رواية رسائل زوجتي الفصل الأول 1 – بقلم مجهول

رواية رسائل زوجتي – الفصل الأول

 

 

بارت 01

دخل عليّ تلك الليلة ونبرة صوته لم تكن كما اعتدتُها، كان يختبئ خلف هدوءه المصطنع، لكنني شعرتُ بالريبة تتسلل إلى صدري، طلب مني أن أغلق الباب وأجلس بجانبه ولم أكن أعلم أن كلماته القادمة ستهدم عالمي قطعة قطعة

“بما أننا نتشارك كل أسرارنا، وبما أنكِ زوجتي الأولى وشريكة حياتي، فلابد أن أُعلمك بهذا القرار…”

قالها بهدوء غريب، وكأن ما سيقوله لا يحمل وزنا

حاولتُ إخفاء قلقي، فابتسمتُ ابتسامة باهتة وقلت له

“هيا، أخبرني، لقد شوقتني.”

تنفس بعمق،  شعرت أن ماكان  سيقوله يحتاج إلى شجاعة لم يمتلكها، ثم قالها أخيراً

“أفكر في الزواج مرة أخرى.”

للحظة، شعرتُ أن العالم توقف، الكلمات وقعت على مسامعي كالصاعقة، حاولتُ أن أتماسك، أن أبدو قوية كما اعتدتُ دائما فقلتُ له

“كفاك هذياناً.”

لكنه لم يتراجع، بل أكد بجديته

“أنا لا أهذي، أنا جاد.”

“لا ينقصني سوى هذا المزاح السخيف. ”

رددتُ وأنا أحاول أن أهرب من الحقيقة، لكن عينيه لم تتركا مجالا للشك

“أنا في منتهى الجدية. ”

قالها بنبرة خالية من أي تردد

أجبته بصوت حاد أكتم به غضبي

“حسنا، افعل ما تشاء.”

رأيتُ الانزعاج يرتسم على ملامحه، بالطبع لم يتوقع مني هذا الرد

“لماذا انزعجتِ؟”

سألني ببرود غريب وكأنني أنا المخطئة في هذا الموقف

“على العكس”

قلت له وأنا أحاول أن أكتم مشاعري المتدفقة

“خبر جميل، من قلبي سعدتُ لك.”

حاول أن يستدرجني إلى حديث أطول، لكنه لم يفهم أنني كنت أحارب عاصفة في داخلي.

“إذن قبلتِ؟”

سألني، يختبر صبري.

“لا أدري.”

شعرتُ أنني أقف على حافة الهاوية، كل سؤال منه يدفعني خطوة أقرب إلى السقوط.

كيف يمكنني أن أقبل؟

كيف يمكنني أن أكون جزءا من هذه المسرحية التي يكتبها وحده؟

غادرتُ الغرفة، ولكني لم أستطع الهرب من ظلال كلماته، تبعني إلى المطبخ، حيث حاولتُ الانشغال بإعداد العشاء، لكن يدي كانت ترتجفان.

تلك الكلمات لم تغادر عقلي الذي أصبح مثقلا بعبارات تحفر في أعماقي وكأنها خناجر، حاولتُ أن أبدو قوية، لكن مع كل كلمة منه كنت أشعر وكأنني أتهشم بصمت

“يا زوجتي، تعرفين أن قبولك مهم.”

قالها بنبرة لا تخلو من جدية، إنه حقا يختبر قدرتي على التحمل.

نظرتُ إليه بعينين ممتلئتين بالخذلان، ثم قلتُ بصوت متحشرج

“آسفة، إن قلبي يرفض… ويرفض بشدة.”

حاولتُ أن أغير الموضوع بأي طريقة، فتابعتُ

“والآن، العشاء ينتظرني، المعذرة منك.”

لكنه لم يترك الأمر يمر بسهولة، بل حاول إيقافي بنبرة أكثر إلحاحا

“يجب أن يرضى… رجاء اجلسي.”

تجاهلتُ توسله، فقد كنت بحاجة إلى الهروب، إلى الهروب من ثقل كلماته.

“لن أقف في وجه سعادتك، أترك لك الطريق…”

قلتها وأنا أبتعد عنه، وأكملتُ بصوت منخفض

“المعذرة، صغاري ينادونني.”

لكن الهروب منه كان مستحيلا، نظرت لاطفالي ثم عدت للمطبخ ظن مني أنه غادر لكن لم تمر إلا لحظات فقط ولحق بي إلى المطبخ، حيث كنت أحاول إخفاء دموعي خلف صوت تقطيع الخضار، إلا أن يديه دفعتني لمواجهته.

“لكن لماذا تبكين؟”

سألني بنبرة مشفقة أيدعي أنه يجهل السبب.

“لا أدري.”

كانت إجابتي صادقة، ففي تلك اللحظة لم أكن أعرف إن كان بكائي بسبب كلماته، أم بسبب الخوف من خسارته، أم بسبب الغضب من ضعفي.

“إذن لماذا عبس وجهك؟”

سألني مجددا، لكنه لم يحصل على إجابة مختلفة.

“وربي، لا أدري.”

حاول تهدئتي بلمسة خفيفة على كتفي، وقال

“توقفي عن البكاء، أرجوك… كما أن البصل احترق.”

“وليلى تبكي أيضا، أين عقلك؟”

أجبته بصوت متقطع

“آسفة، لم أنتبه.”

لكنني لم يستطع الصمت أكثر، التفت إلي، وعينيه تتساءلان بصمت، قبل أن يقول

“هل شتت قراري انتباهكِ؟”

حاولت أن أبدو غير مبالية، لكنه كان يعرف تماما تأثير كلماته عليّ

“لا… أبداً، هذا حقك الشرعي، لا يمكنني منعك.”

ولكن، هل كان هذا هو الجواب الذي أحتاجه؟

أم أنني كنت أبحث عن شيء أكثر دفئا، أكثر إنسانية؟

ذلك النقاش، أو بالأحرى ذلك الاستجواب العاطفي، كان كفيلا بتمزيق ما تبقى من صمودي  كنت أحاول أن أفهم دوافعه، أن أجد سببا مقنعا لكل ما يخطط له، لكن إجاباته كانت تزيد من وجعي.

“والآن، قبلتي؟”

سألني وكأن الأمر مجرد إجراء بسيط، وكأنه لا يرى العاصفة التي أشعلها في داخلي.

نظرت إليه بعينين غارقتين بالحيرة، وقلت

“هل ستعيش معنا هنا؟”

“بالطبع، وسأجهز لها غرفة الضيوف.”

أجابني بهدوء، يظن أن ما يقوله طبيعي تماما.

“وهل ستنام معها؟”

سألت، محاولة كبت ارتجاف صوتي.

“أكيد.”

رد بثقة، دون أن يدرك الطعنة التي شعرت بها.

“وهل ستقبلها؟”

استمررتُ، وأنا أضغط على نفسي لإكمال هذه الأسئلة التي تحرقني.

“نعم.”

قالها بلا تردد، وكأنها إجابة بديهية.

تجرأتُ أكثر، رغم أن قلبي كان يتفتت مع كل حرف

“ستقبلها في وجنتيها؟”

نظر إليّ نظرة حائرة، لكنه أجاب

“وفي شفتيها أيضا.”

“وهل ستحتضنها؟”

أكملتُ، وأنا أشعر أن كل كلمة تخرج من فمي تسحب معها جزءا من روحي.

“بكل تأكيد.”

هنا، لم أعد أستطيع الصمت. انفجرتُ بما كان يخنقني

“وهل ستقترب منها؟”

ارتبك للحظة، قبل أن يقول بنبرة دفاعية

“ما بكِ؟ ما هذه الأسئلة؟”

“وما بي أنا؟!”

قلت بصوت مرتجف، وأنا أواجهه بكل ما كتمته داخلي.

“ماذا ينقصني أنا؟ هل أنا عقيمة حتى تتزوج عني؟ هل أنا بشعة؟ هل طعامي سيئ؟ هل قصرتُ في حقك يومًا؟ تكلم، ماذا ينقصني؟”

كانت عيناي تبحثان عن إجابة، عن تفسير، لكنه لم يكن يملك سوى كلمات مُهدئة عقيمة.

“لا، حاشا… سأشهد أمام الله والجميع أنك نعمة الزوجة، ونعم السند، ونعم المربية…”

لكن هل كانت هذه الكلمات تكفي؟

هل كانت تعني شيئا بعدما أعلن بكل بساطة أنه يريد استبدالي بجديدة؟

بينما كنتُ أحاول أن أتماسك، وهو يبرر قراره الغريب، شعرتُ بأنني عالقة في دوامة لا مخرج منها، أبحث عن إجابة، عن تفسير مقنع، لكنه ظل يُلقي بكلمات تزيد من ضبابية الموقف.

“إذن، لماذا تريد الزواج عني؟ لماذا؟”

سألتُه، وعيناي تملؤهما أسئلة لا تعد.

“هذا حقي الطبيعي.”

أجابني بنبرة واثقة، يظن بأنه يُبرر شيئا بديهيا لا نقاش فيه.

أومأت برأسي ببطء، محاولة كبح الدموع

“أعرف، ولكن لماذا؟”

تردد للحظة، قبل أن يقول

“لا أدري، أظنني بحاجة…”

“بحاجة إلى ماذا؟”

ضغطت عليه، وأنا أتمسك بخيط أمل قد يغير مسار الحديث.

لكنه، وكعادته مؤخرًا، هز رأسه قائلا

“لا أدري.”

حينها، لم أستطع منع نفسي من التفوه بما يخالجني

“بحاجة إلى الفراش؟ حسنا، أعدك أني سأهتم بك، فقط رضيعي يشدني عنك الآن وإلا، لن أهملك أبداً.”

نظر إليّ بعينين تحملان مزيجا من الإحراج والرفض

“لا، أبدا، ليس الأمر متعلقا بالفراش يا زوجتي.”

“إذن، ماذا تريد؟”

سألته، نبضات قلبي تتسارع على وشك الانفجار.

أجاب بنبرة حاول أن يجعلها مُطمئنة، لكنها لم تفعل سوى إثارة المزيد من الشكوك داخلي

“فقط أريد أن أتزوجها من باب الإنسانية، هي فتاة فقيرة، وأخوها صديقي يقول إن زوجته ترفض أخته رفضا قاطعا، لذلك طلب مني الزواج منها فقط، لا أكثر.”

شعرتُ للحظة بأنني بين الحقيقة والخيال، صممتُ على أن أكون هادئة، وقلت

“حسنا، لنتفق أولا، يسعدني كثيرا أنك تفكر في إسعاد الآخرين، لذلك، تزوجها على الورق فقط، ولا تقترب منها أبداً.”

لكن رده كان كالسيف الذي مزق هدوئي الوهمي

“لا يمكن، هذا حقها الشرعي، ولا يمكنني حرمانها من الأولاد، يجب أن أكون عادلا بينكما.”

شعرتُ بالغضب يتصاعد داخلي كالنار

“آسفة، لن أتقبل هذا إطلاقا، إنها مملكتي وحدي، لن أقبل بأن يتم خرقها أبدا.”

نظر إلي بجدية قائلا

“لا تكوني متسلطة.”

صرختُ في وجهه

“نعم، سأكون، حينما يتعلق الأمر بك، سأكون أنانية وبليدة وسيئة جدا.”

أدار وجهه، وألقى كلماته الأخيرة دون أن يكترث بما أشعر به

“حسنا، المهم أنني أعلمتك وأنا لا أنتظر قبولك أو رفضك.”

شعرتُ بالاختناق، لكني استجمعتُ قواي لأقول

“إذن، طلقني وسآخذ أولادي وأذهب.”

#يتبع… 🥺

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق