رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع والستون
الفصل الرابع والستون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الرابع والستون:
تابعت وعد تقدمها وهي تجره خلفها من خلال السلسال الحديدي المنعقد حوله…
وقفت جوار نضال وجابر وخليل و بمواجهة أشرف و دلال..
وقبل أن تتحدث أو تنطق بشيء..تعلق “النسناس” بقدم جابر…
اتسعت عيناه وصرخ عليه مسببًا جلبه:
-اوعى يالا البنطلون..اوعى ياض بقولك البنطلون هيقع..الله يحرقك..اوعى يا عم انت فاكرني إيه استغفر الله العظيم يارب..
جذبته وعد وابعدته عنه متمتمة ببسمة زينت وجهها:
-معلش هو بس عصبي شوية وشقي شويتين..وده عادي.
خرج صوت دلال متذمرة مستنكرة تلك الهدية التي انتقتها زوجة ابنها لمصالحته:
-وانتِ جيباه عصبي ليه هي المشرحة ناقصة قُتلة…وايه شقي دي..بتاع بنات يعني؟؟ وبعدين هي الهدايا كلها خلصت؟ ازايز الريحة..والساعات..والهدوم..قصروا معاكي في حاجة يا بنتي !
تطلعت به ولم تخفي اشتياقها إليه معقبة على حديث والدته وهي تعلق بصرها عليه:
-لا مقصروش..بس أشرف مميز عندي..والمميز مش بيجيله غير المميز…ولا ايه؟
حك جابر مؤخرة رأسه معلقًا:
-هو ايه فعلا…
ومن جديد قام النسناس بالتعلق تلك المرة بقدم “خليل” فصاح خليل وهو يحرك ساقيه يحاول التحرر منه:
-هش..هش
-هش ايه يا خليل هو دبانة..قوله ابتعد…او خليك هقوله أنا…ابتعد أيها النسناس يا بن النسانيس أنت..عيب كدة…
جذبته وعد من جديد وهي تنهره بخفوت:
-بس عيب كدة خليك مؤدب.
لكنه لم ينصت إليها وقام بالتشبث من جديد بقدم جابر…فصاح مازحًا تلك المرة:
-خليه مؤدب إيه..انا شاكك في أمره..ده شكله نسناسة..دي بتتحرش بينا واحد تلو الآخر..اوعي يا متحرشة انتِ… اوعي يا بنت القرود..
نهرته وعد هاتفة:
-نسناسة إيه..ده نسناس..ومش اي نوع..الراجل قالي ده نوع نادر..وخلوا بالكم قالي كمان أنه اذكي تاني حاجة بعد الإنسان…يعني بيفهم و ذكي جدا على فكرة….
انتهت مطالعة أشرف فوجدته يرتكز بعيناه فوق خصلاتها ويكز على فكيه..
رفعت يديها بتلقائية ومسدت على خصلاتها تستفسر منه:
-ايه رأيك ؟؟ حلو؟
لم يجيب عليها..فقالت دلال وهي تشير نحو النسناس:
-يلا يا وعد روحي رجعي اللي في ايدك ده..ومتجبيش هدايا تاني..واللي يقولك هاتي هدايا ابقي تفي في وشه..وان قالك تفيتي ليه قوليلي دلال حماتي قالتلي اعمل كدة….
-ارجعه ايه بس..ده قمر خالص وكيوت…ده انا حبيته والله..
انكمش وجهه جابر ونضال اشمئزازًا وقال نضال:
-ده قرد..ايه الحلو اللي فيه..ده أنتِ سرقاه من حديقة الحيوان…
اغتاظت منه وقالت:
-لا معتبتهاش..اصل فيه ثور سعران هربان منهم وبيدوروا عليه…اوعي تعتب هناك بقى ليمسكوك…
اكفهر وجه نضال وابتسمت هي بظفر..ثم عادت تنظر لـ أشرف….فقابلت تلك الأعين الغاضبة من تطاولها من جديد وأمام الجميع..فقد ضربت بتحذيراته وكلماته عرض الحائط وبحضوره…ابتلعت ريقها وكادت تتحدث…لولا انطلاقه من مكانه ومغادرته للخارج….
أغمضت عينيها تسب ذاتها ولسانها السليط..واندفاعها بالحديث…..مستمعة لكلمات دلال الساخطة من أجل نضال:
-أنتِ قصدك ايه يا بت؟؟
-مقصديش..انا خارجة اشوف اشرف.
تنهدت بعد تلفظها بتلك الكلمات وقامت بمد السلسال لـ جابر تخبره بهدوء:
-خليه معاك عقبال ما اتكلم معاه ونرجع…اوعي يفلت منك هيبهدل الدنيا وهيقعد يتنطط…..
مسك جابر به على مضض وقال:
-وهو بيعمل ايه غير انه يتنطط اصلا….
بينما خرجت هي تلحق بـ أشرف لا تبالي بأي أحد سواه…….
بالخارج..خرجت من المطعم وسقط بصرها عليه يوليها ظهره ويضع لفافة تبغ بفمه وعلى وشك إشعالها…
فسارعت بخطفها قاذفة إياها على الأرض وبعيدًا عنهم:
-هو انت متعرفش أن التدخين يدمر الصحة ويؤدي إلى الوفاة ؟!!!
نطق بكلمة واحدة دبت الرعب في أوصالها:
-اخرسي.
عقبها بإخراجه لـ لفافة تبغ أخرى فطردت خوفها منه…وسيطر عليها خوفها عليه تصيح عليه:
-مخوفتش على فكرة..واهو.
قالتها وهي تنتشلها مرة اخرى وتقذف بها مجددًا…
اظلمت عيناه وسلط بصره عليها وبات يتنفس بشكل سريع.. غاضب…متمتم من بين أسنانه:
-أنتِ عايزة ايه بضبط؟؟ وجاية هنا ليه وخارجة ورايا ليه..انا مش فاهم..
وبصراحة مطلقة كانت تجيبه:
-عايزة اصالحك..
صمتت وابتلعت ريقها متابعة بكذب:
-وعلى فكرة أنا اتأسفت لـ نضال بعد ما انت خرجت وقولتله حقك عليا يا شقيق جوزي..قالي ولايهمك يا مرات اخويا…انا فعلا ثور..
ناظرها بشك فقالت بنبرة ناعمة:
-أنت مش مصدقني ولا ايه؟
-اه مش مصدقك..وشوفتك قدامي دلوقتي معصباني..وصوتك وكلامك برضو بيعصبوني..
هزت رأسها وتحدثت تلك المرة بطفولية:
-لا مش مصدقاك.. الكلام ده من ورا قلبك وعشان انت زعلان مني…بس انا عرفت غلطي وجيت لحد عندك اعتذرلك…زعلك ميهونش عليا يا أشرف.
ارتخت ملامحه وشعر بأنه على وشك أن يحن ويلين معها..وهذا ما لا يرغب به..مخبرًا ذاته بأن عليه معاقبتها..كي تتعلم التحكم بحديثها ولسانها…
قائلًا بهدوء تخلله بعض العتاب:
-لا بيهون يا وعد..و اوي كمان..ومش عشان كل مرة بسكت ومبرضاش ازعلك يبقى أنتِ صح او انا راضي عن اللي بتعمليه…انا بس مبحبكيش زعلانه مني…بس أنا عندك ولا اي حاجة..زعلي مبيفرقش معاكي…ومبتحبيش اخواتي..
ابتلعت ريقها وقالت بهدوء وضيق من ذاتها:
-لا يا أشرف متقولش كدة انا بحبهم..وبحب لهم الخير…وبدليل انك اول ما قولتلي أننا ممكن نصلح بين عابد و وئام كنت معاك ومتاخرتش…بس موضوع داليدا ونضال.. أنا صدقني حسة اخوك بيكدب..وكان بيقلب التربيزة على داليدا… وأنا مبحبش حد يستغفلهم.. داليدا مش وحشة أو قليلة عشان تتخان….
كز على فكيه يطلق سبابًا بداخله اختص به كلا من عابد ونضال حانقًا منهم ومن ذهابهم لتلك الأماكن….
مط شفتاه لوهلة ثم أخبرها مجبرًا:
-ونضال مخنهاش…ولما زعقت معاكي يا وعد كلامي مكنش على حوار نضال بس..هو حاجة من ضمن حاجات كتير بتعمليها…زي مثلا لما كنتي عايزة تمسكي في عابد..وزي لما غلطتي في أهلي…قوليلي أنتِ تقبلي اني اطول لساني عليكي أو حتى على أهلك؟؟
أطرقت رأسها ثم هزتها يمينًا ويسارًا…متحدثة بوهن وضعف شديد:
-لا مقبلش.
-حلو اوي..شوفي أنتِ لما ابقى أنا الراجل..ولساني مبيغلطش وأنتِ البنت ولسانك فالت منك…انا هسألك سؤال…لو انتِ مكاني وانا اللي مكانك..كنتي هتسكتي وتقبلي باللي انا بعمله ؟ وجاوبيني من غير كدب يا وعد….
رفعت رأسها وسرقت نظرة من عيناه ثم قالت:
-لا كنت هعمل زيك..وهزعل منك…بس احنا هنا أنا اللي غلطانة مش انت..وانت قلبك كبير وهتسامحني إن شاء الله….
تلفظت الأخيرة وهي تحاول إيجاد كلمات قد تضيف بعض المرح بينهم…فقامت برفع يدها من جديد ومسدت على خصلاتها قائلة:
-مقولتليش ايه رأيك في لون شعري…
هنا وكأنها قد افاقته وسكبت عليه دلو من الماء البارد..مذكرة إياه بلون خصلاتها…والذي تناسى أمره تمامًا من شدة غضبه وحنقه…
قبض على يديها التي تمسد بها على خصلاتها وقال من بين أسنانه:
-ايه يا بت اللون ده؟!
ابتسمت له بقلق وتساءلت:
-حلو اوي صح؟
-حلو اوي و زفت إيه…هو أنا متجوز مدام كركدية…ده لون يتعمل؟؟
هنا وقالت منكمشة على ذاتها:
-ماله بس ده حلو أوي.. اخص عليك وانا اللي افتكرته هيعجبك…
-يعجبني اه..وايه الهدية اللي متلقحة جوه دي….هو أنا كنت اشتكتلك وقولتلك عايز منك حاجة…هل ده عيد ميلادي..عشان تجبيلي هدية…
وببسمة خطفت قلبه ونبرة ناعمة أجابت عليه:
-لا مش عيد ميلادك..بس هيبقى عيدميلادي أنا لو سامحتني…وبعدين أنا حبيت اهادي وادلع جوزي حبيبي..بهدية كريتف كدة..ايه بلاش ولا ايه؟
ورغمًا عنه غزت البسمة وجهه…فرغم كل ما تفوهت به إلا أنه لم ينل إعجابه إلا كلمة “حبيبي”
فتلك الحمقاء قد اعترفت له بحبها مرة أخرى دون أن تدري أو تنتبه لهذا…………..
في ذات الوقت بالداخل..ولج خليل المطبخ…بينما جثى جابر على ركبتيه جوار ذلك النسناس والذي يطرق رأسه للاسفل ومن حين لآخر يحاول دفع السلسال المنعقد حوله…فتحدث معه جابر تحت أنظار دلال و نضال:
-قولي بس مالك…زعلان مننا عشان اتريقنا عليك..ولا تكونش جعان؟
ردت دلال وقالت:
-شكله جعان خده دخله المطبخ لابوك يشوفه…الزباين بيتفرجوا علينا…بقينا فرجة على اخر الزمن…
رضخ لحديثها و سحب ذلك النسناس إلى المطبخ ونضال من خلفه….وهي خلف الأثنان.
وطأ جابر بقدميه للداخل والتقطته عين سلطان الذي كان على مشارف المغادرة للخارج بعدما أخبره خليل بتواجد دلال و وعد بالخارج…قائلًا بمزاح وبسمة واسعة:
-ايه القرد ده!؟.. امك اتسخطت ولا إيه؟؟ ولا تكون دعت لـ اخوك عابد دعوة جابته أجله وسخطته….
ظهر نضال وكذلك دلال والتي رمقته بغضب ممزوج بصدمة بعد أن تناهت كلماته إلى مسامعها…قائلة قبل أن توليهم ظهرها وتغادر:
-تُشكر يا سلطان…
عقب مغادرتها لحق بها نضال وخليل بينما تحدث جابر بخفوت:
-ليه يابا كدة..اهي زعلت وهتقلب البيت مناحة وهتنكد علينا كلنا..نفر نفر…
لوح سلطان بذراعيه وعقب بلامبالاة:
-وهي من امتى مش بتنكد..سيبك..قولي ايه القرد ده و بتاع مين؟؟
رد جابر منتبهًا لمحاولة النسناس بالهروب:
-بتاع أشرف..وعد جبته..وشكله جعان…عندكم موز صح؟
انتهى متحركًا معه فقام النسناس بالصعود أعلى الرخامة جاذبًا أنظار العاملين بالمطبخ إليه….
وقف جابر أمامه وقال بهدوء منتظرًا أن يأتي أبيه بالموز:
-شوف انا حبيتك لله في لله وشكلنا هنبقى صحاب…
كان ينظر إليه وكأنه يفقه عليه فابتسم جابر وقال له:
-شكلك فاهم أنا بقول إيه..ودي بداية مبشرة للغاية..
ومع قوله الأخيرة بدأ الآخر بالتحرك مظهرًا رغبته في التحرك بحرية….مسك به جابر وغمغم:
-لا كدة فهمتني غلط..احنا صحاب اه..بس مش لدرجة اني اسيبك…فين يا بابا الموزة…
جاء سلطان بها ومد يده بها لجابر…وقبل أن يمسك بها كان النسناس يسبقه…مقربًا إياها من فمه…ثم بدأ بتقشيرها والتهامها…
ابتسم جابر وسلطان عليه…وقال سلطان بترقب:
-هو ده هيعيش معانا؟
-المفروض اه…
-حلو اوي خليه يجنن امك..بنت حلال وتستاهل كل خير.
ابتسم جابر ومد يده بالسلسال لوالده ثم تحرك بضعة خطوات..والتقط خيارة ودنا منهم وعندما اوشك على التهامها..انتشلها النسناس من يده بيده الفارغة وبدأ بالتهامها أيضًا…
اتسعت عين جابر وصاح:
-يخربيت طفاستك هتاكل الموز والخيار مع بعض…
ضحك سلطان ومد يده بالسلسال لـ جابر وتركه معه وخرج من المطبخ….
بالعودة الى الخارج….رحلت دلال ومرت من جوار أشرف و وعد دون أن تتفوه بشيء وكلا من نضال وخليل خلفها…استشعر أشرف حدوث شيء بالداخل قد اغضب والدته وكان سببًا في رحيلها وملاحقة أشقائه لها…
كان سيعود للداخل فمسكت وعد بذراعيه وقالت ببسمة:
-كدة احنا اتصالحنا صح؟
وبوجه عابس عن عمد قال:
-لا.
قالها نافضًا ذراعيها عائدًا للداخل وهي من خلفه..
تقابلا مع سلطان والذي رحب بـ وعد ثم أخبرهم بتواجد جابر والنسناس بالمطبخ..
وصل الإثنان إلى المطبخ و وجدوا جابر يقف أمامه والآخر يأكل تارة من الموز.. وتارة أخرى من الخيار.
ضحكت وعد ودنت منهم هي وأشرف…فتحدث جابر بمزاح معهم :
-طفس طفاسه يا جدع..يعني اديته موزة وجبت خيارة لنفسي جيت اكلها راح نتشها من ايدي.
عقبت وعد قائلة:
-خلي بالك بياكل كل حاجة..
آتاها صوت أشرف ساخرًا:
-ما هو واضح..
هنا وسألها جابر:
-هو ملهوش اسم مش كدة..
نفت وقالت ببسمة :
-لا..انا اخترت له اسمه خلاص..هسميه أشرف..
كتم جابر ضحكته وعقب:
-اسم ميه ميه..يعجبني فيكي حُسن اختيارك يا مرات اخويا..سواء بالهدايا أو بالاسامي.
صاح أشرف بهم:
-حيلك حيلك..واركن كدة على جنب..مين ده اللي اسمه أشرف معلش..
-أنت يا حبيبي والنسناس القمر ده..
ظهر الاستنكار على وجه أشرف وصاح مشيرًا نحوه:
-بقى ده قمر؟؟! أنتِ حولة ! ده قرد.
أصرت وعد على حديثها وقالت:
-لا مش حوله..وده نسناس قمر وصغنون..وهتحبه اوي صدقني انا حسة..
-يا شيخة يخربيت احساسك اللي مش موجود ده…
والآن بات الأمر شجارًا بين الإثنان وجذبوا أنظار المتواجدين حولهم بالمطبخ وجعلوا من ذاتهم أضحوكة لهم..
شعر جابر بالحنق ورغب في إنهاء هذا الشجار الذي سيتصاعد لا محال إذا تركهم ولم يوقفهم…
وضع طرف السلسال أسفل ذراعيه وقام بالتصفيق وإطلاق صفيرًا…متمتم:
-ســــكـــوت…انت وهي.. وهي وأنت…
وبتلك اللحظة تحرك النسناس بعد أن انهى ما بيده وانفلت السلسال من أسفل ذراع جابر..وحدث ما لا يحمد عقباه…
وبدأ النسناس بالقفز بحرية مسببًا حدوث جلبة وخرابًا بالمطبخ..اتسعت عين وعد.. أشرف..وجابر..وصاحت وعد بصوت عالي:
-حلقوا عليه بسرعة…امسكوه…ده غالي ده…دفعه فيه دم قلبي …
وأثناء محاولتهم إمساكه رد جابر بصياح :
-غالي مين اضحك عليكي..كنتي قوليلي كنت جبتلك واحد من جنينة الحيوان وببلاش…..
ردت عليه:
-هو ده وقته اتنيل يا أخي..
وبتلك اللحظة تمكن النسناس من الخروج من المطبخ إلى المطعم قافزًا من طاولة لأخرى حتى استقر على واحدة تحوى طعامًا..مسببًا في فزع الزبائن ونهوضهم عن الطاولة تاركين إياه…يعبث بالطعام ويلتهمه بطريقة تثير الضحك…
استغل أشرف وجابر هذا وقاموا بمحاوطته والامساك بطرف السلسال…
تنهدت وعد براحة..واعتذر سلطان لزبائنه والذي عبث النسناس بطاولتهم واخبرهم بأنه سيجهز لهم طاولة اخرى وستكون على حسابه..وتحرك نحو المطبخ مسرعًا وأشرف من خلفه كي يساعده..
جذب جابر النسناس وتحرك رفقة وعد إلى إحدى الزوايا يلتقطون أنفاسهم من ركضهم ورائه…فقال جابر بأنفاس لاهثة:
-قوليلي دفعة فيه كام جنية ده…
ابتلعت ريقها وأخبرته:
-جنيه ايه؟! قول كام ألف جنية..
اتسعت عين جابر وقال بصدمة ليست هينة:
-نعم يختي…بقى القرد ده مدفوع فيه الوفات…ده انا امي وابويا لو باعوني مش بعيد يبعوني بـ خمسين جنية وفوقي مروحة هدية…
*************
صفت سيارة “خالد” أمام منزل أبرار..والتي قضت معه ومع ابنه وقتًا ليس بالقليل…فعقب تناولهم للغداء سويًا..ذهبا معًا و ولجوا إحدى صالات السينما المتواجدة داخل مول كبير..وحضروا إحدى الأفلام المصرية الكوميدية…
وقبل أن تهبط وتلمس الباب وتفتحه..خطفت نظرة نحو وسام النائم بالخلف…فأبتسمت على هيئته الطفولية..ثم نظرت لـ خالد فوجدته يطالعها ويتأملها…
فقالت بخفوت محاولة أن تكن طبيعية رغم خجلها الشديد:
-لما توصلوا كلمني وطمني عليكم..
اماء لها قائلًا:
-حاضر..قوليلي الفيلم عجبك صح؟
ردت عليه بصراحة تبدي إعجابها:
-عجبني جدا..هو انت شوفتني بطلت ضحك…هو أنت معجبكش الفيلم ولا ايه؟
نفى برأسه يخبرها:
-مكنتش مركز معاه بصراحة كنت مركز معاكي أنتِ ومع ضحكتك الحلوة..
حسنًا يصر على إخجلها والتسبب في زحف الحمرة إلى وجهها..وانعقاد لسانها أمام كلماته المُهلكة لفؤادها وكيانها…
لكنها لن تسمح له بفعل هذا بها…ستقاوم مشاعرها…وخجلها وتجيب عليه بنبرة طبيعية..وهذا بالفعل ما حدث…قائلة بهدوء شديد:
-طيب.. فكرني بعد كدة مدخلش معاك اي افلام مدام مش بتتفرج..
-هعمل ايه طيب غصب عني…صحيح اعملي حسابك من بكرة هنبدا نجهز البيت وننزل مع بعض ننقي الحاجة سوا..لازم نخلصه خلال اسبوعين..وبعدين نكتب الكتاب..
صدمها ولاحت تلك الصدمة على وجهها متحدثة باستنكار:
-اسبوعين ازاي يعني..مش هنلحق طبعا..متهزرش يا خالد…
ابتسم لها متمتم بمرح وعشق:
-اديني واحدة خالد كدة تاني..
وبتوتر بسيط ردت عليه:
-أنا مش بهزر..اسبوعين ايه دول..انت كدة هتزنقنا جامد….
-ولا هنتزنق ولا حاجة وبعدين ده اتفاقي مع والدك..اول ما البيت يجهز هنتجوز علطول..يعني لو البيت جهز بكرة..هكتب عليكي بعد بكرة..
جائهم صوت وسام متحدثا بعدم فهم وبراءة شديدة:
-تكتب عليها ليه يا بابي هو حضرتك قلم؟؟
طالعه الاثنان وقال خالد بمرح:
-لا هي اللي ورقة..نام ياض تاني يلا….
************
في المساء…
تجلس “وعد” رفقة عائلتها والذين مدحوا بذلك التغيير بلون خصلاتها…
عدا واحدًا فقط……مروان..
قائلًا بسخرية واشمئزاز من هذا اللون:
-مش عارف ليه مش شايفك غير تشاكي بلون شعرك ده…يعني احنا مرعوبين منك خلقة فـ بتزيديها يا هبلة…ايه يا بت اللون ده!!
وبغيظ منه ردت عليه:
-على فكرة تشاكي لون شعره برتقاني..وده أحمر…بلاش افترا وظلم..
رد بإصرار:
-لا كان احمر..
عقبت بإصرار مماثل:
-لا برتقاني.
تحدثت وئام قائلة:
-بس يا بابا مضيقهاش..اللون تحفة عليها بجد..
رد عليها بتهكم:
-يا ستي ده رأيي انا حر فيه..هو حد شريكي..انا مش شايفها غير تشاكي..ناقص تلبس لبسه وتدخل تجيب سكينة من المطبخ…وهتبقى هو الخالق الناطق….
كزت على أسنانها واغمضت جفونها تحدث نفسها وتهدأ روعها..وبعد نجاحها بذلك قالت بلامبالاة:
-بص يا ميرو..زي ما ده رأيك وانت حر فيه ده كمان شعري انا وانا حرة فيه…وبعدين كله قال حلو..الا أنت..
رد على الفور بتهكم:
-عشان بهايم..وبيجاملوكي.. وبعدين إيه شعرك وانتِ حرة فيه دي..ما أنتِ متلقحة في وشنا..واحنا اللي بنترعب..افرضي صحيت بليل عطشان ونزلت اشرب ومن حظي المهبب كنتي تحت وطلعتيلي وصرعتيني…هتعملوا ايه بقى لو جرالي حاجة…
نهضت ثراء مندفعة نحوه تحتضنه بقوة مرددة بمرح:
-بعد الشر عليك يا بابي..ربنا يطول في عُمرك انت لسة صغنون وشباب…
ابتسم لها وتذكر أمر ذلك الشاب الذي حادثة اليوم وطلب المجئ والتقدم لها…
قبل يديها بحنو ثم نهض وهو يسحبها معه خارج حجرة الصالون:
-تعالي يا ثراء عايز أسألك على حاجة..
خرج معها تحت أنظار الجميع…تبادل أبناء أعمامه النظرات مدركين بما سيحدثها….بينما قطبت علياء حاجبيها وحاولت تخمين ما يريده …
خارج حجرة الصالون..تقف معه ببسمة بشوشة تترقب حديثه…
وبالفعل بدأ بالحديث يستفسر منها:
-قوليلي يا ثراء..أنتِ تعرفي واحد اسمه زاهر؟
تبخرت تلك البسمة عن وجهها وقالت:
-أيوة..يبقى أخو خطيبة جابر..
-يا شيخة يخربيت جابر واللي خلفوا جابر…هو ايه حكاية سي زفت ده..انا بسألك على زاهر ده..قوليلي تعرفيه منين..وشوفتيه فين..وضايقك أو حاول حتى يعمل كدة؟
ابتلعت ريقها ولم تدري ما عليها قوله..فهل تخبره بأن أول لقاء بينهم كان يتغزل بجمالها وحاول التحرش بها لولا مجئ جابر والتي ظنت وقتها بأنه من قام بدفعه عليها كي يظهر بطلًا أمامها….ولكنها الآن تبعد تلك الفكرة تمامًا عن ذهنها….
زاغت عيناها ولزمت الصمت فشعر مروان بوجود شئ..فقال بنبرة حنونة يطمئنها ويشجعها على الحديث:
-اتكلمي يا ثراء..الواد ده ضايقك؟؟؟؟
نظرت إليه وقررت نفي هذا مدركة مدى حب والدها لهم وما باستطاعته فعله…
نفت برأسها وقالت:
-لا بس حاول يكلم معايا وانا صديته..وجابر كمان ساعدني…
ارتفع حاجبيه وهتف:
-شوفتيه تاني بعد كدة؟؟
اماءت له متمتمة:
-أيوة..جالي الجامعة
مرة
..وبرضو حاول يكلم معايا..بس انا صديته وسبته ومشيت….
مط شفتاه وعيناه تخترقها يحاول أن يدرك إذا كانت تقول الحقيقة ام أنها تخفي شيء ما….
توترت من نظراته وسألت هي تلك المرة:
-هو في حاجة يا بابا؟
هز رأسه وتحدث بترقب:
-اه..كلمني انهاردة..وعايز يجي مع ابوه ويتقدملك…
اتسعت عيناها وصاحت ترفض:
-لا…لا ..لا انا مش موافقة…انا مش برتاحله يا بابا..نهائي..واصلا انا مش عايزة اتجوز دلوقتي خالص…
اخبرها بهدوء وهو يربت على كتفيها:
-اه ما أنا رفضته..يلا بينا نرجع جوه.
وبالفعل عادت معه للداخل وجلست معهم.. وثواني من التفكير في طلب زاهر و رغبته بالزواج منها…وبحديث جابر اليوم..جعلها تبتسم رغمًا عنها مدركة سبب حديثه عنه بتلك الطريقة…ولكن ما شغل ذهنها هو من أين علم برغبة الآخر بالزواج منها…ولما حاول جعلها تنفر منه كي ترفض تلك الزيجة…..…
يتبع.
فاطمة محمد.
ويارب يكون الفصل عجبكم تصبحوا على خير حبيباتي. 🫂❤️😘
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.