رواية مغرم بك الفصل الخامس عشر 15 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر

الفصـل الخـامس عشــر

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــــ

في الأسكنــــدريـة…..

انطلق بسيارته تاركًا هو الآخر العوامة برفقة ابن عمته، توالت تأنيبات زين له والتي قابلها بالندم أثناء طريقهما، لكن ذلك ما خطط آيان له مستغلاً حصوله على قلادتها، فما السر يا تُرى؟!، خاطبه زين بهدوء عكس علامات العبوس التي لاحت عليه:

– هات السلسلة بتاعتها!

توتر آيان للحظات ثم رد بتردد:

– مش معايا

-أومال فين؟

استفهم زين بغلاظة جعلت آيان يرتبك، رد بحذر:

– جيت العوامة ونسيت أجيبها معايا

رمقه زين بنظرة نارية استشفها آيان رغم تطلعه على الطريق أثناء قيادته، هتف زين بتشنج:

– وكنت عاوزها تجيلك ليه لما إنت نسيتها، ولا كان غرضك حاجة تانية؟

رد آيان بنبرة باردة جعلت الغضب يتوهج في عيني زین:

– متزعقليش، ولا إنت شايفني عيل قدامك، كان حصل أيه يعني أنا ملمستهاش!

صرخ باغتياظ من عدم مبالاته:

– أيه البرود اللي إنت فيه ده، دا لو قالت لحد هتبقى فضيحة، ولا إنت فاكرها واحدة ملهاش أهل، زمانها وصلت دلوقتي وحكت على اللي عملته معاها، أكيد مش هتسكت و…

– هاتجوزها!!

نطق آيان بتلك الكلمة المقتضبة التي جعلته يبتلع بقية حديثه، ألجم لسان زين متعثرًا في الرد من شدة صدمته، بعد لحظات من الدهشة قال زين بهدوء ظاهري:

– هتتجوزها؟!

هز آيان رأسه مؤكدًا بجدية:

– لو قالت لحد على اللي حصل هاتجوزها، بس ادعي تقول

قال جملته الأخيرة وهو يلقي عليه نظرة خبيثة رافقها ببسمة ذات مغزى، ابتسم زين رغمًا عنه ليقول بفطنة:

– وإنت بقى عملت كده علشان عاوزها

أومأ آيان برأسه فاكمل زين بعدم رضى:

– وهو ينفع كده، مفكرها هتقبل بيك بعد بهدلتك ليها ومحاولتك تقرب منها، زينة بنت محجبة وإنت قلعتها الحجاب، يعني مش زي …..

سكت زين لوهلة متذكرًا “لما” وقد تذبذبت نظراته، تابع باحتراز:

– مش زي أهالينا ولبسهم!

تنهد آيان بضيق فهذا مزعج بدرجة كبيرة، تلك الفتاة وقت رؤيته لها غيّرت بداخله بعض الأمور وبدّلت نظرته لأخرى مما تعود عليه، رد بتمنٍ:

– هخليها تحبني، وكمان أنا باحبها يعني هتسامحني، أنا عملت كده علشان عاوز ارتبط بيها

هتف زين بغرابة:

– طيب وليه كل ده، كان ممكن تطلب تتجوزها بهدوء وزي الناس، ومكنتش هترفض على فكرة، إنت أي واحدة تتمناك

كانت هناك عدة أمور تعيق كشف آيان عن ذلك، لذا سلك هذا الطريق الذي دلّه عليه شيطانه، أول عوائقه كانت في أخته لين التي أحس بنية الجميع في زواجه منها، خاصةً جده الذي ينحاز له عن والديه، لم يتجرأ آيان ليعلن ذلك أمامه فهي أخته، بل قال بتضليل جعل قلب زين يشتعل نارًا:

– مكنش ينفع غير كده، علشان “لما” تحس وتبعد عني……..!!

__________________________________

في القـــاهرة…

ترجل من سيارته الحديثة التي ابتاعها صباح اليوم ثم مرر أنظاره على الهيكل الخارجي للمشفى الذي علم بأن ابن خاله مستوطن فيه، تنهد ماجد بقوة مستعدًا لرؤيته، تحرك صاعدًا تلك الدرجات ليلج بعدها للداخل قاصدًا غرفة العناية المشددة…

سار بالرواق المؤدي لها ثم لاحظ خلال اقترابه بأن زوجته التي قابلته بخشونة تقف أمامها ويبدو عليها التوجس، اقترب بحذر ناحيتها ثم وجه بصره للغرفة لينتبه لبعض الأطباء متجمعين بداخلها ويصارعون لنجدة أحدهم، ادرك السبب ليقلق فبالأكيد يسعفون ابن خاله، لمحته سالي فقست نظراتها نحوه، تحركت صوبه هادرة باستهجان:

– جاي عاوز أيه، ولا وصلك خبر إنه خلاص ممكن يموت وعاوز تلحق، بس دا بُعدك ومش هيحصل

نفخ ماجد بقوة ليضبط انفعالاته، رد بغضب دفين:

– مش هارد عليكي علشان مش وقته، أنا عاذرك!!

مررت أنظارها المحتقرة عليه محاولة التقليل منه بشكلٍ لم يعجبه، ردت بسخرية:

– اقف زي ما إنت عاوز، هاعتبرك أنا مش موجود!!

ثم تحركت لتقف بعيدًا عنه فرافقتها نظراته الحانقة، تجاهلها متعمدًا ليلتفت منتبهًا لما يفعله الأطباء فهذا سبب حضوره، كانت سالي تختلس له النظرات متحيرة في أمره فهيئته لا تدل على الطمع، نفضت التفكير فيه لكن شد انتباهها حديثه عبر الهاتف مع أحدهم لتحاول التنصت عليه بحذر لتحترس منه، رد ماجد على المتصل برزانة:

– أيوة يا أمير أنا في المستشفى دلوقت، بس باين الوضع مش كويس هنا

أخبره أمير بشيءٍ ما فرد عليه بتفهم وهو ينظر لسالي شزرًا:

– لا متخافش هاعرف اتصرّف، ولو فيه حاجة هابقى أكلم معتز

ارتابت سالي في حديثه لتفطن بأنه يشدد من قوة موقفه ليتحداها فابتلعت ريقها في قلق، خاطبت نفسها بتفكير عميق:

– باين عليه مش سهل، ويا ترى مين معتز ده كمان……!!

__________________________________

– زي ما فهمتك يا معتز، أنا هسافر وسايب كل حاجة معاهم!!

هتف زين بذلك مكلفًا معتز زوج أخته بأن يهتم بأمر هذا الرجل المدعي عيسى، أكد معتز طاعته قائلاً:

– سافر يا زين واطمن، أنا هابقى على اتصال بيهم لو عملهم حاجة!

كان معتز يقصد بحديثه زين و آيان، قال زين باستجداء:

– زين أهم عندي، هو ميقدرش يقرّب من آيان، يخاف مني، وعلشان كده باطلب منك تنتبه عليه

قال معتز ليطمئنه:

– خليه بس يفكر يقرّبلهم، توصل إنت بالسلامة بس وابقى طمني

ابتسم زين بغبطه ليردد ممتنًا له:

– متشكر يا معتز قوي….

ثم أنهى حديثه ليلتفت لنور التي تقف من خلفه غير متفهمه عن ماذا يتحدث؟، سألته بقلق:

– مين ده اللي ممكن يعمل حاجة لزين و آيان، فيه حاجة مخبيها عني؟!

تلعثم زين للحظات ثم قال مبتسمًا بزيف:

– لا يا حبيبتي، أنا بس بوصي معتز يهتم بآيان و زين في غيابي لو عايزين حاجة أو حد وقف في طريقهم، عاوزك تطمني خالص

قال جملته الأخيرة حين لمح الخوف في عينيها، قالت بعدم اقتناع:

– ربنا يستر، بس أنا مش مرتاحة، خلينا أحسن!!

هتف باحتجاج وهو يسحبها ليدلفا سويًا نحو الخارج:

– تعالي بلاش هزار، هتبوظيلي البرجرام ولا أيه، أنا هاخد القمر وهسافر دلوقتي

غازلها بمكر فابتسمت بمحبة مذعنة لذلك، تابع بتودد:

– يلا نسلم عليها كلهم مستنين تحت……….!!

__________________________________

في القـــريـة……

لم تفارق غرفتها من وقت الحادثة التي جعلتها تكترب معربة عن استياءها، لاحظ عمرو ذلك فحتى لم تأتي لتناول الطعام سويًا كالعادة، ترك الابناء برفقة الخدم ثم صعد إليها منتقيًا كلماته ليعلل ما حدث، بهدوء شديد ولج عليها ثم ابتسم حين وجدها كامدة وجالسة على الأريكة المقاربة من الشرفة تتطلع على الفراغ، تحرك صوبها وقد عزم على مصالحتها فهو غير متعمد ذلك، جلس بجانبها لكنها لم تعيره اهتمام فقد شعرت به من وقت فتح الباب، ضمها من الخلف فحاولت التملص لكنه أصر غير مبالي بتذمرها، هتفت بتبرم مستمرة في ابعاده:

– إبعد

-لأ

قالها بتصميمٍ وهو يضمها بقوة ثم جعلها تنظر إليه، تابع باستعطاف:

– متزعليش مني، أنا بس كنت خايف رسيل تزعل لو حصل حاجة للحصان، أصلاً دول كل حياتها، بتيجي هنا بس علشانهم!

كزت على أسنانها لترد بانفعال:

– وأنا مش مهم في داهية، اتكسرت أموت المهم حصان الست يكون بخير لا تزعل يا حرام

تحكم عمرو في نفسه فهو إندفاعي في إخراج كلماته، رد بتأنٍ:

– أنا لقيتك بخير فروحت اطمن عليه، لو كنتي لا قدر الله فيكي حاجة مكنش هيهمني وقتها

ابتسمت بتهكم قائلة:

– كلام، من وقت ما عرفتك وإنت بارد، بس مع الست رسيل بتبقى واحد تاني

حدجها بقسوة قائلاً بتنبيه:

– جاسمين أيه الكلام ده، هترجعي تخرفي

نهضت من جواره هادرة بطيش:

– طبعًا ما هي بنت عمك ومتربين سوا، وتلاقيك كنت تتمنى تتجوزها، معقول رسيل بجمالها ده ملفتتش نظرك، مستحيل!

نهض هو الآخر ليلوي ذراعها خلف ظهرها لكن لم يضغط فنظرت له برهبة، لمح الخوف عليها فقال بسخط:

– متخافيش مش همد إيدي، بس ممكن اعاقبك بطريقة تانية هتخليكي تندمي على تفكيرك ده

ابتسمت بألم والدموع تتجمع في مقلتيها، قالت بحزن:

– هتبعد عني يعني، عاوز تهجرني، إنت على طول كده، معندكش مشاعر ولا بتحس

عارض ما قالته بجفاء ليس بجديد عليه:

– إنتي اللي طمّاعة، عاوزاني احب فيكي ليل ونهار، قعادك مع خلود خلاكي تتغيّري، بقيتي تخافي اتغيّر معاكي لأي سبب، هي جوزها سابها ومش لاقية غيرك تحكيله

ارتبكت جيسي من فهمه لها فابتسم باستهانة، ترك ذراعها ليتابع بصلابة:

– اقعدي بقى فكري في كلامها، لحد ما هتخسريني بجد بكلامك ده!!

ثم تحرك مغادرًا فندمت لبعض الوقت محاولة ايقافه، فور دلوفه عادت لنزقها لتقول برعونة:

– كنت عملت أيه يعني، هو أصلاً ما صدق …….!!

_________________________________

في القـــاهـرة……

أخذها من بينهم ثم توجه بها ليبتعدا قليلاً حتى يتسنى له الرقص معها على أنغام الموسيقى الهادئة، حيث اعتزمت رسيل اليوم عمل سهرة عائلية تضمهما هما وعمتها ووالده فقط، طوقت عنقه ويعلو ثغرها بسمة رائعة جعلت نظراته لم ترى غيرها ليسافر بها إلى أحلامه الدؤوبة، بتملك جذبها لأحضانه ليمتع انظاره برؤيتها وأنفه برائحتها، ادركت رسيل غرامه بها من نظراته التي تأكلها، قالت براحة داخلية:

– عينيك بتقول إنك بتحبني قوي!

لم يعقب على حديثها فهذا معروف، رد بتتيم:

– وعاوزك تحبيني نفس الحب

نظرت له باستنكار جم، همست متفهمة:

– إنت مفكر حبي إني أجيب بنت بيخليني أنساك، ودا مش صحيح على فكرة، أنا أسعد واحدة في الدنيا إني معاك، إنت عملت كل حاجة علشان تسعدني

ابتسم أيهم بتأمل، رد بالتماس:

– يبقى نأجل شوية إنك تخلفي، خلينا مع بعض

كانت تعلم رسيل بداخلها امنيته تلك ولهذا لم يصدر عن تعابيرها بغضها لرغبته، بل ردت بكل هدوء:

– حاضر يا حبيبي!

لم يصدق أذنيه ما تفوهت به ثم تهلل داخليًا، ضمها إليه ليجعلها لتغوص في دفء أحضانه وهو يردد بكلمة واحدة:

– حبيبتي!!

لم تُرد رسيل أن تخلق ما يشوب علاقتهما، حتى وإن تمسكت بانجابها ثانيةً، كان هو الآن شاغلها كونها لن تتحمل بعده عنها لهذا السبب، لتعود بذاكرتها وقت أجهضت ولم تحزن مطلقًا، ابتعاده عنها يدمر نفسيتها، لكن ذلك يحتاج الرضى منه قبل تحقيق مبتغاها…

للحظات بينهما وهما هكذا تطلع عليهما مروان وسميرة التي أحبت حب أيهم لابنة أخيها التي تدعو دائمًا بدوام سعادتها، قال مروان لتنتبه له:

– مهما زعلوا من بعض بيرجعوا!

نظرت له سميرة لتقول بتأنيب:

– هتحسدهم ولا أيه، أنا ما بصدق يبقوا حلوين وبخاف يزعلوا

جاء مروان ليعترض على ذلك ولكن لمح أحد حراس بوابته قادمًا ومن خلفه فتاة لم يتبين له هويتها فتصلبت نظراته عليهما، ذلك ما جعل سميرة تدير رأسها هي الأخرى لتری من، تعجبت من الفتاة القادمة كذلك لتترقب ما سيحدث، حين اقترابهما انتفضت من موضعها لتنهض مدهوشة ولسانها يردد:

– زينة!

كانت زينة تسير من الخلف الحارس بعدم اتزان، أخذت فترة طويلة حتى وصلت إلى هنا وقلبها يرجف من استغلال أحدهم وحدتها، وكذلك نفاذ نقودها لتأتي سيرًا على قدميها مخالفة التوقعات بعودتها لفيلا السيد كارم، هيئتها تلك جعلت الهلع يدب في قلب سميرة التي ركضت لتقابلها ومن خلفها مروان المذهول، هتفت سميرة بتحننٍ ممزوج بالقلق:

– بنتي زينة، مين مبهدلك كده؟!

ثم أخذتها لحضنها فاستسلمت زينة لذلك لتغمض عينيها وقد شعرت بالإجهاد، هنا فقط انتبه كلا من أيهم ورسيل ليبتعدا لرؤية ماذا؟، لاحظت رسيل وجود زينة فهتفت بحيرة:

– مش معقول، زينة!

ثم هرعت نحوها متلهفة لفهم سبب حضورها غير المعلوم، ثقل وزن زینة وسميرة تضمها وكادت أن تسقط فصرخت سميرة بخوف، لكن لحقها أيهم ليثبط وقوعها حين أمسك بها بكل رشاقة، تأملت سميرة وجهها المسجور فهتفت بقلب ملتاع:

– كلموا دكتور يشوفها بسرعة……!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لاحقًا، غادر الطبيب بعدما طمئنهم على حالتها وأنها فقط حالة اجهاد طبيعية، وقف الجميع أمام الغرفة وعلامات الإستغراب طافحة على وجههم وعقلهم يريد إشباع فضوله بمعرفة سبب كل هذا، دلفت سميرة من الغرفة بعدما تركتها لتغفو على راحتها فقد أخبرها الطبيب بأنها ستحتاج للراحة، أغذت رسيل التي تحمل ابنها الصغير بين ذراعيها نحوها شغوفة في الإطمئنان عليها، قالت سميرة بهدوء:

– هي كويسة الدكتور بيقول شوية ارهاق بس، ولما نامت قال يمكن محتاجة تنام!

تدخل مروان قائلاً بغرابة:

– طيب أيه السبب اللي يخليها تيجي من اسكندرية للقاهرة متأخر كده، وباين متبهدلة؟

حركت سميرة رأسها بجهل وضياع فكري مرددة:

– مش عارفة انا هتجنن

ثم تنهدت بيأس، هتفت رسيل بعطف:

– طيب غيّرتلها هدومها يا عمتي

أكدت سميرة بهزة خفيفة من رأسها، قال أيهم بتفهم:

– خلاص بقى سيبوها ترتاح، وبكرة نعرف منها كل حاجة، وإن شاء الله خير!!

قال مروان متفقًا معه:

– أنا كمان باقول كده، يلا مافيش داعي نفضل كده طالما هي بخير

للحظات تردد من سميرة وافقت قائلة:

– طيب اللي تشوفوه، مع إن مش هيجيلي نوم……….!!

__________________________________

في الأسكنـــــدرية……

بعد سفر والديه تيسّر عليه أن يطمئن عليها، لذا اتفق مع زين على ضرورة مقابلته لـ”لما”، رغم شوق زين لرؤيتها لكن شيءٍ ما بداخله دفعه لبغضه إياها، حب ممتزج بالكره فكيف هذا التضارب انسجم بداخله، قال زين له راسمًا الثبات:

– خلاص هحاول أعرف منها كل حاجة، وباين من طريقتها معايا إن زينة تقريبًا متكلمتش، مش عايزك تخاف!!

هتف آيان بتجهم:

– هو أنا خايف تقول لحد، لو الكل عرف ميهمنيش، أنا عاوز بس اطمن عليها!

رد زين متنهدًا بمعنى:

– طيب أنا مستنيها في النادي وشوية وهي هتوصل وهكلمها واعرف كل حاجة، اقفل وهابقى اكلمك…!!

أنهى زين معه الإتصال ثم انتظر أن تأتي، ما هي سوى دقائق معدودة وكانت قد وصلت بسيارتها، دق قلبه فجأة وبات مستهامًا بالتطلع عليها، وهي تدرج منه وتبتسم برقة تلاشت أمنيته فيها وعقله يتذكر لهفتها على آيان وملازمتها له، وقفت “لما” أمامه قائلة برقة:

– مصدقتش إنك عاوز تشوفني!

نهض من مقعده ليرحب بحضورها قائلاً ببسمة زائفة:

– آسفة لو كان الوقت متأخر شوية، بس حبيت اتكلم معاكي

كان ناعمًا معسول في كلماته لترتبك من فرط سعادتها وخجلها، قالت بحرج:

– انا مش بنام دلوقتي، وحتى لو بنام بدري هاجي برضوه!

ثم جلست هي وهو فنظر لها بتعابير مبهمة، بسخرية جمة ابتسم بداخله فبالأمس كانت تركض خلف آيان، ما الذي تغيّر لها فجأة؟، ربما شعرت بعدم قبوله لها فانسحبت، هذا ما ادركه بمفهوميته لتستلمه هو، فتح الحديث قائلاً بحذر:

– باين بتحبوا السهر إنتوا التلاتة، زمانهم متضايقين إنك خرجتي وسيبتيهم!

ردت متنحنحة بخفوت وهي تشرح:

– لأ مايا نامت، بس زينة من بعد ما رجعنا من الجامعة وأنا مشوفتهاش!

ابتلع زين ريقه مخفيًا فضوله، سألها بتردد:

– معقول مش عارفة هي فين لحد دلوقتي؟

ردت بعدم اهتمام:

– عادي، يمكن راحت تشتري حاجة، أصلاً مسألتش علشان كنت مشغولة

زاغ زين وقد شغله معرفة أين هي وماذا تفعل الآن؟، لكن قطعت “لما” فكره مستفهمة:

– بس إنت مقولتليش كنت عاوزني في أيه؟

لوهلة ظل صامتًا ليفكر في رد صائب، قال بحنكة:

– أنا كنت عاوزك علشان أعرف رأيك في طلبي، بصراحة هتجنن واعرف موافقة نتجوز أو لأ!

ابتسمت بخجل قابله باستهزاء داخلي، ردت معلنة عن رأيها:

– وأنا موافقة

لم يعرف يفرح أم ماذا؟، لكن فور إعلان موافقتها زيف بسمة مسرورة مرددًا:

– دا أسعد خبر سمعته النهاردة

نظرت له “لما” بشيء من التعجب من رقته اللا متناهية التي طرأت عليه، تابع بحماس ادهشها:

– هجيب بابا وماما ونطلب ايدك، أول ما اقولهم هنيجي على طول، ويا ريت يكون جواز وبلاش خطوبة

نظرت له كأنها مقيدة بنيته، ردت بتريث:

– ليه مستعجل كده، استنى ناخد على بعض أكتر

رد مدعي العبوس:

– ليه نستنى، مش إنتي موافقة وأنا عاوزك

استحت من جرائته معها، شل تفكيرها بكلماته لتجد بأنه لا يوجد داعي لمماطلتها فهي تعرفه جيدًا، حفزها زين بنظراته التي رسم فيها العشق بخداع، فردت بإذعان:

– طيب اللي تشوفه يا زين………!!

__________________________________

عــودة للقـــاهــرة…….

– باين عليكي متضايقة من وقت زينة ما رجعت كده؟

نظرت له قائلة في شرود وهي تميل لتستند على صدره:

-أنا بس عاوزة افهم أيه اللي حصل معاها، أكيد ممكن تكون اتخانقت معاهم هناك وسبتهم، هي دايمًا تقول مش عاوزة تقعد هناك!!

طوقها بذراعيه وقد احتار هو الآخر، لثوانٍ فقط مرت واستمعا كلاهما لمن يصرخ باستغاثة، انتفض أيهم وكذلك رسيل التي ابتعدت لتتنصت بهدوء وهي تنظر له لتجده انتبه، عاود الصراخ مجددًا فهتفت رسيل بقلق جم:

– دي زينة

ثم بعجالة تحركت لتنهض من جلستها، خلّفها أيهم الذي جاهد على اللحاق بها، ثم دلفت نحو غرفة زينة وقلبها ينبض بخوف، حين وصولها وجدت عمتها قد بلغت الغرفة قبلها هي والسيد مروان، ولجت رسيل بنظراتها المرتعبة لتجد زينة تصرخ ببكاء وسميرة تضمها على الفراش لتهدأ من روعها، دنت منهن مستفهمة وهي تجلس بجوارهن:

– أيه اللي حصل، مالها زينة؟

ردت سميرة بأعين لامعة بالعبرات الشاجنة:

– لقيتها بتصرخ جريت اطمن عليها

نظرت لها رسيل ثم ربتت على ظهرها لتخفف من بكاءها المتواصل، قبل أن تسألها رددت زينة بهلع:

– كان عاوز يقربلي، ابعدوه عني

ثم أكملت نوبة بكاءها ولسانها يردد تلك الكلمات، ذُهلت سميرة لتهتف بقسوة:

– مين ده اللي عاوز يقربلك يا زينة إنطقي؟

انصدم مروان وهو يستمع لما قالته، فالواضح أنه تم الإعتداء عليها من أحدهم، في تلك اللحظة كان قد ولج أيهم ليتابع ما يحدث، أوقفه مصدومًا سؤال رسيل المهتاج لها:

– قولي يا زينة من حاول يقرّبلك ومبهدلك كده؟

بدا الإنتقام والخوف والحيرة على وجوههم من كلمات زينة، ترقب أيهم ردها بشغفٍ قاتل ليثأر لها، بعد لحظات من الإنتظار الموتر للأعصاب نطقت زينة بضعف قبل أن تخبو قواها من فرط البكاء المجهد:

– آيـان، إبعدوه عني!! ……………………………………..

_________________________

__________________

_____________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق