رواية مغرم بك – الفصل الثالث عشر
الفصل الثالث عشر
الفصـل الثـالث عشــر
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــ
في القريــة……
وقفت في المطبخ تتابع تسوية الطعام وهي تزفر باستشاطة مكبوحة، حركت سيرين جسدها بحركةٍ متشنجة لاحت فيها عصبيتها مما يحدث، باتت أيامها متشابهة منذ قدوم والدة زوجها لتمكث معهم، حيث لم تحظى بوقتٍ جيد حتى وهي بمفردها، ضجرت تلك العيشة ونفرت وجودها، كتفت ساعديها حول صدرها لتهمس بحنق:
– هفضل في الوضع ده لحد إمتى، بقيت شبه الشغالين، أنا بنت العمدة تيجي دي وتشغلني على آخر الزمن، لا وكمان باخدمها
ثم نفخت بقوة لتفرغ تأزقها لتكمل تسوية الطعام مضطرة، ولج عليها ايهاب المطبخ بعد عاد من عمله وجدها تقلب الطعام في الطنجرة وتعابيرها مكفهرة، يعلم سبب ضيقها ولكن ماذا بوسعه أن يفعل؟، رسم بسمة عذبة على وجهه ثم باشر في التدرج ناحيتها، وقف بجوارها قائلاً بلطافة:
– القمر أخباره أيه؟
لم تعيره إهتمام وظلت كما هي تقلب بغيظ، ابتلع ريقه متهيئ لمعاودة الحديث الرقيق معها قائلاً:
– بسرعة خلصي الأكل أحسن واقع من الجوع، مع إن أكلك مش حلو قوي بس على قلبي زي العسل!
القت الملعقة بعنف بجوار الموقد، هتفت بتبرم وهي تحدجه بغیظ:
– كمان مش عاجبك اللي باعمله وأنا اللي بتعب و….
هنا التقفها ايهاب بين أحضانه ضامًا إيها بشدة لتكف عن اعلان تذمرها، ردد بحب:
– عارف يا حبيبتي إنك بتتعبي، هو أنا قولت أيه؟
ذاب ضيقها من لمساته عليها، فايهاب يدرك جيدًا كيف يمتص غضبها لمعرفته بمدی حبها له، قالت بعشقٍ ممتزج بتعب:
– أنا استحمل علشانك أي حاجة
ابتسم ايهاب حين تيقن هدوءها ليمر يومهم، انتفضوا فجأة ليبتعد كل منهما عن الآخر حين رددت والدته باستياء:
– واقفين تحبوا في بعض والأكل اتحرق، باين مش هناكل في يومنا ده
قالتها فوزية وهي واقفة عند باب المطبخ تحملق فيهما بنزق، انزعجت سيرين ولم تعلق لتلقي نظرة على الطعام، بينما ارتبك ايهاب قائلاً:
– لا يا ماما هناكل روحي ارتاحي إنتي
لوت فمها بتهکم ثم استدارت مغادرة وهي تغمغم بعدة كلمات، التفت لسيرين التي تتابع الطعام ولمح امتعاضها، أمسك يدها الأخرى قائلاً وهو يُقبّلها:
– معلش يا حبيبتي، يلا جهزيلنا الغدا……..!!
__________________________________
في شــرم الشيــخ……
سمح لهم الطبيب بالدخول للإطمئنان عليها بعدما استعادت إفاقتها، ولجت نور أولاً غرفة ابنتها بالمشفي وهي تركض ناحيتها بتلهف، دنت من الفراش مرددة بحزنٍ عميق:
– بنتي مريان، سلامتك يا عمري
ثم جلست نور بجوارها وعبراتها تتساقط من عينيها، تعثر على ماريان الرد فمسحت نور على رأسها متابعة بحنوٍ:
– متتعبيش نفسك يا حبيبة ماما
خلّفها البقية فنظرت لهم ماريان بمسرة من خوفهم البادي علی هیئتهم عليها، بادر ريان بالإقتراب منها وتقبيل جبهتها ووجهها مرددًا بتلهف:
– حبيبتي حمد الله على السلامة
هتف زين من خلفه:
– ريان ابعد عاوز اطمن عليها!
ابتعد ريان ليفسح له المجال، دنا زين من ابنته قائلاً بتعطف:
– روح قلب بابا من جوة، أول ما عرفت جيت على طول، سلامتك يا عمري!
ابتسمت بضعف له فنطقت بصوت مجهد:
– بخير دادي
تدخلت سلمى قائلة بتعقل:
– هي بخير متضغطوش عليها في الكلام والدكتور طمنا برة
كفكفت نور عبراتها قائلة بامتنان:
– الحمد لله على كل حاجة وإنها جت على قد كده
لم تعرف ماريان سبب وعكتها لتستفهم بنصب:
– هو أنا عندي أيه؟
نظر لها الجميع في وجوم وتردد في إخبارها، لكن نور قالت بحكمة:
– إنتي كنتي حامل يا ماريان ومكنتيش تعرفي
نظرت لها ماريان كأنها لم تتحمس لخوض تلك التجربة أو حتى كانت تفكر فيها، تابعت نور بدراية:
– قدر الله وما شاء فعل، يمكن بذلتي مجهود علشان كده نزل
هزت رأسها بتفهم ثم وجهت بصرها لريان، سألت بترقب:
– إنت زعلان مني يا ريان؟
ابتسم ريان لاهتمامها بمشاعره، بينما تدخل زين قائلاً باستنكار:
– هيزعل ليه، إنتوا لسه صغيرين والعمر قدامكوا
رد ريان بمحبة جلية معارضًا هو الآخر سؤالها:
– طبعًا لأ يا حبيبتي، كفاية وجودِك جنبي
هتف معتز بمرح ليلطف الأجواء:
– يا عيني على الحب، والله ما كان ليه لزوم تيجوا، كفاية ريان لوحده جنبها
ابتسمت نور وهي تنظر لريان بألفة فهو مدركة حبه لها، قالت لمعتز بمعزى:
– ما هو إنتوا لو مكنتوش عرفتوني إنها تعبانة مكنتش هعدي الموضوع علی خیر،إلا ولادي عندي!
هتفت سلمى براحة:
– الحمد لله إني بلّغتك على طول، أنا قولتلهم نور هتقلب الدنيا لو مكنتش عرفت وقتها
ضحك الجميع وباتت الأجواء مرحة للتخفيف عن ماريان وتناسي ما حدث، لحظات من ذلك وولج آيان عليهم، انتبهت له نور فهتفت بتبهج:
– أهو آيان كمان جاي يطمن على اخته
ابتسم آيان وهو يتدرج للداخل ناظرًا لاخته، خاطبها بألفة وهو يُقبّل جبهتها:
– حمد الله على سلامتك، إن شاالله اللي يكرهوكي
ابتسمت له بود فربت زين على ظهر ابنه معجبًا بشخصيته، قالت نور لزين بمفهوم:
– خلاص يا زين إرجع إنت علشان تخلص شغلك وكده، وآيان هيبقى معايا هنا على ما نرجع
كانت تلمح له بإنهاء عمله ليذهبا للسفر، ابتسم لها بمكر يوحي بتفهمه عليها، بينما انزعج آيان من بقاءه هنا لتأتي زينة في تفكيره وتذمر داخليًا، رد زين بمعنى:
– خلاص طالما كده هارجع أنا………!!
__________________________________
في الأسكنـــدرية…..
استمرت مناقشات السيد عبد الحميد مع صديقه الجديد السيد عيسى وقتًا لا بأس به، حيث جلسا في أحد الكافيهات الخاصة بالفندق ليتبادلا الاحاديث، اقترح عليه عبد الحميد عدة أسماء رجال أعمال ليستثمر معهم أمواله، وبعد تفكيرٍ عميق منه قال بتذكر:
– عندي رجل أعمال معروف قوي
بدا على عيسى الإهتمام فتابع عبد الحميد بتردد:
– أنا معرفش إذا كان بيحب المشاركة أو لأ، بس اللي فاكره إنه شاركني مرة واحدة في مشروع صغير كده عملته معاه ومكنش بيسأل عنه ولا بيهتم
تحفزت حواس عيسى لمعرفة هويته فاستفهم بفضول:
– ومين هو ده؟
رد عبد الحميد باقتضاب:
– أيهم علم الدين!
رفع عيسى حاجبيه وقد لمعت عيناه، رد بمغزى:
– أعرفه طبعًا كفاية ابوه وسمعته، بس معتقدش عمره شارك حد
رد عليه معللاً:
– أنا بس قولتلك عليه وإنت شوف
زم عيسى شفتيه قائلاً بعد تفكيرٍ محنك:
– هابقى انزل القاهرة واشوفه
كانت نوايا عيسى غامضة بالنسبة لعبد الحميد في بحثه الدائم عن مشاركته أحد الرجال المعروفين، زادت حيرة عبد الحميد فهتف متسائلاً:
– طيب وإنت ليه عاوز تشارك حد معروف، متشغل فلوسك براحتك وكله هيرجعلك لواحدك؟
ارتبك عيسى قليلاً ليضمر نواياه من ذلك فعبد الحميد على غير علم بأعمال عيسى من تصدير الأسلحة وغيرها والذي رد موضحًا بتضليل:
– بصراحة لازمني حد معروف استثمر معاه فلوسي علشان تكسب أكتر، وأصلي محبش أركنها كده، مشاركتي هتخليني اهتم أكتر بالموضوع
انضوى الشرح على عبد الحميد ليقتنع فنظر له عيسى بظلمة مستشفًا هل ما زال مرتابًا في الأمر أو من عدمه؟، هتف عبد الحميد بغرابة:
– اللي مستغربه هو زين السمري، إزاي يرفض يشارك حد زيك وفي مركزك ده!
تذكر عيسى أمره ليعلن بتوعد وهو يكظم غيظه منه:
– دا بقى دوره بعدين معايا هو وابن اخته، بس أشوف موضوعي الأول وهفوق لهم……….!!
__________________________________
في القـــاهـرة…….
ركضت الصغيرة نحوهم كمن وجدت ضالتها المختفية من زمن، اهتاف قلبها لهم وتشوقت روحها لرؤياهم، تهللت واتسعت بسمتها فنظرت لها والدتها بتحنن لقلبها اللطف، ترجلت رسيل من السيارة على الفور لتقابلها بحضن دافئ اترعتها فيه بفيض حنانها نحوها، هتفت بتشوق:
– حبيبتي يا رسيل وحشتني
ثم ضمتها بشدة بعد أن رفعتها للأعلى متنشقة عبيرها الآخاذ، ردت الصغيرة ببراءة:
– وحشتوني كتير، كنتوا خدوني معاكوا!!
ابتسمت رسيل لتقول بمعنى وهي تنظر لعمتها:
– اعمل أيه بس، مامتك مرضيتش
ابتعدت الصغيرة عن حضن رسيل لتدير رأسها نحو والدتها قائلة بلوم:
– ليه مامي كده، أنا بحبهم قوي!
– يعني كنتي عاوزة تبعدي عن مامي
هتفت سميرة بتلك العبارة مدعية الحزن، عفويًا هزت الصغيرة رأسها بعدم قبول فابتسمت سميرة بحب لها، التفتت لرسيل قائلة بتوسل محبب:
– متبعدوش تاني!
قبّلت رسيل خدها بحب قائلة بوعد:
– مش هنبعد تاني، هنبقى مع بعض في أي مكان
تهللت الصغيرة فتحرك أيهم نحوهم ومن خلفه والده بعدما رحب به، خاطب سميرة بتردد:
– أهلاً حضرتك
أعجب مروان من مبادرة ابنه السمحة ثم نظر لسميرة منتظرًا ردها، لم تُرِد سميرة الإختلاط به ولكن من الواجب ردت باقتضاب:
– حمد الله على السلامة
وجه أيهم بصره لرسيل مکملاً:
– أنا هاطلع ارتاح شوية، الخدامين طلعوا الولاد
حركت رأسها بتفهم ثم استدار ليسير نحو الفيلا، هتفت الصغيرة بتذمر:
– يا خسارة ناموا، كنت عاوزة ألعب معاهم
تدخل مروان موضحًا:
– حبيبتي جايين من سفر ولازم يرتاحوا
قلبت شفتيها بحزن طفيف فردت رسيل وهي تداعب أنفها بمرح:
– أنا هلعب معاكي، وبكرة لما يصحوا هتلعبوا طول اليوم، ولا مش عاوزة تلعبي معايا
اتسعت بسمة الصغيرة فاعترضت سميرة:
– بس يا حبيبتي لازم ترتاحي إنتي كمان!!
ردت رسيل بلا مبالاة:
– علشان خاطر رسيل كل ده، هلعب معاها لحد ما تنام
صفقت الصغيرة بكفيها مرددة بتلقائية:
– بجد يا مامي رسيل هتلعبي معايا؟
ضحكت رسيل على خفة ظلها مؤكدة بشدة:
– بجد يا روح مامي رسيل، يلا نروح نلعب دلوقت………!!
__________________________________
في شــرم الشيــخ……
بعد عودة ابنتها من المشفى لبيت زوجها إقترحت سلمى التجول على شاطئ البحر قليلاً، أحبت نور هدوء المياة والنسيم العابر من حولها فقررت نزول المياة، لذا ابتاعت ملابس للسباحة من أحد المتاجر القريبة، لم يحبذ آيان السباحة بل ظل جالسًا على كرسي ما زائغًا في زينة التي استلبت عقله وانحفرت ملامحها في ذهنه، ظل يعبث في محتويات الهاتف ويتطلع على شيء ما مجهول هويته ولكن هذا الشيء جعله يبتسم بشدة، لاحظ خروج والدته نور من المياة فتبدلت تعابيره للتجهم وعدم الرضى، انتبهت نور لهيئته المزعوجة فاستفهمت وهي تجفف جسدها بالمنشفة:
– أيه يا آيان، فيه حاجة ضايقتك هنا؟
مرر بصره على جسدها العاري بغموض جعلها تحتار في أمره، رد باندفاع:
– مش شايفة إن اللبس ده عريان قوي وميصحش يتلبس قدام الناس؟!
في نظره قارن بين والدته وبين زينة التي أعجبته بكل ما فيها، بينما اخفضت نور أنظارها لتتطلع على ما ترتديه بتعجب، حيث لم تجد في الأمر بالنسبة لها ما يزعجه، عاودت النظر له قائلة بتحير:
– وفين المشكلة؟، طول عمري لما بانزل المية بلبس مايوه، أيه اللي يخليك تضايق مرة واحدة كده مع إنها مش أول مرة تشوفني لبساه!!
لم يُرِد آيان خلق مشكلة معها بسبب ذلك أو يثير ريبتها في شيءٍ حياله، ثم لام نفسه على تسرعه، رد وهو ينهض:
– براحتك يا مامي، أنا هروح اتمشى شوية
اوقفته نور قائلة بانزعاج من حديثه:
– مش هتمشي غير لما تقول ليه قولتلي كده، تقصد إني كبرت على لبس المايوه يا آيان ولا أيه؟
نفى ذلك بقطع قائلاً:
– لا يا مامي كبرتي أيه دا أنا كلهم بيحسدوني عليكي، آسف يا مامي لو كان كلامي ضايقك
ثم تحرك لا يريد النقاش أكثر فحتمًا سيتأزم الموقف، هتفت نور بأمر أبان ضيقها:
– آيان استنى وكلمني
لم يجب عليها ليستمر في ابتعاده، نفخت نور وقد اكفهرت، جاءت سلمى من خلفها بعدما خرجت من المياه، استفهمت باندهاش:
– نور مالك متضايقة كده ليه، وآيان راح فين؟
ظلت نور مقتفية أثره شاردة في حديثه الجديد عليها والتي لم تعرف سببه إلى الآن، تنبهت لوجود سلمى فالتفتت لها قائلة بعدم مزاج:
– يلا يا سلمى عاوزة أمشي من هنا………!!
__________________________________
في الأسكنـــدرية…..
ظلت بغرفتها لا تريد الإنضمام لهم لتفكر بأريحيه في عرضه الذي بات مفاجئًا لها، احتضنت “لما” الوسادة وهي تتنهد بقوة فلما لا ترتبط به فهو شخص يمتلك ما يعجبها، ابتسمت بعفوية وهي تحاول تذكر رقته معها حين عرض عليها الزواج فهذا يعني أنه يكن لها مشاعر ما لم تدركها هي، خجلت وهذا جديد عليها من ارتباطها بأحدهم، لكن بداخلها ما حفزها على القبول، شهقت باضطراب مفاجئ حين تحدثت زينة من خلفها:
– “لما” إنتي صاحية؟
استدار لها حيث كانت توليها ظهرها، ردت بتوتر:
– خير يا زينة فيه حاجة؟
اقتربت منها قائلة بتعجب:
– أصلك بقالك كتير قوي في اوضتك ومش بتقعدي معانا، فيه حاجة متضيقاكي إحنا منعرفهاش؟!
ردت بنفي وهي تجلس على حافة التخت مرتبكة قليلاً:
– لا مافيش، أنا بس حبيت اقعد لوحدي!
ردت زينة ضاممة ثغرها بعدم إقتناع:
– شكلك مش عاوزة تقولي مالك، عمومًا براحتك، أنا بس جيت اطمن عليكي
ثم استدارت لتغادر فأسرعت “لما” بإيقافها قائلة:
– لا استني أنا عاوزة أقولك على حاجة
أخفت زينة بسمة ماكرة ثم عاودت الإلتفات إليها، تابعت “لما” بتردد:
– الموضوع بخصوص زين!
اندهشت زينة لتتحرك جالسة بجانبها، ردت باهتمام:
– احكي فيه أيه، هو ضايقك تاني؟!
ردت هازة رأسها بنفي:
– لأ طلب يتجوزني
انصدمت زينة بشدة ولكن بداخلها أحبت ذلك، حيث مجرد ابتعادها عن آيان يريحها للغاية، استفهمت بفضول:
– وقولتيله أيه؟
توترت “لما” فردت بحرج:
– قولتله سيبني أفكر
هتفت زينة بعتاب:
– هي دي محتاجة كلام، وافقي طبعًا!، زين شاب كويس قوي وعاقل، وطالما طلب يتجوزك يبقى أكيد بيحبك
نظرت لها “لما” بتفكير متحيرة، حمستها زينة قائلة:
– بتفكري في أيه بس؟، ولا إنتي بتفكري في حد تاني
عبارتها الأخيرة نطقتها بتوجس دفين تلمح بها على آيان، فطنت “لما” غرض زينة من ذلك فقالت بمعارضة:
– لو قصدك آيان لأ، أنا صرفت نظر في الإرتباط بيه
لم تصدق زينة أذنيها فهتفت بغرابة:
– وأيه اللي غيّرك كده، إنتي كنتي بتتحدي لين علشانه؟!
زفرت “لما” بخفوت لتوضح بعدم رضى:
– لما كنت معاه في النادي بالصدفة شوفت جواز سفره، لقيت نفسي أكبر منه، ومحبتش ارتبط بواحد أنا أكبر منه، أصل نسيت أقولك إني دخلت المدرسة بدري وسقط سنة وعدتها، يعني أكبر منكوا بكام شهر كده، والفكرة نفسها محبتهاش، على الأقل يكون قدي في السن!!
سُرّت زينة بسماعها ذلك، لذا حفزتها قائلة:
– خلاص متضيعيش زين من أيدك
هتف “لما” بتوجس بعض الشيء:
– بس مش عارفة كده بحسه مناقض، دا كان قبلها بيكلمني مش كويس، ودلوقتي طالب يتجوزني
ردت زينة بتخمين:
– تلاقيه كان بس متضايق من تفكيرك في آيان وقرّبك منه
اقتنعت “لما” فهتفت:
– تصدقي ممكن!
ابتسمت لها زينة بمغزى ثم وجدت هاتفها يصدح في جيب سترتها، أخرجته لترد ثم تملكها الإرتباك لتستشعره “لما”، حيث كان آيان!، استفهمت “لما” بتعجب:
– أيه مالك خوفتي كده ليه، هو مين اللي بيكلمك؟!
ابتلعت زينة ريقها في توتر لترد بتلعثم:
– ها.. لأ.. أبدًا مافيش!
ثم تجاهلته لتتابع بثبات زائف:
– خلينا في موضوعك أحسن………!!
__________________________________
في القـــاهـرة…….
كان هاتفه يعلن عن مكالمة أحدهم لكنه لم ينتبه له كونه كان على وضع الصامت، لكن المتصل به ساورته الشكوك بخصوص ذلك ليدرك بأنه يتجاهل، كانت مهجة من تهاتف اسماعيل فقد ارتابت في أمر غيابه هذا عند زوجته السابقة، مرض زوج الأخيرة جعلها تخشى رجوعه إليها إذا أصابه شيء، استمرت في مهاتفته مرات ومرات ولم تيأس محاولاتها فهي لن ترتضي مطلقًا وجود ما يربطهما ثانية، سوف تحافظ على كيان أسرتها بكل ما بها من قوة….
على الناحيةِ الأخرى كان اسماعيل واقفًا أمام الغرفة الماكث فيها زوج سالي في المشفى، لينتظر خروج الطبيب بين فينةٍ وأخرى ليخبرهم بحالته، حيث جلست سالي على المقعد الحديدي حاملة ابنتها على قدمیها وبات وضعها كمدًا، بالصدفة أخرج هاتفه ليشغل به وقته وإذا به يتفاجأ بالعديد من المكالمات الواردة إليه وجميعها من زوجته، سريعًا ابتعد مسافة ما ليعاود هو مهاتفتها، جاء صوت الأخيرة المتلهف والفوري فقال اسماعيل بقلق:
– خير يا مهجة، كل دي مكالمات، حد من العيال حصلّه حاجة!
ردت بامتعاض ممتزج بعتاب:
– فينك يا اسماعيل، كده تنسانا بالشكل ده وتقلقنا عليك
لم تبين مهجة ارتيابها في أمر وجوده مع سالي لتحتفظ بذلك لنفسها فربما هو لم يعد يفكر فيها، رد موضحًا لها:
– معلش يا حبيبتي، أصل جوز سالي حجزوه في المستشفى وحالته وحشة قوي، ادعيله يقوم بالسلامة أصل الوضع هنا مش كويس!
ردت بطاعة:
– حاضر يا حبيبي، يعني معنى كده هتقعد عندك كتير؟، إنت وحشتنا قوي
ابتسم قائلاً بتودد:
– أول ما حالته تستقر هتلاقيني جاي على طول، علشان إنتي كمان وحشتيني
هتفت سالي بتلهف منادية عليه:
– اسماعيل تعالى
اضطر لينهي مع مهجة سريعًا، خاطبها على عجالة وهو يتحرك نحو سالي:
– طيب يا مهجة هكلمك بعدين
ثم دنا من سالي التي تأففت من سماع اسمها، استفهم بترقب:
– خير يا سالي حصل حاجة؟
ردت كابتة ضيقها:
– أصل سو جعانة، فممكن تروح تجبلها حاجة تاكلها
نظر للطفلة قائلاً بحنان:
– عنيا ليها، هروح أجبلها كل اللي هي عاوزاه….
ألقت مهجة هاتفها على الأريكة لتنزعج من لهفته على الأخيرة وإنهاءه الحديث معها، قالت بغيظ:
– الست دي أنا مش مرتاحلها، حاسة كده ممكن تخليه يرجعها لو جوزها مات، بس أنا مش هسكت زي كل مرة
ثم نفخت بقوة لتضيف بقلق:
– يا رب يا اسماعيل متكونش بتفكر فيها، أنا مصدقت بقيت ليا لوحدي………!!
__________________________________
قضت وقتًا طويلاً بالأسفل مع الصغيرة ثم انتظرت حتى غفت بعدما أجهدها اللعب، ولجت رسيل غرفتهما لترتاح هي الأخرى، تفاجأت بإفاقة أيهم وهو جالس على التخت يدخن سيجارته ولاحظت تعابيره المزعوجة، تدرجت منه قائلة بعدم رضى:
– مش كنت خلاص بطلت شرب البتاعة دي، ليه رجعت تشربها، مش خايف على صحتك؟
ظل على سجيته فتابعت بتعجب:
– أيهم شكلك منمتش، فيه حاجة ضايقتك؟، شكلك مش مريحني!
نظر لها قائلاً بهدوء مقلق:
– مجتيش ورايا ليه، قد كده حتة العيلة واكلة عاقلة علشان تيجي تشوفي جوزك عاوز أيه؟!
لم تعرف رسيل ماذا تقول واكتفت بالنظر له مدهوشة، أكمل أيهم هذه المرة بانفعال:
– كل ده معاها تحت، أومال لو بنتك هتعملي أيه، حاسس إني هابقى ولا حاجة!
ردت رسيل باستنكار شديد:
– أيهم إنت بتغير من بنت صغيرة، معقولة!
لم يرد عليها فأكملت بتعليل:
– وكمان كل الحكاية إني محبتش أزعلها، هي كانت مستنية تلعب مع الولاد، بس أنا قولت طالما هتنام أخليني معاها وافرحها
نفث دخان سيجارته وهو متردد في الرد، هو بالفعل يُغار من الطفلة ومن إهمالها له، انزعجت رسيل وهي تراه يعود للتدخين مجددًا فانتزعت السيجارة منه قائلة وهي تطفئها:
– سيب الزفتة دي وكلمني، مش اتفقنا تبطلها!
ثم نظرت له لتجده بالفعل مزعوجًا وكان يفرغ ضيقه في التدخين، خاطبته محاولة الهدوء:
– إنت كنت مستنيني ومنمتش؟
هز رأسه لتبدو هيئته التي تُغار تلك محببة لها فابتسمت، دنت منها قائلة بحب وهي تضمه لحضنها كطفل صغير:
– آسفة يا حبيبي، لو أعرف كنت جيت على طول، أنا لحد دلوقتي مش مصدقة إنك بتغِير من عيلة صغيرة
طوقها بذراعيه قائلاً بقتامة:
– بعد كده تهتمي بيا علشان مبصش برة
ابتعدت عنه هاتفة بعبوس:
– نعم، هو إنت ممكن تبص لحد غيري، دا أنا افقع عينك
جذبها لأحضانه مرة أخرى قائلاً بمكر:
– خليكي معايا واهتمي بيا وهتلاقيني ليكي لوحدك
ردت بوعیدٍ جاد:
– اعملها بس، موتك مش هيكفيني
رد بثقة اثارت حنقها:
– ولا هتقدري تعمليلي حاجة!
كان يستفزها بحديثه فصرت اسنانها باغتياظ ثم ابتعدت لتنظر له، قال ببرود:
– هتهتمي بيا مش كده؟!
توجست مما يفكر به فهي لن تتحمل حدوث ذلك، خاطبته بتكشر:
– على أساس بتحبني يعني!
كان أيهم يقول ذلك ليجعلها فقط تعيره اهتمام، لكن لم يفكر مطلقًا في غيرها، رد بنبرة جعلتها تخشى القادم:
– الحب ملوش دعوة، المهم الإهتمام……….!!
___________________________________
في الأسكنـــدرية…..
بلغ زين مكتبه ليستقبله زين ابن اخته الذي كان ينتظر قدومه بداخله، جلس على مقعده الوثير قائلاً بهيبة:
– ها أيه الأخبار؟
رد زين باحترام وهو يجلس:
– كل حاجة تمام حضرتك، بس فيه حاجة كده مش مظبوطة!
استفهم بجدية:
– كمل على طول!
رد الأخير بارتياب:
– حاسس إن وجود الحاج عيسى في اسكندرية لحد دلوقتي وراه حاجة، خصوصًا إن اللي بعتهم يراقبوه بلغوني إن فيه واحد كده فلاح بيرافقه في كل مكان، بيتهيألي بيخططوا لحاجة
أنصت إليه زين باهتمام، قال بتأفف:
– الراجل ده مش عارف طلعلي منين، بس متقلقش، أنا كلمت معتز عليه وهيبقى يشوف، خليه بس يعمل حاجة متعجبنيش، واضح إنه مش عارفني كويس، سيبك منه وخليك في اللي هطلبه منك
رد زين بعملية:
– تحت أمرك!
بدا على زين الإعجاب به، قال بتكليف:
– أنا هسافر فرنسا كام يوم كده أنا وبابا ونور، يعني كل حاجة هتبقى في إيدك إنت، وأنا كلمت آيان يبقى يساعدك لو فيه حاجة، آيان بيفهم في جدولة الأعمال والسيستم بتاعنا كامل، وهو وعدني مش هيتأخر، وعنده خبرة في الإنترنت كويسة!!
أوعز مستفهمًا بقلق:
– طيب أنا خايف من الحاج عيسى يستغل غياب حضرتك ويعمل حاجة كده ولا كده!
هتف بنبرة مرعبة:
– خليه يعمل حاجة وهيشوف هتصرف إزاي، إنتوا ولادي وهتبقوا مكاني في غيابي، خليه يقرب من حاجة تخصني
رد زين بامتنان من عطفه الدائم عليه:
– ربنا يخليك لينا وترجع بالسلامة…….!!
__________________________________
انتبهت لرنين هاتفها وهي تدلف من المرحاض تجفف شعرها، تحركت زينة نحو الهاتف لتجيب، لم تندهش كثيرًا حین وجدته هو، مدرکة بأنه لن يكف عن إزعاجها، ابتسمت بسخرية ثم أجابت ببرود:
– عاوز أيه؟
استغرب آيان من نبرتها الغير مبالية، فهذا ما لم يكن ینتظره منها، رغم ذلك رد بمكر:
– مش أنا اللي عاوز، إنتي اللي عاوزة!
سارت لتجلس على طرف التخت وهي تتأفف في نفسها، لم تعد تخشاه كالسابق وذلك بعد نية “لما” في عدم الإرتباط به، تابع مستفهمًا وهو يتحرك في الغرفة:
– هتيجي إمتى علشان تخديها؟
ردت باستهجان صريح:
– مش عارفة ليه شيفاك حقير!
لم يعلن إهتياجه من احتقارها له، لكن لاحظته في نبرته حين رد:
– هخليكي تشوفيني كويس متستعجليش، لسه مشوفتيش تربيتي، وهتندمي على كلامك ده
ضحكت زينة بصوتٍ عالٍ ازعجه حيث بدت تستهزء بحديثه، قالت بغرور:
– مفكرني هخاف منك، وعلشان تعرف كويس إنك ولا حاجة بكرة هكون في العوامة علشان آخد السلسلة بتاعتي
رد بتعجب جاد:
– ياه، بجد مش خايفة مني!، من إمتى بقى الجراءة دي؟!
لم تعقب زينة على حديثه بل ردت بمفهوم:
– حاول تغير من تصرفاتك علشان اشوفك كويس، واضح إنك ابن ناس، بس تصرفاتك بتاعة ولاد شوارع
للمرة الثانية تحامل على نفسه وهو يستمع لها تهينه ليختزن كل ذلك لها فليس الآن ليثأر لنفسه، ختمت هي الحديث بنفور:
– سلام مش فضيالك، عندي حاجات أهم
ثم اغلقت الهاتف غير مكترثه برده عليها، أفرغ آيان شحنة غضبه حين ألقى الهاتف بعنف ليصطدم بالمرآة ليحدث ضجيجًا حين تفرقت مكوناته، ناهيك عن تحطم المرآة!، وقف منتصف الغرفة يتنفس بغضب، هدر بتوعدٍ قاسٍ:
– طيب يا زينة، بكرة هوريكي تربية ولاد الشوارع……….!!
_________________________________
دعته لغرفتها بداخل الفندق فاستجاب تحت طلبها ذلك، لم یبغی مازن رفض طلبها فهي مجرد زيارة فقط، وقف عند باب جناحها حاملاً باقة من الزهور كنوعٍ من الذوق، طرق الباب بهدوء ثم انتظر وهو يتنفس بتوتر، فهو إلى الآن متردد في المجيء أو حتى عمل صداقة معها ولو كانت عابرة، لكن أحب تجربة ذلك…
بالداخل كانت واقفة عند المرآة تزين وجهها بمساحيق التجميل التي جلبتها خلسة، هندمت حافصة فستانها القصير عليها سريعًا بعدما انتبهت لدقات الباب، تحركت نحو الباب لتفتح محاولة التهادي في خطواتها، بل التبختر أيضًا، باشرت بفتح الباب فجحظ مازن عينيه بصدمة وهو يراها هكذا، ابتلع ريقه وقد ارتبك، تجرأت حافصة لتسحبه من يده للداخل قائلة ببسمة متسعة:
– هتفضل واقف كده ولا أيه، تعالى أدخل!
أدخلته ثم تعمقت به للداخل، أخفض أنظاره ليتحاشى رؤيتها هكذا، قال بحرج:
– باين جيت بدري، علشان لسه ملبستيش
اقتربت منه غير مبالية بالأعراف، قالت بنعومة مصطنعة وهي تأخذ الباقة لتلقیها علی التخت باهمال:
– لأ دا أنا لابسة كده علشان لتكون فاكر إني فلاحة ولا حاجة
ثم سحبته ناحية طاولة الطعام متابعة بشغف:
– تشرب أيه؟
لم يجذبه كل ذلك بل وجوده معها هو من أقلقه، ازدرد مازن ريقه وهو يرد ناظرًا إليها بتلجلج:
– هو عادي لو حد شافك كده؟
نفت وهي تطوق عنقه دون حياء:
– لا طبعًا مش عادي، دا ابويا كان يدبحني
نظر لها وقد كثرت الأسئلة في عينيه فابتسمت، ردت بمكر:
– أيوة إنت بس اللي شوفتني كده
دب الهلع في قلب مازن ليسألها بتذبذب:
– ودا معناه أيه؟!
هذه المرة لم ترد بل ولوج والدها السيد عيسى عليه أجج من وجله لينتفض ملتفتًا إليه، هتف الأخير باهتياج زعزع أوصاله:
– أيه المسخرة اللي بتحصل هنا دي؟………………….
____________________________
____________________
______________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.