Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية شمس الحياة الفصل التاسع عشر 19 بقلم روان سلامة

 رواية شمس الحياة الفصل التاسع عشر 19 بقلم روان سلامة

رواية شمس الحياة الفصل التاسع عشر 19 بقلم روان سلامة

Rawan Salama:
#شمس_الحياة
الفصل التاسع عشر:
                           أريد أن أصنع لك أبجدية
                                غير كل الأبجديات
                           فيها شيء من إيقاع المطر
                       وشيء من حزن الغيوم الرمادية
                      وشيء من توجع أوراق الصفصاف
                                  تحت عربات أيلول
                       أريد أن أهديك كنوزا من الكلمات
                                   لم تهد لامرأة قبلك
                              ولن تهدى لامرأة بعدك
                                         یا امرأة
                                     ليس قبلها قبل
                                    وليس بعدها بعد.

أعاد نديم جملته وكأنه لا يصدق ما يقول:
_أنا لقيت نارفين بنت عمتو.
كانت الصدمة وعدم التصديق تعلوان أوجه الجميع فكيف وجدها الآن؟ إنها مفقودة منذ خمسة عشر عاما، مفقودة منذ أن كانت بعمر الخامسة، هل عادت الآن إلى منزلها حيث كان يجب أن تكون؟
نظر نديم إلى كريم متحدثا بسعادة:
_كريم أنا لقيت نارفين أختك.
أفاق كريم من صدمته ونظر له باستنكار قائلا:
_وأنا المفروض بقى إني أصدقك صح؟
اقترب من نارفين ممسكا ذراعها بقوة مستطردا حديثه:
_عرض عليكي إيه بقى مقابل التمثيلية الرخيصة دي؟ 
أبعده نديم عنها بقوة حينما رأى نظرات الخوف المنبعثة من بنيتيها، قائلا له بقسوة:
_لو أنت مش هتقدر تتحمل مسؤولية أن أنت تبقى أخ كبير ليها يبقى تبعد عنها وهي هتلاقينا كلنا جنبها بس اوعى تفكر تأذيها ولو بكلمة يا كريم.
تركه كريم وخرج من المنزل سريعا، وكانت نارفين تقف متشبثة بذراع نديم بأنامل مرتعشة، فردة فعل أخيها كانت بهذه القسوة، ماذا عن بقية العائلة؟
نهض سليمان المنزلاوي بهدوء وضمها بين ذراعيه بحنان وقد اغرورقت عيناه بالدموع، أخيرا عادت إلى منزلها، عادت إلى أحضانه مرة أخرى، مر شريط ذكرياته معها وهي طفلة صغيرة، كم كان يحبها ويجلسها دائما هي وناردين على قدميه ليطعمهما، كم كانت تشبه ابنته في طفولتها.
شعر بسائل دافئ يسيل فوق قميصه، فرفع وجهها بيده برفق وأزال لها عبراتها الهاربة من عينيها، قائلا لها برفق:
_أخيرا رجعتي لبيتك ولعيلتك مرة تانية يا....
صمت لحظات قصيرة مستطردا بحنان:
_يا أجمل قدر .... تعرفي أن أنا كنت دايما أقولك كده وإنتي صغيرة وإنتي مكنتيش تسمحي لأي حد يقولك كده غيري.
ابتسمت هي برفق قائلة بصوت هادئ:
_عشان إسمي معناه القدر صح؟
أجابها سليمان بحنو:
_أيوه وعشان إنتي أجمل قدر بجد.
أردف زياد بمزاح:
_على فكرة أنا كده ممكن أغير، أنا عرفتك أهو.
قال له سليمان والبسمة تعلو وجهه:
_مش مهم، أي حاجة تهون عشان نارفين.
هتف زياد بتذمر:
_بعتني بالسهولة دي؟ ده أنا معزتي كبيرة بقى.
كانت عينا روجين ممتلئتين بالدموع فذهب نديم واحتضنها برفق، قائلا لها بهمس:
_جبتلك الشوكولاتة اللي بالبندق.
ابتسمت هي قائلة:
_أنت جبتلي حاجة أكبر بكتير من الشوكولاتة يا نديم.
أردف متسائلا:
_جبتلك إيه؟
أجابته بحب:
_رجعت نارفين للعيلة دي تاني والأكبر من ده أن أنت اديتني قلبك وحبك يا نديم وأنا بقيت شمس نديم المنزلاوي.

                             ********

كان يزيد يجلس وعلامات الصدمة مازالت تعلو وجهه فكم تشبه معشوقته، إنها تملك نفس ذات الشعر ذو التموجات الهادئة، ونفس البراءة بنظراتها، ولكن لا أحد يشبه حبيبته في عينيها ونظراتها، ولن تستطع واحدة أخرى أن تجذبه إليها باستثناء حبيبته الوحيدة نورهان، التي ستظل خالدة بقلبه إلى أن يلفظ آخر أنفاسه.

                                  *******

بدأ سليمان المنزلاوي بتعريف العائلة لها وهو يشير إليهم كل واحد منهم على حدا.
قال لها مشيرا نحو فاروق:
_ده عمك فاروق تاني واحد من ولادي، الأول كان محمد الله يرحمه والد نديم، وده يزيد ابنه وعنده يوسف كمان بس هو مسافر دلوقتي مع ناردين أخت نديم عشان فرحهم كان امبارح.
أكمل مشيرا نحو حسين وزوجته:
_وده عمك حسين تالت واحد من ولادي، ودي مراته إنجي، وده إياد ابنهم الكبير، ده وِقَّاص، وده بقى آخر العنقود زياد.
أكمل مشيرا إلى روجين:
_ودي بقى يا ستي روجين مرات نديم وبقت واحدة من أحفادي يوم ما دخلت البيت ده.
سألته وهي تبحث بعينيها قائلة بصوت مرتعش:
_وماما.... ماما فين؟
نظر سليمان لنديم بأسى ثم أجلسها بجواره قائلا برفق: _هقولك كل حاجة بس اطلعي ارتاحي دلوقتي.
سألته والدموع تتجمع بداخل عينيها:
_هي ما.... هي ماتت؟
أجابها نديم سريعا:
_لأ هي كويسة، هي بس تعبانة شوية.
أكمل سليمان قائلا:
_هي كويسة ارتاحي إنتي في أوضتك شوية وبعد كده هقعد أحكيلك كل حاجة.
اصطحبتها روجين إلى غرفتها التي وجدتها مازالت مرتبة وكأن هناك طفلة تعيش بداخلها، رأت ثيابها متراصة بداخل الخزانة بانتظام، ورأت ألعابها توضع بأماكنها، تقدمت هي نحو السرير لتجلس عليه شاردة الفكر بوالدتها.

                               *********

سأل فاروق بجدية قائلا:
_نديم أنت متأكد إنها هي؟ يعني عملت تحليل ولا إيه؟ 
أجابه نديم بهدوء:
_آه عملت بس في موضوع مهم لازم تعرفوه.
سأله حسين بقلق:
_في إيه قول؟
أجابه نديم بهدوئه المعتاد:
_هي ملحقتش تحكيلي كل حاجة بس اللي أنا فهمته أن في عيلة اتبنتها لأنهم مش بيجيبوا أطفال وبعد ما الراجل مات هي كانت قاعدة مع مراته بس الراجل ده كتب جزء من ميراثه ليها لأنه بيعتبرها بنته، فولاد أخوه بيلاحقوها وبيحاولوا يأذوها عشان ياخدوا منها الفلوس دي وتقريبا كده الست اللي ربتها دي تعبانة، أنا محبتش أضغط عليها في الكلام أوي، حتى هي في الأول كانت فاكرة أن ولاد عمها هما اللي باعتني أصلا.
أردف سليمان برزانة والبسمة تعلو ثغره:
_محدش يضايقها ولا يسألها على أي حاجة هي لما تحس نفسها جاهزة هتحكيلنا، هي لسه مش واخدة علينا.
ذهب الجميع إلى النوم ولم يبق غير يزيد جالسا بداخل غرفة المعيشة وزياد يجلس بالحديقة.

                               *******

كانت تجلس نارفين بغرفتها وهي تتفحص كل ما بها وكانت تتذكر كم مرت بطفولة قاسية حتى ظهرت في حياتها عائلتها المتبناة ليتغير مجرى حياتها بالكامل.
قررت الاتصال بوالدتها، فور أن أجابتها سألتها نارفين قائلة:
_ماما سامية إزيك عاملة إيه إنتي كويسة؟
أجابتها بصوت حنون يبث الطمأنينة بداخل قلبها:
_أنا كويسة يا حبيبتي، إنتي عاملة إيه وشوفتي مامتك ولا لسه؟
أجابتها بأسى:
_لسه مشوفتهاش، هي شكلها مش كويسة، أنا خايفة تضيع مني تاني قبل ما أشوفها.
_متخافيش يا حبيبتي هتشوفيها وهتبقى كويسة وتعوضي معاها كل اللي فاتك.
_مش هنساكي يا ماما سامية وهجيبك تعيشي معايا حتى لو هضطر أجيب بيت ليا أنا وإنتي بس.
قالت سامية بصوت وهن:
_متشيليش همي يا حبيبتي أنا كويسة هنا في بلدي مع ريحة بحر اسكندرية المهم تبقي تطمنيني عليكي.
_متقلقيش عليا هكلمك على طول.
أغلقت الهاتف وأخرجت من حقيبتها صورة تجمعها بها هي وزوجها ووضعتها بجانب السرير وكأنها تحاول بث شعور الطمأنينة والراحة بداخل قلبها.
حاولت النوم ولكنها لم تستطع من كثرة التفكير فقررت النزول إلى الأسفل.

                                 ******

جلست روجين على الأريكة بعدما أبدلت ملابسها وأخذت تتناول الشوكولاتة وهي تشعر بالاستمتاع.
اقترب منها نديم قائلا:
_عجبتك؟
قالت له وهي تنظر إلى عينيه:
_عجبتني عشان أنت اللي جبتهالي.
أكملت حديثها بتحذير:
_بس اوعى تكون فاكرني نسيت اللي أنت عملته يعني وسامحتك بالساهل كده.
قال لها بسخرية:
_لأ ما أنا واخد بالي انك مسامحتنيش بصراحة.
أردفت وهي تضع ساق فوق الأخرى بغرور:
_اتفضل احكيلي بقى.
_حاضر يا ستي، بصي أنا كنت بتكلم مع يوسف وبقوله أن أنا حبيتك بجد وأن إنتي بقيتي شمسي....
قاطعته بسعادة قبل أن يكمل حديثه:
_بجد يعني أنا شمسك فعلا؟ 
قال لها باستنكار:
_الله يخربيت الهرمونات إنتي زعلانة مني ولا لأ دلوقتي؟
أجابته ببراءة مصطنعة:
_نديم بصراحة كده أنا كنت بشتغلك أصلا.
اقترب منها قليلا قائلا لها بهمس:
_يعني إنتي بتشتغليني من الصبح يا روجين.
أجابته ببراءة:
_بصراحة آه، أنا أصلا سمعتك وأنت بتحكيله بس حبيت اشوف أنت بتحبني قد إيه.
_قال لها وهو يقترب منها:
_عرفتي دلوقتي أنا بحبك قد إيه يا شمسي.

                             *******

كانت ناردين تنام بين أحضان يوسف في غرفة الفندق.
قالت له بتردد:
_يوسف أنا نديم وحشني أوي.
أردف برفق:
_لو تحبي نقلل الفترة بتاعت شهر العسل براحتك.
أجابته سريعا:
_لأ أنا مش عايزة أضيع أي لحظة ممكن أقضيها معاك يا يوسف، هبقى أكلم نديم بكرا الصبح.
أردف مازحا:
_ده على أساس أن إنتي قاعدة مع شاروخان يعني فمش هاين عليكي تضيعي ولا لحظة جنبه.
صدمته بخفة على كتفه قائلة بثقة:
_أنت عندي أحلى من ألف شاروخان وبعدين ده مناخيره كبيرة.
اقترب منها هو متسائلا:
_وأنا مناخيري صغيرة بقى؟
أجابته مؤكدة:
_آه وكل حاجة فيك حلوة.
قال لها بحب:
_عشان بحب أحلى حاجة في الدنيا.

                               ******

كان كريم يشعر بالحيرة والعجز وكأنه لا يعرف من هو ولا يفهم أي شيء مما يدور حوله، أخذت تعاد جملة نديم بداخل رأسه أكثر من مرة "لو أنت مش هتقدر تتحمل مسؤولية أن أنت تبقى أخ كبير ليها يبقى تبعد عنها وهي هتلاقينا كلنا جنبها بس اوعى تفكر تأذيها ولو بكلمة يا كريم". 
أخذت تتردد بداخل رأسه كثيرا إلى أن فقد صوابه وأخذ يصرخ بصوت عال وبطريقة هستيرية:
_اخرجي من دماغي بقى، أنا مش عايز حد، مش عايز أي حاجة، أنا انسان مش مهم في حياة أي حد. 
أخذ يبحث بين جيوبه عن المخدرات بجنون إلى أن وجدها أخيرا وبدأ يشعر بالراحة التي يوهم نفسه بها.

                                   ******

عندما نزلت نارفين من غرفتها وجدت يزيد يجلس على الكرسي، وكأنه شارد ويوجد برأسه آلاف الأفكار المتداخلة، فذهبت ووقفت أمامه قائلة له بتردد:
_زين أنا......
قاطعها بجمود قائلا:
_يزيد.... إسمي يزيد.
أردفت بتوتر من نبرة صوته:
_أنا آسفة، أنا لسه بتلخبط في الأسماء بس.
قال لها متسائلا:
_عايزة حاجة؟
أجابته بذات التردد:
_ممكن توديني عند ماما، أنا مش عارفة أنام من كتر التفكير و......
قاطعها قائلا بجمود ممتزج بالقسوة:
_مش جدو قالك تنامي وهو هيوديكي بكرا، عايزة إيه دلوقتي؟ وبعدين أنا مش فاضي.
ما إن أنهى جملته حتى نهض وصعد إلى غرفته متجاهلا نظراتها الموجهة نحوه، كانت تقف هي والعبرات متجمعة بداخل مقلتيها، فلماذا يتحدث معها الجميع بهذا الجمود و كأنهم ينزعجون من وجودها بالمنزل؟ كانت تفكر بالذهاب والعودة إلى منزلها ولكنها قررت انتظار الصباح لكي تخبر نديم أولا فهو يعاملها بلين ولا يستحق أن تتجاهل وجوده، خرجت إلى الحديقة لكي تجلس قليلا في الهواء فهي تشعر أنها على وشك الاختناق بداخل المنزل، رأت زياد يجلس على الكرسي واضعا أمامه بعض الأوراق على الطاولة فقررت تجاهله والذهاب بعيدا عنه، ولكنه رآها فترك الأوراق وذهب خلفها، رآها تجلس وهي ممسكة بين يديها قلادة لم يتبين شكلها جيدا، والدموع متجمعة بداخل مقلتيها.
اقترب منها متسائلا برفق:
_لسه صاحية لحد دلوقتي ليه؟
أجابته بصوت منخفض:
_مش عارفة أنام.
جلس بجانبها متسائلا:
_زعلانة من إيه في حاجة حصلت؟
انفجرت هي في البكاء وكأنها لم تعد تحتمل سماع حديث أي شخص، قائلة من بين دموعها:
_هو ليه الكل هنا بيعاملني كده؟ أنا ما صدقت أن أنا لقيت عيلتي وقلت خلاص كل حاجة هتبقى كويسة في الآخر أحس أن أنا مش مرغوب بوجودي ليه؟!
قال لها برفق وهو يمسح دموعها:
_مين قال كده؟ كريم وهو بس عشان حالته النفسية مش مستقرة بسبب اللي حصل من كام سنة وإن شاء الله هيبقى أحسن وغير كده كلنا مبسوطين بوجودك معانا.
أردفت متسائلة:
_ويزيد؟
أجابها بأسى:
_أنا مش عارف إيه اللي حصل بينكم بس يزيد ممكن الوضع يكون صعب عليه شوية بس صدقيني أول ما يهدى هييجي يعتذرلك لوحده.
قالت متسائلة وهي تمسح دموعها:
_وإيه هو اللي حصل زمان مخليهم يبقوا بالوضع ده؟
تنهد قائلا:
_الموضوع طويل شوية وأنا بقول نأجله شوية بس أوعدك أن أنا هعرفك كل حاجة في الوقت المناسب، ومتعيطيش تاني.
ظهر على وجهها بسمة صغيرة وهي تقول له:
_زياد هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
أجابها مازحا:
_قولي يا ستي ما إنتي خدتي عليا خلاص.
بدأت حديثها بتردد:
_هو أنت ممكن توديني عند ماما؟ أنا نفسي أشوفها أوي.
أكملت والدموع تتجمع بعينيها مرة أخرى:
_أنا استنيت 15 سنة عشان أشوفها ومش قادرة أصبر أكتر من كده وأنا حاسة إنها قريبة مني وأنا مش عارفة أوصلها.
أجابها قائلا بحنان:
_هوديكي بس بشرط.
سألته مسرعة:
_إيه هو؟
قال مشيرا إلى القلادة بيدها:
_أن إنتي تقوليلي إيه دي؟
أجابته وهي تضعها بداخل راحة يده:
_دي الحاجة الوحيدة اللي كانت فضلالي من أمي، كنت لبساها ساعت ما اتخطفت ولما شافوا صورتي أنا وماما جواها سابوهالي، وكانت دي الحاجة الوحيدة اللي بقيالي منها هي وإسمي.
نهض زياد وألبسها القلادة بعنقها قائلا:
_دلوقتي بقى هوديكي عندها بس اطلعي هاتي جاكيت أو حاجة عشان الجو بيبقى برد بالليل.
قالت له بإصرار:
_لأ مش عايزة جاكيت أصلا الجو هنا حر غير اسكندرية وديني بس عندها بسرعة.
_حاضر يلا.
ذهب معها إلى سيارته وفتح لها الباب لكي تركب بجانبه.

                                 *******

_أنت غبي، هو أنا مش قلتلك تخلي ولاد عمها دول يلاحقوها عشان متعرفش تدور على عيلتها وازاي تسمح لنديم أن هو يلاقيها أصلا؟
أجابه آدم بضيق:
_والله مش أنت اللي عايش معاه في نفس البيت وبعدين هي مش هتفيدهم بأي حاجة، هي ساعة ما اتخطفت كان اللي خاطفها واحد ملثم يعني هي متعرفش شكله أصلا.
_أنت غبي بتبص تحت رجليك وبس، دي ممكن تكون السبب في أن كريم يتعالج وليلى كمان تتعالج وأنا مش هسمح بده أبدا أنا ممكن أقتل أي حد في سبيل أن خطتي تمشي مظبوطة.

                                  ******

وصلت نارفين بصحبة زياد إلى المصحة فوقفت هي أمام الباب ثم التفتت إليه ويوجد بعقلها العديد من إشارات الاستفهام.
قال لها بهدوء:
_بصي هي حالتها مش كويسة أوي، هي عندها مرض نفسي بقالها 3 سنين ومش قابلة العلاج.
ثم أكمل بصوت ملئ بالأمل:
_بس أنا متأكد أن هي لما تشوفك هتقبل تتعالج وحالتها هتتحسن.
أردفت متسائلة بصوت متحشرج:
_وهي حصلها كده ليه؟ 
_هعرفك بعدين تعالي بس ندخلها دلوقتي. 
طرق باب غرفة الطبيب بهدوء فسمح له بالدخول.

قال له زياد بسرور:
_أنت لو تعرف مين اللي معايا دي هتقوم دلوقتي تدخلنا بنفسك عند عمتو. 
قال طبيب متسائلا ببسمة:
_مين دي بقى يا سيدي؟
أجابه زياد مشيرا نحوها:
_دي نارفين، بنت عمتو.
نظر إليه الطبيب بعدم تصديق ثم أخفض بصره إليها، قائلا بذهول:
_إنتي مش متخيلة الموضوع ده هيفرق في تقبلها للعلاج قد إيه، دي أول ما جت هنا كانت بتهلوس بإسمك وإسم نورهان وكريم لغاية ما الوضع بدأ يتراجع بس أكيد هتتحسن دلوقتي.
أكمل مشيرا إلى الغرفة:
_ادخلوا عندها بسرعة بس حاولي تتماسكي قدامها وتثبتيلها أن إنتي بنتها بأي حاجة كانت بينكم أنتو الاتنين زمان. 
دخلت نارفين إلى الغرفة بهدوء مع زياد، فوجدت والدتها جالسة أمام الشباك، لا يوجد على وجهها أي تعبيرات وكأنها فاقدة للحياة، عندما رأتها نارفين لم تستطع التحكم بدموعها أكثر من ذلك فانهمرت عبراتها بغزارة، ثم ذهبت إليها سريعا لكي ترتمي بين أحضانها، فكم اشتاقت إليها وإلى رائحتها، رائحة والدتها أشعرتها وكأنها في الجنة وكأن هذه الرائحة تساوي العالم بأسره.
قالت من بين شهقاتها وهي تبكي بين أحضان والدتها: _ما.....ماما إنتي وحشتيني أوي...... كان نفسي أندهلك وأشوفك من زمان......كان ......كان نفسي أوي أقولك ماما وأترمي في حضنك.
مسح زياد على ظهرها في محاولة ليجعلها تهدأ.
ابتعدت عنها بضع سنتيمترات وأمسكت يدها وأخذت تنظر بداخل عينيها، ثم خلعت القلادة ووضعتها بداخل يدها قائلة لها بصوت متحشرج:
_فاكرة السلسلة دي؟ اللي كنتي حاطة فيها صورتنا مع بعض........ طب فاكرة كنتي دايما بتقوليلي إيه؟ كنتي بتقوليلي "قدري الحلو".
لم تستطع التحكم بأعصابها أكثر من ذلك فانهارت وهي تقول لها:
_ماما ردي عليا عشان خاطري، أنا مش عايزة أخسرك تاني أنا مش هستحمل أخسرك مرتين.
جذبها زياد بعيدا عنها وهو يحاول جعلها تهدأ، قائلا لها برفق:
_نارفين حاولي تهدي شوية كده.......
انفجرت بوجهه قائلة:
_أهدى ازاي؟ أنت مش حاسس بأي حاجة من اللي أنا حساها، أنا استنيت 15 سنة عشان أشوف أمي وأترمي في حضنها وتكلمني ويوم ما ألاقيها أبقى خايفة أخسرها في أي وقت.
أردف والأسى يظهر على صوته:
_يا نارفين أنا فاهمك بس اللي بتعمليه ده مش هيفيدها بحاجة.
قالت من بين دموعها:
_أنت عمرك ما هتفهمني عشان أنت متعرفش يعني إيه يبقى ليك عيلة وأم وتتحرم منهم، مش فاهمني عشان أنت لما جيت تروح أول يوم المدرسة كان معاك مامتك وباباك زي أي طفل، أنت شاركتهم فرحتك بنجاحك وكنت لما بتخاف من حاجة بتلاقي اللي تترمي في حضنه وتعيط، أنا ملقتش ده أنا كنت لوحدي، فرحت لوحدي، عيطت لوحدي، وخفت لوحدي.
أكملت والألم يظهر جليا في صوتها:
_حتى بعد ما ماما سامية وبابا إبراهيم اتبنوني كنت بشوف كل يوم نظرة الشفقة في عينيهم وفي عين أي حد يعرفهم، وكنت بسمعهم وهما بيقولولها ازاي هتربي واحدة مش بنتك ومتعرفيش أصلها إيه...... وأنت جاي تقولي بعد كل ده أنا فاهمك.
كان يقف ينظر لها باستياء وحزن فكم عانت في حياتها وهي في عمر صغير؟ كيف تحملت كل هذا الألم وحدها؟
قالت له باستنكار:
_هي دي نفس النظرة اللي كنت بشوفها في عين أي حد بيعرف حكايتي.
ابتعدت عنه وعادت لترتمي بين أحضان والدتها حيث هناك رائحتها المفضلة، رائحة الأم، يوجد هناك حنان يكفي العالم بأسره.
قالت وهي ممسكة بيدها:
_عشان خاطري حاولي...... حاولي تتحسني وتبقي كويسة مش هستحمل أخسرك تاني.
شعرت فجأة وكأنها تضغط بوهن على يدها فارتسمت البسمة سريعا على وجهها.
قالت لها و الببسمة تعلو وجهها:
_أنا لازم أمشي دلوقتي وهسيبك ترتاحي بس هجيلك كل يوم، متخافيش مش هبعد عنك تاني أبدا.
قبلتها من جبينها وتحسست خصلات شعرها الشقراء وخرجت من الغرفة، ثم تبعها زياد بصمت وكأنه يرهب الحديث معها لكي لا يؤلمها.
أوصلها إلى المنزل وظلا صامتين طوال الطريق، فهي لم تنبس ببنت شفة وعندما وصلا إلى المنزل، نزلت هي من السيارة بهدوء، وقالت وهي تلتفت نحوه:
_شكرا أن أنت خدتني عندها.
ذهبت دون سماع حديثه وكأنها تخاف رؤية نظرات الشفقة بعينيه.

                                 *******

استيقظت روجين من نومها منزعجة بسبب مداعبات نديم لها، فكان يمسك خصلات شعرها ليضعها عند أنفها.
قالت له بنعاس:
_سيبني بس أنام خمس دقايق وهقوم.
أردف متسائلا:
_أسيبك عشان لما تتأخري على الشغل تتخانقي معايا صح؟
قالت متأففة:
_أنا إيه اللي خلاني أعمل كده في نفسي يارب، أقولك أنا هستقيل بقى أو هقدم على معاش مبكر إيه رأيك؟!
قال هو بدهشة:
_معاش مبكر للدرجة دي!
ثم أكمل بخبث وهو يتفحص خصلات شعرها:
_بس تصدقي عندك حق، ده إنتي حتى عندك شعر أبيض أهو.
نهضت هي من على السرير مسرعة وكادت تسقط وهي ذاهبة لتقف أمام المرآة لتفحص خصلات شعرها بنية اللون، وبعد لحظات قصيرة، نظرت له بغضب قائلة:

_نديم أنت مستفز على فكرة وأنا معنديش شعر أبيض ولا حاجة أصلا.
قال لها ببساطة وهو يضحك على مظهرها:
_مش إنتي اشتغلتيني امبارح يبقى تستاهلي اللي عملته فيكي النهاردة.
قالت له بخبث وهي متجهة نحو المرحاض:
_ماشي يا نديم.
ارتدت بذلة رسمية نسائية نصفها العلوي باللون الوردي، والبنطال باللون الأبيض، وارتدت حذاءا ذو كعب عال باللون الوردي، وتركت خصلاتها البنية منسدلة على كتفيها.
كان يرتدي هو بذلة رسمية باللون الأسود، وقميصا باللون الأبيض.
أمسك نديم يدها بحنان ثم نزلا إلى الأسفل متوجهين نحو طاولة الفطور فوجدا الجميع باستثناء نارفين.
سألهم نديم قائلا:
_هي نارفين منزلتش ليه؟ أنا قلت هتبقى أول واحدة عشان تروح تشوف عمتو؟ 
أجابه يزيد بحنق مشيرا نحو زياد:
_ما هو البيه قام بالواجب أصله.
سأله نديم قائلا:
_أنت عملت إيه يا زياد؟
أجابه منزعجا من يزيد:
_أنا معملتش حاجة غلط، أنا لقيتها امبارح بالليل زعلانة وقاعدة لوحدها وقالتلي إنها عايزة تشوف عمتو ومش عارفة تنام فودتها عندها.
أردف سليمان متسائلا بهدوء:
_وعرفتها حاجة عن الموضوع ولا لأ؟
أجابه زياد:
_لأ مقلتلهاش حاجة هي سألتني وأنا قلتلها هعرفك كل حاجة بعدين.
أكمل باستنكار:
_كده التحقيق خلص ولا لسه؟
نهره حسين قائلا:
_زياد احترم نفسك واتكلم بأسلوب أحسن من كده، إحنا بنفهم إيه اللي حصل.
قاطع حديثهم نزول نارفين ودموعها منهمرة على وجنتيها ممسكة الهاتف بيدها، أعطته لنديم قائلة بصوت متحشرج:
_نديم إيه ده؟ أنا مش فاهمة إيه اللي بيحصل!
عندما قرأ نديم الرسالة المرسلة إليها ورأى الصورة المرفقة معها ظهر على وجهه علامات الغضب وأظلمت عيناه.
__________________________________________
#روان_سلامة

يتبع الفصل التالي اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية "رواية شمس الحياة"اضغط على اسم الرواية


reaction:

تعليقات