رواية الحب كما ينبغي – الفصل الخامس والستون
الفصل الخامس والستون
الفصل إهداء للجميلة “حنين داودد”
كل سنة وأنتِ طيبة يا جميلة ويارب تبقى سنة سعيدة عليكِ. ❤❤
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الخامس والستون:
سارعت سـارة بفتح الصور والتمعن بهم، وفور رؤيتها لهم تجعد وجهها ولم تتحمل النظر بهم أكثر.
وقامت بتلبية طلبه وتحويل المبلغ الأخير المتفق عليه وأصر على أخذه بعد التنفيذ، فقد صدق ونفذ اتفاقه معها لذا استحق أن تصدق معه.
عقب انتهائها من تحويل المال لـه دفعت الهاتف بعنف جوارها ونظرت أمامها في اللاشيء تفكر فيما فعلته وعادت بذاكرتها إلى ذلك الوقت التي اتفقت فيه مع صديقه المقرب عليه.
قبل يــومان..
وبعد إنتهائها من البث المباشر التي قالت وفعلت بـه الكثير والكثير مما جعل عـادل يستفز لأقصى درجة.
جلست وانفردت بنفسها تفكر في الخطوة القادمة وما عليها فعله لإنهاء عـادل وتخريب زواجه وعلاقته مع جهاد.
ومع تفكير دام طويلًا ابتسم وجهها أخيرًا ولمعت عيونها ببريق من الانتصار وهي تقرر استخدام صديقه.
ومن هو أفضل من صديقه الصدوق!!!
المقيم معه في منزل واحد.
وتعلم جيدًا بأنه يشاركه جميع أسراره ومصائبة ولا يخفي عنه شيء.
إذا عليها استخدامه وبذلك ستضرب عصفورين بحجر واحد.
تخريب زواجه وجعله يخسر جهاد و…
صديقه التي ستقوم بالتواصل معه وعرض مبلغ مادي لن يستطع رفضة في سبيل مساعدتها.
لم تؤجل تلك المهمة إلى الغد وقررت التنفيذ في الحال.
مسكت هاتفها وأرسلت رسالة لـه تخبره برغبتها في مقابلته مع أخباره و تحذيره بأنه إذا قام بإبلاغ عـادل برغبتها في مقابلته سيخسر كثيرًا وأن لديها عرض مغري وكبير لن يتكرر مرة أخرى ويأتيه في حياته.
ولأنه صديق سوء وليس مثال للصديق الجيد لم يفعل بما يتوجب عليه فعله وهو أخبار عـادل والذي كان بالمناسبة يتواجد لحظتها معه في مقهى واحد بتواصلها معه، بل اخفى عنه هذا الشيء وانتهز انشغاله بالتصوير وأجاب عليها موافقًا.
ابتسمت سـارة ما أن قرأت رسالته الموافقة واتفقت معه على مكان سيتقابلان بـه ولكنها لم تكن تثق بـه أيضًا مئة بالمئة و وضعت احتمالية أن عـادل على علم بهذا اللقاء ولكن حتى ولو فهي ستقوم بإغراء صديقه بالمال وتجعله ينقلب عليه.
في اليوم التالي تقابل الاثنان داخل مقهى لا يتواجد بـه الكثير من الزبائن.
وضعت الحقيبة متوسطة الحجم والتي أحضرتها معها على المقعد الثالث الفارغ ثم جلست أمامه واضعة هاتفها على الطاولة قبالتها ثم بدأت حديثها صراحة تلقي عرضها أمام وجهه:
-من غير لف و دوران أنا عايزاك تقف معايا وتساعدني أبوظ جوازة عـادل من اللي اسمها جهاد، هتسألني إيـه المقابل هقولك المقابل مبلغ مكنتش تحلم بيـه في حياتك وهيجيلك في طرفة عين وعلى الجاهز كل المطلوب منك بس تساعدني.
أطال النظر بها ثم حول بصره نحو الحقيبة يسألها بترقب:
-كام يعني المبلغ ده؟
وبلؤم أخبرته:
-ما أنا قولتلك مبلغ مكنتش تحلم بيـه لو تحب ممكن نفتح الشنطة وتبص بصة سريعة كدة.
التقطت الحقيبة وقامت بفتحها وعلى الفور حرك جسده ورفع رأسه قليلًا كي يتمكن من رؤية المال الذي يملئ الحقيبة.
ابتلع ريقه وبدون تردد أو تفكير في صديقه قال موافقًا على عرضها:
-أنا معاكي شوفيني عايزاني اعمل إيـه وهعمله.
أغلقت الحقيبة وأعادتها إلى محلها وهي تتابع بترقب تجس نبضه:
-ده أنت طلعت سهل خالص، أنا قولت هتعصلج معايا بس واضح أني كنت غلطانة، أنا ممكن اسيبك تاخد الشنطة من قبل ما تعمل أي حاجة بس أخاف تغدر بيا وتروح تعرف عـادل وبدل ما الجوازة تبوظ نفسيتي أنا اللي تبوظ وأنا شايفة الجوازة بتتم.
-اغدر بيكِ ده إيـه ده أنا ابقى عبيط لو مستغلتش الفرصة، أنا مؤمن ومقتنع مليون في المية أن الفرصة مش بتيجي غير مرة ويا نستغلها يا هضيع مننا وأنا كل ده كنت مستني فرصتي تجيلي وكنت بسأل هي أتاخرت كدة ليه بس أهي بقت قدامي دلوقتي وأنا ابقى عبيط وبريالة لو قولتلك لا وبعدين أنتِ قولتيلي معرفهوش وده اللي حصل، أنا مش بستفاد منه بحاجة، يبقى خليني استفاد من وراه ولا إيـه.
-ماشي هصدقك وهثق فيك كمان…أنا عايزاك بقى تقولي حاجات عن عـادل هي متعرفهاش ولو عرفتها تسيبه فيها، ومش بس كدة عايزة أعرف لو ليكم صور مع بنات عرفها عليها، لأن أي صور قديمة ليه مع بنات مش هتفيدنا شكله دلوقتي اتغير شوية وهيبقى باين أنها قديمة.
مال للأمام قليلًا يخبرها بما يعرفه:
-عـادل معرفش عليها واحدة تانية وملعبش بديله لحد دلوقتي بس أنا واثق أنه معملهاش عشان الفرصة مجتلوش بس لو جت هيدوس، فـ دي سهلة وسبيها عليا وليكي عندي أخليه يخونها بعد ما يرجع من عندها هو وأهله، أما بقى حتة الحاجات اللي جهاد متعرفهاش فـ أنا عندي حاجة لو هي عرفتها مش هتبص في وشه تاني.
تساءلت بفضول كبير تشكل على محياها:
-اللي هي؟؟؟
-استغلها في الأول خالص عشان يرجع الريتش عنده على قفاها وأحنا اللي كنا ورا الصور اللي نزلت ليهم سوا واللي بسببها أبوها اداها علقة موت، لما جت كنت أنا وهو قاعدين سوا، وبعدين سبتهم وقعدت على ترابيزة تانية وأنا اللي صورتهم وساعتها على ما افتكر فهمها أن أنتِ اللي ورا ده كله.
شردت سـارة في حديثه ولم ينتشلها سوى صوته الذي سألها:
-هأخد الشنطة معايا صح؟
رأت في عيونه لهفة وسعادة جعلتها تدرك بأنه سيوفي معها ويخون صديقه، هي من البداية لم تكن ترتاح لـه وقد صدق إحساسها:
-خدها أنا مش جيباها معايا عياقة حلال عليك، بس لو عقلك سوحك وفكرت تـ.
-شيفاني عبيط!!!! بقولك دي فرصتي، بقولك إيـه يا سـارة اللي في الشنطة دول كام.
وبعدما أخبرته ازداد طمعه وقال يخبرها منتهزًا ما يحدث فالمبلغ الذي أخذه للتو ليس بالقليل ولكن كما يقولون البحر يحب الزيادة:
-طيب أنا هعتبر الفلوس دي مقابل المعلومة اللي خدتيها مني ومحدش يعرفها وكفيلة تخلي جهاد تسيبه، بس المشكلة أنه مفيش دليل، عكس الصور اللي هتبقى حاجة في ايديك فعايزين نتفق على سعرها وتحوليهملي بعد ما ابعتهوملك، موافقة؟
نفضت سـارة رأسها من خطوتها الجنونية التي اقدمت عليها، عائدة للوقت الحاضر، فهي فعلت خطوة خطيرة بالتواصل مع صديقه وغامرت وجنت ومنحته مبلغ طائلًا في اللقاء الأول ومبلغ آخر بسيطًا مقارنة بالأول، بعد أن باتت تملك الصور وفي الحقيقة كانت مغامرة تستحق وذلك لأنها نجحت في النهاية وأصبح في يديها ورقتين ستحرق بهم عـادل.
الأول هو أنه من كان خلف الصور التي انتشرت لـها في البداية وبسببها ضربها والدها.
والثاني خيانته الذي اقدم عليها للتو وكانت في الاساس فكرة واقتراح من يسمى صديقه.
فقد نفذ ذلك الصديق مقولة أحذر من عدوك مرة ومن صديقك ألف مرة.
فلولا خيانته تلك لم يكن عـادل سيقع في شره أعماله ويفضح عند سـارة التي لن تصمت أو تتهاون معه….
_______________________
دموع تهبط من عيون جهاد، تبكي بصمت وبلا سبب واضح، فقط شعرت برغبتها في البكاء وفعلت دون حسبان أو تفكير.
تبكي في يوم ليس من المفترض أن تبكي بـه وتسعد فيه أي فتاة.
لكن معها هي اختلف الأمر تمامًا، وفي الحقيقة البكاء ليس المسمى الحقيقي الشارح وضعها، بل الإنهيار هو الوصف الأدق في حالتها.
جميع من معها في المنزل لا يعلم شيء عما يحدث الآن معها، يظنون بأنها قد تكون نائمة بعد يوم متعب وربما تحادث عـادل عبر الهاتف.
كلما حاولت التوقف وإيقاف دموعها تنهار أكثر وأكثر.
التقطت منديل ورقي تمسح بـه الدموع المنهمرة كالمطر، متحدثة مع نفسها وهي على وشك أن تجن وحالتها تتفاقم سوءًا:
-أنا بعيط ليه، أنا عايزة أفهم أنا بعيط ليه.
استمرت على هذا الحال وبعد دقائق تماسكت أخيرًا وبدأت تعود إلى طبيعتها، مسكت الهاتف وجاءت بهاتفها وحاولت الاتصال على عـادل، لكنه لم يجيب عليها.
وبسبب عدم رده وكأنها قد وجدت ضالتها وسبب تلك المرة يدفعها للبكاء حتى ولو كان بسيطًا تافهًا لا يستحق عادت تبكي من جديد.
تلك المرة لم تبكي بعيدًا عن العيون أو بالسر، بل رآتها كل من إسلام وبـرق بعد أن اقتحموا الغرفة دون استئذان وبطريقة مباغتة لها جعلتها تبعد وجهها عن مرمى البصر وتمسح الدموع من عيونها وعن وجهها.
-بتعملي إيـه يا جوجو، أنا خلاص يوسف عشراية ويبقى هنا.
هكذا تساءلت بـرق لا تلاحظ بعد حالـة جهاد.
استدارت جهاد برأسها نحوهم تبتسم بسمة لا تليق مع هيئتها فقد كانت عيونها الحمراء تفضحها.
انتبهت إسلام أولًا وسألتها وهي تجلس قبالتها بقلق وخوف:
-إيـه في إيـه بتعيطي ليه يا جهاد؟؟
جاء دور بـرق والتي كانت بمفردها بعد أن نام صغيرها قليلًا، قائلة هي الآخرى:
-أيوة إيـه منظرك ده!!!!!
ابتلعت ريقها وردت بهدوء وبسمة غزت وجهها:
-متأفورش أنا كويسة دي دموع الفرح.
عقدت إسلام حاجبيها ورددت باستنكار:
-فرح!!! أومال الزعل عاملة إزاي، هو أحنا صغيرين قدامك بتضحكي علينا، انطقي قولي في إيـه؟؟؟ عـادل زعلك؟ اتخانقتوا.
-لا معملش حاجة، مبيردش أصلًا عليا….
وقبل أن تعلق أي منهما وتضيف حديث آخر، تابعت جهاد التي عادت تنهار وهي تسرد لهما:
-أنا مش عارفة أنا بعيط ليه، أنا عيط مرة واحدة، بس ليه وإيـه اللي حصل معرفش، والمشكلة أن العياط مش بيريحني وكمان قلبي وجعني أوي.
لاحت الحيرة على وجه بـرق واستفسرت وهي تجلس أيضًا وتربت على ذراعيها بحنان:
-طب اهدي طيب عشان خاطري، حد يعيط في يوم حلو زي ده ما تقولي حاجة يا إسلا… إيـه ده!!!!!!! أنتوا عبط بقى ولا إيـه، بتعيطي ليه أنتِ كمان.
مسحت إسلام تلك الدمعة الهاربة من عيونها، تجيب بصدق:
-عشان الحيوانة دي بتعيط عيطتني معاها.
مسحت بـرق على وجهها بنفاذ صبر، هاتفة بطريقة مزحة:
-طب احايل مين فيكم دلوقتي تلاتة كتير عليا بصراحة.
ردت إسلام تصحح لها:
-تلاتة إيـه يا حولة أحنا اتنين.
-لا ما أنا حسبت يوسف ابني معاكم ما هو كمان لما بيعيط بيبقى كدة، بس أنا ابني ربنا يحرسة بيعيط لأسباب مش زيكم يا محبين النكد.
صوبت جهاد أنظارها نحو إسلام وأخبرتها:
-إسلام خليها تسكت عشان مجبهاش من شعرها.
ختمت حديثها ثم عادت تلتقط هاتفها تحاول مجددًا الاتصال على عـادل ولكنه لم يجيب مرة أخرى.
سألتها إسلام بفضول:
-بتكلمي مين؟؟
-عـادل ومش بيرد معرفش اختفى ليه ومكلمنيش ليه.
مزحت بـرق معها وقالت:
-أكيد بيخونك.
لكزتها جهاد وهى توجه كلماتها إلى إسلام بغيظ:
-يا إسلام مشيها بتعصبني وهتعيطني زيادة وأنا بتلكك.
ضحكت بـرق ثم أخبرتها بعفوية:
-صحيح عرفتي اللي حصل، مش صابـر فرحه اتلغى أبو عروسته مــات…….
كلماتها جعلت قلب الأخرى يخفق بجنون لا تعرف إذا كان من ذكر اسمه أو من الخبر التي تلقته.
كان موعد حفل زفافه غدًا، لم تأخذ خبرًا عما جرى.
نظرت لـ إسلام والتي كانت تشعر بالحنق من بـرق لأخبار جهاد أخبار لا تخصها أو تعنيها.
________________________
في صباح اليوم التالي..
اشمئزاز..سخط من الذات والنفس الضعيفة التي انجرفت خلف شهوته.
هذا هو حال عـادل بعد خيانته التي وقعت ولم يعد هناك تراجع عنها.
حدثت وانتهى الأمر.
يعجز عن فهم نفسه التي شجعته وزينت الخيانة في عيناه.
فقد ضعف وانساق خلف رغباته وارتكب الفاحشة، زنى مع فتاة لا تحل لـه.
ورغم استمتاعه وعدم الشعور بأي ذنب حين كان معها، إلا أنه الآن في أكثر أوقاته ندمـًا، لم يندم يومـًا مثلما هو الآن.
هو حاول كثيرًا أن يبتعد عن كل هذا ويصلح من ذاته ويكون شخص أفضل يليق بحبيته جهاد..كان ناجحًا في فعلها، لم يضع نفسه في مثل هذا الموقف منذ أتخذ قرار بالابتعاد.
ومع أول فرصة سنحت لـه خرب كل شيء فعله…كافة محاولاته ذهبت مع مهب الريح.
أغمض عيونه ودموع الندم تنهمر من عيونه دون توقف وتلك الكلمات تدور في رأسه.
“يا ليته لم يضعف وحدث ما حدث.”
ولكن حتى الندم لن يفيده بشيء.
حرك رأسه وبالصدفة وقع بصره على هاتفه، اهتز كليًا وسارع بالتقاطه وهو يتذكر جهاد الذي لم يحادثها منذ الأمس حتى الآن.
مسح دموعه عن وجهه بظهر يديه، ثم حمحم وأجاب عليها بصوت كافح لإخراجه طبيعيًا:
-صباح الخير يا حبيبتي.
لم ترد على حديثه وقالت بأسلوب جامد:
-أنت فين من امبارح يا عـادل، عارف اتصلت عليك كام مرة!!!!.
ارتجف بدنه قليلًا، وحاول التفكير بسرعة البرق في شيء مقنع، فقال لها:
-حقك عليا بس جيت نمت علطول والتليفون كان Silent فمسمعتوش حقك عليا والله، أنا آسف، آسف بجد.
اعتذاره كان سببه شعوره الداخلي نحوها ومن خيانته لها.
انعكس سوء شعوره إليها وشعرت بأنه يتحدث بطريقة وكأنه على وشك البكاء، وبدون تردد سألته:
-طب خلاص حصل خير في إيـه أنت هتعيط ولا إيـه، أنا بس قلقت عليك.
-مش هتكرر تاني، وعـد معملهاش تاني، سامحيني.
مجددًا حديثه كان يحمل مغزى آخر بين طياته، واعدًا بألا يفعل ويخون مرة أخرى وتلك كانت مرة ولن تتكرر.
في ذات الوقت كلماته لم تمر عليها وشعرت من طريقته أن هناك أمر، يعتذر كثيرًا بلا سبب يستدعي كل هذا، نبرة صوته ليست طبيعية وكأنه يرغب في البكاء أو بكى بالفعل، لا تعلم ما الذي يحدث تحديدًا معه ولم تكتم ما تشعر به عنه وسألته بترقب:
-في إيـه يا عـادل طريقتك غريبة ومريبة ليه بتتأسف كتير كدة وليه صوتك حساه مش طبيعي مش افهم في إيـه؟؟!!! أنا مش مرتاحة.
صُدم من كلماتها وقدرتها على تخمين وجود شيء من كلمات بسيطة لا يفهم معناها سواه، حاول تكذيب ظنونها وقال ينفي بطريقة مرحة كي ينفي كل ما يدور برأسها الآن:
-بتأسف عشان غلط وجيت نمت بدل ما اجي اتكلم معاكي نسهر للصبح أو حتى نطلع لايف نقعد مع حبايبنا، أما حتة صوتي فـ مش عارف بصراحة ممكن يكون بداية دور برد من التكييف، وبعدين مش عيب تقوليلي مش مرتاحة، قومي يلا البسي وخلينا نفطر سوا ولا الهانم فطرت.
تنهدت أثناء حديثه وصدقته وشعرت بأنها قد ضخمت الأمر، فقالت:
-لا مفطرتش لسة، عدي عليا عقبال ما اجهز عشان مش قادرة اسوق النهاردة.
-بس كدة عيوني لعيوني.
اغلقت معه ثم نهضت كي تستعد للخروج معه وتناول الفطار، أما هو فزفر براحة عقب إغلاقه معها ومسح على جبينه الذي تعرق قليلًا.
________________________
-في إيـه بتصحيني ليه، ماذا تريد مني في الصباح الباكر يا ابن عمي نضال، أنت إيـه اللي رجعك كنا مرتاحين منك والله وكان عندنا فرح.
-ابلع ريقك وقوم ألبس مفيش نوم، قوم عقبال ما أقوم آسـر هو كمان وأشوف صابـر نزل ولا لا عشان لو منزلش خير وبركة، ولو نزل نروح نجيبه لازم نفك عنه أكيد شايف أن نفسيته زي الزفت بعد ما فرحه اتلغى..يلا قوم…صحيح أنا كلمت قُصي وهو كمان هيقابلنا.
ردد فريـد كلماته وهو على مشارف الخروج من الغرفة كي يقوم بإيقاظ آسـر وصابـر هذا إذا كان لم يهبط ويتواجد بعد بالمنزل.
تساءل أحمد بعيون ناعسة:
-لممنا اللمة دي ورايح بينا على فين، أنا مبقتش اتفائل بيك بقولك وبتشائم، وبعدين فين يوسف ومحمد في الليلة دي.
-دول ناس متجوزين أحنا كسناجل ملناش دعوة بيهم وعيب أوي لما تقولي بتشائم ومش بتفائل، بقولك هروق على أخوك ونخليه يفك شوية وبالمرة نقعد نرغي سوا كلنا ونقضي يوم عنب من أوله، قوم بقى بطل كسل وخمول.
انكمش وجه أحمد وقال بشك وعدم راحة واطمئنان تجاه:
-مش مرتحالك بس ماشي كله لأجل أخي العزيز الحبيب القريب.
قام فريـد بإيقاظ آسـر، وكذلك وجد صابـر وبصعوبة أشبه بالمهمة شبة المستحيلة وافق صابـر بعد إصرار من آسـر وأحمد للتهوين عليه وجعل هذا اليوم يمر عليه بسلام.
فارق الأربع شباب المنزل وصعدا سيارة واحدة موافقين على اقتراح فريـد الذي هتف بتلك الكلمات:
“بما أننا مع بعض النهاردة مفيش داعي كل واحد يتحرك بعربية خلونا نتلم في عربية واحدة وعلى رأي المثل عربية هنية تكفي مية وأحنا مش مية أحنا أربعة بس…”
تولي آسـر القيادة وجلس بجواره فريـد أمام بالأريكة الخلفية جلس التوأمان صابـر وأحمد.
وفور إنطلاق السيارة ردد فريـد ملتفتًا برأسه صوب الجالسان في الخلف:
-بعون الله هتحلفوا وتتحالفوا باليوم ده نروح بس نفطر الأول وبعدين تشوفوا أنا محضرلكم إيـه.
خطف آسـر نظرة نحوه وسأله:
-قُصي هيفطر معانا؟؟
-آه بعتله اللوكيشن واتحرك من شوية.
عشرين دقيقة وكانت السيارة تصف أمام المطعم وأشار أحمد في لحظتها نحو السيارة التي تصف بالأمام ويفصل بينهم وبينها ثلاث سيارات:
-عربية الواد الصايع الضايع قُصي أهي.
هبط الأربعة وتحركوا صوب باب المطعم، وفي ذات اللحظة كان قُصي يفارق المطعم وما أن رأهم حتى ابتسم لهم وقال يعيق دخولهم للداخل:
-جود مورنينج يا شباب.
رد عليه أحمد بطريقة مازحة معتادة بينهما:
-وهو المورنينج الجود هيجي منين بعد ما شوفنا وشك، أنا مش عارف أنت جايبه معانا ليه، ده صايع and ضايع بينام وش الصبح ويصحى المغرب أو العشا.
أوشك آسـر على التحرك والتقدم خطوة ودخول المطعم لولا قُصي الذي وقف وتصدى لهم متمتم بارتباك بسيط:
-بقولكم إيـه هو لازم نفطر يعني، مش لازم يلا بينا نـ…
-هو إيـه اللي مش لازم أنا مفطرتش وجعان وهفتان واتعشمت أني هاكل واستعديت خلاص يلا متسمعوش منه.
ومن جديد حاول قُصي منعهم والذهاب من هنا لولا أحمد وفريـد اللذان أصران على الدخول فتحدث أحمد سابقًا فريـد مغمغم:
-ما تبعد بقى بدل ما تلاقوني كلت دراع حد فيكم.
آتى دور فريـد هاتفًا:
-وسع يا قُصي المطعم هنا أكله يجنن أنا مجربة وحافظ المنيو يلا اتحرك متقفش كدة.
استسلم قُصي وحرك كتفيه مبتعدًا متمتم بخفوت:
-خلاص كدة أنا عداني العيب وأزح.
مع تحرك البقية للداخل دنا آسـر أثناء تحركه من قُصي، هامسًا بشك:
-هو في إيـه؟ مش عايزهم يدخلوا ليه؟
لم يجيب قُصي بلسانه وحرك عيونه مشيرًا نحو واحدة من الطاولات برأسه.
نظر آسـر نحو المكان الذي يشير قُصي نحوه وعلى الفور سقط بصره على…
جهاد الجالسة رفقة عـادل منشغلان بتناول الطعام معًا ويتبادلان أطراف الحديث لا ينتبه أي منهما إلى حضورهم وتواجدهم في مكان واحد.
اختار فريـد طاولة وجلسوا عليها وحتى الآن لم يراهم سوى آسـر وقُصي.
جاء النادل بقائمة الطعام والمشروبات المتوفرة في المكان وفور ذهابه وتحركه وقع بصر صابـر عليها……وبدون إرادة ورغمًا عنه انتابه الكثير من المشاعر والتي ازعجته ولم لن يكن لـه دخل في حدوثها أو سيطرة عليها.
لم تكن بمفردها بل تجلس رفقة ذلك الرجل البغيض.
تندمج معه في الحديث لتلك الدرجة التي تجعلها لا تلتفت حتى حولها وتنتبه لوجوده معها تحت سقف واحد بعد كل هذا الوقت الطويل.
لم يراها منذ سنة وبضعة أيام.
آخر مرة رأها كانت في تلك المرة الذي خذل وخذل معه قلبه وانفطر شقين.
أبعد عيونه عنها فلا يملك حق للتطلع بها، حتى ولو كان ينوي فسخ خطوبته وترك أميرة.
من الواضح أنها قد تخطته ولم يعد لـه شيء بداخلها، سعيدة مع هذا الرجل.
تبتسم لـه وتتحدث معه بأريحية دون توقف وهو كان مستمع جيدًا لها يوليها اهتمام كبير.
التوى ثغره جانبًا وانزعج من تألمه وذلك الوجع الذي عاد يهاجمه من جديد.
كأن الوقت لم يمر وآخر لقاء بينهما كان بالأمس وليس منذ سنة!!
وللتو أدرك حقيقة أنها تخطته، وتناسته عن حق وبدأت من جديد، أما هو وبمجرد رؤيتها عاد مجددًا إلى نقطة الصفر.
لاح الانزعاج على وجهه.
انزعاج كان سببه نفسه وقلبه الذي وضعه جانبًا ودعس عليه تاركًا العقل أن يتولى زمام الأمور.
لاحظ أحمد تقلبات وجه صابـر وسرعان ما استفسر مندهشًا:
-في إيـه يا صابـر مالك؟؟؟
أثناء سؤاله خطف صابـر نظرة أخيرة نحوها كأنه يودعها، ناهضًا عن مقعده.
انتبه أحمد لفعلته ونظر صوب المكان فما كان منه سوى التجمد وإدراك ما يحدث مع أخيه، مستمعًا لكلماته:
-أنا ماشي مش عايز أفطر، عندي كام مشوار لازم اعملهم افتكرتهم دلوقتي.
صاح فريـد رافضًا مستنكرًا:
-نعـــم يا خويا بقى أنا عامل كل ده عشانك وعشان تفك وتفرفش تقوم سايبنا وماشي، لا معلش ده على جثتي.
رد أحمد من بين أسنانه غيظًا من فريـد:
-ما هو هيبقى على جثتك فعلًا ده أنت حسابك معايا بس مش دلوقتي أنا والله ما عارف أقولك إيـه بس منك لله، يلا يا صابـر أنا هاجي معاك.
تبادل آسـر وقُصي النظرات يدركون حقيقة ما يحدث.
تحرك صابـر ومعه أحمد…ثم لاحقهم آسـر وقُصي ولم يتبقى سوى فريـد الذي هتف بصوت عالي شبه صارخًا لا يبالي بءخد:
-خد يا صابــر، خد يا أحمد…يا آســر، طب يا قُصي، يا صابـر هو أنا جايبكم هنا عشان تمشوا ولا إيه، تصدقوا أنا غلطان قال وأنا بروق عليك عشان فرحك اللي اتلغي.
وصل صراخ فريـد إلى مسامع جهاد والتي كان لوقع اسمه على مسمعها تأثيرًا ليس بالبسيط، تبصر مصدر الصوت تتلقى صدمتها بسماع الباقي من أسماء الشباب..
سواء كان أحمد، آسـر، قُصي، كما أنها رأتهم من الخلف وهم يفارقون المطعم.
ورغم أنها لا ترى وجوههم إلا أنها استطاعت تمييزه من بينهم.
تحفظه وتستطع إخراجه والتعرف عليه بسهولة سواء كان من طريقة سيره، أو طولـه وبنيه جسده.
ابتلعت ريقها وحاولت العودة إلى طبيعتها وعدم إظهار أي تأثر ولكن كان الآوان قد فات وانتبه عـادل لما حدث لها عند سماع اسمه من فزع واهتمام وصدر يعلو ويهبط من فرط التنفس، وعلى الفور تناسى خيانته وفعلته الشنيعة وهتف بنبرة يغلفها الغيرة:
-مالك؟؟ البيه وحشك ولا إيـه؟؟
ابتلعت ريقها وسألت بهدوء يخالف ما يحدث داخلها:
-بيه مين اللي وحشني؟؟
-صابـر اللي أول ما سمعتي اسمه اتقال عينك خرجت من مكانها ومبقتيش على بعضك هو في إيـه يا جهاد!!!
-في إيـه أنت!!!! عايز تتخانق معايا وخلاص!!! هو أنا كلمتك.
-مش لازم تكلميني رد فعلك على سماع اسمه كفاية.
-عـادل بلاش جنان و وطي صوتك أحنا في وسط ناس..
ضرب على الطاولة بخفة وغيرة يستفسر منها:
-يبقى جاوبيني وقوليلي ليه حصلك كدة أول ما سمعتي اسمه؟؟؟؟ لسة بتحبيه يا جهاد.
رفضت منحه جواب وقررت إنهاء تلك المهزلة، ناهضة عن الطاولة تلتقط حقيبتها متمتمة:
-أنا مش هرد عليك دلوقتي، لما تبقى تهدأ وعارف أنت بتقول إيـه نبقى نتكلم.
غادرت تاركة إياه ولكن ليس بمفرده بل ترافقة الغيرة العمياء.
هناك نار اشتعلت داخل صدر ما أن رأى رد فعلها الغريب والمثير للريبة والشك.
كان يظن بأنها تبادله مشاعره ولكن ما حدث للتو يخبره بالكثير والكثير……..
_________________________
عادت جهاد مرة أخرى إلى المنزل، والجة غرفتها مغلقة الباب من خلفها بإحكام كي تمنع دخول أي أحد واقتحام خصوصيتها، مقررة تأجيل أي عمل أو تصوير اليوم، في أشد حاجتها إلى الراحة بعد ما حدث اليوم.
لم تعد تفهم نفسها، مشتته، تائهة..
ظنت بأنـه لا يفرق معها في شيء وقلبها أضحى ملكًا لأخر..ولكن في الحقيقة كانت تكذب على نفسها…توهمها حتى تتمكن من الاستمرار والعيش مع كل هذا الوجع الذي يفرض سيطرته على قلبها.
ما حدث اليوم جعلها تعيد التفكير وتلقي العديد من الأسئلة على نفسها علها تجد جوابًا يريحها ويسكن ذلك الألم الذي اجتاحها دون استئذان.
ظلت على هذا الحال لوقت لا تعرفه ولم تشعر به حتى إذا كان طويلًا أو قصيرًا.
وبعدها ولكسر الملل وذلك الشعور القاتل داخلها مسكت الهاتف متأملة أن تنسى قليلًا وتنشغل بـه.
ولكن وجهها تبدل وانقلب لآخر مصدومًا من محاولة سـارة التواصل معها، مرسلة لها تلك الرسالـة:
“مساء الخير ياجهاد، كنت حبة اتكلم معاكي ونتقابل ضروري جدًا، ممكن النهاردة؟؟ لو تمام ابعتيلي.”
قرأت جهاد الرسالة بتركيز وفور انتهائها قررت تجاهلها واختارت عدم الرد، ترى أن ليس هناك سبب كي يتواصلان بل ويتقابلان وجهًا لوجه.
مر نصف ساعة وعقلها لا يتوقف عن التفكير والفضول بدأ ينهش بها تتساءل عما تريد ولما طلبت مقابلتها.
وكأن الأخرى في تلك اللحظة كانت تفهم ترددها أو عدم رغبتها في الرد، فأرسلت لها رسالة أخرى ربما تثير فضولها أكثر وتدفعها للرد:
“الموضوع اللي عايزاكي فيه بخصوص عـادل على فكرة ولازم تعرفيه.”
قرأتها جهاد وردت تلك المرة:
“لو عندك حاجة فعلًا عايزة تقوليها قوليها هنا، أنا مش هقابلك، مفيش حاجة تستدعى أن أنا وأنت نتقابل.”
لم تستلم سـارة وكتبت لها:
“لا في يا جهاد ولو الموضوع مش مهم وميخصكيش في حاجة مكنتش بعتلك على فكرة، قابليني واسمعيني ومش هتندمي وأهم حاجة عـادل ميشمش خبر متعرفيهوش يا جهاد.”
_________________________
انتظر آسـر كثيرًا جواب منها، الوقت ثقيل لا يمر بسهولـة على قلبه.
هاتفه يلازمه، لا يتركه ويأخذه معه أينما ذهب وتحرك في المنزل، ينتظر أي رد جديد منها.
حتى الآن لم تجيب مرة أخرى، سلبته الراحة كما سلبته النوم.
العذاب كُتب عليه ولا مفر منه.
دخل غرفته وجلس على حافة الفراش ممسكًا بهاتفه يقرأ رسالتها للمرة الذي لا يعرف عددها.
فكلما حاول التهوين على نفسه كان يقرأ رسالتها رغم بساطتها.
رفع رأسه و زفر بصوت عاليًا، قائلًا:
-يــارب..أنا تعبان حاسس أني بموت بالبطئ، ومش عارف أعمل إيـه.
أنهى حديثه يبصر أمامه فلاشيء يسأل نفسه لما كذب وأخفى حقيقة مشاعره واشتياقه لها، لما لم يخبرها كم يتوق إليها وماذا تفعل الأشياء والكلمات البسيطة التي تصدر منها في قلبه المسكين العاشق المعذب من قِبل من هوى.
لم يرضخ قلبه للإستسلام تلك المرة وقرر أن يقر ويعترف بما يكنه لها وأن يخطو ويتقدم خطوة بعد كل هذا الوجع والألم الطاغي عليه، سيفعل تلك المرة ما لم يفعله في المرات السابقة ولكن قبل أن يفعل عليه أن يخبرها كي لا تتفاجأ.
رفع الهاتف أمام عيونه وأرسل لها من جديد:
“أنا كداب، كدبت عليكي، أنا بعتلك عشان وحشتيني أوي، فوق ما تتخيلي، عارف أني بغلط وبتهور دلوقتي بس خلاص فاض بيا، كل بني آدم عنده طاقة وقدرة تحمل، وأنا طاقتي وقدرتي على الصبر خلصت، أنتِ وحشتيني على فكرة، أنا المرة دي مش هستنى ترفضيني وترفضي حبي ليكِ، فكرت وقررت والمرة دي هثبتلك حسن نيتي وأني صادق في كل حرف قولتهولك، أنا لسة بحبك وعايزك مش عايز غيرك يا ضياء، حبيتك من بدري وحبك منقصش جوايا درجة بالعكس زاد أضعاف أضعاف ولو كنت بحبك قيراط دلوقتي بحبك أربعة وعشرين قيراط، مش قادر أتخيل نفسي مع غيرك ومش عارف أعيش من غيرك، حياتي من غيرك زي فيلم بالأبيض والأسود، كنت زبالة وأنا معترف بـ ده بس حبك غيرني خلاني عرفت أنا كنت إيـه ومش هتصدقي حبك خلاني إيـه….أنا آسف لو بقول كدة بس أنا مش هسيبك وهتمسك بيكي ولو مبتحبنيش هعمل أي حاجة تتخيليها ومتتخيليهاش عشان تحبيبني ولو واحد في المية من حبي ليكي، المرة دي مش هقولك أنتِ بس أني بحبك وعايز أتجوز وأكمل حياتي معاكِ، أنا هقول للدنيا بحالها وهدخل البيت من بابـه والنهاردة مش هستنى حتى لبكرة….دي آخر رسالة أبعتهالك في الضلمة واللي جاي كله في النور بعون الله.”
___________________________
عادت ريهام إلى المنزل اليوم باكرًا مقارنة بالأيام الماضية بعد يوم شاق شعرت خلاله بالارهاق.
استقبلتها والدتها وأخبرتها أن تبدل ملابسها وتأتي كي يأكلون معًا ولكنها أخبرتها بأنها قد تناولت ولا تشعر بالجوع.
كذبت عليها، لم تأكل شيء ولا تملك تلك الشهية أو النفس الذي يجعلها ترغب أو تشتهي الطعام، حتى أنها لا تشعر بالجوع، فقط أرهاق لا ينتهي.
لم تبدل ملابسها فقط تركت حقيبتها جانبًا ثم أزالت حجابها عن رأسها، محررة خصلاتها ثم دفعت جسدها النحيل على الفراش، مطلقة تنهيدة عالية وهي تغمض عيونها.
تطمح بألا تفكر في شيء وتصفي ذهنها.
ظلت على هذا الحال لدقائق ولم تتحرك إلا بعد أن ارتفع صوت رنين هاتفها الموضوع داخل حقيبة يديها.
نهضت عن الفراش وآتت بـه وعلى الفور قرأت اسمه “هشام”.
ذلك الشاب الساكن بالقرب منها وفي ذات المحيط وبعد عودتها للعمل بدأ يراها ويصادفها كثيرًا وتطور الأمر معه و وصل إلى إعجاب وسأل عنها وعلم بطلاقها تضايق في بادئ الأمر ولكن بعدها اقنع نفسه أنه لا يوجد لديه مانع في الزواج من امراة منفصلة، والآن يرغب في الزواج بها ويلح عليها كثيرًا كي توافق عليه، حتى أنه قد آتى برقم هاتفها لا تعلم كيف وممن أخذه ولكنه ظل رافضًا أخبارها من أين آتى بـه، وأخبرها الكثير عنه كي يجذب اهتمامها أكثر ولكن أكثر شيء انتبهت إليه أنه لا يزال أعذب لم يسبق لـه الزواج من قبل، فقط خطب ولم يحدث نصيب وافترقا.
ولم يكن الإلحاح من جانبه هو فقط بل والدتها التي أخبرتها ولم تخبأ عنها شيء وسعدت كثيرًا وشجعتها للتعرف عليه والموافقة إذا كان مناسبًا.
كذلك تُلح عليها زهـر وشاركتهم جهاد التي علمت مؤخرًا ونصحتها هي الأخرى بمنحه فرصة…لكنها حتى الآن تشعر بالتردد وشيء داخلها يخبرها بالرفض.
ردت عليه بهدوء غلفه شيء من الارهاق:
-ألو، مساء الخير.
-مساء النور، عاملة إيـه أتمنى مكنش متصل في وقت غلط.
-هو بصراحة كنت هنام، في حاجة يا أستاذ هشام؟
-أنتِ نسيتي ولا إيـه؟ أنا مستني رد منك، عايز أفاتح أهلي بالموضوع، وبجد نفسي توافقي، أنا على فكرة مش عايز لا ألعب ولا أتسلى، أنا عايز اتقدملك ونأخد خطوة رسمي، أنا عايز ادخل البيت من بابه ومستني بس أشارة منك.
تفاقم توترها، تشعر بالخوف والتردد في آن واحد.
ما حدث معها وتعرضت لـه ليس بالهين بل كفيلًا كي يجعلها تكره الصنف بأكمله.
ابتلعت ريقها وتلك المرة تجاوبت معه للمرة الأولى تسأله بتردد ملئ نبرتها:
-وأهلك هيوافقوا أنك تأخد واحدة منفصلة؟
-وإيـه المشكلة أنا حر ومش صغير أنا كبير على فكرة، أنتِ بس وافقي وفرحي قلبي وشوفي أنا هعمل إيـه عشانك.
انعقد لسانها ولم تستطع الرد رغم رغبتها في ذلك، ظن بأن الاتصال قد انقطع ولكنه تأكد أنها لا تزال معه عبر الهاتف، فقال:
-أنتِ معايا سكتي ليه!!! سكوتك ده بيقلقني، أرجوكي اديني فرصة مش طالب أكتر منها وأوعدك مش هتندمي لحظة.
انحلت عقدة لسانها بعد معافرة أثناء حديثه وإلقاء كلماته الأخيرة، معلقة تلك المرة بما سر قلبه:
-تمام أنا موافقة………………
والآن بات يملك فرصة أما أن يستغلها ويظفر بها كما رغب أو يخسرها نهائيًا.
__________________________
-أنت بتكلم جد يا آسـر!!!! متأكد!
تساءل عابـد بدهشة ممزوجة بسعادة من طلب ابنه والذي عقب ارساله الرسالة هبط بحثًا عن والده وما أن وجده حتى أخبره برغبته في الزواج من ضياء ابنه شكري دون مقدمات أو تمهيد.
-عُمري ما كنت متأكد وجد زي دلوقتي، أنا بحبها يا بابا، مفيش واحدة حركت ده غيرها.
أشار تجاه قلبه مما جعل عيون والده تتحرك مع أصبعه الذي أشار بـه.
تبسم وجه عابـد وهز رأسه موافقًا داعمًا قرار ابنه:
-وأنا هعملك اللي أنت عايزه وهكلم شكري، بس أنت شايف أن ده وقته، يعني ظروف صابـر وموت حماه وفرحه اللي اتلغى.
-هو أحنا هنروح نتقدم بكرة أنت بس افتح معاه الموضوع وخليه عارف أننا عايزين نتطلبها.
وبالفعل رضخ عابـد لمطلبه وجاء برقم شكري من سلطان الذي أضحى على علم من ابنه هو الآخر برغبة آسـر في الزواج من ابنه شكري واقنعه ابنه أنه مجرد حديث وسيأخذ شكري وقته للتفكير وأخباره بمراعاة ظروفهم وما يمرون بـه حاليًا من حالة وفاة.
اتصل عابـد على شكري، وترقب رده.
أجاب من المرة الأولى متمتم بصوت عادي:
-ألو…مين؟؟
-أزيك يا شكري، معاك عابـد.
-أهلًا ازيك أنت، البقاء لله عرفت من يوسف اللي حصل…خير بتتصل يعني في حاجة ولا إيـه؟؟
حمحم عابـد وقال بصراحة دون مراوغة:
-بصراحة آه، كنا حابين نيجي يوم أنا والعيلة، حابين نناسبك للمرة التالتة….والمرة دي آسـر ابني وبنتك المصونة ضياء، فـ أنا قولت أكلمك تفكر براحتك خالص وتأخد وقتك، أنت عارف عندنا حالة وفاة بس آسـر متمسك بيها وصمم أني أكلمك، فـ لو تمام نعدى بس الفترة دي ونجيلكم علطول.
ارتفع حاجبي شكري واعتدل في جلسته متمتم بعدم فهم جاذبًا اهتمام زوجته التي كانت تجلس بجواره على الأريكة وتنشغل بالهاتف:
-لا مش فاهم!!! أنت قصدك أن ابنك عايز يتجوز ضياء.
-بضبط ده لو معندكش مانع يعني.
تشكلت بسمة ساخرة على وجه شكري مجيبًا بسخرية لا ينسى ما حدث بينه وبين آسـر من قبل وتطاوله وتعتديه عليه جسديًا ولفظيًا، وأيضًا ما حدث منذ فترة كبيرة من شجار بينه وبين جابـر كي يبعد صابـر عن جهاد، مجيبًا بنبرة كاذبة:
-أنا عن نفسي معنديش مشكلة المهم هي، هشوفها كدة يمكن مبتفكرش في جواز عموما هشوف كدة واديك خبر وكدة كدة معانا وقتنا أنتوا مش مستعجلين زي ما فهمت.
أغلق معه وبعدها تساءلت نرمين بحجاب مرفوع وترقب:
-مين اللي عايز يتجوز بنتك ضياء!
-اللي اسمه آسـر ابن عابد، بس بعينهم مش هيطولوا بت كمان من بناتي كفاية أوي عليهم إسلام وبـرق.
-كفاية إزاي يعني هو أنت هتلاقي جوازة أحسن من دي، خلينا نخلص من حملها وكمان لو هو بيحبها وعايزها بجد ممكن نستغل ده ونطلع بأي مصلحة من الجوازة دي زي ما طلعت بالكافيه قبل كدة.
-طب وإيـه هي المصلحة المرة دي؟؟ زي إيه مثلًا شوري عليا.
-معرفش بس نفكر فيها مش صعبة يعني خلينا نستفاد وأهو كله لابننا في الآخر ولا إيـه يا أبو عوض.
ابتسم لها وأخبرها:
-دماغك بتعجبني يا بت يا نرمين، خلينا نفكر ونمخمخ ونشوف هما أساسًا لسة مش هيجوا دلوقتي عشان حالة الوفاة بس زي ما تقولي بيحجزوا.
وبخبث قالت مخمنة:
-مدام بيكلموا في الظروف دي يبقى الواد شكله واقع في بنتك على الآخر ولو ده بجد يبقى يا بختنا.
_________________________
تقف جهاد أمام باب منزلها.
نعم تقف على عتبة منزل سـارة بعدما عرضت عليها الأخرى بالمجئ إليها كي يتحدثان بأريحية ولا يتعرض لهما أحد من متابعيهم ولأن تواجدهم سويـًا أمام العامة قد يترك الكثير من التساؤلات وربما يرغب أحدهم في أخذ لقطة على حسابهم ويلتقط لهما صورًا ويقوم بنشرها وحينئذ سيعلم عـادل بأنها قابلت سـارة دون أن تخبره.
اعترضت بالبداية ورفضت دخول منزل لا تعلم صاحبته معرفة شخصية وخاصة أنهما بتلك الأيام بينهما مشاكل الجميع يلاحظها.
لذا عرضت عليها سـارة أن تأتي لها هي ولكن لم ينال هذا الاقتراح أيضًا إعجاب جهاد لتواجد شقيقاتها في المنزل ولا يتواجد لديها قدرة للتوضيح لهما، وكيف لها أن تفعل وهي لا تعلم حتى الآن سبب هذا اللقاء.
وبالنهاية قررت أن تذهب هي، خطوة غير مدروسة متهورة قد تندم عليها ولكن الفضول يقتلها.
شجعت نفسها ثم رفعت يدها وقامت بقرع الجرس، ثواني وكانت سـارة تفتح لها.
منحتها بسمة صغيرة مرحبة بها:
-أهلًا يا جهاد، اتفضلي.
ابتلعت ريقها ودار بصرها على ما يظهر من خلف سـارة، وبعدها ردت رافضة، قائلة:
-قولي اللي عندك سمعاكي.
عقدت سـارة ذراعيها أمام صدرها، قائلة باستهجان:
-بتهزري أكيد مش هتكلم معاكي على الباب، لو خايفة مني متخافيش مش هاكلك، خشي مش هتكلم على الباب.
ورغم ترددها ألا أنها شجعت وحفزت نفسها ثم استجابت لدعوتها ودخلت معها للداخل.
خلعت حذائها جانبًا ثم تحركت مع سـارة والتي أخذتها لغرفتها مستمعة لكلماتها:
-هنقعد في أوضتي عشان نكلم براحتنا وماما متجيش تقاطع كلامنا ده لو جت دلوقتي يعني.
ولجت معها غرفتها..
تلك الغرفة التي كانت تراها مسبقًا عبر شاشة هاتفها حينما كانت تتابعها وتحبها كثيرًا.
أشارت لها سـارة تجاه أريكة باللون الرمادي، تخبرها بهدوء وهي تأتي بمشروب غازي بارد أمامها كانت تضعه لتقديمه لها:
-اقعدي يا جهاد متكسفيش واعتبري البيت بيتك.
جلست جهاد ورمقت سـارة التي جلست جوارها هي الاخرى وفتحت المشروب الغازي وبدأت ترتشف منه، ثم وضعته جانبًا.
كل هذا والصمت ثالث لهما.
بدأت سـارة الحديث متمتمة بهدوء وبصراحة مطلقة وهي تنظر داخل عيون جهاد:
-أنا هبقى صريحة معاكي…وأقولك أن قلبي وجعني وزعلت على نفسي وعلى كل اللي عملته مع واحد ميستحقش، عـادل مش برئ يا جهاد ومش بيحبك، عـادل مش بيحب غير نفسه وبس.
عقدت جهاد حاجبيها وشارفت على الرد عليها لولا متابعة سـارة تسلبها أي فرصة للحديث والتعليق:
-فاكرة الصور اللي نزلتلك مع عـادل في الأول خالص وبسببها الناس اتكلمت عليكم وقالوا أن في حاجة بينكم وبسببها اضربتي من باباكي.
وبتأكيد أخبرتها جهاد:
-أكيد فاكرة ومنستش، أنتِ اللي كنتي ورا الصور دي مش كدة؟؟؟
نفت سـارة وهزت رأسها تخبرها بالحقيقة التي كانت تغفل عنها:
-لا مش أنا، عادل اللي كان وراها هو وصاحبه وهو اللي خدلكم الصور، يعني العلقة اللي كلتيها وهو جابها فيا أني السبب وراها كان هو سببها مش أنا.
انتفضت جهاد مصدومة صدمة لا يمكن وصفها، تسألها بعدم تصديق:
-أنتِ بتقولي إيـه، أنتِ كدابة على فكرة، وعايزة توقعي ما بينا مش كدة، بس لما تشوفي حلمة ودنك.
نهضت سـارة هي الأخرى ودافعت عن نفسها بقوة مرددة بشموخ:
-أفهمي أنا بفتحلك عينك، دي الحقيقة وهخليكي دلوقتي تسمعيها بودانك وتسمعي اعتراف صاحبه أنا سجلتله وهو بيحكي وياريت كدة وبس…..عـادل امبارح بعد ما روح خانك يا جهاد وقضى طول الليل في حضن واحدة تانية ولو مش مصدقاني هخليكي تشوفي بعينك الصور اللي صاحبه بعتها، أصله زي ما خانك وخاني قبلك صاحبه خانه برضو وباعه ليا وسلمه تسليم أهالي وعشان تصدقيني أكتر هخليكي تسمعي بودنك وتشوفي بعينك…………….
««يتبع»»……..
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.