رواية مغرم بك – الفصل الرابع عشر
الفصل الرابع عشر
الفصـل الـرابع عشــر
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــ
في الاسكنــــدرية……
عكر صفو حالتها من كلماته الحمقاء التي قالها لها لتعود تاركة حتى ابنتها لم تشفى بعد، جلست نور بغرفتها تفكر بتعمقٍ في تبدل فكر ابنها فجأة ليخاطبها بتلك اللهجة الجديدة والتي ادت لإنقشاغ تبرمها، نفخت بتحير وانزعاج فقد أثر ذلك عليها، ولج زين الغرفة عليها بعدما عاود من شركته وذلك حين علم بعودتها، انفرجت شفتاه بفرحة جلية وهو يتدرج نحوها متلهفًا، قال بتشوق:
– حبيبتي رجعتي
انتبهت له نور وهي جالسة على الأريكة ثم نظرت له مطولاً دون أن تتحدث فاستغرب، دنا زين ليجلس بجوارها متابعًا بدهشة:
– حبيبتي فيه أيه، وليه مقولتيش إنك راجعة؟!
ثم ملس على شعرها بلطافة وهو يقبل وجنتها بحب، لبعض الوقت ظلت نور واجمة والدموع تتجمع في مقلتيها فقلق أكثر عليها، إرتمت على صدره باكية دون صوت فهتف بذهول:
– نور حبيبتي، احكي فيه أيه بسرعة بتخوفيني عليكي!!
ردت بنحيب خفيض وهي تستجمع كلماتها:
– زين أنا وحشة؟
رد بعدم فهم:
– ليه بتقولي كده يا حبيبتي؟!
ردت محاولة الكف عن البكاء وهي تبتعد عنه قليلاً:
– آيان!
هذا ما فهمته نور من حديث ابنها لها، هتف زين باستنكار:
– معقول آيان هيقول عليكي وحشة، دا دايمًا بيقول مش هتجوز واحدة أقل من جمال مامي
كفكفت عبراتها ثم ردت موضحة وقد احتقنت عيناها:
– قالي إني مينفعش ألبس مايوه، يعني شايفني كبرت عليه وإني مبقتش صغيرة
فطن زين سبب كل ذلك فابتسم ليضمها لصدره مهونًا عليها، قال بدراية:
– أكيد مش عاوز حد يشوف مامته كده، كبر يا نور وتلاقيه بيغِير عليكي ومش قابل تقلعي قدام حد
اقنعتها كلماته تلك لتتهلل قليلاً في نفسها، ردت بتأمل:
– تفتكر؟!
ابتسم ليرد بمزاح:
– هو كدا يا حبيبتي، وبعدين إنتي هتفضلي صغيرة في عيني وحبك جوة قلبي
ابتسمت نور باستحياء رغم أن حديثه العاشق هذا دائمًا ما يردده لها، نظرت له بوجهها البريء ليحدق في عينيها التي أسرته، قالت بعشق:
– وإنت حبيبي، عمرك ما زعلتني مهما عملت أنا!
أظلم عين واحدة وهو يصحح حديثها بمكر:
– لا مش صح أنا ضربتك مرة واحدة، فاكرة
ضحكت برقة وهي تقول بدلع:
– ضرب الحبيب زي أكل الزبيب
رد بنبرة موحية:
– عاوز أروح العوامة!
شهقت ضاغطة على شفتيها بخجل، نظر لها متابعًا بخبث اعجبها:
– الواد استولى عليها، بس في ألمانيا هنرجع كل حاجة……..!!
_________________________________
جلس في غرفته بداخل الفندق يهز قدميه بحركة عصبية وهو يعود بذاكرته للخلف متذكرًا موقفه الوخيم الذي وضع فيه ليعلن بداخله أنه ربما فخًا نصبته له، تنفس مازن بغضب وهو يتذكر تهديدات والدها له التي جعلته يرجف برهبة منه…..
عــودة لـ ليلة أمــس…
اعتلت الصدمة الممتزجة بالخوف طلعته حين شهر سلاحه الناري في وجهه ليثأر من شرفه التي دنسته ابنته، هدر السيد عيسى بغضبٍ مدروس:
– اتشاهد على روحك إنت وهي!
اختبأت حافصة خلف مازن متحامية فيه وهي تنتفض برعب من تهور والدها فهي تعرف طبعه الصعيدي ليتصرف بطيش، هتف مازن بحكمة ليخرج من هذا المأزق الملموس:
– أنا والله ما عملت حاجة، أنا ممكن اتجوزها، هتودي نفسك في داهية والكل هيتكلم
رمقه السيد عيسى بنظرة عدائية وكاد أن يصوب عليه أولاً فأكمل مازن بتوسل ممتزج بالتروي وهو يرفع كفيه في وجهه كنوع من الحماية:
– متخليش الموضوع يكبر محصلش حاجة صدقني، قولت هتجوزها
أخفت حافصة فرحتها لتترقب الآن ردة فعل والدها، فكر السيد عيسى في الأمر لكن طبعه الشرقي يغلب ليدفعه للثأر، لكن مهامه التي جاء من أجلها ومكانته يحسوه على تسوية الأمر بالهدنة فسوف ينتهي حتمًا إذا اندفع في ردة فعله ليذاع ما حدث وستنحدر هيبته حتى القاع، وابنته أيضًا متأخرة في الزواج فلم يرفض زيجة جيدة كهذه، قال بحزم وهو يشدًد من إشهار سلاحه في وجهه:
– بكرة جوازك منها!
هز مازن رأسه بطاعة عمياء وقلب يرجف قائلاً:
– تحت أمرك اللي تشوفه……!!
عــودة للوقت الحــالي……
تنهد مازن بصعوبة شاعرًا بالإختناق وقد عبست تعابيره، يرفض عقله الزواج على خلود، هو ما زال يحبها وبعده عنها ما هو إلا عقاب، لكن لم يُرد يومًا أن يصل الأمر حد الزواج عليها، ظل كامدًا يفكر في القادم وكيف سيعلن أمام الجميع زواجه المفاجئ من هذه الفتاة التي لم يعتاد عليها بعد، والتي لم يرتاح لها منذ حاولت الإقتراب منه، قال بيأس:
– هاعمل أيه مش بإيدي، أنا كنت هموت وقتها……..!!
_________________________________
في القـــاهــرة……..
بداخل مكتبه باشر في مراجعة ما فاته من أعمال مختزنة ومنتظرة مجيئه، جلس أيهم يتابع بعض المهام وهو ينفث دخان سيجارته، طالع أيضًا بعض الأوراق التي أمامه باهتمام، كان من ضمنها ورقة ما شدت إنتباهه ليستفسر عنها حين خاطب ماجد الجالس مقابيله:
– أيه الورقة دي ومين الراجل ده؟
ألقى ماجد نظرة سريعة على فحوى الورقة بعدما أخذها منه قائلاً بتفهم:
– دا رجل اعمال صعيدي وبعت ياخد معاك ميعاد، طالب يتكلم معاك في موضوع مهم
– إنت تعرفه؟!
سأل أيهم بترقب وفضول، رد ماجد بشيءٍ من الإطلاع:
– أيوة حاجات الكل يعرفها، هو راجل أعمال معروف وعنده علاقات مع ناس مهمة قوي، واللي عرفته إنه في اسكندرية دلوقتي بيعمل شغل!
زم أيهم ثغره وهو يعاود الإطلاع على محتوى الورقة، قال بمعنى لا مشكلة:
– خلينا نشوف عاوز أيه ده كمان!
ثم انتبه له أيهم يسعُل بشدة، ما ادهشه أنه يدخن سيجارة، عقد حاجبيه متابعًا باستنكار:
– أول مرة أشوفك بتشرب سجاير
توقف ماجد عن السُعال ليرد بوجه عابس:
– بتعلم أشرب سجاير
أطفأ أيهم سيجارته ثم هتف بعدم استيعاب:
– اتجننت ولا أيه، في حد عاقل في العُمر ده عُمره ما شرب سجارة ويجي يتعلم يشرب وهو أصلاً مش عارف
رد معارضًا وهو يطفئ سيجارته:
– عادي يعني ما إنت بتشرب وفي سني ومراتك بتحبك وهتموت عليك، دا بدل ما تشجعني
لم يتفهم أيهم مغزاه من حديثه هذا ليبدو أحمقًا أمامه، تأفف أيهم من سماجته الدائمة قائلاً بعدم إكتراث منه:
– بافكر أعمل حفلة صغيرة دعايا للمصنع، فكرة حلوة مش كده؟!………
__________________________________
في الاسكنـــدرية……..
جلست بجانب والدتها وهي ترتب متعلقاتها الخاصة من المشغولات الذهبية وغيرها داخل صندوق راقٍ من المعدن المرصع بماء الذهب، ترددت لين في مفاتحة والدتها بشأن علاقتها بـ آيان ولكن لما لا تكون مساعدًا لها بشكل محفز أكثر لتسهيل اندماجها معه، تنحنحت لترد باحتراس:
– مامي كنت عاوزة أكلمك في حاجة كده!
ردت مريم باهتمام رغم استمرارها في صف المتعلقات:
– قولي يا حبيبتي سمعاكي
ابتلعت لين ريقها بصعوبة لترد بتلجلج:
– كنت عاوز أسألك هو حضرتك مش كنتي كلمتي طنط نور على جوازي من آيان!
ادارت مريم رأسها لها لتترك ما بيدها قائلة بمعنى:
– أيوة كلمتها وقالت هتخلي بابا يكلمه ولما سألته قالي خلاص أسيبله الموضوع
سألت بعبوس:
– يعني كلمه ولا لسه، مامي أنا باحب آيان قوي ونفسي يتجوزني أنا
مسحت مريم على خدها مرددة ببسمة لطيفة:
– متخافيش هيكون ليكي، هو ميقدرش يرفض طلب لجدك ويزعله، آيان بيحب جده قوي والكل عارف معزّته عنده!
انفرجت شفتاها لتهتف بتبهج:
– يعني خلاص أطمن إن آيان هيكون ليا؟
ردت بتأكيد شديد:
– إطمني خالص، بابا وعدني ولما يقول كلمة بينفذها، أنا منساش أبدًا وقت خلى زين يتجوز نور وهي عيلة صغيرة رغم إنه مكنش موافق، ودلوقتي هي كل حياته!
– يعني آيان لو اتجوزني ممكن يحبني
استفهمت لین بشغفٍ فردت مریم بثقة:
– بكرة لما تبقوا مع بعض هيتعود عليكي، العِشرة بتفرق كتير
ابتسمت لين باغتباط كون الجميع يعاونها في الإرتباط به لتزيد فرصتها معه، ناهيك عن معاونة أخيها لها، قالت بتمنٍ:
– يا رب يا مامي يكون ليا!
عاد حسام من الخارج فانتبهت حواس مريم له لتحترس في كلماتها التي لم تعجبه، حذرت ابنتها قائلة:
– خلاص متتكلميش في الموضوع ده بابا رجع، ما إنتي عارفة أبوكي كويس
هزت لين رأسها مرددة بامتثال:
– حاضر يا ماما هسكت…………..!!
_________________________________
في شــرم الشيـــخ……
ظل يطعمها بيديه ولم يستمع لحديثها بأنها اكتفت لهذا الحد ليقاط لها العديد من الطعام الصحي حتى تشفى وتستعيد صحتها، طاوعته ماريان لتأكل فقط حبًا فيه بعدما أصر، ابتسم لها ريان بود فبادلته الإبتسامة بوهن وهي تأكل من يده ولم يتخلى عن إبراز تحنّنه، قالت بعدما شعرت بالشبع الحقيقي:
– كلت كتير يا ريان، شبعت بجد صدقني!
امتثل ريان لرغبتها قائلاً بعدم رضى:
– حاضر يا حبيبتي اللي تشوفيه، بس إنتي مكلتيش كتير
– إنت اللي مدلعني
قالتها بنعومة جعلته ينفض موضوع الطعام جانبًا ليتأملها بحب، بإهمال وضع الصينية على الكومود ليعود ملتصقًا بها فتوترت قائلة بتذبذب:
– عاوز أيه؟!
حاوط وجهها بكفيه ولم يرد بل انحني ملثمًا إياها بقبلة متيمة مفتونًا بها، ابتعد بعدها ليقول بمزاح:
– بحب أمك قوي
شهقت مرددة بغرابة:
– بتحب أمي؟!
ضحك بخفوت موضحًا بنظراتٍ والهة:
– علشان جوّزتنا لبعض، أنا بأحبك يا مريان قوي فوق ما تتصوري
ابتسمت بخفوت ليميل عليها متابعًا تعميق قبلته فبادلته إياها، بغتةً ولجت نور عليهما لتطمئن عليها فرأت ذلك المشهد الذي قلب أحاسيسها وأشعرها بشيء ما انتقص بداخلها، زاغت لوهلة فقط لتعود لواقعها المؤلم بعدما ابتعدا الاثنان منتبهين لها، توتر ريان ليبتعد مسافة معقولة عن ماريان وهو ينظر لاخته الكبرى بتكهن، في حين أخفضت ماريان رأسها بحرج، ازدردت نور ريقها لتقول بأسف:
– باعتذر جيت في وقت مش مناسب
ثم استدارت لتعود ادراجها مغلقة الباب خلفها قبل أن تنفجر أمامهما فهي أكبر منهما ولم يهتم أحد بها، اثناء سيرها لغرفتها قابلتها والدتها في الطريق فسألتها باستغراب:
– لحقتي تطمني على ماريان؟
مرقت نور من أمامها مكملة سيرها وهي تحبس دموعها دون أن تنطق بكلمة فتتبعتها نظرات سلمى المشدوهة، بحسها تيقنت سبب ضيقها، خاطبت نفسها بأسى:
– ربنا يهديكي يا نور ويفرحك، حاسة بيكي يا حبيبة ماما، مكنش بإيدي يتجوزوا دلوقتي
ثم صمتت لتتنهد متابعة بحنوٍ:
– قلبي مش هيرتاح غير لما اطمن عليكي إنتي……….!!
__________________________________
في القـــرية…….
استغلت غياب رسيل عن المزرعة لتنفذ ما فكرت فيه من مدة وتحمست أن تعطي لنفسها نفس صيتها في القرية وأن تفتعل ما كانت تقوم به حين تأتي، امتطت جيسي الجواد الخاص بـ رسيل ثم انطلقت به لتخرج من الإسطبل لتأخذ جولة به وسط الأهالي وهي تبتسم بثقة، فور تخطي الجواد عتبة الإسطبل حتى تذمر رافضًا التكملة ليهتاج بشدة وقد ارتعبت من ردة فعله التي لا تبشر بخير، بحركةٍ متشنجة قام بطرحها أرضًا فصرخت مستغيثة:
– عمرو إلحقني!
دفعه صراخها المتواصل أن ينتبه له وهو بداخل مكتب والده ويستجيب للنداء تاركًا ما بيده من أوراق ثم ركض للخارج متوجهًا ناحيتها، هتف بدهشة وهو يركض نحوها ويتأملها وهي مستلقية على الأرض:
– حصل أيه، إنتي وقعتي؟!
ثم انحنى بكامل جسده عليها ليجعلها تعتدل فتألمت جيسي وهي ترد بتأوه:
– الحصان وقعني
بدا عليه القلق لينهض تاركًا إياها تتألم ثم التفت للحصان لينتبه بأنه مفكوك الوثاق ثم مرر يديه على سائر جسده متفحصًا إياه بدقة قائلاً بنبرة استفزتها:
– والحصان حصلّه حاجة؟!
رمقته بنظرات مغلولة وهي تصر أسنانها ببعضهما، هتفت بغيظ:
– إنت بتطمن على الحصان وسايبني؟!
وجه بصره نحوها ليرد معللاً:
– الحصان لو اتأذى مالوش علاج وممكن يموت، إنما إنتي شايفك كويسة وهيكون حصلك أيه يعني؟!
لمعت العبرات في عينيها مستاءة من عدم مبالاته، مسد عمرو على الحصان ليهدأ من روعه، عاود النظر لها ليجدها كما هي فشعر بأنه تمادى معها، تحاملت جيسي على نفسها لتنهض بمفردها فأسرع بخطواته نحوها ليعاونها، نفضت يده قائلة برفض قاطع:
– متلمسنيش، روح إطمن على الحصان
تجاهلها ليجعلها تنهض قائلاً بتبرير:
– حبيبتي الحصان بتاع رسيل ومش عاوزها تقول عملنا فيه حاجة
رغمًا عنها استندت عليه، قالت بحزنٍ مضمر وقد جرح قلبها:
– ممكن توصّلني لحد فوق……..!!
__________________________________
في الأسكنـــدرية……….
سعد والده بخبر زواجه بعكسه هو، رحّب السيد عبد الحميد بتلك الزيجة ليناسب هذا الرجل المعروف وبالطبع سيزيد الترابط أكثر ليرقى بنفسه، جلس مازن بينهم مشدوها حتى لم يلقي نظرة واحدة على حافصة التي لم تزيح نظراتها المتهللة عنه، مالت عليها أختها لتهمس في أذنها لاویة فمها ساخرة:
– ماله زي ما يكون مش طايق نفسه كده ليه؟!
ردت حافصة بعدم إكتراث:
– المهم إنه بقى ليا، بكرة يتعود عليا وهنسيه أهله!
همست حنان لها مادحة فكرها الماكر:
– دا إنتي داهية، مكنتيش خايفة ابوكي يخلص عليكوا امبارح
ردت بثقة وهي تتغنج في جلستها:
– لما أحط حاجة في دماغي بنفذها، وكمان دا باين عليه جبان، على طول طلب يتجوزني لما ابوكي رفع عليه السلاح
ردت حنان متنهدة بحمد:
– كويس إن الموضوع إنتهى على خير، بس على الله ميكونش شك إنه مقلب عاملينه أنا وإنتي عليه
لكزتها في جنبها فتألمت الأخيرة بخوف، همست بتنبيهٍ جاد:
– وطي صوتك لحد يسمعك، خلينا نخلص الموضوع على خير…!!
انتهى عقد القران سريعًا فهتف السيد عبد الحميد بصدرٍ رحب:
– الست حافصة خلاص بقت زي بنتي سيرين، هترجع البلد معانا إن شاء الله ولو عايزة بيت مخصوص نعملها
ابتسمت حافصة بخجل مصطنع، بينما انزعج مازن وتأفف لكنه اخفى ذلك بل ملامحه أعربت عن استياءه، رد السيد عيسى بتفهم:
– دا العشم برضوة يا حاج!
رن هاتف مازن فنظر للشاشة ثم ارتبك فهي خلود، وزع انظاره الخاطفة على من حوله قائلاً باطراقٍ حزين:
– عن إذنكم جالي تليفون مهم!
ثم نهض مبتعدًا عنهم فراقبته أعين حافصة بفضول مستشفة مع من سيتحدث وتنهدت بضيق، بينما وقف مازن بعيدًا ليرد مدعي الثبات:
– فيه أيه يا خلود؟
لم تجيب هي بل نطق طفله الصغير تلقائيًا:
– بابي
اخرج قلبه دقة فرحة من سماع صوت ابنه، هتف مبتسمًا باتساع:
– حبيب بابي وحشتني
هنا اخذت خلود الهاتف من الصغير لترد هي بتذلل:
– وأنا كمان موحشتكش
ابتلع غصة في حلقة كالعلقم المر، لم يوبخها كالمرات السابقة بل قال بكل هدوء رغم تصارعه الداخلي:
– خلود انا اتجوزت…….!!
__________________________________
في القـــاهـرة……..
لم تبغض سميرة رغبتها في إنجاب فتاة لتدرك تعلقها بالأمر، عاينت الثياب التي جلبتها معها ببسمة رقيقة ثم تأملت فرحتها من ذلك حين دعتها رسيل لرؤية ما جلبته بداخل غرفتها، حيث ابتاعت رسيل العديد من ملابس الفتيات الصغار قبل عودتها، هتفت رسيل بانشراح:
– أيه رأيك يا عمتو، يجننوا مش كده؟!
ردت سميرة بألفة:
– حلوين قوي يا رسيل، طيب ليه جيباهم من دلوقتي؟!
سألتها بتعجب فجاوبت رسيل بتمنٍ:
– عجبوني وأنا باشتري حاجات لرسيل، قد أيه حلوين لبس البنات البيبي يا عمتي، قلبي ما طوعنيش ما اشتريش حاجة، ومش خسرانة حاجة ما أنا هحافظ عليهم لحد ما ربنا يكرمني!
نظرت لها سميرة قائلة بحذر:
– طيب ورأي أيهم أيه؟
اندهشت رسيل من سؤالها لبعض الوقت لكن سرعان ما تفهمت عليها، ردت باقتطاب:
– تقصدي إنه ممكن يمنع أخلف تاني، لأ أنا براحتي، وما أظنش يزعلني تاني، أنا اشتريت اللبس قدامه علشان يعرف إني مش هتخلى عن رغبتي!
ضمت سميرة شفتيها قائلة بتروٍ:
– طيب على الأقل استني شوية، على ما تخلصي السنة دي في الجامعة، دا إنتي مبقالكيش غيرها!
رغبتها دفعتها لعدم التريث، قالت بعدم اهتمام:
– المهم يكون عندي بنت، خلصت جامعة أو لأ!
ثم قامت بترتيب الثياب في الحقيبة فقالت سميرة بدراية:
– رسيل إنتي لسه صغيرة، عارفة إنك عاوزة بنات بس مش كده، عيشي حياتك الأول وبعدين هاتي تاني، ولادك جايين ورا بعض وصغيرين، وفترة الجامعة بتاعتك معشتهاش كويس!
– ويا ريتك تعرفيها تهتم بجوزها كمان
هتف أيهم بتلك العبارة وهو يخطو للداخل منضمًا إليهن، ارتبكت سميرة قليلاً فنظرت له رسيل مرددة بتكشيرة:
– ليه ناقصك حاجة؟!
نهضت سميرة لتخرج من ذلك الجدال الدارج بينهم قائلة بحرج:
– طيب هامشي أنا
ثم تحركت نحو الخارج سريعًا لتعبر من أمام أیهم دون کلمة، نهضت رسيل هي الأخرى لتقف أمامه هادرة بانفعال:
– تقصد أيه بكلامك بقى؟
نزع تلك السترة ليخفف مما يرتديه، رد ناظرًا إليها بصلابة:
– رسيل كلميني كويس، مش معنى إني باحبك تعلي صوتك وتكلميني كده، أنا بقلب في ثانية!
رأت التهديد في نبرته فاعتلى ثغرها بسمة استفزته، قالت بثقة وهي تذكره بكلامه السابق:
– فاكر هخاف تبص لغيري، متقدرش تعملها علشان إنت بتحبني أنا وبس
كبح انزعاجه من ذلك لتستغل إذاعة حبه لها الدائم، نظر لعينيها الزرقاء بحدة قائلاً بنبرة توجست منها:
– رسيل بتقابلي حبي ليكي بعدم اهتمام وبتستغلي تعلقي بيكي علشان عارفة إني باحبك، بس أنا مش هاقدر استحمل كل ده منك…………..!!
__________________________________
في الأسكنــــدرية……..
– وقالك هيسافر إمتى؟!
استفهمت مريم بذلك حين أخبرها حسام بسفر زين ونور، رد بمفهوم وهو يرتشف من قهوته:
– الليلة!
صبت مريم قهوتها هي الأخرى وهي منحنية بجزعها ثم اعتدلت لتتحرك جالسة بجانبه على الأريكة، ابتسمت بتهكم وهي تقول باستياء:
– طبعًا سفر وخروجات لكل مكان، كل حاجة بقت بتاعته خلاص
تأفف حسام من حديثها الحاقد قائلاً بعتاب:
– مريم أوقات باحس إنك بتحقدي على أخوكي، على فكرة زين تعب جدًا على ما وصل لمكانته دي، عيب دا إنتي اخته!!
تجاهلت مريم حديثه الأرعن من وجهة نظرها حينما اشاحت بوجهها، تابعت حسام محركًا رأسه بمعنى لا فائدة:
– مش هتتغيري أبدًا، على فكرة باباكي مسافر معاه علشان يتعالج، مش بس اللي بتفكري فيه إنه رايح يتفسح
وجهت بصرها له مرددة بحنق:
– فكر في ولادنا شوية، شوف زين ابنك بيشتغل عنده وناسي نفسه وابنه مدلع وعايش سنه
هتف حسام باعتراض:
– على فكرة زين هو اللي بيحب خاله ومش مضغوط بالشغل معاه، ويا ريتك تسيبيه في حاله بلاش كلامك معاه إنه ممكن أخوكي يفضله ويحن عليه بحاجة، ابنك مجتهد حبتين
شردت مريم في حديثه فهي تريد ارتباط ابناءها بأخيها، خاصة ابنتها لين التي ستسعى جاهدة لتتزوج بابنه، فهي لن تجد لها زوجًا بمعنى الكلمة غير آيان، حدثت نفسها سرًا:
– هاعمل المستحيل علشان آيان يتجوز بنتي!!
قطع حديثها الواجم اقتراب ابنتها الصغيرة فاطمة حين خاطبها حسام بتودد:
– قربي يا حبيبتي
إلتفتت مريم لابنتها فردت الفتاة برقة:
– كنت عاوزة اروح عند رحمة شوية
اجلسها حسام على فخذه قائلاً بطاعة محببة:
– حاضر يا حبيبتي هتروحي
تدخلت مريم لتقول بنبرة غير مفهومة:
– قومي إلبسي وبالمرة نسلم عليهم قبل ما يسافروا ……..!!
_________________________________
وقفت أمام باب العوامة متأهبة لطرق الباب ولمقابلته، طرقته زينة بتوتر داخلي بعكس الثقة والقوة التي رسمتها كي لا يستخف بها، من المرةِ الأولى كان قد فتح لها فانتفضت فجأة مما جعله يخفي ابتسامته، قال بقتامة:
– ادخلي!
اخذت حذرها منه لذا ردت بتحفظ:
– أنا جيت زي ما طلبت، يلا هاتها!
ضحك بسعادة فهي فرصته معها وذلك ما زاد استغرابها، بحركةٍ مباغتة سحبها لتلج وفي ثوان كان موصدًا الباب ليلصقها به من الداخل وهو أمامها مباشرة، ارتجفت معلنة توجسها منه خشية اقترابه منها بطريقة ما مستقبحة، هتفت بأنفاس مضطربة:
– اوعى تعملي حاجة!
رمقها بنظرات مباحة على سائر وجهها وقد بدا عليه التمني، قال بسخط:
– على أساس مش خايفة مني وجيتیلي برجليكي، فين الثقة يا حبيبتي، نسيتيها وإنتي جاية؟
قالها باستهزاء فازدردت ريقها في توتر وخوف، دنا بوجه عليها فشهقت برعب لتميل برأسها للجانب محذرة بهياج:
– لو قربتلي هوديك في داهية وممكن اقتلك!
أطلق ضحكة مستخفة به ليقارن بين قوة جسمانه وجسدها النحيل الذي تملك منه بسهولة، رد بلهث:
– مش هتقدري تبعدیني، تفتكري هضيع اللحظة دي؟!، مش هسيبك يا زينة، هوريكي ولاد الشوارع بيعملوا أيه!!
اختلج بدنها أكثر ثم بتمكنٍ كتف ذراعيها خلف ظهرها جاذبًا إياها إليه وبيده الأخرى نزع حجابها لتطلق العنان لصراخاتها المستغيثة، تجاهلها ثم قام بفك شعرها المعكوص حتى انسدل على كتفها ووجهها، تشنج جسدها محاولة التملص منه فلم تستطع، سحبها لتسقط معه على الأرضية ليتمكن منها أكثر فبكت زينة حين استباح فك أزرار بلوزتها لتظهر ملابسها الداخلية فشعرت بالإنكسار حين انكشفت عليه، هنا تعالت صراخاتها أكثر لتنادي مستنجدة وهي تبعده بيديها:
– زين إلحقني!
توقفت أعضاء آيان للحظة مشدوهًا مما نطقت به للتو فاستغلت هي ذلك لتتراجع قليلاً، وعي سريعًا لما يحدث حين دُق عليهم الباب بعنف، هتف زين من الخارج بنبرة غاضبة:
– آيان افتح الباب بسرعة، زينة قالتلي على كل حاجة
نظر لها آیان وهي تبكي في صمت على حالتها المبعثرة ويديها على صدرها، قبل أن يفكر آيان حتى كان قد استخدم زين قوته ليكسر الباب، خشيت زينة رؤيته لها هكذا ثم بعفوية منها اختبأت في آيان والذي بخفة يد كان ساحبًا حجابها ليلقيه عليها لتستر شعرها فاسرعت في تغطية نفسها، ولج زين عليهما فاهتاج آيان من تصرفه، نهض ليوبخه لكن الأخير قابله بلكمة قوية رغم شدتها لم يهتز جسده، بادله آيان اللكمة بأخرى ثم التالية وهو يهتف بتوعد:
– إنت إزاي تدخل بالشكل ده؟!
كانت قوة آيان تفوق زين لطوله عنه لكن غضب زين من عدم احترامه له كونه أكبر منه بالعُمر ويتطاول عليه، هتف زين بعصبية وهو يستجمع قواها ليؤدبه:
– إتجننت يا آيان بتمد إيدك عليا، وكمان جايبها هنا عاوز تغتصبها
ثم قام بصفعه مكملاً بنظرت شرسة:
– تعالى اضربني يلا
تقلصت قيمة آيان بصفعه له خاصة أمام زينة، التفت لها ليراها، لكن أين هي؟، وزع انظاره حوله فلم يجدها، هتف بقلقٍ جم:
– زينة فين؟!
لاحظ زين هو الآخر عدم وجودها فردد بتوجس:
– يادي المصيبة راحت فين؟، ادخل جوة شوفها وانا هدور عليها برة، تبقى مصيبة لو كانت خرجت وهي كده
امتثل آيان لحديثه ثم تحرك ليبحث عنها في جميع غرف العوامة فربما اختبأت في الداخل، بينما أسرع زين نحو الخارج ليبحث عنها ………!!
___________________________________
في القـــاهــرة…….
هبطت الدرج على مهلٍ رغم شغفها لمعرفة هذا الزائر التي لم تره من قبل والمدعي قرابته من زوجها، تقدمت سالي بخطواتها الهادئة نحوه وهي تحدق فيه من الخلف فهو يوليها ظهره ليتطلع على بعض الإطارات المعلقة بالحائط، وقفت لبضع لحظات ثم تنحنحت لينتبه لها، استدار على الفور ليتقابل معها، تأملها لبعض الوقت وكذلك هي فهو رجل في أواخر الأربعينات لكن من بنيانه يبدو عليه الشباب واللياقة، قال بجلادة:
– أنا ماجد ابن عمة يوسف
ردت سالي بترحيب:
– أهلاً وسهلاً إتفضل
ثم أشارت على الصالون في بهو الفيلا فتوجه بصحبتها ليجلسا فيه، افتتح ماجد الموضوع قائلاً دون مقدمات:
– بصراحة أنا رجعت من برة لما وصلني خبر مرض یوسف، فجيت اطمن عليه
ابتسمت سالي بسخرية جعلته يتضايق من ردة فعلها، هي تعلم بأن زوجها مقاطعًا لأهله الذين يقطن اغلبهم في الخارج، ردت بنبرة فظة:
– جاي تطمن عليه ولا تشوف هيموت إمته علشان تورثه؟!
انزعج ماجد من وقاحتها فنهض من جلسته هاتفًا بتحذير:
– إحترمي نفسك، مش عارفة بتكلمي مين، أنا ماجد الجديري يعني أشتريكي إنتي وعيلتك كلها!!
نهضت هي الأخرى هادرة بانفعال من سبّه العلني لها:
– إمشي إطلع برة، ويا ريت ما أشوفش وشك تاني، أصلاً جوزي مكنش بيكلم حد فيكوا، ولو بتهتموا کنتوا عرفتوا إنه مرمي في المستشفی من زمان بین الحیاة والموت
سيطر ماجد على نفسه المتهورة قائلاً بتوعد:
– أنا معرفتش غیر امبارح بس، لکن أنا هامشي علشان لسه جاي من السفر، واساسًا إنتي متهمنيش في حاجة
ثم تحرك نحو الخارج بعدما القى نظرة مستهانة عليها اضرمت اغتياظها، رمقته بقسوة حتى دلف وهي تسب من بين شفتيها، هبط اسماعيل الدرج سريعًا بعدما انتبه لصوتها المنفعل، انكتل بخطواته نحوها وهو يستفهم بغرابة:
– سالي بتزعقي كده ليه ومين اللي كان عاوزك؟!
وجهت بصره له لترد بأنفاسٍ منفعلة:
– واحد من قرايب جوزي، تلاقيه جاي علشان يورثه ويشوف مات ولا لأ
هتف اسماعيل باستنكار:
– أيه اللي بتقوليه دا يا سالي، وليه فهمتي كده؟!
ردت بشكيمة محاولة الهدوء فقد اثار غضبها:
– سيبك منه، اما نشوف دا راجع ليه وعاوز أيه، لأني خلاص مبقتش هاسكت وأضيع حق بنتي…….!!
___________________________________
لم تلبث وهي هكذا لتتركهما من خلفها متشابكين، حيث ركضت زینة بكل ما بها من قوة الآن لترحل من المكان، تعالت أصوات أنفاسها اللاهثة وهي تنظر حولها لتستنجد بأحدهم ولكنها لم تجد، هندمت حجابها علیها جیدًا وکذلك ملابسها كي لا يرتاب أحد فيما حدث لها، انتبهت لأحدهم يلاحقها من الخلف فلم تستدر لتستمر في ركضها خوفًا، هتف زين بتوسل حين لمحها تفر من المكان:
– زينة اقفي لو سمحتي، مينفعش تمشي كده، انا وعدتك هحميكي متكبريش الموضوع!
كأنها لم تستمع إليه قط لتستمر في هروبها، توجهت للطريق العام ومن حظها الجيد وجدت حافلة كبيرة قادمة وخاصة بنقل المسافرين، انتظرتها زينة وهي تعد الثواني فقط دون أن تلتفت للأخير الذي يستمر في استعطافها لتقف حتى اقتربت الحافلة منها، لوّحت أمامها بذراعيها لتُجبر السائق على التوقف، بالفعل وقف السائق مدهوشًا من تلك الفتاة، توجهت زينة لفتح الباب سريعًا قبل وصول الأخير إليها، وجدت بعض المسافرين ينظرون إليها وخاصةً السائق، رسمت الهدوء على طلعتها لتقول بصوتٍ شبه ثابت:
– عاوزة اروح القاهرة من فضلك …….!!
ركض زين ليلحق بها ليمنع رحيلها فسوف يقع هما الإثنان في ورطة كبيرة إذا أخبرت أحد، لحظه السيئ انطلقت الحافلة قبل وصوله بلحظات فلعن بصوت مسموع:
– هنروح في داهية لو قالت لحد، دا أيه اليوم الإسود ده!!
ثم انتبه لصوت آيان وهو ينادي عليه:
– زين!
فرك زين رأسه بقلة حيلة وتشنج وهو ما زال يلعن، اقترب منه آيان يلهث قائلاً:
– ملقتهاش جوه!
وجه زين بصره له ليقول ضاحكًا بيأس:
– زينة مشيت!، جهز نفسك للمصيبة اللي مستنياك، تلاقيها راحت تبلغ عنك، دي فضيحة!!…………………
_________________________
__________________
_____________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.