رواية الحب كما ينبغي الفصل السادس والستون 66 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل السادس والستون

الفصل السادس والستون

الفصل السادس والستون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والستون:

فعلت سـارة ما أخبرتها بـه وكررته على مسامعها أكثر من مرة من جعلها تسمع وترى تأكيدًا على صدقها معها وخيانته هو لها.

وبالفعل آتت بهاتفها وجعلتها تسمع وترى كل شيء.

سمعت اعتراف صديقه الصدوق..أو الخائن إذ صح الوصف أولًا.

ثم رأت بعيونها ما لا تحب أن ترى امرأة وهو خيانة من سيصبح زوجًا لها دون أن يرف لـه جفن.

الصور شنيعة، ليست بالبريئة بالمرة، بل تثير الاشمئزاز.

لم تتحمل ما تراه، وعلى الفور أبعدت عيونها تغلقها بقوة وصدمة.

لم تنطق بحرف ولم تسمع سـارة تعقيبًا منها بل راقبتها بأعين تترصدها، وتابعت ما يحدث معها وتبدل حالتها من سيء إلى أسوء.

فتحت جهاد عيونها مرة أخرى ثم عادت جالسة على الأريكة من جديد بعد أن كانت تقف وتأبى الجلوس ولكنها الآن جلست باستسلام وذلك لشعورها أن قدماها لم تعد تحملاها ولو لم تفعل ستسقط أرضًا من شدة صدمتها به.

كان يخبرها بأنه يحبها…يعشقها، لم ولن يعشق سواها.

أهذا هو الحب في منظوره!!!

لاحت شبه بسمة ساخرة على وجهها وهي تتذكر وقوفه معها ومساندته لها في كثير من الأوقات والمواقف، حنانه، ومراعاته لها، ظنت أنه عوضًا لها عما رأته في حياتها، فقد ظنت أنه أحبها بصدق.

ولكن في الحقيقة أنه سيء، خائـن.

ولا توجد فتاة عاقلة تحب دائمًا المحافظة على كرامتها وتعرف قيمة نفسها جيدًا توافق على أن توضع في مثل هذا الموقف وتتقبل أن تتقاسمها أخرى الرجل المتواجد في حياتها سواء كان خطيبها أو زوجها.

وللتو اكتشفت جهاد نوع آخر سيء من الرجال فهو لم يكن عليه أن يكون مثل والدها كي يكون سيئًا.

وبدون حسبان ومراعاه لتواجد سـارة معها بدأت تنهمر الدموع من عيونها دون توقف.

تبكي وتبكي بلا صوت وبلا توقف..وسـارة تراقب بقدم تتقدم وقدم تتراجع وللحظة سيطر عليها الندم مما فعلته بها فـ ربما كانت قاسية واجهتها بأفعال لم تتوقعها مما كانت تظنه يحبها.

ارتسم الحزن على قسمات وجه سـارة وتأثرت من حالة جهاد وتذكرت هي الأخرى المرة الأولى الذي عرفت بخيانته لها كانت مثلها وربما أكثر سوءًا.

ورويدًا رويدًا وبدون أن تشعر جهاد التي تنشغل بالبكاء ولا تستطيع التحكم بنفسها وإيقاف دموعها والهروب من هذا المنزل ومن تحت أنظار سـارة..انسحبت سـارة وتركت لها الغرفة…تشعر بكثير من المشاعر سواء كان ندمـًا…ضيقًا وحنقًا من نفسها لما ارتكبته…ولكن سرعان ما أبعدت كل هذا التفكير والمشاعر وأخبرت نفسها أن ما فعلته كان صحيحًا وهذا عقابـه.

تعترف أن جهاد لا تستحق كل هذا ولكن هو يستحق بل ويستحق أكثر بكثير.

ابتعدت عن الغرفة وتابعت سيرها نحو المطبخ كي تعد لها مشروبـًا دافئًا قد يساعدها على الهدوء والاسترخاء حتى ولو قليلًا، وبالمرة تترك لها بعض المساحة كي تبكي بأريحية ومثلما تريد، من المؤكد أنها فيما بعد ستشعر بالحرج من انهيارها أمامها.

بعد ذهاب سـارة وتواجدها بمفردها لبعض من الوقت انتشلها صوت رنين هاتفها من تلك الحالة.

فاقت قليلًا لنفسها وأخرجته من حقيبتها بضعف وأصابع ترتجف وفور قراءتها لاسمه يزين شاشة الهاتف، عادت تبكي تتذكر ليلة أمس وكيف لم يجيب عليها طوال الليل.

ابتسمت بوجع وهي تفهم الآن سبب عدم إيجابه.

لم يكن نائم مثلما أخبرها بل كان مع امرأة أخرى.

كما تذكرت صوته في الصباح واعتذاره المتكرر.

كانت ترى أنه يبالغ والأمر لا يستدعي كل هذا ولكن الحقيقة كانت قاسية هو لم يبالغ والأمر كان يستدعي أن يبكي ويندم على ما فعله بحقها.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط، بل فهمت سبب عصبيته وشجاره معها اليوم بالمطعم قبل أن تتركه بمفرده وتذهب، فقد رغب في أن يخفف شعوره بالذنب بتلك الطريقة..رغب في أن يراها سيئة لا تزال تشتاق وتتوق إلى رجل أخر.

الصورة اكتملت الآن وفهمت ما كان يدور ويحدث خلف ظهرها.

مسحت دموعها الملامسة لوجنتيها وبشرتها الناعمة ثم قذفت الهاتف بجوارها لا تنوي الرد عليه.

في ذات الوقت، انفرج الباب ودخلت سـارة مرة أخرى حاملة كوب يحوي على مشروب الكاكاو الساخن.

تقدمت من جهاد ثم مدت يدها لها تسألها بهدوء:

-بقيتي أحسن؟؟

هزت جهاد رأسها بإيجاب تهرب بعيونها منها، تبصر كل شيء إلا عيون سـارة.

لم تأخذ من يدها المشروب فأضافت محافظة على نبرتها الهادئة:

-طب اتفضلي عملتلك كاكاو باللبن يارب تكوني بتحبيه.

مدت جهاد يدها والتقطته منها وهي تفكر بأن عليها الذهاب.

انتهى دور سـارة وجعلتها تعرف حقيقته وترى الوجة الآخر لـه…جلوسها وبقائها معها ليس بالشيء الصحيح.

ولكن حقًا قدماها لا تسعفها وتساعدها في الرحيل من هنا.

جاورتها سـارة جلستها ومن جديد رافقهما الصمت.

كل واحدة منهما صامتة..

الفرق الوحيد هو دموع جهاد التي بدأت تنهمر من عيونها.

لم يقطع تلك اللحظات الصامتة سوى صوت سـارة تعترف لها وتفضفض معها دون حسبان أو تفكير في فعلتها وإذا كانت صحيحة أو لا…فقط رغبت في التحدث والشعور أن هناك من يهتم ويسمع لها:

-أنا مش شمتانة فيكي يا جهاد أنا حسة بيكِ، محدش هيحس بيكِ قدي، عارفة كويس أوي أنتِ حسة بـ إيـه دلوقتي وممكن أوصفلك كل اللي أنتِ حساة، أنا معملتش كل اللي عملته عشان أنا وحشة وبكرهك..أنا عملت اللي عملته عشان ارتاح حتى لو بطريقة غلط…أنا بس عايزة ارتاح، عايزة أحس أن حقي رجعلي، هو آذاني أذى مش هعرف أوصفهولك، والمصيبة أنه مش حاسس أنه آذاني أو ضرني، أنا معملتش أي حاجة أستاهل عليها كل اللي عمله فيا، أي حاجة عملتها فيه كان من جرحي…يمكن ذنبي الوحيد أني حبيته!!! وكنت فاكرة ومصدقة أنه هو كمان بيحبني..بس طلعت مخدوعة هو عُمره ما حبني.

ابتلعت غصة تجمعت في حلقها كانت مريرة وصعبة…ولكنها تجاوزتها وتابعت بألم بات يغلف نبرة صوتها:

-هو ماحبش غير نفسه وبس….استغلني، وهمني بالحب وخاني واعترفلي بلسانه أنه خاني عشان مش مالية عينه ومش مكفياه مش عشان هو خاين، قالي أنه عُمره ما حبني، رغم أني محبتش غيره!! ومكتفاش بكل ده، ده كمان عايرني…عايرني بأكتر حاجة قولتله أنها بتوجعني وخلاها مبرر لنفسه يبرر بيه هو ليه مش شايفني زوجة ليه، عـادل كان عارف حساسية الموضوع ده بالنسبالي وبرضو مفرقش معاه وعايرني….قوليلي أنا ذنبي إيـه لو أبويا مش معايا، يا ستي مبيحبنيش، بيحب كل الناس إلا بنته وشاف حياته ومكملها بعيد عني!!! ده ذنبي مثلًا….مش قادرة أنسى كلامه معايا لحد اللحظة دي.

بدأت جهاد بالاهتمام أكثر إلى حديثها، هناك شيء لامسها وأجبرها على الإنصات إليها.

زفرت سـارة بصوت عالي وبوجع كبير، ثم بدأت تلقي عليها كلمات عـادل القاسية الجاحدة والذي قام بمعايرتها بها وكأن الذنب ذنبها:

-قالي إزاي أفكر أحب واتجوز واحدة ملهاش كبير ولا راجل يشكومها ويحكمها.

مع إلقائها لكلماته على مسامع جهاد، تشكلت الدموع في عيونها تشعر بوجزة داخل صدرها تؤلمها بشكل لا يوصف تعجز الكلمات والحروف عن وصف ما ينتابها.

فما من شيء أقسى من الشعور بأنك منبوذًا مكروهًا من والدك رغم عدم فعلك لشيء يستحق كل هذا الكره والبعد.

هنا ولم تعد تتحمل الصمود أكثر، فقد كانت في تلك اللحظة كقطع زجاج مشروخ…انتهى وقت ذلك الشرخ وحان وقت الانكسار والتحطم الحقيقي.

-أنا مش مبسوطة بنفسي وباللي بعمله، بس هو اللي جبرني على كدة، وجعي منه مش عايز يروح، هو السبب في كل اللي بيحصل دلوقتي، هو اللي وصلني لكدة…أنا رد فعل مش فعل…ومش بكرهك على فكرة….أنا…

لم تجد تعبيرًا يوصفها بدقة…زاغت عيونها المشبعة بدموع.

وبحركة مباغتة لم تتوقعها قامت جهاد والتي لا تختلف حالتها عنها كثيرًا باحتضانها.

تخبرها بذلك العناق أنها لا ترغب في سماع شيء.

واكتفت بحركة يدها التي تربت على ظهرها بحنان.

فكما يقولون فاقد الشيء يعيطه ولذلك منحتها جهاد ما كانت هي في أشد حاجة لـه خاصة تلك اللحظة.

والآن كانت الصورة كالآتي جهاد وسـارة يعانقان بعضهما البعض، وكل منهما تمنح الأخرى ما ترغب بـه من تهوين وحنان واهتمام.

_____________________________

سعادة…فرحة طرقت أبواب قلب آسـر أخيرًا بعد كثير من العناء والشقاء والألم وقلة النوم.

قد يرى أي شخص أن ما حدث من مكالمة بين والده وشكري ومعرفته بأمر رغبته في الزواج من ابنته أمرًا عاديًا ولا يستدعي الأمر كل تلك السعادة.

حتى هو لم يظن ويأتي في بالـه أنه سيكون بكل تلك السعادة وكأنه قد امتلك نجمة من السماء.

يكاد يجزم أن السعادة لم تأتيه من قبل من فرط فرحته الآن.

لا يدري كيف ستمر تلك الأيام وكيف سيكون تأثيرها على قلبه المُتيم.

ولكنها ستمر كما مرت الأيام السابقة…

مقنعًا ذاته أن مر الكثير ولم يبقى سوى القليل وعليه التحلي بالصبر قدر المستطاع.

ولكن السؤال الآن هو هل ستوافق عليه!!!

خفق قلبه بقوة لا يتخيل أن ترفضه مجددًا.

حينها سيكون جسدًا بل روح.

حتى أنه لن يتزوج…أو حتى يفكر مجرد تفكير في الارتباط بغيرها.

هى استثنائية بالنسبة له لن يجد لها مثيل ولا يرغب في استبدالها بل يريدها هي بمميزاتها وعيوبها الذي سيتقبلها بكل صدر رحب..ويتمنى من قلبه أن تتقبله هي الأخرى بعيوبه قبل مميزاته.

فقط يكفي أن يلتقى طريقهما معًا وتتشابك أيديهما حينها كل شيء مقدور عليه وسيساعدها ويأخذ بيدها كي تكون نسخة أفضل من نفسها….

أما عنه هو، فقط يكفيه تواجدها دون أن تفعل شيء كي يكون أفضل وأفضل مما أصبح عليه.

نفض أي تفكير سيء وسلبي قد يعكر صفوه ومزاجه، وقرر التفكير فيما هو أفضل وبشكل إيجابي.

سيعيش اللحظة ويدعو الله ويناجيه أن تكون له ويجمعهما معًا في الحلال عاجلًا وليس أجلًا.

ولذلك لم ينظر حتى بهاتفه وقرر أن يغفو…من المؤكد أنـه سيستطع النوم بكل راحة وتفائل الليلة.

أغلق الأضاءة وأوصد جفونه وكما توقع لحظات وكان يذهب في نوم عميق لم يذيقه ليالي طوال.

على الجانب الآخر، التقطت “ضياء” هاتفها الموضوع على الشاحن..وتحركت نحو الفراش، تمددت بجسدها وسحبت الغطاء عليها مقررة العبث قليلًا بـه قبل النوم.

فهي لم تمسك بـه منذ ساعات وكانت تجلس رفقة روضة تاركة هاتفها موضوعًا في الشاحن داخل غرفتها.

وقبل أن تفعل أي شيء لاحظت الرسالة الذي أرسلها لها منذ وقت طويل ولم تراها سوى الآن.

وعلى الفور ازدادت ضربات قلبها بشكل عنيف وهي تقرأ كل حرف وكلمة بعثها.

الرسالة كانت طويلة….ورغم هذا انتهت من قراءاتها سريعًا وقلبها لا يزال يصارع ويخفق بجنون معلنًا تمرده عليها.

انزلت الهاتف والذهول يتشكل على محياها…تشعر بأحاسيس مختلفة ومتناقضة!!

تناقض نفسها…فقد رفضته عدة مرات من قبل، رفضت أي محاولة واعتراف منه، لم تقابله سوى بالجمود والجفاء والآن تشعر بأنها سعيدة بمجرد التفكير أنه بالفعل قرر أن يخطو خطوة ويتحدث مع والدها دون الرجوع إليها مثل المرات السابقة!!

عليها أن تغضب ولكن لما لا تفعل!!!!

نهضت سريعًا عن الفراش وذهبت باتجاه المرآة تنظر لنفسها وللصدمة وجدت بسمة بسيطة تشكلت على محياها دون أن تشعر!!!

الأمر لم يتوقف عند تلك البسمة فقط!! بل نالت عيونها سعادة وكانت تلمع بعدما كانت مطفية!!

لم تنسى حال قلبها ورفعت يدها و وضعتها موضعه تتساءل ما بـه!!!

وما الذي يحدث معها!!!!!!!!!!

هل توقفه الآن وتخبره ألا يفعل شيء.

هذا من المفترض أن يحدث ولكن.

لن تفعل…قلبها حسها على ألا تفعل وتمنحه فرصة.

قد مـر عام كامل ورغم ذلك عاد يخبرها بمدى حبه وتوقه كي تشاركه حياته، يخبرها بخطوته القادمة بالتحدث مع والدها.

اغمضت عيونها وطردت فكرة منعه، راغبة أن تمنحه فرصة تلك المرة.

ربما لأنها تلك المرة تختلف فهي قد نضجت وتغير تفكيرها قليلًا خلال الفترة الماضية، كما أنها في الأساس تشعر بقليل من الإعجاب نحوه..وعند تفكيرها جيدًا وأعادة النظر فهي أيضًا كان لها ماضي ولكنها أدركت خطئها وابتعدت وتابت وعادت إلى الله عز وجل…وحتى تلك اللحظة لم ترتبط بأحد مرة أخرى.

تنهدت وابتعدت عن المرآة متابعة حديثها مع نفسها:

-المرة دي مش همنعه…وهو لو عايزني بجد هيعمل اللي قال عليه وهيكلم بابا…غير كدة لا هكلمه ولا هرد عليه تاني…أنا مكنش ينفع أرد عليه أصلًا، أنا غلط بردي عليه…ومعنديش نية أرجع للي كنت فيه وأعمل حاجة حرام عشان أي حد.

______________________________

مـر نصف ساعة تقريبًا وأخيرًا حل السكون على الاثنان وتوقفا عن البكاء ولا تزال تجلسان نفس الجلسة.

حركت سـارة رأسها نحو جهاد تسألها مجددًا:

-حسة نفسك أحسن دلوقتي؟

تنهدت جهاد وأجابت على سؤالها بصوت ضعيف يعكس ما كانت عليه منذ دقائق:

-الحمدلله…وأنتِ؟ كويسة.

ابتسمت لها سـارة بسمة صادقة لا تحمل أي ضغينة نحوها تخبرها بصدق مشابه لبسمتها التي تمنحها لها:

-الحمدلله بقيت أحسن كتير.

وقبل أن تتابع عاد هاتفها يعلن عن اتصال منه.

نظر الاثنان معًا وفي نفس اللحظة تجاه الهاتف وفور قراءتهم لاسمه، سألتها سـارة بترقب:

-هتعملي معاه إيـه؟ ناوية تواجهيه؟

ابتلعت جهاد ريقها أولًا لا تبالي برنين الهاتف فقط تحاول التفكير بشكل سليم، ثم أخبرتها بشرود بسيط وأعين زائغة:

-المفروض، بس أنا مش طايقة أشوفه ولا عايزة اسمع صوتـه، أنا قرفانة منه قرف متتخيليهوش.

قالت الأخيرة وهي تنهض تنوي الذهاب، مضيفة بهدوء:

-أنا همشي دلوقتي..وشكرًا يا سـارة عشان فتحتيلي عيوني.

-أنا اللي لازم أشكرك عشان جيتي وسمعتيني وكنتي معايا، النهاردة حسيت أني مش لوحدي واتكلمت معاكي كأني أعرفك من سنين، بجد شكرًا ليكي أنتِ يا جهاد.

ختمت سـارة حديثها مقتربة منها مرة أخرى معانقة إياها عناق الوداع، قائلة لها بخفوت:

-بتمنى متكونش دي أخر مرة أشوفك فيها…خلي بالك من نفسك.

ربتت جهاد على ظهرها تودعها هي الأخرى.

ربما عليها أن تكره تلك الفتاة ولكن ما يحدث مختلف وشعورها نحوها غريب.

ابتعدت سـارة عنها، وأخذت جهاد هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين.

كانت تظن بأنه هو ولا ييأس ولكن عند رؤيتها للاسم وجدتها روضة، فسارعت بالرد عليها بصوت بذلت جهدًا كي يخرج طبيعيًا كتى لا تشعر روضة بشيء:

-إيـه يا روضة.

-أنتِ فين يا جهاد، عـادل اتصل بيا ومبهدل الدنيا ومتعصب عشان عمال يتصل عليكي وأنتِ مبترديش، وأنا عرفته أنك مش في البيت وبرة، هو في إيـه؟؟؟

-بتعرفيه ليه أني برة وبتردي عليه ليه أصلًا؟!! اقفلي يا روضة أنا جاية، ولو اتصل عليكي تاني مترديش عليه، سمعاني؟

اندهشت روضة من عصبيتها المفرطة وبقلق واضح عليها ردت بتلك الكلمات:

-طيب حاضر بس اهدي متعصبة ليه كدة أنتِ كمان؟؟

بعد إغلاقها معها أخبرتها سـارة كي تتوخى الحذر، فمن أفضل منها يعرفة ويحفظه وتتوقع خطواته في ذروة غضبه:

-مدام عرف أنك برة هيبقى هتروحي هتلاقيه مستنيكي تحت البيت.

______________________________

تقود سيارتها في طريق عودتها إلى المنزل، تتوقع أن تجده في انتظارها كما أخبرتها وحذرتها سـارة.

فالهاتف لم يتوقف لحظة عن الرنين منذ أن غادرت منزل سـارة وانطلقت بسيارتها.

وبعد مرات عدة اتخذت قرارها وأغلقت الهاتف كي تتخلص من إلحاحه وعدم توقفه في الاتصال عليها!

وها هى على مشارف الوصول..

لحظات وكانت تصل وأوقفت السيارة في ذات اللحظة الذي وقع بصرها عليه خارج سيارته أمام البناية التي تمكث بها.

لم ينتظر حتى أن تترجل من السيارة بل سارع في التقدم نحوها واقفًا قبالة بابها يفتحه لها وهو يتحدث منفجرًا بها كما لم يفعل من قبل:

-أنتِ إيـه التهريج بتاعك ده، مبترديش على اللي خلفوني ليه، اتصلت ميت مرة والبعيدة معندهاش دم، مش في زفت راجل في حياتك.

هبطت أثناء حديثه وانفجاره ذاك واقفة أمامه وجهًا لوجه تنصت له بكل صمت وهدوء.

لأول مرة تراه بكل تلك العصبية ولأول مرة يحادثها بهذا الشكل!!!

ضاقت عيونها وهي تراه لا يكتفي بما ألقاه عليها بل يتابع وهو على نفس الحالة من الجنون:

-مبتنطقيش ليــه، هو أنا بكلم نفسي؟؟؟ كنتي فين، ومقولتيش ليه أنك نازلة؟؟؟ بتعاقبيني يعني؟؟؟ كل ده عشان غيرت عليكي ومستحملتش أشوف في عينكي أنك بتحني لحبك القديم!!! ما تنطقي بقى، ساكتة ليـه؟؟؟؟ متجننيش.

ضرب سيارتها بقبضة يده من خلفها أثناء حديثه بصوت كالرعد، وعيون تسكنها النيران…

جز على أسنانه وهو يصارع نفسه وشيطاينه التي تتراقص أمامه الآن كي لا يفعل شيء يندم عليه لاحقًا.

فهو لا يتحمل خسارتها…على استعداد أن يخسر أي شيء وكل شيء إلا هي.

علت أنفاسها وبدأ صدرها يعلو ويهبط وهي تدقق النظر بـه، تتلذذ بما تراه، سكونها يعذبـه، ويجعله يتمادى.

وهذا ما تريده تحديدًا.

لمعت عيونها وهي تدرك للتو كيف ستعاقبه وتجعله يندم على كل ما فعله بها.

هو من تسبب بكل هذا وأوصلها لتلك المرحلة.

وللمرة الأولى تعترف أخيرًا أنها ليست راضية بتاتًا عما أصبحت عليه.

عرفت لما كانت تبكي أحيانًا دون سبب واضح.

فهى لم تكن راضية عن نفسها وعن الطريق التي سلكته وابتعادها عن ربها وتوقفها عن صلاة فروضها، منذ وطأت قدميها إلى هذا العمل بدأت تبتعد رويدًا رويدًا ظلت في البداية ملتزمة لا تترك فرضًا ولكن تدريجيًا بدأت بالتقطع وعدم الالتزام حتى جاء اليوم التي توقفت فيه.

-أنا مش بكلم نفسي، متخرجنيش عن شعوري وتخليني أقول كلام مش عايز أقوله، أنا ماسك لساني بالعافية، ردي وقولي كنتي فين ومش بتردي ليه أنا…

-أنا أسفة.

قاطعته باعتذارها المباغت والذي لم يفهم عما تعتذر له تحديدًا!!!!

يغفل عن أن اعتذارها هنا كان لنفسها وليس لـه.

هو من بدأ اللعبة وهي من ستنهيها وليتحمل عواقب ما فعله بها ستجعله يدفع الثمن وبأقسى طريقة ممكنه.

هي ليست بالسهلة ولن تتراجع عن أخذ حقها، قد تتراجع أي فتاة سواها لو كانت وضعت في موقفها ونهت الأمر معه على الفور و واجهته بحقيقته ولكنها لن تفعل هي ليست هكذا…………

مثلما يقولون أخذ الحق حرفة وهي ستأخذ حقها كاملًا وتجعله يعاني.

-أسفة على إيـه بضبط!!!! على إيـه ولا إيـه يا جهاد!!!

-على كل حاجة يا عـادل.

كلماتها كانت كدلو من الماء البارد خمد له نيرانه المتأججة.

هي من أشعلتها وهي من خمدتها بكلمات بسيطة ولكن لها تأثير كبير عليه وعلى قلبه.

لم تترك مجالًا لـه للحديث وتابعت بهدوء كاذبة:

-الموضوع برة عنك بابا كلمني وشدينا مع بعض، آه مش أول مرة بس اتخنقت ومستحملتش اقعد اكتر من كدة وقولت انزل اتمشى بالعربية يمكن مزاجي يتعدل ومكنتش برد عليك عشان كنت مضايقة منك برضو عشان اللي حصل النهاردة، بس خلاص مبقتش زعلانة منك والحمدلله فكيت أول ما شوفتك، متتخيلش شوفتك غيرت مودي إزاي!!

اقترب خطوة واحدة يسألها بقلق ارتسم على محياه:

-متأكدة أنك كويس حاسس أنك مش كويسة و…

-لا لو في حاجة هقولك أنت عارف مش بخبي عليك حاجة، المهم أنا هطلع دلوقتي عشان محتاجة أنام وبكرة هكلمك…تصبح على خير.

ابتسم لها وهتف بهدوء:

-هستناكي…على الله مترديش وتقلقيني عليكي……وآسف لو عليت صوتي عليكي بس ده كان من خوفي ورعبي يعني مش قصدي، اعذريني.

-عذراك متقلقش…تصبح على خير.

انهت ذلك اللقاء الثقيل على القلب ودخلت البناية وقصدت منزلها وكان في استقبالها روضة التي سألتها:

-كنتي فين يا جهاد ومبترديش على عـادل ليه؟؟؟

-بعدين يا روضة مش قادرة دلوقتي، تصبحي على خير.

ختمت والجة حجرتها..قاذفة حقيبتها على الفراش ثم جلست على طرفه بشرود وتفكير…

لحظات وكانت تلتقط حقيبتها وتأتي بهاتفها وترسل تلك الرسالة العفوية إلى سـارة:

“لقيته زي ما قولتي بس معرفتهوش أني عرفت حاجة، أنا حسة أني جوايا نار ناحيته، لا طيقاه ولا طايقة نفسي، ومخنوقة، حسة كأن حاجة طبقة على صدري مخلياني باخد النفس بالعافية…أنا مش مسمحاه ولا هسامحه وهخليه يدفع التمن غالي ويندم على اللحظة اللي لعب فيها عليا.”

من يقرأ تلك الرسالة سيقسم على أنهما صديقتان مقربتان منذ الأزل، لن يصدق بأنهما اليوم رأوا بعضهما لأول مرة.

قرأت سـارة رسالتها وكتبت لها تحاول أن تهدأها:

“حسة بيكِ والله، وحقك أهم حاجة بس دلوقتي تهدي والباقي مقدور عليه، وأنا معاكي ومش هسيبك وهخليكي تاخدي حقك منه تالت ومتلت..”

لم يطول الحديث بينهما..

وقبل أن تترك سـارة الهاتف من يديها، انتبهت إلى رسائل قُصي الذي كان حينها يشعر بالفراغ والحنق من تجاهلها له وعاد يرسل لها الكثير من الرسائل التي تحثها على الرد عليه.

أسلوبه وجدتـه مريبًا فلا يوجد بينهما ما يجعله يتحدث معها بكل هذا العشم والغضب من عدم الإيجاب.

تلك المرة قررت ألا تتجاهله وكتبت له:

“أنت مجنون يا بني!!!”

شعر بلهفة ولمعت عيونه وهو يقرأ رسالتها وردها الغير متوقع والذي انتظره كثيرًا، وأخيرًا حنت عليه.

لكن سرعان ما امتعض وظهر هذا كليًا على وجهه، وكتب لها مستنكرًا ومستعينًا بالعديد من علامات التعجب:

“ابنـك!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!”

“والله اللي تشوفيه يا ست الحبايب يا حبيبة..”

“مجنون بقى مش مجنون، ابنك مش ابنك المهم أنك رديتي…أنا عايز أشوفك أنتِ أكيد فكراني أنا قُصي اللي قابلتلك قبل كدة لما كنتي واقفة بعربيتك وروحنا كلنا مع بعض.. ومن بعدها اختفيتي يا هانم..”

“أنتِ روحتي فين!!!!! اختفيتي تاني ليــه هو أنا مش بكلمك، هو مفيش احترام ولا إيـه؟؟”

تركت الهاتف وقررت تجاهله من جديد خاصة بعد قراءتها للرسالة ما قبل الأخيرة.

تنهدت واتجهت نحو الفراش مقررة النوم أخيرًا.

أما عنه فحالته ازدادت سوءًا وانهال عليها برسائل عدة عكست مدى حنقه وغضبه من عودتها لتجاهله من جديد.

___________________________

حل يوم جديد وذهب شكري باكرًا إلى منزل جهاد كي يخبرها بمكالمة عابد وطلب آسـر الزواج من ضياء.

وبالمرة ينتهز تلك الفرصة والخبر السعيد كي يفاتحها في موضوع السيارة لعلها تجلبها لزوجته ويجعلها تحل عن رأسه.

جلست معه جهاد على بعد استيقظت على صوت الباب.

لم تنام جيدًا وبكت كثيرًا حتى انتفخت جفونها.

الأعمى قد يرى حالة عيونها ويفهم ما صارعته في المساء لكنه ورغم رؤيته لها وعيونهم التي تتلاقي لم يسألها عن شيء وسارع في إلقاء الخبر عليها:

-حذري فذري مين كلمني امبارح.

تساءلت ببرود:

-مين؟؟

انتبه لبرودها معه فتابع ببسمة واسعة:

-عابـد أبو آسـر، كلمني وطالب القرب…ابنه عايز البت ضياء…كمان قالي أن الظروف دلوقتي مش سامحة عشان حمى صابـر اللي مات بس أهو حب ناخد وقتنا ونفكر…أنا بصراحة شايف أنها جوازة لقطة، أنتِ إيـه رأيك؟

حاولت التماسك مع ذكره لصابـر…فحديثه عنه لم يكن بتلقائية وعفوية منه.

يتعمد جرحها وهي تعلم.

لكنها لن تجعله ينال ما يريد.

ابتلعت ريقها وردت بقوة:

-مش أنا اللي هتجوزه، فالقرار مش قراري القرار قرارها هي.

-طب ولو موافقتش هنعمل معاها إيـه الواد واقع لشوشته وده واضح أوي و…

-مش هنعمل حاجة، لو هي موافقتش مفيش حاجة هتم والموضوع هيتقفل.

-طب خشي ناديها خليني أقولها ونشوف…ولا أقولك استني قبل ما تناديها كنت عايز اسألك على حوار العربية اللي قولتلك عليه لـ نيرمين.

-الموضوع ده اتقفل خلاص ومش هيتفتح تاني، أنا قولت اللي عندي، عن إذنك أناديلك ضياء.

نهضت جهاد تاركة إياه يشعر بالغل والحنق من رفضها، متحركة صوب غرفة ضياء، طرقت على الباب ثم ولجت فوجدتها مستيقظة.

ابتسمت لها ثم هتفت بحب:

-صباح الخير.

-صباح النور…بابا بيعمل إيه هنا بدري كدة؟ هو في حاجة؟؟؟

توترت وهي تستفسر منها عن سبب وجود والدها…مخمنة بأنه قد يكون صدق وحادثه بالفعل.

اللهفة كانت واضح بنبرتها وهذا جعلها مكشوفة أمام جهاد والتي علمت بأن هناك ما يحدث بين الاثنان.

ابتسمت لها وأخبرتها بهمس سعيد:

-آه في حاجات مش حاجة، آسـر باباه كلم أبوكي وعايز يتقدملك ويتجوزك، وهو هنا عشان يقولك وتأخدي وقتك في التفكير ولو تمام هيبلغهم لما يكلموه أكيد ويتحدد ميعاد.

رفرف قلبها بشكل عجزت عن تفسيره وتفسير كل تلك السعادة التي تعجز الحروف عن إنصافها.

تتساءل هل ما تكنه نحوه أكبر من مجرد إعجاب بشاب وسيم ولم تعرف بهذا الأمر إلا الآن!!!

________________________

مر أسبوع لم يخلو من الشجارات التي بدأت تفتعلها جهاد مع عـادل على أتفه الأسباب ثم يتصالحان كأن شيء لم يحدث…كما لم تتوقف سـارة عما تفعله من رمي حديث عنها وعن عـادل وبالطبع كان كل هذا يحدث باتفاق بينهما.

فهو لم يعرف بعد بمعرفة جهاد بكل شيء وأن أمره بات مكشوفًا أمامها.

بينما وصلت هي لمخطط عزمت على تنفيذه ولكنها لن تستطع التنفيذ بمفردها، بل احتاجت مساعدة من سـارة، والتي فور طرحها للفكرة عليها وافقتها وأعجبتها ثم عزمت على التنفيذ فورًا مستعينة بـ صديقه وأبعدت جهاد عن الصورة كي تنجح الخطة.

وبالتأكيد لم يرفض لها طلبًا طالما كان هناك مقابل.

استمع لما تريده ونفذه بحذافيره فالمخطط كان أن يعرض عليه فكرة كي يرتفع التفاعل أكثر وأكثر وتنهال عليه عروض عمل وإعلانات لا نهاية لها.

-أنت بتقول إيـه!! لاطبعًا مش هعمل كدة، مش جهاد اللي اعمل معاها كدة.

اعترض على حديثه وسأله يحاول بشتى الطرق اقناعه:

-وليه لا أنت كدة هتعلي الريتش أكتر وأكثر وأنت داخل على جواز ومحتاج كل قرش زيادة، يبقى ليه لا…وبعدين هو أنتوا هتسيبوا بعض بجد ده هيبقى زي تمثيليه كدة وبعدين تفاجأوا الناس بالفرح علطول، أنا شايف أن الفكرة جامدة وهتخلي الريتش عندك وعندها نار بذات أن الناس بتحب الحوارات دي وبتحب تتابعها، فـ ليه لا.

تمسك عـادل برفضه وهتف مبرر:

-عشان أنا مش عايز اعمل كدة وجهاد كمان مش هتوافق و..

-أنت لسة عرض الفكرة عليها مش يمكن تعجبها وتوافق والله أنا شايف أن الموضوع ده هيعود عليكم بفايدة وبعدين البحر بيحب الزيادة..أنا شايف أنك تقولها وافقت كان بها موافقتش خلاص ولا كأني قولتلك حاجة.

هز عـادل رأسه وقال بتفكير:

-مش عارف هشوف كدة.

رد عليه بانزعاج وبكلمات جعلته يقتنع أخيرًا:

-لسة هتشوف!!! هو أنت مش هتقابلها النهاردة؟؟ يبقى قولها واعرض الفكرة علطول حلاوتها في حموتها زي ما بيقولوا، وبعدين دي فرصة عشان تسكت سـارة بدل ما هي شغالة ونازلة تلقيح عليكم مش ساكتة، خليها تصدق هي كمان يمكن تهدأ وتحل عنك وعنها بدل ما تفضل تنكش لحد ما تخربلك الجوازة.

_____________________________

-أنتِ إيه التهريج بتاعك ده!!! يعني إيـه مش هتكلميه ولا هتكملي معاه هو لعب عيال يا أميرة!!!! عيب أوي اللي بتعمليه ده اقسم بالله عيب، أنتِ كدة بتصغرينا.

-بصغركم!!! بصغركم عشان مش عايزة اكمل في جوازة هتخليني تعيسة مش مبسوطة زي ما أنتوا متخيلين، كفاية بقى ضغط عليا، كفاية، أنا استحملت ضغط منكم مفيش واحدة تقدر تستحمله.

هكذا دافعت أميرة عن نفسها أمام والدتها تبرر لها سبب رفضها الحديث مع صابـر والسؤال عنه، بل وأتمام تلك الزيجة من الأساس.

ولكن دفاعها لم يكن بالقوى في نظر والدتها…والتي تختلف عنها بكثير سواء في العُمر أو الفكر هي تفكر بطريقة مختلفة عن ابنتها، ربما انضج وأكثر وعيًا بحكم فرق العُمر.

-ضغط، بتسمي كل اللي عملناه عشانك ده ضغط!! قوليلي هتلاقي فين واحد محترم وابن ناس زي صابـر، هو أنا المفروض اقعد اعيد وازيد في كلامي كام مرة عشان تفهمي، أنا مبقتش حمل المناهدة دي، متفكريش أنه عشان أبوكي مات بقى سيطك من دماغك..كل حاجة خلاص جاهزة، أحنا بس هـ….

لم تسمح لها بأن تتابع، قاطعتها بقوة وحسم تخبرها برفض قاطع:

-مفيش بس، أنا مش هكمل في الجوازة دي خلاص فركش بح…أنا مش هاجي على نفسي أكتر من كدة، متجيش عليا يا ماما وحاولي تفهميني أرجوكي..

-افهميني أنتِ أنا مش عارفة عيشالك لسة قد إيـه، مش عايزة أموت وأسيبك كدة، عايزة يبقى عندك بيت و زوج محترم بيحترمك قبل ما يكون بيحبك، وده أنا شيفاه فيه، أنتِ إزاي مش شايفة كدة؟؟ بطلي تبصيله على أننا فرضناه عليكي وأنك مجبورة عليه اديله فرصة حقيقية أنا متأكدة أنك..

كررت فعلتها وقامت بمقاطعتها ترفض منحه أي فرصة…

فقد كانت تعيش بتعاسة أثناء فترة خطوبتهم وتجهيزهم لمنزل الزوجية لم تسعد وتفرح مثل أي فتاة بل كان دائمًا يلازمها شعور بالتعاسة وعدم الرضا…

-مش عايزة وسبق وقولتهالك ده قرار نهائي وعشان نخلص من القصة دي أنا هكلم صابـر ودلوقتي وهقابله وابلغه قراري مش هستنى لحظة كمان……

تحركت بالفعل نحو هاتفها التي كانت تعرف أين وضعته.

سلطت والدتها بصرها عليه وتحركت معها تحاول منعها، ترجوها لعلها تلين وتقبل أن تكمل الزيجة:

-يا أميرة اعقلي، بلاش كدة، متوجعيش قلبي يا بنتي، حرام عليكي اللي بتعمليه ده..

-ومش حرام عليكم اللي عملتوه ولسة عايزة تعمليه فيا، أنا مش صغيرة يا ماما عشان أتجوز بالطريقة دي، غلط لما وافقتكم وصدقتكم بس كنت غلطانة…أنا دلوقتي فهمت حالات الطلاق ارتفعت ليه ما هو ده سبب من الاسباب واحدة تجوز مجبرة وتحت ضغط من عيلتها وتعيش في تعاسة لمجرد أنها ترضيهم وترضي المجتمع اللي كمان كام سنة هيشوف أن قطر الجواز فاتها وبقت عانس…أنا عندي أفضل قاعدة جمبك ولوحدي أحسن ما اعيش مع راجل مبحبوش….وبالمناسبة هو كمان مبيحبنيش…عايز يتجوز وخلاص مش فارق أنا من غيري…..

هنا واستلسمت والدتها..وأدركت أن الحديث معها دون جدوى..أخذت قرارها وستنفذه، لن  تستطع أن تردعها.

أطلقت تنهيدة حملت كم الحزن والألم المسيطر عليها بسبب ابنتها التي تضيع زيجة لن تتعوض في نظرها:

-أنا كدة عملت اللي عليا وخلصت ذمتي قدام ربنا، أنتِ حرة يا أميرة اعملي ما بدالك.

غادرت وتركتها بمفردها.

فـ آتت برقمه واتصلت عليه، لم يطول وأجاب سريعًا وقبل أن يخرج صوتـه، قالت دون تمهيد:

-صابـر بعد إذنك عايزة أقابلك دلوقتي ضروري…لو في الشغل ممكن أجيلك ونتكلم.

-تعالي مستنيكي.

___________________________

لم يمر الكثير…وكانت تلج بملابسها السوداء، وكان هو في انتظارها.

دنا منها ورحب بها:

-أهلًا يا ميرا…عاملة إيـه دلوقتي بقيتي أحسن؟

-سؤال مش في محله، أكيد ملحقتش أبقى كويسة، المهم ممكن نقعد عندي كلمتين لازم أقولهم.

تغاضى عن طريقتها في الحديث اللاذعة الفظة، ثم أشار لها تجاه واحدة من الطاولات..

تحركت أولًا صوبها وهو خلفها يتبعها..

جلست و وضعت الحقيبة في مقعد خالي بجوارها…أما عنه فجلس قبالتها وقبل أن يسألها عن أي شيء راغبًا في تقديم مشروب أو طعام ويتناولا الغداء معًا، خرج صوتها وهي تفتح حقيبتها قائلة بجمود:

-أنا مجتش أيدي فاضية، جيت وجبتلك الشبكة بتاعتك.

أخرجتها من الحقيبة وهي تختتم جملتها المباغتة بالنسبة له خاصة في هذا الوقت، واضعة إياها أمامه أعلى الطاولة.

تحولت تعابيره لاخرى باردة كقالب الثلج تجعل من أمامه يعجز عن فهم ما يدور برأسه ومعه.

تابعت تعترف لـه:

-أنا مش عايزة أكمل في الجوازة دي، واظن أنت حسيت بـ ده، فالموضوع مش مفاجئ بالنسبالك…ولا حتى ممكن أكون دلوقتي بجرح مشاعرك، أنت مبتحبنيش ولا أنا عرفت أحبك، دور على واحدة غيري واعتقد هتلاقي وهيبقى قدامك كذا اوبشن خصوصًا أنك عايز تجوز والسلام، فـ مش فارق أنا من غيري….

تلك المرة لم يلتزم الصمت ويكتفي بنظراته المسلطة عليها، بل رد بهدوء لا يظهر ما فعلت بـه كلماتها:

-أنتِ شايفة كدة!!!!

-أنا مش شايفة غير كدة…أسفة لو ضيعتلك وقتك، بس أنا مش مرتاحة ومش هاجي على نفسي تاني عشان حد، لما وافقت عليك سمعت كلام أهلى اللي كان نابع من العقل والمنطق وأنك عريس محترم مينفعش يترفض، بس أنا كان لازم اسمع لقلبي…أسفة لو كلامي جارح أو ممكن تشوفه قليل الذوق بس أنا كدة مبعرفش أذوق الكلام…أنا خلصت كلامي سلام يا صابـر.

________________________

هبطت جهاد من البناية، واستقلت سيارته…

حيث كان في انتظارها، مستقبلًا لها بابتسامة عريضة حنونة كشفت عن اسنانه، قائلًا:

-اتأخرتي كدة ليه؟؟

رسمت بسمة على شفتيها وردت بصوت هادئ وهي تنظر داخل عيونه:

-أنت اللي جيت علطول مش أنا اللي اتأخرت، قولي هنعمل إيـه النهاردة؟؟ هنصور الإعلان بتـ…

قاطع حديثها يخبرها قبل أن يتحرك بسيارته:

-في حوار كدة في دماغي عايز أخد رأيك فيه، خلينا بس نتحرك ونقعد في أي مكان وبعدين هحكيلك كل حاجة.

-حوار إيـه ده؟؟؟

-لما نوصل هقولك كل حاجة.

وافقت وهزت رأسها وفي طريقهم عادت برأسها للوراء وسلطت بصرها عليه وهي تخبره:

-عـادل.

-إيـه يا حبيبتي.

لم تحرك بصرها عنه وطرحت ما يدور برأسها عليه اختبارًا له، راغبة في رؤية رده، وهل سيمانع ويعترض أم سيوافقها على الخطأ:

-بفكر أقلع الطرحة، كدة كدة مسكني تريقة ومش عجبهم و..

لم يفكر ورد بهدوء وهو ينظر أمامه:

-اعملي اللي أنتِ عايزاه ويريحك.

رغم توقعها لجوابه خاصة بعد ما باتت تعرفه عنه، إلا أنها شعرت بأشمئزاز منه وانكمش وجهها تتساءل ما نوعية هذا الرجل التي وقعت معه!!!

أبعدت بصرها عنه وحولته تجاه الشرفة، تنظر من خلالها…

فهي في الحقيقة لا تنوي فعل ما قالته فقط كانت تطمع في رؤية رده.

وها هي قد حصلت عليه، مما جعل غضبها من نفسها ومنه يتفاقم.

بعد وقت ليس بالطويل كان يجلسان في واحدًا من المقاهي وطلب عـادل طعام لهما.

ثم قرر انتهاز هذا الوقت ويحدثها قبل أن يأتي الطعام.

تنحنح في بادئ الأمر، ثم بدأ مقترحًا عليها:

-كنت بفكر في حركة كدة ممكن، أو لا مش ممكن هي أكيد هتعلي الريتش عندنا أكتر كمان من دلوقتي، بس مش عارف هتوافقي عليها ولا لا.

تساءلت بفضول ليس حقيقي:

-إيـه هي؟

-هنقول أننا سيبنا بعض لأي سبب بقى مش ده موضوعنا، ونقنع الناس ونخليهم يصدقوا أننا انفصلنا ومفيش أمل مننا، بس أحنا في الحقيقة طبعًا مع بعض زي ما أحنا وبنجهز كل حاجة عشان نتجوز، موضوع الخطوبة ده بس اللي هنلغيه ونخلي الفرح وكتب الكتاب وتلبيس الشبكة مع بعض، وطبعا هيتصدموا جامد أننا بنتجوز بعد ما كانوا فاكرين أننا انتهينا، إيـه رأيك؟؟

-مش عارفة…مش حساها، يعني أحنا الريتش عندنا حلو أساسًا مش محتاجين نعمل الحركات دي ونمثل على الناس، غير أننا لو كملنا زي ما مضبطين وعملنا الخطوبة هتجيب ريتش برضو..

-أنا فكرت في كدة برضو، بس حسيت أنه هيبقى التفاعل مؤقت، بذات أننا مفيش جديد والناس بتمل وتزهق بسرعة، محتاجين يشوفوا أكشن كدة وحوارات، أنا شايف أننا لو عملنا كدة هيتابعونا وهيتفاعلوا لأنهم طبيعي يبقى عندهم فضول يتابعونا ويشوفوا كل جديد عشان يعرفوا رجعنا ولا لا، ولما يبداوا يزهقوا هنكون خلاص بنحضر للمفاجأة واللي هي فرحنا..ها إيـه رأيك؟

أدعت التفكير ثم تنهدت مجيبة بحيرة:

-مش عارفة، أنت شايف كدة يعني؟؟

-ده أنا شايف كدة ونص، أنتِ وافقي بس وننفذ حالًا، حلاوتها في حموتها.

ارتفع حاجبيها وردت بسخرية ذات مغزى لم ينتبه إليها:

-ده أنت مستعجل بقى..

-طبعًا مستعجل، المهم لو عايزة وقت تفكري فكري بس مطوليش و…

-موافقة….مدام أنت موافق وعايز كدة يبقى أنا مقدرش أقول لا وأرفضلك طلب.

وها هي على وشك الحصول على انتقامها.

وستجعله يتلقى صفعة مباغتة على وجهه وقلبه….

««يتبع»»….

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق