رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السابع والستون
الفصل السابع والستون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل السابع والستون:
في صباح اليوم التالي…يجذب «جابر» نضال من ملابسه معه لخارج المنزل…حتى أنه لم يدعه ينهي فطوره…ابتلع نضال ما بفمه متحدث بتشنج لجذبه إياه بتلك الطريقة الوقحة..دافعًا يده بعيدًا عنه:
-أنت بتشدني كدة ليه يا عم على الصبح..متعصبنيش يا اخي..
ربت جابر على صدره متمتم بنبرة سريعة:
-معلش يا أخويا.. اخوك مزنوق وعايز اشوف ثراء قبل ما اروح المطعم..فهنتبع الخطة اللي عملناها قبل كدة وهروح معاك بحجة انك عايز تشوف داليدا يلا..
قالها محاولًا جذبه معه مرة أخرى..فصاح نضال عليه مبتعدًا عنه:
-يخربيت الاستغلال…انا مشوفتش كدة بصراحة..ده انت عيل استغلالي بجد يعني مش هزار..
هنا وابتسم جابر له معقبًا بأسلوب جاد:
-طيب حط فوق استغلالي..فتان وعندي استعداد حالًا اروح اقول لـ داليدا كل حاجة..و زي ما صلحتهالك..هطربقها فوق دماغك…قولت إيه؟؟ هتيجي ولا اروح لوحدي واقول لـ داليدا ؟
رمقه «نضال» بنظرة شاملة..تحمل من الحقد والوعيد ما يكفي….متمتم بقوة:
-أنت بتهددني…طب ايه رأيك بقى اني مش هاجي وأعلى ما في خيلك اركبه…..
وضع جابر يده على خصره ورد بترقب واعين ضيقه:
-متأكد؟؟؟ يعني ده اخر كلام عندك؟
-اه اخر كلام عندي..
قالها وهو يوليه ظهره راغبًا بولوج المنزل ومتابعة فطاره..فقال جابر قبل أن يتحرك هو الآخر ويوليه ظهره متحركًا هو الآخر لكن صوب منزل الحلواني:
-طب قابل بقى يا نجم…سلام عليكم…
التفت «نضال» برأسه يخطف نظره نحوه فوجده يتحرك بالفعل…
اتسعت عيناه وأدرك بأنه لا يمزح معه.. تملكه الرعب واندفع راكضًا صوبه قائلًا بلهفة:
-أنت رايح فين يخربيتك..ده انا بهزر..خد ياض…..
وقف جابر رافعًا حاجبه الأيسر فوقف نضال أمامه مردد ببسمة بسيطة:
-انت ما بتصدق يا عم..ده انا بهزر معاك..وبختبر اخويتك..بس بجد طلعت مش جدع..
-تصدق خسارة فيك اللي عملته معاك وبعدين مدام طلعت بُق زي عابد.. بتعمل فيها شجيع السيما ليه…صحيح ناس مش بتيجي غير بالعين الحمرا…قدامي يلا….
تحركا معًا نحو منزل الحلواني…وصلا و قرع نضال الجرس..وانتظروا للحظات…
ثواني وكان الباب يُفتح لهم بواسطة «روفان»..ابتسمت لهم وقالت بنبرة مرحبة وكلمات تقليدية معتادة تطرح دائمًا في تلك المواقف:
-صباح الخير يا شباب.. عاملين إيه..اتفضلوا.
دخلوا بالفعل وعلى الفور جابت عين جابر من حوله يبحث عنها بينما رد نضال عليها بوجه مبتسم:
-صباح النور يا حماتي العزيزة… عاملين ايه طمنوني عليكم..وحمايا عامل إيه؟
هبط «سليم» الدرج وسرعان ما تهلل وجهه مرحبًا بضيوفهم بهذا الصباح مقتربًا منهم:
-اهلا يا شباب..
بات قبالتهم فقام باحتضان نضال أولا..ثم جاء دور جابر…ابتعد عنهم..واشار لهم برأسه:
-تعالوا افطروا معانا يلا..
حمحم نضال بحرج وقال بهدوء بعد أن وجد سببًا ساذجًا يلقيه على مسامعهم:
-معلش لو جايين بدري كدة بس بكلم داليدا ومش بترد..
ردت عليه روفان تخبره:
-داليدا لسة نايمة…
ظهر مروان من العدم…رامقًا جابر بضيق واضح مغمغم بصوت مسموع وهو يدنو منهم:
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم على الصبح….
انفرجت اسارير جابر وتذكر ما فعله وكيف قام بطرد غريمة الذي كان يرغب في سلب حبيبه قلبه منه…فالتهم المسافة بينهم معانقًا اياه مرة أخرى على حين غرة متمتم بفرحة:
-اونكل..حبيب قلبي…صباحك كل بهجة بعون الله.
دفعه مروان وقال بانفعال واضح ونظرة مشمئزة:
-ابعد عني يالا..متلمسنيش…
اعترض جابر وصاح ببسمة واسعة:
-ليه بس ده انا بحبك والله..
ابتلع مروان ريقه بقلق يتفاقم…ثم تحرك واقفًا جوار سليم مباشرة هامسًا له:
-خلي بالك الواد ده مش مضبوط…
-مش مضبوط ازاي يعني؟!
رد مروان وهو يخطف نظرة نحو جابر الذي يتابعه:
-يا عم مش مضبوط…افهم وفتح مخك معايا الله يباركلك…
قطب سليم حاجبيه وقال:
-افتح مخي ايه مش فاهم حاجة..يعني ايه مش مضبوط برضو…
نظر مروان داخل عينيه..نظرة ذات مغزى..وصل مقصدها لـ سليم الذي اتسعت عيناه وعاد ينظر لـ جابر مجددًا…ثم حدق بـ مروان وقال:
-والله ما في حد مش مضبوط غيرك..الواد شكله زي الفل..
وبصوت عالي ومنفعل عقب مروان:
-طب اتنيل مدام مش بتفهم….
جاء بسام أيضًا وشاركهم وقوفهم هذا..متبادلًا التحية مع نضال..وقبل ان يأتي دور جابر..جذبه مروان من يده يبعده عن جابر متمتم ببسمة سمجة مصوبه لاخيه بسام:
-متبسوش بس عنده برد….ابعد عنه..وده احسنلك والله.
نفى جابر براسه وقال:
-لا أنا زي الفل…
احتج مروان وصاح:
-زي الفل إيه؟!!! انت هتعرف اكتر مني..انا بقول عندك برد يبقى عندك برد.. وبعدين هو انا ليه اصتبح بوشك..ليه اشوفك مسا وصبح..ها..
لم يتحمل نضال البقاء أكثر وقال وهو يجذب جابر ويودعهم:
-طيب بالأذن احنا بقى..ولما داليدا تصحى قولولها تكلمني….يلا يا جابر..
وبأعين تجوب بلهفة بارجاء المنزل يتأمل خروجها بأي لحظة:
-يلا إيه…استنى..
ومن بين أسنانه رد:
-لا مش هنستنى ورانا شغل يلا…..
هنا واستسلم..رافعًا الرآيه البيضاء…مغادرًا معه…لكن لحظات وكان يسعد من جديد فهو لن ييأس متذكرًا أمر مرور وعد اليوم رقفة وئام ومجيئهم للمطعم….فقد أخبره أشرف بهذا الصباح…إذن من المحتمل أن تأتي معهم.. فتلك ليست قريبتها بل شقيقتها..توأمتها..ومن المؤكد أنها لن تتركها تأتي بمفردها
هكذا اقنع ذاته و ردد مع حاله….
****************
يتواجد «عابد» رفقة جابر داخل المطعم وتحديدًا المطبخ باول يوم عمل له بداخله…يقف بجواره جابر…الذي يتذوق لقيمات من جميع الأصناف المتواجدة…..والآخر يراقبه بنفاذ صبر وتافف واضح على محياه…
تحدث جابر واضعًا يده على فمه الممتلئ مردد:
-الله ينور يا رجاله.. الأكل عشرة على عشرة…تسلم ايدكم بجد…
اجابوا عليه سعيدين بمدحه…فنظر نحو عابد وهو يمد يده له بإحدى اللقيمات متمتم:
-حد دوق..هتعجبك..
رد عليه بزهق وضجر وهو يبعد يده:
-كفاية عجبتك أنت….قولي المطلوب مني ايه دلوقتي…
وبمرح رد عليه:
-ما انا قولتلك دوق..انت اللي مش عايز.
-يا بني متعصبنيش..قولي ايه المطلوب مني اعمله..انتوا مش خلتوني سبت الصالون وجيت اقف معاكم هنا…اعمل ايه بقى….
رد عليه بتذمر:
-لا بلاش تتبلى عليا… انا مخلتكش سبت حاجة..ده ابوك الحجوج….وبعدين أنا مفطرتش كويس وبدوق الاكل وعايزك تدوق معايا ايه المشكلة؟؟ مش الاكل ده هيتقدم للزباين يعني المفروض يخرج على أكمل وجه…افرض ملحه زيادة..افرض اتلغبطوا وبدل ما يحطوا ملح حطوا سكر..مش كل ده هيبقى في وشنا إحنا؟
طفح كيل عابد فرفع راسه للاعلى متمتم :
-يارب صبرني.
ابتسم جابر له ومد يده له من جديد مكرر عرضه بتذوق الطعام:
-خد دوق…دوق واضحك كدة للدنيا خلي الدنيا تضحكلك…
لم تتبدل تعابير وجهه…فترك جابر ما بيده وابتلع ما بفمه ثم قال بحسم:
-طيب مستعجل على الشغل اوي..تعالى هقولك هتعمل ايه… أبوك وصاني الصبح عليك… ولازم اعلمك اصول المهنة…
تحرك من أمامه وجاء بشيء ما..نظر عابد للملابس الذي احضرها..ضيق عيناه بشك وقال:
-اوعى تقول اني فهمت صح؟؟؟؟؟
-صح الصح يا جدع..يلا اقلع هدومك الشيك دي..والبس دي وأخرج برة….
اشتعلت عين عابد و صاح بغضب اعمى:
-أنت مجنون يالا…عايزني اشتغل جرسون؟؟ وانتوا كان مين فيكم اشتغلها….
-انا اشتغلتها واخواتك أشرف ونضال وخليل اشتغلوها وبنشتغلها عادي..وابوك لما بيبقى في زحمة بيشتغلها برضو..انت اللي مش معانا ومش عارف حاجة…وبعدين ماله الجرسون إن شاء الله…شغلة نبيلة ونضيفة..وبيكسب بالحلال بدل طريق الانحراف..وبعدين اول يوم ليك هنا فاكر انك هتبقى سلطان زمانك وهتقعد تحط رجل على رجل..لا يا بابا..انت هتطلع السلم..سلمة..سلمة..يلا البس واتفضل على شغلك….
وعلى مضض وبأعين متوعدة جذب عابد الملابس من يد جابر وغاب عن عينيه…ابتسم جابر باتساع فخورًا بذاته وقال:
-الله عليك ياض يا جابر وانت بتعلمه الأدب..
هنا وتذكر أمر حديثه الكاذب معه…تبخرت بسمته ورفع يده يدعو الله يطلب عفوه:
-يارب سامحني غصب عني هما اللي بيخلوا الواحد يضطر يكدب…..يارب توب عليا من دي عيلة…..
*****************
-هي راحت فين دي؟ بتعمل ايه ولا بتجيب ايه كل ده؟
رددت «وئام» على مسامع ثراء الجالسة معها داخل حجرتها ينتظرون عودة وعد بعد أن أخبرتهم بنسيانها أحضار شيء ما..وذهبت لاحضاره ومن وقتها لم تعد….
هزت كتفيها تجيب بعدم معرفة..وشرود بسيط..
-مش عارفة !
تنهدت وئام ونهضت عن الفراش وبدات بالسير ذهابًا وإيابًا….تاركة الأخرى تجلس على الفراش…شاردة بأمر جابر…وهذا ما يدهشها ويثير ريبتها فلما يشغل تفكيرها إلى هذا الحد!!!
أما وئام فحدث معها ما حدث مع شقيقتها و وجدت ذاتها تتذكر «عابد» وذكرياتهم معًا تمر أمام عينيها….مسببه في شعورها بالألم.. وعلى وشك جعلها تذرف الدموع…
لم ترغب في هذا وعادت تجلس بجوار ثراء والتي انتبهت لشرودها هي الأخرى….
تساءلت بشك:
-ساكتة ليه وسرحانة في ايه؟
حملقت بها وتملكت منها الحيرة..اتقص عليها ما حدث ام لا تعطيه اكبر من حجمه…
ورغمًا عنها وبفضول لإيجاد الحل سردت عليها ما حدث:
-فاكرة كلام جابر عن اخو خطيبته…اللي اسمه زاهر.. واللي قولنا ساعتها أننا مصدقناش كلامه وأنه اكيد وراه سبب…
اماءت برأسها تؤكد:
-أيوة فاكرة..
ابتلعت ريقها وتابعت:
-بابا قالي أن زاهر كلمه وانه عايز يتقدملي و
اتسعت عين وئام وصاحت تقاطعها وتسترسل بدلًا عنها مخمنة البقية:
-متقوليش أنه بيحبك وعينه منك وغيران عليكي من زاهر عشان كدة حاول يبوظ صورته قدامك…..
ومن بين كل هذا الكم من الكلمات لم يعلق معها سوى أنه يحبها…..
كادت تتحدث لولا الباب الذي انفرج ودخلت من خلاله «وعد» وهي تحمل العديد والعديد من التسالى والتي قامت بتجميعهم من أجل تلك الجلسة..التي ستجعلها تتغير ولو بنسبة بسيطة..قائلة بأسلوب مرح للغاية:
-أنا قولت بما أن القعدة هطول اجيب شوية لب..على شوية سوداني…على شوية كاجو…على شوية فشار..على كام حتة جلاش وبسبوسة وحاجة سقعة…
وضعتهم على الفراش وهي تبتسم لهم بسمة واسعة كاشفة عن أنيابها….فوجدت الإثنان يتطلعان بالاشياء…انحنت والتقطت قطعة واحدة من الكاجو واضعة إياها داخل فمها:
-ايه في ايه بتبصولي ليه؟؟
تنهدت وئام بنفاذ صبر.. بينما نهضت ثراء دون أن تنبث بحرف ولملمت الاشياء وهي تخبرها بهدوء:
-مدام عايزة تتغيري..يبقى تسمعى اللي هنقولك عليه..واول حاجة لازم تنظمي طريقة اكلك..وهتبدئي تعملي دايت…
نظرت لما تحمله بتحسر..ثم مدت يدها محاولة أخذ أي شيء متمتمة:
-طب هاتي اي حاجة دلوقتي..ومن بكرة هبدأ دايت..اقولك هاتي البيبسي..
رفضت ثراء وقامت وئام بضربها على يدها ضربه بسيطة مضيفة على كلمات شقيقتها:
-مفيش بيبسي..ومفيش بكرة..من انهاردة…ولو مش موافقة او مش عايزة سهلة..ثراء ترجعلك كل اللي في أيدها بس كُليه في اوضتك ومتطلبيش مننا حاجة تاني…ها قولتي ايه؟
وبشيء من الترجي قالت:
-طب ما اي حد بيعمل دايت بيبدأ باليوم الفري معروفة…فسبوني انهاردة و
قاطعتها وئام بصرامة وعِند متمسكة بحديثها:
-لا ..من انهاردة الفري ده نبقى نشوف هنديهولك امتى..
وعلى مضض واستسلام قالت بطفولية:
-ماشي…
ثم اضافت بسرها:
-ربنا على الظالم والمفتري….
تركت ثراء ما بيدها جانبًا بعيدًا عن وعد وجلست جوارهم على الفراش..وقبل أن تتحدث اي منهم تلفظت وعد وسردت عليهم ما فعلته مع اشرف وكيف ابدلت طريقة الحديث متخليه عن نبرتها وحدتها التي كانت تجعلها تتشبه بالذكور…
نال ما فعلته إعجابهم ولم يترددوا بإظهار هذا الإعجاب..وتحدثت ثراء تشجعها:
-برافو عليكي..هو ده اللي المفروض تعمليه…أنتِ مش ولد..أنتِ بنت…والبنت المفروض تبقى هادية..ناعمة..صوتها واطي…ومدام كلمتيه بدلع عايزاكي تستمري على كدة..مع استخدام بعض المصطلحات زي ..حبيبي.. روحي..قلبي…حياتي..عُمري..عيوني…
ضحكت وعد وقالت بمرح:
-كبدتي..فشتي..طحالي…حواجبي…ضفري…
تسمرت ثراء وكذلك وئام حادقين بها….
شعرت وعد بفداحة فعلتها وحديثها فقالت بقلق:
-انتوا بتبصولي كدة ليه..خلاص بلاش اللي أنا قولتله…اعتبروني مقولتش حاجة..كملوا…
نهضت وئام وجاءت ببعض أدوات التجميل…ثم جلست مرة أخرى وقالت:
-دلوقتي بقى هوريكي وهعلمك ازاي تحطي لنفسك ميكب هادي..ناعم.. يناسب فترة النهار…وبرضو هوريكي اللي يناسب بليل عشان لما تخرجي مع أشرف…يلا نبدأ..
اعترضت ثراء وقالت:
-لا استني الاول لازم نخليها تغير مشيتها..وازاي تمشي ماشية طبيعية غير مشية الصبيان اللي بتمشيها دي…..
******************
نزلت «زينة» من البناية بصحبة والدتها كي تتقابل مع عريسها و زوجها المستقبلي ويذهبان معًا لاحدى محلات الصاغة مثلما اتفقوا أمس وتنتقي ما يحلو لها وترتديها هناك نظرًا لاتفاقهم بعدم إقامه حفل خطوبة…والاكتفاء بحفل الزفاف الذي سيقام….لتجده في انتظارها رفقة والدته هو الآخر..
تعلقت عينيه بها وبدون أن يشعر أو يعي لهذا..زينت البسمة وجهه البشوش الوسيم..
مبديًا إعجابه بهيئتها وجمالها دون خجل من تواجد عفاف وانعام:
-شكلك حلو أوي انهاردة..
ضحكت «عفاف» وقالت مازحة:
-انهارده بس ! انا بنتي عطلول حلوة وقمر..
أكدت أنعام هذا وهي تربت على كتف زينة بحب وحنو:
-طبعا قمر..حسن بس قصده أنها ماشاء الله حلاوتها وجمالها زايد….
أطلقت زينة زفيرًا شاعرة بالملل والضجر من تلك الاحاديث المجاملة..المزينة..والمزيفة بوجهه نظرها وقالت :
-طب مش يلا ولا هنفضل واقفين في الشارع كدة كتير…
نفى حسن وأشار نحو سيارته:
-لا طبعا..العربية هناك اهي..يلا بينا…
تحركوا معا وأسرعت انعام سابقة إياهم…التوى ثغر زينة وظنت بأنها تتسابق للجلوس بجوار ابنها بالمقعد الأمامي…متمتمة مع ذاتها وبدون صوت:
“اهو هنبتدي شغل الحموات بقى ”
لكن فعلتها خالفت توقعاتها و وجدتها تجلس بالخلف متعمدة ترك المقعد الأمامي لها…محدثة والدتها من خلال فتحة الباب التي تركته مفتوحًا:
-تعالي يا عفاف يختي اقعدي جمبي ورا..القعدة ورا احلى و اريح من القعدة قدام…
انصاعت لها عفاف…وجلست بالخلف..
في ذات الوقت..وقبل أن تمد زينة يدها كي تفتح الباب الأمامي سبقها حسن وقام بفتحه لها ببسمته التي لا تفارق ثغره بحضورها..هاتفًا بهدوء:
-اتفضلي.
جلست واغلق الباب من خلفها..ثم ذهب قاصدًا مقعده خلف المقود…وانطلق بطريقة..
بعد ساعة تقريبًا كانوا داخل إحدى المتاجر..هي تجلس على مقعد يتواجد بمقابلة الرف الزجاجي الشفاف وأمامها العديد من الإقتراحات الذي وضعها صاحب المتجر أمامها…و بجوارها والدته..وقبالتها والدتها…أما هو فكان يقف وينتظر استقرارها واختيارها لشيء محدد….
قامت بتجربة خاتم ما واضعة إياه بإصبعها..تفحصت يدها ونال الخاتم إعجابها…لاحت شبه بسمة على وجهها وقالت وهي تمد يدها لوالدتها:
-ايه رأيك يا ماما؟
-حلو أوي..هياكل من ايدك حتة..وريه لحماتك كدة..
وبدون أن تحرك رأسها…فقط يدها..واضعة إياه قبالة أنعام..والتي لم تغفل عن معاملتها معها وتعمدها لتجاهلها…ولكنها لم ولن تخرب زيجة ابنها…
مبتسمة بأتساع وفرحة….خافية مشاعرها الحقيقية..كي لا تفسد سعادة فلذة كبدها.
-جميل اوي فعلا…ايه رأيك يا حسن؟
رمقته بنظرة متفحصة مع هتافها الأخير فوجدته يناظرها..بضيق بسيط وحزن يلمع بعينيه…لتعلم أنه لم يغفل أيضًا عما فعلته زينة ومعاملتها معها…
ضحكت مازحة كي تنفي أي شعور سيء بداخله وتخبره بانها بخير وسعيدة طالما هو سعيد:
-حسن مش معانا..سرحان مع القمر اللي قاعد جمبي…
ها يا واد..ايه رأيك…
وببسمة مترددة رد عليها:
-حلو..
استقرت عليه وبدأت تجربتها للدبل الذهبية..والاساور الرفيعة التي نالت إعجابها…وانتقت انعام لها قلادة ناعمة….و رغم إعجابها بها.. إلا أنها رفضتها..وتعللت بأنها لم تعجبها أو تحبها….وانتقت أخرى من اختيارها هي……………..
وعقب انتهائها واختيارها لشبكتها اقترب حسن ممسكًا بالدبلة وقام بإدخالها لإصبعها مع إنطلاق الزعاريد من قبل عفاف وأنعام ومباركة صاحب متجر الصاغة…ثم اخرج حسن دبلة فضية قامت هي بوضعها داخل اصبعه……ثم ساعدها على ارتداء ما تبقى من الشبكة……….
******************
انتهى الدرس الاول الخاص بطريقة السير…وكذلك الدرس الثاني الخاص بـ كيفية وضع الزينة على وجهها..والآن تحملق «وعد» في صورتها المنعكسة بالمرآة عقب إنتهائها من وضع زينتها متبعة تعليمات وئام…
تهللت أساريرها من تمكنها ونجاحها بوضعها وكأنها متمكنة بهذا…
صفقت بيدها بطريقة طفولية..ثم دنت من وئام وقبل أن تقترب وتقبلها على وجنتيها أبعدتها عنها قائلة:
-اقفي عندك..واهدي كدة..بلاش اندفاع ابوس ايدك…
هدأت وعد و قالت موافقة:
-أيوة صح..انا مش لازم ابقى مندفعة..انا هادية..و رقيقة وناعمة….
هنا وضحكت ثراء..مسببه توجهه الأنظار إليها…وضعت يدها على فمها وقالت:
-أنا آسفة والله..بس مش قادرة اصدق ان وعد بتقول كدة….يلا..يلا..قولي تاني..أنتِ وعد الجديدة..الهادية.. الناعمة… الرقيقة.
وبهدوء شديد وبسمة ناعمة ردت وعد:
-لا صدقي..ويلا البسوا عقبال ما اروح اغير انا كمان وننزل عايزاكم في مشوار معايا..
تساءلت وئام وهي تجلس على الفراش:
-مشوار ايه ده؟
-هتعرفوا لما نروح..يلا كل واحدة تلبس وانا هروح البس…
انتهت قاذفة لهم قبلة بالهواء ثم تحركت متجهه لغرفتها و كذلك ثراء كي تبدل ملابسها…..
دخلت وعد الغرفة واغلقت الباب بإحكام..ثم آتت بهاتفها وجاءت برقم «أشرف» واتصلت عليه.
جاءها صوته متحدث بخشونة بعد أن ابتعد عن والده واشقائه وخرج من ذلك المكان الذي يتفرسه والده ويراه إذا كان مناسبًا ام لا:
-في إيه؟
اتسعت عيناها وقالت بطريقة مدللة و رقة لا متناهية وهي تتحرك نحو الخزانة وتخرج ملابس لها:
-في حد اول ما يرد على مراته حبيبته يقولها في إيه؟ مش المفروض تقولي ايه يا روحي..ايه يا حياتي..وحشتيني…بُعادك يعذبني..أشتاق لكِ….أي حاجة من الكلام الرومانسي الحلو ده..
-رومانسي !! ومعاك أنت يا رعد بيه.
رفضت هذا وصححت له بذات الرقة والهدوء:
-لا كدة عيب..وكدة ازعل بجد منك..ولو أني اشك أن ممكن ازعل منك…بس ما علينا..انا متصلة اقولك اني خلاص هلبس و هنزل مع وئام وثراء و هنروح المطعم..انت هناك صح؟
-لا مش هناك..بس ممكن عقبال ما توصلوا اكون رجعت…على العموم عابد وجابر هناك..وجابر هيصرف الدنيا..متقلقيش..وياريت…ارجوكي…لو سمحتي متدخليش بين عابد و وئام…لسانك يفضل جوه بُقك ومينطقش بكلمة هناك…تمام.
هزت رأسها وهي تؤكد بلسانها له:
-أيوة..انا فعلا ناوية اعمل كدة…متقلقش خالص يا حبيبي..
استنكر كلمة “حبيبي” وقال يعقب عليها وعلى طريقتها الجديدة بغيرة واضحة:
-ايه حبيبي دي يا بت؟ مش لايقة عليكي خالص..والدلع كمان مش لايق عليكي…
التقطت غيرته من نبرته..فقالت مسببه تفاقم حالته سوءًا:
-ده مش دلع على فكرة..دي وعد الجديدة..ودي طريقتي الجديدة…
-نهارك فحلوقي…يعني ايه دي طريقتك…أنتِ هتكلميلي كدة مع كل من هب ودب ؟؟؟؟؟؟
-اكيد..بقولك د
قاطعها مزمجر بها:
-اكيد اه!!..بقولك ايه أنتِ اتضبطي يا وعد..
اتضبطي عشان مزعلكيش…وانا راضي بأستاذ رعد اللي جواكي…
وقبل أن تتحدث قام خليل بمناداته فقال ينهي تلك المكالمة التي لم تسبب إلا بحرق دمائه:
-اقفلي دلوقتي..
*******************
توقفت سيارة «وئام» أمام المطعم…فتنهدت وقالت تخبر وعد:
-أنا مش هدخل معاكم وهستناكم هنا….
ظهر الامتعاض على وجهه وعد وصاحت مهلله لها باعتراض:
-نـــــعــــم يـــاخــتي…..وانا جيباكي عشان تقعديلي في العربية…يلا يا بت بدل وربنا بظهر ايدي وعلى وشك…انزلي…
اتسعت عين وئام وثراء فانتبهت وعد للسانها وانفلاته…ابتلعت ريقها و قالت بهدوء كاذب:
-اقصد يعني..ليه مش هتدخلي معانا..بعد إذنك..لو سمحتي انزلي..انا لازم اشوف اشرف يا وئام…قولي حاجة يا ثراء يا اللي تنشكي في معاميعك..
لكزتها ثراء في كتفها وقالت من بين أسنانها :
-لمي لسانك بقى…وبعدين فين الرقة.. والهدوء ها…فين؟؟
-يووووه..ما انتوا اللي بتزعلوني..انا جيباكم معايا..عشان مش عايزة ادخل لوحدي واختك تقولي مش هتنزل….يلا بقى انتوا جدعين معايا من امبارح..كملوا جدعنة ويلا..ومش هنطول…هي نص ساعة بس………
وعلى مضض هبطت وئام…..أما ثراء فأخفت لهفتها لرؤياه..وتساءلت مع ذاتها عما كان بالداخل أم لا….
بينما شعرت وعد بالظفر لنجاحها في جلبها و دخولها معها للداخل…….
جابت عيناها بالمطعم وأشارت نحو طاولة فارغة متمتمة:
-تعالوا نقعد.. عقبال ما يظهر حد فيهم..او يظهر أشرف نفسه…
بالفعل جلسوا…. وسرعان ما وقعت عين «عابد» الذي خرج من المطبخ حاملًا لبعض طلبات الزبائن عليها….
شعر بأخلال بنبضات قلبه… وذلك لحضورها ولاشتياقه الجارف إليها…تمنى بتلك اللحظة أن تراه وترفع عينيها لتتلاقى مع عينيه الملتاعة…ابتلع ريقه..وتابع سيره نحو طاولة الزبائن..وضع الصحون..ثم أخذ نفسًا عميقًا..زفره على دفعات.. والتفت بجسده نحوهم…
واخيرًا رأته…وتحققت امنيته…وتلاقت عينيهم المشتاقة..الحزينة…المعاتبة…النادمة…..
وقف أمام طاولتهم وبلهجة عملية..رسمية تنافي تلك النيران التي تضرم صدره..قائلًا:
-اهلا بيكم…تحبوا تأخدوا إيه……………….
يتبع.
فاطمة محمد.
طبعا في فصل تاني هينزل بليل بس ممكن يتأخر شوية استنوه وعايزة تفاعل حلو بقى🫂❤️❤️❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.