رواية رسائل زوجتي الفصل الثاني 2 – بقلم مجهول

رواية رسائل زوجتي – الفصل الثاني

بارت 02

بارت 02

كنت أحاول استيعاب كلماته التي لا تزال تُدوي في رأسي، و أشعر بأنني أسير في متاهة لا أرى لها مخرجا، بينما زوجي سرحات، بدا وكأنه قد رسم خارطة واضحة للطريق الذي اختاره دون أي اعتبار لما أشعر به

“حسناً، المهم أنني أعلمتك… لا أنتظر قبولك أو رفضك”

قالها بصوتٍ بارد، يظن أن ما يتحدث عنه ليس إلا قرارا عاديا كشراء قطعة أثاث جديدة

“إذن طلقني، وسآخذ أولادي وأرحل”

رددت بصوت متهدج، ورغم ذلك حاولت أن أبدو صلبة، لكن الحقيقة أنني كنت أنزف من الداخل.

رفع عينيه نحوي، وبنبرة حازمة، قال

“لن أطلقك، لن أبعد أولادي عني.”

“إذن تنازل عن فكرة الزوجة الثانية… دعنا نعيش بسلام”

قلتها أتشبث بقشة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من حياتنا معا.

لكن سرحات لم يهتز، كان قراره أشبه بصخرة لا يمكن زحزحتها “لقد قررت، وانتهى الأمر”

أجابني يغلق الباب أمام أي نقاش.

“كيف يعني؟”

تساءلت، غير قادرة على تصديق ما أسمعه.

“يعني في هذا الأسبوع سأتقدم لها”

قالها ببرود، والأمر قد حُسم بالفعل.

شعرتُ بالأرض تنسحب من تحت قدمي، حاولت أن أتمسك بشيء، بأي شيء.

“ماذااا؟! ماذا تقول أنت؟ يعني أنت جاد؟”

سألت بصوتٍ مختنق، بينما عيناي تبحثان في وجهه عن أي تراجع، أي علامة على أنه يمزح.

لكنه أجابني بكل هدوء

“نعم، كما سمعتِ وبعد شهر من الآن ستكون هنا، بإذن الله.”

“وإذني أنا؟ ألا يهمك؟”

سألت وأنا أحاول أن أقاوم رغبة عارمة بالبكاء.

“بلى، يهمني ولكن هذا الزواج سيحدث”

قالها يثبت لي مجددا أن رأيي لا يزن شيئا في معادلة قراره.

عندها لم أتمالك نفسي.

“أرجوك، توقف عن قول هذا”

توسلت إليه بصوتٍ مخنوق، لكن نظراته بقيت ثابتة، و لم يسمعني.

“يا حبيبتي، يجب أن تتقبلي ما أقول”

قالها بنبرة حاولت أن تبدو لطيفة، لكنها كانت تخترقني كسكين.

“أي تقبل هذا؟ وأي قول؟ بالكاد أستطيع أن أتنفس من الطعنة التي خرقت قلبي”

قلتها بصوت مرتجف، بينما عيناي تفيض بالدموع.

هنا، حاول أن يُظهر بعض التعاطف

“آسف، ما قصدت جرح قلبك أبدا”

قالها يريد تهدئتي.

لكن كلماته لم تكن إلا ملحا على جراحي.

“أذَت قلبي فكرتك، أرجوك، اسحبها”

توسلت إليه مرة أخرى، محاولة أن أتمسك ببقايا أمل.

لكنه هز رأسه بحزم.

“لن أسحبها”

قال كلمته التي أراد أن ينهي بها الحديث.

بدأت الدموع تتساقط من عيني تأبى التوقف، حاولت أن أتمالك نفسي، لكن كلماته كانت تضغط على صدري، ثقيلة جدا، تتسرب إلى أعماقي، تُؤلمني أكثر من أي شيء آخر، عينيه كانتا مليئتين باليأس، لكنني كنت أبحث في وجهه عن أي علامة على أنه يمزح، على أمل أن كل هذا كان مجرد لعبة.

“أرجوك، قل أنك تمزح، قل أنك تثير غيرتي، هيا، اضحك”

قلت ذلك بصوت متحشرج، وقلبي يكاد ينفطر.

لكن عينيه كانت ثابتة، ولا يوجد فيها أي أثر للابتسامة بينما يرد بصوتٍ هادئ

“عزيزتي، أرجوكِ، توقفي عن البكاء.”

“أرجوك، تراجع عن قرارك…”

تمسكت بالأمل الذي بدأ يتسرب بعيدا.

“لن أتراجع”

قالها بحزم، وكل شيء قد حُسم في ذهنه في تلك اللحظة.

“قلبي لا يتحمل… أن يراك مع غيري، لا تكسر فؤادي”

توسلت إليه، ولكنني كنت أعلم أن صوته سيكون خاليا من أي تراجع.

“ستتعودين”

قال، لكن الإجابة كانت أبرد من الجليد.

“أي تعوّد؟! لقد طعنتني في نقطة ضعفي… لا تفعل هذا بنا”

كانت الكلمات تخرج مني بسرعة، وكل كلمة كانت بمثابة صدمة تزيد الألم في صدري.

“لوسمحتِ، لا تعقدي الأمور”

رد برفق، لكنني كنت أعرف أنه لا يعني ما يقول.

“لا أقبل أن تكون قاسما مشتركا بيني وبينها، أريدك لي وحدي، افهم هذا”

قلتها بكل قوتي، وأنا أصرخ من أعماق قلبي.

“لقد كنت لك دائما، والآن أترك فرصة لغيرك”

قالها وهو ينظر إليّ كما لو كان يظن أن هذه كلمات بسيطة.

“صدقني، لا أستطيع تركك لغيري، لا أتحمل… بلى، يجب عليك تركي”

قلتها بصوتٍ خافت، وأنا أحاول أن أخفي الألم الذي بدأ يعصف بي.

“لا يمكن أن يقترب منك غيري، لا يمكن هل تعرف أنني أهيم بك حبا وتملكا؟! توقف عن مجاراتي… توقف عن قتلي”

فجرت كل ما في داخلي من مشاعر.

أخذ نفسًا عميقا وقال

“تمام، اهدئي يا وردتي… لا تفكري في الأمر”

“لكنك تريد قتلي بأبشع الطرق”

قلتها بألم، وأنا أشعر أنني لا أستطيع التنفس من كثرة الصدمة.

“أرجوك، انهِ النقاش الآن، لا تحزني يا زوجتي”

قال ذلك بصوتٍ ناعم، لكن كلماته كانت أشد قسوة من أي شيء آخر.

“كيف لا أحزن وزوجي يريد غيري؟!”

كان السؤال يتردد في داخلي، ولكنه خرج بصوتٍ ضعيف.

قال وهو يقترب مني

“يا حبيبتي… تقبلي الوضع، والآن لدي شغل”

ثم قبل جبيني وخرج من الغرفة، تاركا خلفه الفراغ والخيبة.

كنت أراقب خروجه، كمشاهدة نهاية شيء كنت أظنه مستحيلا، لكن الآن، كنت أواجه الواقع، الذي كان أكثر مرارة من أي شيء كنت أتصوره.

دخلت صغيرتي ليلى إليّ وهي ترتعش، عيونها مليئة بالقلق، بينما تردد بصوت حزين

“ماذا بكِ، أمي؟”

أغمضت عينيَّ للحظة قبل أن أجيبها بصوت متقطع، محاولة إخفاء الألم الذي كان يكاد يخرج مني مع كل كلمة

“اذهبي إلى الغرفة، يا ماما.”

لكنها أصرت، وسألت بتوجس

“أمي، ماذا حدث؟ لماذا تبكين؟”

قلت بسرعة، محاولة أن أتماسك

“قلت لكِ، حالا، خذي أخوكِ وانصرفي.”

“حاضر، ماما”

أجابت بصوت خافت، ثم اختفت عن ناظري.

دخلت إلى الحمام تحت المرش، وأطلقت العنان لدموعي التي كانت تتساقط بغزارة، كنت غارقة في أفكاري المشتتة، تتصارع في رأسي أفكار الطلاق، لكن سرعان ما تذكرت أولادي، كيف سأكون في أعينهم إذا حدث ذلك؟ كيف سأنظر إلى نفسي في مرآة المجتمع؟ ثم تذكرت أهلي، كيف سيكون رد فعلهم؟ شعرت بصدمة في داخلي حينما أدركت أن الطلاق سيؤذيني، سيُدمّر كل شيء كافحت لأجله، كل ما بنيته كان يتلاشى أمامي، وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئًا.

تراجعت عن هذه الفكرة، لم أعد أمتلك القوة للخروج منها، كنت أجد نفسي في صراع داخلي: هل أظل أحتمل؟ هل أستطيع الاستمرار في تحمل هذا الجحيم؟ لم يكن لدي خيار سوى أن أستمر في الانطفاء، وأن أذبل بحجة التفتح، وأكسر نفسي في سبيل الحفاظ على ذلك التوازن الهش.

كنت أستمد القوة فقط من أولادي، كانوا الأمل الوحيد في حياتي، وكان قلبي ينقبض كلما تذكرت حديثه، كانت النار تشتعل في داخلي، رافضة أن تخمد.

خرجت من الحمام، وعلى الرغم من التورم في عينيّ من كثرة البكاء، توجهت إلى الأطفال، عانقتهم بقوة، وقلت بصوت متحشرج

“آسفة، يا ماما. يا روحي، لا تبكوا، أنتم كل ما أملك، أنتم أجمل شيء في حياتي حسنا، ابقوا هنا، سأحضر لكم الطعام وأعود.”

كنت أقاوم بصعوبة، مجبرة على التماسك فقط من أجلهم، كنت أحاول أن أكون قوية، لكنني كنت محطمة من الداخل.

توجهت بخطى منكسرة وبدموع منهمرة إلى المطبخ، نظفته بسرعة، ثم حضرت الطعام لهم، محاولة أن أظهر بمظهر طبيعي رغم كل شيء.

مضى أسبوع كامل، لم نتحدث مع بعضنا البعض، كانت تجمعنا طاولة الغداء والعشاء، لكننا نادرا ما تبادلنا الحديث حتى في الفراش، هجرتُه، كنتُ أنام مع أولادي، أبتعد عن قربه بشكل كامل طوال الأسبوع

من الداخل كنتُ أحترق، لكنني كنتُ أُدعي الصمود أمام الجميع، قلبي كان في حالة يرثى لها، وعقلي مشوش تماما، وعيوني بالكاد تعرف النوم وفمي كان ينبش الطعام فقط من أجل رضيعي، كي يتغذى مني، كنت أعيش فقط من أجل صغاري، لا شيء غيرهم.

#يتبع…

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق