رواية مغرم بك الفصل الثاني عشر 12 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر

الفصـل الثـاني عشــر

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــ

عاونته في نزع سترته عنه وهي مستمرة في إذاعة شكوتها من أفعال ابنها الجهولة والغير مهذبة، تأفف حسام في نفسه من توغنها التدخل في ذلك، التفت لها هادرًا بعدم رضى:

– يا مريم قولتلك متدّخليش في الحاجات دي، إفرض الولد مش حاببها، هنقوم نغصبه عليها، وكمان هي براحتها مشيت محدش زعلها خالص، هنمسك فيها بالعافية!!

اكفهرت مرددة بحنق:

– على فكرة نور وزين لبعض من زمان، وكانوا بيحبوا بعض

هتف باستنكارٍ جم:

– يا مريم دول كانوا صغيرين، دلوقتي كبروا وكل واحد ليه فكره وأحاسيسه

ردت بعدم اكتراث وهو تضع السترة في الخزانة:

– إنت مش عارف حاجة، يعني أيه حب وكلام فاضي، ما كل الناس بتتجوز من غير ما يعرفوا بعض وبيعيشوا وعندهم أسرة، ولو كل الجوازات مبنية عن حب محدش هيتجوز أبدًا!!

حدق بها حسام بدهشة من تفكيرها القديم، رد بمعارضة:

– ودا معناه نجوزهم لبعض من غير منفكر في رأيهم، مريم ملكيش دعوة علشان محدش يتأثر بكلامك، وخصوصًا نور!، ممكن الموضوع مش في تفكيرها وسيادتك بكلامك تديها أمل في ده، زين من تصرفه معاها مش بيفكر فيها

لوت فمها بانزعاج لا تريد سماع المزيد منه، اعتزمت بداخلها عدم مناقشته ثانيةً في الموضوع وانهاءها المسألة بطريقتها، تحركت لتقف أمامه مستفهمة وهي تتعمد مُغايرة الموضوع:

– سيبك إنت من كل ده، كلمت الدكتور اللي قولتلي عليه علشان يشوف بابا؟!…..

__________________________________

شهقت مصدومة وهو يبعث لها عبر الهاتف بالعديد من الصور التي تخصه سواء بالمنزل أو الجامعة أو بالنادي، الكثير منها كان وهو يستعرض قوته بممارسة الألعاب الرياضية، دب الرعب في جسد زينة وهي تراه يراسلها بتلك الطريقة المباحة والغير لائقة، ازدردت ريقها في توترٍ جلي وهي تتطلع عليه رغمًا عنها ليجذبها بوسامته ثم خالجتها وساوس ما، عادت لوعيها مستغفرة الله ثم بيدها المرتعشة ضغطت لتمحيها على الفور كي لا يراها أحد كما تعتقد!، اضطربت حين وجدته يكتب لها بسفاهة:

– عجبتك؟

صرت أسنانها بغضب وهي تکتب له باهتياج:

– حقير، إنت مش متربي!

ابتسم آيان بمكر وهو متسطح على الأريكة يحادثها من وقت عودته من الجامعة، كان يبتسم بانتشاء وهو يستمر في استفزازها، كتب بجراءة:

– متنكريش عجبتك!

فغرت زينة فاهها وقد ثارت من وقاحته وهي تأخذ الغرفة ذهابًا وإيابًا، كتب لها ثانيةً بخبث:

– مش المفروض تبعتيلي صورك إنتي كمان!

ابتلعت ريقها بصعوبة ووجدت نفسها لن تستطع الوقوف أمامه فهو يتعمد استدراجها في الحديث، لم تجد سوى أن تغلق هاتفها نهائيًا لتتحاشى مضايقاته، على الناحيةِ الأخرى قهقه آيان عاليًا فهو يستلذ ما يفعله معها، قال بتوعد:

– لسه مشوفتيش مني حاجة

ثم انتبه لدقات الباب، جاوب بانزعاج:

– فيه أيه؟

هتفت الخادمة من الخارج:

– جد حضرتك عاوز يشوفك دلوقتي يا سعادة البيه

رد بتأففٍ داخلي وهو ينهض:

– طيب جاي ….!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ألقت زينة هاتفها على التخت ثم خاطبت نفسها بتوتر شديد:

– فعلاً مش متربي، يا ترى بيعمل معايا كده ليه؟!

ثم عادت صوره تمر في مخيلتها كومضاتٍ خاطفة جعلتها تزوغ دون إرادة، اختلجت نبضاتها فقد تخوفت من محاولته التقرب منها بطريقة ما مستهجنة، انتبهت لنفسها وقد استخدمت عقلها في التفكير الحكيم، سألت بحيرة:

– اتصرف معاه إزاي ده؟!

ولجت عليها “لما” دون استئذان فشهقت زينة بفزع وقد تصبّب عرقها، تحركت “لما” نحوها وهي تردد بتجهم:

– تعالي أما أقولك حصل أيه!

ثم جلست على حافة التخت بعصبية، رسمت زينة الثبات وهي تستفهم بتوترٍ داخلي:

– حصل أيه قولي؟

ردت بثورة غضب مدروسة:

– كنت عاوزة أكلمك عن زين، قد أيه بقى قليل الذوق معايا، لتاني مرة يكلمني مش كويس، عملها مرة وسكت وطنشت، بس رجع وعادها تاني لما شوفته بالصدفة في كافيه الجامعة، بقيت باحس إنه مش طايقني

تحركت زينة نحوها وهي ترد باستنكار:

– مش معقول!، دا طيب قوي ومحترم، هو تلاقيه مالوش في الدلع والكلام ده، جد حبتين وعادي

رمقتها “لما” بحنق وهي تردد:

– طيب اقعدي بقى أما أحكيلك عمل أيه وشوفي، علشان شكله معايا أنا بس كده…….!!

_________________________________

في القـــاهرة……..

اندهشت منها وهي تجدها جالسة على الأريكة تضم ركبتيها لصدرها وتعابيرها عابسة لا ترغب في اللعب بألعابها الخاصة، اقتربت سميرة من ابنتها مستفهمة بقلق وهي تجلس بجانبها:

– رسيل حبيبة ماما، قاعدة كده ليه؟

ظلت الصغيرة كما هي نافرة حزينة الملامح ولم ترد بكلمة، قلقت سميرة عليها أكثر ثم حملتها لتجلس على فخذها مرددة بنظراتٍ يلوح منها التخوف:

– قولي يا حبيبتي مين زعلك كده، احكيلي يا رسيل؟

نظرت لها الصغيرة بأعين شاجنة، ردت بنبرة طفولية كمدة:

– أنا وحشوني مراد وسليم وكلهم، عاوزة أروح عندهم يا مامي

ابتسمت سميرة بخفوت وبداخلها اغتبطت من أن ذلك فقط هو السبب، ردت بحنوٍ وهي تضمها لصدرها:

– طيب أيه رأيك نرجع البلد تلعبي مع ولاد خالو عمرو؟

ابتعدت قائلة برفض:

– باحب ولاد مامي رسيل، باحب أعيش معاهم

نظرت لها سميرة بحيرة فكيف ستتصرف، ردت بإذعان:

– حاضر يا رسيل، هاكلمهم يرجعوا علشان تلعبي معاهم

تهللت الصغيرة ثم هتفت بسعادة:

– ميرسي يا مامي، أنا باحبك قوي

ابتسمت سميرة وهي تراها فرحة هكذا، ضمتها مرة أخرى قائلة بتلميحٍ لم تتفهمه الصغيرة:

– طيبة قوي يا رسيل، يا رب يحبوكي زي ما بتحبيهم، وخصوصًا أيهم……!!

__________________________________

في الأسكنــدرية…….

وهي تجلس على إحدى الطاولات بمفردها وتخفي وجهها بجريدة ما تدعي أنها تطالعها انتظرت بتمنٍ أن يرحل والده، حيث جلس مازن برفقة والده في مطعم الفندق لتناول الطعام، تبلجت حافصة حين نهض والده ليغادر، لم تلبث حتى نهضت هي الأخرى متجهة نحوه وهي تهندم عباءتها عليها، فور اقترابها منه ارتبك مازن ثم وضع شوكته أمامه، قالت حافصة بنعومة مصطنعة وهي تقف أمامه:

– ليه بطلت أكل، شكلي يسد النفس ولا أيه؟

ثم ابتسمت برقة أجادت تمثيلها، رد مازن بتوتر:

– لأ أبدًا، خير فيه حاجة؟

ادعت الحزن وهي تقول بلوم:

– مش هتقولي اتفضلي معايا؟

نهض مازن قائلاً بترحيب وهو يشير على المقعد المقابل له:

– اتفضلي طبعًا أنا مش قصدي!

ابتسمت حافصة بتكلفٍ ثم جلست لكن بالمقعد المجاور له فانحرج مازن، جلس وهو مرتبكًا من نظراتها نحوه فهي تحاول ابرام مصادقة معه، ربما تتحول مقدمًا لعلاقة تربطهما، بادرت بالحديث قائلة:

– أنا اسمي حافصة!

أوعز قائلاً باطراق:

– وأنا مازن

ابتسمت لترد بنظرات سعّرت توتره:

– ما أنا عارفة

ابتلع مازن ريقه فتابعت بمعنى:

– على فكرة دي مش أول مرة أخرج من الصعيد، أنا متعلمة، لتكون فاكر إني جاهلة

رد بنفي وهو يهز رأسه:

– لأ أنا مفكرتش في كده خالص

هتفت موضحة بمغزى:

– يعني علشان لبسي، أنا بلبس كل حاجة، بس مبحبش التكليف وباحب أبقى ملتزمة

توتر مازن لا يعرف لما تشرح له تلك الأمور فهو لا يهتم، صمتت حافصة لبعض الوقت وهي تنتظره يتكلم ولكن لا جدوى فشعرت بالإحراج، زيفت ابتسامة لتكمل بعدها باستفهام:

– إنت متجوز يا مازن؟!……

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

بأصابع يدها مسحت دموعها التي تساقطت من عينيها التي توهّجت بحمرة الحزن، ناهيك عن ذبلان وجهها الذي كان كالوردةِ النضرة، نهضت خلود من على المقعد بداخل غرفتها لتضع ابنها الذي غفا على ذراعها في تخته، تحركت وهي تجر قدميها لتضعه بحذر، دثرته ثم اعتدلت متحيرة ماذا تفعل في يومها، حيث ظلت مرابطة لغرفتها تخشى فقط الخروج فقد ألزموها بمرابطة الصغير ليل نهار، جاء على ذهنها فرددت بأسى:

– حتى إنت يا مازن، فين حبك ليا، ليه تعاملني زيهم؟، كسرت كل حاجة بينا!

ثم عاد بكاءها المتحسر رغمًا عنها، لكن بداخلها اشتاقت له فهو زوجها وقد هجرها منذ وفاة ابنهما الصغير، تحركت لتجلب هاتفها فقد اهتاف قلبها لسماع صوته فقط، حتى لو أساء إليها، باشرت في ضغط أرقام هاتفه متمنية بداخلها أن يحن عليها، وضعته خلود على أذنها متكهنة سماع صوته…

على الناحيةِ الأخرى قبل أن يرد مازن على سؤال حافصة صدح هاتفه ليقطع الحديث بينهم، أمسك هاتفه فوجدها خلود فشعر بالتضايق، نظر لحافصة قائلاً بهدوء ظاهري:

– عن إذنك

هزت رأسها بتفهم فنهض ليرد بعدما ابتعد مسافة قليلة، رد بتأفف:

– بتتصلي ليه؟

رغم غلاظته معها ردت باشتياق:

– وحشتني قولت أكلمك!

لان قلبه للحظات، لكن فقدانه لابنه جعل القسوة تنبلج في قلبه، رد بتجهم:

– قولتلك اللي بينا انتهى، اللي بينا الولد وبس

بكت خلود في صمت وهي تسأله باستياء:

– وأهون عليك، إنت ظالمني يا مازن!!

نفض تفكيره الحاني ناحيتها، رد بتحجرٍ:

– أنا مش فاضيلك عندي شغل، سلام

ثم أغلق الهاتف دون إنتظار الرد، ارتمت خلود على تختها تبكي بألم، خانها فكرها البائس في التفكير في التخلص من حياتها، لكنها تريث فما يمنعها طفلها لتستسلم لبكاءٍ مرير…!!

تنهد مازن بانزعاج فراقبته حافصة بتطفل وهي تحاول التنصت عليه ولم تستطع، تحرك مازن ليجلس برفقتها، نظر لها مستفهمًا بتناسي:

– هو إنتي كنتي بتقولي أيه؟

تنحنت حافصة لترد بحرجٍ مصطنع:

– كنت بسأل لو إنت متجوز!!

هنا تذكر مازن ذاك السؤال، تردد في الرد الحقيقي ولكنه وجد نفسه دون إرادة يرد بنفي جعل حافصة تتبهج:

– لا مش متجوز……!!

___________________________________

في مكــة المكـــرمة……..

في مطعم خاص راقٍ توجه أيهم برفقة أسرته جميعهم، جلسوا على طاولة احتجزها مسبقًا، جاء الطعام فشرع جميعهم في تناوله، بعد وقتٍ حين شارفوا على الإنتهاء تردد أيهم في إخبارها أو ليس الآن ولكنه خشي أن تلومه بعد ذلك، قال بتلجلجٍ:

– رسيل بابا كلمني وقال نرجع علشان رسيل الصغيرة زعلانة وعاوزة تشوف الولاد!!

نظرت له رسيل قائلة بعطف:

– حبيبتي يا رسيل، أنا امبارح حلمت بيها وحاسة بيها زعلانة

سأل بترقب:

– يعني هنرجع؟

ردت برضى:

– الحمد لله عملنا عمرة ومافيش داعي نفضل أكتر من كده، أصلاً عندي جامعة ومينفعش أغيب

هز رأسه متفهمًا، قال بعزيمة:

– خلاص نحجز ونمشي كمان كام يوم كده أكون ظبط أموري!

هتف مروان بحماس:

– أيوة يا مامي عاوزين نرجع علشان رسيل وحشتني قوي

ابتسمت له رسيل باعجاب وهي تمسح على شعره قائلة:

– شاطر يا مروان، عاوزاك تحب رسيل قوي، مش زي ناس

ثم وجهت بصره لأيهم رامقة إياه بتهكم، تدخل أيهم قائلاً ببلادة:

– أنا كمان باحبها على فكرة، وعلشان تعرفي وأكدلك هجوزها لمروان ابني

شهقت رسيل من رعونته وخبله، ردت بعدم استيعاب:

– إنت اتجننت، مين يتجوز مين!، دي أختك يعني عمته

وعي أيهم لصلة القرابة وهو يفرك مؤخرة رأسه مبتسمًا ببلاهة، تابعت رسيل بسخط:

– أهبل

صرخت فجأة ليعلو صوتها في المكان حين ضغط على فخذها بقوة فتألمت، حدجته بضيق مرددة وهي تفرك موضع قرصته المؤلمة:

– ماشي يا أيهم، بس أما نرجع

رد هو بتوعد اربكها:

– دا أنا اللي لما نرجع هربيكي علشان لسانك الطويل، بس بطريقتي

لمح بكلماته الأخيرة بغمزة من عينيه فابتلعت ريقها بتوجس، ردت بتوسل:

– وأهون عليك يا أيهومي

رد باصرار غير مباليٍ بهيئتها القلقة:

– تهوني يا حبيبتي…….!!

___________________________________

في الأسكنــدرية بعد مرور عدة أيــام…….

دلف من غرفة جده يهمهم ببعض الكلمات المتبرمة والمستاءة، لم يرتضي آيان بكل ما قاله جده له ليتأفف في نفسه فهو لن يفعل ما يقوله له بتاتًا، خاطب نفسه بسخط:

– قال مستنيني اتجوز لين، مبقاش غيرها، مش هيحصل أبدًا

ثم توجه لغرفته ليتهيأ للذهاب للنادي أفضل وبداخله يتجاهل كل ذلك، لمحته والدته نور من أمامها فنادته بجأش:

– آيان

استدار لها آيان ناطقًا باستجابة فورية:

– نعم يا مامي!

اقتربت نور منه مستفهمة بفضول حاولت اخفاءه:

– جدك كان بيقولك أيه؟

أطرق آيان رأسه لوهلة متأففًا، عاود النظر إليها قائلاً بتضليل:

– كان بيقولي أخلي بالي من دراستي وكده

– بس كده؟!

استفهمت بدهشة فارتبك آيان، رد بتأكيد زائف:

– أيوة كده، هو حضرتك كنتي عاوزاه يقولي حاجة تانية؟!

نفت سريعًا بتوتر:

– لأ مافيش، كنت بسألك بس

رد آيان باستعجال:

– طيب مامي هروح آخد شاور علشان خارج للنادي

ابتسمت بتصنع وهي ترد:

– طيب يا حبيبي روح

أومأ رأسه بامتثال ليُكمل سيره نحو غرفته حتى ولج أمام نظراتها، تحيّرت نور وهي تسأل نفسها:

– أومال عمي كان بيقولي هفاتحه في جوازه من لين ليه؟!

تنهدت نور بفشل استشفاف ما حدث، تحركت نحو غرفتها وهي تفكر في ذلك، ولجت نور فوجدت زين يدلف من المرحاض وقد بدّل ثيابه، ابتسمت له باشراق وهي تتدرج نحوه فبادلها البسمة حتى دنت مطوقة عنقه، حاوط خصرها قائلاً بمحبة:

– عندي ليكي مفاجأة هتعجبك، تفتكري أيه هي!

هتفت بشغف:

– قول على طول متعلقنيش!!

ابتسم قائلاً بلطف:

– هنروح يومين فرنسا نطمن على بابا، ونستغل السفرية دي ونقضي أحلى وقت أنا وإنتي

سُرَّت نور بهذا الخبر مرددة بابتسامة متسعة:

– بجد يا حبيبي، دا أنا من فترة محتاجة خروجة زي دي، وخصوصًا معاك

احتضنها زين بحرارة قائلاً:

– يا حبيبتي حاسس بيكي، مشغولة مع الولاد وناسية نفسك

شدّدت نور من تطويق عنقه قائلة بتتيمٍ:

– أحبك وإنت حاسس بيا!!

أبعدها عنه ليسألها بحماس:

– أيه رأيك نروح بعد بكرة؟……..

__________________________________

كلحت قسماته حين وجدها لم تأتي معهن، أخفى آيان معالم وجهه المتضايقة ليشدد من عقابها وارباكها أكثر من ذلك، اقتربت “لما” منه وابتسامتها تصل لأذنيها، هتفت بحماس وهي تتأمل ملابسه الرياضية المنسقة على جسده:

– يلا يا آيان هتلعب إمتى؟

رد مزيفًا ابتسامة وهو يناولها حقيبته:

– دلوقتي رايحين، خدي الشنطة دي معاكي علشان اكتشفت إن فيها أوراقي الخاصة وخايف عليها!

سريعًا كانت ممسكة بالحقيبة لتعلقها في كتفها، هتفت مايا بشغف:

– هروح أجيب حاجات نشربها وناكلها علشان نتسلى

ثم تحركت لترحل، قال آيان وهو يشير لها برأسه:

– يلا بينا

تأبطت “لما” ذراعه دون خجل ليتحركا ناحية الملعب الخاص بكرة السلة، لم ينتبه كلاهما لمن يقف من بعيد يتابع ما يحدث بينهما بغِيرةٍ ضروسة مختزنة بداخله، كان زين من يراقبهما بنظرات حاقدة، رغم عدم تعمد آيان انشاء عداوة بينهما ولكنها لاحت بفضل تلك الغبية التي معه، قلبه الذي مال لها هو من حثه على الفوز بها، وجد نفسه بكل سهولة يعاون أخته رغم عدم محبذته ذلك ولكن ماذا عساه أن يفعل لإشباع روحه التي تعلقت بها، انتبه لاخته تضع يدها على كتفه وتردد محمسة إياها:

– يلا يا زين روح كلمها واعرض عليها الجواز!

أمال رأسه نحوها لينظر لها لبعض الوقت فابتسمت له بمغزى، هز رأسه موافقًا ثم تحرك ناحية الملعب، تعقبته لين بنظرات انتشاء فسوف تتخلص من كابوسها المزعج، تحدثت بتلهف:

– مش هرتاح غير لما أبعدك عن طريقه……..!!

_________________________________

في القــاهرة……

سار بحديقة الفيلا وهو حامل ابنه الصغير بين ذراعيه وعينيه تتلفت يمينًا ويسارًا باحثًا عنها، تصلب موضعه حين وجدها تمارس مهنتها في زروع الحديقة، دنا ماجد منها وهو يزفر بتضايق، وقف مبتعدًا عنها مسافة معقولة کي لا تتسخ ملابسه وهو يردد بحنق ونظراته تتمرر على ما تفعله:

– ممكن أعرف سيادتك سايبة الواد يعيط وبتعملي أيه؟

ألقت ملك التي جثت على ركبتيها تغرس في الطين بعض الحبوب علیه نظرة ساخطة، ردت بتجهم:

– شايف باعمل أيه يعني؟، بازرع!

لوى ثغره للجانب قائلاً بسخرية:

– وبتزرعي أيه إن شاء الله، جرجير

التفتت برأسها له لترمقه بامتعاض، ردت بفظاظة:

– اتمسى وقول يا مسى

هتف بنبرة مزعوجة:

– قومي اتحركي وسيبي اللي في إيدك الواد بيعيط وعاوزاك

ألقت ملك الفأس الصغير الذي بيدها وهي تصر أسنانها، نهضت قائلة بانزعاج:

– ما تروح تديه للخدامة، مش شايفني مش فاضية

رفع حاجبه وهو يسأل بتعجب:

– من إمتى بتسمحي للخدامين يشيلوا العيال؟!

– من دلوقتي، لازم أشوف شغلي القديم وارجعله

قالت ذلك بشكيمة جديدة عليه منها وقد اعتزمت، سأل باقتطاب:

– وسيادتك هتشتغلي أيه إن شاء الله؟

هتفت باستنكار:

– أنا مهندسة زراعية، ولا نسيت؟!

تنهد ماجد بضيق ولم يرد، ألقى الطفل عليها قائلاً بلا مبالاة:

– اعملي اللي تعمليه، واتصرفي مع العيال عندي شغل

ثم تحرك ليغادر فاوقفته بكلمة تلميح ازعجته:

– يا بختك يا رسيل بأيهم!

التفت ماجد لها ثم عاد تلك المسافة التي تحركها نحوها قائلاً بنظرات مظلمة:

– عيدي كده قولتي أيه!

ردت بثقة:

– إنت عارف قولت أيه!!

هتف بنبرة محتقنة بضيق:

– على فكرة لو عاملتك زي أيهم ما بيعامل رسيل هيجيلك حول في عنيكي

نظرت له شزرًا وهي ترد باستهزاء:

– اعمل ليا نص بس اللي بيعمله ليها، دا ناقص يشيلها ميخلهاش تمشي

أطلق ماجد ضحكة ساخرة وهو يرد:

– أنا بس لو ربنا مديني شوية صحة زي اللي عنده كنت رزعتك كف خماسي طيرتك من سور الجنينة، احمدي ربنا إنه اداكي واحد كيوت زيي، قولتلك أيهم دا شراني ومش عاوزة تصدقي

هتفت بمقت وهي تتغنج بجسدها:

– وأنا بقى باحب الراجل الحمش واللي ليه هيبة كده

ضم ماجد شفتيه مغتاظًا من هذا أيهم ومن سطوته التي تعجب الكثير حتى زوجته، ردد في نفسه بعزيمة:

– لازم ابقى أيهم ماليش دعوة……..!!

__________________________________

في الأسكنــدرية…..

جلست على إحدى مقاعد المدرجات تتابع بشغفٍ ما يفعله من حركاتٍ متقنة داخل ساحة لعب كُرة السلة، شجّعته “لما” ببعض الكلمات لتزيد من حماسه وهي تصفق وتنادي باسمه “أيان”، وجدت شخصًا ما يريد الجلوس في المقعد المجاوز لها والتي حجزته لمايا، سريعًا وضعت حقيبة آيان عليه لتمنعه، لمحت بطرف عينيها جواز سفره يطل قليلاً من إحدى جيوبها، زاد تطفلها في رؤية هويته وصورته فحملت الحقيبة على فخذها لتخرجه، ابتسمت وهي تتفحص جواز سفره بشرود، لم تنتبه “لما” لمن يتطلع عليها بنظراتٍ ثاقبة تحمل في طياتها الكثير، تحرك زين نحوها راسمًا لبسمة مزيفة اعربت عن مسرّته بعكس ما يضمره من اغتياظ وهو يراها تتطلع على صورته بجواز سفره، القى نظرة غِيرة على ابن خاله وهو يلعب مع رفاقه سرعان ما نفضها فهو لم يبغضه يومًا، جلوسه بجانبها جعلها تلتفت منتبه له، ابتسمت بشدة وهي تردد بعدم تصديقٍ فقد ظنته جاء للإعتذار منها:

– زين!، مش معقول إنت هنا..!

بنفس ابتسامته الزائفة رد ونظراته تتقن الهيام:

– جيت علشان أشوفك

ارتبكت “لما” من نظراته الجديدة عليها، تعلمه متشددًا وباردًا في تلك الأمور فتعجبت، ازدردت ريقها بتوتر وهي تتأمله باستنكارٍ فابتسم لها بمغزى جعلها بالفعل تجفل في هيئته، جذبها قبل مرةٍ بوسامته ولكن عصبيته جعلتها تنفض مجرد التفكير فيه، اكمل زين بولهٍ زائف:

– أيه يا “لما”؟!، أنا افتكرتك هتنبسطي لما تشوفيني!

تنبّهت له ثم تنحنحت بتوتر، ردت وهي ما زالت تستنكر:

– أصلك هادي قوي ودا مخليني مستغربة، كل مرة باشوفك فيها بلاقيك عصبي وحتى بتكلمني مش كويس

ثم نظرت له مندهشة بالفعل فقد تغيّر، قهقه زين بقوة جعلتها تضطرب وينتفض قلبها وهي تحدق به بحب لاح في عينيها واستشعره، رد زين بتتيمٍ أجاد تمثيله ليزيدها هيام:

– دايما بانسى أقولك إنك أجمل بنت شوفتها، إنتي حلوة قوي يا “لما”، من أول مرة شوفتك فيها وأنا مش بنام

أثناء لعبه لمحهما أيان لبرهة من الزمن وهو ينهج عاقدًا حاجبيه مدهوشًا من وجود زين!، عاد لوعيه ليكمل لعبه حين ناداه زميله ولکن فکره انشغل قلیلاً، بينما ذابت هي من سحر كلماته وهي تتطلع عليه بشرود، أحسّ زين بسيطرته الكاملة عليها فزاد الأمر تعقيدًا حين أكمل بجدية:

– تتجوزيني يا “لما”؟………

من قريبٍ جلست مختبئة خلف مجموعة من المتفرجين تتابع عن كثبٍ ما يفعله أخيها بابتسامة ماكرة ونظرات تشفي، تنفست لين بارتياح وهي ترى قروب مبتغاها حين فعل أخيها ما طلبته منه بحذفيره، كشّرت ضحى رفیقتها بتعابيرها وهي جاهلة لسبب قدومهم هنا، ناهيك عن غرابتها الجمة في هيئتة صديقتها، خبطتها ضحى على عضدها عدة مراتٍ مستفهمة بفتورٍ:

– نفسي أعرف جيباني هنا ليه؟، هو أنا ليه في الباسكت ولا باحبها

التفتت لها لين لاوية شفتيها من حماقتها، تنهدت لتشرح لها حين سحبتها من أذنها لترى بعينيها ما يحدث، تألمت ضحى قليلاً وهي تحاول استشفاف ما يحدث، انتبهت بالأخير لأخيها ومعه تلك الفتاة التي تدعى “لما” وتبدو العلاقة موطدة بينهما، نظرت بتعجب للين التي تبتسم بثقة، قبل أن تستفهم قالت لين بخبثٍ شارحة لها:

– بيضحك عليها، أومال أيان هيبقى ليا إزاي……….!!

__________________________________

في شـــرم الشيــخ……

وضعت على طاولة الطعام جميع ما تحبه ابنتها الوحيدة من المأكولات، قد أعدتها سلمى لها خصيصًا، التموا جميعًا حول المائدة فجلست سلمى بجانب ابنتها قائلة بحنوٍ:

– كلي يا حبيبتي، كل الأكل اللي بتحبيه عملته مخصوص علشانك، بدا على نور شبح ابتسامة أحزنت سلمى، ردت بهدوء مقلق:

– متشكرة يا ماما ربنا ما يحرمني منك

مسدت سلمی على ظهرها بلطافة ثم اكتربت من أجلها، حيث عودتها دون إكمال رحلتها للأسكندرية أشعرتها بوجود خطب ما ضايقها، بالأخص استنبطت سلمى أن زين سببها، تنهدت بوجع لتخشى بداخلها أن تكون ابنتها متعلقة به، لمح معتز ملامح زوجتها الشاجنة فسألها بهمس:

– شكلك زي ما يكون زعلان من حاجة، فيه أيه يا سلمى؟

ابتلعت سلمى الطعام بصعوبة وقد توترت، لا تريد أن يأخذ الموضوع حجمًا أكبر لذا لم تخوض فيه، ردت نافية:

– لأ مافيش حاجة، دا بس صداع كده!

ابتسم لها بود فوجهت بصرها لابنها تسأله لتغيير ذلك الجو المشحون بالضغط النفسي مستفهمة بعدم رضى:

– ليه خليت ماريان تروح المدرسة، كنت خليها كام يوم أجازة على ما تخف، أنا شايفة إنها تعبانة والمفروض كانت ترتاح؟، شكلها مكنش عاجبني

نظر ريان لوالدته ليبرر:

– يا ماما أنا عملت كده خايف من طنط نور، كانت وصتني متغيبش يوم واحد من مدرستها ودا شرطها في جوازنا

هتفت سلمى بعبوس:

– يعني أيه بقى الكلام ده، دي مراتك وإنت شايف إنها تعبانة يبقى تقولها ارتاحي، افرض تعبها زاد عليها!!

ملأ القلق والخوف قلب ريان وهو يرد:

– متخوفنيش يا ماما

تدخل معتز مهدئًا النقاش:

– خلاص يا جماعة إهدوا، شوية وهتلاقوها جاية!

فور إنهاء معتز لجملته وجدوها تفتح باب الشقة، انتبه ريان لها ثم نهض على الفور ليستقبلها، تحرك راكضًا نحوها لينصدم من ملامحها المجهدة والباهتة، أسندها عليه وهو يستفهم بخوف:

– ماريان حبيبتي مالك؟

ردت بكلمة واحدة خرجت بضعف وهي تسند رأسها على صدره:

– تعبانة!

اضطربت أنفاسه ليقرر حملها بين ذراعيه، سريعًا انحنى بجزعه ليحملها ولكن هناك ما جعل قلبه يدق بهلع، الدماء تتساقط من على ساقيها فجحظ عينيه مرعوبًا، اعتدل لينظر لها فوجدها غير متزنة وفي مرحلة الدخول في فقدان الوعي، هدر بصوتٍ عالٍ مستغيث وهو يسرع في حملها:

– بـابــا، مـامــا، إلحقوني!! ………………………………

________________________

__________________

___________

أنا مش هتكلم عن روعة الرواية، هاترك لكم التعليق في احداثها، باعتذر عن التأخير لأن البيدج عندي عليه حظر وقالوا انتظر عدة أيام

مواعيد النشر هتكون أحد وأربعاء فصول طويلة زي ما إنتوا شايفين، دمتم بود وبحبكم والله😘😘😘

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق