رواية مغرم بك الفصل السابع عشر 17 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر

الفصـل السـابع عشــر

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في القـــــاهـرة……..

انتهى من الإمضاء على بعض المستندات والأوراق الهامة ثم ناولها للجالس أمامه قائلاً:

-أنا يمكن أغيب كام يوم كده، الشركة والمصنع هتكون فيهم مكاني، وفيه ورقة معاك دا توكيل علشان ما فيش حاجة تتعطل

تفحص ماجد الأوراق وهو يمررها واحدة تلو الأخرى وبداخله متذمرًا للغاية فقد كان يود قضاء العُطلة مع أسرته في شرم الشیخ، لم يعلن ذلك بل أومأ رأسه متسائلاً:

-طيب هتروح فين؟

رد باقتضاب:

-اسكندرية!

زاد فضول ماجد في معرفة السبب ثم فتح شفتيه ليستفهم مرددًا:

-طيب ليه هتسافر، هو إحنا عندنا شغل هناك؟!

احترز أيهم في كلماته التي تخرج منه وهو يرد:

-عندي حاجة مهمة هناك هخلصها وهاجي، لو حد سأل عليا متقولش أنا فين!

نظر له ماجد بغرابة حثته على أخذ المزيد من المعلومات ولكن صده أيهم قائلاً بحزمٍ:

-روح شوف شغلك

ثم أمسك هاتفه ليعبث في محتوياته، لاحظ ماجد انشغاله فنهض ممتثلاً له وفكره مليء ببعض التساؤلات، غادر المكتب فباشر أيهم بمهاتفة “لما” بعدما منعته رسيل من التحدث معها ليلة أمس، تذكر أيهم ذلك ليحدث نفسه بنفاذ صبر:

-مش هتعقلي أبدًا يا رسيل، كنت بكلمها ليه يعني، ما هو علشان بنت عمك!

لم يزعجها أيهم وقتها لمحبته لها ثم قرر مهاتفة “لما” في الشركة بعيدًا عنها، رن الهاتف فوضعه على أذنه منتظرًا ردها…….!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

على الطريق الموازي للشاطئ قاد سيارته برفقتها حين دعاها لرؤيتها، استجابت له “لما” فمنها فرصة لتوطيد علاقتها به ومعرفة الكثير عنه، كانت تتابعه بنظراتها المعجبة وعلى ثغرها بسمة حالمة، جابت هيئته بشرود طاغي متأملة خلال ذلك وسامته المختلطة برجولته البحتة، كان زين مستشعرًا نظراتها نحوه وفي نفسه سخرية جمة فسوف يفعل الكثير ليجذبها إليه، خطف نظرة لها ثم تابع قيادته متسائلاً بابتسامة فرحة زيفها:

-أيه رأيك نروح نتغدى الأول، وبعدين نطلع على البارتي اللي قولتلك عليه

ابتسمت باستحياء من حديثه المباشر معها، خاطبت الكثير ورافقت بعضهم ولكن وجدته غيرهم، كونه لم يكن بنفس عُمرها مثلهم أو تكون أكبر منه لتحبذ وجود علاقة بينهم، ردت برقة:

-اللي تشوفه

استغل أيضًا تلك الدعوة في خروجه معها للسؤال عن زينة، استفهم بحذر:

-تلاقي زينة من وقت ما سافرت القاهرة متكلمتش معاكي؟!

ردت “لما” بعفوية وهي تستعجب من سفرها المفاجئ:

-أنا لحد دلوقتي مش عارفة ليه سافرت كده من غير ما تقول لحد، حتى لبسها كله هنا، هما قالولنا إن عمتها عاوزة تشوفها وراحتلها

أُظلمت عيني زين ليستنتج من كلامها أنها لم تخبرهم، شيء من الراحة تسلل بداخله حتى وإن لم يحصل آيان على ما سعى إليه، تنبهت حواسه لرنين هاتفها فالتفت لينظر إليها، ردت “لما” بتهلل:

-مش معقول، أخيرًا افتكرتني!!

تجهم زين ليتابع القيادة بأعين مستشاطة فهو يعلم علاقاتها المفتوحة والغير احترازية لتهاتف آخر في حضرته وقد صدق حديث أخته، استفهم أيهم بجدية:

-“لما” إنتي تعرفي حد اسمه آيان؟

اعتلى الذهول ملامح “لما” من معرفة أيهم بآيان، رددت بتلقائية:

-آيان!!

أدار زين رأسه بالكامل نحوها حين تفوهت باسمه ثم رمقها بغضب لم تلاحظه لتلقي سائر اهتمامها في حديثها مع أيهم، ضم زين قبضته بقوة وهو يفرك من استباحتها لكل شيء هكذا، فجأة انصدم بوجود إحدى السيارات تسير بعدم إتزان أمامه فترك الأخيرة لينتبه للطريق، حاول تفادي السيارة بحرس مركزًا اهتمامه بها، غمغم بغرابة:

-مالها العربية دي؟

بعدما انتهت “لما” المدهوشة من حديثها مع أيهم ظلت للحظات شاردة وعقلها يدور، حين عرج زين بغتةً بالسيارة شهقت لتعي هي الأخرى ما يحدث من حولها وهي توزع أنظارها في جميع النواحي، استفهمت بتخوف:

-زين بيحصل أيه؟

-العربية دي مش طبيعية، حاسس قاصداني، ملاحظها من فترة ماشية ورانا!!

جاوب باهتياج فدب الهلع في بدن “لما” وارتجفت، بينما استخدم زين مهارته في القيادة ليخرج من هذا المأزق حين زاد من سرعة سيارته لتبدو جنونية فصرخت “لما” بقوة، تأزّم الوضع بإطلاق النيران عليهم فهتفت بفزع:

-زين أنا خايفة مين دول، هيموتونا؟!

رد بنبرة حازمة:

-انزلي تحت بسرعة

حثها شيء بداخلها لعدم تنفيذ ما قاله فإن اختبأت فهو معرض للإصابة، لا إراديًا تشبثت بذراعه بقوة مرددة بقلق فاجئه:

-مش هسيبك انا هابقى جنبك……..!!

___________________________________

سارت بالرواق المؤدي للغرفة التي دلّها عليها موظف الإستقبال الخاص بالمشفى، إلتفتت مهجة برأسها يمينًا ويسارًا وعيناها تقرأ لافتات الغرف، أثناء ذلك لمحت من على مقربة إسماعيل يوليها ظهره وهو جالس على إحدى المقاعد فتحركت صوبه، وهي تقترب منه لمحت سالي مستندة برأسها على كتفه وهو يربت على ظهرها ليواسيها، تجهمت فجأة ثم وقفت موضعها متيبسة حين غزت الغِيرة قلبها، ليس ذلك فقط ليوليها طوفان من الظنون حول تفكيره في الرجوع إليها، أكملت سيرها الخامل وعيناها متسلطة عليهما، بدت المسافة شبه قريبة فخرج صوتها مناديًا عليه بتردد:

-إسماعيل!

حين اخترق صوتها المألوف أذنيه كان على الفور مديرًا رأسه ناحيتها وقد تملكت دهشة عجيبة قسماته من حضورها الغير معلوم، لا وهنا بالأخص!، ردد اسمها:

-مهجة!

تيقظت حواس سالي لما تفوه به للتو ثم اعتدلت في جلستها وعيناها كانت تبحث عنها لتقع عليها بدجنةٍ مريبة، تلك الخطوات المعدودة بينهم خطتها مهجة لتقف أمامها، وقف إسماعيل لاستقبالها فخاطبت سالي بهدوءٍ مقلق:

-أهلاً يا سالي

ردت الأخيرة بنبرة جامدة:

-أهلاً!

لاحظ إسماعيل شحنات من عدم القبول والتُهمة استشعرها بمفهوميته، شد انتباه مهجة إليه حين حدثها بفضول:

-مهجة ليه جيتي، وفين الولاد؟

نظرت له لتجيب بانكار:

-ليه مش عاوزني آجي

لم تبدي ملامح سالي أي تفسير لتنصت لحوارهم باقتطاب، رد إسماعيل بربكة خفيفة:

-طيب كنتي عرفيني، على الأقل أبعت أجيبك!

بررت قدومها المفاجئ بــ:

-ما أصلك مبتسألش ومشغول عننا، جبت الولاد وجينا إحنا نشوفك، وبالمرة نشوف أيه اللي واخدك مننا كده

تمتمت جملتها الأخيرة ونظراتها موجهة لسالي التي أدركت أنها ما زالت متوجسة من أمر العودة إليه في حال وفاة زوجها، نهضت سالي لتنضم للحديث الدارج بينهم لتردد بتهكم:

-عادي لما يقف معايا، مش كان جوزي!

اغاظتها سالي بكلماتها تلك لتثير مهجة هياجها حين ردت بثقة:

-وطلقك، إنما أنا مراته وأم عياله

احتدم الحديث بينهم ليستنكر إسماعيل ما يفعلنه وهو يتابع نظرات الضراوة تتبادل بينهن هتف بتعقل:

-لزمته أيه الكلام اللي بتقولوه ده، الراجل تعبان جوه وبتتكلموا في حاجات فاتت وخلصنا منها

جذم اشتعال الموقف ركوض الأطباء من كل مكان ليلجوا الغرفة، بدهشة ممتزجة بالتوجس تابعوا بلسانٍ معقود ما يحدث، صمت مريب دب في المكان حين دلف أحد الأطباء من الغرفة ليستنبطوا من هيئته ما حدث فاقشعر بدن سالي، قال الطبيب بحزن مزيف:

-البقاء لله!

شهقت سالي وقد تجمعت العبرات في عينيها لتجلس ضائعة، فورًا كان إسماعيل مقتربًا منها ليخفف عنها، كل ذلك ابلج غل مهجة وتخوفها من شفقة إسماعيل عليها وربما تنقلب لما لا ترضاه مطلقًا………..!!

____________________________________

اهتافت في معرفة سبب عودته المبكرة لتركض من خلفه وهو يصعد الدرج حتى ولجت الغرفة، تدرجت رسيل للداخل ونظراتها عليه وهو يبدل ثيابه وتعابير وجهه لا توحي بشيء يسُر، وقفت أمامه مستفهمة:

-أيهم مالك فيه أيه؟

جلس على المقعد لينزع حذائه بعصبية حاول ألا يظهرها لكنها طفحت على هيئته، رد وهو يزفر بضيق:

-طلع زميلها في الجامعة!

أبدت رسيل فهمها عفويًا لتستفهم بتكهن:

-وإنت عرفت منين؟

-“لما”!!

اختصر في رده وهو ينهض ناحية المرحاض رغم معرفته بأن ذلك سيزعجها، تحركت خلفه ثم جعلته يقف أمام الباب حين صرخت برعونة لم تتخلى عنها:

-مش قولت البنت دي متكلمهاش؟

استدار لها ثم أحد إليها النظر هادرًا:

-رسيل اعقلي، لو مكنتش كلمتها مكنتش عرفت إن الولد ده زميلهم في الجامعة، وأكيد بينه وبين زينة حاجة محدش يعرفها

ارتسمت بسمة متهكمة وهي ترد بحنق:

-وطبعًا كانت مبسوطة إنك بتكلمها؟

نفخ أيهم ببطء ملتزمًا الهدوء معها كي لا تتوتر علاقتهما، رد بتأنٍ:

-بس أنا بحبك إنتي ولازم تشيلي الأوهام دي من راسك، وسفري اسكندرية هيكون علشان زينة وبس!!

جحظت عيناها وهي تهتف باحتجاج:

-هتروح اسكندرية ليه، مش هسمحلك تسافر هناك!

لم يتضايق أيهم بل ظل على وتيرته الساكنة، خطا تلك الخطوة الفاصلة بينهما ليقول بهوادة:

-لازم أعرف الولد ده عملها أيه، متخلیش جننانك يأثر عليكي علشان تفكير في حاجة ملهاش وجود، ولو مش عاوزاني أروح خلاص شوفي هتتصرفي إزاي، أو حتى قولي لعمرو علشان يعرف ويتصرف هو..

-لا بلاش عمرو يعرف، ممكن الموضوع يكبر ويبقى فضيحة للبنت، اتصرف إنت

قالتها من دون رغبة ولكن من أجل ابنة عمها ستحاول التغاضي عن ما يساورها من أوهام كما تمنت، حاوط أيهم وجهها بكفيه ليخفض رأسه قليلاً مُقبلاً جبهتها، قال مادحًا:

-كده إنتي حبيبتي العاقلة

ثم ابتعد لينظر لها مكملاً بمعنى:

-عاوزك بقى تروحي تقعدي معاها وتحاولي تعرفي منها بهدوء اللي حصل

أومأت برأسها منصاعة لطلبة، استفهمت بقلق داخلي:

-طيب هتسافر إمتى؟

رد بجدية أصدمتها:

-النهاردة………….!!

___________________________________

في الأسكنــــــدرية………

وقفت من خلفه تردد العديد من الكلمات المهتاجة فابنها الوحيد كاد أن يرحل عنها، لأول مرة تبكي مريم بهذا الشكل الهيستيري وقلبها يقتلها للإطمئنان على ابنها، كان حسام يهاتف زين ويخبره بما حدث وهي من خلفه تهتف بصوت منفعل:

-خليه ينزل يشوف شغله، أنا مش مستغنية عن ابني

تحمل حسام هذيانها مدركًا بأن حالتها الآن تحتاج للشفقة، خاطب حسام زين بمعنى:

-زين لازم تنزل بنفسك الموضوع كبر قوي وممكن يتكرر

قلق زين من حديثه فهذا ما ارتاب منه في غيابه، تابع حسام متنهدًا باستياء:

-أنا كلمت معتز ومتابع الموضوع، ارجع يا زين انا مش هسمح لآيان أو ابني يخرج اليومين دول، ولو على كل حاجة أنا هشوفها بنفسي على ما ترجع

وافق زين ولم يعترض ليعتزم قطع أجازته، هتف حسام بمدح:

-كده عين العقل

ثم أنهى حديثه فهتفت مريم بتخوف:

-ابني هيفضل في حضني، مش هخرجه خالص

نظر لها حسام قائلاً بموافقة:

-أول ما يوصل هاعمل اللي بتقولي عليه بس إهدي بس، أنا خايف كمان على بقية الولاد، يمكن حد عاوز يأذينا

توجست مريم أكثر ثم صكت على صدرها طالبة الرحمة من الله، سألها حسام بشغف:

-فين فاطمة ولين؟

ردت سريعًا:

-فاطمة جوه، بس لين خرجت

هتف بعدم رضى:

-وإزاي تخرجيها، وراحت فين دي؟

ردت بحزن وبؤس:

-مكنتش أعرف لسه اللي حصل مع زين، وكمان هي راحت عند آيان مش حد غريب

كلح من تبريرها الأخير ليهتف بتبرم:

-وتروح عنده لوحدها ليه، أوعي يا مريم تكوني بترميها عليه

ارتبكت وتلجلجت في ردها فنظر لها بظلمة ليستشف استمراريتها في فعل ما نهاها عنه ليحدجها بحدة جعلتها تزدرد ريقها، نفخ بنفاذ صبر منها وهو يحرك رأسه للجانبين:

-ما فيش فايدة فيكي يا مريم، دمار بنتك على إيدك……….!!

____________________________________

حمل أخيه الصغير على ساقه مانحًا إياه من حنانه الأخوي ما يعوضه عن سفر والديهما، كان آيان متحملاً للمسؤولية بشكلٍ واضح لقضاءه بعض الوقت معهما متناسيًا خروجاته، ذلك ما جعل لين لم تجد فرصة لتتحدث معه لقلة خروجه متخذة قرارها النهائي بالتوجه للفيلا لمقابلته وبث سمها ليعدل عن معاملتها، ولجت الفيلا بوجهٍ مشرق متهلل لتجدهم في بهو الفيلا يجلسون، لم تهتم بأخته التي تدرس على الأرضية لتنصب نظراتها عليه وهو يخاطب أخيه بألفة فابتسمت بمكر، وهي تدنو منهم هتفت بمرحٍ خبيث:

-تصدق لايق عليك تشيل ولاد، عقبال ما نشوف ولادك!!

التفت آيان لها وقد اكفهر وهذا ما ضايقها، جلست لين بجانبه ثم نظرت له لتتابع بنفس دهاءها:

-سمعت آخر خبر؟

زوى بين حاجبيه ليستفهم بعبوس:

-خير إن شاء الله!!

التوى ثغرها ببسمة تشفي بائنة وهي ترد:

-مش زين خلاص هيتجوز

اندهش آيان وهو ينظر إليها فاستأنفت لتسعّر تعجبه:

-هيتجوز “لما”

ثم نظرت له بترقب لتتابع ردة فعله، في حين شرد آيان فيما قالته حيث لم يخبره زين بشيء فهو أقرب ما له، هتف بتعجب:

– بس زين مقاليش!

ردت ببسمة صفراء:

-أصلها مفاجئة وقولت إنت أول واحد لازم تعرفها

لم يعترض آيان بداخله عن ارتباط زين بها ولكن ما السبب في عدم إخباره، تعقبت لين تعبيرات وجهه وهو زائغ لتقول بتهكم:

-شكلك اتضايقت ولا أيه

انتبه لها لينفي باقتطاب:

-وهتضايق ليه، “لما” بنت كويسة قوي وتستاهل زين

لوت فمها مستهزئة من رده عليها فهي مفطنة انزعاجه الآن كما يخال لها، قالت بخباثة:

-كويسة أيه بس، دي مع كل واحد شوية، اللي يشوفها معاك يقول فيه بينكوا حاجة، ومرة واحدة تروح ترتبط بزين، متأكدة زين مش هيكمل معاها

هناك ما أسعد آيان بذلك لیتجاهل حديث تلك السمجة عنها فقد خفف زين بذلك مهمة ارتباطه بالأخيرة هي أيضًا فهن أصدقاء وربما يتأزم الوضع بينهن، لكن ما ينتظره الآن ما سيكون بينه وبين زينة، سبح آيان في بحر أفكاره متناسيًا لين التي تتحدث معه ولكنه لم يعيرها اهتمام، حدث نفسه بلهفة داخلية:

-ياترى يا زينة عاملة أيه دلوقت………..!!

____________________________________

عــودة للقــــاهرة…………

انفردت بها بمفردهن بعد سفر أيهم لتتأهب في مفاتحتها فيما صار معها، احترست رسيل في كل ما يصدر منها لترتاح زينة لها وتسرد باطراقٍ ما مر عليها، توغنت رسيل مباشرة استحمامها وتجهيز ثياب من مقتنياتها الخاصة، دلفت زينة من المرحاض ويغلب عليها الاستحياء فقابلتها رسيل ببسمة لطيفة، خاطبتها بتودد:

-تعالي أما أسرّح شعرك

لم ترفض زينة فرسيل أختها الكبيرة والألفة متبادلة بينهن، جلست زينة على الأرضیة ورسيل على المقعد من خلفها لتمشط شعرها، شرعت في ذلك لتجد زينة الأمن وهي تستعيد ذكرياتها معها، تحدثت براحة جعلت رسيل تسر:

-فاكرة يا رسيل حياتنا سوا والاسطبل بتاعك

ابتسمت رسيل لترد متنهدة بجموح:

-كانت أيام حلوة قوي ونسهر سوا على السَطح

شردت زينة هي الأخرى فتابعت رسيل بمعنى جعلها تبتئس:

-بس الأيام دي برضوه عندي عجباني علشان عرفت فيها حبيبي وبقى عندي ولادي

نكست زينة رأسها بكمد أحست به رسيل، قالت زينة بنبرة مقلقة:

-بس عندي أنا بقى مش حلوة!!

عاود كابوس اعتداء الأخير عليها فسألتها رسيل بشجن:

-زينة قولي على اللي مزعلك، مش أنا رسيل أختك؟

للحظات لم يصدر من زينة ردة فعل ثم بغتةً أجهشت بالبكاء وهي تسند رأسها على فخذ رسيل التي انتفض قلبها عليها من خوفها، هتفت رسيل بقلقٍ جم وهي تدفن رأسها في أحضانها:

-زينة متخافيش احكيلي، إحنا خلاص عرفنا مين هو آيان

اضطربت زينة بشدة لتجف عبراتها متوجسة حين ابتعدت لتنظر إليها وقد لاح الخوف في عينيها، طمأنتها رسيل بجدية:

-أيهم عرف من “لما” مين هو آيان اللي كان عاوز يعتدي عليكي وسافر له اسكندرية

رعب مريب طاح بجسد زينة وهي تستمع لها حتى شحب وجهها، زاد هلعها المدروس حين هتف أخيها بصدمة ممتزجة بالشراسة المرعبة من عند الباب:

-مين ده اللي كان عاوز يعتدي عليكي………!!

__________________________________

في القــــــرية………

سارت بتغنج ناحيتها وهي تغسل الأواني حين ولجت عليها المطبخ ونظراتها الماكرة عليها وتبتسم بمغزى، شعرت سيرين بها فوجهت نظراتها نحوها بعدما توقفت عن شطف الطبق لتستفهم بجهل:

– خير يا ماما فيه حاجة؟

ردت الأخيرة بمغزى وهي تشدد على كلماتها المتبرمة:

-يعني مقولتليش إن أخوكي اتجوز على مراته، يرضيك أسمع من الغريب؟!

توترت سيرين لصلة القرابة بين ابنتها وزوجها فهو أخو خلود صديقتها، ردت بتزعزع:

-أيوة اتجوز، بس أنا لما عرفت لومته كتير، هو غلطان

انفجرت السيدة فوزية فيها لتعلن عن ما في جعبتها من تهكم مختزن:

-غلطان وستين غلطان، ليه يبهدل بنت الناس معاه، هو مش عارف أخوها يبقى مين اللي هو جوز بنتي

بغطرسةٍ رددت فوزية تلك العبارة ولم تعطيها الفرصة لتتحدث لتستطرد بحنق:

-كانت عملت أيه فيه وعلى طول بيبهدلوها ومش راضية اتكلم ولا أقول لبنتي وأقول بكرة يبقوا حلوين، يجوا يشوفوا معاملتي ليكي اللي بتشتكي منها يا ست سيرين

وضعتها السيدة في مقارنة صريحة لتتيقن سيرين بأن ما يفعله أهلها كان غير مقبول، لكن قالت بتريث:

-مازن ندمان يا ماما، لو سمحتي بلاش تقولي لحد علشان أنا بأحب خلود ومش عاوزاها تبعد عن البلد، أنا اتكلمت معاها واقنعتها تستنى أما أشوف أخرتها، أرجوكي متتكلميش!!

مطت فوزية شفتيها بتفكير مثير للتوتر والحفيظة، ردت بتكبر بعد وقتٍ مستعصٍ وقد استغلت ذلك لصالحها:

-رجليا بتوجعني من امبارح، تعالي اغسليهالي………..!!

___________________________________

تجهزت بأروع الثياب ونثرت عليها أفخم العطور ثم توجهت نحو التخت لتصعد عليه بجواره، كان مازن يوليها ظهره نافرًا منها، مالت على كتفه قائلة بدلال:

-إنت نمت ولا أيه؟

تلوي بجسده لجعلها لا تلمسه، ردت بتأفف:

-سيبك من الحركات دي، وخليكي فاهمة جوازنا تم إزاي

هتفت بمقت وهي تعتدل لتحدق فيه بغيظ:

-اسمه أيه الكلام ده، أبويا لو عرف بتعاملني إزاي مش هيسكت، ولا نسيت هو مين ويقدر يعمل أيه!!

اعتدل هو الآخر ليرمقها باستشاطة وبغض، رد بكراهية:

-بتهدديني ولا أيه، روحي في المراية وبصي لنفسك، دا إنتي أكبر مني

امتقع وجهها وقد ذابت النضارة الباقية فيها من إهانته العلنية لها، تابع مازن بازدراء:

-لا ومش كفاية اللي عرفته بعد ما اتنيلنا، كنتي متجوزة واطلقتي، مش كده برضوه؟!!، وللأسف مضطر استحمل واحدة زيك في حياتي

ثم نهض غير محبذ المكوث برفقتها، تسارعت أنفاسها الغاضبة وهي تحدق أمامها بانتقام مرسوم بضراوة في نظراتها الحادة، تعلم بأنها تكبره بأعوام قليلة لكن ما يعيبها؟، والدها من قام بتزويجها لشخص يكبرها حتى ضاعت منها أجمل سنوات العُمر، تحسّرت على نفسها ثم بكت بوجوم، سول لها شيطانيها بأن تجعله يدفع ثمن إهانته لها ومن قبله زوجته وابنه، ابتسمت بفم مرتعش نتيجة عصبيتها الزائدة وهي تنتوي:

-مش بعد اللي عملته هخليك تسيبني، لازم أخليهم يحترموني ويبقوا تحت رجليا زي ابوك ما بيجري زي الكلب ورا أبويا……….!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

أثناء سيره قاصدًا النزول للأسفل استمع لبكاء ابنه بداخل غرفة نومه السابقة قبل هجرانه لزوجته، وقف مازن محدقًا بالغرفة من بعيد مترددًا في الذهاب لرؤية الصغير أو التجاهل، دفعته رغبة متشوقة وندم سافر للتحرك نحوهما، سار للغرفة وهو يؤلف سيناريو ليعلل القدوم، طرق الباب بهدوء ثم ولج بحذر، وجهت خلود بصرها نحوه بعدم قبول وهي تحمل ابنها وتتحرك به ذهابًا وإيابًا، هتفت بنبرة غير مرحبة:

-جاي عاوز أيه، مش قولت الأوضة دي متعتبهاش

خطا بقدمه نحوها فانفعلت، قال بتبرير:

-جيت أشوف ابني، أصل سمعته بيعيط

هتفت بنفور حين وقف أمامها:

-اتفضل برة، ولما تعوز تشوفه هبعتهولك مع الخدامة، إنما هنا تدخل لأ

تجاهلها ليتناول ابنه منها، لم تستطع الرفض فتركته له، حمله مازن على ذراعه ليجعله يكف عن البكاء، هتف باستغراب:

-بيعيط ليه، هو صغير!

ارتبكت خلود فنظر لابنه ليسأله بتدلل:

-بتعيط ليه يا حبيبي؟

رد الصغير بتلقائية لاحت فيها طفولته:

-مامي ضربتني

فورًا كانت نظراته عليها لتخفض نظراتها المتوترة لا تريد النظر إليه، سألها باملاق:

-ضربتيه ليه؟

تنحنحت بربكة ظاهرة في نبرتها وهي ترد ورأسها للأسفل:

-كنت متعصبة!

ثم رفعت رأسها لتنظر له متابعة:

-أنا كنت بصالحه، ومضربتوش جامد، هو بس زهقني وأنا متضايقة

أخفى مازن بسمته ليستنبط بأنها فعلت ذلك لغِيرتها وقد أخرجت ضيقها عليه، سأل بمكر زاد من ارتباكها:

-وحشتك؟………..!!

__________________________________

رغم وصوله المبكر للمدينة لم يتحمل المكوث دون جدوى، قضى وقت لا بأس به داخل الفندق ومنها من أصر على مقابلته وعمل علاقات عمل معه، بعدما إنتهى أيهَم من كل ذلك حتى ألزم نفسه بتنفيذ ما جاء من أجله، قاد سيارته للفيلا التي اعطته “لما” عنوانها، لم ينكر سماعه لاسم والده السيد زين في عالم الأعمال، لكن ذلك ليس تزكية لتجرؤ ابنه في تحليل ما حرمه الله، مر وقتٍ عضال وهو يسير بسيارته للمكان المنشود، ولج أيهم من بوابة الفيلا ذي الطراز الحديث حين سمح له حارس البوابة، صف السيارة للداخل ثم ترجل بطلعته المهيبة، تحرك أيهم نحو بوابة الفيلا ثم نزع نظارته الشمسية متأهبا لمقابلة قاطنيها، قرع الجرس مرة واحدة ثم انتظر، لحظات قليلة وكانت الإستجابة من إحدى الخادمات، فتحت الباب ثم سألته بعملية:

-تحت أمرك يا فندم!!

رد أيهم بصلابة:

-عاوز أشوف زين بيه!

ردت بتفهم:

-زين بيه مسافر، بس آيان بيه موجود

امتعض حين نطقت اسمه، هز رأسه قابلاً مقابلته، هتفت بترحيب وهي تشير للداخل:

– طيب اتفضل يا فندم، حالاً أبلغ سعادة البيه

ولج أيهم للداخل غير عابئ بكل ما حوله من فخامة فهو منعم فيها منذ ولادته، دلّته لطريق الصالون ثم توجه لينتظر فيه وهو ما زال ملتزمًا عدم تهوره حتى الآن…..

مر وقت قليل لم يتناول فيه أيهم حتى المشروب البارد ليظل انتظاره له قاتلاً، ولج آيان فتصلبت نظرات أيهم عليه ليفطن بذكاءه أنه هو، فورًا نهض لتشتعل نظراته عليه وهذا ما تعجب منه آيان الذي خاطبه بتلجلج:

-حضرتك مين؟

-إنت آيان؟

رد أيهم بسؤال غليظ أدهش آيان، لم يتزحزح آيان عن حزمه في إعادة سؤاله مرددًا:

-بقولك حضرتك مين؟

ابتسم أيهم بسخط وانبلجت نظرات الازدراء في نظراته، اغتاظ آيان بشدة وفجأة شهق بصدمة حين صفعه أيهم بقوة وهو يرد على سؤاله:

-أنا قريب زينة، عرفتها؟!

كانت الصفعة قوية لدرجة عدم ثبوت آيان موضعه، تناسى قوتها لينتبه فقط لما نطق به ثم نظر له متوجسًا لعدم سير الأمر كما خطط له، أحد إليه أيهم النظر ليناوله الصفعة الأخرى دون أن يدافع آيان عن نفسه، هذا ما أثار غضب زين والده الذي عاد من سفره دون علم أحد وهو يصرخ بحدية:

-أبعد عن ابني!! ………………………………………

______________________________

_________________________

_________________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق