رواية رسائل زوجتي – الفصل السابع
بارت 07
أغمضت عيني بإحكام، وقلبي ينبض بسرعة غير متوقعة، لم أكن قادرة على تقبل ما يسمع أذني، كلماته كانت كالأمواج العاتية، تتصادم في عقلي، تجذبني نحو بحر من المشاعر المتضاربة.
كنت أريد أن أصرخ، أن أوقفه عن الحديث، لكنني لم أستطع، كان هناك شيء في صوته، شيء يدفعني للاستماع، حتى لو كانت الحقيقة تؤلمني.
قال بصوت هادئ، كمن يروي قصة قديمة
“اسمها زمرد، عمرها اثنان وعشرون عاما، تكبرينها بعامين، هي يتيمة الأبوين.”
لم يكن هذا ما أردت سماعه، لكنني بقيت ساكنة، أسمع كلماته وهي تتسرب إلى أعماقي كسم بطيء، أريد أن أصرخ في وجهه، أن أقول له
“لا تذكرها، لا تجرني إلى هذه الحكايات”
لكن صوتي كان محاصرا في صدري، لا يستطيع الخروج.
“لا يهمني…”
همست
“دعني أنام.”
لكني لم أكن أتوقع ما سيأتي بعد ذلك، كان صوته أكثر هدوءا، لكن الكلمات التي نطق بها كانت أكثر قسوة من أي شيء سمعتُه من قبل
“في الثامنة عشر من عمرها، تم اغتصابها بعنف من طرف جارها… كانت كلما تحاول الدفاع عن نفسها، يجرحها بسكين لقد تركها بندوب عميقة، حالهم يبكي الحجر، فقراء من الدرجة الأولى… علاوة على ذلك، زوجة أخيها الوحيد ترفضها لذلك لجأ أخوها إلي، لقد عاشت طوال هذه السنوات خادمة لزوجته، وتعاملها بقسوة.”
كنت أريد أن أرفض هذه القصة أن أصرخ في وجهه وأقول له
“كفى” لكن شيئا في داخلي كان يجبرني على الاستماع، على فهم ما يحاول قوله، كان هناك شيء في حديثه يخرج عن نطاق الشر الذي كنت أشعر به نحوها، شيئا جعلني أتوقف وأتساءل عن حجم الألم الذي تعيشه تلك الفتاة.
“ولأنها فقدت عذريتها وشاعت قصة اغتصابها، أصبح زواجها شبه مستحيل… فقررت أن أساعدها، أن أنقذ روحا كهذه.”
قالها بنبرة مؤلمة، كأنما يمر عبر عواطفه، ليحاول أن يبرر وجودها في حياتنا.
“وأخوها لا يتوقف عن مدحها… يقول إنها لشدة طيبتها ترعى قطط الحي كلها، ويقول إنها أمية، لكنها حفظت نصف القرآن سمعا، كبرت على أن قيام الليل فرض والنوافل فرض، واحترام الغير فرض… وحينما أدركت أنني متزوج، رفضتني احتراما لمشاعرك، ولكن أخوها أرغمها… فلم تجد مأوى غيرنا لذلك أمل أن تحسني معاملتها.”
كانت كلماته تتساقط واحدة تلو الأخرى كأحجار ثقيلة، كل كلمة أثقل من الأخرى، وكل لحظة تمر كانت تأخذني إلى مكان أعمق في الظلام، كنت أريد أن أصرخ في وجهه، أن أخبره أنني لا أريد سماع هذه الحكايات، ولكن كلماته كانت تخترقني، تنبش في قلبي، تجلب لي صورة تلك الفتاة التي لم أكن أريد أن أتخيلها.
“توقفِ، أفديك بروحي، لا تبكي، والآن نامي، وغدا نلتقي على مائدة الفطور.”
قال ذلك كما لو كان يحاول تهدئتي، وكأنما يريد أن يعيدني إلى الواقع، إلى الوضع الذي كان يعتقد أنني يجب أن أقبله.
لكنني لم أستطع. كلماته كانت تخترقني، كل واحدة منها تحمل وجعا غريبا في أعماقي ومع ذلك، كان هناك شيء في حديثه، شيء يجعلني أتساءل: هل هذه القسوة التي كنت أشعر بها تجاهها، هي حقا ما يجب أن أستمر في حمله؟
لكني لم استطع كبت غضبي فخرجت كلماتي ساخرة
“هل أنهيت السيناريو.”
حينما نظر إليّ بتلك العينين اللتين طالما عرفتهما ملاذي، شعرت بانقباض في صدري، وكأن روحي تختنق داخل قفصها.
كانت عيناه تراقبانني بحذر، وكأنهما تحاولان أن تلتقطا تفاصيل ألمي المخفي خلف ملامحي المتماسكة ظاهريا.
ثم قال بصوت مبحوح لكنه متماسك
“عذراء، اختاري ألفاظك بعناية، رجاءً.”
شعرت برغبة جامحة في أن أبدو أقوى مما أنا عليه، فرفعت رأسي ورددت بسخرية مريرة
“حسنا، انهيت الفيلم”
رأيته يتنفس ببطء، يحاول أن يتمالك غضبه أو ربما حزنه، لم يقل شيئا، فقط رد بنبرة منخفضة
“عذراء… رجاءً.”
أشرت نحو الباب، عازمة على إخراجه من الغرفة ومن أفق تفكيري
“هيا، اذهب إليها إنها تنتظرك.”
تردد للحظة، يقيس وقع كلماتي عليه، لكنه استجاب ببرود مقصود
“حسنا، سأذهب.”
كلما ابتعد خطوة عني، شعرت بالهواء من حولي يثقل أكثر، يضيق على صدري كحبل يلتف حوله ببطء، ناديت بصوت خافت، رغم محاولتي أن يبدو ثابتا
“سرحات…”
توقف فجأة، استدار نحوي بقلق ظاهر
“نعم، ماذا؟”
بلعت ريقي بصعوبة، شعرت أن الكلمات تخونني، لكني استطعت أن أقول
“لا شيء… فقط أغلق الباب.”
اقترب مجددا، يدرك أنني لم أقل كل شيء
“هيا، قولي ماذا تريدين؟”
رفعت نظري نحوه، لم أستطع كبح السؤال الذي كان يحرقني من الداخل
“هل هي أجمل مني؟”
ضحك بخفة، تلك الضحكة التي تجعلني دائما أشعر وكأنه يرى الأمر من منظور آخر لا أفهمه، قال بصوت هادئ مفعم بالحنان
“يا عذراء، من يضاهي جمال عينيك وحلاوة ملامحك؟ صدقيني، لا أحد وقد أخبرتك من قبل، الجمال ليس معيارا بل الخلق، نعم يا عذراء، جمال الروح فقط.”
لكن كلماته لم تلامس أعماقي، كانت مجرد جمل مرتبة بعناية، لكنها لم تصل إلى مكان الجرح، هززت رأسي وأنا أحاول أن أُبقي دموعي حبيسة
“لكنك لم تعد تحب روحي، أعرف… لم تعد تحبني، مللت مني، أليس كذلك؟”
اقترب أكثر، حتى باتت المسافة بيننا تكفي لتشعرني بدفء أنفاسه، قال بصوتٍ منخفض، يخشى أن يثير أي شبهة إضافية في قلبي
“بالله عليكِ يا وردتي، من أين لكِ بهذه الأفكار الخيالية؟ أحببتك، وما زال حبك قائما في قلبي… وسيظل للأبد.”
تمنيت أن أصدق كلماته، أن أشعر بثقلها في داخلي، لكن شيئا في قلبي كان يرفض أن يصدق بسهولة، كنت أراه أمامي يقترب، يحاول أن يعيد بناء ما تهدم، لكن خوفي من الخسارة كان أكبر من كل محاولاته.
حينما حدقت في عينيه، شعرت بأن الألم الذي يعتصر قلبي لم يعد مجرد شعور عابر، بل جرح عميق يتجدد مع كل كلمة منه، نظرت إليه أبحث عن شيء مفقود، شيء يثبت صدق كلماته، فقلت بصوت متقطع
“حقا! أتحبني؟”
اقترب مني، وملامحه المرهقة تحمل مزيجا من الحب والحزن، ثم قال بنبرة دافئة، يحاول أن يطمئن روحي المشتتة
“أحبك أكثر من أي أحد… أعشقك يا غاليتي.”
لكن كلماته لم تصل إلى قلبي، وكأن حاجزا صنعته خيانته المزعومة يمنعها من التسلل إلى داخلي، نظرت إليه بعيون ممتلئة بالدموع وقلت بصوت مرتجف
“كاذب…”
رفع يديه إلى السماء، يطلب الصبر على ما أقول، وتمتم بحسرة
“يا الله… صبر أيوب.”
لكنني لم أستطع أن أتمالك نفسي، فكل جرح بداخلي كان يتحدث نيابة عني، فقلت بغصة
“لقد خنت قلبي.”
هز رأسه ببطء، يحاول أن يحتفظ بهدوئه، ثم قال بصوت منخفض لكنه حازم
“لا تهذي… والآن، نامي صغيرتي.”
لكن النوم كان أبعد ما يكون عني، كيف أنام وقلبه لم يعد لي بالكامل؟ شعرت بأنني أختنق، فقلت بعناد ممزوج بالحزن
“منذ أن ابتعدت عن حضنك، جفوني لم تعد تعرف النوم.”
نظر إليّ بتلك النظرة التي تحمل مزيجا من الندم والعتاب، وقال بصوت مليء بالهدوء المشوب بالمرارة
“لكنك أنتِ من أردتِ ذلك، ألم أكن أتوّسل إليكِ كل ليلة؟ ولكن عنادك… نعم، عنادك هو السبب في كل مشكلة.”
شعرت بكلماته تطعنني، فقاطعته بصوت أعلى، تملؤه المرارة
“عنادي، إذن؟ وأنتَ؟ نسيتَ غدرك؟ لقد غدرتَ بقلبي”
اقترب أكثر، يظن أن قربه سيخفف من حدة توتري، ثم قال بهدوء
“أرجوكِ، حبيبتي… أنتِ متعبة لا تُرهقي نفسكِ أكثر… نامي.”
لكن كيف يمكنني النوم؟ كيف يمكن لروحي أن تهدأ وهو ما زال يحاول أن يقنعني بحبه، بينما قلبي يصرخ بألم الخيانة؟ كل شيء حولي كان يثقل صدري، لكنه ظل جالسا بجانبي، يربت على يدي برفق، صمته يحمل وعودا خفية لا أملك سوى انتظارها.
كان صوته يتردد في أذني في محاولة بائسة لتهدئة عاصفة غضبي، لكنني كنت أشعر بقلبي على وشك الانفجار من الألم، التفتُّ إليه بعينين ممتلئتين بالدموع، وقلت بصوت متقطع يكاد يخنقني
“سرحااات…”
رفع رأسه نحوي ببطء، بينما تعبه يكبّله، ورد بنبرة تحمل الكثير من الحنان
“عيونه…”
لكنني لم أستطع التوقف عن طرح السؤال الذي يقتلني
“هل ستنام في حضنها؟”
ظهر الانزعاج على ملامحه، وهو يحاول أن يتجنب الرد، وقال برجاء
“عذراء، رجاءً…”
لكنني لم أستسلم، فقد كان الألم الذي يعتصرني أكبر من أن أكتمه، فقلت بصوت حاد
“حضني أدفأ من حضنها.”
نظر إليّ للحظات طويلة، شعرت بكلماتي تترك أثرا في أعماقه، ثم قال بهدوء
“أعرف هذا… نعم.”
لكنني لم أستطع التوقف، وكأنني أبحث عن أي ذرة تأكيد تريح قلبي، فقلت بصوت ضعيف
“سرحاات…”
“نعم، يا قلبه؟”
شعرت بالدموع تغلبني مجددا، فقلت بصوت مخنوق
“أخبرها أنك لي… لا يمكن أن تصبح لها.”
اقترب مني بخطوات ثقيلة، ثم قال بصوت مفعم بالصدق
“نعم، لطالما كنت لكِ، وسأبقى لكِ.”
لم أتمالك نفسي، رفعت يدي إليه، أستجديه ألا يتركني، وقلت بتوسل
“حسنا… نم معنا اليوم.”
أغمض عينيه للحظة، يحاول أن يجمع شتات نفسه، ثم قال بنبرة مكسورة
“لا أستطيع.”
رفضه كان كالسهم يخترق صدري، فقلت برجاء يائس
“أرجوك، سرحاات… أفديك بروحي، لا تذهب إليها.”
هز رأسه بحزن، كلماتي جعلته أضعف مما يتصور، ثم قال بصوت خافت
“عذراء، لو سمحتِ… لا تبكي، يا الله، أقبّل يديكِ… لا تبكي.”
مسحت دموعي التي كانت تخونني رغما عني، وقلت بمرارة
“إنها قليلة الأدب، تنساب من عيني دون إذني.”
اقترب أكثر، وهمس، صوته يحمل ذرة أمل
“عذرائي… توقفِ، أنا متعب، أرجوكِ، ارحميني.”
شعرت بأنني وصلت إلى حافة الانهيار، فقلت ببرود مصطنع
“حسنا.. أصلا سأنام.”
لكنني لم أكن أقصدها، كنت أختنق، وروحي تتألم، سمعته يتمتم وهو يدير ظهره لي
“يا ربي، خذني وأرحني…”
غصت الكلمات في حلقي، لكنني همست بصوت خافت يكاد يكون مسموعا لنفسي فقط
“نار جهنم أرحم من أن أراك تنام مع غيري…”
#يتبع
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.