رواية اهداب والماضي الفصل الرابع عشر 14 – بقلم سيلا محمد

رواية اهداب والماضي – الفصل الرابع عشر

أردف مدحت فى وجع :
— سامحيني يا بنتي … غصب عني …. كل يوم عدى عليا بعيد عنكم ، و أنا بموووت ألف مره … كنت بكدب على نفسي و أقول نسيت …لكن الماضي عمره ما يتنسى … أنا مش عايزك تشغلي بالك باللي بيني و بين والدتك … كل اللي يهمني دلوقتي إنك تصدقي صداح … ابني بيحبك فعلا ، و كل أمنيته يتجوزك .. وأنا مش هآمن عليكي إلا معاه .

تخضبت وجنتي أهداب من فرط الخجل ، لتهمس :
— المهم دلوقتي هي ماما … عمرها ما هتوافق ترجع لك ، و لا هتوافق على جوازي منه …

إلتقط مدحت أنامل ابنته ، ليُقبلها فى شغف قائلا :
— ركزي إنت ف شغلك ، و في العاشق الولهان ده …. وأنا هحاول مع أخوكي ، و بعدين خالك ….و أمك نخليها للآخر … أنا عارف إنها هتتعبني .. بس أنا راضي مهما تعمل ، و مهما تقول …

وانتهى اللقاء بسعادة نبتت بعد أن جدبت أرضها ، لتعود أهداب إلى الشركة دون أن ينتبه إليها شقيقها أو خالها فريد …
وما حدث مع أهداب من لقاء بوالدها تكرر مع شقيقها عماد الذى قرر والده مدحت لقاءه بشكل مفاجىء ، بعد علمه من أحد الأطراف ذهابه إلى أحد البنوك لطلب بعض التسهيلات البنكية ….
تواصل صداح مع مدير البنك ليجعل ذاك اللقاء متعدد الأطراف ، ورغم حنق عماد فى البدايه و غضبه ،الا أنه استمع بلسان المنطق ، ليتشعب بداخله جذور الشوق لوالده الحبيب ..

لم يتبقى أمام مدحت سوى فريد ، الذى قرر الحاج زكريا التفاهم معه ، ربما يمنعه الخجل من إهانة رجل بمثل عمره و هيبته .
و قد كان اللقاء عاصفًا برياح البغض ، التى تحملها الحاج زكريا من أجل ابنه مدحت و حفيده صداح … فأولئك لا يزالوا من بين أفراد أسرته ، و لن يكف أو يتعب فى المحاوله لاستعادتهم تحت جناحه الرحب ..
وبعد ساعتين أفاض فيهما زكريا بما عاناه من أوجاع خسارة ابنه الوحيد كاشف، و تضحية مدحت من أجل الجميع ، و عشقه الجارف لزوجته فريدة و أبناءها …
ليتذكر فريد والدته ، وما تحملته فى سبيل تربيته ، و خسارته لشقيقه الذى مر على غيابه تسعة عشر عاما كامله دون معلومة تريح قلبه …. لذا قرر لقاء مدحت ، و تبادل أطراف الحديث معه …

خمسة عشر يوما شهدوا الكثير ، ليتم اللقاء الحساس بين فريد و مدحت ، صرح خلاله مدحت عن عشقه لزوجته فريدة ، و عن ندمه لما فعل ، و عن نيته فى التنازل عن حياته إن اقتضى الأمر ، علَّها تغفر له …
ليتصافح كلاهما ، و يتفقوا على إصلاح أخطاء الماضي ، و عودة الطائر المغرد إلى عشه ..
و فى حفل ميلاد مدحت الصغير ، حفيد فريدة … قرر مدحت حضور الحفل الذى حرصت فريدة على إقامته فى الفيلا ؛ ليقتصر على الأسرة فقط ، بعد الاتفاق مع كل من فريد ، و عماد و أهداب سرًا

اجتمع الجميع حول الطاوله المستديرة ، و أنوار الشموع تحيي الصغير فى وداعة ، ثم تغنوا جميعا أنشودة الميلاد المعتادة ، لتنطفىء الأنوار على غير العادة فى مشهد خطف القلوب ، وما إن عادت الأضواء ثانيه …. انتفض الجميع بشهقه مزيفه ، يتساءلون فى قلق :
— إلحق يا عماد …مامي راحت فين …. ؟! … إنتِ فين يا مامي …؟!

فى حين وُضِعت لاصقة على شفتي فريدة، تمنعها من الصراخ ، و أخرى على عينيها ؛ بعد أن اختطفها أحدهم من الحفل ، ليدفعها إلى السيارة فى رفق ، التى انطلقت فى سرعة إلى وجهتها المجهوله
حاولت فريدة الفكاك من قبضة الخاطف إلا أنه كان سيد الموقف ، لتقف السياره بعد ما يقارب الساعه ، ترجل بعدها الخاطف حاملا فريدة على ذراعيه فى قوه ، دالفًًا إلى الداخل .
لم تكن فريدة على وعيها التام ، بعد محاولات الهروب التى أرهقتها ، لتلاحظ جلوسها على أحد الأسرة المخملية الناعمه
اقترب منها الخاطف ، ليخفف رباط عينيها قائلا بصوته الشجي الحار :
— تعبتيني معاكي … كنتي الصدر الحنين اللي بحس جواه بالأمان …. و دلوقتي بقيتي حيرتي ، و وجعي … آن الأوان ترجعي لقلب حبيبك ، اللي لا يمكن يتحمل بعدك عنه لحظه أكثر من كده.

ارتعش ثغر فريدة حين وجدت مدحت ، زوجها العاشق بملامحه الوسيم التى لم تقدر على تخطيها السنون ، لتتلعثم هامسة :
— مدحت … إنت أكيد إتجننت … إزاي تعمل كده … فاكر إنك لما تخطفني ، هرجعلك ….لا …انســ …..

لم تستكمل فريدة حديثها ، فقد تاهت الكلمات فى بحور عشقها الجارف ، ليسطر على شفتيها موجات من القبلات الهادرة فى سخاء … لا يكتفي … لا يشبع …. لا يترك لها فرصة الحديث أو الرفض …
و ها هي التى أقسمت ألا تدع لوجوده بقلبها من عودة ، ترضخ لنداء احتياجها له ، ليعلو صوت الحب فوق همهمات الرفض …
ساعات من ينابيع الشهد الساخنة اقتضت على العاشقين ، لتريح فريدة رأسها على صدره الذى اكتفى بجسدها كساء يستره ، ثم همس مدحت بجانب شفتيها :
— سامحيني يا عمري …. أنا عارف إني غلطت ، و اتعذبت سنين فـ بعدك … أنا بعشقك يا فريدة …. ولا يمكن هقدر أبعد عنك .. إنت النفس اللي أنا كملت بيه ، و عايش بيه و علشانه .. ارجعيلي بقلبك ، زي ما رجعتي بجسدك .

رفعت فريدة رأسها لتواجه مدحت متسائله :
— أنا مرضيتش أتجوز ، لكن إنت اتجوزت ، و خلفت ، عايزني أرجعلك بعد ما إنت اللي خونتني .. أنا عارفه إني ضعفت دلوقتي ، لكن دي هتكون أول و آخــ …..

قاطع حديثها فى رجاء و تعاطف :
— أنا اتجوزت حميدة بطلب من الحاج زكريا ، محبيتش أكسره … منكرش إني حبيتها و خلفت منها … لكن إنت غير يا فريدة .. إنت حبيبتي الأولى والأخيرة .. مشاعري ليكي مختلفه ، و عشقي ليكي جنون …أنا أقدر أبعد عن حميدة، لكن مقدرش أبعد عنِك ولا أتحمل غيابك عنى .. كفايه ٢٠ سنه بِعاد .. عشان خاطري و خاطر الولاد .. أنا مطلقتكيش.. صداح بيعشق أهداب .. خلينا نفرح بيهم ، و بعدها أخدك على استراليا نقضى شهر عسل من أول وجديد .

أصابها الضيق من فكرة زواجه من أخرى ، و وجود أبناء مشتركين لتهتف فى حنق:
— ولما ترجع هتتعامل معايا بجدول مش كده ..؟! و تقولي إنت أسبوع ، و ضرتك أسبوع … صح ؟!

حلق من فرط سعادته حدود السماء ، لما شعر به من غيرتها العاشقه له ، ثم قال :
_ أم صداح أخدت حقك سنين طويله ، ودلوقتي آن الأوان إني أرجعلك حقوقك كلها …. هنسافر شهر عسل جديد، و هرجع أنا وإنت على بيتنا …. لغايت عيد جوازنا … حقك فيا مفيش فيه فصال … خمس شهور أنا وإنت وبس … وبعدها عدل ربنا هيحكم بينكم … أنا مش هقدر أتخلى عنها عشان بناتي ، وكمان هي ملهاش ذنب .. لكن إنت اللي فـ القلب يا حبيبة القلب …

سطر الغرام ألحانه للمرة التى لا عد لها ، ليبتعد مدحت بعض الانشات حتى تزفر أنفاسها المتقاطعه من هول النشوة ، ثم همس :
— عايزين نحدد ميعاد جواز العريس وعروسته … الواد جاب آخره … أنا خايف يفقد السيطره ، و يقلد أبوه ، ما هو العشق فاض بيه … قولتي إيه ؟!.

أجابت فريدة ببعض التملص :
— أسأل أهداب الأول

صدحت ضحكة مدحت الصاخبة :
— أهداب موافقه …و هتموت عليه كمان … دي بنتي و عشقها باين فـ عينيها ، زي أمها اللي مجنناني بجمالها ده … إنت إيه … جمالك ده ملوش حل …. تعالي …. و هنا سكنت الألسنه ، ليفيض الهيام بمكنون طال انتظاره ..

اجتمعت الأسرتين فى فيلا فريدة ، ليحددا موعد زفاف العروسين ، الذى مزق روابط أشجان الماضي ، و جمع بالموده و العشق سلسال صلب الحلقات رفع راية السلام على ربوع آل الصواف ، و آل الحمزاوي …
و قد اتفقوا على اقتسام حياتهما الزوجيه ما بين الصعيد والقاهره و استراليا
تم الإعلان المرئي والمسموع عن حفل زفاف رجل الأعمال الشهير صداح الوليد على كريمة رجل الأعمال مدحت الصواف … الذى فضل الإبقاء على هويته الأخرى كاشف الحمزاوي تجنبًا لمتاهات إعادة القيد المدني من جديد

داخل شركة Falcon Group …
جلس لؤي على كرسيه ، زافرًا أنفاسه الحارة فى غيظ ، يُقسم بداخله ألا يدع الفرح يدق أبواب صديقه صداح ، بعد أن رفضته أهداب ، لتقرر استكمال حياتها مع من هو أفضل منه .. ليصرخ بجنون :
— بقى كده يا أهداب …بتفضليه عليا ….ترفضيني أنا عشانه … ده أنا اتغيرت علشانك … قفلت كل الصفحات ، و قررت أبدأ معاكي من جديد ، تقومي تخدعيني ، و تختاريه هو .. كل ده عشان الفلوس … طب ما أنا معايا اللي يكفينا و يفيض … ومش هحرمك من حاجه … تدوسي على قلبي بعد اللي قولتهولك ، و توهميني إنك مبتفكريش ف الجواز ، و إنت هربتي معاه …
عموما مصر مش بعيد …. والبلد اللي عمري ما روحتها ، هسافر لها مخصوص ، و الجوازه دي بشرفي لا يمكن تتم ، لو بموته و موتك يا أهداب….

و اتجه إلى خزينة مكتبه ، ليخرج جواز السفر ، ثم حجز أول رحلة طيران قادمه إلى مصر
عاد إلى منزله الأنيق ، ليصعد الدرج فى سرعة ، ثم قام بتجهيز حقيبة سفره ، ليدلف إلى الغرفة خاله رأفت قائلا فى دهشه :
— إنت بتجهز شنطتك ليه يا لؤي …؟! .. إنت مسافر ولا إيه …؟!

أجاب لؤي دون أن يلتفت إليه :
— أيوه مسافر هولندا … عندى عقود مع شركات هناك ولازم أراجعها بنفسي .

تساءل رأفت فى قلق نهش بقلبه ، من ملامح لؤي الغاضبه :
— و ليه صداح ميسافرش بنفسه … إنت كنت لسه فـ ايطاليا من شهر ونص …. وأنا مبلحقش أشبع منك يا حبيبى .

حين سمع لؤي اسم صداح تغلب الغل عليه ، ليظهر جليا على ملامحه ثم هتف بنبرة مرتفعه :
_ بلا صداح بلا زفت .. أنا لو اعتمدت عليه ، هنروح فـ داهيه …الشركة هتغرق بسببه ، وأنا ليا أسهم فيها ، و دي ملايين زي ما حضرتك عارف … عشان كده هسافر أصلح بلاويه.

حلت الدهشه ملامح رأفت ليقول :
— و من إمتى صداح غرق الشركة .. اللي أعرفه إنه شاب ذكي جدا ، و متألق فى مجال الأعمال ، و رغم سنه الصغير إلا أنه فى فتره قليله بقى من أكبر رجال الأعمال المخضرمين فى أوروبا …

صرخ لؤي فى وجه خاله قائلا :
_ ما خلاص يا خالي … هو صداح اللي يقربلك ولا أنا ..؟! … بكره تشوف بلاويه بنفسك ، لما أسحب الأسهم بتاعتي و أسيب له الشركه … أنا مضطر أمشى عشان الطياره … أشوف وشك بخير …

تساءل رأفت بقلب ملتاع ، بعد أن ضمه لؤي إلى صدره للمرة الأخيرة ، وانطلق إلى الخارج كما لو كان فى سباق مع الزمن :
— هترجع إمتى يا بني ؟!

— بعد أسبوع …. و رحل إلى المطار و منه إلى مصر .

دب القلق فى قلب رأفت ، ليُجري اتصالا هاتفيا بالشركة للسؤال عن وجهة سفر لؤي ،فى حين أجابت سكرتيرته الخاصه :
— السيد لؤي فى الطريق إلى مصر … ليحل محله السيد نائب المدير المنتدب … لا أعلم سيدي … السيد صداح رئيس مجلس الإدارة أيضا فى عطله مفتوحة إلى مصر …. يمكنني الاتصال بمطار سيدني ، و البحث فى مواعيد الرحلات ….حسنا … حظا موفقا … إلى اللقاء

تأكدت نوازع القلق بداخل رأفت ، ليخشى حدوث أي مكروه لابنه لؤي ، الذى ضحى من أجله بالكثير ، فقط ليكتفي به ….
ظل رأفت على حيرته ، ماذا عليه أن يفعل ، ليقرر التواصل مع صداح … الذى كان فى خضم انشغاله بالتجهيز لحفل الزفاف .
لذا فقد باءت تلك المحاولات بفشل ذريع ، على إثره إتخذ رأفت قراره الذى ينطوي على شىء من الخطورة ، ألا وهو العودة إلى مصر ، و اللحاق بـ لؤي قبل فوات الأوان …
رحلة غير مأمونة العواقب ، ولكن لابد منها … عليه أن يعود إلى أرضه التي تركها فى الماضي هاربًا من ابن شقيقته الكبرى ” فريد ”
متسائلا بارتياب :
— أيحالفه الحظ باللحاق بـلؤي قبل الأوان ، ثم العوده لكليهما دون مصادفة فريد ؟!

أعلنت انطلاق الطائرة ، ليلحق رأفت بالركاب ، ثم جلس فى كرسيه ، و شرد فى همومه هامسا :
— يا ترى الحظ هيحالفني المرة دي كمان و زي ما خرجت من مصر المرة الأولى ، هخرج منها للمرة الثانيه من غير ما حد ينتبه …. من غير ما تاخد بالك يا فريد …. آآه فريد . . وحشتني أوى يا بني… ياما نفسي أخدك فـ حضني ، ياترى أخبارك إيه …؟! .. و اتجوزت ولا نسيت نفسك …؟! ….. سامحني يا فريد …. كان لازم أكون أناني ….. لؤي من حقي ، وأنا أبوه ….”
….. و انطلقت ذكريات الماضي تطرق عقله بلا هوادة …

وصل لؤي أرض الوطن ، ليستقل أحد سيارات الأجرة ، متجهًا إلى محافظة سوهاج _ أرض الصعيد الشامخ – وبعد رحلة مرهقه لساعات طويله ، اتجه إلى بيت الحاج زكريا ، متصنعًا الفرحة والود ، يخفي بداخله كراهيه لا حد لها ، ثم طرق الباب .
ركضت دلال ، شقيقة صداح الصغرى الدرج فى مرح ، وسعادة مغلفه بفرحة زيجة أخيها المرتقبه ، لتستمتع إلى تلك الطرقات القويه على باب المنزل الكبير ، لتهتف فى حيرة :
— مين اللي جفل الباب إكده …داي أول مره بيت الحاچ زكريا ينجفل ، وكمان فـ مناسبة حلوه كيف داي … أما أروح أفتح ،جبل ما اللي عيخبط يكسره فوجنا …

اقتربت من الباب الذى كاد أن ينخلع من شدة الضربات ، لتهتف بنبرة طفولية غاضبه :
— چرى إيه يا جدع إنت … مالك عتخبط كيف الطو….. إنت مين يا باشا … !!

فغر ثغر دلال ، فتاة الصعيد صاحبة البشرة السمراء المحببه للقلوب ، و الشعر الأسمر الناعم المنسدل فى عشوائيه ، و العيون التى زينتها بالكحل العربي لتنافس لون مقلتيها السوداوين ، التى انبهرت بوسامة لؤي وملامحه الغربيه قائله فى انجذاب :
— هي العيون داي بتوعك ..؟!

أجاب لؤي فى سخريه :
— لأ … مستِلفهم من واحد صاحبي …. قوليلي … صداح موجود ؟!

لم تنتبه دلال لنبراته الساخره ، لتجيب بنفس حالتها الهائمه :
_ صداح سافر عـ البندر .. عيجهز لفرحه ، عقبال عندك … إنت متچوز ولا لأه ؟!

أجاب لؤي فى غضب :
— و إنت مالك … هتفتحي معايا تحقيق … صداح فين فى القاهره … قاعد فى أي فندق ؟!

أجابت الفتاة بابتسامة بلهاء :
— لأه … هو مش هيجعد فـ فندق … هو جاعد عند نسايبه فى الفيلا حداهم …

تساءل لؤي بسرعه قبل أن يشتاط غضبا :
— العنوان … تعرفيه …؟!

— إيوه …. فى المهندسين …شارع الأمراء …. فيلا ١٤
.. مجولتليش هو إنت هتاچي تاني يا چميل …؟!

إلا أن صداح دلف إلى السيارة دون إجابة ، ورحل ثانيه ، ليسطر الرحله الثالثه منذ رحيله بمطار سيدني …
وصل لؤي إلى الفيلا المقصودة ، ليلمح صداح مصطحبًا أهداب بسيارته ، و سعادتهم تعطي إشارات القبول على الوجوه .
لتنخر صدره وخزات الغيرة ، و يصمم على قتلهما معا قبل إتمام الزيجة …
استطاع بطريقته الخاصة الحصول على دعوة الزفاف ، التي تزينت بإسمي العروسين ، و موعد الحفل فى مساء الغد .

ذهب لؤي إلى أحد الفنادق القريبه ، وصعد إلى غرفته التى تم حجزها لليلتين ، فى حين استرجع خطته بخطف أهداب إن تسنت له الظروف بدلا من قتلها ، لينالها دون زواج … وهكذا يكون الانتقام الحق الذى يشفي قلبه و جراحه….

فى اليوم التالى
تجهيزات الفيلا بزينات الحفل الراقيه ، التى أتمهتها أفخم شركات تجهيز الحفلات ، فى حين كان صداح يرتدي سترة حلة الزفاف ، يشعر من شدة فرحته بسعادة فاقت الوصف.
فى حين اصطفت حجرة العروس بالفتيات الفاتنات اللاتي ظللن يتغنين ، و يتراقصن فى رشاقة ، تعبر عن حبور تجاوز الأفق .
لتطغى أهداب برشاقتها و جاذبيتها الأخاذة على كافة النساء ، حين توقفت أمام المرآة تتأمل اكتمال زينتها ، و ثوب زفافها الباريسي الذى أحضره إليها والدها بعد اختيار دقيق
كانت تتهادى كما أميرات الأساطير ، غير أنها بدنيا الواقع الملموس …
هى قبس النور الذى أشرق ظلمات الليل ، لتجعل من ليلتها تاريخ لا يُنسى …

اقترب والدها يحتويها بين ذراعيه ، مهنئًا إياها فى حبور ، ليتشبع منها قبل سطوع شمس زوجته التى لا زالت بغرفتها مختبئة عن العيون
— مبــــارك يا بنتي …. ألف ألف مبارك … اللهم صل عـ النبي … قمر … والله أنا مش هاين عليا أفرط فيكي ، و أسلمك للواد ده … بقولك إيه ، ما تيجي نرجع فـ كلامنا … و نستنى شويه .. إنت لسه صغيرة ، و أنا لسه مشبعتش من بنتي …

أجابت أهداب بشقاوتها المعتادة :
— و هو حضرتك فاضيلي يا بابي… دي مامي واكله عقلك خالص … ده أنا حتى متأكده إنك بتفكر فيها دلوقتي ، ومش معايا أصلا …

اتسعت ابتسامة مدحت قائلا بحب :
— هي فعلا وحشتني أوي .. بقالها ساعه مطلعه عيني ..ولا راضيه تطلع من أوضتها ، ولا راضيه إني أدخلها … مع إنى قولت لها إني هكون مؤدب ، ومش هعمل حاجات … كتير يعني …

انتبهت أهداب على شرارات الغيرة التى سيطرت على ملامح حميدة _ زوجة أبيها _ لتُنبه والدها هامسه :
— طيب خلي بالك يا بابي … إنت بقيت دلوقتي جوز الاثنين … الطرف الثالث بيغلي من الغيره …

نظر مدحت إلى حميده ملقيا لها بقبلة فى الهواء ، احتوتها حميدة بين كفيها ، ليحدث ابنته :
_ أبوكي زي الجوكر يعرف إمتي يلعب ، و إمتى ينسحب .. متشغليش بالك … بقولك يا بنتي … إنت خلاص بقيتي فـ ذمة رجل … أروح أنا بقى للي على ذمتي ، و مدوخاني دي …

و قبل أن يمسك مقبض الباب ، أشرقت فريدة ، بسحر لم يطأ إمرأة من قبل ، بحضورها الطاغي الذى لا يقدر على مقاومته بشر ….
فسبحان من أبدع هذا الجمال ، و جعل القلوب تسبح فى بحار عينيها ، و تغرق فى محيطهما ….
و دون أن يعطي مدحت الاهتمام لمن حوله ، حملها بين ذراعيه فى عشق ، يدور بها فى حلقات ، ليست مُفرغة ، بل شاغرة بمشاعر متقدة ..

أقبل صداح على عروسه ، التى رافقها والدها ليزفها إليه فى فخر ، و كبرياء
لتنطلق تصفيقات الجميع ، وسط مشاعر الامتنان من الحاج زكريا و زوجته الحاجه أنهار
تشابكت أنامل العاشقين ، و العيون اختصرت المسافات ، لتتحرر من محجريهما، و تعانق روحهما فى سخاء
ثم دلفا إلى مجلسهما ببهو الفيلا المخصص برقي لهما ، لتتهادى نغمات ناعمة ، تبشر بدعوة الرقصة الأولى ….

تلقى صداح التى تألق بجاذبيه غير مسبوقة ، أنامل حبيبته ، ليضمها إلى صدره ، ويلتحما فى مشهد راقص أقسم كل من تابعه ، أنهما جسدًا واحدًا ، و ليسا جسدين.

فى تلك الأثناء …

هبط لؤي الدرج ، بعد أن أتم التأكد من وجود مسدسه الذى ملأه بالذخيرة ، مقررا الخلاص من كليهما ، إن لم تسمح له الظروف باختطافها دون خسارة
و أثناء سيره ، كان رأفت فى طريقه إلى بيت فريد ، ليستعين به فى البحث عن شقيقه .. وليكن ما يكون

أجواء الحفل الرائعه … و العروسين المتألقين … و فرحة جميع الحاضرين …. و هالة الضوء التى توجت الفيلا … كانت كلها فى مخيلة لؤي ولكن الفارق الوحيد ، هو العريس.
لم يكن ليرى صداح فى مخيلته ، ولكنه يجد نفسه الراسخ بجداره جوار عروسه الفاتنه أهداب
وصل لؤي إلى الفيلا ، مقدمًا إلى أفراد الأمن دعوة الحفل ، ليدلف إلى الداخل …
ووسط موجات السعادة التى تملكت كل الحاضرين ، تعمقت صفعات الخيبة داخل لؤي … ليقترب … و يقترب…. و يقترب
و حين صعُب عليه امكانيه اختطافها ، أخرج السلاح من جيب بنطاله ، ليهتف :
— صـــداح ….

التفت الجميع إليه فى خوف ، فى حين حاول رجال عائلة الحمزاوي الهجوم على لؤي ، لتكن لهم الغلبه ، ولكن صداح نهاهم عن ذلك ، فـفي النهاية … يظل لؤي صديقه الحميمي القديم
ثم هتف :
— محدش يضرب نار … ده لؤي صاحبي … تلاقيه عامل مقلب مضحك زي عوايده .

صرخ لؤي :
— طول عمرك نبيه … هو معلش مقلب بس مش مضحك … يعني هيكون فيه دم كتير .. أنا مش فارق معايا حاجه …. سنين طويله وأنا حاسس بالوحده ، ولما شوفت اللي تملأ حياتي … تخطفها مني …
و اللي يوجع إنها اختارتك إنت …
…… ثم نظر إليها بعيون ذابلة مليئة بدموع الوجع والعتاب :
— اخترتيه ليه … ؟! … أحسن مني فـ إيه …؟! … هو أنا وِحش للدرجة دي … مش مالي عينك ، عشان تفضليه عليا … طب إيه رأيك … يا نعيش أنا وإنت سوا … يا نموت سوا برضه … و العريس بتاعك معانا … و تبقى ليلة شهداء الغرام …

سحب لؤي زناد مسدسه ، ليقترب منه صداح فى حزن :
— متزعلش مني يا صاحبي … غصب عني حبيتها … أنا قابلتها قبل منك … و قولت لك خلى بالك منها …. كنت إطلب عمري ، فداك …. لكن أهداب …لأ … مش هقدر أضحي بيها … لو عايز تقتلني..

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية اهداب والماضي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق