رواية همسات الحوافر الفصل الرابع 4 – بقلم فونا

رواية همسات الحوافر – الفصل الرابع

_ يعني أنا… مش بنتك؟

الحج عبده اتجمد مكانه، مش عارف يرد، وجون واقف في النص مش لاقي كلمة يقولها.

مريم ما استنتش إجابة… قلبها كان موجوع كأنه اتكسَر فجأة، ورجليها ساقت نفسها على أوضتها من غير ما تبص لورا،قفلت الباب وراها وهي بتنهج، وانهارت عياط على الأرض.

الحج عبده فضّل واقف في مكانه، صوته طالع واطي كأنه بيتكلم مع نفسه:
ــ يا ريتني ما كنت فتحت بوقي …

جون بصّ له بحدة:
ــ الحقيقة كانت لازم تطلع عاجل ولا آجل.

عبده قعد على الكرسي، داس بإيده على وشه كأنه شايل الدنيا فوق دماغه، صوته مبحوح:
ــ بس مش كده… مش كده.

مريم في أوضتها كانت بتحاول تفهم… مين أهلها؟ ليه عمره ما قال لها؟ طيب هو كان بيحبها بجد ولا كان مجرّد واجب؟ الأسئلة دي فضلت تلعب في دماغها طول الليل، ومفيش كلمة طلعت منها لأي حد.
ـــــ
اليومين اللي بعد الصدمة كانوا زي الضباب لمريم. ماكنتش بترد على أسئلة عبده، ولا حتى بتقعد مع جون زي الأول. كانت بتطلع أوضتها وتقفل الباب، ودموعها تنزل في هدوء، مش مصدقة إن الراجل اللي شايفاه أبوها عمرها كله طلع مش أبوها الحقيقي.

في اليوم التاني بالليل، عبده كان قاعد في الساحة، وشه تعبان من التفكير. مريم خرجت بهدوء، وقربت منه، صوتها كان مهزوز:
ــ أنا… مش زعلانة منك إنك ربيتني… أنا ممتنة ليك. يمكن لو ماكنتش إنت، ماكنتش لقيت حضن أعيّش فيه طفولتي.

عبده عينه دمعت وهو بيسمعها، حاول يمد إيده يحضنها بس هي تراجعت بخطوة، كأنها لسه مش قادرة تتأقلم مع الحقيقة، وقالت بصوت مكسور:
ــ بس أنا محتاجة أعرف… أنا مين؟

عبده اتنفس بعمق، وبص بعيد كأنه بيهرب من نظرتها:
ــ مش أنا اللي أجاوب على السؤال ده…

مريم استغربت:
ــ مين اللي يجاوب؟

قبل ما يقول أي حاجة، چون ظهر فجأة من وراهم، عينه شافت مريم ثواني وبعدين بص لعبده، ونظرات بينهم قالت كلام كتير من غير صوت.

مريم بصت بينهم بتوتر:
ــ هو يعرف؟

جون سكت لحظة، وبعدين قال بهدوء:
ــ يمكن أعرف أكتر مما تتخيلي… بس لسه مش وقت الكلام.

مريم قلبها دق بسرعة، مش فاهمة ليه صوته فيه حاجة مش غريبة بس… حاجة بتخض، حاجة بتقول إن حياتها كلها ممكن تتغير لما تعرف اللي مستخبي.

جون مشي ساعتها، وعبده فضل ساكت، لكن في وشه نظرة واضحة… إن السر اللي مخبينه أكبر من إنها تتخيله.

ـــــــ

بعد الليلة دي، مريم فضلت يومين على نفس الحال… صمت، تفكير، ودموع بتنزل بالليل من غير ما حد يشوفها.
جون كان موجود طول الوقت، بس ما اتكلمش معاها كتير.
اللي لاحظته إنه بقى يدخل ويخرج مع والدها كتير، وكأنهم بيرتبوا لحاجة من وراها.

في اليوم التالت، وهي واقفة عند كوكو، لقيت والدها جاي يقرب منها، صوته كان متردد:
ــ مريم… أنا عارف إنك لسه مصدومة… بس في حاجة لازم تعرفيها قريب.

مريم لفّت بسرعة، قلبها وقع:
ــ إيه تاني؟ أنا مش قادرة أستوعب حاجة أصلاً.

عبده بص لها بحنان:
ــ صدقيني، اللي مخبينه عنك مش علشان نوجعك… إحنا كنا عايزين نحميك.

مريم رفعت صوتها وهي بتحاول تخبي رعشة خوفها:
ــ تحموني من إيه؟! أنا عايزة أعرف أنا مين، وأهلي فين!

قبل ما عبده يتكلم، ظهر جون فجأة، وكأنه كان مستني اللحظة دي.
قال بصوت هادي، بس فيه قوة:
ــ قريب… قريب جدًا هتعرفي الحقيقة كلها.

مريم بصت له بغيظ:
ــ وأنا إنت مالك؟! من يوم ما جيت وإنت ملزّق حوالينا وكأن الموضوع يخصك!

جون عينه جت في عينيها لحظة طويلة قبل ما يقول بهدوء، صوته فيه معنى مخفي:
ــ يمكن الموضوع يخصّني أكتر من أي حد هنا.

مريم اتلخبطت، قلبها بيدق بسرعة من طريقته، بس قبل ما تسأل، عبده قال بحزم:
ــ كفاية كلام دلوقتي… لما ييجي وقتها، كل حاجة هتتقال.

جون مشي من الساحة، ومريم واقفة تايهة أكتر من الأول… بس جوّاها في إحساس جديد بدأ يكبر: إن چون مش مجرد ضيف… وإن وجوده ليه علاقة مباشرة بيها هي شخصيًا، مش بوالدها.
ــــ

بعد يومين، مريم كانت قاعدة في مكتب والدها بتنضفه،وفجأة، لقيت والدها نسي درج مفتوح في مكتبه وهو رايح يصلي. الفضول شدّها، وقلبها بيدق وهي بتقرب.

فتحت الدرج بهدوء، إيدها بترتعش… لقت ورق قديم، ومعاه عقد رسمي باين عليه أثر السنين. شدّته بسرعة وقعدت تقرأ.

عينها اتسعت وهي بتقرأ الاسم…
“مريم عبده عبدالسلام … زوجة جون يوسف…”

اتجمدت مكانها. قلبها وقع حرفيًا، حست إن عقلها وقف عن التفكير.
ــ إيه ده؟! إزاي يعني جوزي؟! وأنا حتى ما اعرفش؟!

رجّعت الورق بسرعة مكانه قبل ما حد يشوف، بس عقلها كان مليان بأسئلة.

في الوقت ده، جون دخل البيت، وشاف ملامحها المتغيرة. قرب منها بخطوات هادية، عينه مركزة في وشها:
ــ مالك؟ شكلك متغير.

مريم بسرعة خبّت ارتباكها:
ــ لا… مفيش.

بس جواها بركان… وخصوصًا لما بصّت له لقت فيه هدوء غريب، وكأنه عارف ايه جواها ومستني اللحظة اللي كل حاجة تتكشف فيها.

طلعت تجري على أوضتها وقلبها بيدق، مش عارفة تصدّق إزاي حياتها ممكن تتقلب بالشكل ده، ولا إيه علاقة جون بكل الأسرار اللي حوالين حياتها.

بعد الليلة اللي لقت فيها الورق، مريم بقت مختلفة تمامًا مع چون.
هو لاحظ… وازاي مش هيلاحظ؟
بقت بتتجنبه، بترد عليه بكلمة والسلام، ولو لقاها واقفة في الساحة تمشي فجأة وتسيبه واقف لوحده.

في الأول حاول يتجاهل الموضوع، لكن مع الوقت، حاجة جواه كانت بتغلي.
إزاي وهي الوحيدة اللي قلبه اختارها، تتهرّب منه بالشكل ده؟!

في يوم، وهي واقفة عند كوكو بتحاول تأكله، لقى نفسه بيقرب منها من غير ما يفكّر، صوته هادي لكن فيه غضب مكتوم:
ــ مريم… هو أنا عملت إيه علشان تبطّلي تكلميني كده؟

مريم ما بصّتش له، فضّلت مركّزة مع الحصان:
ــ مفيش.

خطوة… اتنين… لغاية ما بقى واقف قريب جدًا، لدرجة إنها حسّت قلبها هيقفز من صدرها.
ــ لأ، في. إنتِ بقالك يومين تلاتة هربانة مني، كل ما أقرب، تبعدي. ليه؟!

مريم شدّت نفس عميق، قلبها بيدق بسرعة، بس فضّلت صامتة.

هو بقى قدامها تمامًا، صوته علي شوية، غضب باين في عينيه:
ــ أنا هستحمل لحد إمتى؟! لو في حاجة مضايقاكي مني، قولي، لكن التجاهل ده مش هيعدي كده.

مريم، بنبرة متوترة:
ــ إنت بتقرب مني زيادة عن اللزوم… وأنا مش فاهمة ليه!

في اللحظة دي، وشه اتغير… الغضب في عينيه اختلط بحاجة تانية، حاجة هي ما فهمتهاش، لكن قلبها حسّ بيها… وكأن في سرّ كبير جواه هي لسه ما تعرفوش.

هو سابها ومشي بخطوات تقيلة، كأنه بيحارب نفسه علشان ما يقولش حاجة قبل أوانها.

مريم فضلت واقفة مكانها، أنفاسها متلخبطة… لأول مرة تحس إن وجود چون مش بس سر، لكن كمان حاجة أكبر من كل اللي حواليها.

اليوم اللي بعده، مريم كانت راجعة من السوق، ووشها تعبان من الحر واللف، لقت چون واقف قدام البيت مستنيها.
من أول ما شافته قلبها خبط، خصوصًا بعد الموقف اللي حصل امبارح.

هو ما استناش ولا دقيقة، أول ما قربت وقف قدامها بعصبية واضحة:
ــ مريم، أنا زهقت! لحد إمتى هتفضلي تبعدي عني كده؟!

مريم شدّت إيدها اللي كانت شايلة السلة وقالت بهدوء مصطنع:
ــ چون، أنا مش ناقصة وجع دماغ، سيبني فحالي.

الكلمة جرحت غروره، صوته علي أكتر:
ــ فحالك؟! هو أنا بقيت وجع دماغ فجأة؟! أنا اللي…

وقف لحظة، خد نفس عميق كأنه بيحارب نفسه، بس فجأة انفجر:
ــ أنا اللي جيت هنا مخصوص علشانك، يا مريم! أنا اللي شايل سرّ أكبر من إنك تتخيليه، وساكت علشان وقت ما تعرفي الحقيقة حياتك كلها هتتشقلب!

مريم وقفت مصدومة، قلبها وقع في رجلها:
ــ إنت بتقول إيه؟!

جون لف ووشه بعيد، كأنه ندم إنه اتكلم، صوته واطي وهو بيتمتم:
ــ مش وقته… مش دلوقتي.

اليومين اللي بعد الخناقة، مريم كانت بتتجنب چون بوضوح، كل ما يقرب، تلاقيها مشغولة أو تطلع أوضتها أو حتى تبعت چو الصغير يكلمه بدلها.

لكن في يوم، الدنيا كانت مغيمة، والجو باين عليه هيقلب مطر، ومريم كانت بتلم الغسيل بسرعة قبل ما الدنيا تبلّه. فجأة سمعت صوت خبط ورعد، وصرخة من بعيد… جريت ناحية الصوت لقت چون وقع من فوق السور وهو بيحاول يساعد الجيران في حاجة، إيده اتعورت جامد.

مريم اتلخبطت وجريت ناحيته:
ــ استنى! إنت بتنز.ف!

هو ضحك بهدوء رغم الد.م:
ــ مش أول مرة، ما تقلقيش…

ــ سيبني أنضف الجرح!

كانت مرتبكة، بتحاول تنظف جرحه وهي إيدها بتترعش، وهو سايبها تشتغل وبيتصنّع إنه عادي، لكن عينيه ما فارقتش وشها لحظة لحد ما صدمته بكلمة
_طلقني

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية همسات الحوافر) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق