رواية اهداب والماضي – الفصل العاشر
— الفصـل العــاشــر « قلــوب فى متـاهـــة »
« و فى لحظه قصيرة…. تمتد إحدى الكفوف بزهرةٍ إليك … و تبتسم الثغور …. ولكنَّ باطِنِـها مُستَتِر …..
هناك لحظة لا تُعلِـن عن قُـدومِها ، لكنها حين يحين موعدها …. تُبدِل الأمور رأسًا على عقِب ….
و ذاك ما حدث ….. لأهداب ….تغير كل شيء حين التفتت إلى الخلف ، فوجدت أن ماضيها قد غَفَـل عن إشارات الدليل …..لتغدو بمستقبلها كما الكفيفة …..
و تتأكد أنه ما كان يومـًا بالـوهم المريح…»
اتجه الرجل إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة ، بخطوات شابهت الركض … لتقف السكرتيرة الحسناء “چينا” احترامًا ، و تبجيـلاً لسيادته …. ثم قالت :
— هل ترغب بفنجان من القهوة سيدي ؟!
أجاب الرجل بلا مبالاة :
— لا ….لا شىء …. ثم إلتفت إليها قائلاً :
_ انتظري ….. أريدك فى مكتبي حالاً ….
دلفت “چينا” إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة ، لتتفاجىء بوجوده واقِفًـا برجولته الصريحة أمام المرآة ، ليشير إليها قائلاً :
— اقتربي ….. ماذا ترين فى المرآة …؟!
أجابت الفتاة بدهشة لا تخلو من ملامح الاعجاب الصارخ :
— أرى حضرتكم سيدي .
فاجئها الرجل بسؤاله الثانى ، قائلا فى جرأه :
— وما هو رأيك الشخصي بي كرجل ؟!
أجابت الفتاة فى تِيـه و استسلام :
— ساحر….. جذاب …. متفجر الرجوله …. أتـود أن نتواعد سيدي … لا مانع لدي ….
تجهمت ملامح الرجل فى لحظات صارخًـا:
— عودي إلى مكتبِك فى الحال …. يا لعبث النساء …!!
وبعد رحيلها بملامح الخيبة ، همس إلى نفسه ، بعد عودته الى تأمل نفسه فى المرآة :
— طالما أنني أمتلك زمام قلوب النساء ، عمَّ كانت تقصد فتاة العُطـاس …. ماذا تقصد ..؟!
يا لِـي من أحمق ….. لابد أن أعرف من هى …؟!
ثم أمر السكرتيرة الحضور إلى مكتبه للمرة الثانيه ، ليهتف :
— أريد ملفات كافة الموظفات الشاغرات بقسم التسويق فى الحال …
أومأت “چينا” برأسها علامة الطاعه ، لتُرسِـل إليه عبر البريد الالكتروني كافة ملفات الموظفات ، التى أمعن فيهن النظر دون جدوى ، ليتساءل :
— إن لم تكن تعمل بذلك القسم … إذن لـِمَ كانت هناك ؟! …ماذا علي أن أفعل الآن ؟! …. حسنًـا سأُراجع كاميرات المراقبه …
و قد فعل لينتبه إلى ” أهداب” ، ثم ثبت الصورة عليها ، و اتجه إلى الهاتف للتواصل مع رئيس قسم الموارد البشرية آمرًا :
— سأرسل إليك الآن صورة لفتاة …. هى موظفه معنا فى الشركة … أريد ملفها الوظيفي بالكامل …فى غضون ١٠ دقائق .
أجاب الرجل بنبرة مرتجفه :
— فى الحال سيدي …
بملامح مكفهِـرة ، ألقى ذاك الجالس على كرسي رئيس مجلس الإدارة نظراته على ملامح أهداب الفاتنه ، يتشبع من جمالها الأخاذ ، قائلاً :
— ويلك مني يا فتاة العطاس !!
فى غضون دقائق …. كانت بيانات “أهداب” كامله ، أمامه … ليبتسم فى نصر زاهي هامسًا :
— و أخيرًا …. ها قد وجدتك آنسة “أهداب” … اشتقت إلى لمسات شرقيه …
قاطع حديثه اتصال مفاجىء عابِـر للقارات ، لينتبه إلى صاحبه ، و يجيب فى سرعة بلغة عامية مصرية :
— والله عال … إيه يا صعيدي … مش ناوي تِـرجع بقى تشوف شركتك …. ولا هي قاعدة الصعيد وحشتك ؟!
أجاب الطرف الآخر ضاحكًا :
— و هى يعني شركتي أنا لوحدي … ما إنت كمان معايا شريك مُساهم فيها ….
استقام الأول بطولِـه الفارع ليهتف فى مكر :
— أدِيـك قولتها …. مُجرد مساهم ….لكن لو إنت قررت تزود لي الأسهم ٣٠٪ كمان …. أنا معنديش مشكله أمسك الإدارة كمان شهر لو تحب …
أجاب الأخير فى رفض باسِـم :
— لا يا حبيبى … إنت عارفني … كفاية عليك ١٥٪ نصيبك …. إنت هتنهـب ولا إيه ….؟!
رددت أرجاء المكتب ضحكاته الصاخبة قائلاً :
— و ماله … أنا يطلع عيني فى مؤسسة ضخمة بآلاف الموظفين ، و إنت تفضل تاكل بـط و وِز …. هنيالك يا كبير الصعيد .
…..ثم ارتسمت الجدية ملامحه ، ليردف :
— صحيح …. طمنِّى على جدك … أخبار صحته إيه دلوقتي ؟!
أجاب الآخر برضا :
— الحمد لله أحسن …. كلها يومين ، و أرجع…. بقولك إيه …. فيه موظفه ممتازة فـ القسم المالي … متفانية جدًا فيه ، و بتقدم تسهيلات ممتازه مع البنوك … عايزك تصرفلها مكافأة شهرين ….
عَـلا صفِير الأول قائلاً بمزاح :
— وااااو …. ومين بقى الموظفه الممتازه اللي لفتت انتباهك دي ؟!
تجهمت ملامح الأخير قائلاً فى غضب :
— ” لـؤي ” ….. إنت عارف كويس إني مبحبش الأسلوب ده … إحنا صحيح أصدقاء و شركاء ، لكن لاحظ إن أنا جذوري من الصعيد…. و لا يمكن أكون هوائِـي زيك …
أنا صحيح بقالي سبع سنين فى أوروبا ، لكن إنت عمرك كله قضيتُـه هنا ….. فبلاش النظام ده معايا …..
ارتفع أحد حاجبي” لـؤي “فى تلاعُـب هاتفًا :
— إيه يا جدع …. مالك … ما تهدى علينا كده … إحنا مش أد الصعيد …. و عِرق الصعيد الناشف ده …. أنا بضحك معاك …. وعموما قوللي إسم الموظفه دي ، و أنا هقوم باللازم … أكيد شغلها ممتاز و تستحق ….
تصدر الوجوم ملامح الآخر قائلا :
— اسمها ” أهداب ” …. ” أهداب مدحت الصواف ” …. خلي بالك من الشركة ، و أنا زي ما قولتِلك…. كلها يومين وأكون عندك ….سلام .
ليعاود ” لـؤي “صفيره الممتد تلك المرة ، قائلا فى لـؤم :
— ما أمكرِك أيتها الشقيه…!! ….. أتتلاعبين بالرجال بتلك البساطة ، ومن يرى براءتِـك ينساق وراء سحر عيناكِ شبيهي السماء ….. حسنًـا … طالما انضم ” لـؤي “لحلبة النزال ، فلنمرح قليلا …. و لنرى ما الذى يُميزِك ؟!
وكما تتبدل حالات المناخ …. فالأجواء أيضا تتبدل … لنطوي صفـحة الغـرب ببرودته القارصة …. و نعود إلى أعماق الشرق بحرارته الدافئة … و لهب الصعيد …
بعد أن أنهى حديثه مع صديقه … ذاك الحديث الذى ضاق له صدره ، لتكن تلك المرة الأولى التى يدخل فيها معه فى جدال …. و ربما السبب غير ذلك …
فقد أخفى ثوب الحقيقة داخله ، ليستعيض عنها برداء كبرياء أبناء الصعيد …. إلا أنه من داخله يوقن أنه اشتاق إليها حد الجنــون ….
سافر بذكريات عشقه لها بعيدًا … عندما رآها للمرةِ الأولى … لتعود الإبتسامة الحالمه إلى شفتيه هامسًا:
— وحشتيني يا فتاة المصعد …. وحشتيني أوى…
يا ترى حبيبتى اللي مجنناني عاملة إيه دلوقتي …. ؟!معقول تســ……”
قاطع سيل أفكاره ، هتاف والده الدافىء ليردف باسمًا :
— سافرت بفِـكرك على فين إكده يا ولدي …؟! … جُولتلِّـي هتكلم مع صاحبي فـ الشركة ، و شايفك أني خلصت حدِيتك وياه …. إيه اللي شاغلك إكده ….؟! … حصل مشاكل ولا حاچه لا جدر الله ؟! …
انتبه الى والده ، ليعتدل فى جلسته فى احترام قائلاً :
— لا … يا بوي … كله زين والحمد لله … هو بس “لـؤي” مش جَـادر على إدارة الشركة لِـوحدِيه … وكان بيستعچلني أعاود استراليا ، فأني جولتله يومين وراچع …
عاود الأب الحديث بحنان ، و رِفق :
— و كان لازمته إيه الدوخة والشحططه داي يا ولدي … إحنا مبسوطين والحمد لله …. ما تصفِّـي الشركة داي وترچع مصر …. تبدأ من جديد …. والله عالم البيزنس فى الصعيد ، أرباحه ياما … إسالني أني ….
أجاب إبنه فى امتنان وحب :
— أني عارف يا بوي ، ولا يمكن أنسى فضلك عليّ … ده كفايه إنك اللى موِلت المشروع ، وعمرك ما جَصَّرت معايا من يوم ما بدأت تأسيس فـ الشركة لحد دِلوك ، وبعدين يا بوي … إنت ليك أسهم فى الشركة ٢٥٪ و چدي ٣٥٪ ، و عمي چابر ١٠٪ …و أني يا دوب ١٥٪ بس ..
يعني لازم أكون فى الشركة و أراعي مالنا برضيك … الشركة داي بسم الله ما شاء الله ، لولا هي علينا ، من يوم تأسيسها و احنا حالنا ، و وضعنا المالي اتبدل كتير عن الأول.
أردف الأب فى حكمة و رزانه :
— يا ولدي … الدنيا مش كلها مال وبس …لاه … دي إسم ، و أصل، و هيبه ،و تمسكك بتجاليد بلدك ، ودي كلاتها حاچات لا يمكن تتاجِل بمال ….
أني بس خايف الدنيا تِسرِجك ، و أني عايز أچَـوزك و أفرح بيك … ده إنت الحيلة على اخواتك البنات يا “صـداح ” يا ولدي …
ربت “صـداح” على كتف والده قائلا فى محبة و اعتزاز :
— چريب يا بوي … جريب جوي هفرحك ، باللي تريده لولدك … أنا عايش فـ الدنيا دي بنفسك ، و بس ….
عودة لأجواء العمل فى الشركة ، فقد أنهت “أهداب” عملها ، كما العادة بدقة وإتقان ، تتلافـى أي أخطاء من شأنها القليل من تميزها ، لتستعد للانصراف
و حين اقتربت من مصعد العاملين ، تراءى إلى ذهنها “أدهم “، لتشعر بالسخط من ذاك الرجل الذى تسبب فى خسارتها فرصة الاطمئنان عليه ، ثم قررت المجازفة ، و ركوب مصعد رئيس مجلس الإدارة ، علَّهـا تراه و تُعاتبه …
انتظرت قليلا لحين خلو الردهة من العاملين ، لتضغط الزِر و تدلف إلى الداخل بأنفاس متلاحقه ، ما لبثت أن شابها اليأس … ثم همست فى حنق :
— و أنا اللي افتكرت إني هشوفه … منك لله يااللي فـ بالي ، لو مكنتش قاطعتني ، كان فاتني سألت عليه … يلا … حظي وأنا عارفاه ….
انتبهت “أهداب” إلى أن المصعد بدلا من هبوطه إلى الأسفل ، الأ أنه يصعد إلى الأعلى ، لتتنفس الصعداء قائله فى سخط :
— يلا …. واضح إن رئيس مجلس الإدارة ناوي يركب الأسانسير …. وماله ، خليها تكمل ، وتترفِـدي يا
” أهداب” ، بدل ما تقدمي استقالتك بكرامتِك ….مِنك لله يا اللى فـ بالي ….”
ظلت تُردد الجمله الأخيرة مرارًا وتكرارا ، حتى انفلتت من شفتيها بعلو صوتها فى تلك اللحظه التى توقف فيها المصعد أمام راكبه … و ما إن فُتح المصعد و دلف إليه
حتى استمع إلى تلك الجمله فى صفحة وجهه …
اتسعت ملامح “أهداب “، لتحاول إبتلاع ريقها الجاف ، ليرمقها الآخر بنظراته الحارقه قائلا :
— ما الذى تفعله فتاة مثلك فى مصعد رئيس مجلس الإدارة ؟!
استعانت أهداب بالقليل من الجرأة قائله فى شجاعه:
_ هذا السؤال عليك أن توجهه إلى نفسك أولاً.
حار الرجل فى لسان تلك الفتاة السليط ليضغط على كلماته فى غيظ :
— ألا تعلمين من أكون أيتها البلهاء ؟؟
ظهر العبوس على ملامح “أهداب” ، لتردف فى صراخ :
— إلزم حدودك يا هذا …. أنا لست بلهاء … إنما الأبله هو من يقف امامي الآن و يتصدر المصعد بجسده كما مصارع الثيران … مكانك ليس هنا ، و إنما فى إسبانيا …
ضاقت أنفاس “لـؤي” ليحاصر” أهداب” فى أحد جوانب المصعد ، بعد أن ثبت المصعد بين الطوابق ، هامسًا بلغته العربيه و صوت يشبه فحيح الأفعى :
— بقى أنا مصارع ثيران ، و أبلَـهْ ، ومكاني فـ أسبانيا …. و ماله … بس أوعدِك يوم ما أروحها هتكوني هناك قبل مِنِّـي ..
اتسعت ابتسامة” أهداب” الساخرة ، التى تُخفِـى خلفها خوفها الدفين من ذاك الضخم :
— و أنا هروح أسبانيا بصفة إيه إن شاء الله ؟!
أجاب” لـؤي” بأنفاسه التى كادت تُشعِـل أوصالها من اقترابه الخطر :
— بصفتِك مراتي….. أنا “صـداح الوليد” … رئيس مجلس الإدارة ..
تفاجأت ” أهداب ” من هوية الرجل الماثل أمامها ، لِـتنهر حبات العرق الغزيرة .. ملامح وجهها ناصع البياض ، فى حين ارتعشت أناملها من التوتر ، لتسقط بين ذراعيه فاقدة للوعي …
لحظات فارقه ، تبدلت فيها مشاعر “لـؤي” من سخط و غضب إلى قلق وتوتر … حين سقطت ” أهداب” بين ذراعيه ، مستسلمة لإغمائها المفاجىء … ليحملها بين ذراعيه القويتين كما الريم الصغير ؛ ثم وضعها فى سيارته لينطلق بها إلى منزله الخاص ….
فى غضون دقائق معدودة ، هبط “لـؤي” من سيارته ، ليصعد إلى مسكنه الخاص البعيد كليًـا عن فيلا والده ، ثم دلف إلى غرفة نومه ، ليريحها فى رفق على الفراش
أحضر “لـؤي” أحـد زجاجات العطر ، ليقربها من أنفها المستقيم الناعم …. ولكنه تراجع ؛ فقد جذبته ملامحها الفاتنه ، ليقترب منها بأنامله يعبث فى خصلاتها الشقراء ، ومنها إلى حدود عنقها المرمري …
فاتنه …. تسرق الألباب ….. ثم اقترب رويدا …رويدا ، يتنفس عبيرها الدافىء المستكين ليهمس :
— إنتِ عملتي فيا إيه …. مفيش بنت قابلتها ملكتني فـ لحظه زيك …. أعمل معاكي ايه دلوقتي …؟! …
إنتِ إزاي جميله كده …. !! ….. إزاي …!!
ثم ابتعد قليلا ، لؤضع القليل من العطر على باطن راحته اليمنى ، ليدع ” أهداب ” تستنشق عطره الأخاذ
و فى غفوتها ،انتبهت لعطر يتسلل إلى أنفاسها ، لتتسع ابتسامتها فقد أيقتنت أنه عاد ….. نعم عاد …. عاد ” أدهم”
تفتحت عينيها فى بطء ناعم ، مردده بثغرها الشهي :
— أدهم …. أدهم
تملك الحنق و الغضب من قلب “لـؤي”, ، ليتساءل بنبرة خافته :
— “أدهم” …. مين “أدهم “ده ؟!
وفى لحظات كانت “أهداب” بكامل وعيها ، لتنتبه على ذاك الجالس جوارها ، المنحني بصدره القوي عليها حد النشوه ، لتتلعثم قائله :
— إنت … أنا … إنت بتعمل إيه .. أنا جيت هنا .. إزاي .. هو أنا فين …. أنا….
ابتعد “لـؤي” قليلا ، ليربت على كتفيها محاولا بث القليل من الطمأنينه إلى قلبها مردفًا فى هدوء :
— إهدي … إنت كويسه ، و أنا معملتش حاجه… متخافيش… انت بس فقدتي الوعي فى الأسانسير ، فجيبتك عندي هنا عشان أفوقك … سلامتك ألف سلامة يا “أهداب” هانم …. لكن قوليلي … مين “أدهم “؟!
لم تكن” اهداب” بالثبات الكافي الذى يجعلها تفكر فى رويه ، إلا أنها أجابت :
—” أدهم ” ده يبقى زميلي في الشركة … بس انت معملتش حاجه صح …. انا محدش قرب مني … انت مقربتش … مش كده
نفى،” لـؤي” اقترابه منها ليقول فى لين :
— والله ما قربت منك ، كل اللي حصل أنى شيلتك ، و جيبتك على هنا … و بعدين متنسيش اني مسلم زيك ، و على فكره بقى أنا كمان مصري ، و والدي كمان مصري … اطمنتي ولا لسه !!
استقامت “أهداب” لتركض إلى المرآة ، و تتحسس بأناملها الناعمه جسدها فى قلق قائله :
— شِيلتني ، و جيبتني بيتك و بتقول معملتش حاجه … أومال لو كنت عملت ، كان هيحصل إيه تانى …
انطلقت ضحكات” لـؤي” المرحة قائلاً :
— لأ بقى …. كان هيحصل كتير .. بس مش وقته نتكلم عنها دلوقتي .. يلا عشان اوصلك ، ولا تحبي نقعد كمان شويه … انا جاهز … من كله و مستعد .
زفرت” أهداب” أنفاسها فى حنق ، قائله فى غضب :
— وقح ، و قليل الأدب .
انطلقت ” أهداب ‘ ….. “لـؤي خلفها قبل أن تبلغ باب منزله قائلا :
— وانا مش هنكر … الاعتراف بقلة الأدب فضيله ….
رفضت “أهداب” رفضًا باتَا رفقة لـؤي” إلى منزلها ، لتستقل أحدي سيارات الأجرة إلى المنزل
فى حين تبعها “لـؤي” بسيارته للاطمىنان عليها ، و التأكد من عنوان منزلها الكائن ، ولا يزال عقله يردد نفس التساؤل :
— من” أدهم ” ؟!
هبطت “أهداب“ من السيارة ، لتصعد إلى منزلها ، لتتفاجىء بعمرها آمين على وشك ذهابه إلى الشركة السؤال عنها ، ثم أردف :
— ايه يا بنتي … شوفي بقى ..انا خلاص مبقتش قادر على القلق والتوتر ده … كل مرة تاأخري كده ، و يضغطوا عليكي فى الشغل … إنت لازم تسيبي الشركة دي ، و أفتكر أن كفايه كده … بقالك شهور بتتدربي ، و اكتسبتي خبرة كفايه … أنا بخاف عليكي …
ارتمت إهدار بين ذراعيه فى حب ، ثم قالت :
— حاضر يا” أمين “…. عيوني ليك … أوعدك أقدم استقالتي نهاية الشهر ده … أنا فعلا لازم أحط النقط على الحروف ، و لو مقدرتش .. خلاص هيام امري لله وارجع مصر ….
تساءل ” أمين” فى حيرة :
— نقط إيه يا بنتي ، و حروف إيه ؟!
— لا … ولا حاجه يا عمو … أنا اقصد الشغل الي انا مكلفه بس ، لازم أنتهي منه قبل ما اقدم استقالتي ، عشان كمان استلم شهادات الخبره ….
أسدل الليل ستائره على تلك الدولة الاوربيه ، ليعلو الحنين ضجيج العقل ، فذاك الهائم الذى عُرف بزير النساء ، ظل يتقلب على فراشه من لهيب لهفته عليها ….
لقد أصبح عاشقًا لفتاة شرقيه من بلدته …. و صار طموحًا إليها و فقط …. هى التى توغلت إلى موطن لم تقدر عليه غيرها …. هى المصرية أهداب … فاتنته …
يشاركه الوله ، بل يزيد ….فقد صار اشتياقه إليها جنونه … كيف استطاع البعاد ، و تحمل الغياب طوال تلك الفتره …؟!
يا الله .. ما احلاها حين تبتسم … وحين تتعب… هى الجذابه فى كافة تفاصيلها ….”
جلس صدام يفكر ، و يفكر…. إلى أن أوجه إلى دولاب ملابسه ، يتناول من بين طيات ملابسه ذاك الصندوق المخملي صغير الحجم ، ثم فتحه ليتألق ما بداخله ببريق نافس نور الشمس العابرة من شرفتي غرفته ، ثم همس :
— لازم أعترف لها بالحقيقة …. أنا بحبها ، و مش هقدر أنكر ده … مش هستنى لما ترجع مصر ، و تضيع مني … هقولها على كل حاجه ، و اعتذر لها…
هداب حنينه ، و هتسامحني …. وحشتني اوي …. يارب اجعلها من نصيبي ….
مر اليومان الفاصلان …ليهبط صداح الدرج ببيت والده الكبير ، ليودع چده الحبيب ، و چدته الغاليه … مرورًا بوالديه اللذان لم يرتويا من حضوره بعد .
فى حين ارتمت والدته على صدره ، ليحيطها بذراعيه القويين قائلاً فى مزاح :
— ما تسيبك من البلد ياما ، و تاچي معايا استراليا …و لا أبوي هيوحشك ، ومش هتجدري تبعدي عنيه ….
من بين دموعها الحارة المشتاقه ،ابتسعت ابتسامة والدته لتردف :
— أني مجدرش أبعد عن أبوك يوم واحد ….أبوك بيچري فـ دمي .. هو النفس اللي أني أتنفسه … كيف أهمله لحاله ، و أسافر لحالي … لا يمكن يا ولدي ….
تعالت صيحات اعجاب بناتها الخمس ، ليسحبها زوجها من بين ذراعي “صـداع ” ، ويتلقاها بين خاصتيه قائلا :
— ولا أني أجـدر على بعدك يا غالية يا أم الغالي …
سطر الغرام مشهد من أروع مشاهد العشق ، ليرحل “صـداح” إلى المطار ، بصحبة صديق والده الدكتور “مصطفى” الذى فعله وعزز فول بال بالونة
رفقته ، وبعد أن انتهي من إتمام كافة الإجراءات …احتوى” مصطفى”” صداح ”
أتى بين ذراعيه قائلا بلهجة صعيديه خالصه نظرا لسنوات عمره العشرون التى قضاها فى تلك البلدة :
— عايژك المرة الجاية ترجع و معاك فرسة أچنبيه حلوه أكده … عايزين نحسن السلالة … ولا تجولي أتزوج من الصعيد ، و لا أني عندي انتماء …. فكر لجُدام
ابتسم صداح فى مشاكسة قائلا بمكر :
— واضح يا عمي إن حريم الصعيد مبجتش ماليه عنيك … لأ أني لازم أنبه حبيبة …. لتكون مجصرة ولا حاچه الحج نفسها قبل ما الدكتور عينه تزوغ اهنه و لا اهنه …
أظهر مصطفى الشجاعه المزيفه قائلا :
— وه … وفيها ايه يعني أما افكر أتچوز … أني راچل و لسه شباب ، و أجدر بعون الله أفتح بيتين و تلاته ….
ضحك صدام فى وچل قائلا :
— طيب ..احذر مني بجى … حاكم كله الا خالتي يا دكتور …. حريم العيله كلاتها فـ كفه ، و “حبيبة ‘وحدها فـ كفه تانيه …
ثم ودعه ….. صاعدا إلى الطائرة ، ومنها إلى الغرب البعيد .. إلى حيث تكمن معشوقته ” أهداب ”
قررت أهداب استكمال تلك الأيام العشر المتبقيه من الشهر الحالي ، لتنهي على إثرها ملفها الوظيفي مزينًا بشهادة الخبرة الموثقه من إحدى كبرى شركات العالم ..
لتعود دون أن تلحق بمن رحل قبل أن يصعد على متن قاربها ..
نهار جديد … مع زحام العمل اللامتناهي .. و تلك الرشيقة المجتهدة .. أيقونه الذكاء محط إعجاب الجميع … و فى خضم انشغالها …. تلقت اهداب أمر مباشر ، بتسليم بعض التقارير المالية الى سكرتيرة رئيس مجلس الإدارة ، نظرًا للإجهاد البادي على ملامح مديرها المباشر ، و الذى ظهر للعيان أمام الجميع .
إلا أنه و لتمسكه بالعمل ، رفض الانصراف باكرًا …. فما كان من أهداب إلا القبول ، للذهاب إلى مكتب سكرتيرة رئيس مجلس الإدارة التي أسمتها من قبل لقاءها بها .. چينا .
استقلت المصعد كما العادة لتصل فى دقائق معدودة …ثم ألقت عليها تحيه الصباح ، لتسلمها التقارير المطلوبه … إلا أن “چينا” استوقفتها ، لتطالبها بتقديم الملفات الى رئيس مجلس الإدارة شخصيا ، لرغبته بتوضيح بعض النقاط المحاسبيه التى أوجبتها فى التقارير.
استجمعت ” أهداب ” جأشها ، و تقدمت من مكتبه الخاص ، لتدلف إلى الداخل بشموخها المعتاد ، و ثقتها التى تستحقها عن جدارة .
وقعت عينا “لـؤي عليها ، لتضطرب أنفاسه فى تسارع ، يتمني لو يسرق من الزمن لحظات ، يشبع ما بداخله من اشتياق … و قد انحنى كبرياءه أمام صاحبة اللسان السليط ..
طالبها بالجلوس ، سائلا إياها عن مشروبها المفضل ، لتعتذر فى رقي قائله :
— ميرسي يا فندم … تفضل دي التقارير المالية للمشروع الأخير … انا راجعتهم ، و اتصلت بالمهندسين ، و أكدت عليهم البدء فى الانشاء بداية من بكره باذن الله
عيناه …. بل عقله … و القلب معا لا يستوعب خبرتها ، و عباراتهاا المنمقة بمجال الأعمال ..
جميلة الملامح … رائعه الظاهر والباطن … لا يجد ما يفيد النقصان أو العيوب …
يتمناها … يريدها …. حقًا يريدها بقوة … بعنفوانه … بتعصبه ….. بكامل إرادته …. ولن يتركها سائغة لغيره …
أمسك الاوراق ، يتطلع داخلها بعيني خبير ، لا يعرف الخطأ ، صنوانه المقدس فى العمل ، ولا شىء يجابهه …
يشهد كل من تعامل معه أنه رغم سنه الشاب إلا أنه نقش بصمة فى عالم الأعمال ..
بعد أن قلب الاوراق بين يديه ، و عيناه تجوب كافة السطور ، ابتسم قاىلا فى فخر :
— حقيقي برافو عليكي يا أهداب …. إنت فعلا متميزه جدا فـ شغلك …. أنا بتنبألك بمستقبل مشرق ، و هتنافسينا قريب …
ابتسمت إهداب للمرة الأولى فى حضور ذاك الرجل ، لتهمس فى خجل :
— ميرسي يا فندم …. أكيد الاطراء ده وسام اتباهى بيه … انا مضطره استأذن عشان معايا لسه شغل … أي اوامر تانيه …!!
أقدم لؤي على تصرف كان قد شغل تفكيرة منذ الأمس ، ليقرر البدء فى خطوته القادمه من الآن طالبًا إياها بالتمهل قليلا :
— لحظه بس … مستعجلة على ايه … أنا كنت عايز أتكلم معاكي فـ موضوع مهم …
ارتبكت “أهداب” لدي سماعها لكلماته ، فلا شك أن وراء تلك النظرات و العبارات ما يُقلِق ، لتهمس فى ترقب :
— خير حضرتك … موضوع ايه اللي سيادتك عايزني فيه …!!
أجاب” لـؤي “فى إمعان :
— أولا.. أنا عايزة اعترفلك بحاجة مهمه أوى …. أنا مش رئيس مجلس الإدارة …. انا شريك و مساهم فـ الشركة بنسبة محدوده … و بالتالي اسمي مش صداء … أنا اسمي لُضوارؤي …. ثانيًا ….
قاطعته أنداب فى ضيق :
— هو لسه فيه ثانيا ….يعنى كنت بتخدعني ، و بتضحك على عقلي … أقدر اعرف ليه عملت كده … و هو أنا هيفرق معايا ايه لو كنت رئيس مجلس الإدارة أو حتى موظف بسيط عنده …. و بعدين انا ايه علاقتي بيك أصلا عشان تتعامل معايا كده ، و ايه الموضوع المشترك اللي استدعى من حضرتك تقولي دلوقتي …
كان لؤي على يقين من رد فعل أهداب الحانق ، و الغاضب معا ، إلا أنه دهش من حديثها الصارم كثيرا ، ليقول :
— ممكن تهدي .. و تروقي … أنا عارف اني غلطت لما أوهمتك بهوية تانيه غير هويتي ، و انك مستغربه انا ليه بقولك الكلام ده ، و ايه مصلحتك منه … متستغربيش …. اللي لازم تعرفيه هو اني معجب بيكي جدا … من أول يوم شوفتِك فيه ، و أنا مبهور بيكي …. بقيت بسهر ليل ونهار أتخيلك …. انا اتعودت اكون صحيح ، و مبحبش اللف والدوران
قاطعته” أهداب “بتردد :
— بس أناااا……
استوقفها” لـؤي “بإشارة من يده قائلا :
— إسمعيني أرجوكي للآخر ….انا طول عمري صريح …مش هكدب عليكي و أقولك اني معرفتش بنات والكلام المزيف ده … لأ ..انا عرفت بنات كتير ، مقدرش أحسبلك عددهم ، لكن معرفتي بيهم لا تتعدي عزومة غدا أو سهره فى أي كازينو …
كنت فى كل بنت ، بدور على اللي ناقصني و اكمله فيها ، لكن لحسن الحظ ده محصلش إلا لما شوفتِك .. منكرش اني كنت متغاظ منك جدا بسبب شجاعتك و جرأتك اللى مشوفتهمش ف بنت غيرك ، ويمكن ده اول حاجة شدتني ليكي …
“أهداب ” … أنا مش بقولِـك ردي عليا دلوقتي … خدي وقتك ، و فرصتك … لكن إعرفي أني منتظِرك ، و ننتظر ردك بالموافقه على جمر النار … أرجوكي متتأخريش عليا …. تقدري دلوقتي تتفضلي …
لم تدرك’ أهداب” ما عليها قوله ، و أي تصرف يجب أن تفعل ، فقد سحب “‘ؤدي “من تحت قدميها بساط الرفض ، ليجعل من حسن أخلاقه ، و فصاحة حديثه ممر متسع للتفكير .
وفى الحال ….استقامت اهداب ، تطلب الاذن بالعودة إلى مباشرة عملها …
إلا أن” لؤي” هتف باسمها بنبرة رجوليه جذابه ،جعلتها تلتفت إليه ، ليلقي على مسامعها نبأ المكافأة التى رصدها رئيس مجلس الإدارة ، امتنانّا منه لاجتهادها فى العمل
— على فكره ….. السيد رئيس مجلس الإدارة كلفني بصرف مكافأة شهرين لاجتهادك و تميزك فى شغلك … و ده أنا مليش دخل فيه اطلاقًا … بالعكس نبوغِك هو سِر تفوقِك ، وده مش بس رأينا … لأ ..ده رأي مديرِك المباشر … مبــــارك
ثم أنهى حديثه بغمزه من عينه اليمنى ، ارتجف لها قلب أهداب … لترحل أسـيـرة علامات استفهام ، بلا أجوبه ..
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية اهداب والماضي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.