رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثالث والستون 63 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثالث والستون

الفصل الثالث والستون

الفصل الثالث والستون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثالث والستون:

وصل “خالد” بسيارته أمام بوابة الحرم الجامعي..شكرته فجر بطريقة مهذبة لبقة على إيصاله لهم..ثم ترجلت و وقفت على مقربة من السيارة تنتظر هبوط “أبرار”.

وقبل أن تهبط ابرار نظرت إليه وقالت بهدوء شديد يناقض ما يعتريها ويغمرها من سوء بسبب اولئك الفتيات:

-لو خلصت قبل الساعة واحدة هكلمك..

كادت تهبط لـ يوقفها بسؤاله والذي جاء على ذهنه طرحه لاستشعاره بحنقها ومحاولتها في عدم إظهار ذلك…وإدعائها اللامبالاة:

-زعلانة؟

عقدت حاجبيها وسألته:

-هزعل من إيه؟

-من اللي حصل.. يعني من البنات لما كنا واقفين بسبب الحادثة اللي على الطريق.

هزت كتفيها واحتفظت بهدوئها قائلة:

-لا أنا نسيت أصلا..ومضيقونيش متقلقش.

علم بأنها كاذبة وتخفي حقيقة شعورها ورغم هذا ابتسم لها وقال بأسلوب مرح:

-أنا قولت كدة برضو..اصل دول صغيرين وطايشين..واكيد مش هتاخدي على كلامهم..وعلى فكرة أنتِ زي القمر بجد… وأنا محظوظ بيكي..ولو بأيدي أخبيكي عن العالم هعمل ده..انا مش حابب حد يشوف جمالك ده غيري…

أحمر وجهها وتلعثمت..تبخرت كلماتها وحروفها…وشعرت بالعجز عن الرد..فـ اكتفت بالإبتسام له…ثم هبطت من السيارة…واقتربت من فجر..وقبل أن تغب عن أنظاره التفتت واختلست نظرة سريعة نحوه.. فوجدته لايزال يحملق بها…وعندما تقابلت عيناهم رفع يده يودعها…..

لم تبادله وداعه ونظرت أمامها من جديد….وكلمات الفتيات المراهقات تصدع بأذنيها وتجعل الغضب يتملك منها مرة أخرى قائلة بتشنج وصوت وصل إلى مسامع فجر:

-أنا ايه اللي حصلي وقتها..وازاي سكت على قلة ادبهم..كان لازم ارد عليهم المهزقين دول…

قطبت فجر حاجبيها وسألتها:

-هما مين دول؟

-البنات اللي عاكسوا خالد و واحدة فيهم قالتلي احلى منك…كان لازم ارد عليهم واوريهم مقامهم..

استنكرت فجر ما تتفوه به وعقبت بدهشة:

-لا مش لازم لو رديتي عليهم تبقي بتديهم قيمة..واحسن حاجة انك سكتي…أنتِ اعقل واكبر من انك تردي على كلام تافهه وموقف سخيف زي ده…

انتهت مشيرة نحو إحدى الزوايا قائلة:

-تعالي نستنى البنات هنا…ونكلمهم نشوف هما فين المفروض انهم طلعوا ورانا…يعني يبقوا على وصول.

************

وقف “جابر” بسيارته أمام البوابة وترجلت الفتيات شاكرين إياهم من خلال النافذة ثم اودعوهم..فقام جابر بإخراج رأسه من خلال النافذة، متحدث بصوت عالي:

-في رعاية الله..ولا إله إلا الله…لو احتاجتوا لأي شيء أو قام أحدهم بمضايقتكم حادثوني وسأتي لكم على الفور وانفخ أمه…

تلفتت الفتيات خاطفين نظرة نحوه يضحكون على طريقته بالحديث والتي جذبت بعض العيون نحوهم ضاحكين عليه…

استغل “نضال” رحيلهم وتفاقم غيظه منه فقام بنهره مغمغم:

-ايه يالا اللي انت بتعمله ده..ما تكلم عدل ضحكت الناس عليك…وبعدين خد هنا ايه الافورة والفيلم الهندي اللي عملته عليهم ده.. ايه اللي بيطفي السجاير في باطها وقص شعرها…هو من قريش؟؟ يخربيت افورتك وكدبك يا جدع..

استنكر جابر حديثه والتقليل مما فعله متمتم:

-افورة؟؟؟ بذمتك مدخلتش عليك…

رد نضال يتابع صياحه:

-مدخلتش بنكله حتى…وباين اوي انك كداب..واكيد قفشوك…

-هش ياض واتنيل..دول صدقوني…و وشهم كان باين عليه انهم مصدقني..وبعدين ملكش دعوة بيا أنت..ومتفتحش بُقك عشان لو فتحته وفضلت ترازي فيا هضطر وقتها افتح بُقي أنا مع داليدا واقولها انك لا كنت عند الميكانيكي ولا غيره وكنت في مكان استغفر الله..وهذا ما لا اريده بتاتًا…ولو قولتلي لماذا هقولك لأن الفتنة أشد من القتل…وانا مش عايز ابقى فتان..

اتسعت عين نضال وأشار نحو نفسه:

-أنت بتهددني يا جابر…بتهدد اخوك..ابن امك وابوك؟

اكد دون تردد ودون أن يرف له جفن:

-اه بهددك عشان انت عيل واطي..شوف انا عملت وبعمل معاك ايه وانت بتعمل إيه…..

تنهد نضال وقال متراجعًا عن حديثه السابق:

-على فكرة انت مكنتش مأفور اوي وبعدين في ناس مفتريين ومفيش في قلوبهم رحمة..وشكلهم فعلا صدقوك..تحب ابصملك بالعشرة على أنهم صدقوك..

بذات الوقت كانت ثراء تكتم ضحكتها متبادلة أطراف الاحاديث مع الفتيات حيال ما حدث وكلمات جابر حيال زاهر:

-يخربيت الفشر والكدب…حد فيكم مصدق اللي هو قاله؟

نفت وئام برأسها متمتمة:

-انا عن نفسي مصدقتش..وحسه ان كلامه وراه سبب..بس ايه هو الله أعلم..

تساءلت ثراء وهي تشرد قليلًا:

-تفتكري ليه قال كدة؟؟

هزت كتفيها بعدم معرفة فقالت ثراء بتنهيدة:

-ياخبر انهاردة بفلوس بكرة يبقى ببلاش…

بذات الوقت أشارت وئام نحو فجر وابرار الواقفين بانتظارهم…

بينما توقفت داليدا عن السير واخرجت هاتفها مقررة محادثته كي يعود إذا غادر راغبة في الحديث معه..وضعت الهاتف على اذنيها وترقبت رده…مخبرة إياهم في ذات الوقت وقبل أن يجيب:

-بنات اسبقوني انتوا..انا هشوف نضال وجاية مش هتأخر.

صدح رنين هاتفه القابع بجيبه قاطعًا حديثه مع أخيه…اخرجه وسلط بصره على الشاشة وسرعان ما نظر لـ جابر واخبره:

-دي داليدا..أرد ولا بلاش؟

شجعه جابر على الرد متمتم:

-لا رد عادي ومشي دنيتك..

اماء له واجاب عليها بنبرة يتخللها البرود:

-أيوة؟ عايزة إيه !

أشار له جابر بوجهه محتقن منه ومن أسلوبه….

أدرك نضال رغبته في قول شيء فابعد الهاتف وكتم الصوت يستفسر منه:

-في إيه؟؟

أجابه من بين أسنانه:

-يا عم ده انا لسة قايلك مشي دنيتك..ده انت بجح بجاحة ياض..انت صدقت ولا ايه أنك مظلوم…

اكتسح الغيظ وجه الآخر واحتار فيما عليه فعله متمتم:

-أنت هتحيرني ولا إيه مش انت اللي قايلي اعمل كدة؟؟؟

-ما أنت خلاص اتنيلت عملت..متزودهاش بقى البت مش ظلماك..

اماء له بتفهم ووضع الهاتف على أذنيه تزامنًا مع رؤيته لها تخرج من البوابة مرة أخرى وتنظر للهاتف باندهاش من انقطاع الصوت واضعة إياه على أذنيها تنادي عليه وتخبره بهذا الانقطاع…

اغلق المكالمة وهبط من السيارة ثم دنا منها و وقف معها جانبًا كي يرى لما عادت ولماذا اتصلت عليه؟

وبهدوء يشوبه القلق يناقض اسلوبه البارد معها متابعًا تعليمات أخيه:

-في حاجة ولا إيه؟

هزت رأسها بتأكيد هاتفة بندم واضح:

-أيوة فيه..وكويس انك لسة ما مشتش..محتاجة اتكلم معاك….

وبذات الهدوء قال:

-سامعك يا داليدا..اتكلمي.

ابتلعت ريقها وبرأس مطرق للاسفل بخجل ممزوج بندم قالت:

-أنا آسفة….ومش مرة واحدة لا أنا آسفة مليون مرة على اللي عملته معاك…من بداية شكي فيك..وحوار الاكونت الفيك اللي كلمتك منه..لحد ما كبرت الموضوع ودخلت اهلي وطلبت الطلاق…عارفة أنك ممكن متقبلش آسفي بـ

قاطعها..لم يدعها تسترسل..ولم يعد يتحمل تلك النبرة التي مزقت قلبه وجعلته يندم ألف مرة على حماقته..خاصة أنه يدري بأنها لم تخطأ بل هو المخطئ بكل هذا..هو من ذهب إلى هذا المكان..وهو من قلب عليها الطاولة:

-مين قال كدة؟ من غير ما تعتذري انا مسامحك..أنتِ مراتي وحبيبتي…وبعدين أنتِ وحشتيني واكيد مش هنفضل في النكد والزعل ده كتير…وبعدين أنا المفروض افرح أنتِ بتغيري عليا ومدام بتغيري يبقى بتحبيني…بس انا بحبك اكتر بكتير.

نفت وطالعته بأعين تخجل منه ونطقت بحب:

-لا..متقولش كدة..انت متعرفش انا بحبك إزاي..بس حط نفسك مكاني..عابد بقى فلاتي وبتاع بنات..وانت خارج معاه واحنا متخانقين..وفوق كل ده اتصلت عليك ومردتش عليا المفروض افهم ايه انا من كل ده؟

ابتسم لها بحنو وعشق وعلق:

-معاكي حق…

صمت لثواني ثم شعر برغبته بالاعتذار منها عما ارتكبه معها وأقلابه للأمر والحقائق:

-أنا كمان آسف..سامحيني.

منحته بسمة وقالت:

-انت معملتش حاجة عشان تتآسف..

رغب بالتحدث وقص ما حدث عليها والاعتذار منها مرارًا وتكرارًا…لكن إذا فعل ستزداد الامور بينهم تعقيدًا..وسيصبح ذلك الكاذب والتي سيُصعب عليها تصديقه فيما بعد…

إذا فـ الصمت هو أفضل خيار..وسيحتفظ بهذا السر الصغير مع أشقائه…ويبقى ندمه بداخله….وسيكفر عنه بطريقة ما….

تهرب منها وقال بعدما اطلق زفره طويلة:

-طب يلا هتتاخري على المحاضرة…

-اوكي..

قالتها ببسمة فاخبرها قبل أن يعود لسيارة جابر:

-خلصي وكلميني…هستنى مكالمتك..

************

استيقظت “وعد” بعد آذان الظهر…وأول ما قامت بفعله ما أن فتحت جفونها هو التقاط هاتفها محاولة الاتصال على “أشرف”…

تسارع قلبها عندما استمعت رنينه وأدركت فتحه للهاتف…وشعرت بسعادة عارمة وتلهف لا متناهي للاستماع لصوته….

لكن سرعان ما تحطمت سعادتها وشعرت بالاسى والحزن بعد أن قام برفض المكالمة…

تنهدت وظلت مكانها على الفراش تنظر أمامها باللاشيء…وتذرف الدموع بصمت..في ذات الوقت صعد قطها جوارها على الفراش بعد أن استيقظ من نومته أعلى السجاد..

اقترب منها ولصق نفسه بها وهو يرفع راسه لها يطلق مواءًا صغيرًا..جعلها ترفع يدها وتمسد على رأسه بحنو متحدثه معه وكانه يفقه ويفهم ما تعايشه:

-مش عايز يرد عليا..شكله زعلان جامد..اصالحه ازاي ولا اعمل ايه انا مش عارفة؟

وفجأة برق بعقلها تلك الفكرة…تبسم وجهها ومسحت دموعها…مقررة الذهاب إلى منزلهم فـ ربما لم يغادر بعد..وإذا فعلها وغادر ستقوم بالاستعانة بوالدته في مصالحته…

قبلت القط على رأسه..ثم نهضت بلهفة عن الفراش…واقتربت من الخزانة واخرجت ما وقع تحت يديها من ملابس مخصصة للخروج…

تركتهم أعلى الفراش ثم اتجهت صوب دورة المياة..

غابت بها لدقائق ثم خرجت وأبدلت ملابسها… وبعدها اقتربت من المرآة ولملمت خصلاتها بطريقة غير مهندمة.. واسرعت بالخروج..منطلقة إلى منزل أبيه المقابل لمنزلهم…

دقائق وكانت تستقبلها دلال وترحب بها وبقدومها منهية محادثتها مع شقيقتها على وعد بالاتصال مرة أخرى….

والآن تجلس قبالتها بحجرة الصالون..ربتت دلال على قدميها متمتمة ببسمة واسعة:

-يادي النور..يادي النور…ده ايه الحلاوة دي..مجبتيش البنات معاكي ليه؟

ردت عليها وهي تفرك يدها وعيناها تجوب بحثًا عنه:

-دول في الجامعة….هو أشرف مش هنا؟

نفت مسببة في تملك الخيبة من الأخرى:

-لا نزل من بدري…بس مش عارفة ماله..وشه كان متغير زي ما يكون زعلان من حاجة..

ابتلعت وعد ريقها وتململت في جلستها تخبرها:

-أنا زعلته امبارح…ومن ساعتها مش عايز يرد عليا..يا اما موبايله مقفول..يا أما بيكنسل..وانا مش عارفة اعمل ايه..شوري عليا يا حماتي يا قمر..

التوى ثغر دلال ولم تتردد في إظهار حنقها واخفاء معرفتها:

-بقى أنتِ السبب في قلبه وشه..وعكننته…وبعدين اشور عليكي بـ إيه؟

-اعمل ايه معاه..بقول لحضرتك مش بيرد عليا….

مطت دلال شفتيها وقالت بتفكير:

-صالحيه…

كزت وعد على اسنانها وحافظت على قسماتها وقالت بهدوء:

-بجد والله؟!! قولي والله العظيم اصالحه…

صدقتها دلال وغفلت عن سخريتها بحديثها:

-والله العظيم صالحيه..انا ابني ده قلبه زي البفته البيضا…شوفي مش زعله وحش..بس بيتصالح بـ اقل حاجة.. هقولك..هو دلوقتي زمانه في المطعم..قومي روحيله…

عضت على شفتيها بتفكير ثم قالت:

-هيصدني..بقولك ايه ما تيجي معايا..عشان تحنني قلبه…

ردت على الفور بطريقة ماكرة:

-كان على عيني…المواعين مكان الفطار متكومين جوه في الحوض…ولسة معملتش الاكل…لو خرجت اليوم هيطير…

أدركت وعد نواياها ومغزى حديثها ولكن لم تملك حلًا غيره فقالت وهي تهب من مكانها:

-بس كدة…اديني ساعة زمن هخلصلك كل ده وننزل…

ظهر الضيق على محياها وقالت:

-لا ميصحش عيب..

-ولا عيب ولا حاجة…

ابتسمت لها وقالت:

-طيب حيث كدة بقى اعمليلي فنجان قهوة مضبوط من ايدك الحلوة قبل ما تبدأي المواعين عشان افكرلك اكتر وانا بتمزج بالفنجان…ومش مهم الأكل المطعم موجود…

وافقت وعد …ثم غابت داخل المطبخ ثم عادت بعد دقائق تعد على الأنامل حاملة صينية تحوي فنجان القهوة..وكوب من الماء..واضعة إياه أمامها…

منحتها دلال بسمة شاكرة إياها..ثم عادت وعد إلى المطبخ وانهت غسل الصحون والأواني..والمعالق..والاكواب…ثم خرجت لها تخبرها بأنها قد انتهت….

فقالت وهي وتنهض كي تستعد للخروج معها:

-حلو اوي وأنا فكرت..انا بقول نعدي على عابد في الكوافير بتاعه ونضبطلك شعرك و وشك عشان ينور كدة… وبعدين اسبقك انا على المطعم واحننلك قلبه..وأنتِ تروحي تجبيله هديه على ذوقك..

ضاقت عين وعد وقالت:

-هنروح عند عابد؟؟ طب ما نروح بيوتي طنط علياء..

رفضت دلال وأصرت على الذهاب الى مكان أبنها..وقبل أن تصعد اخبرتها بإحضار سيارة أجرة…فقالت وعد:

-هروح اجيب عربية وئام ونروح بيها….

-بتعرفي تسوقي يا بت؟

أكدت لها فمصمصت شفتيها وصعدت للأعلى كي تتجهز تاركة إياها تفكر فيما عليها اهدائه…

************

صدح رنين هاتف “مروان” المتواجد رفقة أبناء اعمامه داخل إحدى المتاجر الخاصة بهم…

نظر بالهاتف فوجده رقم غير مدون..

لم يتمهل أكثر ورد عليه..

“الو”

“مروان بيه الحلواني معايا”

وبترقب شديد أكد له:

“أيوة، مين معايا؟”

زينت بسمة ثغر “زاهر” وهو يجيب على سؤاله حول هويته:

“زاهر منتصر..انا اعرف حضرتك..وكنت حاضر كتب كتاب ولاد اونكل سلطان على بنات عيلتكم…”

وبزهق ردد مروان:

“طيب يا سيدي اهلا وسهلا، خير؟ ”

تابع زاهر وقال دفعة واحدة:

“انا حابب اناسب حضرتك واتقدم لـ بنت حضرتك ثراء…وحابب اخد معاد اجي فيه انا والوالد ونتعرف..وبعدها حضرتك ممكن تسأل عليا..وتعرف قرار آنسة ثراء وترد عليا”

ارتفع حاجبي مروان وسأله بغيرة على ابنته الذي يرغب في أخذها من بين احضانه:

“وانت تعرف ثراء بنتي منين؟ ”

رد بهدوء:

“ما أنا لسة قايل لحضرتك أني كنت حاضر كتب كتاب ولاد عمو سلطان وشوفتها في وقتها..بالمناسبه انا ابقى اخو أروى خطيبة جابر”..

امتعض وجهه مروان وقال يرفض طلبه:

“ايه جابر يعني..اعمل إيه.. وبعدين انت شوفت بنتي في كتب الكتاب..يعني ركزت معاها..يعني عينك زايغه..يعني مش بتغض بصرك..ومتعرفش ربنا…طلبك مرفوض ومعنديش بنات للجواز”

انتهى غالقًا في وجهه مسببًا في صدمته ومطالعته لشاشة الهاتف بذهول سرعان ما تحول لغضب جحيمي من رفضه الغير مبرر……

**************

مر “خالد” على أبرار بعدما قامت بالاتصال عليه واخبرته بالمرور عليها والذهاب معًا لجلب وسام…متخطية ما حدث صباح اليوم…فهي ليست بالصغيرة كي تشغل ذهنها وتخرب يومهم بسبب هؤلاء الفتيات المراهقات..

خرجت إليه وصعدت بجواره بالسيارة مبتسمة بوجهه عكس عبوس وجهها قبل أن تترجل وتتركه وتغيب بالداخل…

لمعت عيناه من تلك البسمة وقال بمرح لائمه كثيرًا:

-ايه الضحكة الحلوة دي؟؟ كانت فين الصبح دي؟

بادلته مرحه واخبرته بابتسامه أكثر اتساعًا:

-كانت بتريح بس شوية..

لم يجيب أو يعقب..ظل يحدق بها بذات اللمعة المحبة..الشغوفة…أما هي فكانت تبادله تحديقه هذا بالبداية…لكن عندما طال وبات الصمت هو ما يعم السيارة..حمحمت وابتعدت بحدقتاها عنه…

وعلى الفور خرج صوته يأمرها بحنو:

-بصيلي…

-لا..ويلا عشان منتأخرش على وسام يلا يلا..

ضحك على تكرارها لتلك الكلمة الأخيرة وهتف:

-عارفة قولتي كام مرة يلا ؟

سرقت نظرة نحو تساله:

-كام؟

-مش عارف معدتش..بس مش مهم يلا .

رد بمزاح.. وتحرك على الفور بالسيارة وانطلق في طريقه نحو مدرسة وسام….

وكعادته لم يتحمل سكونها فقال محاولًا الحديث معها في أي شيء:

-أنتِ تعرفي زعلتي مني الصبح ليه..وكنتي مبوزة ليه؟

-اكيد عارفة..واي واحدة مكاني كانت هتضايق وفي اللي كانت هترد عليهم..دي قلة أدب اللي حصلت دي…

وافق على هذا وأضاف:

-أنا معاكي في اللي بتقوليه..بس في سبب برضو ورا اللي حصل..

سألته بفضول:

-ايه هو.

-عين الأخ نضال…أصل قبل ما تنزلي قعد يقر..انا بعد كدة هخاف منه..

ضحكت وقالت:

-مش هيجيبه من برة طالع لـ دلال هانم..بجد الست دي فظيعة..متعرفش هي طيبة ولا شريرة..بحس كتير اني مش فهماها…وعلى فكرة بتجنن من مامتك وبتغير منها جامد..

اكد معرفته بهذا الأمر وتمتم:

-عارف..بس والله ماما دي طيبة..هي بس خرفت شوية على كبر..

دُهشت مما تفوه به والتقط هو ذهولها ذلك فقال:

-ايه اكدب يعني؟ مبحبش..انا صريح فوق ما تتخيلي.

وبعدين ما تخافيش صراحتي دي مش مع أي حد..بتبقى مع اللي بحبهم بس..وبعشق اللي جابوهم.

هتف الاخير بتلميح ماكر إلى هيامه وعشقه بها…و وصل لها مغزى كلماته…فعقبت بتوتر مغيرة مجرى الحديث:

-هي الساعة بقت كام؟ حسة اننا اتأخرنا على وسام..

نفى وقال بصراحة:

-لا متأخرناش ومتغيريش الموضوع المهم اللي بنكلم فيه…بقولك أنا ببقى صريح بس مع اللي بحبهم وبعشقهم..تقوليلي اتاخرنا على وسام؟

اوصدت جفونها وانكمشت في جلستها تدعو الله أن يصلوا بأقصى سرعة..فالتواجد معه..وبمفردهم يفتك بها…ويكشف أمرها امامه..خاصة مع توترها..و وجهها الأحمر..وعيناها الهاربة…..

فتحت جفونها ونظرت من النافذة هربًا منه….وعندما رأى هذا الاحمرار الشديد شعر بالشفقة عليها و لزم الصمت…

وصل أمام بوابة المدرسة وقبل أن يهبط أخبرها بأنه سياتي به ويحضر في الحال..

وبالفعل هذا ما حدث وجاء به من الداخل..لكن عند خروجهم من البوابة رأى “نيفين” توقف سيارتها وتهبط منها ثم تقدمت منهم…

ابتلع ريقه وتوتر من مجيئها تحديدًا بهذا اليوم….

حرك رأسه ونظر لـ ابرار فوجدها تتابعهم وعيناها لا تفارقهم من خلف الزجاج….مستمعًا لصوت نيفين والتي هبطت لمستوى ابنها وطبعت قبلة باردة على جبينه:

-ازيك يا خالد عامل ايه؟

-ايه اللي جابك هنا؟

قطبت حاجبيها وسألته بذهول:

-ايه السؤال الغريب ده..انت ناسي أن وسام ابني انا كمان..وانا اللي سيبهولك…وبراحتي اجي وقت ما اجي عشان اشوفه…

قالت الأخيرة وهي تنظر بجانب عيناها لتلك القابعة بداخل السيارة…قائلة بسخرية:

-هي دي بقى اللي انت هتجوزها؟

رد عليها وسام يؤكد لها:

-أيوة يا مامي..اسمها ابرار…بس حلوة أوي وانا بحبها أوي انا وبابي…وأنتِ كمان هتحبيها أوي..

سخرت من ابنها وردت عليه:

-وانا هحبها ليه إن شاء الله كفاية عليها انت وابوك هنبقى احنا التلاته!

رد عليها بطفولية:

-اه عادي..مش هتقول لا..بقولك حلوة وعسل أوي..

كزت على اسنانها فلولا صغر سنه لكانت ظنت الان بأنه يتعمد مضايقتها وأثاره غضبها….

تركت ابرار السيارة ودنت منهم بعدما نهشتها الغيرة مخمنة بأن تلك الزوجة السابقة و والدة وسام…

-حبيبي وحشتني عامل ايه؟

قالتها ابرار وهي تحمل وسام وتقبله بعمق على وجنتيه…نظر خالد بشيء من السخرية نحو نيفين مقارنًا بين ترحيبها بـ ابنها وترحيب ابرار به…

طوق وسام عنقها ورد عليها:

-حلو أوي..بس حاسس اني جعان اوي..انا كلت كل الاكل اللي بابي ادهولي…

اتسعت عين ابرار بحماس وقالت:

-شطور يا روحي..ودلوقتي هناخدك لاحلى مطعم وناكل مع بعض…

هنا وتدخلت نيفين قائلة بحدة:

-هو انا هوا قدامك ؟؟ مش المفروض ترمي السلام برضو ولا إيه؟

سلطت ابرار بصرها عليها وقبل أن تجيبها قرر خالد التدخل والتخلص منها مقررًا تجاهلها …قائلًا لابنه ولـ أبرار:

-يلا بينا بقى..مينفعش ابني الأسد يبقى جعان واسيبه جعان كدة..يمكن يأكلنا ولا حاجة…

وبالفعل تحرك الثلاث نحو السيارة تاركين تلك خلفهم تشتعل من نيران الغيرة……

****************

أراح “عابد” ظهره على ذلك المقعد الجلدي المتواجد بحجرته الخاصة داخل صالون التحميل… يغمض عيناه…ويضع سبابته اليمنى على جبينه من جهه اليمين..وسبابته اليسرى على جبينه من جهه اليسار…متحدثًا مع ذاته بخفوت شديد:

-اطلعي من دماغي بقى.. اطلعي…انا بكرهك…..اطلعي وكفاية تعذيب فيا……….

تلفظ الأخيرة وهو يفتح حدقتاه وينفجر دافعًا ما أمامه على الطاولة…..

تسارعت أنفاسه وبات يتنفس بشكل مخيف…..كما باتت عيناه مظلمة…حانقًا ساخطًا من كل شيء…ومن قلبه الذي يرفض كرهها والتخلي عنها..محافظًا على عشقها داخل ثناياه رغم ما فعلته……..

انفرج الباب ودخلت “فاتن” بأعين تجوب عليه وعلى مكتبه الذي اطاح وبعثر ما عليه…اغلقت الباب وسألته وهي تقترب منه بحذر:

-مالك يا عابد؟ انت كويس ؟

طالعها بفك بارز واعين مليئة بالدموع…ارتعدت من هيئته واستمعت لصراخه الثائر عليها:

-أنا قولتلك خشي؟؟؟؟ردي عليا انا قولتلك خشي…

امشي اطلعي برة….بــــــــــــرة..

نبرته… صراخه…خوفها لم يسمحون لها بالحديث والتساير معه… وخرجت مجبرة من الغرفة تاركة إياه…..

عقب خروجها بلحظات قابلت كلا من دلال و وعد بوجهها..

..طالعتها دلال بضيق وشارفت على تجاهلها و متابعة طريقها نحو غرفته..لولا حديث فاتن معها:

-عابد متعصب ورمى كل اللي كان على المكتب على الأرض…ولما دخلت اشوف في ايه اتعصب عليا وطردني أنا مش عارفة اعمل إيه؟

عقدت دلال حاجبيها و أسرعت نحو غرفته و وعد من خلفها بعد أن رمقت فاتن بنظرة شاملة…

فتحت الباب فوجدته يجلس على المقعد خلف المكتب..وكان على مشارف الصراخ من جديد بتلك الدموع التي هبطت من عيناه….نتيجة لهذا الألم الذي يشعر به سواء كان من خيانتها..او من فراقها وبُعادها عنه….

لكنه ابتلع صراخه عندما رآها هي و وعد…

صُدمت وعد من حالته ودون أن تنطق بشيء انسحبت من الغرفة…وأغلقت الباب تاركة والدته معه….

دنت دلال منه وهو يمسح دموعه..قائلة:

-ينفع كدة؟؟ انا مش قولتلك حرام تكسر حاجات ملهاش ذنب وبفلوس وانت متعصب؟ ادفعك تمنهم ولا ايه انا دلوقتي؟

لم يجيبها وكبح رغبته بالبكاء وإخراج ما بداخله…..شعرت به هي… وعلى الفور اقتربت منه واخذته بين أحضانها ضاممة رأسه إلى صدرها تخبره بحنو شديد:

-قولي يا قلب أمك مالك..كل ده عشانها؟

وعند ذكرها لها…تجددت دموعه وهبطت من حدقتاه وضمها بقوة يخبرها بحزن وألم :

-أنا تعبان اوي يا ماما…ومش كويس قلبي بيبكي على بُعادها دم مش دموع…..مش عارف اكرهها…ولا عارف اناسها…ومش هينفع ارجعلها…مش هينفع…….

بكائه جعلها رغم عنها تبكي معه ممسدة على خصلاته بحنان فطري:

-طب بس اهدا وصلي على النبي….واللي اتكسر بينكم هيتصلح..ومدام بتحبها ومش عارف تنساها يبقى ترجعلها مفيش حاجة اسمها مينفعش…ايه اللي منفعوش بس…

عصر عيناه وانكمش وجهه وهو يسألها متأملًا أن يجد لديها الحل والجواب:

-قوليلي اعمل إيه يا ماما…اعمل إيه غير اني ارجع لها…انساها إزاي؟؟

علمت دلال بأنه يصر على عدم العودة عليها ويرغب بما لا يقدر عليه ولا يستطع فعله ألا وهو نسيانها…..

تنهدت ولم تجد جوابًا إلا هذا:

-بيقولوا الوقت بينسي وعلاج أي حرج….بس هينسيك في حالة أن حبها وهم أو مش حقيقي…وباللي انا شيفاه ده انت بتحبها وحبك حقيقي…فعشان خاطر أمك متوجعش قلبي عليك… ارجع لها يا عابد…اقولك اتكلم معاها…اتفاهموا…شوف حل معاها…

ابتعد عن أحضانها ومسح دموعه مبتلعًا ريقه…قائلًا وكأنه لم يكن يبكي للتو:

-هشوف..وربنا يسهل بقى .. قوليلي جاية ليه؟

طاوعته في تغيير الحديث وقالت:

-مرات أخوك أشرف برة وعايزة بت أيدها حلوة من اللي برة تعملها شعرها ومكياج حلو كدة..أصلها مزعله اخوك وهتروح تصالحه…

ابتسم لها ونهض معاها يهندم ملابسه ويمسح على خصلاتها متمتم:

-حاضر…

خرج معها ورحب بـ وعد الذي وجدها تجلس على مقعد ما تنتظر خروجهم…….ثم تركهم وعاد بإحدى الفتيات تاركًا وعد بين يدها بعد أن شكر بها…

**************

عادت كلا من وئام.. داليدا.. ثراء.. فجر إلى منزلهم وهبطوا من السيارة شاكرين السائق التي قامت ثراء بمحادثته وقام بأخذهم….وقبل أن يدخلوا المنزل جذب انتباهم تلك السيارة التي مرت من البوابة بعدما سمح له البواب بالمرور فقد رآه من قبل…

جحظت عين فجر وهي تراه داخل سيارته وأتى إلى منزلها بعد ما حاول فعله معها بمساعدة شقيقته….

بينما تمكن الغضب من كلا من ثراء و وئام….

ترجل أنس من السيارة و بذات الوقت تحركت وئام من مكانها واندفعت نحوه بغضب تصرخ عليه:

-أنت بتعمل ايه هنا يا حيوان انت….امشي اطلع برة…انت ليك عين تيجي لحد هنا….

قالتها وهي تتابع اندفاعها فقامت فجر بالامساك بها..غضبت وئام وطالعتها باستنكار..بينما قامت ثراء بمناداة البواب…..

فتحدث قبل أن ياتي ويقوم بطرده يطلب منها بتوسل:

-فجر.. ارجوكي انا مش عايز منك غير انك تسمعيني… ارجوكي….

وبثبات وقوة رفضت هذا:

-وانا مش عايزة اسمعك…..

**************

لاحقًا…داخل مطعم “سلطان” كانت دلال تقف رفقة “أشرف” تحاول معه كي يلين ويقبل مصالحة تلك التي خرجت من صالون التجميل أكثر جمالًا وبهيئة أنثوية….خاصة بعد أن اقنعتها دلال بتغيير لون خصلاتها إلى الأحمر الكرزي…

وجعلت الفتاة تضع بعض الزينة على وجهها…و رسمت عيناها الذي أخبرها من قبل بأنه يحبهم ويحب التطلع بهم…

-يا واد اسمع الكلام بقى تعبتني معاك..بقولك البت ندمانة…وزعلانة انها مزعلاك…متبقاش تنح زي ابوك بقى……

تنهد أشرف وقال بخفوت كي لا يحدث جلبه ويجذب الأنظار إليهم:

-ياما..ياما ابوس ايدك ارحميني كلتي دماغي من ساعة ما جيتي..وبعدين ده موضوع خاص بيني وبينها وانا اللي عارف هي عملت ايه..سبيني بقى أأدبها…

كزت على اسنانها واقترب كلا من جابر ونضال وخليل وهتف نضال يمزح معها:

-على فكرة بابا جوه في المطبخ..خشي شوفيه..

-اخرس انت…مش شايفني بكلم مع اخوك…..

قالتها مطالعة إياه بنظرة نارية…ثم عادت تنظر لـ أشرف…محاولة معه من جديد دول ملل أو كلل:

-يا قلب أمك اسمع الكلام بقى..البت بتحبك..وعايزة تصالحك واعتمدت عليا..هتكسفني قدامها يعني وتصغرني؟؟

تأفف أشرف وتساءل جابر بأعين ضيقة:

-هو ايه الحوار؟؟

وقبل أن تجيب رأت وعد تدخل من باب المطعم..وتخفي يدها خلف ظهرها…

اتسعت بسمتها وأشارت نحوها:

-اهي جت.

نظر أشرف نحوها غاضبًا من إقحامها لوالدته بشؤنهم….وكذلك حول نضال وجابر أنظارهم نحوها..

ابتسمت وعد له وتابعت تقدمها وسرعان ما اختفت بسمة دلال..بينما لم يدري أشرف مما يغضب..هل من هيئتها الفاتنة والتي أصابت قلبه في مقتل أم من لون خصلاتها والذي راق له ونال إعجابه وآثار غيرته كثيرًا..ام من هديتها..

كذلك صُدم نضال وجابر من تلك الهدية التي كُشفت لهم وجذبت أنظار بعض الزبائن إليها..وستسبب فوضى لا محال………

وبدون وعي ضربت دلال على صدرها قائلة:

-يا مصيبتي جاية تصالحي ابني بـ نسناس………….

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم. 😂❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق