رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثلاثون 30 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثلاثون

الفصل الثلاثون

الفصل الثلاثون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثلاثون:

أطبقت جفونها لوهلة متحاملة على قدميها بعد أن استمعت لاسم غريمتها..

ناعتة إياها بسرها بـ”السارقة”..

لكن لا بأحلامها لن تتركه لها..

هي من رأته و وقعت في عشقه اولًا..

لاحظ “خليل” سكونها فتراجع خطوة للخلف، قائلًا:

-عن إذنك..

هزت رأسها بتفهم وتحركت من أمام عتبة الباب تزامنًا مع غلقه الباب…

في العادة لا يكون عديم الذوق أو فظًا لكنه كان مجبرًا لجلوسه بمفرده….

علقت غصة بحلقها ابتلعتها بصعوبة، وقدميها لا تزال تتحرك، اما عيناها فكانت مشتته، تائهة لاختياره وئام وليس هي..

رغم عشقها المضاعف نحوه..

وصلت للبوابة ومن سوء حظ الآخر وصولهم وسقوط بصرها عليهم..

رأتها تجلس جواره…البسمة تعتلي ثغرها…

أظلمت عيناها وشع الحقد الدفين منها فقد اخذت مكانها…

ثبتت قدميها بالأرض وقررت انتظاره..مراقبة دخولهم من البوابة، فلن تضيع مجيئها هباءًا ولن تستسلم…مؤمنة بتلك المقولة..”كل شيء مباح في الحب والحرب”

وستعلن الحرب حتى تظفر بالحب……

************

اختفت بسمة “وئام” تدريجيًا بعد أن رأتها تقف على بوابة منزله…ثبتت انظارها عليه فلاحظ هو وتهرب متحاشيًا عيناها على الفور، لاعنًا ذاته وفاتن التي ستدخله بمشاكل وخلافات معها…

وهو من سعد بهذا التقدم في علاقتهم..

ظلت صامته حتى صف بالسيارة و ترجل الجميع عدا هما…

حاول تخطي الأمر وكان شيء لم يحدث، مبتسمًا بتوتر طفيف مطالعًا إياها ناطقًا بمرح لا يناسب تلك الأجواء المشحونة:

-يلا انزلي، ولا مش عايزة تنزلي وحبة نقعد في العربية، انا عن نفسي أي حاجة م

اوقفته عندما باغتته بسؤالها مقاطعة كلماته لا تبالي بنظرات والدتها المندهشة من بقائها بالسيارة حتى الآن:

-فاتن بتعمل إيه قدام بيتكم يا عابد؟؟

تلعثم وشعر بالحيرة..ترى هل يخبرها بالحقيقة ام يدعي عدم إدراكه ومعرفته؟

بعد تفكير لم يدوم كثيرًا، قال حاسمًا آمره:

-انزلي دلوقتي، واول ما ادخل البيت واطلع الاوضة هكلمك واقولك كل حاجة..

هنا ورأى مجددًا بحدقتاها تلك النظرات الغاضبة..المتعجرفة والذي لم يراهم منذ أن تقدم لها…

هبطت من السيارة دون أن تنبس بحرف واحد، غير مبالية بالجميع، او بتوديعهم مقتحمة المنزل وهي لا ترى أمامها من الغضب من رؤية تلك الفتاة حول منزل خطيبها…ومن سيصبح زوجها خلال أيام معدودة..

اندهشت علياء من حالتها واقتربت من عابد تتساءل عبر النافذة:

-هو في إيه مالها وئام؟؟

حرك كتفيه بعدم معرفة، فهمست هي:

-الجنونه هتمسكها ولا إيه؟

خرجت كلا من أبرار، ثراء، فجر، و وسام المتعلق بعنق أبرار على أصوات السيارات مدركين بعودتهم..

كادت وعد أن تتقدم منهم وتركض نحوهم لولا همس أشرف الذي وصل إليها:

-ابقي تفي على وشي لو قولتلك وعد دي تاني، من انهاردة أنتِ رعد وبس، عشان تعرفي تقوليلي اشف حلو اوي قدامهم كلهم..

ازدردت ريقها والتفتت اليه ببطء غافلين عن أعين دلال المراقبة لهم..

ابتسمت له رغمًا عنها مدافعة عن ذاتها:

-مش أنا اللي قولت على فكرة ده لساني، يعني انا كـ وعد مليش دعوة، لساني هو اللي غلطان كلمه هو بقى…

ضحك بغلاظة تعمدها اخافتها وفي ذات الوقت جعلتها ترغب بالضحك على هيئته فدائمًا ما تنجح في إيصاله لأعلى درجات الغضب.

موافقًا على حديثها، متمتم بغموض:

-صح مش أنتِ اللي غلطانة، انا عارف هعمل إيه..

أثار حفيظتها مع قوله الأخيرة، رغبت بالاستفسار ومعرفة ما ينوي عليه لكن لم يسع لها الوقت بحضور الجميع…

في ذات الوقت هلل “وسام” مناديًا على والده القابع بالسيارة والذي تعجب بتواجده هنا وانعكس هذا التعجب على ملامحه الرجولية الوسيمة، قائلًا بذهول وهو يتقدم نحوهم:

-بتعمل ايه هنا، وجيت ازاي؟!!

أسرعت هي بالاجابة بدلًا عن الصغير بنبرة كانت متقطعة وخفقات عالية جعلت صدرها يعلو ويهبط من فرط مشاعرها، متابعة تقدمه نحوها ونحو صغيره:

-خليل جابه، كان حابب يقعد معانا واحنا كمان بنحبه أوي وانبسطنا لما شوفناه..

بات أمامها مباشرة، فـ تغلغلت رائحة عطره أنفها وجعلتها تكتم أنفاسها…ولم تفرج عنهم الا عندما مال عليها ومد يده يلتقط الصغير من بين أحضانها..

قد يظهر الوضع طبيعيًا بالنسبة الجميع وحتى بالنسبة له، لكن لها هي كان الوضع مختلفًا تمامًا فصغيره الذي أحبته تحمله على ذراعها، وهو أمامها ورائحته تقتحمها دون أي استئذان…

قلبها وكيانها بأكمله لا يتحمل ما يحدث الآن، نظرت بعيناه مستغلة نظره المعلق بطفله، تتأمل تعابيره وضحكته الذي يمنحها لابنه الذي رفع ذراعه وتململ بين احضانها على استعداد تام للارتماء بأحضانه بدلًا عنها..

وأثناء أخذه له، تلاقت عيناهم من جديد وميز تلك اللمعة وارتباكها الذي جعلها تخفض بصرها كأنها لم تسترق وتطول النظر إليه…

تلذذ بهذا الخجل والارتباك الفريد من نوعه، مرددًا بصوته العذب:

-اتمنى ميكنش غلبكم أو تعبكم.

نفت سريعًا تلك الكلمات، مادحة سلوكه:

-لا أبدًا ده جميل خالص، وحتى لو على قلبي زي العسل..قصدي يعني على قلبنا..

عدلت من جملتها الاخيرة، فـ لاح شبه بسمة على وجهه، أخفاها على الفور ببراعة…متحركًا رفقة ابنه بعيدًا عنها تاركًا قلبها يرفرف في عنان السماء من ذلك الحديث المتبادل بينهم…

نعم لم يطول ولكنه حدث وفعل بها الأفاعيل التي يعجز اللسان عن وصفها.

هبطت دلال من سيارة خالد واودعتهم مقترحة عليهم تناول الغداء سويًا لكنهم رفضوا بأحترام ..

استقلت بسيارة جابر والذي ظل ساكناً مكانه ولم يهبط مثلما فعل الجميع، يراقب من خلف النافذة ثراء يتوعد لها بالأيقاع في فخ عشقه ثم يتركها وهذا سيكون عقابها…

فلم تأتي بعد من ترفضه وتعامله بتلك العجرفة والفظاظة ومن المؤكد أنها ستدفع الثمن في القريب العاجل..

مر خالد من جوار نافذة دلال فنادت عليه تخبره بعفوية:

-متمشيش يا خالد، هنتغدا الأول مع بعض.

صعد أشرف في المقعد الأمامي بسيارة عابد منتظرين نضال الذي تساءل عن سليم:

-هو حمايا مش هنا ولا إيه؟

ردت عليه روفان مخبرة إياه:

-لا خرجوا كلهم الصبح عشان يمروا على المحلات، تعالى اقعد استناه لو عايزه..

هتف بعدم تصديق:

-بجد؟؟ ينفع ادخل استناه معاكم؟

-اكيد، يلا.

قالتها ببسمة لم تخفيها، متقدمة من الباب والجة المنزل،

دنا من عابد يخبره وهو يراقص حاجبيه قاصدًا مضايقته:

-اتكلوا انتوا، انا هقعد معاهم، هستنى حمايا عشان عايز اكتب كتابي معاك..

**************

مر من البوابة وصف السيارة تاركًا المفتاح بحوزة أشرف بعد أن وجدها تقف بالخارج ويتضح أنها بانتظاره….

ارتفع حاجبي دلال باستهجان واضعة يدها أعلى خصرها، مغمغمة بامتعاض مصوبة حديثها لأبنائها:

-هي البت الملزقة دي واقفة برة بتعمل ايه، وأخوكم خرجلها ليه، احنا مش ناقصين مشاكل مع خطيبته..

بالخارج.

خرج سؤاله حاملًا الكثير من الغضب بين طياته:

-واقفة كدة ليه يا فاتن؟؟ وبتعملي ايه هنا اصلا؟

تخلت عن غضبها وفضلت إظهار ذلك الجانب الحزين، متحدثة بعتاب زاد من سخطه نحوها:

-جاية اشوفك يا عابد، قلقت عليك عشان مش بترد عليا، قلبي وكلني عليك، قلت اجي واشوفك يمكن بعد الشر تكون تعبان..بس اخوك قابلني وقالي انك روحت مع خطيبتك تجيب الشبكة..وانك هتجوز..

أكد كلمات أخيه ببرود:

-اه هتجوز ومكنتش برد عشان مش فاضي بس اكيد كنت هعزمك متقلقيش..

-طب وأنا يا عابد؟!! مفكرتش فيا ليه، انا بحبك وانت عارف ده، انا اتعشمت لما قولتلي انك عايزني في شغل معاك، افتكرت أن فرصتي الحقيقية معاك جت، وأنك ممكن تقدر مشاعري وتبادلني حبي.

تحدثت بخذلان شديد كانه قد وعدها وخلف هذا الوعد والعهد معها..رد عليها موضحًا لها مدركًا خطأه بتواصله معها وهو يدري مشاعرها، وعدم إجابته عليها والتوضيح لها فـ التهرب منها لم يكن حلًا على الإطلاق.

-أنا موعدتكيش بحاجة يا فاتن، انتِ بالنسبالي أخت و

قاطعته مكررة من خلفه بصدمة:

-اخــــــتــــك!!!!!!!! ازاي يعني أختك؟

كز على اسنانه موضحًا:

-يعني أختي، انا لا لعبت بيكي ولا قولتلك اني بحبك أو اني بكنلك اي مشاعر، انا حبيت وئام وبس، وعشان كدة خطبتها وهتجوزها، انا يمكن غلطت لما كلمتك وانا عارف زي ما قولتي انك بتحبيني بس صدقيني مكنش في بالي اي حاجة من اللي قولتيها، ودلوقتي انا قادر اصلح الغلط ده…

اخذ نفسًا عميقًا قبل أن يضيف بهدوء محاولًا إقناعها:

-أنا آسف عشان مقدرتش ابادلك حبك، بس قلبي مش بزرار عشان اعرف اتحكم فيه، والدليل على كدة أن وئام مش احسن واحدة بس مقدرتش امنع قلبي يحبها ويتعلق بيها، لو كلامي ومقابلاتي معاكي استمروا مش هتعرفي تنسيني، وكرهك ناحية وئام هيزيد لانك هتحسي دايما انها خدتني منك، رغم أن ده محصلش لاني عمري ما كنت ليكي يا فاتن..

صمت يلتقط أنفاسه كي يستطع إخراج كل ما يدور في عقله..رأى الدموع الحبيسة بعيناها لكن هذا لم يمنعه رغم تألمه لأجلها فقد اختبر هذا الشعور من قبل ويدري ما تشعر به جيدًا:

-أنا مستاهلكيش..والله ما استاهل حبك.. وأكيد هتقابلي اللي يقدر حبك ويبادلك كل مشاعرك..وانا آسف ليكي مرة تانية لو كلامي معاكي سببلك أي أمل مش موجود.

هبطت دموعها تلفح بشرتها الدافئة، فقامت بإزالتها على الفور بعنفوان قائلة بكره:

-وانا مش مسمحاك وهفضل ادعي عليك وعليها، إن شاء مش هتشوفوا يوم عدل سوا، وقلبكم هيتوجع أضعاف وجعي..

غاردت مع قولها الأخيرة مما جعله يعقب بصياح واهتياج مما تنوي عليه:

-انا مأذتكيش يا فاتن، بالعكس أنتِ دلوقتي اللي بتعملي ده..مكنتش فاكرك سودة من جوه اوي كدة، وعلى العموم انا مش خايف منك عشان ربنا شاهد عليا وعارف اني ملعبتش بيكي…

***********

تقوس فمها ببسمة صفراء وهي تهمس له بعد أن أجبرتها روفان على الجلوس معه هي و أبرار وفجر حتى يعدون الغداء ويتناول معهم الطعام:

-أنت مروحتش ليه مع أخواتك، هتفضل لزقلنا كدة كتير.

-والله إخواتي دول ادلعوا اخر دلع مش زي حالاتي، أمك و مرات عمك في النص، كأنهم متسلطين عليا..

انكمش وجهها ضيقًا مرددة إحدى كلماته باستنكار:

-ايه امك دي؟ اسمها والدتك..

خطف نظرة نحو أبرار وفجر المنهمكين بالحديث سويًا، و رد ببساطة:

-مفرقتش نفس المعنى، أنتِ عارفة انا عايز ابوكي في إيه؟؟

هزت كتفيها تجيبه بكذب:

-وانا هعرف منين؟

تحولت تعابيره لأخرى ماكرة عابثة تحمل بين طياتها الكثير والكثير:

-يا بت يا لئيمة عايزة تفهميني انك متعرفيش، اراهنك، لا بلاش الرهان حرام، اقطع ايدي دي لو مكنتيش عارفة..بقولك ايه ما تقوليلي انك بتحبيني بس بتتقلي واخلصي.

ارتفعت نبرتها منتفضة من جلستها مرددة باحتجاج:

-نـــــــــــعم انت عبيط ولا شكلك كدة..

جذبها من يديها يجبرها على الجلوس مبتسمًا في وجه الفتيات:

-لا شكلي كدة، اقعدي يخربيتك مكنتش كلمة فضفض بيها معاكي..

نفضت يده التي تلامسها وبعثرت لها مشاعرها وأفكارها وحروفها:

-دي..دي مش فضفضة انت بتتهمني اني بحبك وده مش حقيقي..

-بتهمك هو حبي جريمة ولا إيه؟؟ وبعدين كلامك معقد كدة ليه، مكنتش كلمة قولتها… يخربيت اللي يفضفض معاكي يا شيخة..

نظرت أمامها وعقدت ساعديها وأفكارها في حالة هرج ومرج، تتساءل من اين جاء بهذا الحديث؟؟ وما الذي يظهر عليها وجعله يفكر هكذا..

مال عليها من جديد مقتحمًا تفكيرها وتساؤلاتها مع نفسها مردد بخفوت وانفاسه تلفح بشرتها الدافئة:

-متفكريش كتير، التفكير مش حلو واخرته وحشة، وعلى فكرة اللي خلاني اقول كدة أن مفيش واحدة هتوافق تجوز واحد هي مش عايزاه أو مش حسة ناحيته بحاجة وشيء مميز، زي بضبط كدة ما هو مفيش واحد هياخد خطوة الجواز اللي تعتبر أهم خطوة في حياة اي راجل الا لو كان حاسس بناحية البني ادمة دي بمشاعر حلوة..

عاد بظهره تاركًا إياها تفكر في كلماته..بل اعترافة الغير صريح بما يكنه نحوها من مشاعر على وشك أن تصبح عشق يتحاكى به الجميع….

تابع أثر وقع كلماته عليها والتي جعلتها في حالة لا تحسد عليها…لا ترى..ولا تسمع فقط صدى اعترافه يتكرر دون توقف…

ابتسمت دون أن تدرى أو تشعر مما جعله يتبسم هو الآخر بأتساع فقد صدق حدسه وهي تعشقه لكنها تأبي الاعتراف حتى الآن.

************

لجأت إلى غرفتها، مختبئة بها عن أعين الجميع، تنهشها غيرة لم يسبق لها تجربتها، تظن بأنه يخدعها وعلى تواصل بتلك الفتاة، و ربما يكون هناك شيء ما بينهم وإلا ما كانت آتت إلى باب منزله…

مسحت على جبينها بغيظ وهى تدور كاليث الحبيس منتظرة اتصاله كي تنفجر به..

تلاعب الشيطان بعقلها وجعلها تتوقع وتخمن الكثير من الأشياء الخاطئة متحدثة مع ذاتها وقدميها لا تقف بل تزداد خطواتها سرعة:

-معقول يكون بينهم حاجة…ولا تكون حامل منه…

اعلن هاتفها عن اتصالًا منه..ركضت نحوه بلهفة ملتقطة إياه صارخة بوجهه عائدة إلى طريقتها السابقة ملقية عليه كل ما جال بذهنها من أفكار شيطانية:

-جيالك لحد باب البيت ليه ها؟؟ فيه بينكم حاجة مش كدة…اتكلم..انطق..ولا تكون حامل منك…

اتسعت عيناه صدمة من كلماتها، معلق:

-أنتِ بتقولي إيه…حامل إيه أنتِ هتلبسيني مصيبة…

عقبت وهي تلتقط الوسادة من أعلى الفراش قاذفة إياها تجاه الباب:

-اومال جاية ليه؟؟؟ عايزة منك ايه دي؟

زفر بصوت مسموع مقترحًا عليها:

-طب إيه رأيك تهدي عشان نعرف نكلم؟؟

-متقوليش اهدي عشان أنا مش بشد في شعري أنا هادية جدا، يلا قولي عايزة إيه دي؟؟؟

بدأ حديثه الصادق ساردًا عليها كل شيء:

-من فترة كلمتني وقولتلها اني كنت هكلمها وعايزها معايا في الصالون بتاعي وهي ساعتها مرفضتش ورحبت جدا بالفكرة وكمان طلبت تشوفني…

انفعلت تتخيل خروجهم سويًا وهي الحمقاء المغفلة التي كانت لا تدري أي شيء، وتظنه مولعًا بها ولا يرى سواها:

-وشوفتها؟؟

-شوفتها وخرجنا سوا واتكلمنا ولمحتلي بمشاعرها ناحيتي، وانا ساعتها عشان اهرب قولتلها نقوم نروح اي مكان تختاره وهي مكدبتش خبر واختارت تيجي معايا البيت وتشوف وتتعرف على اهلي..

عضت على شفتيها واعتصرت قبضة يدها مستمعة لبقية حديثه:

-خدتها واتعرفت عليهم وكان نفس اليوم اللي عيلتك عندنا بس أنتِ مكنتيش موجودة..اتعشت معانا وبعدين وصلتها ورجعت البيت…وبعديها اتقدمتلك وهي اتصلت كتير بس مكنتش برد وده اللي جابها..وعلى فكرة هي مرة واحدة بس اللي رديت عليها وكانت لما ك

-لما كنت قاعد معايا وبنتغدا سوا مش كدة؟؟؟

استرسلتها بدلًا منه مخمنة بأنها كانت هي من اثارت غيرتها أيضًا دون أن تعلم……تشنجت وبرزت عروق رقبتها…شارفت على الصراخ عليه بكلمات قد تكون لاذعة…فظة..لكنه جعلها تبتلع كل هذا بحلقها مرددًا:

-المرة اللي قعدت فيها معاها مكنتش شايف غيرك، كانت قاعدة قدامي بس مش شايفها، عيني وقلبي مش بيشوفوا غيرك يا وئام، حتى ساعة العشا تفكيري وقلبي كانوا معاكي أنتِ مبطلتش تفكير فيكي طول العشا، ورغم اني كنت بقاوح مع نفسي وبقول مش عايز اشوفك بس من جوايا كنت عايز ده..انا كداب وعارف اني كداب.. بكدب على نفسي على أمل انك تفارقيني وتسبيني….

تنهد بألم فلم يتخيل يومًا أن يعشق لتلك الدرجة:

-بس ده محصلش وكنتي بتعششي جوايا اكتر واكتر..

هتف الاخيرة بمرح شديد جعل غضبها يتبخر وتهدأ مستمتعة بهذا الاعتراف…

بللت شفتيها واردفت بهدوء:

-قولي انك مش هتقابلها تاني وحكاية تشتغل معاك دي أنساها….

-غيرة دي ؟؟

رددها بأعين ضاقت بمكر، إجابته بلامبالاه:

-سميها زي ما تسميها بس مش هتشتغل معاها ولا هتشوفها تاني خلص الكلام..

*************

-اللقمة دي راحة على بُق مين…يلا افتح بُقك…

هكذا رددت دلال وهي تعلق يدها بإحدى اللقيمات الصغيرة التي غمستها بـ “ملوخية” واضعة إياها أمام ثغر أشرف تحثه على فتح فمه…

ضحك خالد وجابرعاليًا لما يحدث معه وذلك الدلال المفرط المبالغ به..

ابعد أشرف وجهه مردد بوجه محتقن بالدماء:

-ايه ياما عيل صغير انا..ده خالد معملش كدة مع وسام..

رفضت اعتراضه مرددة:

-ولو ولو هتفضل صغير ومش هتكبر عليا، افتح بُقك يلا…

رضخ لطلبها على مضض تحت ضحكات هؤلاء التي لم تتوقف….

ابتلع ما بفمه صائحًا:

-ما تضحكش يا عم انت وهو…عجبك كدة ياما؟؟!

غمزت له بعيناها مرددة بهمس:

-غيرنين سيبك منهم..يلا اللقمة دي هتروح على بُق مين…

-لا كدة كتير…أنتِ مالك انهاردة؟؟؟

تلفظ بها وهو ينهض من جلسته على السفرة، التهمتها هي بفمها مجيبة بغيرة:

-مالي مشبهش ولا مشبهش بدلعك ايه بلاش يا أشف؟؟

علق جابر بدهشة وبسمة بلهاء:

-اشف ؟؟؟

أكدت والدته وغيرتها لا تزال تسيطر عليها فلم تكن تتوقع أن يحدث هذا معها وتشعر بالغيرة من تلك الفتاة:

-اه يا أخويا حبيبة القلب بدلعه تقوله اشف، بعد كدة كلكم دلعوه وقولوله يا أشف…..

-ازيك يا أشف؟

جاء صوت “عابد” من الخلف يمزح معه…نفذ صبره وصاح بهم قبل أن يترك الطعام ويغادر:

-وديني اللي هيقولي اشف دي ما هحله…محدش يهزر معايا عشان مزعلكوش…

نهضت دلال من خلفه وهي تنادي عليه تحثه على العودة واستكمال طعامه:

-رايح فين ياض تعالى كمل اكل..واد يا أشف…يا أشف…

شعر خالد باهتزاز هاتفه بجيب بنطاله..أخرجه متوقفًا بصعوبة عن الضحك..نظر بالشاشة فوجد رقمًا غير مدون..

رد عليه بترقب وصوت تحول للجدية:

-ألو.

وجده صوت أنثوي مرددة بنبرة قلقة:

-الو استاذ خالد معايا؟

-أيوة أنا، مين حضرتك..

-أنا نورا صاحبة نيفين، وبكلمك ابلغ حضرتك أنها تعبانة جدا فلو ينفع تيجي و

لم يدعها تسترسل ناهضًا من مكانه، قائلًا بخوف طفيف عليها:

-أنا جاي حالًا انتوا فين؟؟

-في البيت عندها الدكتور لسة نازل…

*************

ولج أشرف المطبخ والهاتف على أذنيه يتصل عليها يتوعدها بأعين نارية…

بدأ بحثه عما يريد، مستمعًا لاجابتها:

-ألو…

-اخرجيلي حالا عند الشجرة اللي وقعتي عندها قبل كدة..

قطبت حاجبيها تتساءل:

-اشمعنا…

وجد ما يريد مبتسمًا بشر رافعًا إياه أمام حدقتاه مجيبًا بغموض دب الرعب بأوصالها:

-لما تيجي هتعرفي…..

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم.❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق