رواية مغرم بك الفصل الثاني والعشرون 22 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصـل الثاني والعشــرون

مُغـرَم بـكِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تخطت الحدود بما اتهمتها به لينزعج الجميع غير متقبلين ما تهذي به أو حتى التماس العُذر لها ولحالتها، رغم عدم ارتضاء عمرو بذلك لم يوقفها، بل تدخلت رسيل لتقف أمامها معلنة استيائها قائلة بحنق:

-لحد هنا ومسمحلكيش، مش إحنا اللي يتقال علينا الكلام ده، إحنا متربين قوي وولاد ناس، وعارفين دينا وأخلاقنا مافيش زيها

أحدت نور إليها النظر بنظرات ساخرة اججت من عصبية رسيل، ردت ببغض:

-وابني متربي، كفاية إنه اتجوزها وهو معملهاش حاجة، أكيد لعبت عليه علشان تخليه يوصل لكده معاها

توارت زينة خلف رسيل تنتحب بصوت استمعت له فاستشاطت رسيل وكذلك عمرو الذي لم يعجبه حديثها واستمر واجمًا، تقدم أيهم ليقف بجانب زوجته كي لا تنفعل أكثر وتزيد المسألة تعقيدًا فهو يعرفها قائلاً:

-رسيل اسكتي متقوليش حاجة

بينما هتف زين بتمهلٍ لرسيل:

-إحنا عارفين كويس يا مدام، بس نور متقصدش، هي بس زعلانة وخايفة على ابنها، هي أمه ومن حقها تزعل عليه، أنا كمان هموت علشانه بس هادي علشان مش عاوزين فضايح

تعالت نبرة رسيل المزعوجة وهي ترد:

-يبقى الهانم تلتزم حدودها، مش كفاية اللي عمله ابنكوا فيها، وسمحناه وقبلنا تتجوزوا، حد غيرنا كان وداكوا في داهية وخلاها فضيحة، بس إحنا سكتنا علشان زينة وبس!!

هدأها أيهم قائلاً بمفهوم:

-رسيل إهدي مينفعش كده، إحنا باللي بتعملوه ده الكل هيعرف، ودا إحنا مش عاوزينه

خرجت نور عن صمتها المؤقت لتردد بقلبٍ موجوع:

-كلامك دا ولا في دماغي، ابني لو حصله حاجة مش هخليها على وش الدنيا، مش هي بس، كلكوا معاها وبرضوه مش هرتاح

تساقطت دموع نور بحرقة وهي تتحدث لتتحنن قلوب الجميع عليها، شعرت رسيل بها فهي أم مثلها، قالت بشيءٍ من الندم:

-إحنا حاسين بيكي، بس دا ميخليكيش تقولي كده عليها، لحد دلوقتي مش عارفين حصل بينهم أيه

خاطب زين رسيل بعقلانية:

-لو سمحتي خدي زينة واتكلمي معاها، مش عاوزين الموضوع يوصل لحاجة مش كويسة ابننا جوة وزعلانين علشانه

وجهت رسيل بصرها نحو زينة ثم جعلتها تنهض معها وهي تربت عليها كي تكف عن البكاء، كذلك عمرو الذي أسرع إليها مرددًا:

-روحي مع رسيل ومتعيطيش كلنا هنا ومش هنسمح يتقال عليكي حاجة، إحنا عارفينك كويس

امتثلت زينة لحديث أخيها ثم تحركت مع رسيل لتأخذها في زاوية منفردة بعيدة عن الجميع، نفخت نور بأسى ثم حدثها زين بهدوءٍ و ود:

-حبيبتي تعالى ارتاحي وهو هيبقى كويس

سارت نور معه مستسلمة وهي تبكي، حاوطها بذراعه وهو يأخذها لترتاح في مكان جانبي حتى تهدأ ويطمئنوا على آيان…

وقف عمرو مع أيهم يتهامسا، قال عمرو بعدم رضى:

-الموضوع اتعقد قوي، أنا خايف، كان بس مستخبيلنا دا فين؟!!

حدثه أيهم متنهدًا بضجر:

-أنا زهقت من اللي بيحصل ده، زينة غلطت لما علمت كده، اومال جوزناه ليها ليه، ما هو علشانها الخايبة دي، كان فيها تسيبه بعدين أو تحاول تصلح علاقتها معاه

قال عمرو بتعابيرٍ عابسة:

-كنت فاكر رسيل اتكلمت معاها وعقّلتها!!

-تلاقي حصل حاجة بينهم، لازم زينة تتكلم على ما يفوق إن شاء الله

ثم ربت أيهم على كتفه متابعًا بمدح:

-كويس إنك عاقل وساكت، خليني أنا بنفسي اتصرف معاهم…..!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

التزمت الصمت لبعض الوقت كي تهدأ وتمتنع عن البكاء، طلبت لها رسيل كوب من الليمون الذي حضر سريعًا، ارتشفت زينة القليل ثم توقفت لتسرح فيما حدث، ندمت على ردة فعلها الإجرامية وما فعلته بالأخير، لمحت رسيل ذلك في عينيها فقالت لها بهدوءٍ جلي:

-احكيلي بقى محدش غيرنا موجود، حصل أيه وليه تعملي كده، معقول دا يطلع منك، قتل يا زينة

نظرت لها زينة بعينين متأسفتين وهي محرجة منها، ردت بتوجس:

-خايفة!!

قالت نفس الكلمة فارتابت رسيل في أمرها، سألتها باهتمام:

-من أيه يا زينة؟

ثم ترقبت رسيل أن تحكي، ترددت زينة وهي تحاول أن تخبرها وتوترت، قالت بتحفظ:

-مش عاوزة اتجوز، مش بفكر في الجواز أصلاً

ضمت رسيل شفتيها بتفهم ثم احترست في سؤالها قائلة:

-طيب مقولتليش كده ليه، كنت اتصرفت وخلينا فيه خطوبة في الأول وكنت أقنعت عمرو بطريقتي!!

نكيت رأسها لترد باستحياء:

-مقدرتش اقول حاجة، خوفت من عمرو اتكلم، وكمان كلام آيان معايا خوفني أكتر، هو اللي خلاني اعمل كده لما قرّب مني واللي عمله معايا

ثم دفنت وجهها بين راحتيها وهي تتذكر ما فعلته لتكمل بألم:

-مكنتش هقتله لوحده، كنت هاقتل نفسي أنا كمان، بس طلعت جبانة وخوفت، أنا جبانة، جبانة قوي يا رسيل

ثم بكت مرة أخرى لتضمها رسيل إليها، رددت بحنو:

-زينة كل حاجة هتبقى كويسة متخافيش، ادعيله يقوم بالسلامة، أكيد مش هيخلي حد يأذيكي

عاودت كلماته لها تتردد في أذنها، فهو في أوج تعبه كان يفكر فيها، دعت له من قلبها قائلة:

-يا رب يبقى كويس………!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

على ناحية أخرى جلس زين بجانب نور التي رفضت أن تضع شيء في فمها حتى يشفى ابنها وتستمع لصوته، ظلت في أحضان زين الذي يقبل رأسها بألفة ومخففًا عنها وعنه فهو ابنه الكبير ومعزته خاصة في قلبه، قال بتفهم:

-آيان في الأول غلط معاها، يعني رد فعل طبيعي منها لما تنتقم لنفسها منه، تلاقيه زودها معاها

ردت ببكاء معارضة:

-وخلاص اتجوزها، أي بنت في مكانها كان زمانها سعيدة، هي ناسية هو مين وابوه أيه!!

أدرك زين بأن ما تفعله کونها كأم فقط يهمها ابنها، لذا رد بمعنى:

-دا يا نور ميخلناش ننسى إن اللي عمله غلط، لازم يتعاقب ويفهم إن دي مش طريقة كويسة علشان يرتبط ببنت عجباه

انتفضت نور وقد تجشمت من مدافعته عن الأخيرة ثم ابتعدت عنه لتعيب عليه قاٸلة:

-يعني يستاهل اللي حصل، دا اللي عايز تقوله، زي ما يكون مش ابنك اللي راقد جوه ده بين الحياة والموت ومش عارفين عنه حاجة

-نور…..

جاء زين ليبرر فنهضت لتقاطعه مستأنفة بانكار:

-ودي مستشفى تقعّد فيها ابنك، كل دا علشان محدش يعرف، في ستين داهية أي حد إلا ابني

نهض زين ليقول برصانة ورشد:

-المكان هنا كويس، وطلبتله دكتور خاص يجي هنا يعمله العملية، ولازم نفكر بعقل شوية، اقعدي أحسن اتمنيله يخف ويرجع زي الأول

جلست نور ثانية لترد بمقت:

-أومال بتمنى أيه، كل اللي عاوزاه يطلق البنت دي، أنا خايفة عليه منها، هو غلط معاها وهي انتقمت، يبقى متلزمناش وتروح في داهية

جلس زين بجوارها ليقول بجدية:

-الكلام ده آيان اللي يقرره، هو حُر في اختياره، لو مش عاوزها يقول

نظرت له لتهتف بثقة:

-ابني بيحبني ولو طلبت منه يسبها مش هيتأخر………!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

بشغفٍ قاتل وترقب على الجمر والدقائق فقط تمر عليهم كأنها ساعات طوال انتظر الجميع أن ينتهوا من تطبيب جراحه، لمحت نور من يفتح باب غرفة العمليات فبادرت لتهرع نحوه أولا لتتوالى أسئلته المتلهفة فتفهم الطبيب موقفها، تابعها زين ليتحدث بدلا عنها قائلا:

-طمنا يا دكتور

رد بفرحة زائفة لابد منها:

-بخير الحمد لله والعملية خلصت ونضفنا الحرج من أي تلوث، يفوق من البنج كمان كام ساعة وهيبقى تمام

اقمعت مخاوف نور ثم تنهدت براحة، ابتسم زين ليشكر الله في نفسه وهو يشدد من ضم زوجته، بدت الفرحة على وجوه الجميع وبالأخص زينة التي تأملت خيرًا، لاحظت رسيل بسمتها العفوية المسرورة وابتسمت، مسدت على ظهرها قائلة:

-هيبقى كويس، ربنا بيحبك

احتضنتها بمحبة لوقوفها الدائب بجانبها، نظرت لهن نور شزرًا وهي محتقنة من تلك اللعينة قاتلة ابنها، غمغمت بعزيمة في نفسها:

-هخليه يسيبك وهو بنفسه هيرميكي لما يفوق!!

جعلها زين تنتبه له حين خاطبها بمسرة:

-خلاص اطمنا يا طنط، تعالى حضرتك ارتاحي شوية على ما يفوق

-مش عاوزة، راحة أيه وابني كده من غير ما أشوفه

تقدم إياد ليوافق زين الحديث قائلاً:

-تعالي يا طنط وقفتك ملهاش لزوم، والدكتور هنخليه يدخل حضرتك تشوفيه

أحب زين ما يفعله الشباب مع زوجته، زادت سعادته حين استمعت رسيل لهما قائلة:

-هقعد بس كلموه أشوفه بس، مش هكلمه بس أشوفه

حركوا رؤوسهم بتأكيد فحدث زين إياد بتكليف:

-إياد خدها في الأوضة اللي حجزتهلها

اطاعه إياد ليمسك بيدها فسارت نور معه وهي تتحدث معه بشأن والدته ميرا وتستفهم عن أحوالهم بعد سفرهم للخارج……..

أخذ زين ابن أخته ليتحدث معه بحذر، استفهم منه بضيق:

-نور قبل ما تيجي كانت بتكلمك، وبعدها كانت هنا، ممكن أعرف إزاي عرفت؟

توتر زين ونفى بجهل:

-مقولتلهاش يا خالي، حتى أنا اتفاجئت بيها هنا

-مقولتش قدام حد حاجة؟

-لا محصلش

قالها زين بعدم يقين لتأتي لين على ذهنه، نفض اكتشافها كل ذلك ليقرر عدم التحدث عنها فهي بالتأکید لم تستشف شيء، تنهد الأخير بعُمقٍ وهو يقول بشك:

-طيب يا زين، بس اتمنى ميكونش حد عرف حاجة، إنت عارف إنك إيدي اليمين ويا ريت متخيبش ظني

نظر له زين بتذبذب مرددًا بانصياع:

-أنا عارف كل حاجة وباعمل اللي بتقولي عليه حضرتك……..!!

____________________________________

صبـــاحًا، غفت نور بغرفة مجاورة لابنها بعدما سمح لها الطبيب لرؤيته من خلال النافذة الزجاجية، غلبها الوسن لتغفا قليلاً وزين بجانبها، تركها فقط ليتابع حالة ابنه بين فينةٍ وأخرى….

كذلك غفت زينة بعد تعسف عمرو لإراحة جسدها المنهك وطمأنها من القادم، بينما انشغل أيهم بمكالمات ماجد حول سير العمل وابلغه بضرورة حضوره لملاقاة السيد عيسى، اعتذر أيهم ليقابله ماجد نيابةً عنه في مكتبه بالشركة…..

رحب به ماجد بعملية قائلا:

-شرفتنا يا حاج عيسى، اتفضل اقعد

ثم أشار على المقعد المقابل له، خبط عيسى على صدره بخفة ليردد بامتنان:

-متشكر يا ماجد بيه

ثم جلس ليهتم ماجد بحضوره ثم طلب له مشروبه المفضل، نظر له ماجد منتظرًا أن يخوض في الحديث فقال الأخير بتريث:

-سمعت من واحد تعرفه إن أيهم بيه بيحب يشارك أي حد، وهيبقى شرف ليا لو شاركني

لم يمانع ماجد مطلقًا ليرد بمغزى:

-أيهم بيه بيشارك في مشاريع جديدة، إنما في أملاكه لا

ردد عيسى بمعرفة مسبقة:

-أيوة عرفت، عبد الحميد بيه قالي!

انعقد جبين ماجد بغرابة ثم سأله باهتمام:

-عبد الحميد مين؟

استعجب السيد عيسى ليرد موضحًا:

-عمدة القرية اللي أيهم بيه متجوز منها

رفع ماجد حاجبيه متذكره فهو حما أخته، وهذا ما يجهله السيد عيسى إلى الآن فابنته إضحت غريمتها، استطرد بشغف:

-كنت أتمنى أشوفه، يا ترى هيوصل إمتى؟

رد بمعنى:

-بنت عم مراته كانت بتتجوز امبارح في اسكندرية، هو بس مشغول وبعدها هيرجع

-الف مبروك

-الله يبارك فيك

بدأ الحديث مقتضبًا ولم يعرف السيد عيسى بذاك النسب، قال ماجد بجدية شديدة:

-ممكن آخد فكرة عن المشروع بتاع حضرتك………!!

___________________________________

نهضت من نومته الخادرة تلك سريعًا حين أبلغوها بإفاقته، هرعت نور لغرفة ابنها متلهفة مشتاقة للتحدث معه ورؤيته بخير، فور ولوجها اتسعت بسمتها الفرحة وهي تراه فاتحًا عينيه، تحركت نحوه هاتفة بتوق:

-ابني حبيبي

ثم جلست بحذر بجانبه لتُقبل جبهته وكف يده متابعة بحنان:

-ربنا ما يحرمني منك يا قلب ماما

حاوط الجميع فراشه ثم تطلعوا عليه بتودد، لم يستطع آيان التحدث جيدًا لكنه انزعج من حضور والدته ومعرفتها ثم رمق زين ابن عمته بلوم، اعتذر زين بنظراته وسيشرح له لاحقًا، هتف والده بلطف:

-شد حيلك كده متخوفناش عليك

ثم غمز له فابتسم بوهن لوالده ليتماسك أمامه والدته، تدخل الطبيب ليقول بتناقض:

-الجرح طلع مش عميق ولا حاجة متقلقوش، دا خربوش صغير

سعدت زينة التي ولجت برفقة رسيل بذلك وتهللت، لكن الطبيب أخذ بعض التعليمات من السيد زين بقول ذلك، بينما استنكرت نور بتعجب:

-وحاجة بسيطة زي دي تاخد دا كله في العمليات؟!

ارتبك الطبيب قليلاً ثم جاوب باطلاع:

-دا تنضيف للجرح وخد وقت مننا

زمت نور ثغرها للجانب غير مقتنعة ثم تجاهلت الطبيب الذي انحرج وخرج أفضل، وجهت بصرها نحو ابنها ثم خاطبته بعطف:

-مين اللي عمل فيك كده يا آيان؟

ارتعدت زينة وتوتر الجميع ثم نظروا له بتحذير، لم يكن آيان بحاجة إليه ليرد بصوت متعب:

-ماما مافيش حد عملي حاجة، أنا اللي جرحت نفسي

اغتاظت نور من تبرئة الأخيرة، ردت بضيق:

-متدافعش عنها، أنا عارفة إنها اللي حاولت تقتلك، طلقها يا آيان وخليها تبعد عننا، أنا مش مستغنية عنك يا حبيبي

انتبه آيان لوجود زينة واقفة بخزي، تنهد بضعف لينفي:

-محصلش، زينة ملهاش علاقة

نظرت له زينة بندم وحزن، في حين احترمه الجميع لشهامته وبالأخص عمرو ليحبه عن السابق، هتفت نور بعدم رضى:

-بتدافع عنها يا آيان، دي لازم تتعاقب وتسيبها خالص، احكي وقول حصل أيه علشان تحاول تقتلك، متداريش عليها قول الحقيقة

تدخل زين ليرد باعتراض:

-نور هنرجع لنفس كلامك، آيان مش صغير وقال مش هي خلاص!!

سعد أيهم بموقف زين العاقل والغير محايد، تابع زين بمكر ليجعلها تقتنع:

-وعلشان تصدقي يا نور

نظر لزينة ثم أمرها:

-تعالي يا زينة قربي منه علشان تطمني علـــى جوزك

ارتبكت زينة كثيرًا وبالأخص حين كانت نظراتهم موجهة إليها، تطلع عليها آيان بنظرات مخيبة لكنه لم يبغضها كونه يحبها، حثتها رسيل على الإقتراب منه ومسامحته فتحركت زينة ببطء نحوه وهي تنظر إليه بحرج، خاطب زين نور بمفهوم:

-قومي يا نور علشان زينة تطمن عليه

شهقت نور بصدمة لتفضيل هذه السخيفة عليها، نهضت وانفاسها غاضبة لتفسح لها المجال ثم ابتعدت والدماء تغلي في عروقها، دنت زينة منه لا تستطع التمثيل لكنه ابتسم بألم وهي تحدثه باقتضاب:

-إنت كويس؟

هز رأسه لها ليرد بود:

-أنا كويس

هتف زين بمفهومية:

-يلا نخرج إحنا، سبوهم لوحدهم شوية

استحت زينة ثم نظرت نحو رسيل بنجدة فطمأنتها بنظرة من عينيها المريحة، بينما تجهمت نور وهي ترى ابنها ما زال يكِن للحُب لها، في تلك اللحظة أدركت الغرام فقط وليس الحب ليصبح مجنون بها، تركته على راحته فهي تعلمه ثم دلفت للخارج معهم………!!

____________________________________

لم يتوانى في الإستجابة لاستغاثة ابنته الوحيدة ليعود أرض الوطن في اليوم التالي، أفاقت سالي على أسعد خبر وهو حضور والدها السيد رؤوف من المملكة والذي اتخذ قراره بالمكوث فيها قبل سنوات، بعكازه الفخم خطا بقدمه لفيلته التي عادت إليها سالي هي وابنتها ثم مرر أنظاره المشتاقة عليها، بخطوات راكضة هرولت سالي نحوه لتحتضنه بشوقٍ جارف ولسانها يردد بحبٍ عميق:

-وحشتني يا بابا، الفيلا نورت

ضمها رؤوف بمحبة قائلاً:

-وحشتيني يا سالي، عاملة أيه يا حبيبتي؟

ردت بأسى وهي تسرد معاناتها:

-مش بخير يا بابا، أومال بعتلك ليه!!

ثم ابتعدت لتمسك بيده وتعاونه على الولوج، قال بتضايق:

-خلاص متشليش هم، طول ما أنا هنا محدش هيقربلك لإنتي ولا بنتك

انحنت سالي لتقبل يده فهي تحتاج من يقف بجانبها ويساندها، حين لم تجد فرصتها مع إسماعيل لجأت لوالدها، لم يخزلها ليقف هو معها في محنتها، رددت بامتنان:

-تسلملي يا بابا ويا رب ما انحرم منك أبدًا

وبخها بتكشيرة خفيفة وهو يجلس على الأريكة:

-أنا أبوكي يا سالي، عيب تشكريني، لو مش هقف جنب بنتي هقف جنب مين

جلست بجانبه متنفسة بغبطة والبسمة عرفت طريقها لتزين وجهها، دخل رؤوف في الحديث الجاد حين استفهم:

-اشرحيلي بقى حصل أيه ومين الراجل ده اللي عاوز ياخد بنتك منك……….!!

____________________________________

بعيدًا عن الجميع أخذها ليتناولا الطعام سويًا في كافيه المشفى حيث جلب أيهم لهما طعامًا خاصًا، أكلت رسيل بنهم هي وهو بمفردهما، اكتفت رسيل لتقول بمعنى وهي تمسح فمها:

-الحمد لله، دلوقتي مرتاحة قوي واطمنت

رد أيهم بغموض بعد أن ارتشف القليل من الماء:

-الحمد لله كل حاجة بقت كويسة وآيان مقلش حاجة على زينة، بقول يلا إحنا بقى علشان نرتاح في الاوتيل ونلحق ننام

بنظرات مظلمة فطنت رسيل بأنه يلمح لشيءٍ ما ماكر، هتفت بتوبيخ:

-مش بيهمك حد غير مزاجك، إنما بنت عمي واللي بيحصل حواليك لأ

قال مستنكرًا بزیف فهمها الخاطئ:

-مخك رايح على طول شمال، دا أنا كنت محضرلك مفاجئة

لم تقتنع رسيل لذا استفهمت بفضول:

-قول يا أيهم!!

أمسك هاتفه لعبث به فظنته يتجاهلها، امتعضت رسيل ثم فتحت شفتيها لتعنفه لكنه مد يده بالهاتف لها قائلاً باختصار وعليه حزن مزيف:

-فيه واحدة عاوزة تكلمك

أخذت الهاتف من يده فأشاح بوجهه ليخيل لها بأنه مزعوج من شكها الصائب فيه، ردت رسيل بعدم فهم:

-مين؟

-وحشتيني، وحشتيني!!

نبرتها المألوفة لها جعلت رسيل تهتف بعدم تصديق:

-رانيا، إنتي اللي وحشتيني

ردت الأخيرة بمغزى لطيف:

-وعلشان وحشتك جيت علشان أشوفك

هتفت رسيل بعدم استيعاب:

-إنتي فين دلوقت؟

ضحكت الأخيرة لترد بتبهج:

-أنا وصلت القاهرة امبارح بليل ومستنياكي يا قمر علشان هموت وأشوفك، تعالي بسرعة بقى

ردت رسيل بتأكيد:

-هنرجع النهاردة علشانك يا رانيا

اندهش أيهم من تغيير رأيها ليعبس بشدة، أنهت رسيل حديثها ثم إلتفتت إليه مرددة بحماس:

-يلا يا أيهم نرجع النهاردة

نظر لها ليقول بانزعاج:

-دلوقتي هتسيبي بنت عمك علشان رانيا، ولو علشاني انا أيهم أبو عيالك الخمسة لأ

شعرت رسيل بنفسها الآن لتندم، ردت بأسف وهي تتدلل عليه:

-متزعلش مني، قولي اعمل أيه علشان اصالحك

ثم مسحت على يده بشيء من الإغواء، نظر لها بمكر ليعيد حديثه السابق الذي بالفعل كان يقصده قائلاً:

-خلينا نرجع الأوتيل علشان نرتاح وننام شوية

ضحكت رسيل بصوت مثير لتقول بنعومة:

-وأنا موافقة…………..!!

_____________________________________

جلست ناظرة إليه على مقعد بجوار الفراش ولم تتجرأ على قول شيء، فتح آيان الحديث ليقول بتأنيب:

-هونت عليكي، عاوزة تقتليني؟

توترت زينة وابتلعت ريقها بصعوبة، تابع آيان بعشق وهو يتنفس بوهن:

-بس برضوه بحبك

نظرت له بارتباك لترد بتردد:

-سامحني، والحمد لله الجرح مش كبير

ابتسم بسخرية وهو يعدل معلوماتها:

-بابا هو اللي طلب من الدكتور يقول كده قدام ماما

نظرة عينيه ونبرته المتعبة كانت تدل على سوء حالته بالفعل، اعتذرت بصدق:

-آسفة، لو عايز تقولهم إني السبب مش هقول حاجة، احبسني أنا أستاهل

-كده ممكن أموت!!

قالها باستنكار وجراءة جعلتها تشعر بالاستحياء، تابع بمكر:

-لازم علشان ماما تصدق إنك مش السبب في اللي حصلي تبقى قدامها حلوة معايا كإن مافيش بينا زعل

تلجلجت زينة قبل أن تستفهم باستغراب:

-يعني مش زعلان مني وأنا كنت عاوزة اقتلك؟

-مش زعلان

ردت بعدم قبول احزنه:

-بس أنا مش عاوزة ارجع معاك تاني، لازم نسيب بعض

كبح زين امتعاضه من نزقها فتلك الغبية كاد أن يموت على يدها وهو يتذلل لها، بخباثة ادعى آيان السعال ثم أمسك بجانبه فانتفضت خوفًا عليه، سألته بقلق:

-حاسس بأيه؟

ظل يسعل ليجبرها على معاونته وبالأحرى كان صوت سعاله عاليًا لتأتي والدته والبقية، بالفعل نهضت لتطمئن عليه وكذلك ولجت نور مفزوعة وهم من خلفها على صوت سعاله الشديد لتقع عيناها عليهما وابنها يلف يده على عنق الأخيرة فتعجبت زينة من ذلك ثم نظرت له باستغراب، كان ماكرًا داخليًا ليظهر ما تمناه حين قالت والدته بتخوف وهي تتدرج نحوهما:

-آيان، فيك أيه يا حبيبي؟

تفاجأت زينة بها ثم ابتعدت مرتبكة، قال مدعي التعب:

-متخافيش يا ماما زينة جنبي

نظرت له زینة بعدم فهم فهو بذلك يجبرها على المكوث معه، جاءت لتعترض فتدخل عمرو حين فطن ذلك قائلاً:

-زينة هتبقى جنبك على طول لو احتجت حاجة، دي كانت خايفة عليك قوي

نظرت زينة لأخيها فرمقها بنظرة تحذير فهو بذلك يحميها، التزمت الصمت لتستسلم مؤقتًا فقط لذلك، ابتسم آيان بمكر دفين فخاطبتها نور بأمر جعلها تنصدم:

-ابني ملزوم منك، لو حصله حاجة هتبقي إنتي السبب

وضِعت زينة في خانة اليك لتصبح رغمًا عنها تتمنى شفاءه فقط وباتت ملزمة به، لاحت نظرة انتشاء في عيني آيان جعل زين وإياد يمدحا تفكيره المحنك في نفسهما، رد آيان بتأكيد:

-متخافيش يا ماما، زينة هتخلي بالها مني………………!!

________________________

_________________

___________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق