رواية أوهانا كاملة للكاتبة مريم عوف عبر مدونة كوكب الروايات
مقدمة رواية اوهانا
"أولئك الذين يفعلون من أجلنا كل شيءٍ يستحقون كل شيءٍ "
تلك الكلمات القصيرة التي دونتها بعد أن أدركت توي أن تلك الأسرة الصغيرة التي كفلتني لم تكن أسرتي رغم أنهم فعلوا لي كل ما يمكن من تضحيات و حصلت على كل سُبل الراحة الممكنة.....إلا أن صدمتي فاقت كل شيء و هم ينادوني بـ اسم رجلٍ عوضًا عن أبي أمجد....أتذكر أني أخذت أنكر انه اسمي و بكيت كثيرًا لولا تأكيد والداي لتلك الحقيقة البشعة بالنسبة لي ، ذلك الاسم الذي احتل مكانةً خلفي....نظرت إليه بتمعن...تُري أين هو ؟ هل صعد إلى أعلي بالسماء مع أمي ام ماذا؟!
أخذت تقلب بين تلك الأوراق و الخطابات التي دونتها والدتها الأصلية لها ، كانت قد أعطتها للسيدة "أميرة " كأنها كانت تشعر بأن مكروها سوف يصيبها .. و على ذكر تلك السيدة الحنون أميرة التي لم تفرق أبدا بينها و بين ابنتها الأصلية فاطمة كانت عوضًا من الله لها
لفت نظرها خطاب بشكل مميز يعتليه اسمها بزخرفة جميلة " آلاء "
طفلتي الصغيرة..
أسفة أني لم اشاهد خطواتك الأولى و أمسك بـيديك
إنت تلك الهبة الجميلة من الله لي و لكن لم يُقدر لي أن أسخرك للخير و طاعة الله....أسفة مجددا أني لست معك ، تركت تواجهي العالم بأظافر ناعمة و قلب بريء ، و لكن اعلم إنك تلك الشجرة المتشعبة في الأرض ذات الأصل الطيب . آمل أن تكوني بخير حال و أكرر إعتذاري لعدم وجودي جانبك..
أوهانا الفصل الأول
في حى بسيط مثل أهله يفتقر إلى أولئك الحوش و الهمج ، الذين يستبيحون أعراض غيرهم ، و يتجرعون تلك السموم......
أستيقظت فاطمة باكرًا عن شقيقتها آلاء تخطط لمقلب جديد توقظها به ، دائماً ما كانت تفعل بها تلك الأفعال الطفولية و دائمًا ما كانت آلاء تهرع إلى والدتهم متذمرة ، و تُعاقب فاطمة
ملئت البالون بالماء و قربته فوق رأس آلاء و كادت أن تدس الإبرة بها إلا أنهما أنتفضتا مفزوعتين من طلقات الرصاص التي أنتشرت بالحي
هرعت كلتاهما إلي غرفة والديهما ، يستمدان الدفء و الأمان.....وقف والدهم يراقب ما يحدث من خلف الزجاج و تلك السيارات السوداء الفارهة التي أنتشرت بالأسفل ، توسطتهم سيارة تبدو أفخم و أغلي بكثير
ترجل منها رجل أربعيني ، طويل القامة ، بشعر أسود فحمي يتخلله القليل من الشيب
وقف عدد ليس بقليل حوله من الحراسة ، خوفًا من أي تصرف همجي من أهالي الحى ترقبًا لما سوف يقوله.....
خرج صوته عاليًا وسط ذلك الهدوء الذي عم المكان " مبدأيًا كده يا أهالي خي الجمالية ، انا هنا هبقي الكل في الكل تقدروا تسموها بلطجة ، اللي تحبوه....كلمتي هي الناهية هنا ، و مقابل ده ليكم الحماية و إعفاء للكل من الضرائب و الفواتير "
أخذ الشباب الموجودون يهللون و يمدحون به بينما الشيوخ و الكبار يعلمون تمام العلم أن لا يمكن للرياح أن تأتي بما تشتهي السفن...
وقف الأخر ينظر لهم و على محياه ابتسامة ساخرة لذاجة أولئك الشباب ، كان يومًا مثلهم
خرج صوت من وسط الحشود "بس ليه المقابل يا بيه ؟! "
"سؤال حلو من راجل عاقل زيك " هتفها بقليل من المكر و هو يخرج من تلك الدائرة المغلقة حوله متجهًا إلى تلك الفتاة التي تقف مع والدتها بمشتريات السوق....
جذبها من خصرها إلي أحضانه دون حياء أو خشية ، بيننا والدة الفتاة ألقت الأغراض أرضاً و أخذت تلطم خديها و تترجاه أن يترك الفتاة....
هتف الأخر بإستمتاع و هو يري خوفهم و خشيتهم منه "المقابل إن بنات الحارة أول ما يكملوا 16 سنة يبقي شغلهم معايا "
أخذ يراقب ردات أفعالهم بإستمتاع أشد و لذة الإنتصار تكاد تجعله يصل إلى أعنان السماء "طبعًا مش محتاج أقول نوعية الشغل ايه "
ابتسامة شماتة و غرور ، تفاخر و ثقة...
بيننا كان الجميع يشيعونه بنظرات الحقد و الغيظ و رغبة عارمة بسفك دمه النجس سيطرت عليهم و لكن قوته تظغي...
فقيدة او فقيدتان كل شهرٍ خزن دائم لا ينتهي
يُصبحون و يُمسون في كابوس رائف العادلي و ليس في يد الأهالي الضعفاء سوي التضرع إلى الله و الدعاء....حُرم عليهم حتي ترك الحى أصبح كابوسًا للفتاة أن تكمل عامها السادس عشر
أصبح هم الحياة أثقل و أثقل و لكن في طرفة عين يغير الله الدتيا من حالٍ إلى حال
كانت آلاء و فاطمة يقفان أمام ذلك التقويم يحصيان ما تبقي لهم على ذلك الكابوس الأسود
ست سنوات و لا أحد يعلم ما يمكن للقدر أن يفعله خلالهم
شعرا بأيدي تربت علي أكتافهم و تواسيهم في صمت.....تُرك الأمر لـ تلك النظرات التي تعبر عن الحسرة و قلة الحيلة
يشعران بـ أن حبلًا يلتف حول عنقهما ، ثانية اثنتان.. ثلاثة أيام.. أربعة أشهر.. مراقبة الوقت تمضي يقتلهما أكثر دون رحمة و كأنه لا يكفي ما ينتظرهما بعد مروره
فكرة الإنتحار متوجة في عقليهما بسبب ذلك الشعور الذي يتسرب إليهما من والديهما بذلك العجز المحيط بهم يجعلانهما يقدمان آلاف المرات باليوم و ليست مرة.. الفصل الثاني اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق