رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الثاني
الفصل الثاني(عيد الأضحى)
اذكروا الله…
صلوا على رسول الله…
ماتنسوش الدعاء لإخوتنا في الدول العربية.
نبدأ بسم الله…
________
انتشرت تكبيرات الحَجّ في أنحاء المنطقة بأكملها؛ فكلما مررتَ على بيتٍ أو محلٍّ أو مقهى أو غير ذلك، لا تسمع سوى صوت التكبيرات العذبة لهؤلاء الحجاج على جبل عرفات.
ولم يكن بيت عائلة عمران يختلف عن بيوت المنطقة؛ فكلما صعدتَ طابقًا من طوابقه، لا تسمع سوى صوت هذه التكبيرات تصدر من تلفاز أو راديو أو غير ذلك، وأيًّا كان مصدرها، فالأهم أنها لا تبعث سوى السعادة والبهجة في نفوس من يسمعها، وهو يتخيّل نفسه، يومًا ما، واقفًا على ذلك الجبل المبارك، من الذين كُتب لهم زيارة بيت الله الحرام.
كانت النساء يعملنَ على قدمٍ وساق، كلٌّ في شقتها تُعدّ ما لذّ وطاب من الطعام لأهل بيتها، بعدما قررن وقسّمن الأطعمة المطلوب إعدادها فيما بينهنّ، حتى تجتمع العائلة بأكملها على طاولة كبير العائلة في الطابق الثاني لتناول الإفطار معًا.
أمّا هو، فكان مستغرقًا في النوم في غرفته، لا يشعر بما يدور حوله في العالم، متمدّدًا على الفراش بهيئة غريبة، غير مبالٍ بما يحدث من حوله…لكن فجأة، فُتح باب غرفته من قِبل والدته، التي دلفت إلى الداخل وهي تردّد اسمه بصوتٍ بدأ في الارتفاع تدريجيًّا:
“موسى…موسى…واد يا موسى!”
استيقظ على نبرتها العالية الأخيرة، وفتح عينيه بصعوبة، وبمجرد أن رآها تقف أمامه سألها بكسل:
“عايزة إيه يا عبير؟”
ربّتت على ظهره ببطء مرددة بهدوء:
“عايزاك بخير يا حبيب أمك…يلا قوم.”
أغمض عينيه مجددًا ليعود إلى النوم مردّدًا بالنبرة ذاتها:
“لا، مش عايز أقوم…سيبيني أنام.”
نفذ صبرها فأردفت بصوت حانق:
“ما أنت طول اليوم نايم…يادوبك تروح تصلي وتيجي تنام…كفاية بقى نوم، ويلا قوم.”
“هي الساعة كام أصلاً؟”
“فاضل ساعة ونص على المغرب.”
فتح عينيه بصدمة، وانتفض من على السرير وهمَّ جالسًا، مما جعلها تتراجع إثر فزعته،ليرفع يده إلى صدره بحركة شعبية، ويلومها قائلًا بضيق وانفعال واضح:
“يا نهار أبيض! أنتِ ما قوماني من دلوقتي ولسه فاضل ساعة ونص بحالهم على المغرب؟!”
تنفّست الصعداء، ثم أجابته بهدوء بعدما كبحت غضبها:
“إنت كنت عايزني أقومك إمتى؟”
“لما المغرب يأذّن… أول ما يقول (الله أكبر)، كنت هاصحى لوحدي أساسًا.”
زفرت عبير بقوة وقالت:
“ما فرقتش يا عين أمك…دول ساعة ونص اللي فاضلين.”
“الساعة ونص دول بيبقوا أطول ساعة ونص في اليوم كله، مش بيعدّوا…كل دقيقة
فيهم بمقام سنة ضوئية كاملة…أضيعهم أنا في إيه دلوقتي؟”
زفرت مجدداً
ثم أجابته بنبرة حاولت صبغها بالهدوء:
“انزل اقعد مع أبوك في الورشة!”
هزّ رأسه نافيًا بحنق:
“مستحيل.”
“طب انزل عند جدّك وعمتك!”
“برضه لأ…مش ناقص أنا صداع من دلال.”
“طب انزل شوف صحابك فين وروحلهم!”
تنهد بيأس ثم قال:
“أمري لله وحده…هنزل أشوف أي واحد فيهم أضيع معاه السنة ونص دول.”
وضعت يدها على كتفه وربّتت عليه مرددة بحنان:
“طب قوم يلا…الله يهديك.”
نظر اليها بطرف عينه ثم
أجابها بسخرية:
“حضرتك شايفاني بتنطط ولا بشدّ في شعري؟!”
زفر بضيق ثم نهض من على الفراش واتجه نحو الخزانة، وهو يعاتبها قائلًا:
“عايز أعرف استفدتِ إيه لما قومتيني من النوم؟!”
اتجهت صوب الباب لتخرج من الغرفة، وهي تجيبه:
“أبوك أصلًا هو اللي قالي أقومك، وقال كفاية عليه نوم لحد كده.”
نظر لها موسى بضيق ثم قال:
“طب أدعي عليه في الأيام المفترجة دي دلوقتي ولا أعمل إيه طيب؟!”
أجابته سريعًا برتابة:
“ادعي لنفسك بالهداية وبالزوجة الصالحة.”
أنهت جملتها ببسمة جانبية بدت خبيثة، ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها، بينما طالع هو أثرها وأخذ يتمتم بينه وبين نفسه:
“لسه بتقولي الهداية والزوجة الصالحة!..أستغفر الله العظيم يا رب.”
زفر بضيق بعد جملته تلك، ثم التقط بعض الثياب من خزانته وخرج من غرفته نحو المرحاض مباشرة ليبدل ملابسه.
_______________
بعد عدّة دقائق…
خرج من بيته مرتديًا ثيابه المنزلية؛ كان يرتدي قميصًا بنصف كم رمادي اللون، وبنطالًا أبيض، وحذاءً منزليًا، وقبعة سوداء.
وقف أمام البيت ورمق والده الجالس على المكتب وبجواره عمه مصطفى، وحولهما يعمل العمّال. وعندما تأكّد من عدم رؤية أحدهما له، بدأ يسير في الطريق واضعًا يديه في جيبي بنطاله، يرمق المارّة ويلقي التحية والتهنئة على من يعرفهم منهم.
تابع سيره حتى وصل إلى محل ألعاب الكمبيوتر والبلايستيشن (السايبر)، ودلف إلى المحل حيث كان بعض الأطفال والمراهقين جالسين أمام الشاشات المضيئة، رمقهم موسى سريعًا، ثم اتجه إلى غرفة مجاورة.
دخل الغرفة فوجد كلًّا من كارم ومحسن جالسين أمام شاشة الحاسوب الموضوعة على مكتبٍ في الجهة اليسرى من الغرفة، بينما كان حسين مستلقيًا على أريكة في الجهة اليمنى، أما سامي فكان يجلس على أريكة أخرى مجاورة للمكتب.
“السلام عليكم”
ردّ الجميع السلام عليه، ما عدا حسين النائم،ثم تقدّم وجلس بجوار سامي الذي سأله:
“غريبة يعني…كنت فاكرك في سابع نومة دلوقتي؟!”
تنهد موسى وأجابه بحسرة:
“ربنا يسامحه اللي صحاني بقى.”
ضحك سامي بخفة،بينما الأخر التفت إلى حسين وأشار نحوه برأسه وسأل:
“وماله ده كمان؟”
أجابه محسن بسخرية،دون أن يبعد نظراته عن شاشة الحاسوب:
“ده العادي بتاعه لما بيبقى صايم…بس ما تخافش، أول ما يسمع (الله أكبر) هيطير على البيت، أنت عارف صاحبك روحه في الأكل.”
“طب مانامش في البيت ليه بدل ما هو نايم هنا؟”
التفت محسن اليه هذه المرة وأجابه:
“علشان أمي بتطبخ دلوقتي، فجه هنا علشان يبعد عن أي روايح ممكن تضعفه.”
أومأ له موسى بالإيجاب، ثم سأله:
“وطب وحسن؟”
“شيخ حسن مع بابا في الجامع من صلاة العصر،علشان بيحفظوا الولاد”
“والله ما في أحسن منهم…أنا قلتلكم إن أخوك ده هيبقى خليفة الشيخ سالم.”
أيّد سامي كلام موسى قائلاً:
“إحنا كلّنا متأكدين من كده ما عدا حسن نفسه…لسه مش معترف بده.”
ردّ كارم بصوته الجامد المعتاد، وعينه لا تزال معلّقة على الشاشة:
“بكره يعترف… برضاه أو غصب عنه.”
رمقه موسى بضيق من طريقة حديثه ثم سأله ببرود:
“طب قلّي يا سرسجي…طلعنا كام النهاردة؟”
سكت كارم لثوانٍ ثم قال بسرعة:
“٤٠٠ جنيه.”
زفر موسى بضيق،ثم أردفت وهو يتكأ على أحرف كلماته:
“طلّعنا كام… يا كارم؟!”
زفر كارم بدوره، ثم أبعد يديه عن الماوس ولوحة المفاتيح، فحلّ محسن مكانه مباشرة،ليتجنبا الخسارة في هذه اللعبة المتتعة بالنسبة لهما.
التفت كارم إلى موسى وأجابه ببرود:
“٥٣٠.”
“كنت ناوي تلهف ١٣٠ جنيه لوحدك؟!”
“يا عم أنا أاخدهم باعتبارهم عيدية بمناسبة العيد وكده.”
نظر له موسى بغيظ وقال:
“إنت مش سالك يلا ولا بربع جنيه حتى…طلع الفلوس اللي معاك علشان نقسمهم!!”
“طب استنى لحد ما نقفل بالليل ونقسم مرة واحدة؟”
“لأ…إحنا هنقفل المغرب، ومش هنفتح بقى الليلة دي.”
“ليه؟!”
“علشان يدوبك هنفطر ونروح نصلّي الركعتين، وبعدين نطلع على الساحة ونظبطها مع شباب الحتة علشان العيد.”
هزّ كارم رأسه موافقًا:
“آه، ماشي تمام.”
مدّ موسى يده لكارم قائلًا:
“جيب الفلوس!”
طالعه كارم بضيق، ثم أخرج المال من جيبه وشرع في إعطائه له، لكن سبقه سامي وأخذه بسرعة قائلًا:
“خلّيهم معايا أحسن.”
نظر إليه موسى سريعاً وسأله ببرود:
“واشمعنا بقى؟!”
“علشان حضرتك اللي بيخش جيبك ما بيطلعش.”
رمقه موسى بغيظ، بينما قال كارم:
“طب قسمهم يلا؟!”
“بالليل… لما يبقى معانا حسن، وكمان لما ناخد باقتهم من اللي برّه…بعد العشا نقعد قعدة سداسية ونقسم اليومية.”
ردّ محسن وعينياه مثبتة للشاشة الحاسوب:
“أنا ما عنديش مشكلة طالما هاخد حسابي.”
زفر كارم بضيق، ثم قال بقلة حيلة:
“أمرنا لله…نستنى بقى وخلاص.”
استمع موسى لهم ثم زفر بقوة وملل عيونه بضجر،فيما ثم نظر سامي إليه ،سأله:
“قولي يا موسى… هتفطروا عند جدك زي كل سنة؟”
تنهد موسى مجيبًا بضيق:
“أيوه… أمي ودلال ومراتات عمي كل واحدة بتطبخ في شقتها، وبعد كده هنتجمع كلنا عند جدي.”
علّق كارم بسخرية:
“والله ما عارف إيه لازمته كل واحدة تطبخ في شقتها… ما كانوا طبخوا في بيت جدك ووفّروا مواعين!”
“أنا كمان والله كنت بقول كده… أهو كانوا طبخوا وخلّوا دلال تغسل كل المواعين وخلاص.”
ضحكوا جميعًا على جملته الأخيرة، ثم سأل سامي بنبرة هادئة:
“أنا مش عارف بجد… إيه مشكلتك مع عمتك؟”
رد موسى ببرود:
“مشكلتي إنها عمتي… أو الأصح إنها اتولدت معايا في نفس اليوم. ممكن لو كانت اتولدت قبلي أو بعدي بشوية، ماكنتش علاقتنا هتبقى كده.”
قال سامي بجدية:
“على فكرة علاقتكم ماكنتش كده الأول… أنا فاكر كويس أيام ابتدائي كنتوا إزاي مقربين، كنت بشوفك وانتَ بتستناها قدام العمارة، وبتشيّل شنطتها لما تكون تعبانة، وكنتم دايمًا مع بعض. كنت كأنك الحارس الشخصي بتاعها. يعني، كنتوا زي الإخوات وأكتر… بس معرفش إيه اللي حصل بينكم وغيّركم كده.”
أبعد موسى نظره عنهم وتنهد، ثم قال:
“الدنيا…العيب على الدنيا.”
ردّ سامي بثبات، ونبرة لم تخلو من الصدق:
“ليه كلّما يحصل حاجة نرمي اللوم على الدنيا؟ ليه ما نقولش إن العيب فينا؟ وإننا إحنا اللي اتغيّرنا؟”
كلمات جادة أطلقها سامي، واستمع لها الجميع بانتباه، أما موسى فأغمض عينيه ببطء ثم قال بهدوء:
“قفّل السيرة أحسن يا سامي… وخلي الدفتر مقفول، علشان لو اتفتح، مش هنعرف نقفله تاني.”
رمقهم تباعاً ثم أضاف:
“ومش محتاج أقول إنكم أكتر ناس عارفين اللي فيها… فخلي المستور مستور.”
أسرع كارم قائلاً بجدية:
“بس إحنا ما نعرفش كل اللي فيها!!”
ابتلع موسى ريقه وقال:
“بس عارفين جزء كبير… أما الجزء التاني، فخلوه مستور أحسن.”
ثم حاول تغيير الموضوع:
“فضّوا السيرة بقى… واحد فيكم يقولي الساعة كام؟”
هزّ سامي رأسه بيأس:
“مافيش فايدة فيك!”
زفر كارم، بينما نظر محسن إلى ساعته وأجاب بحنق:
“فاضل ساعة على المغرب.”
“يوه…لسه ساعة كاملة! أنا قلت إن الساعة ونص دول ما بيعدّوش… يلا هيعدّوا زي غيرهم.”
أنهى جملته، وعاد بجسده للخلف على الأريكة، تحت أنظار سامي الذي تنهد بيأس. فبالرغم من محاولاتهم الجادة لجعله يبوح بما بداخله، إلا أنهم دائمًا يصطدمون بجمود بروده، فهو أكثرهم كتمانًا… وبالطبع أكثرهم استفزازاً.
_______________
انقضت الساعة وأُذن المغرب، وارتفع صوت الأذان في المنطقة ليعلن عن وقت كسر الظمأ وملئ البطون،وتجمع العائلة علي طاولة واحدة.
اجتمع مع عائلته في شقته علي الطاولة التي كان يترأسها،وجلس علي يمينه أولاده الأربعة
وحفيده
موسى،بينما جلس علي يساره زوجات أولاده وابنته الصغري دلال.
دعا كل واحد منهم في نفسه بما
يرجوه
من الله،وشكره علي نعمته ودوام محبته وعطائه له،ثم مسح وجهه بكفيه، وعندما
انتهوا
نظروا
لكبيرهم
الذي شرع في التحدث ببسمة صغيرة:
“تقبل الله صيامكم جميعا..،يلا بسم الله”
أصغوا له وشرعوا جميعاً في تناول الطعام،بدأ الجميع بكوب من التمر أولاً ماعدا كل من موسى ودلال اللذان
بدآ
بإحتساء
الماء أولا كما إعتدا أن
يفعلا
دائما عند صيامهم.
شرع الجميع بتناول الطعام
وتمرير
الأطباق لبعضهم؛قدمت عبير طبق من (الفاصوليا) لزوجها داوود مرددة:
“اتفضل”
ابتسم لها داوود وأومأ لها بالإيجاب، بينما هي نظرت لموسى الذي
يجلس
بجوار والده وأردفت:
“كُل مع أبوك ياموسى..انتَ بتحب الفاصوليا البيضا زيه”
نظر لها موسى في صمت لثوانٍ ثم أومأ لها بالإيجاب مرددا بصوت خافت:
“حاضر”
نظر بضيق لطبق الفاصوليا الذي وُضع أمامه دون حراك للحظات،ثم تنهد ونظر لبقية الطعام خاصته وشرع
بالتناول
منه ولكن فجأة وجد طبق من (البسلة) يقدم له من قبل دلال التي تحدثت مع عبير:
“واضح إنك اتلغبطي ياعبير..موسي مش بيحب الفاصوليا وعمره ما أكلها.”
أشارت
للطبق
أمام موسى
ثم أضافت
:
“هو بيحب البسلة.”
انتبه الجميع لها
ولحديثها
وخاصة موسى الذي أُصيب بالذهول وهو ينظر للطبق التي قدمته له،بينما تحدثت منيرة زوجة أحمد مع دلال:
“بس احنا ماقولناش ان احنا هنعمل بسلة؟!”
نظرت لها دلال ثم أجابتها بهدوء:
“أنا عملتها علشاني..أنا بحب أكلها”
نظرت صوب موسى ثم أضافت:
“وقلت اعمل زيادة علشان عارفه إن موسى كمان بيحبها..وبس”
أومأت لها منيرة بالإيجاب،بينما نظرت هي لموسى الذي كان لايزال ينظر للطبق أمامه بذهول، وقالت:
“ايه؟! مش هتاكلها؟؟”
رفع رأسه
وطالعها
ثم أجابها بصوت هادئ حاول صبغه بالبرود:
“هاكل..أنا صايم وجعان أصلا”
“تمام اتفضل.”
شرع في تذوقها وبمجرد أن تناول أول ملعقة كانت الأخرى تلحق بها تباعاً،كل هذا تحت نظراتها هي وابتسامتها الصغيرة التي ظهرت علي وجهها،ولكن فجأة اختفت ابتسامتها عندما سمعت صوت والدها يقول لها بهدوء:
“كملي أكلك يادلال”
نظرت له ثم أومأت له بالايجاب و قالت:
“حاضر يابابا”
نظرت أمامها مجدداً فوجدته قد اقترب من إنهاء
الطبق
فسألته بفضول:
“ايه رأيك؟؟ عجبتك؟؟”
رفع راسه وطالعها ثم قال بعدم اهتمام مصطنع:
“عادي..مش بطالة”
نظرت له بضيق ثم قالت باستنكار لم يخلو من بسخرية:
“مش بطالة وأكلت كل الطبق،أومال لو كانت حلوة كنت كلتني؟؟”
“أنا كلت علشان جعان بس”
“تصدق إن غلطانة إن عبرتك…”
مدت يدها وشرعت في أخذ الطبق مرددة:
“هات الطبق”
أسرع موسى في إمساك الطبق
وإبعاده
عن يديها وشرع في رفعه وتناول كل
مافيه
تحت
نظراتها
المصدومة
،وضحكات البقية.
انهي كل ماكان في الطبق ثم وضعه على الطاولة مردداً ببرود:
“اتفضلي..خدي الطبق.”
رفرفت بأهدابها عدة مرات وطالعته بضيق،بينما هو ابتسم له بخبث ونجح في
استفزازها
بأقل مجهود كما يحدث في العادة.
زفرت الأخيرة بضيق وأمسكت
بالطبق
وكادت أن تلقيه عليه ولكنها تمالكت أعصابها في اللحظة الأخيرة عندما تذكرت هؤلاء اللذين ينظرون إليها.
طالعتهم
دلال بخجل ثم أعادت الطبق إلي مكانه،وأمسكت بالملعقة خاصتها وشعرت بإكمال طعامها_كما فعل البقية_حتي هو الذي استكمل طعامه وهو يبتسم بخفة،بسمة محبة صادقة وشاكرة لتلك التي تذكرت
مايحبه
..
فافي الحقيقة أنها كانت ولازلت أكثر من يعرفه،نظرا
لنشأتهم
معاً منذ الصغر.
________________
مع مرور الوقت…
انتهوا من تناول الطعام،وشرعوا في الإتجاه للجامع لقضاء فرض المغرب،ذهب موسى برفقة جده ووالده وأعمامه الثلاثة إلي الجامع،وصلى معهم صلاة
المغرب
،وبمجرد أن انتهي استغل انشغالهم في تهنئة باقي الرجال وخرج من الجامع واتجه نحو أصدقائه الذين كانوا بإنتظاره في الساحة التي تبعُد عن الجامع بعدة خطوات فقط،والتي ستقام بها صلاة العيد بالغد.
سرعان ماوصل إلي وجهته وألقى التحية والتهنئة علي الجميع قائلا بسعادة:
“السلام عليكم…كل سنة وانتوا طيبين جميعا”
ردوا عليه جميعا السلام وكذلك التهنئة،ثم اتجه هو لأصدقائه الخمسة وقال بحماسة لم يخفيها:
“يلا بينا؟؟”
أومؤا له الخمسة بالايجاب وتحدث سامي:
“يلا طبعاً”
انضم الستة لبقية
شباب
و أطفال المنطقة وشروعوا في تجهيز المكان وإعدادها لصلاة العيد،ابتداء من تنظيفها إلي تزينها وتقسيمها لمنطقة خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء،ووضع مقاعد لكبار السن،وتجهيز بالونات بأعداد ضخمة لإهدائها للأطفال في صباح الغد،الذي ينتظره الجميع من كبيرهم لصغيرهم في حالة من الحماس والبهجة،فافي النهاية إنه صباح العيد.
_____________________
مرت تلك الليلة،وأشرقت شمس يوم جديد،وليس أي يوم بل يوم العيد..
وقف أمام المرآة يرتب خصلات شعره بعدما انتهى من ارتداء عبائته البيضاء،ثم أمسك بزجاجة العطر خاصته ووضع منها القليل،ثم أعادها إلي مكانها.
نظر لنفسه في المرآة ليتفقد مظهره ثم حرك رأسه بالايجاب قائلاً بصوت رخيم:
“برنس”
ابتسم بسمة صغيرة ثم همّ بالخروج من الغرفة حيثُ وجد والدته ترتب ثياب والده الذي ارتدي مثلما ارتدي هو.
تقدم موسى إليهم عندما لاحظاه،ثم انحنى وقبّل يد والده مرددا ببسمة صغيرة:
“كل سنة وانت طيب ياحج”
ربت والده على كتفه بخفوت مررداً بابتسامة:
“وأنت طيب”
اعتدل موسى في وقفته ثم مال علي يد والدته وقبل يدها مردداً:
“كل سنة وانتِ طيبة ياست الكل”
أمسكته والدته من ذراعيه
ثم عانقتنه
قائلة بحنان:
“وانت طيب ياعين أمك..ويارب السنة الجاية أشوفك مع عروستك ياروح قلبي.”
اختفت ابتسامته عندما نبست جملتها الأخيرة،فقال بتهكمٍ بصوت خافت:
“رجعنا تاني”
ابتعد عن والدته بهدوء فتحدث داود حينها:
“يلا علشان ننزل نعيّد علي الحج”
أومأ كلاهما بالإيجاب فترجل
ثلاثتهم للطابق الثاني وولجوا للشقة التي كان باباها مفتوح مسبقاً،ووجدوا الجميع قد سبقهم إلى هنا.
اتجه داوود نحو والده أولاً وقبّل يده مرددا:
“كل سنة وانت طيب ياحج”
ربت محمد علي كتف ابنه وأجابه ببسمة خافتة:
“وأنت طيب ياحبيبي”
ابتعد داوود عن والده وبدأ بتهنئة البقية،بينما تقدم موسى وقبّل يده جده مرددا:
“كل سنة وانت طيب ياجدي”
فعل محمد نفس الشئ وربت علي كتف حفيده مردداً:
“وانت طيب ياحبيب جدك”
استقام موسى واقفاً ثم قال ببسمة جانبية ماكرة:
“ايه؟؟ مفيش عيدية ولا ايه ياجدي؟؟”
أجابه محمد بصوت هادئ لم يخلو من لمسة برود:
“دي عيد لحمة ياجدو”
اختفت ابتسامته وقال
بحنقٍ:
“يعني ايه؟!”
“يعني اللي سمعته… وبعدين أنت كبرت علي العيدية،المفروض انت اللي تدي لعيال العيلة”
“أديهم ازاي وأنا أعيل منهم!!”
ضحك الجميع علي حديثه،بينما تحدث محمد بسخرية:
“كويس إنك عارف إنك أعيل منهم.”
نظر موسى نظرة مطولة نحو جده ثم قال بنبرة خافتة بالكاد سمعها هو:
“ماحضرتك اللي قايل كده.”
انكمش حاجبي محمد وسأله مستفسراً:
“قلت حاجة؟!”
حرك موسى رأسه نافياً وقال ببسمة فاترة:
“لا ولا حاجة ياجدو”
ابتعد موسى عن جده وشرع في تهنئة البقية حتي وصل إلي
دلال
التي تعمدت أن تمد يدها له لكي يقبلها،ولكنه رمقها بضيق وتجاهلها تماماً،ومر من أمامها كأنها لاشئ.
رمقته هي بغيظٍ شديد،بينما هو ابتسم بسمة جانبية منتصرة،ثم التفت لجده الذي شرع في التحدث:
“يلا علشان ننزل نصلي.”
وبالفعل تحرك أفراد العائلة واتجهوا
إلي الساحة حيث اجتمعوا مع بقية أبناء العائلة بلال وفادي وعزت وكريم وزوجاتهم وأبنائهم،واجتمع موسى مع أصدقائه وعائلتهم أيضاً.
تبادل الجميع التهاني فيما بينهم ومن ثم شرعوا في أداء صلاة العيد،أُقيمت الصلاة في جو إعتاده الجميع في مثل هذا اليوم،جو ملئ بالبهجة والسعادة والسرور.
وبمجرد أن انتهوا تطايرت عليهم البالونات التي أعدّها الشباب بالأمس فزادت البهجة أضعاف وخاصة بالنسبة للأطفال،فتلك
الأشياء
البسيطة تجعل الابتسامة تشق وجههم وتُفرح قلوبهم،وتُفرح قلوب من يرى سعادتهم البرئية تلك.
_
____________________
مع مرور الوقت…
سار الستة بالطريق بجوار بعضهم،وكأنهم شخص واحد بعدما توحد لون عبائتهم
،بشكل جذاب ومضحك في الوقت نفسه.
“صحيح ياشباب اعملوا حسابكم بعد الضهر هتساعدونا في توزيع اللحمة”
انتبه
الجميع
لموسى الذي تفوه بتلك الكلمات،وسرعان ماأجابه سامي أولاً بهدوء:
“مفيش مشكلة يابرنس.”
رد كارم أيضاً بينما يشعل السيجار بين شفتيه:
“ومالو ياصاحبي بس ليا الحلاوة طبعا،صح؟؟”
نظر موسى لكارم ثم أجابه بحنقٍ:
“انت اهبل يالا؟! ماأنت كده كده بتاخد.”
ردّ كارن ببرود:
“أنا قلت آكد عليك بس يابرنس”
“ماشي ياباشا.”
نظر موسى للأمام مجدداً وفجأة وقعت عينه علي طفل صغير يرتدي عبائة بيضاء،فالتفت وظل يرمق ثيابه هو وأصدقائه ودون سابق إنذار انفجر ضاحكاً
بشكل أثار ريبة البقية.
نظر له الخمسة بجهلٍ لسبب ضحكاته تلك وأسرع سامي بسؤاله:
“بتضحك عليه فجأة كده؟؟”
تمالك موسى نفسه ثم قال ببسمة واسعة:
“بضحك علي منظرنا،مش شايفين اننا مطقمين بسم الله ماشاء الله علينا.”
بدأ الخمسة بالنظر إلي بعضهم وفجاة انفجروا بالضحك هم أيضاً،وشاركهم هو كذلك
،جتى
تمالك كارم نفسه ثم قال بسخرية:
“طقم جلاليب بيضا ماشية في الشارع.”
استمروا في الضحك علي تعليقه،بينما شرع حسين في التحدث بسخرية:
“تايد للغسيل مفيش مستحيل.”
ازدادت ضحكاتهم أكثر بعد جملة حسين تلك،ولكن سرعان ماتمالك سامي نفسه وسألهم:
“مش تايد ده مقاطعة؟؟”
حرك كارم راسه بالإيجاب وأجاب ببساطة:
“أظن آه..كنت رايح أشتري للحجّة منه في مرة من عند عمي أحمد ومالقتش،وقالي وقتها إنه مقاطعة وبطل يجيبه واديالي بداله حاجة اسمها أوكسي.”
تدخل حسين في الحديث سريعاً:
“آه آه أوكسي..كان ايه؟؟..آه..أنا اخترت اللي يحافظ علي لبسي أنا اخترت أوكسي”
ضحكوا مجدداً علي تعليقه،وتحدث موسى حينها من بين ضحكاته بصوت ساخر:
“فيه ياحسين؟؟..انت حافظ إعلانات مصر كلها ولا ايه؟!”
“البركة في الست الوالده..أصل أنا بقعد معاها وهي بتسمع برامج الطبخ وبشوف الإعلانات دي كتير.”
“ثانية وانتَ بتسمع برامج الطبخ ليه؟؟”
أجابه حسين بسلاسة:
“علشان أقرر معاها هنأكل ايه..ماانا مش هاكل أي حاجة برده.”
ابتسم موسى بخفوت ثم قال بسخرية:
“انت هاتقولي..عارف أنك مش بتاكل اي حاجة..أنت بتاكل كل حاجة ياحسين،مافضلش غير مال اليتيم اللي تاكله.”
ضحكوا مجدداً علي حديث الأخير،ولكن سرعان ماتوقفوا عندما تحدث سامي وهو يشير بطرف عينه صوب محل أحمد عم موسى:
“وصلنا ياشباب،تعالوا نشتري حاجة ساقعة.”
وافقوه الرأي ثم دلفوا لداخل المحل الذي امتلئ بالأطفال كما هي العادة في هذا اليوم.
ألقي موسى السلام علي عوض الذي كان يعمل بمفرده في المحل ويحاول أن يلبي طلبات هؤلاء الأطفال.
“السلام عليكم ياعوض.”
“وعليكم السلام..كل سنة وانتوا طيبين ياشباب”
رد عليه سامي ببسمة:
“وانت طيب ياعوض،احنا هناخد حاجة ساقعة.”
“خدوا اللي انتوا عايزينه..اعتبروا المحل بتاعكم.”
رد عليه موسى بسخرية مشوبة بالبرود:
“ماهو يعتبر بتاعي برده؟؟”
“طالما بتاعك بقى..تعالي ساعدني شوية.”
نظر له موسي بحنقٍ ثم قال:
“ولا أعرفك.”
ضحك أصدقائه عليه،وحرك عوض رأسه بيأس، بينما تقدم سامي نحو الثلاجة وقام بفتحها ثم التفت للشباب وسألهم:
“عايزين ايه ياشباب؟؟”
أجابه موسى أولاً ببسمة صغيرة علي وجهه:
“أنا عايز فيروز…”
طالعه سامي بدهشة خفيفة والأخر ظل يحدق فيه في صمت حتى قال:
“جبلي كانز فيروز اللي فوق دي”
أومأ له سامي بالايجاب مردداَ:
“حاضر..وانتوا ياشباب؟؟”
أخبروه الأربعة بما يريدوه،وقام بإحضاره وأعطى كل منهم ماطلبه،ثم ذهب إلي عوض لدفع الحساب،بينما موسى فكان ينظر ببسمة واسعة لعبوة المشروب في يده وتحديداً لاسم “فيروز” الذي كُتب عليها.
________________
مع مرور الوقت كان يقف في مستودع صغير في الطابق الأول من منزلهم،يشاهد “كمال” زوج عمته الكبري “سامية” وهو يجهز السكاكين لذبح الأضحية.
“بقولك ايه ياعم كمال..”
وضع كمال السكاكين جانباً ثم نظر لموسى مردداً بخفة:
“أؤمرني ياموسى”
لمعت عيناه بحماس طفولي، وانكشف ثغره على بسمة واسعة، وهو يردد:
“حلوة اؤمرني يا موسى دي،اسمع بقى… أنا عايز 15 كيلو لحمه..وعايز رجل.. وعايز 4 كيلو كبده ولا بقولك خليهم 5 ك..”
منعه
كمال من إكمال حديث الأخير مردداً:
“حيلك حيلك في ايه؟! أنا ماليش دعوة بالتوزيع،أنا عليا أدبح بس،وجدك هو اللي بيقسم مش أنا.”
“ماأنا عارف إن جدي هو اللي بيقسم،بس اللي بطلبه ده مالوش دعوة بالتقسيمة.”
“أومال اسمه ايه؟؟”
أجابه موسى ببساطة لم تخلو من لمية بروده المعتاد:
“عيدية…دول عيديتي،أنا طلبت من جدي يديني عيدية بس قالي إن ده عيد لحمة فقررت إن أخد عيديتي لحمة.”
ضحك كمال بخفوت علي حديث الأخير الذي أذهله ثم سأله:
“وهاتعمل ايه في اللحمة دي بقى؟؟”
“هابعها..”
رفع كمال حاحبيه بدهشة خفيفة وقال:
“ياراجل؟!”
أومأ لت موسى بالايجاب وعو يجيبه ببساطة:
“آه،هابعها..أنت عارف كيلو اللحمة بكام دلوقتي؟؟”
رفرف كمال
بأهدابه
عدة مرات ثم قال بجدية:
“موسى..”
“نعم!”
“أنا جزار..قلت أفكرك لو ناسي.”
ضيق موسى عينيه ثم حرك راسه بالإيجاب وهو يدعي التذكر:
“آه..صح”
قلّد
كمال طريقته بطريقة ساخرة:
“آه..صح”
ضحك بخفة ثم أضاف:
“تعرف ياواد ياموسى،أنت أخف دم في العيلة دي”
ضحك موسى بسعادة بالغة وقال بعدم تصديق:
“قول والله؟؟”
“والله”
“طب هتديني اللي طلبته؟؟”
“ماقولتلك جدك اللي المسؤول مش أنا..دي أمانة في رقبتي.”
اختفت ابتسامة موسى وتغيّرت ملامحه مائة وثمانون درجة قبل أن يقول على مضض:
“يعني مش هتديني؟؟”
حرك كمال رأسه بالنفي مردداً بفلة حيلة:
“ماقدرش.”
أجابه موسى بضيق وخو يومأ بخفوت:
“طب استغفر بقى،علشان من دلوقتي مش هتشوف خفة دمي دي ده تاني…عن اذنك ياجوز عمتي.”
أنهى جملته ثم تركه واتجه لباب العمارة لصعد إلى الأعلى،تحت
نظرات
الأخير الذي ظل يضحك عليه وهو يحرك رأسه بالنفي،
ويضرب
كفيه ببعضهما
بيأس وقلتة حيلة.
_____________________
مع مرور الوقت تجمعت العائلة علي مائدة الطعام لتناول طعام العشاء،وكالعادة جلس الرجال في البهو،بينما جلست النساء في الغرفة المجاورة لهم.
نظر محمد نحو حفيده بلال ثم قال:
“متاكد إنكم وزعتوا علي الكل يابلال؟؟”
“والله ياجدو وزعنا علي الكل ماتقلقش،ده احنا من الساعة ٥ العصر واحنا بنوزع،وعددنا كان مساعد والفضل لصحاب موسى.”
أومأ محمد لحفيده ثم نظر لموسي وقال:
“اشكرلي صحابك ياموسى نيابة عني.”
“حاضر ياجدي يوصل.”
أوما له محمد بالإيجاب ثم استكمل طعامه،بينما سكت
الأخير
قليلاً ثم قال ببسمة صغيرة خبيثة:
“صحيح ياجدي..حضرتك دبحت عجلين وجاموستين السنة دي،٢ علشان أضحية العيد و٢ علشان فرح دلال وخالو…المهم أنا بقى هتبدحلي ايه في فرحي إن شاء الله؟؟”
وضع محمد يده علي ذقنه بتفكير ثم قال بنبرة هادئة لم تخلو من السخرية:
“بص ياموسى..أنا لو ربنا ادياني العمر وعيشت لحد ماأحضر فرحك، ولو فكرت أدبحلك حاجة أصلاً،ف هيكون فرختين وأرنب وكتير عليك كمان.”
ضحك الجميع على حديث محمد ذلك،بينما ابتسم موسى بسمة صغيرة ثم قال وهو يربت علي صدره بيده بإمتنان ساخر:
“الله يخليك ياجدي،ده من كرمك والله.”
توقف الجميع عن الضحك وتحدث محمد بودٍ:
“كملو أكل يلا..”
مع مرور الوقت انتهى الجميع من تناول الطعام وتجمعت العائلة بأكملها ومن ضمنهم طارق في بهو المنزل لتناول بعض الحلوى واحتساء بعض المشروبات.
كان الجميع يتبادل أطراف الحديث مع بعضهم البعض،الرجال مع بعضهم،والنساء
والشباب
والأطفال كذلك أيضاً.
ولكن فجأة لفت انتباه محمد جلوس حفيدتيه بعيداً عنهم وكل انتباههما مصوب في الهواتف التي بين أيديهم.
شرع محمد في منادتهم قائلا بحزمّ خفيف:
“عجينه..طينه!!”
توقف الجميع عن التحدث وانتبهوا لكبير العائلة،التي انتبها إليه الفتاتين كذلك،ليشير لهما بالقدوم إليه.
تقدمت إحداهن قائلة بهدوءٍ:
“نعم ياجدو.”
“بتعملوا ايه انتِ وهي؟؟”
“مفيش ياجدو قاعدين علي الموبايل.”
“مش أنا قلت قبل كده إن التجمعات اللي زي دي ممنوع فيها الموبايل ياعجينة.”
رددت بتذمر:
“ياجدو لينا..اسمي لينا ياجدو.”
تحدث الأخري مكملة حديث توأمها بصوت يشوبه البرود:
“وأنا تينا..اسمي تينا ياجدو.”
“وأنا مش هناديكم غير بعجينه وطينه،علشان خاطر أمكم اللي سمتكم الأسامي البايخه دي.”
تدخلت والدتهما _سهير_في تلك اللحظة مرددة:
“يابابا اساميهم حلوة واللع،مش أحسن من الأسامي اللي حضرتك كنت مختارها. ”
نظر محمد صوب ابنتها وأجابه بضيق:
“ومالها الأسامي اللي اخترتها ياسهير،اسامي جميلة من الزمن الجميل..فاتن وعطيات”
ضحك الجميع رغماً عنهم،فرمقهم جميعاً بنظرات صارمة فسرعان ما التزوموا الصمت وحاولوا كبت ضحكاتهم،فشرع هو في التحدث بهدوء:
“سيبكم من موضوع الأسامي ده علشان اللي حصل حصل بقى وبقالكم ١٩ سنة بالأسامي دي..بس أنا هفضل أناديلكم ب عجينه وطينه برده.”
زفرت تينا بضيق بينما تحدثت لينا بهدوء:
“اللي حضرتك تشوفه ياجدو.”
“ماشي ياعيون جدو… كنتوا بتعملوا ايه بقي علي الموبايل؟؟”
أجابته لينا قائلة:
“مفيش كنا بنتفرج علي فيديو.”
“فيديو ايه؟؟”
“فيديو ترند حاليا، تسجيل مسرب لمصنع منتجات ألبان اسمه****”
تدخل بلال في الحديث قائلا بلهفة:
“ثانية انتِ قلت مصنع ايه؟؟”
“مصنع***”
نظر الجميع صوب بلال الذي كان ينظر لزوجته نورهان حينها،فسأله محمد مستفسراً:
“في ايه يابلال؟؟ تعرف المصنع ده ولا ايه؟؟”
نظر بلال لجده ثم أجابه:
“وإلا أعرفه ياجدي،المصنع ده أنا عملت شكوي فيه بسبب اللي حصل لبنتي نور،مش كنت قلتلكم من اسبوع إنها جاتلها حالة تسمم لأن اللبن اللي أخدته كان في مادة مضرة للأطفال،أهو اللبن ده بقي من نفس المصنع”
تفاجأ الجميع من حديثه وأسرعت تينا تقول:
“أهو الفيديو المسرب ده باين فيه إنهم بيخشوا وبيحطوا مواد ضارة في منتجاتهم علشان يزودوا الإنتاج علي حساب الجودة. ”
سألتها نورهان بفضول:
“الفيديو ده منتشر من امته؟؟”
“من أول امبارح،وانتشر بسرعة اوي ومحقق مشاهدات خيالية.”
سألها بلال بفضول:
“طب متعرفيش مين اللي نشر الفيديو ده أو مين اللي سرّبه؟؟”
أجابته لينا بنبرة غامضة:
“واحد معرورف ومش معروف في نفس الوقت.”
لم يفهم أكثرهم ماتقصد بحديثها،أهذا لغز أما ماذا؟؟؟
سألها بلال طالباً لتوضيح:
“يعني ايه؟؟ مش فاهم.”
“اللي نشر الفيديو ده واحد مشهور اوي علي السوشال ميديا بأمور الدعاية والإعلانات والكلام ده وعنده صفحات كتير بيتابعها الملايين،وغير كده هو هاكر شاطر أوي،بس بقي هو مش معروف هويته الحقيقية..هو مشهور ب MF”
انكمش حاجبي بلال وردد الأحرف بتلقائية:
“MF!!”
أومأت
لينا بالإيجاب مرددة:
”
آه،ده بيبقى هاكر جامد أوي،أي إعلان أو فيديو بينزلوا بيحط عليه الرمز MF،حتي صفحته الرسمية اسمها MF.”
وضع فادي يده علي ذقنه ثم قال بتذكر:
“أنا سمعت عنه قبل كده،بيقولوا إن انشهر في أخر ٣ سنين جامد بسبب شغله مع ناس كتير واكترهم أجانب وكده.”
أومأت له تينا بالإيجاب ثم قالت:
“وأنا كمان سمعت كده عنه.”
انكمش حاجبي محمد ثم قال:
“مش فاهم..يعني ايه هاكر ده؟؟”
اقتربت منه لينا وجلست بجواره ثم بدأت بالشرح له:
“يعنى ياجدو، بيخترق أي جهاز إلكتروني،بيخترق الجهاز وياخد كل اللي عليه بسهولة تامة،ويقدر يعمل كل عايزه فيه.”
“دي سرقة كده؟؟”
“يعني نقدر نقول كده برده.”
تدخل موسى في الحديث حينئذ قائلا بهدوء،والذي كان يراقب في صمت منذ بداية الحديث:
“أنا سمعت عن MF ده قبل كده..بيقولوا إنه بيخترق الأجهزة لهدف نبيل،يعني زي مصنع اللبن ده كده،بما انه عنده صفحات متابعين كتير فالراجل صاحب المصنع ده زمانه انفضح قدام الكل واتكشف وهيتحاسب عن اللي عمله،وأظن إنه يستحق العقاب.”
أيد بلال حديث الأخير قائلا بجدية:
“معاك حق،هو فعلا يستحق اللي هايحصل فيه،تخيل كام طفل وبني أدم اتألم بسببه!!”
أومأ محمد رأسه بالايجاب ثم قال:
“طب هو استفاد ايه من اللي عمله ده؟؟”
أجاب موسى جده قائلاً بجدية:
“كشف وش شخص مخادع للناس،حاجة زي بيكشف الفساد للناس كده ياجدي.”
“طب والله عال، ده علي كده الواد ده راجل جدع أوي.”
أومأ موسى لجده بالايجاب ثم قال:
“أظن كده برده… يلا ربنا يسهله ياجدي.”
“علي رأيك… ربنا يسهله.”
“بس أنا هموت وأعرف هويته الحقيقية ياجدو. ”
نظر محمد لحفيدته لينا ثم قال بسخرية:
“دوري عليه واسأليه.”
ضحك الجميع علي رد محمد هذا، بينما موسى فابتسم بسمة صغيرة جانبية بالكاد ظهرت زاوية فمه، ثم ردد بنبرة جادة خافتة:
“M..F!!”
_________________
وبكده يبقى البارت خلص أتمنى يبقى عجبكم…
كتابة/أمل بشر.
رأيكم؟؟
توقعاتكم؟؟
دمتم بخير..سلام.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.