رواية كارثة الحي الشعبي الفصل السادس والستون 66 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والستون

الفصل السادس والستون

الفصل السادس والستون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والستون:

-بت ! انت بتقولي بت يا خالد ؟

انزوى ما بين حاجبيه ورد عليها بشبه بسمة ونبرة جادة يتخللها بعض المرح:

-وهي بت شتيمة يا قلب خالد..وبعدين أنتِ سبتي الجملة كلها ومسكتي في بت؟ ملفتش انتباهك أن قلبي فيكي غاطس ولو فضل غاطس كدة ممكن يغرق !

حبست ضحكتها وقالت بجدية زائفة:

-بعد الشر عليك… واه مختش بالي غير من بت اللي انت قولتها دي؟ انا بت يا خالد؟

هنا ورغمًا عنه انفلتت ضحكة عالية متمتم:

-يا حبيبتي أنتِ بت فعلا…ومش اي بت..ده أنتِ ست البنات..واحلاهم…وتاج رأسي كمان..كفاية كدة ولا اقول كمان؟

تعمد قول الاخيرة كي يجعلها تدرك بأنه على دراية تامة بما يحدث معها الآن وكيف اصتبغ لون وجهها و زحفت إليه حمرة الخجل..وكيف تتسارع نبضات قلبها بطريقة جنونية..

تلفظت بهدوء على أمل أن يكف ويتوقف عما يفعل بها وبمشاعرها متذكرة أمر محادثتها معه قبل نزوله على تطبيق الواتس اب واخبارها بأنه يستعد للذهاب لمنزل سلطان:

-لا كفاية….وقولي وصلت ولا لسة؟

رد عليها يؤكد:

-لا مش كفاية…واه وصلت…وعايز اشوفك هينفع؟

وقبل أن تجيب كان يرد على ذاته يؤكد إمكانية رؤيته لها:

-ولما هو اه ينفع مبتقوليش من بدري ليه..انا

قاطعته مجبرة إياه على ابتلاع باقي الكلمات بجوفه:

-هو ايه اللي ينفع..انت بتسأل وترد على نفسك..وبعدين مش هينفع..انا اصلا في اوضتي وعلى سريري وطفيت النور وبنام خلاص..وكنت متصلة اشوفك وصلت ولا لا واقولك تصبح على خير.

-تصبح على خير مين ! أنتِ ناوية تنامي وتسبيني..ده أنتِ بتحلمي..استنيني يا بت..عشان وربنا لو نمتي لهتلاقيني بضرب الجرس عندكم..

-يا سلام وانا هقعد كل ده اعمل إيه..انا عايزة انام مش قادرة اقعد…

وبتفكير دام للحظات نما إليها صوته يقترح عليها:

-خلاص لقيتها.. احنا هنقسم البلد نصين…بمعنى انك هتنامي وانا هقعد براحتي هنا مع الشباب..بس لما هروح هتصل عليكي وهصحيكي تقعدي معايا..قولتي إيه؟

وببسمة لم تزيدها إلا جمالًا ونعومة كانت تقول:

-قولت ماشي.. تصبح على خير مؤقتًا ولحد ما تروح…

*************

يستلقي «مروان» على الفراش يولي زوجته ظهره…والتي لا تتوقف عن الثرثرة وطرح العديد والعديد من التساؤلات..والاستفسارات…ولما لا يخبرها بشيء…ولما يخفي عنها دائمًا….والكثير والكثير الذي جعله يهب من نومته ويصيح بها:

-ما تتمسي يا علياء بقى وقولي اتمسيت..صدعتي أمي..وعايز انام والبعيدة معندهاش دم..ولوك لوك..لوك لوك..وياريتك بتكلمي في حاجة عليها القيمة…

صرت على أسنانها بغل والتقطت الوسادة من أعلى الفراش وبدأت دفعه بوجهه بواسطتها متحدثة بحنق وسخط من أفعاله:

-معليهاش القيمة ده بالنسبالك…انا بتكلم في اللي ليا فيه وليا حق اعرفه..انت بتخبي عني ليه ها…ما تقولي اللي بيحصل…..

تنهد وابتسم لها على مضض وتساءل بهدوء:

-طيب أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟

وبحاجب مرفوع وفضول شديد ردت عليه:

-عايزة اعرف خت ثراء برة وقولتلها إيه..ايه اللي انتوا مخبينه عليا؟

اتسعت بسمته ودنا منها تاركًا قبلة هادئة على وجنتيها مغمغم:

-وانتِ من اهله يا روحي…

قالها مبتعدًا عنها مستلقي من جديد على ظهره موصدًا جفونه…..

تفاقم غضبها وتلوى داخلها من إصراره وتمسكه بالإخفاء عنها…مما جعلها تعلق الوسادة بالهواء وتهبط بها عليه بطريقة سريعة..ومتفرقة على أنحاء جسده….

لم تكتفي بهذا القدر..ولم يشفي غليلها بل قامت بدفعه عن الفراش مسببه في سقوطه وارتطامه بالأرض…

-طب مدام مش هتحكي وبرضو هتخبي عليا..يبقى تقوم متنامش جمبي ولا في اوضتي..امشي اطلع برة…يلا..مش هتنام هنا…

نهض عن الأرض وهو يمسك بظهره معلقًا بغضب واضح:

-يختي بتطرديني من الجنة..طالع ومش عشانك..ده عشان اريح دماغي..يخربيت الزن….بني ادمة براس كلب وربنا…

وبذات الغل التقطت وسادة اخرى وقذفته بها صارخة عليه:

-اطلع برة اوضتي بقى….

سقطت الوسادة على الأرض بجواره فانحنى والتقطها مسددًا إياها بوجهها بحركة مباغتة يخبرها بغيظ:

-اهمدي…ومتقوليش اوضتك..دي اوضتي..وسيبهالك بمزاجي..ولمزاجي..اصل معنديش استعداد بصراحة يتعكر اكتر من كدة….كتك القرف ولية بومة…

ومن جديد قذفت الوسادة باتجاهه فكان حينها على مشارف المغادرة وترك الحجرة لها..لكن فعلتها زادته حنقًا فقام بالتقاطها و صوبها نحوها قائلًا:

-لمي نفسك بقى…مش عشان ساكتلك تسوقي فيها..واقولك مش طالع يا علياء..دي اوضتي اطلعي أنتِ نامي مطرح ما تحبي..

هنا وتركت مكانها ونهضت ترفض هذا الحديث دافعة إياه خارج الغرفة:

-اه ده هناك في المشمش عارفه؟..

-لا معرفوش ومتزقيش ومبتتقالش في المشمش بقت قديمة..بتتقال ده هناك عند الوالدة..اتعلموا بقى….

صفعت الباب في وجهه و رغمًا عنها ضحكت على طريقته وحديثه الذي جعلها ترغب بمسامحته والتراجع عن قرار طرده..

**************

تجلس «زينة» على الأريكة بجوار «أنعام» والدة هذا العاشق والمتيم بها..هذا الذي ظل ينتظرها سنوات على أمل أن تصبح له…فقد كان أسعد رجل على وجه الأرض بتلك اللحظة تحديدًا…فها هي بعد كل هذا الوقت..والعذاب..وسهر الليالي وحيدًا…حزينًا.. يتألم من بُعادها..ولا يفكر الا بها.. ويطلبها بصلواته من الله…يحظى عليها ويظفر بها أخيرًا…ويقبع بمنتصف منزلها وأمام والديها كي تصبح زوجته ومعه للأبد ولاخر نفس…

لن يتخلى عنها…وسيجعلها سعيدة طوال العُمر…لن يحزنها..ولن يجعلها تذرف الدمع أبدًا.

رفعت والدته يدها تربت على ظهر زينة والتي تعلم جيدًا ان ابنها ظل يحبها بالخفاء وامتنع عن الزواج والنساء جميعًا…وكان يتعذب وينزف فؤاده عند رؤيته لها مع خطيبها السابق والذي من حُسن حظه تركها له كي تصبح من نصيبه…

-ما شاء الله..ما شاء الله..ايه الحلاوة والطعامة دي..انا ابني محظوظ وربنا بيحبه والله عشان ياخد زينة اللي ربنا يعلم انا بحبها إزاي….

ابتسمت لها «زينة» دون أن تحرك رأسها…على عكس ذلك العاشق والذي لم يتمكن من عدم اقتطاف نظرة سريعة نحوها….علها تبرد قلبه و كيانه.. ومشاعره الجامحة..

ردت عفاف عليها وهي تفعل المثل وتربت على كتف «حسن»:

-ده احنا اللي محظوظين عشان نناسب ناس زيكم والله…..

ابتسمت انعام وقالت:

-طيب مش نقرأ الفاتحة عشان نتكلم في التفاصيل وعايزين ايه مننا وحابين الفرح يبقى امتى ولا إيه؟

تحدث أسامة يقترح عليهم:

-خلي الفاتحة بعد ما نتفق..

أكد له حسن هذا بنبرة جادة:

-ما احنا هنتفق يا عمي بأمر الله واللي عايزاه زينة هيحصل متقلقوش مش هنختلف..اللي هي عايزاه عنيا ليها…

وبالفعل بدأ الحديث بينهم…وكان أول شيء يتحدثون به هو المنزل الذي سيجلبه ويمكث به معها..وقبل أن يقول أي شيء..تحدثت والدته بهدوء شديد تغلله لمحه من الترجي وهي تحدق بـ زينة:

-طبعا حسن يقدر يشترلها البيت اللي هي حباها وتشاور عليه..بس كنت عايزة اخد رأيكم..يعني ممكن بدل ما يسكنوا بعيد عننا…يقعدوا معايا في البيت..يونسوني..و

لم تدعها زينة تسترسل وقالت رافضة هذا بشدة:

-أنا آسفة لحضرتك..بس انا مش موافقة..أنا احب اقعد في بيت لوحدي وابقى على حريتي…..

برق الحزن بعين المرأة وابتسمت لها رغم شعورها بالاسى والوحدة التي على مشارف دق بابها…وقالت بحنو:

-خلاص يا حبيبتي اللي أنتِ حباه..انا كنت بعرض عليكي بس .بس خلاص اللي انتِ عايزاه هيتم..

شعر حسن بالاسى على والدته فقال يقترح ببسمة بشوشة:

-طب إيه رأيكم ناخد بيت في الحارة هنا واهو منها نبقى جمبكم وانا ابقى جمب امي واشقر عليها كل شوية..ايه رأيك يا عروسة…

استحسنت تلك الفكرة..فهذه أفضل من أن تمكث مع تلك المرأة بمنزل واحد:

-عادي اي حاجة…

وما إن أبدت موافقتها حتى تابعوا حديثهم واتفقوا على أخذ المنزل وتوظيبه والزفاف سيقومون بتحديد موعده قرب انتهاء المنزل…

قرأوا الفاتحة وكانت البسمة لا تفارق محياه…

بعد لحظات من إطلاق الزغاريد أشارت عفاف برأسها لـ والدته ولـ زوجها…فهم الإثنان مغزى تلك الحركة وما تريده..

حمحم «أسامة» وقال ببسمة لم تغيب عن وجهه:

-انا هقوم أصلي العشا عشان لسة مصلتهاش و راجع….

انطلق من مكانه… ولاحقته زوجته التي نهضت هي الأخرى وجذبت معها أنعام وهي تردف بمرح:

-تعالي معايا يا أنعام يختي نكلم ونسيب العرسان يكلموا…….

تابعت زينة تحركهم وجلوسهم بعيدًا عنهم سامحين له بالانفراد بها….ليدور بينهم أول حديث وهي تتقبله وتقبل الزواج به…

تنحنح بجلسته وتبخرت كلماته أمامها.. وأمام ملامحها التي تجعله يفتتن بها أكثر وأكثر…ويتأملها بحرية وعن كثب…

خرج صوتها هادئًا قاطعة هذا الصمت المسيطر على الأجواء:

-قولي يا حسن إيه هي طموحك وأهدافك.. يعني بتخطط إيه لقدام او نفسك تعمل ايه؟

تبسم وجهه ولمعت عيناه ببريق السعادة والفرحة…متلذذًا باستماع أسمه الذي خرج من ثغرها يجيب على تساؤلها:

-طموحي وهدفي اني اسعدك ومخلكيش تندمي لحظة على موافقتك…

بخطط اني اعيش معاكي واخلف منك دستة عيال…نفسي اجيب بنات يبقوا كربون منك..عشان بدل ما يبقى عندي زينة واحدة يبقى عندي كتير..وبرضو مفيش واحدة فيهم هتاخد مكانتك في قلبي..

“يا الله ما هذا الجواب الغير متوقع !!!!!!!!!”

هكذا أخبرت نفسها و رددت في سرها..لم تتوقع تلك الإجابة..بل كانت تتوقع ردًا عاديًا ربما يكون تقليديًا..

توقعت أن يخبرها بأنه يهدف ويطمح كي يكبر في عمله…أو أي شئ قد يخص عمله..لكن رده تمحور حولها هي فقط.!

لاح على وجهها صدمتها من إجابته…والتي تعكس وتظهر ما يكنه داخله نحوها.

لم يغفل عن صدمتها والزامها الصمت.. فقط تكتفي بالتطلع به وشيء واحد يليح على وجهها ” ما الذي تتفوه به، أهذا هو ردك؟”.

جاءها التأكيد منه دون أن تردف اي شيء بصوت مسموع وقال يعترف لها :

-انتِ متعرفيش أنتِ بالنسبالي ايه يا زينة… أنا استنيتك كتير..استنيت تشوفيني..تحسي بيا..بس ده محصلش…ويوم ما اتخطبتي لـ أشرف انا ادمرت..وعيطت..وانهرت…بس مفقدتش الأمل..اه ساعات كنت بحس أنك ضيعتي مني ومفيش أمل نبقى مع بعض..بس كان بيرجعلي تاني….كنت بطلبك من ربنا وبدعيله… بدعي تبقي نصيبي…ودعوتي استجابت.

لم يفعل حديثه شيء إلا أنه زاد من صدمتها وجعل عقلها يتوقف عن التفكير.. أطلق زفيرًا ثم أضاف:

-أنا عايش وهعيش عشانك أنتِ وبس…مش هفكر ولا بفكر غير في فيكي يا زينة…أنتِ حلمي وأنتِ اللي نفسي اوصله…

أنهى والدها صلاة “العشاء” وعاد إليهم متمتم بصوت عالي مرحب به وهو يجلس مكانه مرة أخرى:

-منورين يا حسن يا بني والله…..

*************

-أنتِ بتقولي إيه يا اروى؟؟!!!

تحدث «جابر» بصدمة وخوف ليس هين على الإطلاق….مستمعًا لجاوبها وتأكيدها لما تفوهت به منذ لحظات:

-اقسم بالله ماما لسة قيلالي أنه بابا راح مع أبيه زاهر….اعمل حاجة يا جابر..مضيعهاش من إيدك..أبيه زاهر مبيحبهاش..لانه مش بيعرف يحب حد غير نفسه..ولو اتجوزها هـ

أطل الغضب الأعمى من عينيه التي باتت مظلمة مثلما أظلمت الدنيا من حوله بتلك اللحظة..مقاطعًا إياها يخبرها بقوة وصرامة جعلت الصغير الممسك بيده يرتجف بدنه:

-مفيش يتجوزها….ومفيش راجل هيعرف يأخدها مني…….اقفلي دلوقتي…ولو عرفتي حاجة كلميني..

اغلق معها…ومسح على وجهه بنفاذ صبر…حدق بالصغير ثم جلس على ركبتيه أمامه يخبره بهدوء تحلى به بتلك اللحظة مربتًا على ظهره:

-متخافش يا حبيبي.. حقك عليا خوفتك.

رد عليه «وسام» بهدوء ويده هو الآخر تربت على وجهه:

-مالك يا جابر؟

قبله تلك المرة على وجنتيه وأخبره وهو ينهض:

-مفيش بس ممكن ناجل اللعب شوية…هعمل مشوار سريع وجاي ونكمل لعب..

-بس إحنا ملحقناش نلعب..وكلت وانا مش جعان عشان انت وبابي قولتولي كدة…

-معلش..ادخل اقعد معاهم وانا هرجع تاني ويا سيدي نلعب للصبح لو عايز….

وعلى مضض وافق وسام وتحرك معه عائدًا لجلسة العائلة…فوجدهم يرتشفون من أكواب الشاي الساخنة..والتى قام خليل بإعدادها لهم عقب تناولهم الطعام والذي كان ينقصه دلال والتي رفضت الهبوط مرة اخرى و رؤية وجهه تلك المرأة..فتركوها تفعل ما ترغب وتريد..

جلس وسام بجوار أبيه وبدون أن ينطق جابر انطلق من مكانه…رأه خالد و نضال ونهضوا من خلفه..ونضال ينادي عليه…

-رايح فين ياض يا جابر؟

لم يجيب فتساءل خالد تلك المرة:

-أنت يا مجنون رايح فين؟؟

هنا وكأنه تذكر أمر داليدا و أبرار..التفت إليهم وصاح بنبرة سريعة..

-حد فيكم كلم مراته؟

أكد نضال وقال:

-اتكلمنا عادي في إيه؟

بينما تبسم وجهه خالد من كلمات جابر و بأنها زوجته، متمتم بصوت يصاحبة بسمة واسعة:

-مراتي..يا شيخ يسمع من بُقك ربنا…

-يا عم اتنيل وقولولي حد راح اتقدم لـ ثراء انهاردة؟ أو هي وافقت؟؟

تبادل نضال وخالد النظرات فصرخ عليهم من بين أسنانه:

-ما تنجز يالا انت وهو..انطقوا…

رد نضال متمتم بعدم فهم لاي شيء مما يحدث:

-أنا داليدا مقالتليش حاجة..ومعرفش حاجة عن الموضوع ده أصلا..

كذلك هتف خالد:

-ولا أنا..

اكفهر وجه جابر ولم يتحمل البقاء وتراجع عن فكرة جعل أحد منهم يهاتف فتاته والاستفسار منها..فعليه أن يدرك ما حدث بذاته…هنا وقام بإطلاق سباب متعدد بذئ خص به الاثنان..وهو يركض للخارج..

اتسعت عين خالد ونظر للواقف جواره يستفسر منه:

-هي الشتيمة دي ليا ولا ليك؟؟

حك مقدمة رأسه وهو يرد:

-تقريبًا كدة لينا إحنا الاتنين…

**************

طرقات مُلحة..مصرة على الباب يصل صوتها إلى «مروان» والذي كان يشاهد التلفاز بهذا الوقت…فبعد مشاجرته الصغيرة مع زوجته لم يستطع النوم بالغرفة الأخرى الذي لجأ إليها وهبط للأسفل وبدأ بمتابعة إحدى الأفلام..

ترك مكانه واستمر تقدمه من الباب تزامنًا مع تزايد الطرقات..انعقد حاجبيه وقال متذمرًا:

-ده مين الحيوان ابن الحيوانات اللي بيخبط كدة…

مد يده وقام بفتحه بتلك اللحظة فوجد جابر أمامه:

-هو أنت؟

أبتسم جابر له والذي لم يجد سيارة زاهر بالخارج مما جعله يطمئن قليلًا…ولكن عند سؤاله للحارس عما إذا كان قد جاء رجل ومعه أبيه عاد القلق يتمكن منه وأدرك مجئ زاهر إلى هنا بالفعل برفقة والده…ويبقى السؤال العالق بذهنه هو ما حدث معهم؟؟؟؟؟

عقب على كلمات مروان التي وصلت إليه ببسمة زائفة:

-أيوة انا الحيوان ابن الحيوانات يا اونكل..أزيك؟

قال الاخيرة بأسلوب هادئ…لبق..

فـ علق مروان بذات الفظاظة والكره نحوه:

-هيكون ازيي يعني..اكيد زي الزفت بعد ما شوفت سحنتك دي…عاوز ايه ياض؟؟؟

جابت عين جابر على المنزل من خلف مروان يبحث عنها ويتمنى رؤيتها..فوجد الهدوء والظلام يعم الإرجاء متيقنًا من نومها..

لم يجد جواب…فكيف له أن يخبره بسببه..

فهو لم يجن كي يسأله بطريقة مباشرة عما إذا كان وافق على زاهر ام لا؟؟؟

كرر كلماته والذي لم يجد أو يخطر على جاله سواها خاصة مع هذا الشرار الذي يطلق من عين مروان:

-ازيك؟؟؟؟

ارتفع حاجبيه من تكرار سؤاله وعقب :

-اه..انت شكلك عايز تتهزق…غور ياض من هنا…انا مش ناقصك..عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي…

-لماذا؟؟؟ أخبرني لماذا عفاريت الدنيا تتقافز بوجهك؟

عض مروان على شفتاه وهز رأسه بتوعد وهو يخبره:

-تتقافز؟! دي جزم البيت هي اللي هتتقافز وهتتطاير في وجه اهلك دلوقتى لو مغورتش.. غور ياض من هنا….

-هدي روعك يا رجل…ومتبقاش قفوش..وخليك فرفوش.

هنا وصدح رنين هاتف «جابر» يعلن عن اتصال…فسارع بإخراجه من جيب سرواله..رأى اسم أروى يزين الشاشة فلم يتردد بالإيجاب عليها متمتم بلهفة:

-عرفتي حاجة؟

أكدت له تخبره بسعادة:

-عرفت..بابا جه وسمعت ماما بتقوله عملتوا ايه..قالها ابنك جابلي التهزيق وقعد يزعق…واللي فهمته أن ابو ثراء هزقهم وطردهم….

تبدلت تعابير وجهه وقال بسعادة تتقافز من عيناه ونبرته متمعنًا النظر بـ مروان الواقف أمامه يتابع مكالمته بأعين ضيقة:

-قولي وربنا ده اللي حصل.

-و ربنا ده اللي حصل.

لم يتحمل الانتظار اكثر..حتى أنه لم ينهي المكالمة..وتناسى إياها تمامًا..متقدمًا من مروان محتضنًا إياه بقوة…حاملًا إياه عن الأرض…متحدث بفرحة:

-اقسم بالله انت رجولة..وتوب الرجولة معمول عمولة على مقاسك…

صرخ عليه مروان وهو يدفعه:

-نزلني يالا….نزلني يا حيوان أنت.

وبالفعل استجاب له…وقام بتحريره ومن فرط سعادته باغت مروان بتقبيله على وجهه متمتم بامتنان خفي قبل أن يغادر ويعود لمنزله:

-اقسم بالله بحبك…….

رحل..وترك الآخر يتابع أثره..بأعين متسعة..مغمغم بدهشة سرعان ما تحولت لصدمة مما ظنه مع ذاته:

-شلني وحضني..وباسني..وقالي انا بحبك !!! احيييه هو انت منهم………..

***************

بعد رحيل خالد و والدته و ابنه..هبطت دلال من غرفتها متقابلة مع زوجها و أبنائها الخمسة صارخة بوجه زوجها:

-طلقني يا سلطان….طلقني عشان أنا طلع وجودي في حياتكم زي عدمه…وهريحكم مني..طلقني و

قاطعها نضال متمتم بصدمة:

-أنتِ بتقولي إيه يا ماما..طلاق ايه اللي بتكلمي عليه..أنتِ عايزة تسبينا وتسيبي البيت….

هنا ورمقته باستنكار صارخة عليهم جميعًا:

-لا طبعا مش هسيب بيتي..انتوا اللي هتطلعوا برة انتوا وابوكم…يلا….برة كلكم..مش عايزة أشوف حد فيكم…برة..

ضرب عابد على وجهه بنفاذ صبر…..بينما علق جابر بخفوت:

-الحالة اشتغلت…

وصل اليها كلماته…فعادت تقول بذات الصراخ والإهتياج:

-والله عايزين تشوفوني مجنونة..شفوني…مبقتش فارقة المهم تمشوا وتسبوني مش طايقة اشوف وش حد فيكم….وبذات انت يا سلطان..

وبنبرة هادئة معاتبة قال مشيرًا نحو ذاته متذكرًا طلبها للطلاق من قبل عندما أدركت برغبة خليل بالزواج من فجر و وقت سفر أبنائه رفقة عائلة الحلواني:

-أنا يا ام أشرف؟؟؟ بقى بعد السنين دي كلها بتطلبي الطلاق تاني…هان عليكي العشرة والحب اللي ما بينا…هان عليكي تنطقيها تاني…انا بجد مش مصدق…انا هونت عليكي إزاي؟؟

تلجلجت من نبرته..وعتابه..طالعته بشيء من الضيق والحنق من ذاتها وليس منه هو…

دنا منها «سلطان» وحاوط ذراعيها..متحدث بحزن واضح جعلها تتالم وتندم على كلماتها الجارحة التي أطلقتها بوجهه:

-أنا مش هطلقك بس هعملك اللي أنتِ عايزاه وهمشي يا ام أشرف..ومش هتشوفي وشي تاني و

قاطعته…متحدثة بعتاب وندم :

-لا مش هتمشي..وبعدين زعلت اوي عشان بقولك طلقني تاني؟! اومال انا اعمل إيه..وانت قالب عليا وكل واحد بينام في اوضة…ومش بتعبرني…وبقيت تسمعني كلام زي الدبش والسم..والانقح من ده كله..سايبني انهاردة فوق متغاظة وانت قاعد مع ست ناهد هنا…اوعى تكون عينك منها يا سلطان..وعشان كدة متغير وقالب عليا القلبة دي…

-وده كلام برضو..أنتِ مصدقة اللي بتقوليه وبتخرفي بيه ده؟؟؟؟ معقول في واحدة هتملى عيني غيرك..أو عيني هتزوغ على غيرك..طب ده لو حصل هخزقهم..وامشي اعمى احسن من اني ابص لواحدة غيرك..

نفت على الفور متمتمة بمرح و ببسمة خطفت قلبه:

-لا سيبلي انا الطلعة دي…

اتسعت عينيه بذهول بسيط كما اتسعت بسمته وقال بحب وموافقة:

-ماشي حلال عليكي…بس قوليلي هتبطلي عمايلك اللي بضايقني دي ولا امشي واخلي عيني تزوغ بجد…

لكزته في صدره وقالت:

-أنت هتتلكك…مفيش تمشي.. وحاضر…لا بص هو مش حاضر اوي بس انا هحاول….

وقبل أن يعلق وجد جابر الذي دنا منهم وبات بالمنتصف بينهم ويحمل النسناس بعد أن أخرجه على كتفيه يتدخل مغمغم:

-جدعة ياما…وانت كمان جدع يابا…وحلو الجو ده..شايف يا اخويا انت وهو اتعلموا يا شوية بهايم..في ثانية ثبت امكم…وبصراحة حقها.. أنا كجابر اتثبت….

عادت دلال تحدق بـ سلطان قائلة بشك:

-هو انت بتثبتني يا سلطان؟؟؟؟

استنكر هذا وقال وهو يسدد ضربه مرحة على وجهه جابر:

-أنا يا ام العيال!!..أنتِ هتسمعي كلام الواد ده..

-لا مش هسمع..انا مش هسمع غير منك انت وبس.

قالتها والبسمة تعود تزين وجهها فتنهد الأبناء وصعد كل منهم إلى غرفته ولم يتبقى الا جابر والذي كان في أكثر حالاته سعادة………….

***************

تردد «أشرف» بالاتصال عليها…فـ تارة يشعر بأنه يشتاق إليها وتارة أخرى يشعر بالغضب منها

لكنه حقًا يتوق لصوتها بتلك اللحظة….

سحب نفسًا عميقًا وهو يجلس على طرف الفراش مقررًا محادثتها والتحجج بأمر عابد و وئام وأن عليهم تكملة مخططهم….

اتصل عليها وانتظر جوابها وثواني فقط وكان صوتها يتناهى إلى أذنيه متحدثة بنعومة ودلال مفرط:

-أيوة يا حبيبي.

دُهش وابعد الهاتف ينظر به يتأكد من أنه لم يتصل برقم آخر….

وعند تأكده..وضعه على أذنيه مجددًا وتساءل بترقب وشك:

-حبيبي دي ليا انا ولا للقط؟؟!

جاءه تأكيدها متابعة بذات الدلال:

-لا طبعا ليك انت يا حبيبي…قط ايه بس!… قولي ايه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟

وقبل أن يرد سبقته متمتمة بعبث:

-اكيد بتفكر فيا زي ما بفكر فيك مش كدة برضو؟

الجمته وكرر فعلته بالنظر إلى الهاتف…ثم اعاده وقال:

-هو مين معايا بضبط؟

-مين معاك ايه؟! انا وعد يا حبيبي مراتك..

-حبيبي؟؟؟! هو أنتِ سخنة يا بت؟ وبعدين إيه المياصة دي…اتعدلي….

سيطرت على ضحكتها وقالت:

-أنا معدولة يا حبيبي والله..وبعدين أنا لا سخنة ولا بتمايص..انا بكلم أشرف..حبيبي.. جوزي…اللي واحشني..

بلل شفتيه وقال بنبرة سريعة كي ينهي تلك المكالمة..فـ قلبه لا يتحمل كل هذا الدلال:

-طب اسمعي..من بكرة عابد هينزل المطعم مع جابر..بكرة تأخدي وئام و تروحي وتعملي نفسك بتسألي عليا…وسيبي الباقي على جابر..هتفق معاه الصبح………أنتِ فاهمة ولا اعيد تاني؟

وبهدوء ردت:

-فاهمة طبعا يا روحي..

وعلى عكس المتوقع قال قبل أن يغلق معها:

-يا شيخة طلعت روحك..روحي اتخمدي يلا……..

يتبع.

فاطمة محمد.

ده فصل انهاردة وفصل امبارح اللي منزلش واللي بعتذر منكم عليه عشان منزلش هنزله بكرة بأمر الله دمتم سالمين. 🫂❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق