رواية رسائل زوجتي – الفصل الثامن
بارت 08
كان الليل هادئا، لكن داخلي كان عاصفا، كأن نارا تلتهم قلبي، وتفكيري يقودني إلى أسوأ السيناريوهات، استدرت نحوه، وعيناي تفيض بالدموع، ثم قلت بصوت متحشرج
“نار جهنم أرحم من أن أراك تنام مع غيري.”
توقف للحظة يحاول استيعاب كلماتي، ثم تنهد بعمق وقال بنبرة هادئة محملة بالرجاء
“عذراء، ليطمئن فؤادك… لن ألمسها، الفتاة… لديها نوبة هلع من لمس الرجال، لتغفو عيناكِ مطمئنة، هيا حبيبتي، إلى النوم.”
لكن قلبي المتألم لم يهدأ، نظرت إليه بعينين مليئتين بالشك وقلت
“أتعدني؟”
اقترب مني أكثر، وعيناه تنطقان بالصدق، وقال بحزم
“أعدكِ يا ملكتي، لن أقترب منها.”
رغبت في المزيد من التأكيد، أبحث عن ملاذ آمن، فقلت بتوسل
“إذن نم معنا، أحسن.”
رفع رأسه إلى السماء يناجي الله بصبر، ثم قال
“يا الله يا كريم… تعبت من الوقوف، غدا سنتحدث.”
لكنني لم أتركه يغادر، ناديت باسمه مجددا بصوت يملؤه الخوف
“يا سرحاااات؟!”
توقف في مكانه، وأدار رأسه نحوي قائلا
“نعم؟”
تقدمت نحوه بخطوات ثقيلة، ثم همست
“النيران تأكل قلبي، هلّا أخمدتها؟”
تراجع خطوة يبحث عن إجابة ترضيني، ثم قال بابتسامة خفيفة
“حسناً، دعيني أقبلك، عساه يطفئها.”
لكن قبلته لم تكن كافية، شعرت أن النار ما زالت تشتعل في داخلي، فقلت بحزن
“القبلة لم تطفئها… ربما النوم على ذراعك سيخمدها.”
رأيت ملامح التعب على وجهه، لكنه مد ذراعه نحوي وقال
“حاضر يا وردتي، هذا ذراعي لكِ ها، والآن، هل أخمدت؟”
استلقيت بجانبه، ورأسي على ذراعه، ثم قلت بهدوء
“نعم… قليلا لكن أخشى أن تغفو عيني… ثم تفتح فلا تجد إلا ظلك.”
أحاطني بذراعه الأخرى وقال
“حسنا، نامي لن أذهب إليها أنا معكِ.”
أغمضت عيني وشيئا من الطمأنينة بدأ يتسلل إلى داخلي، لكنني همست مجددا
“حسنا… سأنام، لكن لا تغادرني.”
ربت على كتفي بحنان وقال
“لن أغادركِ، حبيبتي.”
وفي تلك اللحظة، شعرت أن العالم بأسره قد توقف، وأنني أخيرا وجدت ملجئي من كل مخاوفي.
نمت، نعم، لقد نمت على ذراعه، وقلبي أخيرا وجد ملاذًا يطفئ نيرانه المشتعلة لكن عندما استيقظت، لم أجد سوى وسادتي الباردة بجانبي، بحثت في أرجاء الغرفة بعيني المذعورتين، لكنه لم يكن هناك، خفق قلبي بعنف واندفعت أفتش بجنون تحت الوسادة وتحت السرير، كأنني أبحث عن بقايا حلم تبخر لكنه لم يكن هنا.
“لقد ذهب إليها…”
تمتمت، و كلماتي كانت خنجرا يغوص في صدري، شعرت أنني انهرت، أن الأرض اختفت من تحت قدمي، نظرت إلى وسادتي الباردة، وقلت كالمجنونة
“أين هو يا وسادتي؟ أجيبي، لماذا صمتك؟ يبدو أنه ذهب إليها…”
جلست على حافة السرير، أضم نفسي كطفلة خائفة، الأفكار السوداء كانت تتسلل إلى عقلي، تزرع فيه الخيبة واليأس.
“وجودي… لم يعد له معنى في حياته، يبدو أن عروسه الجديدة قد امتلكته تماما، وسلبت مني مملكتي التي حاربت من أجلها.”
تذكرت كيف وقفت ضد العائلة والقبيلة، كيف تحديت الجميع من أجله، كنت أراه عالمي، مملكتي، ملجئي الوحيد. والآن، جاءت فتاة أخرى لتقتحم حياتنا، لتقاسمني إياه.
“إرحم ضعفي يا الله… رمم شتات قلبي يا رحيم… لملم أشلاء روحي يا كريم…”
عيني امتلأت بالدموع التي كنت أحبسها منذ أيام، لم أعد قادرة على التحمل، نظرت نحو المرآة وحدثت نفسي بصوت متحشرج
“لقد أحرقت قلبي يا سرحات… كنت أظنك حصني، الرجل الذي أمنت له قلبي بكل ما فيه، يا كاسر، ألم يخبرك بؤبؤ عيني أنني لا أطيق رؤيتك مع غيري؟ ألم تكن ملامحي المتعبة دليلا كافيا على أن صمودي بدأ يتلاشى؟ لكنك كنت أعمى…”
مسحت دموعي بيد مرتجفة وقلت لنفسي
“لا بأس مهما حدث، ستبقى والد أطفالي، ولن أنكر فضلك عليّ وتعبك من أجلي، سأحاول أن أتجاوز هذه الغيرة التي تصرخ بداخلي، سأبتلع ألمي وأتصبر، ليس من أجلك فقط، بل لوجه الله… فقط لوجه الله.”
لكن رغم كل محاولاتي لتهدئة نفسي، كان قلبي يتألم، وروحي تئن تحت وطأة الخيانة التي شعرت بها.
“هل سأتمكن يوماً من تجاوز هذا الألم؟”
همست لنفسي، وأنا أدرك أن الليلة ستكون أطول مما تخيلت
….
زمرد… زمرد… زمرد
اسمها يتردد في كل زاوية، كأنها نسجت خيوط وجودها في تفاصيل حياتي، أراها في كل شيء، كطيف لا يفارقني، في عيني سرحات، في نبرة صوته، في خطواته التي لم تعد تحملني وحدي، بل تحمل أثر امرأة أخرى.
حسنا، دعوني أحدثكم عنها، عن زمرد التي أسرت قلب زوجي، عن تلك التي حُكيت لي عنها القصص حتى تشكلت في مخيلتي ككيان من النقاء، أشبه بملامح أسطورة مؤلمة تسللت إلى حياتي دون إذن.
يقولون إنها نقية، طيبة القلب، تحمل ندوبا في جسدها وروحها، كتذكارات من معارك الحياة القاسية، يقولون إنها عانت، وأنها تشبه زهرة تنبت في أرض قاحلة، صامدة رغم كل شيء.
لكنني، وأنا أسمع هذا، لا أستطيع سوى أن أشعر بمرارة تنخر في أعماقي، كيف يمكنني أن أتقبل فكرة أن تلك النقاء الذي يتحدثون عنه قد اقتحم عالمي، أن تلك الطيبة التي يشيدون بها أصبحت شريكة في شيء كنت أظنه لي وحدي؟
زمرد… لقد أصبحت عنوانا للجفاء الذي شعرت به في قلب زوجي، أصبحت رمزا للخذلان، رغم أنها ربما لم تختر هذا الوضع.
لكن ما زلت أتساءل، هل كان عليّ أن أكرهها؟ أم أنني كنت أكره ضعف قلبي، عجزه عن مواجهة الحقيقة؟ زمرد… في كل زاوية، نعم، تركت أثرا لنقائها، لكن في كل زاوية أيضا، تركت أثرا لجراحي.
#يتبع
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.