رواية همسات الحوافر – الفصل الخامس
_ طلقني.
جون اتجمد لحظة، عينيه اتسعت بصدمة:
ــ إنتِ… عرفتي ازاي؟
مريم اتنهدت وهي بتحاول تسيطر على رعشة صوتها:
ــ مش مهم عرفت إزاي… المهم إني عرفت.
جون صوته عليّ فجأة، الغضب بان في ملامحه:
ــ عرفتِ منين يا مريم؟!
مريم اتعصبت أكتر، قربت منه وخبطته بكلامها كأنها بتنتقم:
ــ هو ده اللي فارق معاك؟ أنا عرفت منين؟! أنا كنت لعبة في إيدكم، يا أستاذ، لعبة! وأنا حتى ماكنتش عارفة أنت مين ولا إيه علاقتك ببابا، وكل مرة أجيب سيرتك وشوشكم تتوتر وكأني بسأل عن سر حربي!
هو حاول يتكلم، لكن مريم كانت خلاص وصلت لقمة غضبها:
ــ طلقني! امشي من حياتي! من ساعة ما جيت وأنا عايشة في دوامة، وأول ما لقيت الحقيقة لقيتها بتخبط في وشي زي الصاعقة. طلقني وخلاص.
جون خد نفس عميق، ووشه اتغير فجأة، الغضب اختفى وحل مكانه برود قاتل، برود خلاها تتوتر أكتر، وبص لها بثبات وقال بهدوء استفزّها أكتر من الصريخ:
ــ لأ.
مريم اتجمدت، عينيها اتسعت بصدمة وغضب:
ــ لأ؟! يعني إيه لأ؟!
هو ابتسم ابتسامة صغيرة شبه ساخرة، لكن عينيه ماكانوش بيلعبوا:
ــ يعني لأ… مش هطلقك.
مريم وقفت قدامه، عينيها بتلمع من الغضب:
ــ إنتَ بتتريق عليا؟ أنا بقولك طلقني!
جون اتقدم خطوتين لحد ما بقى قريب منها، صوته هادي لكن فيه قوة تخض:
ــ وأنا بقولك لأ.
مريم اتراجعت خطوة، قلبها بيدق من طريقته، بس ما سكتتش:
ــ إنتَ فاكر نفسك مين عشان ترفض؟ أنا حياتي مش لعبة في إيدك.
جون ابتسم بس ابتسامة فيها برود وسيطرة:
ــ حياتِك مش لعبة، عشان كده أنا مش هسيبك.
قرب أكتر، صوته بقى واطي لكنه مسموع كويس:
ــ من يوم ما دخلت حياتك، أنا عارف إني مش هخرج منها… بإرادتك أو غصب عنك.
مريم اتوترت، قلبها بيتخبط من كلامه، صرخت فيه:
ــ إنت مجنون!
جون رفع حاجبه بابتسامة شبه مستفزة:
ــ يمكن… بس أنا مجنون بيكي، ومش هطلقك.
مريم حسّت الدم بيغلي في عروقها، رفعت صوتها أكتر:
ــ يعني هتجبرني أعيش معاك غصب عني؟!
جون بص لها بنظرة ثابتة، عينه ما رمشتش:
ــ أنا مش بجبرك… أنا بس مش بسيب اللي ليا يضيع.
في اللحظة دي، الباب اتفتح فجأة، چو الصغير دخل وهو تفاح في إيده وواقف مش فاهم الجو المشحون اللي قدامه.
مريم بسرعة مسحت دموعها، وجون رجع خطوة ووشه رجع للهدوء اللي بيخبي تحته بركان.
لكن جوا مريم، الغضب لسه مولّع… لأنها لأول مرة تحس إنها مش فاهمة الراجل ده، ولا إزاي ماسك الخيوط كلها بالبرود ده.
جون بصّ لمريم بثبات، وهي بتبعد عينيها عنه وكأنها مش عايزة حتى تشوفه. الجو كان مشحون، بس صوت چو الصغير كسر الصمت:
ــ مريم… تعالي شوفي أنا جبت إيه لكوكو!
مريم مسحت دموعها بسرعة وابتسمت ابتسامة باهتة، حاولت تبين لچو إن كل حاجة عادي، وقالت:
ــ جايالك حالًا.
جون وقف في مكانه، عينه بتراقبها وهي بتمشي ناحيته والابتسامة اللي بتعملها عشان چو بس، مش عشانه هو. حاجة جواه و.لّعت، خصوصًا لما لقاها بتتعامل مع الكل عادي إلا هو.
جون بصوت هادي لكنه حاد:
ــ لحد إمتى هتفضلي تتجاهليني كده؟
مريم ببرود مصطنع:
ــ لحد ما تفهم إن وجودك في حياتي كان غلط.
جون ضحك ضحكة قصيرة، بس مفيهاش أي سعادة:
ــ غلط؟ ده أنا جوزك بالقانون يا مريم… حتى لو إنتِ آخر واحدة تعرف.
مريم اتنرفزت:
ــ يبقى عيب عليكوا إنكم خبّيتوا عني الحقيقة بالشكل ده.
جون قرب منها خطوة، صوته واطي بس فيه تملك واضح:
ــ عيب علينا؟ ولا عيب إنك فاكرة إني هسيبك لمجرد إنك متضايقة شوية؟ لأ يا مريم… أنا مش راجل بيتخلّى عن مراته.
مريم قلبها اتلخبط من كلمة “مراته”، وبصت له بغيظ:
ــ إنتَ بتفرض نفسك عليا بالعافية؟
جون بهدوء مستفز:
ــ لأ… أنا بس باخد حقي.
قبل ما مريم ترد، چو الصغير نادى بصوت بريء:
ــ مريم! كوكو مستني التفاحة منك إنتي!
مريم اضطرت تمشي ناحيته، وجون مشي وراها من غير ما تقول له حاجة. ولأول مرة من بعد الخناقة الكبيرة، لقوا نفسهم واقفين جنب بعض وكوكو في النص، وكأن وجود چو الصغير والحصان بيرجعهم يقربوا غصب عنهم.
جون بصّ لها وهو بيدي كوكو الأكل معاها، صوته هادي:
ــ عاجبك أو مش عاجبك… إحنا اتنين متربطين ببعض، والحكاية دي لسه ما ابتدتش بجد.
مريم بصت له بسرعة، قلبها دق من كلامه اللي فيه وعد وتهديد في نفس الوقت.
اليوم اللي بعده، مريم كانت مصممة تتجاهل جون تمامًا. كل ما يقرب، تلاقيها مشغولة بحاجة، ولو اضطرت ترد، يبقى بكلمة والسلام.
جون في الأول حاول يتماسك، لكن في الآخر وصل لمرحلة فقد فيها صبره. راح ناحيتها وهي قاعدة في الساحة بتكتب في كشكول صغير، وقف قدامها بثبات وقال:
ــ مريم، كفاية بقى.
مريم من غير ما تبص له:
ــ كفاية إيه؟
ــ كفاية هروب. إنتِ بتعملي نفسك مش شايفاني، بس الحقيقة إنك شايلاني في دماغك طول الوقت.
مريم رفعت عينيها بحدة:
ــ شايلاك في دماغي؟ أنا مش عايزة أتعامل معاك أصلًا.
جون ضحك ضحكة صغيرة مستفزة وقرب منها خطوة:
ــ لأ، هتتعاملي. غصب عنك.
مريم قامت بسرعة من مكانها، قلبها بيدق من عصبيتها ومن قربه المفاجئ:
ــ إنتَ فاكر نفسك مين عشان تجبرني؟
جون بص لها بنظرة طويلة، صوته واطي بس فيه قوة:
ــ فاكر نفسي جوزك… واللي مش هيسمحلك تهربي منه بالشكل ده
قبل ما مريم ترد، چو الصغير دخل يجري:
ــ مريم، بابا بيناديكي!
مريم أخدت نفسها ومشيت بسرعة، كأنها لقت مخرج من الموقف، بس جون فضل واقف مكانه، عينيه بتلمع بنظرة معناها إن الموضوع بالنسباله لسه ما ابتداش.
مريم كانت واقفة في المطبخ بتجهز الأكل، وشها متضايق من ضغط اليوم كله. فجأة سمعت صوت جون من الساحة بصوت عالي شوية:
ــ آآه… إيدي!
جريت بسرعة على الساحة وهي قلبها بيدق:
ــ في إيه؟ إيه اللي حصل؟
جون كان قاعد على الكرسي، ماسك دراعه كأنه اتعور جامد. بص لها بنظرة مصطنعة متألمة أوي:
ــ مش عارف… وأنا بنظّف الحظيرة شكلي اتجر.حت جامد.
مريم قربت بسرعة وهي متوترة:
ــ وريني…
قامت تمسك إيده، لقت الجرح بسيط جدًا. رفعت عينيها له بغضب:
ــ إنتَ بتهزر؟! أنا جريت مفزوعة عشان خدش!
جون ابتسم ابتسامة جانبية وهو شايفها منفعلة:
ــ عجبني إنك جريتي عشان خاطري.
مريم شدت إيدها بسرعة من غير ما تبص له:
ــ أنا ما جريتش عشانك، أنا جريت عشان ما يحصلش مصايب هنا.
هو ضحك ضحكة مستفزة وهو ماسك دراعه:
ــ أيوه أيوه، عارف… بس شكلك وانتي متوترة عشاني لا يُقدَّر بثمن.
مريم اتنرفزت أكتر:
ــ انتَ مستفز بجد!
جون قعد يضحك براحته، وعيونه مليانة انتصار كأنه عارف إنها مهما اتعصبت، برضه قلبها اتحرك ناحية خوفه عليه.
جون لسه قاعد بيضحك وهي متعصبة، فجأة موبايله رنّ. رد بسرعة، وكلامه كان واضح إنه شغل مهم جدًا:
ــ حاضر… هكون هناك بعد بكرة. أيوه، بس محتاج أخلص شوية حاجات قبل ما أتحرك.
قفل السكة وبص لمريم وهي لسه بتلم الحاجات من قدامه بعصبية:
ــ مريم… حضري شنطتك، هنسافر مع بعض.
مريم وقفت مكانها، بصت له بدهشة واستفزاز:
ــ إيه؟! نسافر إيه؟! ليه يعني؟!
جون قال بهدوء، وكأنه قرار مش هيقبل نقاش:
ــ عندي شغل في القاهرة، ومحتاجك معايا.
مريم اتعصبت أكتر، ضربت إيدها في الترابيزة:
ــ محتاجني؟! إنتَ مش واخد بالك إن وجودي أصلاً معاك غلط من الأول؟!
جون قام وقف، قرب منها خطوة بخطوة:
ــ غلط ولا صح… انتي هتيجي.
ــ لأ، مش هاجي! أنا مش عايزة أتحرك من هنا خطوة معاك!
في اللحظة دي، عبده دخل وهو سامع آخر جملة، بص لمريم:
ــ مالك يا بنتي بتزعقي كده ليه؟!
مريم لفت بسرعة:
ــ بابا، هو عايزني أسافر معاه، وأنا مش رايحة مكان.
عبده بص لجون، وبعدين رجع يبص لمريم بنبرة حازمة:
ــ لأ، هتروحي.
مريم اتصدمت:
ــ إيه؟! إنتَ كمان؟!
عبده قال بهدوء بس كلامه ما يقبلش نقاش:
ــ الراجل ده جوزك، ومادام هو شايف إنك لازم تبقي معاه، يبقى هتروحي.
جون وقف ساكت، ابتسامة خفيفة ظهرت على وشه وهو شايف عبده بيتكلم بالنيابة عنه، وكأنه لقى حد يساعده على اللي هو عايزه.
مريم واقفة مصدومة، قلبها بيخبط، مش فاهمة إزاي بقى الكل ضدها فجأة، واللي محيرها أكتر هو جون اللي واقف متأكد إنها هتيجي، كأنه ماسك ورقة رابحة هي لسه مش شايفاها.
ـــ
مريم كانت قاعدة على طرف السرير، دموعها سايبة على خدها من غير ما تحاول تمسحها، قلبها مليان وجع وحيرة. فجأة، الباب اتفتح بقوة، وجون دخل بخطوات تقيلة وصوته غاضب:
ــ مريم، جهّزي نفسك… هنمشي دلوقتي.
رفعت عينيها له بسرعة، صوتها مخنوق:
ــ مش هاجي… مش هسيب بابا ولا چو… ولا كوكو كمان.
قرب منها بخطوات ورا بعضها، صوته كان ثابت وبارد:
ــ أنا ما بسألكيش يا مريم… أنا بقولك تعالي.
وقفت بعصبية ومسحت دموعها بسرعة:
ــ لأ، مش همشي معاك! سيبني في حالي.
شد إيدها بقوة، هي حاولت تفلت وهي بتصرخ بصوت عالي مليان دموع:
ــ قلتلك مش هاجي! عندي أبويا… أخويا… وكوكو، وعايزني أسيبهم عشانك أنت؟!
وقف لحظة، وصوته علي فجأة:
ــ عشان أنا جوزك يا مريم! فاهمة يعني إيه؟ جوزك!
الصدمة خلتها تسكت ثواني، قلبها بيخبط بسرعة من كلامه، دموعها نزلت أكتر، بس برغم كل حاجة، لسه واقفة بتقاوم، رافضة تمشي معاه وهي مش عارفة إزاي مشاعرها بقت متلخبطة بالشكل ده.
جون كان ماسك إيدها بقوة، عناده واضح، ونبرته مليانة تملك:
ــ عاجبك ولا مش عاجبك… أنا مش هسيبك هنا.
جون لسه ماسك إيدها بعناد ونازل بيها لتحت، ومريم بتقاومه وهي بتعيط، فجأة وعبده دخل من باب البيت بخطوات سريعة وصوته عالي:
ــ إيه اللي بيحصل هنا؟!
جون لفله،بس لسه ماسك مريم، عبده بص لمريم اللي كانت واقفة مرهقة، عينيها كلها دموع، وقال بنبرة حنونة:
ــ سيبها يا جون، البنت حالتها صعبة كفاية.
الكلمة دي كأنها فجّر.ت مريم، صوتها طلع عالي، مليان وجع وغضب:
ــ كفاية؟! أنتوا عارفين إيه عني أصلاً؟!
بصّت لجون بعصبية والدموع نازلة بغزارة:
ــ من يوم ما ظهرت في حياتنا وأنا عايشة في كابوس، كل حاجة اتقلبت! حتى بابا اللي عشت عمري كله فاكراه أبويا طلع مش أبويا، والسر ده إنتَ جزء منه… جزء من كذبة كبيرة!
جون اتصدم، عينه لمعت بحاجة أول مرة تبان… كأنه الكلام كسر حاجة جواه.
مريم كملت بنبرة وجع:
ــ أنتَ جاي فجأة، واخد حقي في إني أختار، واخد حياتي كلها كأني لعبة في إيدك، وأنا أصلاً… أنا أصلاً معرفش أنتَ مين!
وقفت وهي بتشهق من البكا، وصوتها واطي بس مليان عصبية:
ــ بكره اليوم اللي شوفتك فيه، بكره اللحظة اللي دخلت حياتنا فيها!
الكلام وقع على جون زي السيف، أول مرة وشه يتغير بالشكل ده، صمته كان تقيل، عينه كلها غضب وكبرياء مجروح.
عبده قرب من مريم يحاول يهديها:
ــ خلاص يا بنتي، اهدّي شوية، أنتِ تعبانة.
لكن مريم لفت بسرعة وطلعت تجري على أوضتها، سايبة جون واقف مكانه بملامح أول مرة تبين إن جوه قلبه في حاجة اتكسرت.
ـــ
تاني يوم، البيت كان ساكت بشكل غريب. مريم لسه قافلة على نفسها في أوضتها من ساعة ما انفجرت مبارح، مش عايزة تشوف حد.
جون كان واقف تحت، لابس جاكت، شنطته جاهزة، ملامحه جامدة وعيونه ما بتبينش هو بيفكر في إيه. عبده كان واقف جنبه، صوته واطي لكنه حازم:
ــ مسافر؟
جون شد الشنطة وقال ببرود ظاهري:
ــ أيوه… عندي شغل لازم أخلصه.
عبده بص له بنظرة فاهمة، لكنه ما علّقش.
قبل ما يمشي، رفع عينه على السلم، وكأنه مستني مريم تظهر، حتى لو من بعيد… لكن مفيش.
لف بسرعة ومشي من غير كلمة، كأن البُعد قرار عقاب ليها ولروحه المجروحة في نفس الوقت.
في أوضتها، مريم وقفت ورا الشباك، شافت عربيته وهي بتبعد، قلبها اتقبض، دمعة نزلت بسرعة، بس عنادها كان أقوى من إنها تجري وراه.
الليل نزل على البيت، ومريم لسه قاعدة في أوضتها، عينها لسه حمرا من العياط، بتحاول تقنع نفسها إنها مش فارق معاها إنه مشي.
الموبايل على الترابيزة نَوّر فجأة… رسالة منه.
إيدها اتجمدت لحظة قبل ما تفتحه.
“افتكري كويس يا مريم… أنا مش هسيبك لغيري. مهما حصل.”
قلبها وقع، حرفيًا حسّت بدقات قلبها تعلى، إيدها بتترعش وهي بتعيد قراءة الرسالة كذا مرة.
الدنيا سكتت حواليها، بس جوّه دماغها في دوشة أسئلة… هو يقصد إيه؟ هيقدر يعمل إيه بعد ما مشي؟ وليه الكلام فيه وعد وتهديد في نفس الوقت؟
بس الأكيد إن حياتها مش هترجع زي الأول… أبدًا.
ــــ
مرّ شهر كامل… شهر تقيل كأنه سنة.
جون سافر وساب وراءه صمت طويل، لكن وجوده ما اختفاش من البيت.
صورته كانت في عيون عبده، في الحصان كوكو اللي بقى واقف كأنه مستني صاحبه، وفي قلب مريم… اللي مهما حاولت تتجاهل، مش قادرة تنسى.
مريم رجعت تعيش روتين حياتها، بس مش زي الأول.
هو كمان ما اتصلش ولا بعت غير الرسالة اللي من شهر مش عارفة تنام منها.
بس كانت عارفة، حاسة، إنه مش ناسي… وإن في لحظة معينة، هيرجع.
وفي الليالي الطويلة، كانت بتفتكر نظراته، طريقته لما كان يتعصب عليها، ضحكته اللي ساعات كانت ترفع ضغطها وساعات كانت تخلي قلبها يدق بسرعة غريبة.
هي مش عايزة تعترف، لكن الحقيقة كانت واضحة:
جون ساب فراغ كبير، والفراغ ده مش بيتملي بأي حد تاني.
المطر كان خفيف، بيترش على الأرض ترشيحة خفيفة، والهواء بارد بشكل غريب كأنه بيجهّز لموقف مش عادي.
مريم كانت قاعدة في الساحة بتشرب شاي، عينها سرحانة بعيد، لحد ما سمعت صوت العربية.
القلب سبق العقل… رفّ قلبها بسرعة وهي شايفة العربية السودا بتقف قدام البيت.
الباب اتفتح، ونزل جون بخطوات تقيلة، كأنه راجع من حرب مش من سفر.
مريم قامت واقفة، مش عارفة تروح له ولا تدخل تهرب زي العادة.
هو كان شايف كل ده في عينيها، شاف الغضب والاشتياق والخذلان… وشاف نفسه في نص كل ده.
قرب منها بهدوء، صوته خافت:
ــ إزيك يا مريم؟
ردت ببرود متعمد، وهي بتحاول تخبي الارتباك اللي قلبها عامله:
ــ تمام.
ابتسم ابتسامة صغيرة، بس عينيه كانت غير… فيها حنين واضح، فيها كلام كتير مخنوق.
ــ وحشتيني.
مريم اتشنجت، قلبها دق أسرع، لكن صوتها طلع ناشف:
ــ غبت شهر كامل، تفتكر أنا هستناك أصفّق لما ترجع؟
ضحك ضحكة واطية، ضحكة استفزازية زي اللي بتجنّنها:
ــ يعني لسه فاكراني… حلو.
مريم:
ــ أنا مش فارق معايا ترجع ولا لا.
هو قرب خطوة، صوته بدأ يبقى أعمق:
ــ بطلّي تكذبي، إنتي مفتقداني أكتر مني.
مريم رفعت صوتها:
ــ لا! أنا مش مفتقداك ولا حاجة! إنت جيت وخرّبت حياتي وخلّيتني مش فاهمة أي حاجة، وبعدين تمشي كده ببساطة!
جون، بابتسامة جانبية بس عينه جدّ:
ــ ورجعت عشان آخذ حقي… وعشان آخدك.
مريم اتسمرت مكانها، قلبها بيدق بسرعة مش طبيعية.
ــ أنا مش بتاعت حد، ولا بتاعتك.
جون قرب أكتر، المسافة بينهم بقت نفس المسافة اللي قبل ما يسافر، اللي بتخلي قلبها يتهزّ:
ــ لأ… إنتي ليا، حتى لو لسه مش عايزة تعترفي.
مريم انفجرت:
ــ إنتَ مغرور ومتكبّر! فاكر إن كل حاجة بسهولة كده؟!
جون ردّ بنبرة هادية لكن فيها تملك واضح:
ــ لأ… بس متأكّد إني مش هسيبك لحد غيري.
في اللحظة دي، عبده خرج من البيت، لمّحهم، وحس إن في عاصفة عاطفية على وشك تنفجر.
مريم استغلت الفرصة وقالت بسرعة:
ــ أنا داخلة جوه.
دخلت بخطوات سريعة، وقلبها مش مرتاح… عارفة إن رجوع جون هيغيّر حاجات كتير جدًا.
جون وقف في الساحة، عينه لسه على الباب اللي قفل وراها، وكأنه بيعلن حرب جديدة، حرب على قلبها المتمرّد.
ـــــ
بعد ما دخلت مريم البيت، وقفت عند الشباك تبصّله من بعيد. قلبها كان بيتخبط من رجوعه، بس عقلها بيحاول يقنعها تتجاهله.
اليومين اللي بعد رجوعه كانوا غريبين… جون ماحاولش يقرّب زي الأول، ماحصلش خناقات ولا شدّ وجذب، كأنه اتغيّر فجأة.
بقى يقعد مع عبده ويتكلموا في مواضيع عادية، يسأل على كوكو، يضحك مع چو الصغير أوقات… ولما يشوف مريم، يكتفي بابتسامة هادية وكلمة سلام وخلاص.
مريم استغربت التغيّر ده، جزء منها ارتاح إنه ما بقاش يضغط عليها، وجزء تاني حسّ إن الهدوء ده هدوء ما قبل العاصفة.
في يوم، وهي قاعدة في الساحة، لقت جون جاي بالحصان كوكو ماشي جنبه، وقال لها بهدوء:
ــ الحصان كويس دلوقتي، الحمد لله.
مريم ردت وهي بتطبطب على كوكو:
ــ كويس إنه بخير.
جون وقف بعيد شوية، صوته كان هادي بس فيه دفء:
ــ وإنتِ… عاملة إيه؟
مريم بصت له بسرعة وبعدين رجّعت عينيها للحصان:
ــ تمام.
مافيش كلام كتير بعد كده… هو فضل واقف ساكت، وهي بتلعب مع كوكو، وكأنهم الاتنين مش عارفين مين هيكسر الصمت الأول.
اليومين اللي بعد كده، بقى فيه جو هادي بينهم. لا شدّ، لا خناق، بس نظرات متبادلة وأحاديث صغيرة عابرة عن الخيل أو الجو أو الشغل.
في يوم كانو قاعدين في الساحة وفجأة حد غريب دخل عليهم وبص لمريم:
_فين ورثي يا حرامية
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية همسات الحوافر) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.