رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل التاسع والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل التاسع والعشرون:
دارت “وئام” برأسها نصف التفاته..خاطفة نظرة نحو داليدا كاتمة ابتسامتها..
بادلتها “داليدا” تلك البسمة على يقين تام بأن نضال على وشك الانفجار من جلوس روفان بالمنتصف..
رفع “عابد” يديه تجاه المرآة يحركها قليلًا راغبًا في رؤية قسمات وجه أخيه..
سقط بصره عليه من خلالها متشفيًا به، مدركًا لما يدور بذهنه الآن وحقده نحوه لجلوس وئام جواره..
صر “نضال” على اسنانه بغيظ وهو ينظر من النافذة الزجاجية متمتم بينه وبين نفسه غافلًا عن نظرات أخيه الشامتة:
-هو يتروق عليه قدام، و انا البس ورا، يخربيت الظلم..
انتهى من حديثه مع ذاته ينظر لروفان ببسمة صفراء لم تصل لعيناه، مردد من وراء قلبه:
-مرتاحة يا حماتي؟؟
هزت رأسها تؤكد له:
-اه يا حبيبي مرتاحة اوي، انت مرتاح؟؟ عارف تقعد.
لم يستطع عابد كبح ضحكاته أكثر مطلقًا إياهم بالسيارة..جابرًا كلا من وئام وداليدا على مشاركته…
صعدت الدماء لرأسه، متململًا في جلسته منحنى بجسده للإمام رافعًا يديه مباغتًا الآخر بلكزه بقوة، متحدث من بين اسنانه:
-بتضحك على ايه انت يا مهزق، لم نفسك ها..
احتج على كلماته، مجيبًا ببراءة زائفة:
-يا عم انا حر أضحك براحتي هو انت شريكي، ثم اني رايح اجيب الشبكة لخطيبتي اللي قاعدة جمبي، عايزني اعيط يعني ولا إيه مش فاهم؟؟
عاد لكزه متمتم بغيظ منتبهًا فى حركته كي لا يتصادم بروفان:
-لا افرسني..افرسني كمان وكمان…
انتهى عائدًا بظهره مبتسمًا جبرًا مصوبًا كلماته إلى تلك القابعة في المنتصف بكل براءة:
-طب اقسم بالله منورة يا حماتي..
اتسعت بسمتها كاشفة عن أسنانها، معقبة بتردد وشك بأمره:
-مش عارفة حساها من ورا قلبك، اوعى تكون مضايق من قعدتي..
نفى كاذبًا متصنعًا الصدمة:
-اضايق مين ده أنتِ منورانا والله… وبعدين هو انا اطول القمر ده يقعد جنبي؟
ضاقت أعين داليدا متمتمة بخفوت:
-كداب وش..
وصلت كلماتها إلى والدتها التى تابعت مبررة له:
-أنا مردتش اقعد قدام قلت اسيب وئام تقعد جمب عابد، وانا اقعد جمبك وجمب بنتي..
علق عابد شاكرًا إياها:
-حبيبتي كلك ذوق اقسم بالله، يخليكي لينا يارب..
حرك الاخير رأسه نحو النافذة يتوعد بجلوسه جوراها أثناء عودتهم…
***************
تتأفف بصوت عالي من ذلك الصمت والسكون اللذان يسيطران على الأجواء من حولهم..
حركت عيناها على جابر كذلك أشرف وبالاخير والدتها الحادقة والمتابعة للطريق من خلال النافذة…
-وحـــــــــــــــــدوه.
-لا إله إلا الله.
رددها الجميع في ذات اللحظة فقد باغتتهم بمقاطعتها لهذا الهدوء..متابعة على الفور:
-بقولك ايه يا أخينا ما تشغلنا أغاني بدل الجنازة اللي احنا قاعدين فيها دي..
استجاب لها جابر محافظًا على ملامحه المتجهمة ماددًا يده كي ينفذ لها رغبتها..
عادت بظهرها ناعتة إياه في سرها:
-اعوذ بالله من قلبه وشك تقطع الخميرة من البيت، ده اشف اخوك ارحم منك.
دوى صوت الأغنية بالسيارة والتي جعلت ملامحها تستنكرها تمامًا…
“كل يوم نتلاقى والاشواق مشتاقة، و الغرام فى عيونا وندوب ليلة وليلة غرام، الفراق مش لينا والحنين مالينا، حتى الدمع فى عنينا جوه عيونا و كل ليلة، ذكريات كدابة والاشواق كدابة، وادى الليل بجراحة ونارة، أدى عذابة وأدى مرارة، نسهر نعشق ويا جراحه، شوف كام واحد فينا اختاره، مش هنساك علشان خلتنى اعشق نارك وانت فايتنى بعد الحب ده كله تقولي هو ده قلبه وهو قراره”
اندمج كلا من جابر و أشرف معها تمامًا كما جعل الغيرة تتسللها متذكرة أمر خطيبته السابقة، وجعل الشكوك والتساؤلات تتغلغلها….
تشنجت تعابيرها صائحة بصوت فزع الجميع:
-ذكريات مين يا ابو ذكريات هو احنا اتنيلنا لحقنا عملنا ذكريات، ما تشغل يا بني حاجة عدلة…فرفشني..متغمنيش يا بني..
-ابنك؟!!!
رددها جابر بأستهجان، فأشار له أشرف كي يتجاهل كلماتها مردد:
-هاتلها اللي هي عايزاه ومتدخلش معاها في كلام اسمع مني…
زفر جابر وتساءل على مضض:
-تحبي اشغلك إيه؟؟؟
-هاتلي مهرجان اخواتي بحبه وبيفرفشني…
هنا ولم تتمكن “رحمة” من الصموت أكثر غارزة اظافرها بلحم ذراعيها متمتمة بهمس:
-ياما نفسي أجيبك من شعرك..
تأوهت بصوت عالي جذب أنظار الاخين، فاضحة فعلة والدتها خاصة مع قولها لكلماتها المتألمة:
-اه يا ماما دراعي حرام عليكي، هو قدك ده..
جذبتها من ذراعيها على مضض مبتسمة بمجاملة لـ أشرف المتابع بفضول لهم مردفة بهمس:
-اقسم بالله لو ما قعدتي ساكته لهنزل عليكي باللي في رجلي ومش هيهمني حد.. وأنتِ اكتر واحدة عرفاني….
لاح السخط والغضب على وجهها عاقدة ذراعيها لازمة الهدوء لا تبالي بالأغنية التي ترددت كلماتها وانصياع جابر لطلبها…
شعرت بالاختناق مما يحدث معها سواء كان أسلوب والدتها الحاد الصارم أمامهم، أم أشرف الذي انتبهت لتلك اللمحة من الحزن عليه..
فتحت النافذة لا تبالي ببرودة الجو، مما جعل رحمة تصيح بها:
-أنتِ حلوفة يا بنتي، هتاخدي برد، اقفلي الشباك ده..
رفضت متمسكة برغبتها في استنشاق هذا الهواء:
-لا..
-هو ايه اللي لا، وعد متنرفزنيش اقفليه بقولك….
ضربت بقدميها أرضًا وهي تصيح بطفولية جعلت أعين اشرف تتسع مراقبًا تلك المشاحنة والجدال بينهم مدركًا من اين جاءت بتلك الشخصية…فهي تشابه والدتها…..
-اوووووف..
شارفت رحمة على إخراج الكلمات اللاذعة متناسية الزمان والمكان لولا أشرف الذي جذب حواسها متسائلاً ببسمة وكأن شيء لم يحدث:
-حضرتك تحبي الفرح يبقى امتى..
انشغلت رحمة بالحديث معه وهو كذلك لكن هذا لم يمنعه من ملاحظة تلك التي تتأمل ملامحه ظنًا بانه لا ينتبه أو يغفل لانهماكه بالحديث……
**************
كتم خالد بسمته المرحة مانعًا إياها من الظهور على محياه، مقتطفًا نظرة نحو دلال القابعة جواره والتي تلتفت بكامل جسدها نحو علياء لا تتوقف عن الثرثرة والحديث منذ أن انطلقت السيارة…لا تعبئ بهذا الوجوم والانزعاج على وجه الأخرى…
وضعت “علياء” يدها على رأسها وهي لا تزال تنصت للاخرى….
لم ينقذها سوى رنين هاتفها الذي صدح بالأرجاء..
اعتدلت بجلستها واخرجته لتجدها شقيقتها…ازدادت بسمتها مستديرة نحو علياء مرددة:
-دي نجلاء أختي بتتصل، أكيد عايزة تعرف خلصنا ولا لا، بس مش هرد عليها دلوقتي لما نخلص، اصل نجلاء رغاية ولما بنفتح في الكلام مش بنعرف نسكت..
احتجت علياء تشجعها على ضرورة الحديث وطمأنه الأخرى:
-لا لا ميصحش ردي عليها…
-أنتِ شايفة كدة ؟؟
-اكيد..
استمعت إليها وأجابت على الأخرى..فأبتسم خالد على تلك المرأة التلقائية العفوية…والثرثارة…
تنهدت علياء براحة وعقدت ساعديها متمتمة بخفوت:
-أنا ايه اللي ركبني معاها دي كلت دماغي، ما كنت ركبت مع بنتي…
بينما ردت دلال على شقيقتها تخبرها بما يحدث:
-أيوة يا نجلاء…احنا لسه في الطريق..
استمعت إلى سؤالها ثم أجابتها نافية:
-لا ما احنا مركبناش عربية واحدة، خالد الله يكرمه جه معانا بعربيته والواد جابر جه بعربيته وأخيرا بقى ليه فايدة المعفن…
**************
ألقى “وسام” الذي تركه أبيه رفقة خليل بعد إلحاح من دلال على جلبه وجلوسه رفقة خليل سؤاله على مسامع خليل المنشغل بقراءة ورده اليومي..
-اونكل هما راحوا فين؟
طالعه خليل متمتم بخفوت مغلقًا المصحف الصغير القابع بين يده:
-صدق الله العظيم…
ابتسم له بخفه معقبًا على سؤاله:
-راحو يجيبو الشبكة.
عقد حاجبيه بعدم وعي وفهم لـ كلمته الأخيرة:
-يعني إيه شبكة يا اونكل؟
حك خليل عنقه وهو يحاول إيصال معنى الكلمة ببساطة كي يستوعبها عقل الصغير:
-شبكة يعني دهب و دي بتبقى هدية من العريس للعروسة وبتلبسها يوم الخطوبة..
هز رأسه بفهم، ثم أردف يقترح عليه:
-هو انا ينفع اقعد مع داليدا؟؟
دُهش من سؤاله ورغبته بالجلوس مع عروس أخيه متمتم:
-اشمعنا داليدا؟
هز كتفيه ببراءة، معلق:
-بحبها، هي وأبرار وثراء..ينفع اقعد معاهم؟
تنهد خليل قبل أن يجيبه:
-داليدا مش في البيت خرجت مع
نضال
عشان بيجيبوا الشبكة أما ثراء وأبرار معرفش بصراحة موجودين ولا لا.
هب الصغير مفارقًا الأريكة متحدث بحماس زائد جاذبًا خليل من يده:
-طب يلا نشوفهم..انا عايز اقعد معاهم..
-أنت مش حابب القعدة معايا و زهقت مني ولا إيه؟؟
نفى سريعًا تلك الفكرة، ناطقًا بصدق:
-لا مزهقتش بس انا بحبهم و عايز اقعد معاهم وانت كمان ممكن تقعد معاهم هما حلوين مش هيقولولك لا.. يلا يا اونكل عشان خاطري…
نهض على مضض محاولًا عدوله عن تلك الفكرة:
-حبيبي بابا سايبك معايا مينفعش ا
تعلق بقدميه متمتم بترجي:
-عشان خاطري يا اونكل، هقعد حبه صغنونة مش هطول..عشان خاطري…..
ومع هذا الكم من البراءة واللطافة أمامه لم يستطع الاعتراض وتحرك معه قاصدًا منزل الحلواني…
*************
ترجل الجميع من السيارات فتنهدت علياء بارتياح..وأخيرًا تخلصت من تلك المرأة…
قطعت المسافة الواقعة بينها وبين صديقة دربها، منحنية لمستوى اذنيها هامسة لها:
-اعملي حسابك في الرجعة مش هركب مع الست دي، دي كلت دماغي من ساعة ما ركبنا وهي مسكة ودني وما صدقت خلصت منها مسكت ودان اختها، واهي أي ودان وخلاص…
ضحكت روفان عليها، فصاحت بغيظ:
-أنتِ بتضحكي طب تصدقي انك هتركبي معاها وانا هركب مع بنتي انا اصلا الحق عليا اني سبت بنتي حبيبتي……
أشار “أشرف” بيده لـ وعد يشجعها على التقدم والدخول اولًا…
وبالفعل فعلتها وقبل أن يلحق بها، احكم جابر قبضته حول ذراعيه قائلًا بخفوت:
-بقولك ايه ما بلاش..
لم يصل له مغزى كلماته فقال مستفسرًا:
-بلاش إيه؟؟؟
-بلاش تعمل في نفسك كدة دي هتزهقك في عيشتك انا مستحملتهاش نص ساعة يا جدع….
مط أشرف يده ضاربًا إياه على وجهه برفق مغمغم ببسمة سمجة:
-خليك في حالك..وانصح نفسك بلاش انا…انا مش محتاج النصيحة، أنت أولى بيها.
تركه و دخل من خلفها…تلاه وئام التي فعل عابد معها المثل وسمح لها بتقدمه مستغلًا عدم انتباهه أحد لهم، متحدث بجانب أذنيها:
-شكلك زي القمر..
احمرت وجنتيها ورفعت عيناها بجرأة قد اعتاد عليها مسبقًا، معقبة بخجل كان بسيطًا:
-انت قليل الأدب..
أشار نحو نفسه مندهشًا من حديثها فحديثه لم يكن بالوقح أو الفظ:
-أنا قليل الادب…احنا هنهزر؟ هي فين قلة الأدب دي أنا مش شايفها!!
أكدت قبل أن تسرع في خطواتها جالسة جوار وعد:
-اه قليل الادب عشان مصمم تكسفني..بطل بقى..
راقب رحيلها وجلوسها متمتم بعبث:
-البت دي عبيطة ولا ايه؟؟ دي قلة الأدب لسة محضرتش…
ولج هو الآخر واقفًا جوار أخيه السارق بعض النظرات خلسة نحو وعد…
ولجت روفان..دلال…وعلياء…ومن خلفهم داليدا المستمعة لهمس نضال لها:
-اعملي حسابك واحنا راجعين هتقعدي جمبي…
وكأنها لم تنصت..واكملت سيرها حتى لم تكلف وسعها لاجابته…
ضجر من تجاهلها وتمتم بصوت خافض:
-بكلم نفسي أنا.!!!!
أما خارج محل الصاغة دنا جابر من خالد مخبرًا إياه بالآتي:
-خالد هروح مشوار في السريع كدة عقبال ما يخلصوا..
-مشوار إيه دلوقتي ما تأجله يا بني…
أصر على ذهابه وعزم على تنفيذ ما بذهنه:
-لا مينفعش يتأجل، وبعدين دول هيموتوا جوه أسالني أنا، دي عروسة واحدة وبتقعد قد كدة جوه، ما بالك دول تلاته ولسة هينقوا ولسة هيحتاروا والخ…
-الخ!!
رددها بسخرية فقال الأخير بصوت عالي متجهًا نحو سيارته سوداء اللون:
-يلا سلام….
عقب مغادرته ضرب خالد كف بالآخر متحدث مع ذاته:
-مجنون ده ولا إيه!!
**************
-ازي حضرتك، عامل ايه.
تلفظ خليل كلماته وهو يلقي التحية على أيهم ويبادله السلام بالأيدي من خلال نافذة سيارته فقد قابلهم بالخارج أمام البوابة وقبل دخولهم.
-الحمدلله..عامل ايه يا صغنن؟
ابتسم له مجيب بأحترام جلي:
-الحمدلله يا اونكل، حضرتك عامل إيه؟ وداليدا وابرار وكله كله..
اتسعت بسمته اكتر معقب:
-كويسين الحمدلله، رايحين فين اوصلكم معايا.
رفض خليل موضحًا له:
-ربنا يخليك، انا اصلا كنت هودي وسام عندكم، عايز يشوف داليدا وابرار وثراء ولما قولتله داليدا مش موجودة قالي حابب يشوف أبرار وثراء..
تفهم أيهم تعلق الصغير بهم، مردفًا بهدوء محافظًا على بسمته:
-البنات جوه مع أمي، دخله يقعد معاهم هيفرحوا بيه أوي…
وبالفعل غادر أيهم و ولج خليل برفقة الصغير، قرع الجرس مرة واحدة وانتظر أن يفتح له أحدهم..
جذبه الصغير من بنطاله يهمس له:
-اونكل اونكل هو الكلب فين، اتسرق منهم ولا ايه..
كاد يجيب لولا الباب الذي فُتح بواسطة ثراء…
تقوس فمها ببسمة بسيطة سرعان ما باتت واسعة وهي ترى وسام بجوار خليل…
مالت للامام وهي تمد يدها تمسح على وجهه بمشاكسة:
-أهلا أهلا..عامل ايه؟
-الحمدلله..
اعتدلت معتذرة من خليل عن عدم ترحيبها به وانشغالها بالصغير، جاذبًا انتباهها نظره المعلق بعيدًا عنها يتحاشى النظر إليها..
-أنا آسفة مرحبتش بيك بس وسام كان وحشني..
انتهت محافظة على تواجد ذراعيها بجوارها مدركة بأنه لا يتبادل السلام مع النساء…
أجابها دون أن يرفع عيناه مغمغم:
-وانتوا كمان وحشتوه وقالي ع
بتر جملته بفضل الاخير الذي تدخل معتذرًا اولًا له على مقاطعته له ثم تساءل بطريقة طفولية بحته :
-سوري يا اونكل، بس ممكن يا ثراء اقعد معاكم حبة صغننة قد كدة…
رفع يده الصغيرة أمام وجهه مشير بإصبعه إلى ضآلة الوقت الذي يرغب بمكوثه به معهم…
عضت على شفتيها بحماس وهي تميل من جديد حاملة إياه بين ذراعيها موافقة:
-يا سلام..ده انت تنورنا وتقعد زي ما انت عايز…..
قالت الأخيرة مقترحة على خليل:
-اتفضل يا خليل ج
هز راسه رافضًا اقتراحها:
-شكرًا، انا هرجع البيت وهكمل اللي كنت بعمله…
و رغم عدم إدراكها لما كان يفعله إلا أنها استسلمت ولم تصر عليه مدركة تجنبه الدائم للجلوس او النظر إليهم مناقضًا تمامًا لاخيه، ذلك الوقح الذي لا تطيقه ولا تتحمل رؤياه بعد ما فعله معها…..
غادر خليل ودخلت هي برفقة وسام والتي ما أن رأته أبرار حتى صاحت مهللة:
-لا متقوليش وسام عندنا…ده يا الف ويلكم يا ولاد….
ضحك وسام واخذته من احضان الأخرى مغرقة وجه الصغير ببعض القبلات المرحة……مستمعة لسؤاله عن الكلب…
-هو الكلب اتسرق ولا إيه؟؟
-لا تاليا فكته يتمشى شوية….يلا بينا بقى عشان نلعب مع بعض، من ساعة ما مشيت اخر مرة وانا مش لاقيه حد العب معاه..
***************
هندم ملابسه وتأكد من هيئته قبل أن يدق على الباب، راسمًا الجمود على وجهه..
طرق أخيرًا منتظرًا أن يفتح له متمنيًا أن تكن هي من تفعلها ولا يغادر قبل أن يراها ويحاول إقناعها بعشقه المخادع… الوهمي..
وكان له ما أراد فقد ظهرت قبالته مبتسمة بسعادة…
سعادة تبخرت بالهواء الطلق ما أن وجدته هو.
لجأت إلى قناع البرود والكره، متسائلة على مضض ونظرات ثابتة:
-خــيـــر.
مسح بحدقتاه فوقها، متقدمًا خطوة واحدة وهو يجيبها على استفسارها ذلك:
-وحشتيني، قولت اجي واشوفك، تخيلي أني سبتهم هناك وجيت أشوفك، وكنت هزعل اوي لو مكنتش شوفت وشك الحلو ده…
عضت على شفتيها بغل، وارتفع حاجبها الأيسر متحركة عائدة بظهرها للخلف على استعداد تام لصفق الباب بوجهه…
لحق بها ومنع فعلتها الهوجاء متحدث بنبرة سريعة منفعلة:
-متقفليش واسمعيني.. أنا..
منعته من المتابعة متحدثة من بين أسنانها بخفوت كي لا تحدث جلبه ويأتي أحدهم على صوتها وتتسبب في حدوث مشكلة بين العائلتين:
-اسمع أنت، كلمة زيادة انا مش عايزة ومش عايزة اشوف وشك، وأقسم بالله لولا أخواتك واني مش عايزاهم يتاخدوا بذنبك انا كنت قولت لـ بابا وعمامي كل حاجة، وهما يتصرفوا معاك..وكنت ساعتها مش هتجرأ تقف قدامي…
أخذ نفسًا عميقًا زفره دفعة واحدة، معلق على كلماتها بخفوت هو الآخر:
-ثراء انا بحبك، ومضايق من سوء الفهم اللي حاصل بينا ده، صدقيني انا عملت كدة عشان كنت معجب بيكي وعايز اقرب منك بأي طريقة، بس دلوقتي أنا ندمان واكتشفت اني بحبك…وانا اول مرة أحب..
تابعته بعدم صديق، هزت رأسها حادقة إياه بنظرات يشع منها الاحتقار والأشمئزاز:
-كـــــداب، وباين اوي في عينك الكدب، حضرتك مش بتكلم عيلة صغيرة..انا واعية وبفهم كفاية عشان افهم اللي قدامي….وانت مبتحبنيش انت عايز توصلي وبس، ولو ده حصل يوم..اتنين..تلاته..نقول شهر وهتمل..وحتى لو بتحبني وصادق وانا اللي مبفهمش احب اقولك اني مبحبكش..وبعد اللي حصل بقيت مبطقكش، يارب كلامي يكون وصل وتبعد عني بقى ومش كل شوية تنطلي زي الفرقعلوز…
ما لبثت أن تغلق الباب مرة أخرى حتى باغتها بسؤاله الفظ والذي لم يستطع عدم طرحه:
-ليكي حق متحبنيش ما البيه اللي مقضياها معاه واكل عقلك، قوليلي اهلك يعرفوا بـ ده؟؟؟
لم تدري عما يتحدث…احتلت التقطيبة المدهوشة جبينها، قائلة بترقب و حدة:
-أنت بتخرف تقول إيه؟؟
-بقول الحقيقة، انا شوفتك معاه لما دخلتلك الجامعة..شوفتك وانتِ بتركبي معاه العربية وسمحاله يحط أيده عليكي….
لانت ملامحها وبضيق لم تخفيه، قالت بنبرة محتقرة:
-أنا مش هرد عليك..بس مش عشان أنت كلامك صح لا، انا مش هرد عشان متعودتش ارد على المهزقين اللي زيك.. وعلى فكرة أنت ملكش حكم عليا ولا ليك تدخل فيا، خليك في حالك عشان مسمعكش اللي يزعلك ويزعل اهلك…..
صفقت الباب بوجهه بعدما أهانته….تسمر جسده ولم يستوعب بعد ما حدث وكيف تجرأت عليه…واستهزأت به…..و رفضت كذبته حول عشقه نحوها……..
*************
تفاجأت بوجود “ابرار” من خلفها وعلى ما يبدو عليها انها قد استمعت لما دار بينها وبين جابر اثناء عودتها من المطبخ جالبة مشروبًا للصغير…
تابعت سيرها لا تهتم إذا كانت استمعت لهم ام لا، فقط تتمنى أن يحل عنها و لا يظهر أمامها من حين لآخر..
لحقت بها متسائلة بغموض:
-هو في إيه؟؟ عايز منك ايه ده؟!!!!
توقفت ملتفته لها بكامل جسدها، طارحة عليها حديثها الذي لم يزيد الأخرى سوى انزعاجًا وغضب آتى من أعماق الجحيم:
-بني آدم زبالة، قال إيه بيحبني والمفروض اني اصدق، لا والانقح شافني مع مؤنس في الجامعة وجاي بمنتهى البجاحة يكلمني في الموضوع قال يعني غيران وان الجو ده هصدقه وهيخيل عليا..أنتِ تعرفي عمل إيه من فترة صغيرة؟
تفاقم تركيزها معاها وتساءلت:
-عمل ايه؟؟
-اجر شباب يضايقوني وانا راجعة من الجامعة مع السواق، وعمل فيها سوبر هيرو ونزل في العيال ضرب، بصراحة الأول الموضوع دخل عليا، بس السواق اللى كان راكب معاه قالي أنه بيراقبني من اول ما خرجت من الجامعة وأنه هو اللي زقهم عليا…
زحفت حمرة الغضب إلى وجه ابرار التي لم تستطع مسك لسانها وقالت محذرة إياها:
-ثراء اياكي…اياكي تصدقيه أو تقعي في مصيدته، ده عيل حيوان، وليه سوابق..واول ما هيزهق منك هيسيبك، أنتِ بالنسباله لعبة مش اكتر..ده مبيعرفش يحب..
دُهشت من حديثها فمن يسمعها الآن قد يظن بأنها سبق و وقعت في فخه…ابتلعت ريقها وتحدثت بقلق:
-عرفتي الكلام ده منين؟؟؟!!!!!!!!
أدركت للتو ما فعلته باندفعها بالحديث، بللت شفتيها وأخذت وقت ليس بالكثير حتى قالت دفعة واحدة:
-عشان سبق و لعب بـ داليدا يا ثراء…
**************
لوت دلال شفتيها يمينًا ويسارًا، متحركة بعيناها على أبنائها الثلاث شاعرة بالضجر لأخذ الفتيات كل هذا الوقت في انتقاء الذهب…..
رأت الحيرة على وجهه وعد، ومن حين لاخر تنتقي واحدًا ثم تتركه وتاخذ آخر ثم تتركه هو الاخر…..
خرج صوتها مصوبة حديثها لابنها البكري:
-ما تنقي مع خطيبتك يا أشرف، ده احنا على الحال ده هنبات هنا…
مطت وعد شفتيها موافقة على حديثها مردفة بتلقائية:
-اه تعالى يا أشف اختار معايا…
خرجت شقهة عالية من فوه دلال جاذبة كافة الأنظار إليها وهى تعقب باستنكار:
-أشف؟!!!!!! ايه اشف دي؟؟؟
وضع عابد يده على فمه يخفى بسمته بينما ردد أشرف سريعًا كي ينقذ الوضع:
-عادي يا ماما..بدلعني بدلعني..
-بدلعك تقولك اشف؟؟؟ هو ده دلع ده؟؟
نفخت رحمة بصوت مسموع معقبة على حديثها:
-اهو هنسيب اللي احنا جايين عشانه وهنمسك في أشف يا ام أشرف…
تدخلت روفان كي تغير مجرى الحديث الدائر ملتقطة إحدى الخواتم:
-طب إيه رأيك في ده يا وعد…وأنتِ يا داليدا…ايه رأيك يا وئام؟؟؟
حدق عابد بذلك الخاتم التي تشير إليه روفان، مبديًا إعجابه به:
-شوفيه على ايدك كدة يا وئام، متأكد أنه هيبقى حلو عليكي..بس شوفي المقاس..
وافقت واخذته واضعة إياه بيدها فنال إعجابها واستقرت عليه…
بينما همس نضال لأخيه:
-نحنحة تو ماتش، ومش في وقتها امك هتمسك في البت وأنت في عالم موازي…
دنا أشرف قليلًا من الرف الزجاجي الموضوع عليه التشكيلات المختلفة من الخواتم والدبل الذهبية..جالت عيناه ببطء شديد حتى ارتكزت على أحدهم..
رفع يده وأشار نحوه متحدث مع وعد:
-طب إيه رأيك في الشكل ده؟؟ تشوفيه؟
لاحت الغيرة على وجهه دلال فقد احتقن وجهها بالدماء، مردفة بنبرة يشوبها الغيرة:
-الله !!! ما تسيبها تنقي هو انت اللي هتلبس ولا هي.
هنا وانفجرت رحمة صائحة بتهكم وكلمات لاذعة:
-الله معاكي أنتِ، مش كنتي لسة عايزاه ينقي وتخلصوا…يقوم لما ينقي تكبسيه..مالك يا ام أشرف في إيه؟؟؟
كادت تتحدث ليلحق بها نضال الذي علم ما يدري مع والدته فهي تغار على أخيهم لاقصى درجة وكأنها لم تنجب سواه…
تحرك من مكانه وتسلل واقفًا جوارها منحنى لمستواها هامسًا لها:
-في إيه يا ماما الجوازة هتبوظ مش كنتي فرحانة؟؟ ايه اللي جرا..ده أنتِ قبل ما تيجي كنتي رقعة زغروطة مش عايزة تفرحي ولا ايه يا ام أشرف….
ردت بذات الهمس:
-وهو انا اتكلمت مش هي اللي بدأت وبتقوله اشف…حلوة اوي دي تقوله اشف وعايزني اسكت…
-يا ستي هما احرار مع بعض، عدي الليلة لو عايزة تفرحي بينا…وبلاش جو الحموات ده دلوقتي استني لما يجوزوا وبعدين اعملي ما بدالك..
لزمت الصمت على مضض متابعة موافقة وعد على ما انتقاه أشرف…
كذلك وقع اختيار داليدا على أحدهم وقامت بقياسه وقد حظى على اعجابها على الفور…
وبعد وقت انتهوا ما انتقاء قلائد ذهبية، واساور ناعمة..
غادروا المحل..فوجدوا كلا من خالد وجابر الذي وصل منذ ثوانِ يقفان سويًا..
كادت روفان أن تستقل سيارة عابد بالخلف لولا علياء التي منعتها قائلة:
-أنا هركب معاهم..روحي اركبي مع امهم كفاية عليا واحنا جايين…
-واسيب بنتي؟؟؟
-يا سلام يختي ما أنا سبت بنتي، يلا يا روفان…مش هتركبي..يلا…
وافقت مجبرة واستقلت رفقة دلال و خالد، وأخذت علياء مكانها جالسة بالخلف……
رأها نضال تجلس مكانها فقال لها عبر النافذة:
-حضرتك اكيد غلطي يا طنط عابد و وئام قاعدين قدام مش ورا…
نفت برأسها:
-لا يا حبيبي ما أنا مش هقعد جمبهم، انا هقعد جمبكم انتوا مكان روفان…
رغب بضرب وجهه وكبح عابد تشفيه وشماتته به داخله….
على الطرف الآخر..
فتح أشرف باب السيارة لـ رحمة فمنحته بسمة شاكرة إياه بلطف شديد..وحينما جاء دور وعد همس لها بخفوت وشر لما فعلته بالداخل ونعته بـ اشف أمام الجميع:
-اتفضل يا رعـــــــد…
صعدت بأنفعال مرددة مع نفسها:
-يا بن المضايقة يا أشف..برضو رعد..
**************
فتح خليل الباب دون أن يدرك هوية الطارق…وقع بصره على صديقة أخيه الذي سبق له رؤيتها من قبل تقف أمامه تبتسم له بتكلف قائلة:
-ازيك يا خليل عامل إيه؟؟
هز رأسه لها بخفوت مطرقًا رأسه للأسفل:
-الحمدلله بخير…
تنحنحت مستفسرة منه:
-هو عابد هنا؟؟
-لا مش هنا..
بلت حلقها قبل أن تتابع:
-طيب هو فين، بقالي كام يوم بحاول اوصله ومش عارفة؟؟
رد بصدق وهدوء شديد:
-راح مع خطيبته يجيبوا الشبكة..
اتسعت عيناها و وقع قلبها لا تصدق ضياعه من يدها وسلب اخرى له:
-خــطــيـبـته!!!!!!!! هو عابد خطب؟؟؟؟
-قرأ فاتحة وانهاردة راحوا يجيبوا الشبكة، والخطوبة وكتب الكتاب بعد اسبوع…
لازالت تحت تأثير الصدمة، معقبة بتقطع واضح:
-ازاي يعني ومقاليش ليه؟؟ ومين العروسة؟
-معرفش ممكن تبقى تسأليه..
أغمضت عيناها بألم وهي تسأل عن اسم العروس السارقة إياه:
-مين العروسة يا خليل اسمها إيه؟؟
-وئام مروان الحلواني…
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم.❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.