رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل السادس والعشرون:
التفتت إليه ببطء مرددة بشجاعة زائفة تحلت بها بصعوبة:
-أنت بتقول فيها يا أشف، هو فعلًا لسة بدري..
انتهت معقبة جملتها بالتفاتها نحو “فجر” المبتسمة من أسفل نقابها:
-مش أنا قولتلك يا فجر أنه لسة بدري..فكريني المرة الجاية نبقى نقعد اكتر بدل القعدة النص كم دي..
لم يصلها جواب منها بل جاءها منه هو، مصوبًا حديثه لـ فجر:
-بعد أذنك يا آنسة فجر استسمحك بس اكلم معاها دقيقتين بـ
بتر جملته بفضل تدخلها وعفويتها المعتادة:
-لا كتير دقيقتين..وبعدين لازمتها ايه بعد أذنك دي..ده انت بتطردها بالذوق..
لامست فجر ذراعيها كي تتوقف مردفة بهدوء حتى تفض ذلك الجدال وينتهي الأمر عند هذا الحد ولا يتفاقم أكثر:
-خلاص يا وعد..انا داخلة وابقي حصليني، بعد إذنكم…
رحلت وتركتهم بمفردهم…ازدردت الأخرى ريقها..متحاشية النظر داخل عيناه..
مستمعة لصوته الذي خرج متشنجًا:
-أنتِ ازاي يا بت أنتِ تخرجي من غير ما تعرفيني انك خارجة؟؟؟
قطبت حاجبيها انزعاجًا مردفة باستنكار وصوت عالي ملوحة بيدها بالهواء:
-ايه بت دي !! لا بقولك ايه اقف عوج واكلم عدل..متفكرنيش هسكت لا ده لساني د
بترت جملتها عندما قبض على مرفقيها هامسًا من بين أسنانه:
-صوتك ميعلاش وأنتِ بتكلميني..وانا اتكلم زي ما أنا عايز مدام متعرفيش الأصول.. ومدام متعرفيهاش يبقى اعرفهالك…حضرتك هتبقي مراتي فـ اتعودي على أسلوبي من دلوقتي عشان مزعلكيش..وصاحبتك اللي كنتي عندها دي..
قاطعته هي تلك المرة مدافعة عن نفسها:
-ما انا قولتلك اني عند صاحبتي قبل ما اقفل وانت اللي قعدت تزن ولا كأني قولتلك انا فين!!!
-وهو أنتِ قولتي؟؟؟ انتِ قولتي عند صاحبتي، فين بقى بيت صاحبتك دي ولا أعرف..وده انا محبوش..انا احب اعرف الخطوة قبل ما تخطيها…انا هعدهالك المرة دي بس..بس لو اتكررت تاني اعرفي أن وقعتك هتبقى مهببة معايا…
لانت ملامحها وابتسمت بسمة ماكرة مقررة اغضابه وتغيير مجرى الحديث بينهم:
-هو في هباب اكتر من كدة..الا قولي يا اشف..بتغير عليا ولا إيه؟
انتظرت رفضه ومراوغته على يقين بأنه سينفي غيرته عليها..لكنه وعلى عكس المتوقع وبعفوية شديدة، قال معترفًا:
-اكيد…مش هتبقي عرضي ومراتي..لازم اغير عليكي لو مغيرتش ابقى لمؤاخذة مستاهلكيش..شوفي يا وعد هما كلمتين عندي يا بنت الناس اسمعيهم واعملي بيهم..والله تشوفيني بقى رجعي..متخلف.. أي كان بس ده اللي عندي..انا بغير على أهل بيتي وبخاف عليهم…عشان كدة لما اقولك حاجة اعرفي انها لمصلحتك…انا مش هضرك..وكمان متحاوليش تستفزيني عشان وقتها هتشوفي وش محبش انك تشوفيه..
شردت به أثناء حديثه..فقد وقعت في عشقه دون أن تدري..بات فؤادها يخفق من أجله فقط…وعقب انتهائه من حديثه وبدون أن تشعر وجدت حالها تتحدث تحت تأثير سحره عليها وهيامها به يظهر عليها:
-والله أنت اي حاجة منك قمر…يا أشف.
تبخر غضبه هو الآخر نتيجة لتلك الطريقة الهائمة والتي توحي بأعجابها به..
ابتسم من جانب فمه..معقبًا بفكاهة:
-برضو أشف..وبعدين مالك فيكي إيه قلبتي وعد ليه؟؟ فين رعد !!! اطلعي بيه..
فاقت على نفسها لاعنة حماقتها التي جعلت تفضح وتفصح عن مشاعرها نحوه…
تنحنحت بخفوت متعمدة التحدث بصوت اشبه للذكور:
-موجود..متخليهوش يطلع عليك بقى…
كادت ترحل لولا إيقافه لها من جديد سابقًا إياها بعدة خطوات واقفًا أمامها يعيق حركتها مردد:
-استني هنا..عرفتي بعد كدة هتعملي إيه؟؟
-ما خلاص بقى هو اللي هنعيده نزيده..مكنش مشوار ده…..
ضرب كفًا بالآخر وتحرك دون أن ينبس بحرف..
أتاه صوتها المتسائل:
-رايح فين؟؟؟
-في داهية..
-طب ولما انت تروح في داهية انا هقول لمين يا أشف…واد يا أشف..انت ياض…
_______________
سحب لها المقعد الفارغ سابقًا إياها في فعلها..تراقص قلبها..وكذلك لمعت عيناها ببريق قد يكون جديدًا…
فهو لا يعشقها ويكن لها الحب فقط بل أيضًا لبقًا…رومانسيًا..حنونًا بتعامله معها…يشعرها بأنها ملكة..
وبالفعل هي كذلك بالنسبة له…
فقد اكتشف عن ذاته معها ما لم يدركه…..
جلست ولاحقها هو بالجلوس على مقعده المقابل لها…
بللت شفتيها ورفعت يديها تزيح إحدى الخصلات المتمردة تعيدها خلف أذنيها..مستمعة بذات الوقت إلى سؤاله عما ترغب:
-تحبي تأكلي إيه؟؟؟
باغتته إجابتها، مرددة بهدوء ونعومة غير مفتعلة:
-زيك..اللي أنت هتطلبه هاخد زيه..
كاد قلبه يخرج من محله كي يرفرف ويعلن أمام الجميع مدى سعادته بذلك التغير الواضح…
متمنيًا بتلك اللحظة تحديدًا أن يضمها لاحضانه…ولكن مهلًا فـ عاجلًا أم آجلًا ستكون له..زوجته..ملكه…لن يشاركه بها أحد…وسيضمها كيفما يشاء و وقت ما يشاء دون حسبان..
تنهد بحرارة يسيطر على ما تملكه من مشاعر مفرطة، محولًا أنظاره لتلك القائمة التي تحوي على الأطعمة المتواجدة لديهم…
مط شفتاه بتفكير راغبًا في انتقاء الطعام بتريث..أما هي فقد شردت وسافرت بذهنها إلى ذلك اليوم الذي ذهبا به إلى إحدى المطاعم بعدما دعته كي تثير حنق “فاتن”
اعتصرت جفونها شاعرة بالأشمئزاز من تفكيرها السابق.. وكيف كانت تتلاعب بمشاعر الجميع…وتتلذذ بأذيتهم….
دوى رنين هاتفه منتشلًا إياه من اختياره…
أخرجه ونظر بالشاشة فوجدها “فاتن”…
وعلى الفور عاد ينظر نحوها فوجدها قد وضعت تركيزها معه بعدما انتشلها صوت هاتفه من أفكارها…
ابتسم لها وأجاب مجبرًا على المكالمة كي لا يثير شكوكها محاولًا ألا يظهر هوية المتصل:
-ألو..
وصل إليه صوت فاتن مرددة:
-فينك يا عم..يعني لو مسألتش متسألش…
رسم بسمة مصطنعة على وجه..معقب باعتذار:
-مشاغل الدنيا بقى معلش اعذريني….حتى دلوقتي مش فاضي لما افضى هبقى اكلمك سلام…
اغلق معها..متنهدًا بارتياح..عائدًا لما كان يفعله جاهلًا وغافلًا عما فعله بقلب الجالسة أمامه والتي علمت من حديثه بأنه يتحدث مع امرأة…
فبدات التساؤلات تقتحم عقلها تتساءل لما لم يحدثها أمامها..ولما في وقت لاحق وليس الآن وبحضورها…..
_______________
وطأت بقدميها غرفة أخيها الممدد على الفراش يقلب في هاتفه…
اندفعت نحوه جالسة بجواره متحدثة بتحفز ولهفة:
-ها إيه رأيك حلوة مش كدة؟؟
غامت عيناه شاردًا عائدًا لتلك اللحظة الذي رآها بها وتأمل ملامحها قبل أن تخفض نقابها وتحجب تمعنه بها..
تقوس فمه بابتسامة توحي عن إعجابه بها:
-حلوة..عجبتني.
سعدت “إيمان” وصفقت بيديها مرددة:
-كنت عارفة أنها هتعجبك..انا مش قولتلك.. بعد كدة خلي عندك ثقة في كلامي…قولي هتتقدملها امتى…
ساد صمت حدقها خلاله بنظرات لم يصل لها مغزاها..قائلًا بعد ثوانِ:
-أنتِ مجنونة يا بت !
عقبت باستهجان:
-مجنونة ليه، انت مش كنت عايز تتجوز وتستقر..واديك شوفتها زي ما وعدتك..اسمع مني فجر مفيش منها ومش عشان صاحبتي والله بس بجد حاجة كدة اموااه..وانا مش عايزاها تضيع من إيدك…
تنهد يخبرها بما لديه:
-أنا معرفهاش ومش عشان عجبتني يبقى اتقدملها..انا محتاج اشوفها كام مرة تاني.. ونكلم…
وضعت يدها أعلى خصرها صائحة بهدر:
-نـــــــــعـــم !!! اومال لما قولتلك عليها و رشحتهالك وطلبت انك تشوفها عشان تقرر وانا وافقت ده كان ليه..بتضحك عليا؟؟؟
-ايه ده أنتِ هتردحيلي ولا إيه؟؟ يلا يا بت من هنا…
رد بمرح جعل دمائها تفور ملتقطة الوسادة مسددة ضربات متتالية له، مغمغمة:
-تصدق انك بارد وفجر خسارة فيك..وحتة تشوفها دي مش هينفع وانساها…يا تتقدم يا تنساها ولا كأنك شوفتها….
_______________
طلت من جديد، متسببة في خطف أنفاسه…وجعله ينسى حضور الجميع ويضع كاف تركيزه معاها هي فقط…
جاورت والدتها في جلستها متحاشية النظر إليه…متجاهلة إياه بطريقة اثارت انتباه والدتها والتي تساءلت بخفوت ساخرة من وضعهم:
-في إيه يا داليدا؟ اللي يشوفك يقول اتنين مطلقين وبينهم عيال ومبهدلين بعض في المحاكم !! اضحكي يا بنتي في وش الواد عيب كدة؟؟
تقوس فمها ببسمة زائفة، مجيبة من زاوية فمها بانفعال طفيف:
-ما انا بضحك اهو.. اقوم ارقص احسن.. وبعدين أنا سلمت عليه مرة يا ماما..هي شغلانة..
استنكرت والدتها حالتها وانتبهت لـ نضال الذي أردف بمرح وبسمة واسعة مصوبًا حديثه لابنتها:
-عندي إحساس بيقولي انك مش طيقاني مش عارف ليه…
ضاقت عيناها من اتساع بسمتها الزائفة تنفي حديثه بحضور الجميع:
-ده كلام برضو؟؟ وانا مش هطيقك ليه أصلا…
حك رأسه وعقب كاذبًا:
-مش عارف…قوليلي يا حماتي بذمتك في واحدة تقابل خطيبها وهي مصدراله الوش الخشب ده…يعني لو واحد غيري كان زمانه طفش… بأمانه يعني..
-توكل على الله واعملها ومش هقولك لا، صدقني..وبعدين لسه متخطبناش..
هنا وأدركت روفان وجود أحاديث وخلافات بينهم..
تنحنحت بجلستها ولكزت ابنتها بعد أن تبادلت النظرات الخاطفة مع علياء والتي خمنت ذات الشيء…
رد عليها يؤكد قرب تلك الخطوبة و وضعه لخاتمه حول بنصرها في القريب العاجل:
-لسة متخطبناش بس في حكم المخطوبين…وبعدين هانت انتوا تخلصوا دراسة و امتحانات الترم ده من هنا ونعمل الخطوبة علطول…
-ان شاء الله يا حبيبي..
ردت عليه روفان بمحبة، أما أبرار فكانت تكتم ضحكاتها على أفعالهم الطفولية المراهقة واللذان لم يسيطران عليها بحضور روفان وعلياء…
دنت من الصغير الجالس جوارها هامسة له:
-قولي جعان ولا حاجة؟؟
نفى الصغير مصدرًا هزات متتالية من رأسه..ابتسمت له وشردت في ملامحه التي تشبه والده إلى حد كبير…فيكاد يكون نسخة مصغرة عن أبيه الوسيم.
خطر بعقلها سؤالًا عن والدته!! وأين هي؟ لم تكبح تلك الرغبة المُلحة التي اعترتها وتمكنت منها مستفسرة من ابنه بصوت منخفض وبطريقة غير مباشرة ولا تجرح الصغير واضعة احتمال أن تكون والدته قد فارقت الحياة:
-قولي يا حبيبي أنت وبابا عايشين لوحدكم؟؟
اماء لها يؤكد حديثها:
-اه….ماما بتسافر كتير ولما بترجع بروح اقعد معاها شوية في بيتها وبعدين ارجع اقعد مع بابا..بس انا بحب اقعد مع بابا اكتر منها..
ارتخت قسماتها لا تدري اتسعد لاكتشافها انفصاله عن زوجته..أم تحزن لأجل هذا الصغير المشتت بين الاثنين ويقيم تارة لديه وتارة أخرى لدى والدته..
مسدت على وجنتيه بحنو واضعة قبلة أعلى جبينه…
_________________
علقت “دلال” بصرها بتلك الساعة المعلقة على الحائط مندهشة من غياب ابنها وعدم مجيئه حتى الآن..
نفخت بصوت مسموع، وانتشلت هاتفها كي تتحدث معه وتعلم سبب تأخره..
رد عليها سريعًا فلم تسمح له بالحديث مرددة بنبرة سريعة متذمرة:
-أنت فين يا اللي تنشك كل ده بتجيب الواد؟؟؟
زيف بسمته ورد بخفوت محافظًا على تلك البسمة:
-أنا كويس يا حبيبتي والله.. أنا قاعد مع داليدا خطيبتي و..
سلطت انظارها عليه ولم تنصت لشيء آخر..فقد ظل صدى تلك الكلمة الأخيرة التي اتكأ على حروفها وتعمد نطقها بتلك الطريقة المتملكة مؤكدًا لها بأنها له ولن يسمح لها بتركه..
استغلت علياء انشغاله بالحديث مع والدته مشيرة برأسها لصديقتها روفان دون أن يلاحظ أحد راغبة بالحديث معها…
رضخت لها ونهضت بخفة تاركة إياه رفقة أبرار و وسام…
-في ايه يا علياء؟؟
حررت ضحكات حبستها بالداخل، قائلة من بينهم:
-بنتك والواد مسخرة..زي ما يكونوا مولودين فوق روس بعض..بقولك ايه هو فيه حاجة بينهم؟؟ يعني كانوا بيحبوا بعض وبنتك تعرفه من الأول..
نفت روفان تلك الفكرة وعقبت برفض:
-لا بس ممكن يكون بينهم اعجاب، يعني متنسيش اننا شوفناهم وقعدنا معاهم بالساعات، ممكن يكون حصل وقتها الاعجاب ده..
زمت شفتيها وقالت مخمنة:
-مش عارفة..ممكن ليه لا.
اغلق نضال مع والدته عقب اخبارها بمجيئه في الحال..راغبًا في استغلال تلك الفرصة الذهبية والحديث مع داليدا…
بارح مكانه واقترب منها جالسًا جوارها تاركًا بعض المسافة بينهم..غير مبالي بنظرات أبرار المتابعة لهم…مغمغم بخفوت شديد لم يصل لسواها:
-بقولك إيه..
حدجته بنظرة سريعة مجيبة بلامبالاه غير راغبة في الاستماع لما لديه:
-متقولش مش عايزة اسمع منك حاجة..
كأنها لم تعترض أو تحتج، متابعًا كلماته:
-ما تيجي نكتب كتابنا مع الواد عابد..ايه رأيك لو موافقة هكلم أبوكي..
لم تعى للمغزى وراء رغبته في عقد قرآنهم..حتى تابع وهو يحاصرها بنظرات ملتاعة..تتمنى قربها:
-واهو نبقى براحتنا ويبقى اسمك مراتي…ونبقى نخلي الفرح و الدخلة بعد امتحانات آخر السنة..
زحفت الحمرة إلى وجنتيها من كلماته والتي جعلتها تتمنى أن تبتلعها الأرض ولا تجلس أمامه…
بلت حنجرتها التي جفت ورفضت ما يقوله من الأساس مخبرة إياه:
-كتب كتاب ايه وفرح إيه..انا اصلا مش عايزاك..انا مش هتجوز واحد شكاك زي حضرتك…قولي اتجوزك ليه ها؟؟ عشان في اقرب فرصة تشك فيا..
-أنا مشكتش فيكي..انا غرت عليكي..وفيه فرق…وخليكي متأكدة اني لو شايفك وحشة او مش مناسبة مش هبصلك ولا هكمل من اساسه…تقدري تعتبريها فضفضة..كلام كان جوايا وطلعته عشان ارتاح…
عقب بتلقائية وكلمات خرجت عفوية وصادقة..
مسح بعيناه فوق وجهها الذي بات يحفظ ملامحه عن ظهر قلب..وانتظر تعقيب منها على احر من الجمر….
مرت لحظات كانت ثقيلة على قلبه خائفًا من جوابها…
فاقت لنفسها واشاحت عيناها بعيدًا عنه دون أن تمنحه ما انتظره..
عض على شفتاه بغيظ وقال بإصرار:
-طيب مدام مردتيش يبقى انا هعتبره موافقة وهمشي بمبدأ السكوت علامة الرضا….سلام عليكم…
هتف الاخيرة وهو يهب واقفًا مصوبًا حديثه نحو الصغير يحثه على النهوض والمغادرة…
نهضت ابرار تودعهم وقبل أن يختفوا عن أنظارهم أخبرهم الصغير بما جعلها تبتسم وتسعد ببراءته الشديدة:
-متزعلوش مني..ولو عرفت اجبلكم الشوكلت دلوقتي هجبها..باي…
انتهى قاذفًا قبلة لهم بالهواء جاعلًا تلك متهكمة الملامح والتي لم تفارق الأريكة كي تودعهم تبتسم هي الأخرى…
_______________
-اونكل..اونكل..
التفت نضال إلى الصغير عقب مفارقته وخروجه من منزل “الحلواني” واقترابه من بوابة منزلهم..
-ايه يا حبيبي؟؟
-ممكن اجيب شوكلت لـ أبرار..وداليدا…جابر بعت شوكلت لـ ثراء بس وهما زعلوا مني…
ظهرت بوادر الغضب على وجهه مكررًا خلفه اسمه أخيه:
-جابر!!!
-اه بعت معايا شوكلت لـ ثراء، ممكن نجيب ولا لا…
هنا وأدرك صدق حديث داليدا وعلم بأنه أخيه من الممكن أن يوقعهم في مشاكل عدة…
في ذات الوقت وصل خالد بسيارته و رأهم بالخارج..
صف سيارته بجانب البوابة وهبط على الفور ليستقبله ابنه بترحاب حار يكرر ذات الكلمات على مسامع أبيه:
-بابي..بابي ممكن نجيب شوكلت لـ ابرار وداليدا…بليززز..
ابتسم والده له و وافق بسهولة…متبادلًا التحية مع نضال قبل أن يتحرك كي يجلب الشوكولاته مثلما يريد ابنه…
بعد وقت جلب الصغير العديد من الشوكولاته وهبط من السيارة بمفرده…وانتظره والده بالسيارة..
ثوانِ وكان يعود بأنفاس لاهثة فزعت والده مردفًا بترجي:
-بابي ممكن تيجي معايا…عندهم كلب كبير جوه…
لم يرفض له طلبه وانصاع لحديثه ودخل رفقته بعد أن أخبر الحارث عن هويته وأخبره وسام بأنه والده..
قرع الجرس وانتظر فتح أحدهم لهم…
لحظات وكانت داليدا تفتح لهم..وما أن التقطته عيناها ثانية حتى تبسمت له..ليردف سريعًا يطلب منها بلهفة وسعادة:
-داليدا نادي أبرار يلا بسرعة…
غابت عنهم قليلًا حتى جاءت بها…
خفق قلب الأخرى ما أن سقط بصرها عليه…
وشعرت بأنها على وشك فقدان الوعي من شدة وسامته…وما يفعله حضوره الطاغي….
ابتسم لها بمجاملة وشغلت ذاتها بابنه الذي مد يده الصغيرة والتي كانت تحوي على العديد من (الشوكولاتات)…التي لا تناسب حجم يده.
تناست حضوره وضحكت عاليًا قائلة بمرح:
-ايه ده اشتريت المحل كله ولا ايه؟؟
سقط بعضهم على الأرضية فانحنى كلا من ابرار وخالد بذات الوقت كي يلتقطون ما سقط رغمًا عن وسام…
لم تصدق ما حدث وشعرت بأنه ذلك المشهد المكرر بالعديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والذي يتواجد خلاله الأبطال داخل الحرم الجامعي و يصطدمان ببعضهم البعض مما ينتج عنه سقوط كُتبهم الدراسية…ثم ينحني الاثنان بذات الوقت كي يلملمون اشيائهم وبتلك اللحظة تتقابل عيناهم..
وهذا ما حدث تلاقت عيناهم…وبدأت وتيرة تنفسها بالارتفاع من ذلك القرب المهلك..المخيف..
عقدت داليدا حاجبيها ولا يغيب عنها ما حدث مع صديقتها والأقرب إليها في هذا المنزل….
اعتدلت واقفة، تاركة إياه يلتقطهم بمفرده…وهذا ما حدث مد يده بعدما وقف هو الآخر..
بللت شفتيها ومدت يدها هي الآخر تأخدهم من يده…ومن شدة ارتباكها وتوترها الملحوظ لامست يده بغير عمد….
تكاظم توترها أكثر واخفت ذلك بشكر الصغير الذي طبع قبله على وجنتيها هي و داليدا…ثم استأذن والده منهم وغادر متسائلًا عن سبب ذلك التوتر الذي اعتراها بوجوده وتلك الرجفة الذي شعر بها عند ملامستهم….!!!!!!
________________
اقتحم”نضال” غرفة جابر دون استئذان فوجده يتوسط الفراش ويحدق بسقف الغرفة…وكأنه شاردًا في عالم خاص به….
انتشله من تلك الحالة باهتياج واضح عقب إغلاقه الباب و وقوفه بجانب الفراش:
-بقولك ايه يالا أنت لو ملمتش نفسك وبعدت عن ثراء وديني لهكون ناسي صلة الدم اللي بينا واكون شارب من دمك..طلعها من دماغك يا جابر..كفاية قرف بقى…
احتقن وجهه واحتدت عيناه التي ضاقت ما أن استمع لحروف اسمها تخرج من فوه أخيه…ورغم غضبه الذي ظهر على وجهه إلا أنه أخفاه بعد ثوان فقط..فلا يحب أن يراه أحد بتلك الصورة الغاضبة محبًا تلك الشخصية الذي يدركها الجميع عنه..
متمتم باستهزاء واستفزاز ناهضًا عن الفراش يقف في مواجهته:
-وأنت مالك؟؟؟ افرض البت عجباني يا أخي…وبعدين هو في ايه اوعى تكون عينك منها… داليدا مش مليه عينك ولا ايه؟؟؟
تمسك بتلابيبه مخرجًا ما به من غضب..يهزه بعنف:
-اسمها لو نطقته تاني مش هحلك…وهتبعد عن ثراء بمزاجك غصب عنك هتبعد يا روح امك…
دفعه جابر بعنفوان احتله بتلك اللحظة معلق بذات السخرية:
-مدخلش امك بس وحياة أمك… وبعدين انت مالك انا حر!!!
سحب نضال نفسًا عميقًا وهو يوليه ظهره…
وبحركة مباغتة كان يلتفت سريعًا مكورًا قبضة يده مصوبًا في منتصف وجهه مسببًا في إصدار أنين متألم من فعلته….مرددًا بقوة وإنذار بالشر:
-انا عرفتك وانت حر… ثراء دلوقتي في مقام اختي…واختي مش هسمحلك تأذيها…
_________________
في المساء، خرج جابر رفقة تلك الرفيقة الذي رغب في إلغاء موعدهم لكنها أصرت عليه، مما جعله يتوعد لها…
حيث لم يعجبه اقتراحها في انتقاء إحدى المطاعم الباهظة والذي صُدم من اسعارهم مكتفي باظهار امتعاضه عبر كلماته البسيطة الذي القاها على مسامعها عقب مغادرته منه..
“يا شيخة حرام عليكي بلاش افترا..ده تمن الاكله فيه بمرتب شهر كامل، انا غلطان اني سألتك، انا هوديكي مكان هتحلفي وتتحالفي بأكله”
برقت عيناها وهي تقف أمام إحدى عربات الشارع المخصصة بإعداد (الكبدة) وبعض الوجبات السريعة…مشيرة نحوها دون أن تتقدم أي خطوة…مستنكره اختياره:
-بتهزر مش كدة؟؟؟ انت هتأكلني على عربية في الشارع..
ارتفع جانب أنفه فلا يعجبه تحقيرها من شأن العربة:
-عارفة أنتِ العربية اللي مستقله بيها دي..اكلها بيبقى دمار..ولا اجدعها مطعم.. يلا تعالي…
احكم قبضته حول معصمها كي تتحرك معه…فـ نفضت يديه بقوة معقبة:
-لا انت اكيد بتهزر مش كدة يا جابر…
قلب عيناه بملل فلا ينقصه سواها…فـ يكفيه عقله المنشغل بالاخرى التي رفضت حديثه واعترافه بالإعجاب..بل بالعشق الكاذب نحوها…
حاول أن يهدأ روعه، قائلًا بهدوء:
– يا حبيبتي ههزر ليه؟؟ وبعدين هو أنتِ جربتي لسه؟؟
كزت على اسنانها وهتفت:
-مش عايزة اجرب..اقولك على حاجة جرب أنت… قال عزمني على أكل من عربية كبدة..لا ويقولي ليكي عندي خروجة مقولكيش..كتك نيلة انت وخروجتك….
ارتفع صوته وهو يراقب رحيلها مغمغم بسخط:
-تصدقي أنك بتاعة مظاهر….
وما أن اختفى أثرها حتى ابتسم بأتساع فها هي قد نالت عقابها لإلحاحها عليه…
وخرب لها ليلتها محطمًا ما رسمته في عقلها…ناهيًا علاقته بها…فمن المؤكد أنها لن تعاود محادثته أو معرفته..
اختفت بسمته تدريجيًا عندما هاجمه صوتها وصورتها ولا يدري سبب ما يحدث معه…..
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم. ❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.