رواية مغرم بك – الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر
الفصـل الحـادي عشــر
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــ
في الأسكنـــدرية…..
قام بالنقل من فندق المنتجع إلى آخر لحفظ كرامته التي قلل زين منها كما اعتقد، على إحدى الطاولات الراقية أمام حوض السباحة بأحد الفنادق الراقية جلس السيد عيسى برفقة أسرته المكونة من ابنتيه فقط، لمح من بعيد الحاج عبد الحميد يتدرج منهم فابتسم باتساع، فور اقتراب السيد عبد الحميد هو ابنه مازن منهم نهض عيسى هاتفًا بترحيبٍ حار وواجب:
– أهلاً يا حاج عبد الحميد، شرفتني!
بادله عبد الحميد الترحيب حين عانقه بألفة قائلاً:
– الشرف ليا يا عيسى بيه إني جیت أشوفك النهاردة
ثم ابتعدا فوجه عيسى بصره للشاب الذي خلفه قائلاً بتخمين:
– دا أكيد مازن
ابتسم مازن ليدنو منه قائلاً بأدب وهو يصافحه:
– أهلاً يا حاج عيسى
صافحه عيسى وهو يتمعن فيه النظر فبات معجبًا به، لم يعلق عيسى ليردف وهو يشير على إحدى المقاعد:
– إتفضل يا حاج إرتاح!، اتفضلوا اقعدوا
جلس جميعهم على الطاولة الفخمة فهتف عيسى بمفهوم:
– دول بناتي، حافصة وحنان
وجه عبد الحميد بصره نحوهم وهو يبتسم كترحيبٍ منه لهن، بينما انتبه مازن لنظرات إحدى ابنتيه له وثغرها مثني ببسمة لم يتفهمها، ارتبك قليلاً ليشيح بنظراته عنها، همست اختها لها عائبة عليها:
– عيب يا بنتي اللي بتعمليه ده، الجدع يقول عليكي أيه!
لم تكترث حافصة لحديثها لتستمر في النظر له، همست بتنافر:
– سيبيني بقى اشوف حظي، هفضل كده لحد إمتى دا أنا مصدقت ابوكي رضى ياخدنا معاه علشان نشوف الأشكال الحلوة دي
عقدت اختها جبينها هامسة بعدم قبول:
– وإنتي بكده بقى هتشقطيلك عريس، دا مش بعيد يفكر إنك واحدة من إياهم
تأففت حافصة قائلة باقتناع لما تفعله:
– خليكي في نفسك إنتي كده، أنا عارفة باعمل أيه…!!
هتفت عبد الحميد مدعي الضيق حين أخبره عيسى برفض زين لمشاركته في المنتجع:
– دا يبقى خسر كتير يا حاج، هو مش عارف إنت تبقى مين!
رد عيسى كابحًا غضبه لأخذ حقه الآن:
– بكرة هيندم، هخليه بنفسه يطلب يشاركني!!
ثم رفع رأسه بثقة كأنه لا يهتم فزادت قيمته في نظرات عبد الحميد وابنه، جاء النادل بقوائم الطعام ليوزعها باكتهاء فقد حان موعد العشاء، سألهم عيسى بأبهةٍ:
– هتتعشوا أيه بقى؟……..!!
_________________________________
في مكـة المكــرمة….
غفا أطفالها الخمسة فدثرتهم جيدًا ثم وصت الخادمات عليهم، دلفت رسيل من غرفتهم بداخل الفندق ثم تحركت في الردهة لتقع عيناها على ساعة الحائط، كانت الساعة العاشرة مساءًا وهو لم يأتي بعد، نفخت بقوة ثم توجهت لغرفتهما، ولجت رسيل ثم تحركت للداخل ناظرة للطعام المنمق على الطاولة منتصف الغرفة، حيث عشاءهم الذي طلبته من إدارة الفندق خصيصًا لهما، أخذت رسيل الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تفرك أناملها بغيظ فقد أخبرها بعودته مبكرًا، ولقد تهيأت من أجله وارتدت ما يحلو له، سألت نفسها بعبوس:
– اتأخر ليه ده، دا اللي قالي هاجي بدري علشانك!
ثم ضمت شفتيها بقوة مزعوجة منه، مر وقت عليها وهي تنتظره دون جديد، ناهيك عن هاتفه المغلق!، نظرت للساعة المسنودة على الكومود فانصدمت حين وجدتها الواحدة بعد منتصف الليل، لم تحتمل رسيل كثيرًا حتى توجهت ناحية خزانة الملابس لتسحب ثيابًا أخرى لها للخروج، انتقت عباءة ثم شرعت في إرتداءها وهي تغمغم بتذمر:
– ماشي يا أيهم، كده تتأخر عليا
ثم أنهت ارتداء ملابسها وأحكمت حجابها عليها، دلفت خارج غرفتها ومنه لخارج الجناح خاصتهم لتبحث عنه أو ربما تنتظره بالأسفل، لا تعرف ولكنه ضايقها بتأخيره هذا…!!
هبطت رسيل لبهو الفندق وعينيها تتحرك هنا وهناك باحثة عنه، تنهدت بقوة وهي تسير نحو إحدى الأرائك لتجلس عليها، أثناء سيرها انتبهت له يدلف الفندق، تصلبت نظراتها الشرسة عليه حينما وجدته بصحبة فتيات؛ وقف أيهم عند المدخل يتسامر مع أحد الرجال ومعه فتاتان يقربن له، كان الحديث ودي يتخلله بعض الضحكات العفوية، كزت رسيل على أسنانها وهي ترى الفتيات يتطلعن عليه بنظرات اعجابٍ دون حياء، فورًا تحركت ناحيتهم وهي مستشاطة داخليًا، أخفت ضيقها ثم دنت منهم فانتبه أيهم لها، تعجب من وجودها بالأسفل فاستفهم:
– رسيل إنتي تحت بتعملي أيه؟
سريعًا مررت أنظارها عليهم مزيفة ابتسامة، نظرت له قائلة بهدوءٍ مريب:
– كنت بدور عليك علشان عاوزاك في موضوع مهم!
تنحنح أيهم ثم نظر للآخرين فسبقه الرجل قائلاً بسماحة حين تفهم:
– نشوفك غدًا سيد أيهم، اعتقد تأخر الوقت!
ابتسم أيهم لهم ثم نظر لرسيل الجامدة قائلاً:
– يلا يا حبيبتي
استدارت متحركة نحو المصعد وهو من خلفها مستغربًا هيئتها التي باتت من نظره متضايقه، دلفت المصعد أولاً ثم هو، خاطبها بحذر بعدما ضغط رقم جناحهما:
– رسيل شكلك زعلانة من حاجة؟
كما هي جامدة التعابير وغير مفسرة هيئتها، فقط تنظر أمامها ضامرة الصراخ في وجهه كونه تناسى مواعدته لها، رفع أيهم حاجبيه مدهوشًا أكثر وهو يتأملها، أكمل وهو يخبط أسفل ذقنها:
– بت بكلمك مالك؟
دفعت يده بغيظ استشعره ثم أحدت إليه النظر، تابع بحيرة وهو يدنو منها:
– أيه اللي مزعلك كده؟!
هتفت بتبرم ممتزج بالسخرية:
– طبعًا هتفتكر أيه اللي مزعلني ولا إنك متجوز أصلاً وإنت سهران مع البنات دول
رجع أيهم بفكره للخلف ليتذكر بعدما عصر ذهنه، لعن نفسه في سره فقد تناسى بأنها كانت تنتظر مجيئه، قبل أن يتفوه بكلمة انفتح باب المصعد لتدلف هي قبله منكتلة في خطواتها نحو الجناح، تحرك من خلفها يحاول اللحاق بها وهو ينفخ، ولجت رسيل للداخل فوجدته يمسك بذراعها كي يجعلها تتوقف، ادارها إليه معللاً سبب تأخره:
– على فكرة أنا روحت عند أنكل رؤوف أشوفه الأول ونسيت اقولك، وبعدين روحت قابلت الناس اللي شوفتيهم والكلام أخدنا، مش المفروض تزعلي مني!
للمرة الثانية اقصت يده التي تمسك بذراعها قائلة بعدم اهتمام زائف:
– براحتك خالص إسهر وانبسط
لم يقتنع بمرورها الأمر بتلك السهولة ثم أظلم عينيه، سألها بشك:
– يعني إنتي مش زعلانة؟
ردت ببرودٍ مصطنع:
– أنا مش زعلانة ولا أي حاجة، تصبح على خير
ثم تحركت سريعًا نحو الغرفة وقبل أن يصل هو للباب كانت موصدة إياه خلفها، أمسك مقبض الباب ليفتحه فوجده مغلقًا بالمفتاح فتعجب، هتف بترقب:
– رسيل إفتحي إنتي نسيتيني برة!
هتفت من الداخل بعنادٍ وهي تشلح عباءتها:
– شوفلك مكان نام فيه، أنا تعبانة ومش فضيالك، ولا أقولك، روح عند اللي كنت عندهم!
أدرك بأنها كانت تكذب وما زالت مزعوجة منه، رد باستياء:
– دا إنتي لسه زعلانة بقى
لم ترد عليه لأنها صعدت على الفراش لتغفو، حاول التنصت عليها بالداخل متابعًا:
– طيب افتحي أصالحك
لم تجب تلك المرة أيضًا ليتيقن بأنها تجاهلته، انفعل هادرًا بضيق:
– ماشي يا رسيل، بس إفتكري إنك نيمتيني برة، ومش هعديهالك على فكرة
ثم تحرك ناحية إحدی الغرف متخذًا قراره بأن يغفو فیها، غمغم بتوعد من بين أسنانه وهو ينزع سترته:
– استني بس أما أشوفك بكرة ……!!
__________________________________
في القــاهـرة…..
دلف الفيلا هو وهي بعدما عادوا من المشفى، أسندها اسماعيل من معصم يدها فقد كانت تبكي بشدة بعدما احتجزوا زوجها لتدهور حالته، تحركت سالي معه لتجلس على أقرب مقعد وهي تنتحب في صمت، جلس اسماعيل بجانبها ثم واساها قائلاً:
– إن شاء الله هيقوم بالسلامة، متعمليش في نفسك كده!
أزاحت عبراتها لتتجدد بأخرى معربة عن حزنها، رددت بأسى:
– ليه ربنا مش عاوزني أفرح، ليه دايما لما آلاقي حد اتعلق بيه حياتي تخرب ويبعدني عنه، عاوزة أستقر بقى كفاية عليا كده استحملت كتير
ثم تعالت شهقاتها فنظر لها اسماعيل بحزن، لم يجد أمامه سوى ضمها إليه ليخفف عنها قائلاً:
– قولي الحمد لله، أكيد ربنا له حكمة في كده
استشعرت بذلك الدفء القديم وقت كانت زوجته حين ضمها لصدره، أحسّت بالآمان والألفة وعفويًا استسلمت له لتهدأ قليلاً، شعر بسكونها فاستفهم بقلق:
– سالي إنتي كويسة؟
التفت ذراعاها حوله وهي ترد باقتضاب:
– كويسة قوي
اضطرب اسماعيل من ردة فعلها لتخالجه بعض الذكريات السابقة، خشي الخوض فيها مجددًا فلذلك أبعدها عنه قائلاً بارتباكٍ داخلي:
– طيب اطلعي ارتاحي فوق
بدت نظراتها نحوه توتره، للحظات انتبهت سالي لنفسها فكيف لها أن تفكر به، ربما احتياجها له دفعها لذلك!، تنحنحت بحرج وهي ترد:
– طيب خليك معايا هنا علشان أنا لوحدي!
رد هازًا رأسه بتفهم:
– متخافيش أنا هنا معاكي كام يوم
ابتسمت له بضعف ثم نهضت لتتحرك نحو الأعلى، راقب اسماعيل صعودها ثم نفخ بقوة ليهدئ توتره وهو يلعن بداخله ميله نحوها أو اقترابه منها فربما فرصة سائغة لعودتهما، حرك رأسه بعدم قبول فقد استقر وضعه مع زوجته، حدث نفسه بتمنٍ:
– ربنا يعدي اللي جاي على خير……..!!
___________________________________
في الأسكنـــدرية…….
تيقظت من نومها ثم فتحت عينيها ببطء وهي تتثائب، انتبهت لين لـ نور وهي تضب أغراضها داخل حقيبتها، تعجبت من ذلك ثم اعتدلت لتستفهم بجهل:
– بتلمي حاجاتك ليه يا نور؟
ردت الأخيرة وهي ما زالت تجمع أشياءها:
– راجعة شرم!
شهقت لين بتفاجؤ ثم نهضت سريعًا مرددة:
– ليه بقى إن شاء الله؟، مش قولتي هتقعدي كام يوم معانا
لوت نور فمها بتهكم، وقفت لين بجانبها فتوقفت نور عما تفعله قائلة:
– أصلي كده زهقت، وباين أصلاً مافيش رغبة في وجودي
هتفت لين باعتراض:
– مين اللي قال كده إن شاء الله، إحنا كلنا بنحبك
ثم صمتت لتتذكر ما حدث ليلة أمس، زمت شفتيها مفطنة الأمر، نظرت لها متابعة بدراية:
– قصدك على خروجنا امبارح يعني، سيبك يا ستي متضايقيش، ما إنتي شوفتي بعينك آيان بيعاملني إزاي!
ردت نور بامتعاض:
– على فكرة زين باعتبره زي أخويا، بس هو امبارح كان بيكلمني وشكله مش طايقني، مفكر خروجنا ده علشان ابقى قريبة منه
ربتت لين على ظهرها قائلة ببسمة رقيقة:
– طيب خليكي على الأقل معايا، إنتي عارفة باحبك قد أيه!
رسمت نور بسمة ودودة أعلنت بأنها تبادلها المحبة، لكن ما حدث أمس ازعجها، ردت مختلقة سببًا ما:
– المرة الجاية، أنا بس افتكرت إن عندي شوية حاجات للجامعة لازم أخلصها وكده
تنهدت لين بعُمقٍ لا تريد أن تضغط عليها كثيرًا، هزت رأسها قائلة بحزنٍ طفيف:
– طيب اللي تشوفيه يا نور…..!!
_________________________________
دلفت من كافية الجامعة ممسكة بمشروبٍ ما ساخن يلائم وعكتها الصحية التي تمر بها، تحركت “لما” ناحية مبنى الجامعة من الداخل لتلج ولكن أثناء سيرها المتأني لمحته واقفًا فتعجبت، ارتبك زين حين رأته فقد جاء من أجلها، اشتد ارتباكه حين وجدها تقترب منه وتبتسم له، للحظات ظن بأنها تريد الحديث معه أو ربما أحست بما يكنه لها، دنت “لما” منه مرددة ببشاشة:
– صباح الخير يا زين!
ابتسم بتوتر وهو يجيب عليها:
– صباح الخير
سألته بشغفٍ أشعره بوخزة في قلبه:
– ماشفتش آيان، بدور عليه من وقت ما جيب مش لقياه؟
أخفى زين تضايقه ولكنه ظهر في نبرته الفظة حين رد:
– هاعرف منين، حد قالك إني ماشي وراه بتابع رايح وجاي منين
اندهشت “لما” من ردة الغليظ عليها، كما لاحظت بروده وجفاءه المفاجئ، حزنت من رده فقالت بندم:
– آسفة إني جيت وسألتك!
لم يرد زين فاستدارت لتغادر وقد تجهمت قسماتها، كزت على أسنانها من معاملته معها واغتاظت، لم تحتمل بداخلها حتى اعلنت هياجها، التفتت لتوبخه على طريقته ولكنها تفاجأت به قد رحل، شهقت في نفسها بغرابةٍ منه، استفهمت لنفسها باستياء:
– ماله ده بيكلمني كده ليه وبقى بارد؟
التفتت لتبحث عنه فوجدته استقل سيارته لينطلق بها فتعقبته بنظراتها الحانقة وهو یغادر من أمامها، رددت بغيظٍ:
– دمه تقيل……!!
_________________________________
توجه نحو قاعة المحاضرات وهو يعبث في هاتفه كي يلج لمباشرة المحاضرة الأولى، وقفت هي من بعيد تنتظر قدومه ليتسنى لها الحديث معه دون رؤية أحد لهما وقد بدت اعصابها مشدودة، لمحته زينة فتوقفت عن التنفس للحظة، ابتلعت ريقها ثم تهيأت لمناداته بصوتٍ متردد خرج بصعوبة:
– آيـان!
قبل أن يخطو من الباب للداخل توقف متجمدًا موضعه متخيلاً بأن أحدهم يناديه، عاود صوتها مجددًا وهي تناديه مما جعله يجحظ عينيه بعد تصديق، نادته زينة بنفس نبرتها:
– آيـان!
سريعًا كان مديرًا رأسه للجانب حيث صوتها فوجدها عند إحدی الزوایا واقفة تتطلع عليه، ارتسمت بسمة خفيفة عذبة على محياه، لوّحت له بذراعها كي يأتي فتبدلت بسمته للمكر بالتزامن مع نظراته المظلمة التي اربكتها، تحرك نحوها ومع كل خطوة يدق قلبها من فرط توترها، دنا آيان منها فتحركت ناحية زاوية ما جانبية متوارية عن الأنظار فزاد اندهاشه حين رفع حاجبيه، اتسعت بسمته الخبيثة وهو يتحرك خلفها فوضحت الأمر بنفور:
– أصل مش عاوزة حد يشوفني معاك!
تلاشت بسمته وتبدلت تعابيره للضيق، رد بعلو شأن:
– شرف ليكي، إنتي مش عارفة أنا مين، عاوزة تعرّفيني إني مش عاجبك، دول أصحابك هيتجننوا عليا
ابتسمت زينة بتهكم وهي ما زالت محتفظة بنظرات الإزدراء ناحيته والتي أغاظته من تكبرها عليه، ردت بسخرية:
– فاكر نفسك أيه، إنت متهمنيش في حاجة، وأحسن لك تخليك بعيد عني، علشان إنت متعرفش أنا مين وأهلي يبقوا أيه، وبطل غرورك ده ومتعملوش عليا
رمقها بنظرات اعجاب من ثقتها الزائدة، قال بوقاحة لاحت في نظراته نحوها:
– معقول مافيش حاجة فيا عجباكي؟
لم ترغب في المماطلة معه حتى لا يتجرأ أكثر عليها، مدت يدها مرددة بجدية:
– هاتها يلا
وجه بصره ليدها الممدودة مستفهمًا باستفزاز:
– هي أيه دي؟!
حدجته بشراسة وهي ترد محاولة الهدوء:
– السلسلة بتاعتي، هاتها!
مط شفتيه ليماطلها في الرد فترقبت رده، رد ببرود:
– مش معايا، نسيتها في العوامة
سألت بقسماتٍ مكفهرة:
– طيب هتجيبها إمتى؟
رد بنفس بروده وهو يمرر نظراته المباحة عليها:
– تعالي العوامة خديها، هو دا شرطي
من نظراته فطنت نيته الحقيرة نحوها، حدجته بغضب وهي تردد:
– إنت واحد مش متربي، أكيد عاوز توديني هناك علشان ….
بترت بقية جملتها خجلة من التكملة ونظراتها المحتقرة عليه، ضحك آيان باستفزاز وهو يستفهم غامزًا لها بعينيه:
– علشان أيه كملي؟
كزت على أسنانها بقوة تريد بداخلها الفتك به، ردت برفض قاطع:
– مش هروح البتاعة دي، ميشرفنيش ابقى معاك في مكان لوحدنا، أصلاً إنت….
صرخت بصدمة حين ألصقها بالحائط من خلفها ويده تمسك بفكها والأخرى قابضة على كعكة شعرها، بدأ صدرها يعلو ويهبط من شدة ارتباكها وهي تنظر إليه، رد آيان بغضبٍ داخلي:
– لو سمعتك بتهنيني تاني مش هيحصلك كويس، على أساس أنا وإنتي فين دلوقتي، مش إنتي اللي جيباني هنا!
اختلجت انفاسها وهي كذلك، أجل هو محق!، خرج صوتها وهي تردد بصعوبة:
– أنا بس عاوزة السلسلة بتاعتي، هاتها وسبني في حالي، إنت عاوز مني أيه وليه بتعمل معايا كده؟
لم يرد آيان وبدا مغتاظًا منها بل ظل ممسكًا بها لتخمن هي، قررت زينة استخدام اللين معه وعمل هدنة فهي جاهلة لما يستمر هو في مضايقتها، تابعت بتوسلٍ زائف وهي تخبط بخفة يده الممسكة بذقنها:
– طيب سيبني أنا آسفة!
لم يصدق أذنيه وهي تعتذر منه للتو، رقة صوتها جعلته يتركها فتنفست هي بهدوء، اكملت وهي تدفعه بحذر من صدره:
– ممكن تبعد شوية
ابتعد آيان منصاعًا لها فاندهشت في نفسها، وجدت أن الهدوء يمشي معه فابتسمت في نفسها بمكر، بينما خشي آيان أن يبدو أمامها ضعيفًا وهو يطيعها، قال بثباتٍ زائف وهو ينبه عليها:
– على فكرة دا آخر تحذير ليكي لو لسانك ده شتمني تاني، والسلسلة مش هتخديها غير في العوامة!
ضمت زينة شفتيها بضيق، ردت وهي تتحرك بتأفف للمغادرة:
– سيبني أفكر……..!!
___________________________________
حضر الطبيب ثم ظل معه بالداخل وقتًا لا بأس به ونور واقفة قرب التخت تتابع بأعين لم تكف عن البكاء الواجم والطبيب يتفحصه، كان زين ملازمًا للطبيب حتى انتهى ونظراته البائسة على والده المريض، جمع الطبيب أشياءه ثم انتصب في وقفته، قال باطلاع:
– هو زي ما هو مافيش جديد، القلب ضعيف قوي
سأل زين باغتمامٍ جلي:
– طيب والعلاج اللي بياخده، مبيعملش حاجة؟!
رد الطبيب موضحًا بتنهيدة:
– العلاج دا هو اللي مخليه شادد حيله معانا دلوقتي، من غيره هيتعب أكتر من كده!
لمح الطبيب بكلماته التي تفهمها زين وأن الدواء هو سببه وجوده على قيد الحياة، بعد مشيئة الرب بالتأكيد، قال زين بحضور ذهن:
– طيب متشكر لحضرتك
ابتسم الطبيب بزيف ليغادر، التفت لنور وجدها تبكي بألم فتنهد بحزن، عاود النظر لوالده ثم تطلع عليه بشفقة، فتح فاضل عينيه بضعف، كانت نظراته موجهة لنور، خاطبها بنبرة مجهدة:
– تعالي يا نور!
كفكفت عبراتها ثم أغذت في السير نحوه مجيبة بطاعة:
– نعم يا بابا
بدا صوتها مبحوحًا، قال بتكليف:
– عاوز أشوف الولاد
تدخل زين قائلاً:
– حاضر يا بابا هنجيبهم، بس ارتاح إنت شوية
رد بتنهيدة ضعيفة:
– أنا كويس، بس حابب أقعد معاهم وأشبع منهم
ردت نور بتوضيح:
– أول ما يرجعوا على طول من المدرسة هجيبهم!
هز رأسه بتفهم، قال بنصب:
– آيان كمان كنت عاوز اتكلم معاه ضروري
رد زين نافخًا بضيق:
– يا بابا حضرتك بتتكلم كده ليه، ارتاح إنت وهما أول ما يوصلوا هيقعدوا معاك
رد فاضل بعدم رضى وقد شدد من عافيته:
– أنا مش تعبان، أنا بس عاوز اقعد معاهم وأنصحهم في حياتهم، هقولهم ميعملوش زيكم لما يكبروا، علشان انتوا فشلة
ضحكت نور رغمًا عنها وكذلك زين، قال زين باستنكار:
– ما إحنا كويسين قدامك أهو يا بابا وحلوين
رد بعدم اقتناع وهو يصر على موقفه:
– برضوه عاوز أنصحهم
ردت نور هازة رأسها بانصياع:
– تحت أمرك يا بابا، أول ما يوصلوا على طول هجيبهم……!!
___________________________________
تعجبن الفتيات منها وهي تنتظر هكذا بعدما انتهت محاضراتهن، هتفت مايا مستفهمة بتأفف:
– تقدري تقولي إحنا مستنين أيه لحد دلوقتي؟
ردت “لما” دون النظر إليها وهي ما زالت تجوب جميع الأنحاء باحثة عنه:
– مستنية آيان
لوت مايا شفتيها بسخرية، بينما هذا هو الرد الذي استنبطته زينة، لكنها لم تعلق فكيف لهذا الحقير أن يتقرب منها و”لما” من تكون صديقته؟، شردت زينة في تلك المسألة فلما لم تنتبه من قبل؟، ماذا إن علمت “لما” بما يفعله معها؟، شهقت في نفسها بتوجس من القادم فهذا السمج لن يتركها، عادت للواقع على صوته المميز يتحدث بجلادة:
– حسيت إنكم مستنيني!
أشاحت زينة بوجهها حتى لا تختلط نظراتهما، بينما ابتسمت “لما” بتبهج مؤكدة:
– أيوة مستنينك، كنت عاوزة أعرف هتروح النادي امتى، نفسي اتفرج عليك وإنت بتلعب باسكت
رد بثقة ليستفز زينة:
– أنا في الباسكت مافيش زيي، خصوصًا إني طويل والكورة بتدخل بسهولة
زفرت زينة بضجر جعله يخفي ابتسامته، غمغمت باستهزاء:
– مغرور!!
هتفت مايا باستفهام:
– طيب هتروح امتى، عاوزة أنا كمان اتفرج عليك وأشوفك وإنت بتلعب
رد بمعنى وهو يختلس النظرات لزينة التي تتجاهله:
– الإتنين هكون في النادي، عندي ماتش أصلاً، هابقى مبسوط قوي لو شرفتوني
– دا إنت عمرك ما عزمتني!!
قالتها لين بانزعاج حين استمعت لحديثهم وهي تقترب منهم، التفت لها آيان متأففًا فتأجج حنقها، نظرت “لما” لمايا بمعنى أنها نافرة من وجود تلك الفتاة، همست مايا لها:
– سيبك منها، هو نفسه مش طايقها!
انتبهت زينة لهذه الفتاة ثم نظرت لها بحذر، خاطبته لین باستياء:
– مالك يا آيان، اتصلت بيك كتير علشان نروّح مردتش عليا
رد بعدم اكتراث:
– مخدتش بالي، افتكرت زين هيروحك علشان كان كلمني
ردت بتهكم:
– لأ مش هيجي، زين عنده شغل، تعالى يلا علشان توصلني
ثم تأبطت ذراعه بتملك وهي تنظر لهن بتعالٍ، بادلتها “لما” النظرات بعدم اهتمام، لم يقبل آيان أن يقلل منها أمامهن فهي ابنة عمته مهما يكن، لذا رد باطراقٍ:
– يلا علشان أوصلك
ابتسمت لين بانتصار فخاطبهن آيان باستئذان:
– عن إذنكم
ثم استدار وهي معه ليرحلا، راقبت “لما” ذهابهما ثم هتفت بنبرةٍ مزعوجة:
– شوفتوا البنت دي بتعمل أيه، دمها تقيل
ردت مايا بادراك:
– هو مرضيش يعاملها وحش قدامنا، أصل آیان ذوق قوي
تدخلت زينة هاتفة بملل وكادت أن تنفجر بغضًا:
– على فكرة أنا زهقت وعاوزة أمشي، وسيبوهم في حالهم، هما قرايب وخليهم يبعدوا عننا
قالت زينة ذلك متمنية بداخلها أن تبتعد “لما” عنه، لكن هتفت “لما” بعناد:
– مش أنا اللي أخلي واحدة تاخد واحد عجبني…….!!
_________________________________
في مكـة المكــرمة….
نهضت من نومها متأخرًا كونها غفت الصباح فقط، حيث ظل فكرها مشغولاً به حين تركته يغفا بالخارج، نهضت رسيل بتقاعس من على التخت ثم تحركت نحو الخارج وعينيها تبحث عنه، وجدت الخادمة امامها فسألتها:
– الولاد لسه نايمين؟
ردت بعملية شارحة:
– أيوة مدام نايمين، البيبي الصغير صحي ولعب شوية وبعدين نام تاني
هزت رسيل رأسها بتفهم، سألتها ثانية:
– والبيه فين؟
-هنا مدام
أشارت على إحدى الغُرف فوجهت رسيل بصرها ناحيتها ثم تحركت على الفور لتراه…!!
ولجت رسيل للداخل فوجدت التخت فارغًا، عقدت حاجبيها بدهشة ثم انتبهت له يخرج من المرحاض فابتسمت، نظر لها أيهم بتضايق وقرر ألا يعيرها اهتمام لما فعلته، دلف للخارج وهو لافًا خصره بالمنشفة متجهًا نحو غرفتهما وهي من خلفه تردد باستفزاز:
– صباح الخير!
لم يرد عليها بل ولج الغرفة متحركًا نحو خزانة الملابس وهي من خلفه، سألته بتردد:
– إنت مش بتكلمني ليه؟، المفروض أنا اللي أزعل
سحب أيهم ما سيرتديه ففطنت بأنه يستعد للخروج، استفهمت بقلق:
– إنت خارج ولا أيه؟
لم تجد جوابًا منه فاقتربت منه لتمنعه من ارتداء ملابسه حين أمسكتها قائلة بلطف:
– متخرجش خليك معايا
– ملكيش دعوة
ثم جذب الثياب منها ليرتديها، اندهشت رسيل ثم احتضنته من كتفه قائلة بمغزى:
– عمرك ما تزعل مني أنا عارفة، مش هتخرج وتسيبني
ثم طوّقت عنقه لتفرض سيطرتها، سألت بمكر وهي تؤثر بسحرها عليه:
– هتسيبني وتخرج؟
لمعت عيناه بوميضٍ ادركته كشفت عن محبتها المطموسة بداخله فابتسمت، حاوط إياها بذراعيه كبادرة لتناسي خصامهما، رد بشوق:
– لأ مش همشي وأسيبك
ابتسمت رسيل ثم احتضنته بقوة لتمتص من عشقه المزيد، ضمها إليه متنشقًا عبيرها الذي سلبه عقله وقلبه، بات معلنًا بأنها لها المقدرة في قيادته، بدت واثقة أيضًا بأنه لن يفضل شيء عليها، فهل ستستمر تلك السيطرة التي تمتلكها عليه؟……..!!
__________________________________
في شـــرم الشيـخ…..
أفاق من نومه ليجدها في أحضانه وتغط في نومٍ عميق، استشف ريان من ضوء الغرفة بأن الوقت بعد الظهيرة، هذا يعني غيابها اليوم من مدرستها، تنهد بضيق لتكاسلها ثم اعتزم افاقتها، هزها بلطف قائلاً:
– ماريان إصحي!
تنملت في نومتها ثم فتحت عينيها بضعف لتنظر إليه لبعض الوقت، استفهمت بصوتٍ أبح:
– بتصحيني ليه؟
تنهد بضيق وهو يجيبها بعدم رضى:
– ماريان إنتي مروحتيش المدرسة النهاردة!
فركت رأسها لتفيق جيدًا، ردت بعدم اهتمام:
– وفيها أيه لو غبت النهادرة
اعتدل ريان في نومته مرددًا برفض:
– وأنا مسمحش تغيبي، إنتي في ثانوي يعني غيابك مش مسموح بيه، ولا عاوزاهم يقولوا إني السبب
زفرت ماريان قائلة بمعنى:
– أصلي لقيت نفسي كسلانة وقولت أنام، مجتش من يوم
ثم أغمضت عينيها ثانيةً متعطشة للنوم والتخاذل يلوح في وجهها فارتاب في أمرها، استفهم بقلق:
– طيب إنتي كويسة، شكلك تعبانة؟
ثم دنا منها ليتحسس جبينها، نظرت له لترد باجهاد:
– تعبانة شوية وراسي بدور ومش مركزة، متزعلش مني علشان مروحتش النهاردة، بجد تعبانة!
ضمها لصدره هاتفًا بتحننٍ:
– لا يا حبيبتي مش زعلان، ارتاحي ونامي، أنا بس عاوز مصلحتك، إنتي غالية قوي عندي
ابتسمت بتوهنٍ مرددة وهي تدفن وجهها في صدره:
– أنا باحبك أكتر، خليك جنبي على طول……!!
_________________________________
في القــرية…..
شرح موجز ما حدث أثناء غيابه حين توجه لمكتب والده الذي يعمل به، انزعج فريد حين أخبره عمرو بإنهاء عبد الحميد الشراكة بينهما دون أسبابٍ مقنعة، هتف فريد بانفعال وقد اكفهر بالكامل:
– إزاي يلغي الشراكة كده من غير سبب، مش فيه مشاريع وعقود لازم تخلص الأول، هو بمزاجه، دا كان ما بيصدق ادخل معاه في مشاريع، حصله أيه الراجل ده؟!
رد عمرو بتخمينٍ محنك:
– حسيته متغير يا بابا، شكله كده شايف حد تاني تقيل قوي عاوز يشاركه
هتف فريد باهتياج وصوتٍ عالٍ:
– اتجنن ولا أيه!، مش عارف هو مشارك مين، وهيكون أعلى مني اللي يعرفه!
رد عمرو محركًا رأسه بجهل:
– مش عارف يا بابا، بس أنا مش هاسكت غير لما أعرف كل حاجة بالظبط، دا شكله مبقاش يهمه، باين هيشارك حد معروف، عاوز يعلى علينا!!
سأل فريد بمعنى وهو يتحكم في اندفاعه:
– هو فين دلوقتي؟
– سافر اسكندرية، الغفير قالي كده لما كنت باعته يعرفلي راح فين!، باين الناس اللي اتعرف عليهم هناك
حدق فريد أمامه منتويًا له، سأله عمرو باحتراز:
– هتعمل معاه أيه يا بابا؟
رد فريد بغموض وهو يتوعد للآخر:
– مش هاسكت، هندّمه إنه يفضل حد عليا، عاوز عبد الحميد يكبر يبقى يوريني إزاي……..!!
_________________________________
في الأسكنـــدريـة…..
– لين!، فيه حاجة؟!
استفهم زين بتعجب من أخته التي ولجت غرفته دون استئذان، ردت بتردد وهي تتدرج للداخل:
– زين كنت عاوزة أطلب منك طلب مهم قوي!
انصت لها باهتمام قائلاً وهو يضع حاسبه بجانبه على الأريكة:
– قولي يا لين فيه أيه!
تحركت لتجلس بجواره، ردت بترقب:
– مش إنت بتحب أختك ومستعد تعمل أي حاجة علشانها؟
رد بتأكيد رغم تعجبه من حديثها:
– عنيا ليكي طبعًا، عندي أغلى منك!!
كلماته اعطتها جرعة شجاعة لمفاتحته فيما اعتزمت إليه، قالتها صريحةً:
– أنا باحب آيان
تصلبت نظرات زين عليها لبعض الوقت الذي اربكها، حاولت استشفاف ما يفكر به وخفقت، كان زين من واقع كلماتها تذكر “لما” ومدى قُربها منه، عاد من شروده ولين تتابع بحرس:
– زين إنت متضايق مني علشان قولتلك باحبه؟
انتبه لها ليوضح بتوتر:
– لا يا لين، أنا حتى مبسوط منك إنك صريحة واتكلمتي على اللي جواكي، بس الموضوع إن آيان نفسه مظنش بيحس ناحيتك بحاجة
هتفت سريعًا بشغف:
– هي البنت اللي اسمها “لما”، ممكن نبعدها عنه، آيان كان كويس معايا وبيهتم بيا، من وقت ما ظهرت وهو طنشني خالص واتغيّر معايا، هي أكيد السبب
اكترب زين من ذلك فقد جذبه شيء ما فيها، سألها بغِيرة داخلية قاتلة أخفاها ببراعة:
– طيب هتبعديها عنه إزاي؟
ابتسمت بمغزى وهي تخبره عما خططت له:
– مافيش غير إنك تتجوزها يا زين!!…………………….
_________________________
___________________
_____________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.