر وتتركها في مواجهة هذا الأسد الثائر:

-لا معطلكوش بقى أنا ورايا حاجات في المطبخ بعملها، الراجل عايز ياكل أم علي من أيدي وسعوا كدة كتكم القرف، عيال غم.

ورغم استنجاد زهر بها إلا أنها سدت أذنيها ودخلت مطبخها..

بعد رحيلها، ابتلعت ريقها وحملقت بوسام الذي كف عن الصراخ وبدأ يقترب منها رويدًا رويدًا.

وبعفوية كان كلما اقترب منها خطوة تعود هي بها إلى الخلف وتبتعد عنه، قائلة:

-اقسم بالله نسيت أنك قايلي متلبسيهوش، بص انا مش جاية اتخانق معاك أصلا ، أنا جاية اقولك أني بحبك، وأني عايزة ابقى معاك، بس..بس.

كررت الأخيرة بتردد مما جعله يتوقف، فقد انتبه لكل حرف وكلمة تصدر منها.

متسائلًا بحاجب معقود:

-بس إيه ؟؟

-أنا مكنتش حبة نعمل الفرح وأنا مليانة كدة، وفي نفس الوقت مش عارفة امشي على نظام الدايت، بمشي أسبوع ولا اتنين وبعدين بلخبط تاني زي ما أنت عارف، مش بعرف امنع نفسي عن الأكل يا وسام وكمان فستان الفرح بيبقى منفوش ومنفوخ، وهيتخني أكتر ما أنا تخينة، وأنت ما شاء الله عليك يعني قمر، اصلا أي واحدة بتشوفك معايا بتستكترك عليا، وهما معاهم حق يعني، أنت أحلى مني و

لم يدعها تتابع، أوقفها واضعًا سبابته أمام شفتيها دون أن يلامسهما، مسببًا تركيز بصرها عليه بعدما كان يزوغ أثناء حديثها واعترافها الجاثم على قلبها.

متحدث معها بعدم تصديق لما يسمعه:

-أنتِ بتقولي ايه ؟؟؟ مين دي اللي تخينة ومليانه؟؟ أنتِ عامية؟؟؟ ولو نفترض أنك كدة فعلا أنا مالي بـ ده؟؟

هو أنا حبيتك عشان أنتِ رفيعة، ولا عشان تخينة، وزنك ميفرقش معايا يا متخلفة، أنا ميفرقش معايا غيرك، ولو أنتِ شيفاني أحلى منك وكل الناس شايفة كدة، فـ أنا مش شايف كدة، أنا أصلا عيوني مش بتشوف غيرك يا زهر، وأنا اللي بستكترك عليا.

بالفعل هي ليست بـ سمينة أو حتى نحيفة، بل تمتلك قوام متوسط، يناسبها ويناسب طول قامتها.

ولكن رغم هذا لا ترى نفسها إلا سمينة لا تليق بهذا الوسيم الذي عشقها دون أن يهتم بتلك الشكليات التي لا تفرق معه بشيء..ولكنها تفرق معها، وتسبب لها الكثير من المخاوف.

ظلت صامتة فقط ترقرقت الدموع بعينيها، أما هو فقال وهو يحتضن يديها بين يديه:

-زهر شيلي كل الكلام الفارغ ده من دماغك، وخلينا نعمل الفرح بقى ونعيش مع بعض تحت سقف واحد، أنا مبحلمش غير باليوم ده.

لاحت بسمة على وجهها الجميل، وبدون تفكير كانت تبدي موافقتها وتعلن قرارها بالموافقة مسببة في غزو السعادة قلبه و وجهه بل وكيانه بأكمله:

-وأنا موافقة يا وسام، موافقة أوي.

*************

صف “محمد” سيارته في مكان اعتاد على صفها به، مبدلًا هاتفه باهظ الثمن بآخر زهيد،كذلك ساعة يده بأخرى،مترجلًا منها مسترسلًا ما تبقى على قدميه حتى وصل لإحدى الحارات الشعبية التي سرعان ما سارع بعض رجالها بالترحيب به بمثل تلك الكلمات

“ازيك يا أبو حميد”

“صباح الخير يا محمد ابقى تعالى أشرب معايا كوباية شاي”

وهو يجيب ببسمة واسعة، وبحفاوة وحرارة شديدة وظل على هذا الوضع حتى وصل لمبتغاه والذي كان مطعمًا كبيرًا لإحدى أشهر الأكلات الشعبية المصرية.

“كشري”

والذي يملكه رجل يدعى “شكري” كبير في العُمر ويكون من إحدى سكان الحارة، ويدير مطعمه ثلاث من فتياته بالصباح لتفرغ اثنان منهم من الدراسة وهما “إسلام”و “جهاد”، أما الثالثة فتدعو “برق” وعزمت على الذهاب للامتحانات في سنتها الأخيرة مباشرة، أما البقية فلا يزالون طالبات…

فقد انجب ثماني فتيات واطلق عليهم أسماء من اختياره تسببت للبعض منهم أن يكونوا محض سخرية للبعض.

فقد كان دائمًا يحلم ويتمنى بإنجاب الذكر، ولكن لم يحدث هذا.

دخل محمد إلى المطعم ملقيًا السلام على الفتيات وعينيه تدور بحثًا عن من دق قلبه لها وتسببت في فعله ما لم يتوقع فعله يومًا:

-صباح الفل عليكم.

ردت عليه “جهاد” بنبرة عملية ويديها لا تتوقف عن تعبئة العلب البلاستيكية:

-صباح النور يا محمد، يلا بسرعة غير هدومك والبس هدوم الشغل، عشان تنزل الطلبات على التربيزات.

-عنيا حاضر.

وبالفعل سارع بالتحرك كي يبدل ملابسه ويباشر عمله معهم..

وأثناء تحركه سقط بصره عليها “إسلام” تلك التي أسرت قلبه وسكنت به، حتى عقله ترفض الخروج منه.

فكانت تضع بعض الطلبات على إحدى الطاولات، وما أن انتهت حتى غادرت ورأته يقف ويتابعها، فقالت وهي تقترب منه:

-اتاخرت على فكرة، يلا متقفش كدة، اتحرك.

ابتلع ريقه وحاول تخطي تلك الحالة التي تتمكن منه بحضورها، مخفضًا بصره عنها منصاعًا لطلبها…

في ذات الوقت ولج “أحمد” المطعم وبسمة مرحة ترتسم على قسمات وجهه، منتقيًا واحدة من الطاولات المخصصة لفردين جالسًا عليها، وعينيه تبحث عن ابن عمه، مترقبًا اللحظة الذي سيراه به وكيف ستكون رد فعله……..

********************

داخل إحدى المدارس المخصصة للمرحلة الثانوية للبنات فقط، وتحديدًا داخل إحدى الفصول شبه الفارغة عدا من أربع فتيات في ذات العُمر وبالصف الثالث الثانوي.

فكان يصدع صوت ضحكات ثلاث منهم، أما الرابعة فكانت تجلس بمفردها وتاخذ جانبًا، فقط تسترق النظرات نحوهم من حين لآخر.

رفعت واحدة من الفتيات والتي تكن صديقة لـ آسر المدعوة يارا، مصوبة حديثها للفتاة الجالسة بعيدًا تستهزء منها:

-ايه يا رياض ما تيجي تقعدي معانا.

وما أن انهت عرضها الساخر حتى أطلقت ضحكاتها وشاركتها كل من همسة صديقة قصي، و “ضياء” توأم رياض الغير متطابق.

قائلة من بينهم بأسلوب ساخر:

-يالهوي ايه الضحك ده، مش ماشي خالص رياض مع تقعدي معانا، المفروض نقولها تقعد معانا.

باغتتها “رياض” بالرد عليها قائلة بأسلوب قوي:

-اقسم بالله لو قمت هجيبك من شعرك وهنتفهولك زي الفرخة، انا مسكة نفسي عنك بالعافية، وأنتِ يا مهزقة مبسوطة وهي بتغلط في اختك قدامك وقاعدة تضحكي معاها، شكلك نسيتي أنك أنتِ كمان اسمك ضياء واكيد زي ما بيتريقوا عليا بيتريقوا عليكي بس الفرق أنه هيبقى من وراكي.

انتهت ناهضة من مكانها قائلة بحسم:

-قومي، انا غلطانة اني سمعت منك وجيت معاكي على هنا واحنا معندناش حصص، قومي اتحركي، هنروح لحد ميعاد الدرس.

هزت ضياء كتفيها وقالت برفض وأسلوب متعجرف:

-لا امشي أنتِ أنا قاعدة مع صحابي.

-بقولك قومي، ودول مش صحابك، ولا بيحبوكي، ولا حتى بيحبوا بعض، وأنتِ مش شبهم ولا هتكوني متحاوليش على الفاضي.

هبت همسة عاقدة ساعديها تستفسر منها بغضب:

-قصدك ايه يا بت أنتِ بـ مش شبهنا دي انطقي؟؟

-يختي هنطق هو أنا هخاف منكم، وقصدي أنها معدنها نضيف، بس أنتم معدنكم واطي.

هبت يارا هي الأخرى وقبل أن يبدأ ذلك الشجار بينهم، تدخلت ضياء معنفة شقيقتها:

-امشي يا رياض امشي، وكفاية قلة أدب، ولو عليا انا مش صغيرة وعارفة أنا بعمل إيه كويس اوي، أنتِ مش وصية عليا.

هزت رياض رأسها بتوعد قبل أن ترحل وتتركها رفقتهم:

-ماشي يا ضياء ماشي، أنا هوريكي.

عقب رحيلها هتفت همسة بتأفف:

-ايه البت دي؟؟ مستحملاها إزاي ؟؟؟ ربنا يكون في عونك يا بنتي والله.

هنا وأعلن هاتف يارا عن إتصال فاخرجته وأجابت على اتصال آسر، مبدلة نبرة صوتها قائلة بدلال وغنج:

-صباح الخير يا حبيبي؟؟؟

-صباح الخس على اللي قلبي ليها وبس، أنتِ فين ؟؟

-في المدرسة، قوم بقى مدام صحيت عدي عليا، ونقعد مع بعض اكتر قبل ميعاد الدرس يلا.

-وهو كذلك.

هنا وهمست لها همسة:

-وقصي خليه يجي معاه.

اماءت لها ثم تابعت:

-ومتنساش تكلم قصي همسة معايا.

-لا مش هنسى، سلام.

*********************

تسمر “محمد” مكانه بعدما أبدل ملابسه وكان على وشك البدء بعمله الذي يخفيه عن الجميع، واتسعت عينيه وهو يرى ابن عمه يجلس على طاولة ما، وتقابلت عينيه معه، مخربًا مخططه للاختفاء حتى يتأكد من ذهابه.

مجبرًا إياه على التقدم نحوه، وهو يتلفت حوله، حتى وقف أمام طاولته ليهمس له:

-أنت بتعمل إيه هنا يا أحمد، قوم من هنا بسرعة وامشي ابوس ايدك.

وباعين متسعة تتفحص تلك الملابس الذي يرتديها، مزيفًا صدمته:

-لا يا عم استغفر الله متبوس أيدي أنا مش والدتك، بس أنت بتعمل إيه هنا؟؟؟؟ أنت مش المفروض في المطعم بتعمل ايه هنا بقى؟؟

وبصدمة مضاعفة قال:

-أحيييه، هو أنت شغال هنا ؟؟؟ سايب مطاعم جدك، وناسك وأهلك وبتشتغل في مطاعم ناس غريبة، أخص، لا أخص ايه ده اتفوه عليك.

ومن بين أسنانه رد عليه بنبرة سريعة منخفضة:

-اسكت هتفضحني وهتبوظلي كل اللي أنا عملته، قوم امشي وانا هحكيلك كل حاجة، بس امشي.

-مش ماشي قبل ما اعرف كل حاجة، واعرف بتعمل إيه هنا؟؟ يلا قول.

-وحياة أمي هقولك بس قوم دلوقتي، أنا عارف أنك لو قعدت أكتر من كدة هتفضح..

ارتفع حاجبي أحمد وقال معلقًا:

-حرام ياض تحلف بغير الله، قول لا إله إلا الله.

-لا إله إلا الله، قوم بقى دلوقتي، أنجز يا عم.

في ذات الوقت انتبهت إسلام لما يحدث بين محمد و وأحد الزبائن التي تراه للمرة الأولى، فقطبت حاجبيها واقتربت كي ترى ما يحدث، متسائلة بصوت جامد:

-في إيه يا محمد؟؟؟ بقالك حبة واقف وبتكلم مع الزبون، ومخدتش طلبه، في حاجة ؟؟؟

زيف أحمد صدمته واتسعت عينيه أكثر واكثر متقنًا دوره ببراعة خافيًا معرفته السابقة بكل شيء.

مجيبًا عليها بدلًا منه:

-لا مفيش بس كنت بقوله يجبلي ازازة ماية أصلي مصدوم على الآخر، لسة جايلي خبر أن ابن عمي أبوه اداله علقة موت اصله طلع كداب وبتاع حوارات.

ثم طالع محمد متحدث بنبرة آمرة مستغلًا هذا الوضع:

-هاتلي واحد كشري كبير و زودلي التقلية عشان بحبها و

لم تستمع إسلام لحديثهم أكثر وتركتهم بمفردهم، وعقب تأكد الاثنان من ذهابها هتف أحمد بأسلوب مرح:

-اه يا كذاب قايلهم ايه ها عشان يشغلوك، متعرفش أن الكدب حرام ياض، وأن الكداب بيروح النار.

تأفف محمد ثم رد بصوت منخفض:

-أحمد متوجعش دماغي، هروح دلوقتي اجبلك علبة الكشري تاكلها وتتكل وبليل لينا قعدة سوا، تمام؟؟؟

أراح أحمد ظهره للخلف يجيبه:

-حسنًا، اتفقنا فلنتحدث بالمساء وبعد نوم الجميع، فـ أنا اتلهف لمعرفة ما يحدث وما تخفيه.

*************

أوقف “آسر” سيارته على بُعد ليس بالكبير عن المدرسة، وبجواره يقبع قصي الذي مر عليه وأخذه معه لمقابلة الفتيات.

متمتم بنبرة عابثة وهو يطالع قصي:

-كلم البت صاحبتك خليهم يخرجوا.

رضخ قصي لطلبه، وسارع بمهاتفة همسة وأخبارها بتواجدهم بالخارج.

لحظات وكان يخرج من بوابة المدرسة الحديدية ثلاثة فتيات، فوقع بصر قصي عليهم وانتبه لتلك الفتاة الثالثة التي ترافقهم ويراها للمرة الأولى.

فالتوى ثغره ببسمة وهو يلكز آسر الذي أسند رأسه للخلف وأراح عينيه من خلف نظارة الشمس الذي يرتديها:

-بص كدة على البت اللي معاهم دي.

انتبه آسر لحديثه واعتدل برأسه مطالعًا بهم ليثبت بصره بالاخير على “ضياء”.

مستمعًا لتغزل قصي بها:

-حلوة اوي، أحلى من همسة، بس قصيرة شوية وسمرا عنهم، ايه ده هما وقفوا ليه؟؟؟؟؟

على الطرف الآخر توقفت يارا حادقة بـ ضياء، مخبرة إياها ببسمة:

-آسر وقصي هناك أهم في العربية السودا دي، يلا باي ونشوفك في الدرس بقى متتاخريش، وصحيح مش نسياكي هخلي آسر يشوفلك واحد صاحبه يبقى سنجل.

رفضت وهزت رأسها قائلة:

-لا مش عايزة، انا مفركشتش مع طارق عشان اروح ارتبط بواحد تاني، انا عايزة أريح دماغي شوية، يلا سلام.

قالت كلماتها الأخيرة وهي تشق طريقها نحو منزلها، أما عن صديقاتها فاقتربا من سيارة آسر واستقلا بالخلف ملقين عليهم التحية.

رد قصي عليهم أولا ثم آسر الذي سرعان ما استفسر منهما بلامبالاة طفيفة ودون النظر إليهم:

-هي مين اللي كانت معاكم دي ومجتش معاكم ليه؟؟؟

ردت يارا بغيرة بسيطة:

-وتيجي تعمل ايه إن شاء الله؟؟؟

بينما ردت همسة بضحكة خافضة مجيبة على سؤاله:

-دي واحدة صاحبتنا مش هتصدقوا اسمها ايه.

تساءل قصي الحادق بهم بترقب:

-اسمها ايه يعني.

ردت يارا تلك المرة:

-ضياء، إسمها ضياء.

التفت إليها آسر والدهشة تتشكل على محياه مردد إسمها بتعجب:

-ضياء ازاي يعني؟؟؟؟؟؟

هزت همسة كتفيها قائلة:

-والله اسمها ضياء واختها اسمها رياض وفي اختهم إحسان كمان بس دي اصغر مننا بسنتين ولسة في أولى، وبقولكم ايه فككم منها ويلا خلونا نشوف هنروح فين.

******************

فارق أحمد المطعم أخيرًا، واستقل سيارته وتحرك بها منطلقًا في طريقه، مقررًا الذهاب إلى المطعم الذي يديره، ولكن بعد مرور بضعة دقائق من انطلاقه ذاك، جذب أنظاره ما يراه من خلال الزجاج الأمامي للسيارة ويقع على مسافة كبيرة من أمامه.

حيث كان يقوم إحدى الرجال بالوقوف أمام فتاة ما ترتدي الزي الخاص بمدرستها، وتلك الفتاة تتشاحن معه وتلوح بيديها في الهواء..

مما جعله يتوقع ويخمن بأنه يقوم بمضايقتها، لذا فاقم من سرعة السيارة كي يساعد تلك الفتاة……….

أوقف السيارة وهبط على الفور وهو يردد بصوت عالي جاذبًا أنظار الرجل والفتاة نحوه:

-عفوًا، ما الذي يحدث هنا يا رجل ؟؟؟؟؟؟؟

يتبع.

فاطمة محمد.

عشان اللخبطة ده ملخص سريع للشخصيات الجديدة اللي ظهرت

عندنا شكري ده صاحب المطعم اللي محمد شغال فيه، والراجل ده عنده ٨ بنات مظهروش كلهم انهاردة

وهما إسلام وجهاد و برق

إسلام وجهاد مخلصين دراسة، برق لسة في الجامعة في سنة رابعة يعني آخر سنة ليها، ومش بتروح غير على الامتحانات علطول وهما اللي شغالين في المحل.

أما ضياء ورياض دول توأم مختلف وفي ٣ ثانوي

وعندنا إحسان دي معاهم في المدرسة بس في أولى ثانوي ولسة  من ضمن اللي

مظهروش

.❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق