رواية مغرم بك – الفصل السادس عشر
الفصل السادس عشر
الفصـل السـادس عشــر
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــــــــــ
في الأسكنــــدرية…….
وضع النادل أمامهما كأسين من الشراب البارد فأمسك السيد عيسى ما يليه ليرتشف منه القليل بتلذذ وأذنيه تستمع لآخبار أسرّت قلبه، نظر بعينيه المظلمة للرجلين الذين أمامه ثم فتح فمه ليتشدق بغلولٍ:
– يعني سافر هو والمدام، وابنه وابن أخته اللي ماسكين كل حاجة دلوقتي!
هز أحد الرجال رأسه مؤكدًا ما سرده له للتو ولسانه يردد:
– أيوة يا سعادة البيه
مط شفتيه ليطيح به فكره لبعيد مستغلاً ذلك لصالحه وخاصةً الإنتقام لنفسه التي قلل زين منها، لم يعلن عما يدور بداخله لوجود السيد عبد الحميد معه ويبدو عليه الفضول، تنهد السيد عيسى بقوة ليأمر رجليه الأوفياء بنبرة ذات مغزى تفهماها على الفور:
– طيب روحوا إنتوا شوفوا شغلكم
بات موحيًا في كلماته ليتخذا منه الأوامر لتنفيذ ما أمرهم به سابقًا، تحركا الرجلان ونظراته تتعقباهما بدجنةٍ جمة وهو يتخيل فرحته التي رسمها عقله بعدما ينفذا ما خطط له، انتبه لتطفل السيد عبد الحميد فنظر له فجأة ليرتبك الأخير مزيفًا ابتسامة متوترة، بادله عيسى بسمة متسعة وهو يقول بدهاء:
– عاوزين نروح القاهرة وبالمرة نتعرف على البيه اللي إنت بتقول عليه، أيه رأيك النهاردة بما إن ماليش شغل هنا علشان أخليني أكتر!!
فتح عبد الحميد شفتيه ليرد بعدم ممانعة:
– اللي تشوفه يا حاج عيسى، ومش هتلاقي أحسن من أيهم بيه، وسيبك من زين ده
كان عبد الحميد يجره في الحديث ليعرف خبايا نواياه، لكن السيد عيسى كان محنكا في تفكيره لذا احترس في الرد قائلاً:
– أنا ماليش دعوة بيه، أنا نسيته أصلاً من وقت رفض يشاركني، هو أنا هقف عليه
فشل عبد الحميد في الحصول على معلومة منه ليجده رجلاً متحفظًا لكن بداخله أحس بأنه لن يجعل الأمر يمر هكذا، تنبهت حواسه حين تابع عيسى مستفهمًا:
– تلاقي مازن وحافصة وصلوا البلد خلاص، ولا هي بعيدة؟!….
__________________________________
في القــــريــة……..
لم يسع العالم فرحتها برجوعه لتركض لتقابله، حيث دلفت خلود من غرفتها تهرول وهي حاملة ابنها لتستقبل مازن حين رأته من الأعلى يصف سيارته، هبطت الدرج ثم وقفت عند مقدمته مترقبة بشغف ولوجه وابتسامتها تصل لأذنيها، كانت السيدة رئيفة عند مدخل الباب تنتظره هي الأخرى، ولج مازن أولاً ليجد والدته أمامه فرحبت به بمسرةٍ بالغة وهي فاردة ذراعيها مرددة:
– مازن ابني حمد الله على السلامة!!
احتضنها مازن مزيفًا بسمة ضعيفة ثم وقعت عيناها على خلود من خلفها فتقابلت نظراتهما لبعض الوقت، لاح الحب والإشتياق من عينيها لكن قابله بنظرات غير مفهومة وبداخلها كمد عظيم، على الناحية الأخرى في نفس التوقيت لمحت السيدة رئيفة من خلفه سيدة يبدو أنها في العقد الرابع تلج السراية فنظرت لها عاقدة بين حاجبيها، فور ابتعاد مازن عن حضنها وجهت بصرها له مستفهمة بغرابة:
– مين الست دي يا مازن؟
نظر مازن لحافصة ولم تأتيه الجُرأة للتعريف بها، كذلك خلود الذي حثها فضولها لمعرفة هويتها، ارتابت في أمر حديثه السابق لتظن بأنه كان يكذب عليها، لكن الواضح صدق كلماته اليوم، شعرت حافصة بمكرها بأن هذه زوجته التي خبأ عليها بأنه متزوج منها لكنها علمت مؤخرًا، وهذا دليل بأن علاقتهما منزوعة، وتلك والدته ثم استنبطت الجو العام من حولها، رسمت تهلل مصحوب بنبرة فرحة وهي تهتف:
– أهلاً يا حماتي!
ثم دون مقدمات همت باحتضانها بحرارة وهي تقبل وجنتيها من الجانبين بعدة قبلات متفرقة وسط اندهاش وعدم استيعاب رئيفة مما يحدث، كانت أعين خلود على مازن لشرح ما تفوهت به تلك المرأة الغريبة، وأيضًا اخترقته نظرات والدته التي تعلن استفهامات عديدة، ابتسمت حافصة بخبث دفين لتدعي براءة مُخادعة، ابتلع مازن ريقه ليرد بتردد:
– دي، دي مراتي
تصلبت خلود موضعها وكذلك تعابير وجهها المصدومة عليه، لمعت عيناها ببعض العبرات رغمًا عنها وفي تلك اللحظة وجه مازن بصره لخلود ليرى ردة فعلها التي يعرفها بالتأكيد، أشاح بوجه عنها حتى لا يرى اللوم في عينيها فمررت حافصة نظراتها بقتامة عليهما، تنبهوا جميعهم لصوت السيدة رئيفة تهتف بنزق:
– يعني أيه مراتك، واتجوزت امتى وإزاي من غير ما اعرف؟!
توالت اسئلتها بقسمات مكفهرة مستاءة من فعلته، رد مازن بتوتر:
– بابا عارف يا ماما، وعادي اتجوزت!!
تحدث مازن بصلابة كأن لا عليه لوم، رمقته والدته بنظرة حانقة قائلة:
– وتتجوز ليه أصلاً؟
ردت عليها حافصة بلؤم لكسب محبتها:
– على فكرة يا حماتي إنتي لسه متعرفنيش، هتحبيني قوي خصوصًا لما أجبلكم حفيد
تساقطت عبرات خلود وهي تستمع لكل ذلك بحزن عميق، متيقنة الآن بأنه فعل ذلك لينتقم منها، بتعالٍ نظرت لها حافصة شزرًا لكن خلود لم تعيرها اهتمام، كانت حواسها منصبة عليه هو تريد معاتبته، تريد …..، لا تعرف لكن وضعها الآن تغير ليتأجج اضطهادها بينهم، لم ترتضي بكل ذلك فاستدارت بابنها ثم صعدت للأعلى فتتبعها مازن يريد بشغف التحدث معها، لم يلبث حتى تحرك من خلفها وهذا ما أزعج حافصة التي تأكل شفتيها بغيظ، رددت في نفسها بترهيبٍ:
– لا بقى إحنا هنبتديها كده، استنوا بس عليا….!!
__________________________________
في الأسكنــــدرية…….
فتح الباب فاصطدم بها كأنها واقفة من خلفه حين استشعرت حضوره، هتف زين بدهشة:
– لين خضيتيني، معقولة قاعدة ورا الباب؟!
تجاهلت سؤاله لتتأبط ذراعه وهي تسحبه للداخل قائلة بتلهف:
– عاوزة أعرف منك حصل أيه، قولتلي هتقابلها النهاردة، يلا احكيلي بسرعة ردها على طلبك كان أيه؟!
تريث زين في إخبارها بما حدث بالتفصيل، فبمجرد علمها بميول آيان لزينة حتمًا ستنتهي علاقته بــ”لما”، لذا رد بحذر:
– وافقت
صرخت لين بفرحة ظاهرة وهي تتعلق بعنقه وتقفز، هتفت بامتنان:
– حبيبي يا زين ربنا ما يحرمني منك، أنا لحد دلوقت مش مصدقة إنها تتخلى عن آيان بالسهولة دي؟!
ردد زين بامتعاض:
– ليه بقى أنا وحش؟!
– إنت أجمل بنت تتمناك، هي اللي بنت مش كويسة وبترمي نفسها لأي حد يقولها كلمتين حلوين، وأديك شوفت حصل أيه لما مثّلت الحب عليها
كانت كلماتها كالسياط التي تهبط على قلبه ليشتد غضبه من الأخيرة أكثر، رغم ذلك احترز فيما يقوله ليجد نفسه يريد إكمال المخطط المخادع هذا حتى يشفي غليله منها، فاق زين على صوت أخته تتابع بحماس:
– كده بقى آيان هيبقى ليا، وأكيد هيعرف إنها بنت مش كويسة، ووقتها لما يعرف تروح إنت تضحك عليها وتسيبها إنت كمان!!
ارتبك زين قليلاً ليبرز بعدها عدم الرضى من عدم الزواج بها فهذا ما يسعى إليه، قال بخبثٍ مضمر:
– أنا باقول اتجوزها أفضل علشان تضمني إن آيان ميرجعلهاش تاني
هتفت بمعارضة زادت الطين بلة:
– وليه ترتبط بواحدة زيها كل شوية مع واحد، بكرة لما حد يقولها كلمة حلوة تسيبك وتروحله هو، سيبك منها وآيان عُمره ما هيتجوزها بعد ما باعته وإنت خطبتها
كبح زين ابراز ما بداخله الآن من ثورات تنهش في قلبه وعقله الذي لبثت فيه كل تلك الصفات عنها، يعلم بأن زواج أخته من آيان مستحيلاً كونه يحب غيرها لذا تناسى أمرها ليفكر في نفسه فقط مرضيًا ما بداخله، لذا تساير معها في الحديث فابتسم بزيف قاٸلاً:
– طيب اللي تشوفيه يا لين، أصلاً باعمل كده علشانك……!!
___________________________________
في القــــاهرة صبــاحًا……..
حول مائدة الطعام التم الجميع لتناول الإفطار وعقلهم مشغول بالتفكير في كل ما مر عليهم ليلة أمس، كانت رسيل تطعم صغارها شاردة واجمة وبداخلها ثورة مشتعلة وذهنها يتخيل ما حدث مع ابنة عمها، كذلك أيهم الذي اعتزم المكوث اليوم لينفض التوجه لمصنعه مترقبًا معرفة التفاصيل فذاك الموضوع حساس، انضمت سميرة لهم وهي تغلق هاتفها بعدما أنهت مهاتفة أحدهم، جلست بجوار السيد مروان فنظر لها قائلاً:
– طمنتيهم إنها عندنا؟
أومأت برأسها لترد بمعنى:
– أيوة كلمتهم، هما مستغربين من حضورها بالشكل ده من غير ما تقول، اضطريت أقول إني بعتلها السواق يجبها عندنا شوية!!
تابع مروان مستفهمًا:
– يعني ما شكّوش في حاجة؟!
نفت بتحريكة خفيفة من رأسها، تركت رسيل ما بيدها لتستفهم بحيرة:
– هنقول لعمي وعمرو على اللي حصل ده؟!
هتفت سميرة بانفعال:
– إحنا منعرفش لسه حصل معاها أيه، وهتبقى فضيحة ومصيبة كبيرة لو عمرو عرف
تنهدت رسيل لتردد بضيق:
– يعني مش شايفة حالتها يا عمتي، دي نايمة من امبارح صعبانة عليه
دفنت سميرة وجهها بين كفيها متحسرة على ابنة أخيها، ربت مروان على ظهرها قائلاً بتهوين:
– سميرة إن شاء الله ما فيش حاجة متعمليش كده في نفسك!
وجهت رسيل بصرها نحو أيهم لتجده صامتًا، سألته باطراق:
– أيهم ساكت ليه ما تقول حاجة، هنعمل أيه دلوقتي؟
نظر لها لبعض الوقت ليرد بتفهم:
– المفروض تطلعي تتكلمي معاها يا رسيل وتفهمي منها كل حاجة
-طيب لو فيه حاجة زي كده هنتصرف إزاي؟!
سألته بعبوس فرد بتجهم:
– ما قولتلك يا رسيل، لازم هي تتكلم علشان نعرف حصل أيه، ومين هو الولد اللي قالت على اسمه ده
تذكرت رسيل ما رددته زينة ليلة أمس، هتفت بمدح:
– عندك حق يا أيهم، أكيد دا حد تعرفه طالما قالت اسمه
تدخل سميرة لتهتف بتلهف:
– اسمه آيان!!
رد مروان باطلاع:
– باين من اسمه إنه ابن ناس
نظرت له سميرة شرزًا ثم تأففت، ردت برصانة:
– مش دا المهم، وأيًا كان مين لازم يتحاسب على اللي عمله ده!
رد أيهم بمفهومية وهو يوزع أنظاره عليهم:
– ما فيش غير إن رسيل تطلع تتكلم معاها وتعرف منها مين هو آيان ده وعمل أيه معاها…….!!
__________________________________
في الأسكنــــدرية…….
أصدر المصعد طنين الوصول إلى الطابق المنشود فدلف الإثنان ليتجهوا ناحية مكتب السيد زين، تحرك آيان ليلج للمرة الأولى مكتب والده وبداخله استشعر المسؤولية وتلك الأجواء من حوله وحركات العمل هنا وهناك، ما أبهجه وقوف الموظفين تعظيمًا له فابتسم لهم، لكزه زين في ذراعه بخفة قائلاً ببسمة ذات مغزى:
– أيه رأيك في الجو هنا، لما تتخرج أكيد هتيجي مش كده؟!
نظر له آيان قائلاً براحة وهما يلجا المكتب:
– أول مرة أحس بجو رجال الأعمال ده، يجنن بصراحة!!
غمز زين بعينه قائلاً بتلميح:
– بس البدلة هتاكل منك حتة
ضبط تلابيب البدلة قائلاً بثقة وهو يجلس على مقعد والده:
– انا حلو أنا متأكد، عندي واحدة غيرها بيضا جبتها من اليونان، هلبسها في فرحي على زينة إن شاء الله
توتر زين من ذكر اسمها وهو يجلس مقابيله حيث ابلغته “لما” اليوم صباحا بوجودها عند ابنة عمها بالقاهرة، لاحظ آيان وجود خطب ما به فعقد حاجبيه مستفهمًا بجدية:
– شكلك عاوز تقول حاجة، في جديد عرفته؟!
رد زين بعد مهلة تردد لكن استخدم التنبيه في نبرته:
– أنا خايف عليك يا آيان، “لما” كلمتني الصبح وقالت إن زينة سافرت عند بنت عمها في القاهرة
انتفض آيان موضعه قلقًا عليها، استفهم بتلهف:
– هي كويسة يعني؟
رد بغرابة:
– كل اللي يهمك كويسة، دي أكيد قالت على اللي عملته معاها والدنيا هتولع، أهلها عايشين في الأرياف، يعني مش زي جو المدن في طريقة تفكيرهم
رد بلا مبالاة:
– تقول اللي تقوله، كل اللي يهمني اتجوزها، إنت نسيت انا ابن مين، يعني ميقدروش يعملولي حاجة، بس لو مكنتش جيت معاها العوامة كان زماني اجبرتها وقتها توافق على الجواز، اللي مخوفني إنها متوفقش!
ثم زفر بضيق فهتف زين بعدم رضى:
– اتجننت ولا أيه، دي طلبت مساعدتي وكان لازم اتدخل، دا اللي مخليني مرتاح شوية إنك ملمستهاش
رد آيان موضحًا بصدق:
– مكنتش هقربلها، كنت بطريقتي هاجبرها توافق على الجواز مني، بس دلوقتي خايف بس جوايا …مش عارف أقول أيه!!
أخرح زين تنهيدة عميقة ثم قال مسلمًا أمره:
– خلينا في شغلنا دلوقتي وبعدين نشوف هيحصل أيه……!!
__________________________________
عـودة للقـــرية…..
تعمق لداخل الغرفة فوجدها وضعت الصغير على التخت يلاعب نفسه، وجه مازن بصره نحوها وهي تخرج ثيابها من خزانة ملابسهما ولأول مرة منذ وفاة ابنهما تملكه تلك الرجفة في قلبه، لم يعلن إنكاره تركها له فاقترب منها قائلاً بثباتٍ مزيف:
– بتعملي أيه؟
كأنها لم تستمع له قط لتتابع ما تفعله وهي تضب أغراضها في حقیبة کبیرة نسبیًا، انزعج مازن فخاطبها بامتعاض وهو يمسك يدها لتكف عما تفعله:
– سألتك بتعملي أيه يعني تردي عليا؟
هدرت باستیاء ونبرة تخالطت فیها الکثير من الأحاسيس:
-كمان تسألني، مفكر لما تتجوز عليا هفضل على زمتك لحظة واحدة، إنت تطلقني أنا استحملت كتير وباقول بکرة یرجعلي، بس لحد هنا وبس خلاص
رد ببرود ازعجها:
۔ بس مش هتقدري تمشي من هنا
ردت بقسماتٍ مکفهرة:
۔هتمنعني؟، أنا مبقتش عاوزاك، طلقني
شعر مازن بحالتها وبداخله لم یرد ترکها له فزواجه من الأخیرة کان تحت التهدید، لذا خیّرها قائلاً بمکر:
۔یبقی عندك حل واحد علشان تقدري تمشي
نظرت له بترقب فتفاجأت به یوجه أنظاره نحو ابنه ثم عاود النظر إلیها مبتسمًا بمغزی لتتفهم بإدراکها نوایاه في تلك المساومة الرخیصة، هتفت برفض قاطع:
۔ ابني مش هیبعد عني لحظة واحدة
رد باستفزاز:
۔ اختاري علشان أنا ابني مش هیتربی غیر معایا
وجدت نفسها تلکزه في صدره بکفیها فتراجع خطوة وهی تصرخ بهیاج:
۔ حرام علیك بتعمل معایا کده لیه، کنت عملت أیه علشان تعاملني کده، نسیت حبي لیك وبعدت عني، استحملت کل حاجة وظلمکوا لیا وفي الآخر جاي تتجوز علیا، فاکر مالیش أهل ولا نسیت أنا مین، وکل دا علشانك بس خلاص کل حاجة بینا انتهت
کما هو لم یبین شيء بل رد بتحجر مصطنع:
۔خلود هو دا اللي عندي، ومتنسیش اهمالك لابني لما نزلتي حمام السباحة عند أخوکي وسیبتیه في الشمس لما تعب، وکمان سیادتك محترمتیش جوزك ولبستي مایوه، دا عقاب ربنا لیکي وعقابي أنا لیکي کان ببُعدي عنك
انهمرت عبراتها وعقلها یتذکر طفلها حینها، ارتمت خلود علی طرف التخت تبکي بحسرة وقلبها یتقطع من الداخل، نظر مازن لها حابسًا دموعه فهو حزین علی ابنه، من بین بکاءها الحارق نظرت له بعینیها الحمراویتین مرددة بشکیمة:
۔هعیش علشان ابني، إنت بعدت عني فخلیك زي ما إنت أنا راضیة، علشان مش هسمحلك تقربلي بعد ما اتجوزت علیا!
۔ما فیش واحدة تمنع جوزها میقربلهاش، هو الموضوع اتقلب ولا أیه
رد باستهزاء فابتسمت بتهکم وهی ترد بخیبة أمل:
۔خسارة یا مازن، روح للمدام خلیها تجبلك الولاد
نظر لها بشيء من الشفقة فتابعت باکفهرار:
۔أنا بقی مبقتش عاوزاك، واللي بینا انتهی، أنا الأول مکنتش عاوزة مشاکل، بس هتضطرني ألجأ لأخویا
هتف بنبرة مشتعلة غضبًا لینهي بعدها النقاش:
۔مفکرة أخوکي دا أیه، خروج ابني من السرایة مش هیحصل، وابقي وریني بقی هیقف قصادي إزاي
انهی کلماته تلك من وراء قلبه فهو كان يعاقبها ليس إلا، تحرك بعدها تارکًا الغرفة وهو ما زال یندم علی زواجه الذي زاد من مشاکلهما، أشاحت خلود بوجهها لتبدأ من الآن التفکیر بجدیة لتنهي علاقتها به، خاطبت نفسها بعزیمة:
۔لازم أکلم ماجد یشوفلي حل………..!!
__________________________________
في القــــاهــرة……..
أحكم ربطة عنفه عليه وهي من خلفه تجوب بنظراتها هيئته، استدار ماجد عندما انتهى ليتوجه نحو علبة سجائره وقداحته ثم أشعل واحدة وسط اندهاش ملك واستنكارها، دنت منه فتهتف بحنق:
– أيه بقى موضوع السجاير اللي طلعتلي فيه ده، من إمتى بتشربها؟
نفث ماجد الدخان عاليًا وهو يرد برأس مرفوع:
-اجنن مش كده؟!
قطبت جبینها لتعارض تصرفاته الجدیدة معها وبدا علیها الإندهاش فحتی تغیرت مشیته، نظرت له بقتامة حین تحرک من أمامها قائلاً بغرور:
۔أیهم النهار ده مش هیروح المصنع وهمسك مکانه واقعد علی الکرسي بتاعه
زمت ملك شفتیها مفطنة سبب تغیّره هذا، هتفت بتبرم:
۔ قول کده بقی یا معقد إنت بتقلد أیهم زي زمان
التفت لها ماجد مزعوجًا، رد بانکار:
– دلوقت مش عاجبك، مش كنتي بتقولي ابقى زيه علشان بتحسدي رسيل عليه
جحظت ملك عينيها من نزقه لتستنكر بضيق:
– وإنت عاملتني زيه لما بيعامل رسيل، إنت بتقلده في شكله وحركاته
– ودا محركش فيكي حاجة وخلاكي هتموتي عليا؟
سألها بعبوس فذهلت من تضارب فكره مع حديثها، وقفت أمامه ضامة صدرها بذراعيها وهي تقول باعتراض:
– ومين قال لسيادتك إنك مش عاجبني، كل اللي قولته تهتم بيا، تجيبلي هدايا تعبر عن حبك، حاجات من اللي بيعملها لرسيل وتحبها الستات، مش تروح تخلي نفسك زيه
تجاهل كل ما قالته لتلبس في ذهنه جملتها الأولى فابتسم باتساع، ردد ببلاهته السابقة:
– يعني أنا كنت عاجبك؟
ثم وضع يده على خصرها فابتسمت، ردت مؤكدة:
– مكنتش اتجوزتك
تهلل كالأطفال ليعود معها كما السابق، ردد مدعي الحزن:
– صدري وجعني من السجاير
شهقت بتخوف عليه أعجبه وهي تطوق عنقه هاتفة:
– سلامة صدرك يا حبيبي!!
ذاب في نبرتها ليرمش باستهامة بعينيه، قال بتودد:
– جهزي نفسك بكرة علشان هنروح شرم يومين……!!
__________________________________
مدت رأسها لداخل الغرفة لتطمئن عليها وسميرة من خلفها متكهنة بشغف، لوهلة ظنتها رسيل غافية ولكن ارتعاشة جسدها وتشنج تعابيرها دفعها للولوج لتفحصها، خلّفتها سميرة هي الأخرى لتلج ظانة بأنها استعادت وعيها، ثوانٍ قليلة وكانت رسيل أمامها ثم جلست بجوارها، همست بقلق:
– زينة، مالك فيكي أيه، إنتي كويسة؟
رمشت بعينيها عدة مرات كأن حواسها انتبهت لتلك النبرة في الصوت المألوف لها، فتحت عينيها لتجد أحب ما لها يقف أمامها فشعرت بالإرتياح، اغرورقت عيناها ليختلج قلب سميرة عليها وهي تهتف بخوفٍ ظاهر:
– مالك يا زينة، إهدي يا نور عيني؟!
ثم جعلت رسيل تنهض لتجلس موضعها لتقترب منها وتضمها لصدرها وقد تعالى إلى حدٍ ما نحيب زينة، مسدت سميرة على رأسها وظهرها متابعة بتحننٍ جلي:
– إطمني يا بنتي متعمليش كده في نفسك، إحنا حواليكي وكل حاجة هتكون بخير ومش هنسيبك متخافيش، بس إحكي بس حصل أيه؟!
شهقة وراء أخرى انفلتت من زينة وفكرها يتخيل ومضات إعتداء الأخير عليها وانتهاك ما لا يحق له، ارتابت رسيل أكثر في هذه المسألة ثم انحنت عليها قليلاً لتسألها بحذر:
– زينة الولد اللي قولتي عليه ده عملك حاجة مش كويسة؟
نظرت لها زينة بعينيها الباكية لبعض الوقت ثم دخلت في نوبة أشد ولسانها متعثر في سرد هذا الموقف المنبوذ الذي وضعت فيه، لامت سميرة رسيل بشجب:
– مش كده يا رسيل سيبيها براحتها إحنا عاوزينها كويسة على الأقل لما تهدى وتحكيلنا بنفسها
ثم ربتت على الأخيرة والحزن عليها يأکل كل جزء بداخلها، خاطبتها سميرة بهوادة:
– متزعليش يا زينة محدش فينا هيخلي اللي حصلك ده يعدي على خير، والكلب اللي لمسك ده موته هيكون قريب، هي كانت سايبة!!
قالت سميرة جملتها الأخيرة بتوعد مدروس للآخر، استوعبت زينة حديثهن الآن لتظن بأنهن اعتقدن شيئًا آخر، ابتعدت عن عمتها ثم نظرت لها ببراءة لترد بنبرة متزعزعة:
– هو ملمسنيش زي ما إنتوا فاكرين!!
لاحت غبطة جمة على قسماتهن ليتصحح مفهمومهن مما حدث، تدخلت رسيل لتسألها بشغف:
– طيب إحكي يا زينة حصلك أيه ومين اللي بهدلك كده؟
هنا تراجعت زينة عن التكملة حيث انحرجت بشدة، أخفضت رأسها لا تريد الآن الخوض فيما حدث، نظرت سميرة لرسيل بأعين تتحدث بحنكة لوجود شيء مخجل في الأمر، لم يضغطن عليها أكثر فقالت سميرة مغايرة الحديث:
– خلاص يا رسيل روحي إنتي وقولي للخدامين يحضرولها حاجة تاكلها………..!!
__________________________________
في الأسكنــــدرية…….
من شرفة غرفته وقف في فيلته الخاصة يتحدث مع أحدهم، هتف ماجد نافخًا باستياء:
– ست لا تطاق، طردتني من المستشفى فاضطريت امشي علشان المكان بس، إنما هي مش هتمنعني أشوف يوسف!!
رد معتز بتفهم:
– يمكن بتعمل كده يا ماجد علشان المشاكل اللي كانت بينكم، ودي كمان ست وتصرفها طبيعي، إنما لو الموضوع بخصوص أي أملاك أنا ممكن اتصرف معاها بطريقتي
رد ماجد مستنكرًا بتبرم:
– إنت كمان مفكر إني راجع علشان مستني موته واورثه، أنا والدته اللي سابها من سنين تعبانة علشان بِعد عنها هي اللي بعتتني اطمن عليه، خلي مراته تورث هو إحنا محتاجين!!
رد معتز مصححًا مقصده:
– طبعًا عارف يا ماجد إنت مين، أنا بس باعرفك إن الموضوع ردة فعله عادية بسبب اللي حكتهولي
انتبه ماجد لحضور ابنته الوحيدة فاعتزم انهاء الحديث ليقابلها، هتف مرددًا بامتنان:
– طيب يا معتز هكلمك لو فيه حاجة ومتشكر قوي
ثم أغلق الهاتف ليهم بولوج الغرفة متجهًا للخارج….
صعدت بانة الدرج بخفة ورشاقة بعدما عادت من النادي بعد ممارسة رياضتها المفضلة التنس فهي فتاة في أواخر العقد الثاني، قابلها والدها فابتسمت باشراق ثم وصلت إليه لتدفن وجهها في احضانه مرددة:
– دادي حبيبي أخبارك أيه؟
ثم ابتعدت لتتابع بعبوس محبب:
– كده تغيب يومين مشوفكش، وأنا قولت أنزل معاك اسكندرية أشوف بلد دادي، إنت رجعت إمتى من القاهرة؟
ابتسم بود وهو يقبل جبينها، رد مبررًا:
– معلش يا روح قلبي، أنا بس هابقى مشغول اليومين دول، سامحيني الفترة دي بس، وإنتي بتروحي النادي وبتخرجي يعني وقتك هيبقى مشغول
زمت شفتيها غير راضية، خاطبت نفسها بصوتٍ عالٍ مسموع:
– كان زماني باخرج وباسهر مع ولاد طنط ديما، دلوقتي بقيت لوحدي
ضحك ماجد عليها قائلاً بمداعبة:
– خلاص لو رجعت القاهرة هاخدك معايا
هتفت بتبهج بائن:
– حبيبي يا دادي ربنا ما يحرمني منك
تأمل ماجد وجهها الذي يشبه والدتها هانا بشكل متطابق والذي جعله ينفض فكرة الزواج بعد رحيلها، ضمها إليه ليردد بألفة:
– وإنتي كمان حبيبتي وأغلى حاجة عندي…….!!
_________________________________
مشّطت شعرها أمام المرآة ثم اسدلته خلف ظهرها، تحركت رسيل بعدها نحو أيهم الجالس على التخت وهي تحكم عقدة الروب عليها لتستعد للنوم، صعدت بجواره قائلة بأسى:
– موضوع زينة هيجنني، وكمان مش راضية تحكي حصل معاها أيه، كل اللي قالته إنه ملمسهاش زي ما كلنا كنا فاكرين!
ادار أيهم رأسه لها ليقول باستنباط:
– تقريبا الولد ده حاول معاها، لأنها سابت هناك وهربت منه على هنا!
بدا أيهم حكيمًا في حديثه فهتفت رسيل بحيرة:
– مين الولد ده اللي يتجرأ يعمل معاها كده، دي مش بتخرج غير في عربية خاصة بتوديها وتجبها، وكمان جوز عمتك مهتم بيها ومش بتخرج غير مع البنات
عاود أيهم التطلع على هاتفه مرة أخرى لتخطر فكرة ما على ذهنه ستكون بالفعل خطوة في تلك المسألة الغامضة إلى الآن، امتعضت رسيل مدركة عدم مبالاته حتى أول حضور زينة حين اقترب منها فوبخته بتكشيرة:
– أيهم إحنا في أيه ولا في أيه، سيب التليفون وفكر هنعمل أيه في النيلة اللي إحنا فيها
هتف أيهم بتأفف من عقلها الصغير:
– رسيل أنا مش ساكت على فكرة، والولد ده بطريقتي هجيبه وهاعرف هو مين، ومش عمرو اللي هيتصرف معاه، أنا اللي هاخد حقها
ثم أكمل ما يفعله فزاد هذا من فضول رسيل لتسأله:
– طيب بتعمل أيه دلوقت؟!
رد بتعقلٍ وهو يهم بمهاتفة أحدهم وجعل رسيل تتجهم من ذكره للاسم:
– بكلم “لما”، هي أكيد تعرف الولد ده!!…………………….
___________________________
______________________
_______________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.