رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الحادي والثلاثون 31 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الحادي والثلاثون

الفصل الواحد والثلاثون

الفصل الواحد والثلاثون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الواحد والثلاثون:

يسند بظهره على السور الحديدي من خلفه، يديه خلف ظهره، يترقب وصولها و وقوفها أمامه كي ينال منها ويلقنها درسًا لن تنساه على ما فعلته معه وجعله اضحوكة للجميع.

ثوانٍ فقط مضت حتى رآها تتقدم منه بخطوات واثقة لا تظهر أي شيء من خوفها الذي ينتابها مدركة فداحة فعلتها، فقد حذرها مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى، فالحديث معها مثل عدمه تمامًا.

زيفت قوتها التي انعكست على نبرتها، متسائلة بأنفعال طفيف:

-ايه السربعة دي، في إيه؟؟

وقبل أن يجيب عليها انتبهت ليداه المختبئة خلف ظهره، غمرها الفضول حول ما يخفيه فقالت بأعين ضاقت مخمنة:

-مخبي إيدك ليه؟؟ جايبلي هدية ولا إيه؟؟

قالت الأخيرة ببسمة واسعة لم تستمر لتذكرها فضحها له أمام الجميع فمن المؤكد أنه لم يجلب لها هدية…

تسلل الشك الى قلبها وتساءلت عن سبب صمته:

-أنت ساكت ليه؟؟

-بسمعك يا رعد، كنتي قولتيلي بقى انك ملكيش دعوة وأن لسانك هو السبب مش كدة؟؟

ازدردت ريقها وهي تهز رأسها بالأيجاب:

-اكيد، هو اللي بيكلم مش أنا…

هنا وأخرج ما يخفيه عن انظارها رافعًا إياه أمام عيناها والذي لم يكن سوى مقص كبيرًا معدنيًا دب الرهبة والذعر بجسدها..

سلطت انظارها عليه وهي تجد صعوبة بابتلاع ريقها بحلقها الذي بات جاف، مرددة بتلعثم بسيط وبسمة ساذجة:

-ايه المقص ده انت هتقص الشجرة ولا إيه؟

لم تمنحه فرصة للرد ملتفتة خلفها سارقة نظرة نحو الشجرة، توافقه على تلك الفكرة:

-تصدق فعلا الورق بتاعها كتر، عاش يا بطل، قُصها يلا.

احتل وجهه بسمة شيطانية وهو يميل برأسه للامام قليلًا يجيبها بشر:

-لا ما أنا هقص فعلا بس حاجة تانية..

عادت خطوة للوراء وهي تتساءل رغم إدراكها للجواب:

-حاجة إيه دي؟؟؟

رد دون تردد متقدمًا تلك الخطوة التي ابتعدتها:

-لسانك يا قطة..

تمكن منها الهلع رافعة سبابتها قبالة وجهه تحذره:

-اياك تقرب مني وربنا اقول عليك متحرش و اوديك في ستين داهية…

رد بلامبالاه:

-يا جدع طب اكدب كدبة نصدقها بقى هتحرش بيك انت يا اخ رعد، ده حتى عيب على شنبك…

وبتلقائية شديدة رفعت يدها تتلمس فوق فمها معقبة بسخط:

-شنبي!!! لا ده انت اعمى بقى، بقولك ايه لم نفسك متفكرنيش هسكت، وتهديدك الاهبل ده انا مش مصدقاه، ايه اللي عايز تقطع لساني، انت أهبل، عايزني ابقى خارسة ومعرفش اقولك اشف تاني….

استفزته، أثارت حنقه وأضرمت النيران بقلبه وكامل جسده ..

فتح المقص واغلقه بطريقة سريعة مردد بتهكم:

-ان شاء الله عنك ما قولتيها….

-على فكرة اسلوبك غير متحضر وهمجي للغاية، وده هيخليني افسخ ام الخطوبة دي..يعني مش كفاية تحكماتك واسئلتك وحشرك في حياتي، ده ابويا اللي اسمه ابويا مبيعملش معايا كدة، انت بقى بتعمل كدة بصفتك ايه؟؟ لا بقيت خطيبي ولا حتى جوزي..دي قراية فاتحة وممكن افركشها دلوقتي، عشان مش أنا اللي حد يمشي كلمته عليا، ده انا وعد الحلواني يا أستاذ يعني تيجي عندي و تفرمل عشان مزعلكش…

تجمدت ملامحه…لا يظهر عليه أي شيء..لا استياء..أو غضب، مما جعلها لا تستطع تمييز حالته وما يعتريه الآن..فقط خرج صوته مترقبًا مخيفًا في ذات الوقت:

-تزعليني أنا؟؟؟

سخرت منه لا تبالي بما بين يداه، واضعة يدها بمنتصف بخصرها:

-لا عفريتك…

صمت حل عقب إنتهاء جملتها البسيطة، تبادلت معه النظرات والتقطت بعيناه ذلك الأنفجار على وشك الحدوث..

ابتلعت ريقها وقالت وهي تترك العنان لقدميها كي تهرب من أمامه خائفة من بطشه:

-طيب بالأذن انا بقى…

ابتعدت عدة خطوات سريعة، وكادت أن تخطي واحدة جديدة لكنها توقفت مقررة خطف نظرة نحوه كي ترى هل ينظر نحوها أم لا..

وليتها لم تفعل..رأت صدره يعلو ويهبط بأنفعال تلاه على الفور قذفه للمقص أرضًا، لاحقه تحركه نحوها ملتهمًا المسافة بينهم بسرعة فائقة كأنه في سباق ما…….

هوى قلبها، وجحظت عيناها وبدلًا من السير مثل البشر قررت الركض كي تفر من أمامه وهى تغمغم مع ذاتها:

-يالهوي يالهوي هيقتلني….

مرت من بوابة منزلها بأنفاس عالية، ملتفته من جديد فوجدته لا يزال يتقدم منها بذات السرعة و وجهه لا يبشر بالخير فقط ينذر بشر مميت…

ضربت على صدرها وهي تغمغم بصوت عالي تلك المرة دون أن تدرى، متابعة ركضها نحو باب المنزل:

-يادي المصيبة، فين البواب الزفت…يا عيني عليكي يا وعد هيقتلك..هيقتلك…انت فين يا شيكو الكلب..

مع قولها الأخيرة واستمرار ركضها قامت بتهديده فرُبما يتوقف عن السير ولا يلحق بها:

-على فكرة هسيب عليك الكلب وهخليه يعضك من فخادك…

وصلت أخيرًا ضاربة بكف يدها بقوة صارخة بهم تحثهم على الفتح لها:

-افتحوا هموت يا ولاد الكلب، اشف اتجنن وهيقتلني افتحوا…

استدارت برأسها تسرق نظره نحوه، فزاد اتساع عيناها فما يفرق بينهم خطوتان فقط..أوشك على التهامهم.

ابتلعت ريقها واغمضت جفونها قائلة بأسف وهي توليه ظهرها:

-الله يرحمني كنت طيبة..منك لله يا أشف يا أبن ام اشف.

فُتح الباب باللحظة الاخيرة فوجدت أمامها أبرار…تنهدت مسرعة بالاختباء خلفها بكامل جسدها فقط يظهر رأسها مشيرة نحو أشرف الواقف على أعتاب الباب بسبابتها:

-الحقيني عايز يموتني حوشيه عني…

ذهلت ” أبرار” وجهلت ما يحدث بينهم..لكنها تعلم شيئًا واحدًا وهو أن وعد تلك المتمردة..سليطة اللسان..المشابه للرجال في حدتها وصرامتها تحولت تمامًا وباتت مثل الهرة..لا ليست هرة بل فأر صغير…

رفعت يديها واضعة إياها على فمها تخفي ضحكتها التي اهتز جسدها قليلًا على إثرها وشعرت بها من تحتمي بها وتتمسك بملابسها..عنفتها مردفة:

-أنتِ بتضحكي على ايه يا مهزقة، بقولك عايز يموتني..

توقفت عن الضحك وتفحصت هيئة أشرف والذي كان يسلط بصره على تلك المختبئة خلفها، فكان وجهه يعكس مدى غضبه من تلك الحمقاء:

-خير يا أشرف في ايه؟

صك على فكيه قبل أن يتحدث بغيظ جلي:

-عمي أيهم موجود؟

نفت برأسها، قائلة:

-لا برة، ادخل استناه جوه مع نضال..احنا قاعدين جوه…اتفضل.

ضربتها الاخيرة بظهرها وهي تتحرك مع تحركها راغبة في ترك مجالًا له لدخول المنزل، مشيرة له نحو الصالون..

تحرك تجاهه متجاهلها تمامًا ولم يرى ما اعترى ملامحها من رغبته في مقابلة ابيها، متسائلة عما يريده هامسة مع نفسها:

-ناوي على ايه ده، هيفسخ وابقى مفسوخة ولا إيه؟؟

شعرت بمحاولة ابرار في التملص من قبضتها كي تلحق بـ أشرف، اعتدلت بوقفتها أخيرًا واقفة أمامها معنفة إياها بخفوت:

-بتهببي إيه يا مهببة، شكله عايز يفسخ، وشكلي كدة والله اعلم عكيت جامد…

************

ضاقت عين “نضال” وهو يرى قدوم أشرف..حقًا تفاجئ ولم يتوقع مجيئه هو الآخر…

تحرك بؤبؤ أشرف على الجالسين من أخيه، داليدا، وفجر…ملقي عليهم التحية:

-سلام عليكم.

ردت عليه الفتيات تزامنًا مع وصول ابرار خلفه، وتعقيب أخيه على حضوره:

-ايه ده؟ انت جاي ليه ؟؟

حولت داليدا أنظارها إليه، هامسة له:

-هو ايه اللي جاي ليه، في حاجة اسمها اهلا وسهلا…

-أنتِ صح..

نهض مع قول الأخيرة لاحقًا باخيه قبل أن يجلس على الأريكة المقابلة ماددًا يده مصافحًا إياه بحرارة مقتربًا من وجهه مقبلًا إياه على كلا وجنتيه:

-ازيك يا أشرف يا أخويا نورت، ليك وحشة والله، اتفضل…

ضرب أشرف كفًا بالآخر من جنان أخيه فمن يراه يظنه لم يراه من فترة كبيرة…

جلس نضال جوارها من جديد، مبتسمًا لها باتساع، قائلًا:

-حلو كدة؟

لم تجيبه وكتمت تلك الضحكة، أما أشرف فـ جلس اخيرًا غافلًا عن من تراقبه من بعيد…والقلق ينهش بها…

حضرت ثراء بتلك اللحظة فوجدتها تقف تسترق السمع والنظر داخل الصالون..دنت منها واقفة خلفها دون أن تشعر وما كادت أن تتحدث وتتساءل عما تفعله هنا، حتى اعتدلت والتفتت الاخيرة كي تشجع نفسها على الدخول…لكنها تفاجأت من تواجد الأخرى خلفها مما جعلها تخرج صرخة لم تكن عالية لكنها كفيلة بالوصول إليهم…

نهضوا على أثرها، تحديدًا هو فذلك الصوت وهذا الصراخ يدركه ويحفظه عن ظهر قلب.

وجدوها تقف قبالة ثراء وتتشاجر معها:

-ايه ده حد يقف ورا حد كدة، الناس تعمل احم.. دستور يخربيت اللي خلفوكي قطعتيلي الخلف..منك لله يا شيخة..

اعترضت ثراء وردت عليها:

-ما انا لقيتك بتبصي جوه ومستخبية زي الحرامية قولت أشوفك واقفة كدة ليه..

هنا وسقط بصر ثراء على أشرف..ابتسمت بخفة مدركة سببها..

بينما علقت الأخرى جاهلة عن وقوفهم خلفها، مردفة بصوت خافض مشيرة على الصالون من خلفها موضحة لها فربما تساعدها:

-اصل الواد أشرف قاعد جوه مستني أبويا عشان أنا عكيت الدنيا وحاجة فلة وخمسة عليا…بقولك ايه ما تخشي تقعدي معاهم وحاولي تجرجريه في الكلام..

مسحت ثراء على وجهها برقة فقد حاولت طوال حديثها تحذيرها مشيرة لها بعيناها للخلف لكن لا حياة لمن تنادي…أرادت داليدا تحذيرها فمنعتها أبرار وتركته ينصت لما لديها..

-مش بكلمك يا بت أنتِ..

-اه..

-كك اوه خشي يلا اقعدي معاهم والا وعرش ربنا هديكي علقة موت من بتوع زمان يلا…

حمحمت فجر اخيرًا فقد كساها الخجل والصدمة من حديث وعد أمام أشرف ونضال…

التفتت لهم على الفور وهنا كانت الصاعقة شاعرة بتثلج اطرافها فقد فضح أمرها واستمع الجميع إلى كل شيء.

تابعت فجر إنقاذها لها وبارحت مكانها و دافعت عنها مرددة:

-يالهوي على هزارك يا وعد..قولنالك ميت مرة بطلي هزار….

ردت عليها بشيء من الخجل والارتباك:

-ودي تيجي ده حتى البيت من غيري يبقى كئيب..لا لون ولا طعم…

ولج نضال ومن خلفه داليدا ثم ثراء وأبرار..وأخيرًا فجر..تاركين أشرف يتقدم منها وينال منها اخيرًا..

تقدم بخطوات واثقة حتى بات أمامها مباشرة، ابتلعت ريقها وتحلت بالشجاعة لترفع عيناها وتنظر له..

نظر لها بعمق وكأن غضبه قد تبخر بعد هذا الموقف وحديثها الأخير، فقط هو ما يتردد صداه بأذنيه:

-بقى هتضربيها وتديها علقة موت لو مدخلتش قعدت وجرجرتني في الكلام مش كدة؟؟؟ طب ايه رأيك تجرجريني أنتِ؟؟

بللت شفتاها وتلك الشجاعة التي تحلت بها منذ ثوانِ تبخرت بالفضاء، قائلة بتلعثم:

-هو انت مسمعتش ده هزار..هو ده هزارنا مع بعض..فمتمسكش في الكلمة اوي والنبي، واقولك على حاجة كويس انك هتكلم بابا وتفركش وتفسخ انا من زمان نفسي ابقى مفسوخة..

غادرت مع قولها الأخيرة تاركة البسمة ترافقة على كلماتها التي ابدلت حالته وتركت ضحكاته تنطلق عاليًا.

*************

ولج “خالد” منزلها رفقة ابنه المُمسك بيداه، يتساءل عن حالتها من صديقتها التي هاتفته وفتحت له للتو.

-مالها؟؟ ايه اللي حصل والدكتور قال إيه..

ردت بأسف شديد:

-دور برد قوي، مكسر جسمها ومش قادرة تقوم من على السرير وعمالة تكح..تعالى معايا شوفها..

وقبل أن يتحرك معها حمل صغيرة متجهًا صوب الأريكة ثم جعله يجلس عليها، أمرًا إياه:

-حبيبي خليك قاعد هنا عقبال ما اجي..

هز رأسه بموافقة، فنهض وسار رفقة نورا نحو غرفة نيفين والذي كان بابها مفتوحًا.

دخل الحجرة ووقع بصره عليها فتسمرت قدماه وهو يتأمل هيئتها الفاضحة بصدمة!!!!!!!!

سعلت الأخرى وهي تتبادل النظرات مع صديقتها التي غمزت لها وابتسمت لها بخبث فـ مخططهم بالإيقاع به من جديد قد نجح وسار على أكمل وجه والدليل تأثره بهيئتها و تأمله لها…

اخفت نورا بسمتها الخبيثة ودنت من صديقتها كي تضع الغطاء على جسدها:

-يا نيفين قولتلك متشليش الغطا ميت مرة يا حبيبتي أنتِ مش ناقصة… أنتِ تعبانة خلقة..

عدلت لها الغطاء واقتطفت نيفين نظره نحو خالد، متحدثة بخفوت وارهاق أجادت تصنعه:

-انت جيت بجد يا خالد؟ نورا هو خالد واقف قدامي بجد ولا انا بتخيل من التعب..

ربتت الأخرى على خصلاتها المنسابة معلقة:

-لا يا حبيبتي مش بتتخيلي، هو اول ما سمع انك تعبانة جه علطول..

انتهى الاثنان من تبادل الأحاديث متعجبين من وقوفه دون أن يتقدم أي خطوة…

ابتلعت نيفين ريقها وتسللها الخوف من أن يكون قد شعر بشيء أو كشف ملعوبها..

أنقذها سؤال صديقتها من أفكارها، تستفسر منه:

-مالك يا استاذ خالد واقف كدة؟؟

تبدلت صدمته إلى أخرى غامضة لم يدركها اي منهما، متقدمًا بحذر راسمًا الاسف على وجهه، واقفًا أمام الفراش مباشرة:

-زعلان عليها، الف سلامة عليكي يا نيفين…قلقتيني عليكي..

سعلت مرة اخرى قبل أن تجيب عليه:

-الله يسلمك، انا كنت تعبانة اوي يا خالد، بس حسة اني بقيت احسن بعد ما شوفتك…

هتفت كلماتها الأخيرة وهي ترفع يدها تتعلق بيداه بامتنان لمجيئه…

ابتسم لها مربتًا على يدها، قائلًا بحنو:

-طب الحمدلله، أنتِ لازم تخفي بسرعة عشان تحضري فرحي…ده انا كنت هكلمك انهاردة اعزمك بس صاحبتك سبقت وخضتني عليكي…

سحبت يدها من يده رافعة رأسها عن الوسادة بترقب، متأملة أن تكن قد سمعت أو فهمت بشكل خاطئ:

-فرحك؟!! هو أنا سمعت صح و

-صح الصح يا حبيبتي انا هتجوز.

ضاقت عيناها بغضب أعمى لم تتحكم به نافضة الغطاء عن جسدها صارخة به بقوة متناسية ما كانت تدعيه من لحظات:

-انت هتهزر ولا إيه، هو أنت فاكر أن ده هيحصل كدة عادي واسيب ابني يعيش مع مرات أب…

أغفل عن كلماتها واضعًا يده على فمه بصدمة واتسعت عيناه، مضيفًا:

-الله أكبر خفيتي على السيرة اومال لما اتجوز هيحصل فيكي ايه..

تابعت صياحها عليه مسببة في خوف وسام بالخارج من حدتها وقوتها:

-أنا مبهزرش يا خالد وحكاية انك تجوز دي تنساها…عشان لو فعلا حصل انا هاخد ابني مش هسيبه معاك…

ابتسم لها باستفزاز، معقب بمرح يخفي غيظه وسخطه منها:

-انا بقى بهزر، وكويس هزاري جه بفايدة و كشف كدبك يا كدابة..و صوتك ده يوطى وميعلاش..أنتِ سامعة.

كزت على أسنانها واغمضت عينيها لبرهة تسب حالها على اندفاعها واندلاعها بالحديث..

حول أنظاره نحو رفيقتها المتوترة من افتضاح كل شيء، قائلًا بسخرية:

-مش عيب لما تبقي في السن ده وتكدبي؟

بللت نيفين شفتيها واقتربت منه، تدافع عنها:

-نورا ملهاش دعوة.. أنا

-كدابة..أنتِ كدابة وانا مبحبش الكدب وأنتِ عارفة..وبعدين لما تكدبي بعد كدة ابقي احبكي الموضوع عن كدة، مش اجيلك القيكي بالقرف ده والمفروض انه الدكتور لسة نازل من عندك…اصلك لو فعلا تعبانة والدكتور كان هنا وأنتِ كدة هتبقي مهزقة..ومهزقة دي كدة لفظ محترم..يا محترمة..

تركهم وغادر الغرفة تاركًا إياها في حالة لا تحسد عليها بالمرة….

************

-نسيتي مين تاني يا بت يا دلال، افتكري مش عايزين حد يزعل منك…

حكت دلال مؤخرة رأسها وهي تردد الاخيرة محاولة عصر ذهنها كي تتذكر جيدًا من عليها دعوتهم إلى خطوبة ابنائها الثلاث..

برقت عيناها وتذكرت على الفور “عفاف” وابنتها “زينة”…

لوت شفتيها للجانب بتلذذ ومكر..جاء خليل بذات الوقت يتساءل:

-هو بابا لسة مرجعش؟

-لا لسة مكلماه واقف معاهم في المطعم، هيخلص ويجي، بقولك ايه انا هروح الحارة عشان اعزم الجيران وحبايبنا كلهم..ومش هعوق هاجي علطول..لو جعتوا تاني عندكم ملوخية وفراخ و رز في المطبخ سخنوا وكلوا…انا طالعة البس..

**********

يتحدث جابر مع فتاة تعرف إليها مؤخرًا وبات على تواصل معها من حين لآخر..

ضجر من الكتابة والتحديق بشاشة الهاتف، فأرسل إليها يخبرها برغبته في محادثتها واستماعه لصوتها..

رضخت لطلبه هذا وهاتفها على الفور…

وصل إليه صوتها الطفولي لدرجة أنه ظنها طفلة لوهلة..فلو كان غافلًا عن عُمرها لكان ظن بأن شقيقتها الصغرى هي من تحادثه..

لم يخفي تعجبه وقال بمرح:

-أنتِ صوتك صغير كدة ليه يا بت يا أروى، متاكدة أنك في تالتة جامعة؟

ضحكت عاليًا وهي تجيبه:

-اومال يعني بكدب عليك يا جبوري، وبعدين صوتي عقدتي اي حد بيسمعه بيفتكرني عيلة بسببه..

-طب سيبك من صوتك دلوقتي، مش هشوفك ولا إيه؟

-ده انت طماع أوي و عايز كل حاجة بسرعة..

نفى حديثها، مردفًا بذات المرح:

-لا يا ستي استغفر الله، الطمع اخرته وحش..بس عايز أشوفك…

تأسفت له متحججة:

-وانا كمان عايزة ده، بس انت عارف ان الامتحانات بدأت.. وانا مفحوته في المذاكرة، خلينا نتقابل بعد الامتحانات ايه رأيك؟؟

اوشك على النطق والموافقة لولا انتهاء المكالمة…قطب حاجبيه وحاول الاتصال مجددًا لكن دون جدوى….

مط شفتاه وقذف الهاتف مخمنًا دخول أحدهم غرفتها…

على الطرف الآخر…

ارتبكت وابتسمت بتلعثم لأخيها الذي زمجر بها بخشونة، مشددة على هاتفها الصامت القابع بين يدها بخوف من بطش أخيها إذا علم محادثتها مع شاب غريب:

-هو إيه واقعة على ودانك لازم نقوملك بروح أمك..

بللت شفتيها مجيبة على أخيها :

-اسفة يا أبيه والله ما سمعت، كنت بذاكر المواد صعبة أوي بذات الفيزياء…

استنكر حديثها مردد بقسوة:

-لا وأنتِ مقطعة نفسك مذاكرة عارفة لو جبتي مجموع قليل هعمل فيكي إيه؟

ازدردت ريقها بخوف، مجيبة بخفوت:

-عارفة يا أبيه زاهر.

**********

داهمت “رحمة” غرفة وعد فوجدتها تتمدد على الفراش تضع قدم فوق الأخرى وبين يدها إحدى الكتب الدراسية..نظرت لها من خلف الكتاب، قائلة:

-مدام دخلتي الدخلة دي يبقى وعد عملت مصيبة..ها عملت ايه انا المرة دي؟؟

أغلقت الباب وتقدمت منها ثم لكزتها بقدمها مما جعلها تعتدل بجلستها وهي تتألم، مرددة بتشنج:

-يا مهزقة خطيبك قاعد تحت لوحده..

ضحكت وعد محاولة إخفاء ضيقها وقلقها:

-اسكتي مش كمان شوية مش هيبقى خطيبي وبنتك هتبقى مفسوخة يا ماما…

برقت عيناها من كلمة ابنتها، هاتفة بغيظ:

-مفسوخة مين يا بنت المفسوخة..هتشليني أنتِ…

تأففت ونهضت رافضة:

-لا لو سمحتي كلميني احسن من كدة.. يعني مش هبقى مفسوخة ومهزوقة كمان…كفاية كدة لو سمحتي..

وضعت رحمة يدها على رأسها، متحدثة بقلة حيلة:

-اعمل فيها ايه ياربي أموتها واخلص منها..

-هتخشي السجن يا ماما هيعدموكي وينزلوا الخبر على النت.. فتاة قُتلت على يد والدتها بوحشية لرفضها الجلوس مع خطيبها الذي كان يرغب بالفسخ…

اخرجت رحمة زفيرًا عاليًا مهددة إياها:

-عشر دقايق وتنزلي تقعدي معاه عشان مطلعش أنا أقعد معاكي وساعتها..

قاطعتها، قائلة:

-خلاص خلاص هنزل وامري لله.

*************

جلست وعد جواره على الأريكة تتحاشى النظر إليه، مستمعة لحديث روفان المصوب نحوهم:

-سليم وايهم في الطريق، عقبال ما يجوا يكون الغدا خلص وطفينا عليه…

ابتسم نضال وقال بتلميح:

-براحتهم، ادينا قاعدين..

همست داليدا:

-قصدك لزقين..

-أنتِ تاني؟؟

-لا تاني ولا تالت وعلى فكرة بابا مش هيوافق على كتب الكتاب..

قالتها وهى تنظر له فقام بالغمز لها، متمتم بمكر:

-هقنعه..بعون الله قادر واعملها…

حركت “وعد” رأسها تنظر له من جانب عيناها..التقط تلك النظرة، فأخبرته:

-على فكرة كنت عارفة اننا مش هنكمل، أصلا أنت مش نفس دماغي، وعصبي وانا عصبية اكتر منك، يعني لو كنا اتجوزنا..بعد الشر يعني كان ممكن ابطحك بحاجة وافتحلك نفوخك…

كتم ضحكته بصعوبة واكتفى بالنظر أمامه وعدم الايجاب..مما زاد حنقها وعنفت نفسها على الحديث معه قائلة في سرها:

-للدرجة دي مش طايقني!!

مضى بعض وحضر سليم وأيهم وباقي رجال العائلة…وقبل تناول طعام الغداء سويًا دخل الأربع رجال إلى غرفة المكتب…

جلس سليم خلف المكتب وأيهم بالمقعد المقابل للمكتب، أما نضال وأشرف فجلسوا على الأريكة..

تبادلوا النظرات ولم يعرف أي منهم من عليه التحدث أولا..و رغم عدم إدراك نضال لما يرغب به أشرف إلا أنه فضل أن يتحدث هو اولا:

-اتفضل يا اخويا انت الكبير…

اماء له وسلط بصره على أيهم، قائلًا دفعة واحدة:

-بصراحة يا عمي انا عايز اكتب كتابي على وعد مع الخطوبة، ايه رأي حضرتك؟؟

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم.❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق