Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثلاثون 30 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثلاثون 30 - بقلم نعمة حسن 

_ ٣٠ _


~ الانتقـام العظيـم! ~

____________

دخل صالح إلى غرفته مجددا، صلى ركعتين ودعى الله أن يرد ابنته سالمةً، ثم فتح الخِزانة ليخرج ملابسه كي يلبسها ويخرج في محاولة مسكينة منه للبحث عن ابنته، ولكن شيئا ما جعله يتوقف أمام خزنته ويفتحها وكأن هاتفا هتف إليه بفعل ذلك، ليقف مصدوما عندما رأى آخر مبلغ كان قد وضعه بها قد انتشل من مكانه ولم يبق له أثر، فهتف عاليا:

_ صفية!!


هرولت صفية إليه وهي تقول بلهفة:

_ نعم صالح؟ هل أجابت اتصالك؟


نظر إليها وإلى الخزنة ثم قال:

_ عنبر أخذت من الخزنة عشرة آلاف جنيها!


نظرت إليه بصدمة وقالت:

_ ماذا؟ وما أدراك أن عنبر هي من أخذتهم؟


نظر إليها بنفاذ صبر ثم قال:

_ إذًا أنتِ من أخذتِهم.


هزت رأسها بنفي وقالت:

_ لا، أنا لم أفعل ذلك أقسم لك .


_ إذًا من سيأخذهم؟ أكيد ليست حياة، وأنتِ لم تفعلي، وأنا لم آخذهم، وعنبر مختفية ولا نعلم أين هي! برأيك من أخذهم؟


أطرقت برأسها أرضا تفكر بحيرة وقد زادت مخاوفها وهواجسها أكثر فقالت:

_ ولمَ ستأخذ مبلغا كبيرا كهذا؟ إن كانت تحتاج للمال لمَ لم تخبرني أو تطلب منك؟ ما الذي يضطرها لسرقتك؟!


تهاوى على مقعده بتعب وصدمة وقال بضياع:

_ عنبر لم تخرج لتتمشى، عنبر هربت!


صرخت بفزع وضربت بيدها على صدرها وهي تقول:

_ ماذا؟ هربت؟ ماذا يعني هربت؟ ولمَ ستهرب؟ ما الذي تقوله يا صالح؟ 


_ ما أقوله هو ما حدث يا صفية، ابنتك هربت والله وحده يعلم أين هي الآن وماذا فعلت بنفسها؟


قاطعه رنين هاتفه برقم حياة فوضع رأسه على يده بتعب وهو يقول:

_ حياة تتصل، ماذا سأخبرها أنا؟ هل سأقول لها أن أختك هربت؟ يا إلهي ماذا يحدث معنا؟! ماذا فعلتِ بنا يا عنبر؟


////////////////


كانت عنبر تجلس بجوار جثة عبدالله الممددة على الأرض، تسند رأسها على الجدار بجوارها وهي تبكي وتقول:

_ كان بإمكاننا أن نصبح زوجين سعيدين! لو أنك حاولت إصلاح خطأك وساعدتني كي أتقبلك، كنت من الممكن أن أنسى أنك اغتصبتني وقتلت كل معاني الحياة بعيني، كنت سأنسى وكان من الممكن أن أحبك، ولكنك كنت تجدد حكم الإعدام علي يوميا، لم تترك طريقة بشعة إلا وعاملتني بها ، لقد تحملتك كثيرا عبدالله ، تحملت إهانتك وعذابك وساديتك، تحملت الظلم والقهر والذل، بالرغم من أنني كنت أستحق معاملة أفضل، ولكنك استكثرت الكلمة الطيبة حتى، حتى كلمة حبيبتي أو زوجتي العزيزة التي كنت تناديني بها دوما لم تنطقها إلا ساخرا مستهزئا وكأنك تتعمد الحط من قدري والانتقاص من شأني. أنت من جعلتني مجرمة بفضلك، عاشرتك عشر سنوات كاملة وتعلمت منك فنون الإجرام شتى، أنت تستحق أن تموت بتلك الطريقة، وبالرغم من أنني أشعر بالشفقة عليك وأنت ترقد بجواري عاجزا مستسلما بهذا الشكل ولكن لو عاد بي الزمن سأفعل نفس ما فعلت وأجعلك تتمزق إربا أمامي من شدة الألم! أكرهك عبدالله.. أكرهك وأكره نفسي التي أصبحت عليها.


استمعت أخيرا لصوت رنين هاتفها الذي لم يتوقف فالتقطته بيدٍ وبالأخرى مسحت دموعها الغزيرة ثم ابتسمت وانفجرت بالضحك فجأة وهي تقول:

_ حياة! البلهاء تترك زوجها في ليلة كتلك وتهتم بأختها المسكينة المثيرة للشفقة.


استقبلت المكالمة بعد أن جففت دموعها بالكامل وقالت بابتسامة:

_ مرحبا بالعروس، لماذا تتصلين بهذا الوقت يا فتاة؟ ألستِ برفقة زوجك؟


هتفت حياة بلهفة وهي تقول:

_ عنبر، أين أنتِ؟ والدي على وشك ان يصاب بالجنون وأمي منهارة، أين أنتِ بربك؟


تنحنحت تجلي حلقها وتحدثت ببساطة وكأنها بأحسن حالاتها وقالت:

_ لماذا هي على وشك الانهيار؟ هل لأنني اختفيت بضعة ساعات ؟ أساسا أنا مختفية منذ سنوات ولم يلحظ أحدًا غيابي، هل اليوم فقط اكتشفوا أنني مختفية.


_ عنبر هذا ليس وقت التلاعب بالكلمات أرجوكي الجميع بالكاد يتمالك أعصابه، أين أنتِ.


_ اطمئني أنا لست بالمدينة من الأساس.


_ ماذا يعني لستِ بالمدينة ؟ هل هذة أحجية ؟ عنبر أخبريني حالا أين أنتِ أين ذهبتِ؟


_ لا تقلقي عزيزتي حياة، لقد ذهبت إلى مصيري المحتم.


كانت حياة قد خرجت من الغرفة وهي تتحدث إلى أختها بلا وعي وتقف الآن بمنتصف الصالة بالتحديد أمام قاسم الذي لا يزال جالسا بالشرفة ويستمع إليها بهدوء.


_ عنبر، أرجوكِ حبيبتي أخبريني أين أنتِ؛ أقسم لكِ إن كنتِ لا تريدين إخبار والداي فلن أخبرهم ولكن لأطمئن عليكِ فقط.


بدا صوتها مهزوزا وهي تقول:

_ لا، والداي سيعرفان بمكاني على كل حال، الجميع سيعرف.


_ ماذا تقصدين؟ علامَ تنوين؟ إياكِ أن تؤذي نفسك أرجوكي نحن بحاجتك، كريم أيضا بحاجتك.. ابنك يحتاجك عنبر لا تنسي هذا.


عنذ ذكر اسم ابنها انفجرت في البكاء بقهر وأخذت تشهق وتبكي بقسوة مما جعل حياة تبكي بدورها وهي تقول:

_ أرجوكي أخبريني أين أنتِ؟ أرجوكي.. هل أنتِ مع عبدالله؟ حتى لو كنتِ قد ذهبتِ إليه صدقيني لن أغضب منك.


تحول بكاؤها إلى شهقات تدمي القلب وتوخز الروح وقالت بصوتٍ مرتعش:

_ حياة، أنا قتلت عبدالله.


///////////


توقف بها الزمن، توقف كل شيء حولها وصمتت كل الأصوات، بهتت كل الألوان وانمحت كل المعالم، توقف قلبها عن النبض تقريبا ودارت بها الأرض، وفجأة سقط الهاتف من يدها بعدما استمعت لما أخبرتها به أختها.


نهض قاسم من مكانه فجأة راكضا نحوها بهلع وهو يقول:

_ حياة، ماذا بكِ؟ حياة..


لم تجب وظلت على نفس حالتها، فالتقط الهاتف عن الأرض وتحدث إلى عنبر عندما استمع لصوت بكائها وقال:

_ عنبر، أين أنتِ؟ ماذا حدث معكِ؟


توقفت عنبر عن البكاء عندما سمعت صوته وصمتت تماما وكأنها لم تتوقع أن تسمع صوته في تلك اللحظة، ثم تحدثت إليه بصوتٍ متردد مهتز وقالت:

_ قاسم؟!


_ ماذا حدث؟ بماذا أخبرتي حياة حتى تصاب بتلك الصدمة؟


أجهشت عنبر بالبكاء بهستيرية وهي تقول بأحرف متقطعة:

_ قاسم، لقد أخذت لك ثأرك أخيرا ممن ظلمك، أنا وعبدالله ظلمناك ظلما بيّنا وآن الأوان كي ترد المظالم.


حدثها بنفاذ صبر وهو يجز أسنانه بضيق:

_ ماذا فعلتِ عنبر؟ أي حماقة ارتكبتِ؟ تكلمي مباشرةً.


_ قاسم، أنا قتلت عبدالله، وضعتُ له السم بالطعام وانتهى.


فغر فاهه حتى أحس بالهواء يكاد يلتصق بحلقه فوضع يده فوق فمه مع شهقة خفيفة، وهو يحاول استيعاب الأمر وقال:

_ ماذا فعلتِ؟ ماذا تقولين؟ أنتِ تمزحين أليس كذلك ؟


_ لا، أنا لا أمزح، لا أمزح لقد قتلته فعلا، قاسم.. أود أن أقولها لك للمرة الأخيرة ولا أعلم إن كان هذا الوقت مناسبا أم لا، أحببتك كثيرا قاسم.


طعنتهُ كلماتها بمقتلٍ وأدمت روحه أكثر، شعر بالعجز والخوف والشفقة، خليطًا من المشاعر ضرب قلبه كعاصفة هوجاء اقتلعت قلبه من جذوره؛ فأخذ يضرب جبهته بكفه عدة مرات بغضب وهو يقول:

_ تبا لغبائك عنبر، ماذا فعلتِ يا غبية؟ لماذا ورطتِ نفسك من أجل إنسان قذر كهذا، يا غبية إنه كان ميتا لا محالة لماذا فعلتِ هذا بنفسك؟ أخبريني حالا أين أنتِ ؟


أخبرتهُ بمكانها وسط حالة من الانهيار التام وأنهت المكالمة فورا  فترك الهاتف من يده ووقف متخصرا بيديه بقلة حيلة ثم اقترب من حياة التي لا تزال بموضعها وأمسك بذراعيها وأوقفها وهو ينظر إليها قائلا بحزم:

_ حياة، هيا استيقظي، هذا ليس الوقت المناسب لتلك الحالة أبدا، لا بد أن نتحرك، ينبغي أن نفعل شيئا.


رآها تنظر إليه بشرود فهزها كالخرقة البالية بين يديه دون أدنى رد فعل وهو يقول:

_ حياة، هل تسمعيني؟ يجب أن نخبر والدك..


صفعتهُ فجأة!!


صفعة قوية خرجت من أعمق أعماقها وهوت فوق وجنته فصدمته وجعلته يحدق بها تحديق الأبله!


_ كفى!


قالتها وهي تصرخ وتابعت:

_ كفى انتقاما أرجـوك، كفاك عبثا بحياتنا، كفـى!!!


نظر إليها مصدوما ومد يده ليتحسس وجنته على إثر صفعتها وقد خيل له أنها صفعته، ولكن لا.. في الحقيقة هي صفعته فعلا. 


_ ماذا فعلتِ؟ ما الذي فعلتِه هذا؟


هدر بها بغضب وأمسك برسغيها وهو يهزها بقوة وعنف ويقول:

_ هل جننتِ؟ كيف تتجرأين عليّ بتلك الوقاحة، ماذا تظنين نفسك؟


_ لا شيء، لا أظن نفسي شيئا قاسم، نحن جميعا لا شيء، نحن بنظرك لا شيء، هل رأيت نهاية انتقامك العظيم ؟ عبدالله مات! وأختي من قتلته؛ بسببك.. لأنه خانها فقتلته .. وأنت من أبليته بتلك البلوة أساسا أي أنك السبب، هل رأيت ماذا حدث لنا أم أنك لا زلت معميًا بانتقامك؟ أرجوك كفى.


طالعها بغضب ولم يعقب، كان لا يزال ممسكا برسغيها فدفعها لتسقط على الأريكة من خلفها واتجه صوب غرفته وهو يقول:

_ بدلي ملابسك حالا، سنذهب لوالدك.


____________


بعد قليل، ترجل قاسم من السيارة ولحقت به حياة، دخلا إلى البيت فتقابلا بصالح الذي كان ينزل الدرج متجها للخارج وتفاجأ بوجودهما فقال:

_ حياة! لماذا جئتِ؟ أنا سأذهب للبحث عنها، سأبحث عنها بكل مكان حتى أجدها لا تقلقي.


نظرت حياة إلى والدها بشفقة ثم إلى قاسم الذي تحدث قائلا بتردد:

_ أنا أعرف مكانها عمي.


نظر إليه صالح متلهفا وقال:

_ حقا؟ هل تحدثتما إليها؟


أومأ قاسم موافقا وهو يتحاشى النظر إليه وقال:

_ أجل.


نظر إليه عمه بشك وقال بريبة:

_ إذًا لماذا ننتظر؟ لماذا أشعر أنكم تخفون علي شيئا؟ تحدث قاسم هل حدث لابنتي شيئا؟ هل آذت نفسها؟ 


نظر قاسم إليه بخوف وقال:

_ عمي، أرجوك حاول أن تبقى متماسكا ، عنبر تقول أنها دست السم لعبدالله بالطعام ومات.


صرخ بقوة:

_ لاااا.. لا يمكن. مستحيــل!!!


احتضنته حياة وهي تحاول أن تهدئ من روعه وقالت:

_ أبي أرجوك اهدأ.


_ ماذا فعلتِ عنبر ماذا فعلتِ!!


أمسك قاسم بيده وهو يقول بأسف:

_ عمي أرجوك تماسك، يجب أن نكون بجوارها الآن، يجب أن نتحرك حالا.


أومأ صالح ونزل ما تبقى من درجات السلم ودموعه تتساقط حتى وصل إلى السيارة فركب وركب قاسم وبالمقعد الخلفي ركبت حياة وانطلق قاسم متحركا.


//////////


بعد مرور ثلاث ساعات كاملة قضاهم قاسم وهو يقود السيارة بصمت وكل ما يفعله أنه يستمع لنحيب حياة وبكاء عمه إلى أن وصل أخيرا للعنوان الذي وصفته له عنبر.


صف قاسم سيارته ونزلوا ثلاثتهم يركضون باتجاه الفندق ولكنهم تسمروا بمكانهم بصدمة عندما رأوا سيارة الشرطة موجودة أمام مدخل الفندق وبجوارها سيارة المتهمين وسيارة الإسعاف ، وعددًا من العساكر ورجال الشرطة يقفون بمدخل الفندق، وبعد لحظات ظهرت عنبر وقد ألقي القبض عليها فكانت تتوسط اثنين من العساكر ويديها مكبلةً بالأصفاد.


        _ استرجاع زمني قصير _


كان حسين يجلس وبيده هاتفه يتصفح به فإذا به يجد خبر مقتل سماهر وصورة عبدالله أسفل الخبر. فزع ونهض من مكانه وهو يجوب الغرفة ذهابا وإيابا ويقول:

_ غير ممكن، عبدالله قاتل!! يا إلهي كيف حدث هذا؟ أليست سماهر تلك من كان يتحدث إليها في الفيديو؟! لماذا قتلها؟ يا إلهي! وأنا كالغبي كنت سأساعده وأعطيه المال، بالتأكيد كان يخطط للهرب! 


وعاد ليجلس بمقعده مرة أخرى وهو يفكر بشرود ويتحدث إلى نفسه قائلا بتيه:

_ وماذا إن تم التوصل إلى مكالماته واتهموني حينها بالتستر عليه أو تم توريطي بأي شكل، في النهاية هذا القاتل لا يأمن مكره، علي أن أخبر الشرطة بما أعرفه وأخلي مسئوليتي تماما، لا ينقصني أن أجد نفسي فجأةً متورطا مع مجرم كهذا.


حسم قراره وخرج من بيته متجها لمركز الشرطة على الفور وأخبرهم باتصال عبدالله وكيف أنه طلب منه أن يشتري المحل لأنه يحتاج للمال بصفة ضرورية وأعطاهم الرقم الذي تحدث إليه منه فقام الضابط بتكليف فريق البحث بتتبع مكان الرقم وبالفعل تم الوصول للنقطة المتواجدة بها الشريحة وتحركوا على الفور للقبض عليه.


ولكن كانت المفاجأة الصادمة لرجال الشرطة أنفسهم هي أن يصلوا ليجدوه مقتولا والجانية تجلس بجواره تبكي على الأطلال.


فقاموا بإلقاء القبض عليها واستدعاء سيارة الإسعاف لنقل الجثة إلى المشرحة لمعرفة سبب الوفاة.


     | عودة للوقت الحاضر |


_ عنبر.


هتف بها والدها بحرقة فانتبهت لمصدر الصوت ونظرت إليه بلوعة وقالت:

_ أبي، سامحني أرجوك.


ركض والدها نحوها بعزمٍ ضعيف ووقف أمامها وأحاط وجهها بكفيه وهو يقول:

_ لماذا فعلتِ ذلك بنفسك؟ لم يستحق يوما أن تضيعي نفسك لأجله.


نظرت إليه وهي تبكي وقالت:

_ لقد أبليتُ حسنا أبي، هذا الشيطان وصل لأفظع درجة من الخسة والدناءة، لقد استحق ما فعلته به.


ونظرت إلى حياة التي تقف على بعد خطوات متيبسة بمكانها وقالت:

_ حياة، كريم بأمانتك.


اصطحبها العسكري لسيارة المتهمين وعيناها معلقةً لآخر لحظة بقاسم الذي كان يرمقها بندم وأسف، ثم التفت لرجال الإسعاف الذين خرجوا وهم يحملون جثة عبدالله وأدخلوها إلى سيارة الإسعاف وتحركوا بها نحو المشرحة.


ظل صالح ينظر في أثر ابنته التي تبخرت فجأة من أمامه وكأنها لم تكن وفجأة شعر بالخدر يسري في جانب جسده الأيسر فمد يده ممسكا  كتفه الأيسر بألم شديد وفجأة سقط أرضا فاقدا وعيه.


///////////////


تجلس فتون بشرفة شقتها وهي تمسك بيدها قدحا من القهوة ترتشفه على مهلٍ، وعلى ثغرها ابتسامة لم تفارقها منذ ذلك اليوم الذي أبلغتها سارة برسالة والدها إليها " أخبريها أنني حتى وإن صرتُ كهلا، سأعود طفلا عند رؤيتها "


تألقت ابتسامتها أكثر ولمعت عيناها بحنين وتمتمت:

_ حتى وإن عدت طفلا من يعيد لي شبابي الذي أفنيتهُ يا حبيبي.


انتبهت لصوت سارة التي جلست بجوارها وقالت:

_ هل كنتِ تحدثين نفسك ؟ 


نظرت إليها أمها وقالت بابتسامة:

_ أجل، في بعض الأحيان نحتاج للحديث مع النفس عندما لا يسعنا الصمت.


تنهدت سارة ونظرت أمامها بشرود ثم قالت:

_ أنتِ محقة، على ما يبدو أن كلانا نحتاج للحديث.


_ ماذا بكِ؟ هل هناك شيئا حدث معكِ؟


ابتسمت سارة ابتسامة متكلفة وقالت:

_ هل تهتمين حقا؟ أم أنكِ تحاولين إثبات أنكِ تَسعين لإصلاح ذلك الشرخ بعلاقتنا.


تنهدت فتون بتوتر وقالت:

_ بالرغم من أن نبرتك تشعرني بالاستياء ولكنني سأجيبك، اسمعيني سارة أنا فعلا أحاول، قد أنجح وقد أخفق ولكنني أحاول جاهدة لرأب ذلك الصدع بيننا، اعتبري أنني لا زلت أتعلم الأمومة كأم مبتدئة، أنا فعلا أشعر أنني أمًا مبتدئة لذلك أرجوكي لا تحبطيني بكلامك هذا.


أومأت سارة بعد أن أطلقت تنهيدة حارة وقالت:

_ حسنا، أعتذر لم أقصد إحباطك، على كل حال أنا أشعر بالتوتر هذه الفترة ربما بسبب الامتحانات. لذلك رجاءً لا تنزعجي من حديثي التافه.


ابتسمت فتون بلطف وقالت:

_ لا تبتئسي طفلتي. كل شيء سيمضي. أشعر أنكِ ستتفوقين على نفسك هذه السنه بالتحديد.


أومأت سارة موافقةً وقال:

_ أتمنى ذلك، ربما يكون هذا التفوق بسبب تحسن علاقتي بأبي، من يدري!


أومأت والدتها بتأكيد وقالت:

_ أكيد، ومن المؤكد أن تفوقك هذا سيسعده جدا.


_ ورؤيتك ستسعده أيضا 


تفاجأت فتون من ردها ونظرت إليها بصمت ثم قالت:

_ رؤيتي؟


_ أجل، إلى متى ستتجاهلينه؟ أنتِ تعرفين أنه نادم، أبي لن يخرج بعد سنه أو اثنتين، أبي لازال ينتظره سبع سنوات كاملة ، هل ستظلين على موقفك حتى تمر تلك السنوات كلها؟ ومن يدري أنه سيخرج أساسا؟ من يضمن أنه لن يموت قبل أن يخرج؟


اغرورقت عيناها بالدموع بحزن وصمتت بينما كانت والدتها تفكر في ما قالته بتأثر وقد لمست كلماتها شغاف قلبها فعلا.


_ أمي، أنتِ تحاولين رأب ذلك الصدع كما تقولين، وأنا أيضا أحاول، وأبي يحاول بكل جهده، هل تستكثرين عليه أن يعيش سعيدا في ظروفه تلك؟ ألا ترينه إجحافا أن تظلي كل تلك السنوات على نفس جفائك وتهمشينه كأنه وحده المذنب؟ أنتِ أيضا أخطأتِ ومع ذلك علاقتنا قيد التعديل، أرجوكِ، علاقتك بأبي تستحق أن تبذلي قصارى جهدك.


ثم نهضت وقالت:

_ من فضلك حاولي.


وتركتها ودخلت إلى غرفتها فتنهدت تنهيدة حارة وتطلعت إلى البحر أمامها وهي تقول:

_ قبل أن أصلح علاقتي معه يجب أن أصلح ما فسد بذاتي أولا.


أمسكت بهاتفها وقامت بالاتصال بصديقتها الجديدة فريال التي أجابت على وجه السرعة وقالت:

_ مرحبا تونه، هل ستأتين لنسهر سويا؟


_ لا، مرة أخرى فريال، هاتفتك لأنني أردت أن أسألك عن شيئ ٍ ما، الدكتور ممدوح.


_ ما به؟


_ أود زيارته بعيادته، تقولين أنكِ تشعرين بالارتياح منذ أن تحدثتِ إليه وأنا أشعر أنني بحاجة للحديث.


صمتت فريال للحظات ثم همهمت وقالت:

_ همممم، صراحةً لا أنصحك بزيارته، هذا الدكتور فاشل فاشل فاشل.


تعجبت فتون كلامها وقالت:

_ حقا؟ ولكن هذا لم يكن رأيك بالأمس؟ 


_ أعلم، ولكني مدحته من باب حسن الجيرة فقط لا غير، ولكن في الحقيقة أنه طبيب فاشل، ابحثي عن طبيبٍ غيره.


مطت شفتيها بتعجب وقالت:

_ حسنا، ليكن ذلك.


_ حسنا حبيبتي تونه، يمكنكِ التحدث إلي أيضا إن أردتِ، أنا مستمعة جيدة لعلمك.


ضحكت فتون قائلة:

_ صراحةً أشك بذلك، أنتِ تتحدثين أكثر مما تتنفسين عزيزتي فلة، على كل حال إن نويت الحديث سأقصد بابك بكل تأكيد.


_ في انتظارك دائما جارتي الحبيبة، تصبحين على خير.


وأنهت فريال المكالمة وهي تتمتم بحنق وتقول:

_ يبدو أنني سأتصرف تصرفات صبيانية عفا عليها الزمن من أجلك طبيبي ذو العينين الزرقاوتين.


وتنهدت بحالمية مفرطة وعادت بنظرها إلى البحر من أمامها وغرقت مع صوت موجه الهادر من جديد.


||||||||||||||||||||||||


نزل قاسم من سيارته أمام مدخل المشفى تتبعه حياة التي لم تتوقف دموعها عن الانهمار، ثم استدعى طاقم الطوارئ الذين نقلوا صالح على السرير النقال لغرفة الفحص والأشعة على الفور.


وقف قاسم أمام الغرفة يدعو الله ويناجيه بسره وهو يقول:

_ يا رب أنجِهِ، أتوسل إليك ألا يصيبه مكروه، يكفي ما حدث!


زفر بتعب واستدار فنظر إلى حياة التي تسند رأسها على حافة المقعد من خلفها وتبكي بصمت، فانقبض قلبه لرؤية حالها وما حل بها، و رق لأجلها بالرغم من أنه كان ينوي أن يلقنها درسا قاسيا ولكن ما حدث يذهب العقل لذلك قرر أن يحنو عليها لأنه يعلم أنها بحاجة إليه في هذا الوقت وبشدة.


نظر  إلى كمية الاتصالات التي وردته من حنان وعزيز ولكنه تجاهلها كلها، لا يجد ما يقوله ولا يملك ما يجيب به أسألتهما في الوقت الحالي.


تقدم نحو حياة وجلس بجوارها فنظرت إليه نظرة مبهمة، فسرها هو أنها عتابا صامتا، عتابا يمتزج بالخوف والحيرة، كان هذا هو إحساسها تماما، ودائما ما ينجح قاسم في سبر أغوارها وفهم ما تشعر به وكأن بينهما رابطا روحيا لم يتم اكتشافه بعد ولا حتى من قِبَلِهما.


نظر إليها نظرةً مطولةً قال بها ما لم يستطع لسانه نطقه، ثم تنهد وقال بصوتٍ مرتجف :

_ لا تكرهيني حياة، أرجوكي.


وضمها إلى صدره فكانت هنا الانطلاقة ؛ نوبة بكاء عنيفة ، بركانًا من المشاعر المختلطة، سيلًا عارمًا من الأحاسيس المتناقضة ؛ بين الحب والحقد، بين الخوف والأمان، بين الحيرة والاطمئنان، بين الشك والثقة، أحاسيس مهلكة جدا لنفس ضعيفة هشة بذلك القدر.


أسندت خدها على صدره، فوق قلبه بالتحديد، ولفت ذراعيها بقوة خلف خصره وكأنها تخشى أن تخرج خارج هذا العالم. هذا العالم الذي تشعر بداخله فقط بالهدوء والسلام.


الأمر أشبه بأن تلجأ الضحية لجلادها؛ تعرف أنها لن تجد راحتها معه، لن تجد سوى المتاعب والمؤرقات، ستخرج من خيبة وتدخل في هزيمة، هي تدرك كل ذلك، ولكن لا يسعها سوى اللجوء إليه ، تعرف أنه من الممكن أن يحتضنها بقوة وينتزعها من حضنه فجأة ويلقيها أرضا بنفس القوة، ولكن لا يسعها سوى أن تنعم بتلك اللحظات الدافئة وتترك مخاوفها وهواجسها لما بعد، الأمر مهلك جدا. صراعًا بين القلب والعقل، بين الفكر والإحساس ، صراعًا لا تنتصر فيه أبدا. تبقى معلقا مذبذبا لا إلى ذلك ولا إلى ذلك. تبقى في المنتصف تتأرجح بين هذا وذاك ولا يسعك إلا أن تواجه كلا منهما على حدة.


هدأت أخيرا، سكنت بين ذراعيه بعد أن شعرت بدفء قلبه واستمعت لدقات قلب قاسم الذي تحبه، بعد أن تلذذت بوجود قاسم الذي تعرفه قبل أن يتبخر وتجد أمامها رجلا آخرا لم ترَهُ من قبل.


قبّل هو جبينها بقوة وربت على ظهرها بحنوٍ بالغٍ وقال:

_ لا تتخلي عني حياة.


نظرت إليه فوجدت الرجاء صريحا بعينيه فأومأت بخفة وهي تمسح دموعها ثم انتبهت إلى خروج الطبيب من غرفة الفحص فركضا نحوه مسرعين فقال:

_ لا أخفيكما سرا، الحالة خطرة، الفحص والتصوير المغناطيسي أثبتا وجود جلطة دماغية، سنعمل كل ما بوسعنا ونتمنى أن يكون الوقت بصالحنا. عن إذنكما.


____________


يتبع

 حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات