رواية رحماك الجزء الثالث – الفصل التاسع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم بك استعين وعليك أتوكل، اللهم ذلل لي صعوبة أمري وسهل لي مشقته، وارزقني من الخير كله أكثر مما أطلب واصرف عني كل شر.
(ندم وحنين)
بالمشفى..
فقدت وعيها، ولم تستجب لأي من محاولات أفاقته لها، يأس ودب القلق بقلبه، وجلبها للمشفي، بعدما خمن بنظرته كطبيب ما بها، يبدو من هيئتها أنها تعاني من فقر الدم.. ويبدو أنها بحاجه ضروريه، للتبرع بالدم..
حملها سريعا للمشفي العسكري التي يعمل بها، بحث عن فصيلتها ببنك الدم ولم يجد، كانت المشفي رأسا علي عقب أشخاص قادمون بحالة مزريه مصابون، يصارعون الموت، إثر حادث مأساوي، ويبدو انهم إستهلكوا مخزون البنك بأكمله، حتي أن المشفي فتحت باب التبرع للجميع…. حمدالله أنه ووالدها من نفس ذات الفصيله…
زفر مراد بتعب، من رأس والدها اليابس..
ـ ياعم رضوان..أنا نفس الفصيله..أنا هتبرع لها..هو أنا مش زي إبنك بردو، مفيش وقت علي ماتعمل التحاليل اكون انا إتبرعت……
تدخل معاذ بالحوار رامقا مراد بنظره غير مفهومه..
ـ الدكتور معاه حق ياعمي..خلود أهم دلوقت..
هز رضوان رأسه بالرفض القاطع. …
ـ لا يابني بالله عليك..أنا اهو زي القرد قدامك..خد من عمري كله وإديهولها، بس تفوق يادكتور الله يرضي عليك..
أشار مراد بيده، للممرضه التي إستجابت له سريعا..غامزا لها بالخفاء…
ـ خدي الحاج بسرعه إعمليله تحليل سريع، عشان نسحب منه الدم..
ـ إتفضل معاها ياحاج..ومتقلقش الآنسه خلود هتكون تمام..
ـ يارب يابني يارب..
دلف مراد للغرفه مره أخري..ووقعت عينه عليها، شاحبه كالموتي ، تصارع المرض..
إقترب من صديقه الذي يقف حائرا من أفعاله، لأول مره يتصرف بهوجاء، متوترا، غير موزونا هكذا..
ـ يالا يامصطفي بسرعه خد مني أنا..أنا تحاليلي كلها سليمه..
هز مصطفي رأسه بيأس منه..
ـ طب ارقد هنا واستريح..بس خد أشرب العصير ده الأول، أنت أساسا مفطرتش كويس..
ـ مليش نفس..يالا بس يامصطفي..خليها هي تفوق الأول..
ـ مفيش فايده فيك…يالا ياسيدي..
هز مراد رأسه بآليه، يتمتم بوجع..
ـ الله يسامحك يالمار..هتعملي فيا إيه تاني…؟
أغمض عينيه بعدما رمقها بنظره أخيره..هامسا لنفسه..
ـ أنا أسف سامحيني..حقك عليا..
نظر له مصطفي بتمعن…
ـ مالها لمار هببت إيه تاني..وإيه علاقه الملاك اللي نايمه دي بيها أصلا..؟
لا يعلم لما تغيرت نظرته لصديقه من الوجع للحده..مردفا بغضب من تغزله بها..
ـ مصطفي إحترم نفسك..مش كده ياجدع الله..
انصدم مصطفي من ردت فعل صديقه ونظرته الحاده الذي يرمقه بها، لأول مره وعاد ينظر له ولتلك التي بعالم آخر بتمعن..
مردفا بصدمه..
ـ انت شكلك طبيبت يامراد..فهمني في إيه بالظبط..؟
لا يعلم لما راق له ما توصل له صديقه ولما إستدار بوجهه يحفظ تقاسيم وجهها الملائكي، كما وصفه صديقه
وضع يده الحره الأخري، علي عينه هامسا..
ـ أنا تعبان قووي يامصطفي..تعبان..أفعال لمار هتجيب أجلي خلاص….
تهكم مصطفي علي تلك المدللة الوقحه من وجهة نظره…
ـ انت السبب يامراد قولتلك لمار عاوزه تتأدب، عاوزة راجل يشكمها..
ياريتها تيجي علي الأدب بس ياصاحبي..ياريت..
طب إحكيلي من إمتا، وإنت بتخبي عليا يامراد..
ـــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعه..
دلف مراد للخارج يحاول جاهدا أن لا يترنح…صائما طوال النهار، حتي أنه لم يتناول إفطارا جيدا..يشعر بوهن شديد بجسده بأكمله..
استقام رضوان، ومعاذ سريعا وتبعه والدتها التي قدمت خلفهم هي وشقيقتها وابنة خالته..
ـ أهدي ياحاج..هي بقت كويسه، وإن شالله هتفوق كمان ساعه ولا حاجه..
رضوان بلهفه..طيب ماخدوش مني دم ليه يادكتور انتو مش طلبت ..
لم تنتظر أجابه مراد، صرخت والدتها بلوعه تدعي علي التي تسببت بضعفها وحزنها..وطبعا لم تكن غير شقيقته..
لقد أصبح بين شقي الرحي، مؤكد سيسألونه لما أتي لمنزلهم الآن..فكيف سيجيب. وعن ماذا سيخبرهم..؟
منها لله الهي ربنا ينتقم منها، زي ما سوءت سمعة بنتي وفضحتها..وإتسببت بتعبها
رضوان بحده..إخرسي ياأم خديجه، مسمعش نفسك انتي فاهمه..
جلست زينب بتعب، تذرف دموع الحسرة علي ابنتها..
رمقه معاذ بنفس ذات النظره التي ينظر له بها منذ تقابلا..
لقد صدم بوجود معاذ..ببيت رضوان..
معاذ كان زميل له بالاكادميه الطبيه العسكريه، كان هو يسبقه بعام..ولكنه فوجأ بإستقالته هو ومحمد دفعة واحده..
نظره علم منها أن معاذ يعلم لما أتي..ومن هو؟
كان يظن أنه لم يتذكره في البدء، ولكن من نظرته علم أنه عرف من هو جيدا..
استأذن منهم قليلا، ودلف لمكتبه واضعا رأسه بين كفيه..
دلف معاذ خلفه، ووقف يتفحصه بهدوء..
وباغته قائلا بغضب مكبوت..
أقدر أعرف انت جيت بيت عم رضوان ليه يامراد، بعد اللي أختك عملته..
رفع مراد رأسه، وعلي وجهه هم العالم أجمع..وقد تأكدت شكوكه، أن هذا الماثل أمامه، يعلم كل شئ عنه..
زفر بحزن..
الدنيا ضيقه اوي ياصاحبي، أخرحاجه كنت أتوقعها أننا نتقابل تاني..
جلس معاذ أمامه مردفا بسخريه..
ـ أول ما قريت الإسم شكيت، بس كان عندي أمل أن يكون تشابه أسماء..
تألم مراد من إتهام صديقه له..ولكنه مهما قال فهو محقا ..
وضع مراد كف يده علي وجهه قليلا، وهم الدنيا فوق رأسه.
وأردف يشرح له..
ـ مكنتش هنا، معرفش، ولا أعرف أنها بنت عم رضوان ومراته، إللي بتتعالج عندي من شهور..ولا أعرف أن أختي وصلت للمرحله دي من الغل والحقد..
أنا جيت أعتذر من البنت، وأهلها اللي أختي ظلمتها وإتهمتها بالباطل..
هدأت تقاسيم وجه معاذ..وأردف بسخريه..
وتفتكر الإعتذار لوحده كفايه يادكتور، قبل ماأختك تتهم خلود..فهي اتسببت بسمعه ليها، هتفضل العمر كله تعاني منها..عندك فكره عن الكلام اللي بيتقال عليها وسط الحاره وأظن إنك عارف الأمور بتمشي إزاي، في الحارات الشعبيه، وإزاي بتفضل وصمة عار للبنت مدي الحياة..
مسح مراد علي وجهه بتعب، واردف بقلة حيله..
ـ أعمل إيه يامعاذ، اختي دي لعنه وحطت عليا، حاولت معاها بجميع الطرق، مفيش فايده، الغل والحقد والغيره بقي مالي قلبها..معرفش كانت مخبياه فين ، أو ورثته إزاي، أبويا وأمي مربوناش علي كده..، ولا هي كانت كده، أنا مهما فضلت اتخيل عمري ماكنت أتخيل أن أختي تعمل كده..أنا مبقتش عارف، أعمل إيه؟
وخصوصا بعد إللي عرفته..وإللي كانت ناويه تعمله..
أنا تعبت..تعبت ومبقتش قادر..ولا عارف في أيه بالظبط
معاذ بتساؤل..عرفت إيه؟وإيه أصلا سبب العداوه بين اختك وخلود تخليها تعمل فيها كده..
تهكم وجهه مراد..هقولك إيه بس يامعاذ، أقولك انها وصلت للي أسخم من كده..
معاذ بصدمه..
انطق يا مراد..خلينا نلم الليله علي كده..لأن لولا إني شكيت انها تخصك كنت محيتها من علي وش الدنيا، وانت عارف أنا اقدر علي كده..انت متعرفش عم رضوان وبناته ليا إيه؟.
زفر بتعب..
طب هحكيلك تفكر معايا يمكن تقدر تساعدني، لاني والله ماعنت قادر أفكر أصلا..
بعد قليل..
كان ينتفض معاذ من مكانه، مشيرا للخارج بصدمه..
ـ بسرعه نادي علي بنت خالتك، وإدعي متكونش حكت حاجه لخديجه..بسرعه..
مراد بعدم فهم..أنا مش فاهم يامعاذ..ليه؟
دفعه معاذ للخارج..
أخرج بس وأنا هفهمك..وهاتها هنا…
نفذ مراد مااخبره به، وبعث بالممرضه تنادي علي كريمه..
دخلت كريمه تنظر لهم بتوتر..
فباغتها معاذ بسرعه..
ـ انتي حكيتي حاجه لخديجه، من إللي عرفتيها..
هزت كريمه راسها بالرفض..لا والله ماقولت حاجه ليها، الموقف مش مستحمل أصلا..
ـ ولا هي سألتك انتي كنتي جايه ليه..؟
ـ لا مسالتش، قولتلك مش فايقه..دماغها في خلود وبس..
زفر معاذ براحه..مشيرا لهم.
طب إقفلو الباب، وإسمعوا اللي هقوله كويس أووي..
ــــــــــــــــــــــــــــ
بڤيلا مراد..
ماشي يامراد أنا تعمل فيا كده، أن ماوريتك ما بقاش أنا..
لوت خالتها شفتيها بمكر..
وهتعملي إيه بقي ياختي..
نظرت لمار لها بمكر..انتي اللي هتعملي ياخالتي ياحبيبتي..وبعدين مااحنا دفنينه سوا..
ـ وعاوزاني أعمل ايه بقي يختي..وأخوكي بيطير من بنتي المتخلفه اللي جريت وراه دي زي الهبله..
لمار بسخريه..والله ياخالتي أنا نفذت إتفاقنا، وجبتكو تقعدو هنا..كله بقي من بنتك مليش فيه..
ومادام بنتك خيبه، يبقي أنا مليش دعوه بيها..إتفاقيّ معاكي لسه زي ماهو..
سعاد بغل..
ـ اصبري ياكريمه عليا…بس أما تيجي، المهم دلوقت..خدي كلمي الواد اللي اسمه جاسر ده، وعرفيه باللي حصل..
لمار بسخريه..
ـ طب وهو هيعملي إيه يعني؟
سعاد بإنتباه..
ـ هيعملك إيه إزاي، يجي يتقدملك ويرحمك من اللي هيعمله فيكي مراد..مش أنتي بتقولي بيحبك..وعاوز يتجوزك..
ابتلعت ريقها بتوتر وحسره..هااا..ااه بيحبني ياخالتو..بس مش هينفع دلوقت..
شكت سعاد بأمرها..وجذبتها من ذراعها..مردفه بحده..
ـ بت يالمار بصيلي هنا، انا ااه طماعه ووحشه زي مااكانت أمك بتقولي، وميملاش عيني الا التراب كمان، بس مبحبش الحال المايل، والغلط..
وكله إلا الشرف..وأنا من أول يوم، وأنا شاكه بكرهك لخلود دي..في حاجه مش مظبوطه،
ماهو مش مبرر أنها تكون بتحوم علي الواد إللي انتي بتحبيه، تقومي تعملي فيها كده..
إرتبكت لمار وإرتعش جسدها..
ـ هاا ايه إللي بتقوليه ده ياخالتي..
هيكون في إيه، يعني غير كده..!
ـ انتي بتسأليني انا..أنا اللي بسألك..أوعي يابت يكون اللي شاكه فيها، دا أنا كنت اقتلك أنا بإيديا..
لمار بخوف ظهر جليا علي تقاسيم وجهها..
ـ لا طبعا ياخالتي..مفيش حاجه..هو أنا هبله، ولا إيه..؟
رمقتها سعاد بشك..وإستقامت تخرج من الغرفه بأكملها رأسها يعيد ترتيب الأحداث..
جلست لمار علي الفراش ترتجف بخوف من اكتشاف اخيها لما يهددها به جاسر..
كل ما يحدث من تخطيطه هو..هي أيضا ضحية لدناءته..
ولكنها هي من افرطت بعشقه..
رفعت الهاتف التي جلبته لها خالتها خلسه، وضربت رقمه سريعا..
الو..جاسر..
جاسر بتافف..خير مش قولتلك متكلمنيش إلا لو نفذتي إللي قولتلك عليه..وبعدين رقم مين ده، إنتي كل شويه برقم..
لمار بخوف..ياجاسر أخويا شاف الرسايل وموتني من الضرب ودا رقم خالتي..أللي بكلمك منه..
بالله عليك أمسح صوري وخرجني أنا بره الليله..وأنا مش هضايقك تاني..انا بحبك ليه بتعمل فيا كده..
أشعل جاسر سيجارته ونفخها ببرود..
والله مليش في كل ده..انا مقولتلكيش تغيري منها وتتبلي عليها، وتفضحي نفسك، وتفتحي العين عليكي، أنا كان طلبي محدد من الأول..تجيبلي خلود، مقابل صورك إللي عندي..غيرتك بقي منها وصلتك لكده، مليش فيه انا..
قدامك أسبوعين، يالمار وإلا صورك العريانه، هتكون في كل مكان عالنت والمواقع إياها، إنتي فاهمه بقي..
إنفتحت بالبكاء والرجاء..
بالله عليك ياجاسر، ماتعمل كده، أنا وثقت فيك وأمنتلك وحبيتك تعمل فيا كده..
أبعد الهاتف عن أذنه حتي لا يستمع لقصيدتها المعتاده..
ـ وأنا قولتلك إللي عندي..
صرخت بوجع..
ـ فيها أحسن مني، عشان تبقي هتموت عليها كده..حرام عليك..
جاسر بسماجه..
ـ كفاية إنها رفضت تكلمني..مش زيك..سهله..
قذفت الهاتف أرضا وتكورت علي نفسها..تبكي بحرقه..
ـ بكرهك ياخلود..إنتي السبب..أنتي السبب..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلف مصطفي إلي غرفة مكتب صديقه، بعدما تأكد من خلو غرفة مكتبه..مردفا بحسم..
ـ انا لقيت الحل لمشكلة لمار..
أنصدم مراد من دخوله المفاجئ عليه، وطريقة حديثه..
ـ وإيه بقي الحل؟
مصطفي بجديه..
ـ هتجوزها، وأربيها أنا.؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالبيت الكبير..
فتح الباب ودلفت منه والدته، تنظر له بحزن دفين بقلبها عليه منذ سنوات، وزاد أضعافا مضاعفه، حينما رأته بجانب أطفال سولاف، بكل هذا القرب منه..
إستقام سريعا..هاتفا..
ـ أمي..إنتي، فكرتك حد تاني، تعالي، إتفضلي..
نظرت لاطفالها الذين انطلقوا بالغرفه، يلهون يمينا ويسارا..
تتبعهم عينها بحزن وحب معا..
إلي أن قررت قطع الصمت مردفه بوجع، ظهر جليا في نبرة صوتها…
ـ فكرتني سولاف مش كده؟
نكس رأسه ولم يجيبها..أن كانت تعلم ما به، لما السؤال إذن..؟
نظرت له بوجع..
ـ مش هسألك أن كنت لسه بتحبها ولا لا، لأني عارفه إنك بتعشقها مش بس بتحبها..تعرف يامحمد، أنا وأبوك الله يرحمه، من حبي فيه كنت بخاف عليه، وعلي حبه ليا من الحسد كان عندي وسواس، كنت دايما أطلب منه يعاملني بجفا شويه قدام مرات أبويا، وبنتها..
عشان ميحسدوناش..كان يبصلي ويضحك ويقولي، في حد يلاقي الدلع، وميدلعش..
كنت أرد وأقوله..آه، أما يقولو وحشين أحسن مايقولو حلوين ويحسدونا..
كان يفضل يضحك، وياخدني في حضنه ويدلعني أكتر..ويقولي هو يعني العمر في كام يوم عشان تزعلي مني ولا أزعل منك..دا إحنا هنعيشه مرة واحده..يقولو اللي يقولوه..المهم أنا، وأنتي بنقول إيه؟
مكنتش أعرف أن في حاجات أقوي من الحسد، وهي الغل والحقد وقتل النفس بسهوله كدا..
وإن إللي مكتوبلي هشوفه..مهما عملت
بس عارف يامحمد كل يوم علي مخدتي أرجع أأنب في نفسي، وأقول ااه لو يرجع الزمن بينا تاني، كنت مضيعش لحظه واحده بينا في خصام وزعل وندم..
آااه بس لو يرجع، وأنا اطلب منه مبيبطلش دلع فيا..
مدت يدها ورفعت وجهه الذي خفضه سريعا بعدما وصله مغزي كلماتها..
ـ بوصلي ياقلب أمك..أنا عارفه، وحاسه بيك لو كذبت علي كل الدنيا، مش هتعرف تكذب عليا، الحب عمره، لا كان حرام ولا عيب..
اللي حصل كان درس ليكم أنتو الاتنين يامحمد، ويمكن عقاب من ربنا علي حاجه غلط انتو استعجلتم عليها..وسرقتوها ومكنتش من حقكم، محافظتش علي بنت خالك كويس، وقصرت في حمايتها من نفسك إنت يامحمد
نظر لها مردفا بقلق، من مغزي حديثها..
ـ حاجة إيه ياأمي..أنا..!
إبتسمت بحنو علي توتره وقلقه….
ـ مش قلتلك، متحاولش لأني عارفه كل حاجه..
أنا كنت بشوفك يامحمد، وأنت بتتسحب إنت وهي وتنزلو أوضه الجنينه إللي ورا، تحت بالليل.وحذرتك كام مره بطريقة غير مباشره، بس أنت كنت طايش، وهي اكتر منك..وكام مره قعدت وأتكلمت معاها، بس ولا الهوا..
شوفتك، وأنت بتسرق معاها لحظات مكنتش تحللك يامحمد
اندفع محمد محاولا تبرير مافات..
ياأمي أنا ….
قاطعته بهدوء..
ـ متبررش أنا عارفه إنك متعدتش الحدود..وأنا عمري ماكنت هسمحلك..أنا مبفتحش في اللي فات يابني..أحنا في دلوقت..
اللي فات كان عقاب ربنا ليكم انتو الاتنين..
دفن وجهه يبكي بحرقه كاتما صوته بكفيه، حتي لا ينتبه له الأطفال..مردفا بوجع..
ـ بس كان عقاب قاسي أووي ياأمي، ياريتك ضربتيني وقتها وزعقتي فيا، وقولتيلي متعملش كده، عشان متتعقبش، وعشان متغضبش ربنا فيها….
كنت فهميني ياأمي حرام عليكي..أنا عارف إني غلطت ومحفظتش عليها من نفسي، بس فهمت كل ده متأخر، بعد ما كل حاجه راحت مني..بعد ما خسرتها، وخسرت روحي معاها..
لم تتحمل رؤية انكساره وبكاءه هذا كطفل مذنب، أخذته بأحضانها..تبكي علي بكاءه..
تقبل رأسه، وتمسد علي ظهره بحنان..
ـ حقك عليا ياقلب أمك..لو كنت أعرف اللي هيجرالك ده، مكنتش سيبتك تغلط ابدا، بس كان من خوفي عليك بداري عليك، عشان فهد وكيان ميحرموهاش منك.. وميحرموكش منها، ونسيت أن في عقاب أشد.. وربنا إبتلاني بتعبك، ووجعك يامحمد..
لو في حد كان لازم يتعاقب، فهو أنا مش إنت وهي…
متزعلش مني يابني، دي غريزه الامومه يامحمد اللي خلتني أتصرف بأنانيه كده..
ـ والله ياأمي عمري ماإتماديت أكتر من اللي شوفتيه، أنا كنت بخاف عليها أكتر من نفسي، مش قادر ياأمي، سنين بتعذب، وبدعي ربنا ليل نهار، يغفرلي ذنبي وذنبها، أنا راضي بكل اللي جرالي، بس هي ترجعلي كفايه بقي..
ـ هترجعلك وبكره تقول أمي قالت..هو في حد يقدر ينسي حبيبه الاولاني..
بس أنت أسمع مني، إنت لازم تبدأ تشن حربك عليها..
ابتعد عن احضان والدته، وهو يمسح وجهه بكفيه..
مردفا بضحك علي والداته..
ـ أشن إيه ياأمي بس ، وهي مش طيقاني أصلا..
أشارت علي معتز الذي صعد الفراش، وتعلق برقبة محمد، محاولا الصعود علي كتفه، ليحاوط عنقه بقدميه..
وأردفت بخبث..
ـ شايف الواد القرد، اللي علي كتفك ده..
ضحك وهو يعدل من وضع معتز، حول عنقه..
ـ ااه ماله ده..؟
ـ أهو هو دا بقي حقك من الدنيا، هو والقرده اللي فتحت صندوق ذكرياتك الحزين ده..
انتبه لما تفعله الصغيره وفتح فمه ببلاهه..مردفا بصدمه
ـ ماذا تفعلين مياسين؟
الطفله ببراءه رفعت صورة تجمعه بوالدتها، وهي تأكل الارز بلبن خاصته..
وإبتسمت وقبلت صورة والدتها.. متمتمه ببراءه.. مام..
لكذته والدته بقبضتها بكتفه…
ـ شايف ياخايب العيال دي بقي حكمة ربنا من فراقكم..متضيعش إللي باقي من عمرك تفكر في إللي فات.. وتلوم نفسك، وتندم، خليك في إللي جاي..وإرجع محمد بتاع زمان..وإشكمها كده..وبعدين فين غيرتك الواعره، وهي جايه لابسه مقطع.ومبينه نص شعرها..
دا انا قولت وإنت بتبصلها بغل تحت، هتقوم تجبها من شعرها، إيه ياواد..نقرأ الفاتحة، علي الرجوله ولا إيه؟
نظر لوالدته بصدمه ..
ـ أنتي جايه تطفيها، ولا تولعيها ياأمي..
استقامت وهي تعدل من جلبابها وحجابها وهتفت بخبث..
ـ ولا ده ولا ده..يااخويا..إنت حر..أنا أصلا سمعت جدك بيقول في حد متقدم لسولاف..ويمكن يجوزهاله..ما أنت عارف عادات الصعايده..طول ما البنت لسه صغيره، متقعدش من غير ما تتجوز..
إستقام مفزوعا من مكانه..صارخا..
ـ نعم..جواز مين؟ومين ده اللي اتجرأ وعملها..
قهقهت علي إبنها..
ـ أيوا كده..دا محمد ابني حبيبي..ومتخافش محدش اتقدملها..بس كده او كده هيحصل..لأن دي عوايدنا، وانت عارف..فاتلحلح بقي..هااا
تركته ورحلت..مردفه بخبث..
خد العيال، وفسحهم ياواد يامحمد، ووديهم اسطبل الأحصنه..
محمد بصدمه..
انت بتختبريني ياأمي..
ـ ياشيخ اتلهي..كنت فكراك ذكي..طلعت خيبه..دا جدك أنصح منك…
زفر رافعا رأسه ينظر لذلك الذي يجلس علي عنقه بأريحيه
وضحك بقوه..مردفا بضحك..
ـ هل أعجبتك الخدمه، بالأعلي..؟
معتز ببراءه..
ـ ممتازه..، ولكني أريد رؤية مزرعتكم السعيده..
ضحك بقوه، وهو يبسط ذراعه الآخر، لتلك التي إقتربت ليحملها كأخيها..
ـ هيا إذن لأريكم المزرعه السعيده..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بحثت بالاسفل حيث توقعت أن يأخذهم لغسل أيديهم لم تجدهم..
رمقت الدرج بقلق، بعدما وصلها صوت ضحكات أطفالها آتيا من الأعلي..تسمرت مكانها وهي تصارع أفكارها
أتصعد خلفهم، أم تنتظرهم هنا..تعلم أن طفلاها أذكياء، ولا ينسون الوشوش أبدا..
ومؤكد تذكروه..
يدا حنونه إمتدت لتحاوط كتفها..كانت يد اخيها كيان..
حبيبة قلب اخوها واقفه ليه كده.؟
ـ بدور علي الولاد..إظاهر محمد اخدهم معاه فوق..
هز رأسه بهدوء..ونظر لها مردفا بهدوء..وهو يحثها لداخل شقة جدها..
مش غريبه دي؟
ـ إيه الغريب مش فاهمه؟
ولادك يعرفو محمد…ولا انا بتهيألي..
مخبيه عليا حاجه ياسولاف..
هزت رأسها بسرعه..
ـ لا مش مخبيه، أنا كنت هحكيلك، بس مجتش فرصه..
بعجاله قصت عليه بعض مقتطفات من مقابلتهم الكارثيه معا..
كيان بتذكر..دي الصفقه إللي معاذ ومحمد اتنازلولي عنها..إزاي مخدتش بالي أن دي الشركه، اللي أنتي شغاله فيها..
صمت قليلا..ومد يده يطبطب علي رأسها بحنو…
ـ سولاف لسه مش عاوزه تعرفي محمد عمل إللي عمله ليه؟
أنا من سنين وأنا عاوز أحكيلك وأنتي رافضه..لسه مأنش الاوان تسمعي..من حقه يبررلك، وإنتي تسمعي..
هزت رأسها سريعا بالرفض..لالا مش عاوزه أسمع، مش عاوزه ياكيان..أرجوك انا..
قاطعها بحنان..
ـ أنتي ايه ياسولاف..اللي فوق دا بيعشقك أكتر من نفسه..أنتي فاكره اني مبسوط بحياتك وغربتك دي..وإني مبتألمش وأنا شايفك بتقومي بدورين أصعب من بعض..أب وأم..وخصوصا لأطفال أشقيه زي ولادك..
أنا بس كنت مطمن لأن عارف أن جمبك ميسم وإدوارد..
عارفه لما كان رائد يتجنن ويقول هروح أجيب ميسم خلاص، كنت أنا اللي اتحايل عليه،و عشان عارف انك روحك فيها..
غلبتها دمعتها، فمحتها سريعا..
همت بالحديث الا أن يدا أخري تعرف صاحبها امتدت ورفعت وجهها ..
ـ كيان معاه حق ياسولاف..العمر بيجري ياحبيبة أخوكي..واللي فوق ده بيعشقك..طب تعرفي أن دي أول مره من.خمس سنين يدخل البيت ده..زيك زيه..
بدلت نظرها بين شقيقيها..وأردفت بصدمه..
ـ أنتو بتقولو إيه؟
ـ أنتو عارفين بتقنعوني بإيه؟
ـ مش دا محمد اللي مكنش فيه ولا ميزه بالنسبالكم..
أبتسم كيان، وجذبها من تحت ذراع فهد بقوه وقربها لصدره مقبلا جبينها بحنو أبوي، لا تجده إلا به..مردفا بخبث..
ـ آه دا محمد اللي كنتي دايما تقولي، لو في عيوب الدنيا أنا قبلاه، ملكوش دعوه أنتم..
ابتعدت عنه بخجل من ذكرياتها وجنونها وهوسها القديم به..
ـ أنتو هتستلموني بقي، والله لو مسكتو لاخد عيالي وامشي..احترموني فتره بقاءي هنا، مش هتبقوا أنتو والشياطين اللي فوق دول عليا..
ضربه قويه من عصا الجد علي ظهرها، جعلتها تنتفض من مكانها..تصرخ بوجع..
ـ اي اي..ليه كده ياجدي بس..
نظر لها الجد مردفا بحده وغضب..
ـ ومين قالك يابت ابوكي انك هتخرجي من إهنه، هو دخول الحمام زي خروجه ولا إيه؟
سولاف بصدمه.
ـ تقصد ايه ياجدي؟
ـ اقصد أن أنتي، وخايب الرجا اللي فوق ده..فلتوا من يدي زمان ومعرفتش أربيكوا..
ومن الليله، أني هربيكم من اللاول وجديد وكل إللي حصل ده، أنا إللي مخططله، عشان أربيكم ، وارجعكم إهنه…
خرجت شهقه مصدومه من صدرها..
ـ تربي مين ياجدي..إنت بتقول أيه، أنا عندي شغل..
ـرفع الجد عصاته مره أخري، وعاد يضربها بخفه ضربات متتاليه..مردفا بحده..
ـ علي فوق..علي فوق غيري هدوم المسخره دي، والبسي هدوم حشمه..يالا من جدامي..
شهقت بصدمه..
ـ جدي..
ضربها بقوه أكبر..صائحا بصوت مرتفع الجمها..
ـ قولت فوق..يالا….
نظرت لاخويها، اللذان يضعان أيديهم علي افواههم يكتمون ضحكاتهم علي أفعال جدهم..
ـ كيان..ماتشوف جدك..
هم كيان بالحديث إلا أن عصا الجده القويه اخرسته هو الآخر وهي تقع علي ظهر كيان بقوه..
اقتربت فريده بسرعه من زوجها..تحاوطه بحمايه..
ـ ليه كده ياجدي..ملكش دعوه بجوزي..
نظرت لها سولاف بسخط، وهمت بالحديث قاطعهم صوت الجد القوي..وهو يضربهم جميعا بعصاته..
فهتفت سلمي التي تقف بعيدا، وهي تصقف بيدها هي وطفلاها ..أضرب فهد كمان ياجدي والنبي..هيييه..
نظر لها فهد وهو يهرول علي الدرج بغيظ..
ماشي ياسلمي، أصبري عليا..اشحال لو مكنتش جوزك ياغبيه..دا انا لو بربي كلب كان طمر فيه عنك إنتي وولادك..
ـــــــــــــــــــــــــ
تنظر حولها بدهشه.. وللطريق الذي يسيران به.
ـ الله هو إحنا فين هو دا مش طريق بيت سولاف..إنت واخدنا علي فين يارائد..
رائد بخبث..
ـ لا هو الطريق ياقلب رائد انت اللي بقالك كتير هربانه..ومتعرفيش حاجه..
توقفت وسحبت يدها بحده من يده..
ـ هو إنت كل شويه تفكرني اني هربت ماانت كمان كدبت عليا..
ضحك بقوه وهو يعاود جذب يدها مردفا بخبث..
ـ خدي الامور بسلاسه ياشجرة الدر مش كده..
إحنا بنتكلم..
رمقته بنظره ناريه، وضربت الأرض بقدمها..مردفه بغيظ..
ـ مش قادره ياايبك يااخويه والله، وحاسه إني عاوزه ارتكب جنايه..ممكن أتنيل أعرف إنت واخدني ورايح فين…ومتقولش دا طريق البلد..لان أنا لسه بذاكرتي مفقدتهاش..
قهقه عليها وهو يشير بإصبعه للبيت الذي ظهر أمامهم..
رايحين هناك ياقلب آيبك..
ـ هناك فين؟
ـ تعالي بس وهقولك؟
رمقته بشك..
ـ رائد..انا بدأت أخاف منك..إنت جايبني هنا تقتلني صح..؟
حثها علي السير، بس تعالي ومتخافيش..وسيبيني افكر في مسأله القتل إللي في ماليه دماغك دي..
ـ أف منك، طب وسولاف..
نظر لها مبتسماً..
ـ هو في حد عاقل يزور حد جاي من السفر في نفس اليوم ياقلب رائد..
ـ ااها انااا…وبعدين ماانت وافقت..
غمز لها بخبث..ماأنا وافقت عشان أغراضي الدنيئه..
جزت علي أسنانها مردفه بغيظ..
ـ ااه قول كده بقي..
ماأنا حاولت معاكي، وأنتي اللي مصممه.. تعندي..
قولتلك نتكلم، ونتصافي، وإنتي إللي مش راضيه..
وقفت أمام المتزل الفخم..تنظر له بصدمه..
ـ الله، إيه الجمال ده..بيت مين ده…إحنا جايين نزور حد صح..
فتح الحارس البوابه.. ورحب به، مد يده وامسك بيدها..
ـ ادخلي وانتي تعرفي بنفسك…
كل شئ هنا خطف انفاسها..تدور حول نفسها بالبيت بإنبهار..
ـ ايه الجمال ده..قولي بيت مين ده..
حاوطها من الخلف بذراعه وبالآخر، حررها من نقابها..
هامسا باذنها بعشق..
ـ دا بيتك ياقلب رائد..بيتك انتي..
شهقت ووضعت يدها علي فمها تكتم شهقتها..
ـ بجد يارائد..
ادارها له..وهو يحرر شعرها الغجري من عقدته..
ـ إيه رأيك، عجبك..؟
عجبني بس، دا خد قلبي وعقلي..يعني إحنا هننتقل هنا بعيد عن الحيزبونه مرات ابوك صح.؟
قهقه علي تشبيهاتها..واردف بخبث..
ـ ألا قوليلي ياميسم ياحبيبتي، هو إنتي كنتي مخبيه طولت اللسان والعنف دا فين، ولا كنتي بتسحبيني علي مااتجوزك، صح..كنتي بتثبتيني علي ماتوقعيني..
لكمت صدره بغيظ..
ـ متفكرنيش يارائد احسن لك..ويالا قول أن إحنا هنقعد علطول، هنا..
تعلقت بعنقه كطفله..تتوسله أن يخبرها..
يالا قول هنقعد هنا ياروح قلبي..
جذبها لصدره بقوه، دافنا رأسه بعنقها..مستمتعا بتوسلاتها وغنجها عليه، الذي يعشقه..
إلي أن شعرت بشفتيه تعبث بعنقها فسادا..فهمست بوهن..
ـ رائد..اتلم..
ـ ماانا ملوم بقالي كتير..اتلمي انتي بقي..
شهقت وهو يرفعها بخفه علي ذراعيه، صاعدا بها سريعا للأعلي..
ـ رائد..
قذفها علي الفراش.. وخلع جلبابه، وقذفه أرضا، وإعتلاها مردفا برغبه.. مش عاوز اسمع ولا كلمه..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلعت ثيابها وارتدت تلك العباءه التي اعطتها لها زوجة أبيها.
ـ الله ياماما حلوه أوي العبايه دي..
ابتسمت زينب بسعاده..وهي تربت علي عباءتها..
ـ كل ما كنت أنزل مع البنات يشتروا حاجه كنت اشتري لك منيها..لحد مامليت الدولاب زي ماانتي شايفه إكده، كنت عارفه انك مهما غبتي عني هتحني وترجعيلي..
احتضنتها سولاف بحزن علي تركها لها…ماأنا اتحايلت عليكي تيجي تعيشي معايا ياماما انتي اللي كنتي بترفضي..كنت محتجالك اوي معايا..
ـ واسيب إهنه..وأسيب جدك..وخواتك..ياسولاف..أنا روحي متعلقه إهنه..لااه.
اني كنت خابره إنك مهما بعدتي هترجعيلي ياقلب أمك..الام اللي ربت وعلمت وكبرت، مش اللي خلفت ياسولاف..
ـ عارفه ياماما. عارفه ربنا يخليكي ليا..
ـ ويخليكي ليا ياقلبي إنتي..يالا اخلعي البتاع ده..والبسي طرحه زينه..اكده..بدل دي اللي مبينه نص رقابتك ..
طاوعتها سولاف وهي تبتسم بحب..
ـ حاضر ياأمي..
لمحت زينب ذلك السلسال التي كانت تخبئه بطرف حجابها ومدت يدها وسحبته لتتأكد منه..هو نفس ذلك السلسال القديم، وتعلم صاحبه جيدآ…
ارتبكت سولاف، واستدارت سريعا بخحل من نظرة والدتها…
إبتسمت زينب بهدوء..مردفه برفق..
شهلي علي مااعمل لينا كوبايتين شاي..
زفرت براحه ودفنت السلسال داخل ثيابها وهي تمتم بعتاب لنفسها..
ـ هتفضلي غبيه ياسولاف..حتي سلسلته مش عارفه تقلعيها..
جلست علي الفراش تحاول مكالمة ميسم، ولم تجيب..
مر الوقت سريعا..ودب بقلبها القلق علي اطفالها..لقد قاربت الساعه علي الثانية عشر ولم يأتي بهم بعد..
كلما سألت والداتها تخبرها أنهم معه..وأن تتركهم معه.
دلفت لغرفة والدتها حتي تسألها عنهم..أو تهبط معها للأسفل حتي يأتيا بهم..
وجدتها تغط بثبات عميق..
إف..هعمل إيه أنا دلوقت..ماشي يامعتز أما تطلعلي، انا عارفه تلاقيك إنت اللي شبطان فيه..
عادت لغرفتها تتأفف بصمت مؤكد نام الجميع الآن حتي يستيقظا لطعام السحور كالعاده..
اقتربت من شرفتها التي تطل علي الحديقه ووقعت نظرها علي تلك الغرفه التي لطالما تسللوا لها ليلا..
رحل فكرها لأخر مره جمعتهم تلك الغرفه..وما حدث بعدها..
اخذها الحنين لتلك الغرفه، ولما بها، هل مازالت كما هي، ام تغيرت معالمها كما تغيرو هم..؟
وجدت قدميها تسحبها بلا إراده للأسفل..لتلك الحديقه..
إلي أن توقفت أمامها..
نظرت يمينا ويسارا للحديقه، لم تتغير، بل زادت أشجارها ونمت الأخريات التي تركتهم منذ سنوات إلي أن أصبحت تغطي فروعها الحديقه بأكملها..
دلفت للداخل ببطء وأضاءت ذلك النور الخافت الذي اعده لها محمد بنفسه منذ سنوات..شهقت من منظر الغرفة مازالت علي حالها وكأنها هجرت كما هجر من كانو يتسللون لها..
الغبار يغطي المكان بطريقه دبت الرعب بقلبها..إنكمشت علي نفسها..
وإقتربت من تلك الزاويه التي وضع بها محمد خزانه قديمه، كانو يضعون بها كتبهم القديمه، وملابسها الذي كان يقسم عليها ألا ترتديها، ..إقتربت منها وبيد مرتجفه فتحتها بهدوء..رجعت خطوتين للخلف..بصدمه
كل شئ بها كما تركته..ملابسها الضيقه، التي كان يتخلص منها هنا، وكتبها..
سندت ظهرها علي الحائط ورحلت ذاكرتها لآخر مره كانو بها هنا..
flash back..
إنتصف الليل وهو سيسافر بالغد لجامعته..وهي بالأعلي حزينه منه..ومن تعنيفه لها وغيرته العمياء من كل شئ وأي شخص..
انكمشت علي نفسها بالفراش وهي ترمق هاتفها كل دقيقه بأمل..
كده يامحمد هونت عليك..انفتحت ببكاء مرير..الا أن صدر هاتفها صوتا برنته المميزه..انتفضت من نومتها سريعا واجابته..
ـ محمد..
، قلب محمد انزلي أنا تحت في الجنينه اللي ورا..
تسللت كالعاده إلا ان وصلت للحديقه الخلفيه..باغتها وسحبها للغرفه التي اعتادا أن يهربا لها..كانت غرفه للأثاث القديم..
أغلق الباب خلفه سريعا…
واستدار لها..
إقترب منها ومد يده يمسح علي وجهها بحنان..
ـ كنتي بتبكي بردو..مش قلتلك مش عاوزك تبكي أبداً..
رمقته بعتاب..ودموعها اخذت مجراها علي خدها..
ـ بس أنا زعلانه منك أووي يامحمد..
جذبها لصدره وحاوطها بذراعيه دافنا رأسه بعنقها..
حقك عليا ياقلب محمد..أنا عارف اني مريض بالغيره
بس والله غصب عني، وأنا حذرتك قبل كده، متضحكيش لغيري..ولا تتكلمي مع غيري..
بس ده مش غريب..داا..معتز إبن خالتي
جز علي أسنانه، وهو يتذكر معتز ونظراته التي تفضح عشقه لتلك الغبيه..وأردف بحده..
ـ يكون إللي يكونه..أنا وبس ياسولاف..انا وبس..فاهمه..
متضحكيش لغيري، ولا تتكلمي مع غيري، زعلانه مني، إشكيلي أنا، حزينه، إتكلمي معايا..أنا وبس..انا بغيييرمن شعر راسي، بالله عليكي قدري غيرتي وجنوني..
رفع وجهها، ونظر لها بعشق..
ـ يالاقولي ورايا..أنا وإيه..؟
إبتسمت مردفه بخبث.. وهو تتغلل شعره من الخلف بأصابعها وتشده منه بخفه، وهمست بأذنه، وسولاف وإيه؟
إقترب برأسه من وجهها، ونظره علي كرزتيها، مردفا بعشق وهو يلتقطهما بشفتيه..
سولاف وبس..وبس ياقلب محمد..
أنا أصلا مبشوفش غيرك..مفيش واحده في الدنيا دي كلها تملي عنيا غيرك..
لم يكد يتعمق بقبلته إلا وإستمع لصوت خطوات بالقرب من الغرفه فإبتعدت سريعا عنه بخوف..
ـ محمد في حد هنا..
امسك بيدها..وقبلها بحنان..ششش إهدي ياقلب محمد..متخافيش..محدش هنا..
تعالي نقعد شويه، أشبع منك قبل ما أسافر ونطلع..
back..
غطت وجهها بكفيها تبكي بحرقه..تتمتم بندم…وتستغفر ربها بصوت يملؤه الندم..
ـ ياارب انت عالم إني كنت صغيره، وطايشه..واتعاقبت بما فيه الكفايه..يارب سامحني.. وثبتني علي ديني وإيماني، إنت عارف ضعفي وقلة حيلتي، وخصوصا من ناحيته، سامحني يامعتز، والله ماقادرة، سامحني، وانخرطت ببكاء مرير..
ــــــــــــــــــــــــ
رن هاتفه بإلحاح..منذ قدم بهم للاسطبل وهما ينتقلان من حصان لحصان بلا كلل، ولا ملل..
لقد شعر بالتعب بدلا عنهم..
أشار لحارس الإسطبل..
ـ خد بالك من الولاد يامنصور، علي مااخلص كلام في التليفون…
ـ حاضر يابيه في عنيه..متقلقش عليهم.
محمد بقلق..وهو يرمق معتز الذي يقفز من هنا لهنا..
ـ ربنا يستر..مش عاوز عينك تبعد عنهم فاهم..لو حصل ايه متسبهمش إلا أما إرجع..
ـ حاضر يابيه..
خرج ليجيب علي الهاتف..وهو يتمشي بالحديقه..وعينه علي شرفتها عله يلمحها..ولكن قدمه تيبست عندما لمح إضاءه الغرفه التي كانا يتسللان لها..
أغلق الهاتف غير عابئا بمن يحدثه..وإقترب من الغرفه بأقدام ترتجف..أيعقل أن تكون هي..؟
وقف أمام الباب، يأخذ أنفاسه بصعوبه..
تشجع وتسلل للغرفه بهدوء، حتي لا تشعر به..
اتسعت عينيه بصدمه..وهو يراها متكوره علي نفسها أرضا تبكي وتتمتم بكلام لم يصل لمسامعه…
همس بإسمها بشفتين ترتجفان، وجسد سيخونه بأي وقت ليجذبها لأحضانه بشوق، مصعوقا حينما جثي أمامها ووصله بوضوح ما تقوله..وندمها وخوفها..
ـ سولاف..
انتفضت سريعا من جلستها وهي ترمقه بخوف، وجسد يرتجف من المفاجأه…حتي أنها لم تنتبه أنها ارتطمت به ووقع أرضا يتأوه بتعب….
إنتبه لهروبها من أمامه..فإستقام سريعا، ولحق بها، أمسك بكف يدها قبل أن تخطو للخارج..
هامسا بشوق..
وحشيني ياسولاف..
حاولت إفلات يدها من قبضته، والهروله بعيدا عنه، حتي لاتقع بنفس الخطأ القديم مره أخري، هذه الغرفه لعنه، ويجب أن تفر منها، أين كان عقلها..
لم يكن هو بأحسن حالا منه، كل خلية بجسده، تطالبه بأن يطفئ لهيب شوقه لها..
يصارع قلبه وعقله..بالهروب من أمامها وتركها..وكالعاده قلبه اللعين كسب الرهان أمام عقله..
جذبها بقوه سقطت علي أثرها بأحضانه، شهقت بصدمه وهي تزيحه عنها.وتضربه بقوه علي صدره..
ـ إبعد حرام عليك يامحمد..كفايه كده..إبعد..
أحكم حصار ذراعيه حولها وهو يبكي كالاطفال..
ـ هستغفر ليل مع نهار، بس سيبني أحضنك، وحشتيني ياسولاف..
بحبك..والله بحبك ولا هحب قبلك ولا بعدك سامحيني، ومتعذبنيش مش قادره..
لوهله حن قلبها له، وأستجابت لعناقه، قلبها الخائن يحن له..
وبلحظه، تذكرت معتز وأحضانه وهو يلفظ أنفاسه الأخيره بين ذراعيها..
دفعته بقوه، لا تعلم من أين أتتها..
ورفعت يدها وصفعته بقوه…
متمته بغضب…إنت..
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية رحماك الجزء الثالث) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.